متابعة قراءة حاكم مصرف لبنان ضخم من قيمة الأصول مع تنامي الالتزامات
أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية
حكومة لبنان توافق على تكليف ألفاريز اند مارسال بتدقيق في المصرف المركزي
الحكومة «تنصاع» لصوت العقل.. والقرار للصندوق
تلوح في الأفق مؤشرات اتفاق جديد قد يتم التوصّل إليه لتوحيد خطة الانقاذ بين الحكومة والمجلس النيابي والمصارف ومصرف لبنان، تمهيداً للانتقال الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. اذا صحّت المعلومات، سنكون قد اجتزنا مرحلة الخلافات الداخلية على الارقام والمقاربات، وانتقلنا الى المرحلة الأصعب، مرحلة الالتزام وبدء تنفيذ الاصلاحات.
إبّان الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في العام 2008، نجا لبنان من تداعياتها التي انتشرت في معظم دول العالم. وكان يطيب لأحد المصرفيين اللبنانيين ان يؤكّد لسائليه انّ نجاة لبنان من الأزمة لا ترتبط بقدراته الاستثنائية غير المتوفرة في دول أخرى أكبر وأهم منه، بل لكونه خارج اللعبة. وكان يقول: نحن كمَن يدّعي النجاة من تسونامي ضرب المحيط، وتسبّب في غرق السابحين على الشواطئ، في حين اننا لم نكن نسبح هناك، بل كنّا نسبح في بركة مُغلقة امام المنزل.
هذا التوصيف على بساطته، ينطبق على الأزمة القائمة اليوم. البلد، ورغم انّ حجم الاموال الموجودة في مصارفه يساوي ثلاثة أضعاف حجم اقتصاده، بقيَ كَمن يسبح في بركة مغلقة. وبالتالي، اذا كان هذا الوضع قد شكّل امتيازاً حَمى الاقتصاد، في السابق، فإنه أصبح اليوم وضعاً استثنائياً، ينبغي مراعاة خصوصيته في أيّ حل مُقترح للخروج من النفق. ومن هنا، ضرورة التعاطي مع المعالجة وفق ذهنية حماية الاطراف الاربعة في المعادلة، (الدولة، مصرف لبنان، المصارف، المودع) وتوزيع الخسائر عليهم وفق قدرات كلٍّ منهم.
هذا المفهوم يعني ان لا نفع من توزيع الخسائر وفق مبدأ النسَب في المسؤولية عن الأزمة، لأنّ ذلك يقود الى تحميل الدولة النسبة الاكبر من الخسائر، وهذا ليس في مصلحة الحل. ولا يعني كذلك، تحميل المصارف أو المركزي كل الخسائر، لأنّ السلطة السياسية قادرة على التحكّم بمصير هذين الطرفين، لأنّ ذلك يؤدّي حتماً الى انهيار شامل أعمق وأخطر، ويجعل التعافي بعيد المنال لسنوات طويلة مقبلة.
إنطلاقاً من هذا المبدأ، يمكن صياغة خطة للتعافي لكي تخرج الاطراف الاربعة في المعادلة مُعافاة. وهي أشبه بأربع عجلات للسيارة لا يمكن الاستغناء عن واحد منها، وتوقّع السير بشكل طبيعي الى الامام.
أثبتت تجارب دول عديدة انّ الخروج من الأزمات لا يمكن أن يتم وفق وصفة موحّدة. ما يصح هنا قد لا ينجح هناك، وما يُجدي هنا قد يضرّ هناك. ولعلّ النموذج الاقرب زمنياً لإثبات هذا الواقع، ما جرى في كل من ايرلندا وايسلندا في فترة زمنية متقاربة إبّان الأزمة العالمية في 2008. إيسلندا عاكَست وصفات صندوق النقد، وتمرّدت على المفهوم السائد للانقاذ والخروج من الأزمات، وايرلندا حافظت على كلاسيكية المعالجة، والتزمت وصفات صندوق النقد والمؤسسات الدولية، ولم تتمرّد على المفاهيم السائدة في علم الاقتصاد. والنتيجة انّ الدولتين حققتا نجاحاً باهراً في الخروج من الأزمة في وقت قياسي، والعودة الى التعافي والازدهار. وهناك من يؤكد من علماء الاقتصاد، انه لو عَكسنا المشهد، وطبّقنا النهج الذي اعتمدته ايرلندا في ايسلندا والعكس صحيح، لربما كنّا شهدنا على فشل الانقاذ، وبقاء اقتصاد الدولتين في دائرة الانهيار.
هذا النموذج يؤكد انّ المعالجات الناجحة تنطلق دائماً من مبدأ مراعاة خصوصية كل حالة. والحالة اللبنانية فريدة نسبياً، لجهة حجم الودائع، وحجم الخسائر ونوعية الدين ومصادره، والقدرة على التعافي. لكن لا توجد أيّ خصوصية في مبادئ عامة لا إنقاذ من دونها، مثل وقف الفساد، الاصلاحات، الاستقرار، كسب الثقة الداخلية والخارجية… هذه عوامل مشتركة بين كل الدول، ولا توجد خصوصية تسمح بالقول انّ هذه المعايير يمكن ان تكون مهمة في دولة، وغير مهمة في دولة أخرى لتحقيق الانقاذ الاقتصادي.
في المعلومات المتوفرة حتى الآن، تتجه الامور عندنا لِتَبنّي مبدأ توزيع الخسائر بطريقة تحمي كل أطراف المعادلة، ما دمنا «نسبح» جميعاً في البركة الداخلية نفسها. ويبدو انّ الحكومة بدأت تنصاع لصوت العقل. وهناك ترجيحات ان تحظى الخطة التي سيتم التفاهم حولها بموافقة صندوق النقد لاحقاً مع بعض التعديلات الطفيفة. لكنّ المشكلة تبقى في الاصلاحات المطلوبة، وهي بيت القصيد، حيث لا بوادر حتى الآن على وجود قرار سياسي بإجراء الاصلاحات وخفض منسوب الهدر والفساد في الدولة. وأسوأ ما في هذا الموضوع، أنه باسم محاربة الفساد قد يتم هدر الفرص الانقاذية، والوصول الى الانهيار الكبير. ولمَن يسأل ماذا يعني الانهيار الكبير، يمكن له أن يقوم بمحاكاة بسيطة لمعرفة كيف سيكون الوضع، اذا أضعنا المزيد من الوقت ووصلنا الى مرحلة نضوب ما تبقى من احتياطي نقدي في مصرف لبنان. وماذا يعني أن يصبح سعر الليرة مقابل الدولار 6 أرقام…
أسوأ ما يجري اليوم الاستمرار في «الوَلدنات» وتغطيتها بادّعاء محاربة الفساد. وهذا ما يحصل في ملفات أصبحت تشكّل عناوين فساد سياسي في حد ذاتها، لأنها لا تهدف الى الانقاذ، بقدر ما تستهدف تسجيل النقاط، والضغط على فلان أو علتان. وهذا الوضع الشاذ واضح في طريقة مقاربة ما يُعرف بالـforensic audit والاموال المهرّبة، واسترداد الاموال المنهوبة والموهوبة، كلها تحولت عناوين فارغة من مضمونها الحقيقي، وباتت وسائل تَعمية ولهو، تشتّت التركيز على الاساس، وهو الانقاذ أولاً.
هذا الكلام لا يعني انّ المحاسبة غير مطلوبة، لكنها قد تأتي لاحقاً بعد إنقاذ المريض قبل حصول الوفاة. مع الاشارة الى أنّ أحداً لن يصدّق عناوين المحاسبة ما دام المُحاسب هو نفسه المُرتكب.
انطوان فرح.
ثلاثية الضغوط على المصرف المركزي: صدقية السياسة النقدية على محك تمويل المالية
من المعروف أنّ ذكرى الفترة التضخمية وانهيار سعر الصرف في الثمانينات شكّلا أساس خيارات مصرف لبنان، من حيث سياسة الاستقرار النقدي وتثبيت سعر الصرف، التي انتُهجت بين عامي 1997 و 2019. وقد أظهرت مختلف الدراسات، أنّ المكمن الرئيسي لأزمة الثمانينات كان على وجه التحديد التمويل النقدي لعجز الموازنة، من خلال التسليفات المباشرة من مصرف لبنان إلى الخزانة. في المرحلة الأولى، كانت فترة التمويل عن طريق التسليفات المباشرة من مصرف لبنان إلى الخزانة، أي طبع النقد، وكان النهج النظري، الذي جعل من الممكن تفسير هذه الأزمة هو «التضخم المفرط والمفاجئ» الناتج من التمويل النقدي لعجز ميزانية الدولة تحت – ضغوطات الحكومة المعروفة بمشكلة «التضارب الزمني» التي قدّمها كيدلاند وبريسكوت [1977] وبارو وجوردون [1983].
مع تطور الدين العام، أصبحت السياسة الأنسب للسلطة النقدية اللبنانية مرتكزة على الأسلوب الكلاسيكي الجديد Sargent and Wallace [1981]. وقد أبرز هؤلاء المؤلفون، أنّه حتى لو كان البنك المركزي يسيطر بصرامة على معدل نمو الكتلة النقدية على المدى القصير، فإنّ المديونية المتزايدة للدولة يمكن أن تؤثر على توقعات تحقيق الدخل، وبالتالي التوقعات التضخمية.
فكان اختيار العملاء الاقتصاديين هو «استيراد الصدقية النقدية» باللجوء إلى الدولرة. وكان اختيار مصرف لبنان هو السعي لتحقيق الاستقرار النقدي وفقًا للنهج التقليدي النقدي من خلال التحكّم بالتضخم بالارتكاز على سياسة نقدية مقيّدة، قبل التحرك تدريجيًا بشكل موازٍ لربط سعر الصرف. في ظلّ معدلات دولرة آخذة بالارتفاع، بحثاً عن ضمان القدرة الشرائية للمدخرات وتسهيلاً للتسعير والتداول للمنتجات.
إنطلاقاً من هنا، ومنذ فترة التضخم والانخفاض وتحفيز الدولرة في الثمانينات، اعتُمدت سياسات استقرار مختلفة، وتطورت نتائج كل منها في فترات مختلفة أيضاً. وقد أدّى التضخم الناشئ عن التمويل النقدي لعجز الموازنة إلى قيام مصرف لبنان بتطبيق سياسة استقرار قائمة على ضبط السيولة المتداولة في السوق بالعملة الوطنية، نظراً لعدم تمكّنه من التحكّم بالسيولة بالعملات الأجنبية، الأمر الذي أثبت ضعف فعاليته، لأنّ السيولة التي كانت متوفرة ومتداولة بالعملات الأجنبية كانت حينها الأكثر سيطرة. كان مصرف لبنان في وضع متناقض، إذ عليه من جهة أن يحدّ من السيولة المتداولة بالليرة اللبنانية، في الوقت الذي كان هو نفسه من ساهم في نموّها، من خلال تمويله النقدي لعجز الموازنة. منذ الثمانينات، حاول مصرف لبنان الحدّ من تسليفاته المباشرة للخزينة العامة، والحدّ أيضاً من تحويل مكاسبه من إعادة تقييم احتياطيات من الذهب إلى الخزينة العامة، كونه لم يقم لا بعملية بيع ولا إدارة لاحتياطي الذهب، حتى يعتبر أنّه حقق منه أرباحاً.
منذ بداية التسعينات، استبدل مصرف لبنان والحكومة التسليفات المباشرة بإصدار سندات خزينة، وطبّقوا سياسة أسعار الفائدة المرتفعة لتشجيع الاكتتابات فيها. وكانت هذه السياسة فعاّلة في الحدّ من التضخم، حتى عام 1997 عندما بدأنا في اكتشاف تأثير «الإزاحة» لهذا التقييد النقدي الزائد. منذ عام 1993، تبنّى مصرف لبنان سياسة التقدير التدريجي لليرة اللبنانية، حتى التثبيت الاسمي لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي عند 1507.5 كمعدل متوسط من عام 1997. وأظهرت هذه السياسة فعاليتها في ضبط استقرار سعر الصرف، خلال فترات الأزمات. ورغم ذلك، فقد تبيّن، لا سيما مع انفجار الأزمة منذ أشهر وبدء احتساب خسائر المصرف المركزي، كم كان هذا الخيار مكلفاً من حيث تدخّل مصرف لبنان المستمر في سوق الصرف، بالاعتماد على احتياطيات من النقد الأجنبي وكذلك من حيث أسعار الفائدة المرتفعة.
إنّ المراجع النظرية لدراسة سياسات التثبيت النقدي هي تلك التي لدى Guillaumont-Jeanneney [1994] التي تميّز بين سياسات التثبيت القائمة على المال، وسياسات التثبيت القائمة على سعر الصرف، في حالتين للاقتصاد التقليدي، لعملة واحدة والاقتصاد الدولاري. وتتيح هذه الدراسات فهم النتائج وفقًا لما إذا كانت السياسة النقدية للبنك المركزي موثوقة أم لا. وفي حالة لبنان، تظلّ فعالية سياسات التثبيت النقدي محدودة بسبب قيود مختلفة: بالتحديد الدين العام، وربط سعر الصرف والدولرة.
فالدين العام يمثّل تقييداً للسياسة النقدية ويؤثر على صدقية المصرف المركزي في أعين العملاء الاقتصاديين (الذين يتوقّعون عن حق لجوء الدولة اليه لتمويل الدين العام)، كذلك يشكّل معدّل الدولرة المرتفع تقييداً أيضاً للمصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والتي كانت مكلفة للاقتصاد، دون ضمان الاستقرار الفعلي، والبرهان استمرار معدّل الدولرة بحدود 76% بعد 22 عاماً من تثبيت سعر الصرف، فيما كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومتماه مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعاً بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي.
من المعلوم أنّ الدين العام قد ازداد بـ «تأثير كرة الثلج» منذ بداية فترة إعادة الإعمار في التسعينات. إلّا أنّ الدين العام شهد تغيرًا جذريًا في هيكليته في عام 2002. وحتى العام 2002 ، كانت الحصة أصل الدين العام بالليرة اللبنانية. منذ عام 2002 ، وبعد مؤتمر باريس -2 بالتحديد للدعم الدولي للبنان ، بدأت تكبر حصة الدين العام المقومة بالعملات الأجنبية، ولا سيما بالدولار الأميركي، بنسبة 50% من إجمالي الدين العام.
كان الهدف من هذا التغيير في هيكلية الدين العام هو تخفيض خدمة الدين العام ونمو الدين العام (حيث أنّ أسعار الفائدة على سندات الخزينة بالدولار الأميركي أقل طبعاً من معدلات الفائدة على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية)، وتشجع أصحاب رأس المال المقيم وغير المقيم على الاكتتاب فيها.
لعب هذا التغيير في هيكلة الدين العام دورًا حاسمًا في الحفاظ على سياسة سعر الصرف، وزاد من تعقيد قيود الدولرة. وصندوق النقد الدولي، الذي دعا سابقاً إلى تخفيض قيمة العملة، عاد وأيّد سياسة ربط سعر الصرف، بعد أن تبيّن له أنّ أي تخفيض في قيمة العملة سيؤدي إلى زيادة الدين بالعملات الأجنبية، وسيؤثر على ملاءة الدولة وسيخاطر بإحداث أزمة خطيرة في النظام المصرفي كالتي نعيشها اليوم..
إنّ دولرة نصف الدين العام، بالإضافة إلى ضعف القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية (بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ومكوّناتها المستوردة بمعظمها) يجعل أي تخفيض في قيمة العملة غير فعّال، لأنّ الاقتصاد لن يكون قادرًا على الاستفادة من ذلك، إن لجهة تحرير نفسه من دينه العام أو لجهة زيادة صادراته.
أما أبرز المقترحات التي طُرحت لضمان الاستقرار النقدي في لبنان، فكانت ترتكز على التوسع التدريجي لهامش سعر الصرف، وفقًا لنهج ويليامسون للاقتصادات النامية، مقارنة بالحالة في لبنان، مما يسمح بالانتقال التدريجي من نظام التثبيت الجامد لسعر الصرف إلى نظام أكثر مرونة، يسمح بتحديد أولويات هدف التضخم وفقًا لتحليلات غولدشتاين. وفي الوقت نفسه، تعلّق هذه الدروس أهمية كبيرة على تنفيذ الإصلاحات المالية الموصى بها، للحدّ من وزن الدين العام، الذي يتحمّله البنك المركزي والمصارف التجارية، أي الجهاز المصرفي ككل، وبالتالي تجنّب التوقعات التضخمية المرتبطة بتوقعات تسييل الدين العام.
أما اليوم، فلم يعد بمقدور السياسة النقدية الاستمرار في دعم إخفاقات السياسة المالية، وحان وقت الأخذ في الاعتبار مخاطر استمرار تمويل القطاع العام وتدابير «القدرة على تحمّل ديون الدولة»… أما الاستمرارا بالاعتماد على المصرف المركزي وتكرار النهج ذاته دون أي إصلاحات في المالية العامة، فما هو الّا إعادة للسيناريو المؤسّس للأزمة، وطبعاً بشكل أشدّ أذى للاقتصاد الوطني…
فهل نأخذ العبرة لتحويل الأزمة الى فرصة باتجاه أكثر إنسجاماً بين السياستين النقدية والمالية، على أسس سليمة لكل منها، تعيد الثقة للحفاظ على ما تبقّى من رساميل في البلاد وتخفّض الدولرة عن قناعة وليس بشكل قهري في الاقتصاد اللبناني؟
د. سهام رزق الله.
أستاذة مُحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف
“خريطة حل”… والبديل: “الشلل والانحدار الى وضع أسوأ من فنزويلا”!
أكدت مصادر اللجنة النيابية للمال والموازنة لـ”الجمهورية” انّ خطة التعافي مطلوبة شرط ان تُحاكي الوضع الاقتصادي والمالي كما هو، وليس بافتراضات وتخيّلات غير واقعية.
واشارت المصادر الى انها سبق وعرضت على الجانب الحكومي مجموعة من الافكار التي من شأنها ان تخفف من وطأة الازمة، وتفتح الآفاق نحو الحلول، وبالتالي وضع لبنان فعلاً على سكة الانقاذ والتعافي. وجاءت هذه الافكار على شكل خريطة طريق تقوم على ما يلي:
أولاً، أن تبادر السلطة ولو متأخرة، الى ان تُظهِر للبنانيين وللمجتمع الدولي بأنّ النمط القديم من الأداء قد تغيّر، وان تعتمد الواقعية في مقاربة الازمة وتبتعد عن لغة التحدي.
ثانياً، انّ الحلول موجودة، فلبنان ليس دولة مفلسة، بل دولة متعثرة بالنقد والسيولة، والمعيار اليوم كم هو دينها الخارجي وكم تملك من اصول؟ فالدين الخارجي كان نحو 30 مليار دولار، وفي التفاوض مع الدائنين قد ينخفض بنسبة عالية الى حدود 10 او 11 مليار دولار. وموجودات الدولة كبيرة جداً، فقطاع الخلوي وحده يساوي هذا المبلغ.
ثالثاً، لبنان يستطيع ان ينهض من جديد، فلدى الدولة احتياط في المصرف المركزي بنحو 21 مليار دولار، واحتياط من الذهب بنحو 15 مليار دولار واكثر، وأصول بعشرات مليارات الدولارات. وفي مقدور الدولة ان تحوّل هذه الاصول الى قطاعات منتجة، من دون ان تبيعها، وتظهر بالتالي انّ لبنان دولة غنية. لكن هذا مشروط بحُسن التخطيط.
فعلى سبيل المثال، بحسب هذه الخريطة، فإنّ لدى الدولة ما يزيد عن مليار م2 أرض، واذا شملت المليار متر بـ50 دولاراً للمتر الواحد، فثمنها يجمع نحو 50 مليار دولار. وبذلك، تستطيع ان تُنشىء الدولة شركة عقارية، وشركة لمنشآت النفط ثمنها مليارات الدولارات لأنّ لديها املاكاً هائلة، وتُنشىء شركة للسكة الحديد، وشركة لمرفأ بيروت، وشركات في قطاعات عديدة، وشركة ليبان تيليكوم. والشرط الاساس لذلك هو ان تبادر السلطة الى جَمع المجلس الاعلى للخصخصة، وتوكِل اليه مهمة إعداد خطة “تشركة”، وتبدأ بإعداد دفاتر شروط شفافة، وتستعين بشركات متخصصة لبنانية ودولية لدرس المشاريع وجدواها، وبهذه الطريقة تستطيع ان تمدّ نفسها بالانتعاش من جديد، وبهذه الطريقة لا تجذب فقط المستثمرين العرب والاجانب، بل تجذب قبلهم المستثمرين اللبنانيين، سواء في الداخل اللبناني او في بلاد الاغتراب. وللعلم انّ سيولة طائلة في ايدي المغتربين اللبنانيين تقارب الثلاثة الى اربعة مليارات دولار، يُراد إرسالها الى لبنان والاستثمار فيه، ولكن هؤلاء المغتربين، في حاجة قبل كل شيء الى طمأنتهم بخطوات تجعلهم يثقون بالسلطة. التي أرسلت اليهم رسالة شديدة السلبية بأنها ستعتمد “الهيركات” ليطال 90% واكثر من ودائعهم. والدولة تنتظر من صندوق النقد ان يقدّم 3 او 4 مليارات دولار على سنوات. وتستطيع الدولة، اذا أنشأت هذه الشركات، ان تُحَصّل مبلغاً يعادل ما سيقدمه صندوق النقد واكثر.
رابعاً، بعد ان تقوم بخطة “التشركة”، تبادر السلطة في اتجاه المودعين، لتؤكد لهم انها تضمن ودائعهم. وكونها لا تستطيع ان تدفع “كاش”، تستعيض عن ذلك بأن تمنح المودعين سندات دين بفائدة 1 او 2%، وفي الوقت نفسه تعيد فتح بورصة بيروت، ويتم تداول هذه السندات فيها، ويستطيع حامل السند ان يبيعه إن شاء ذلك بالنسبة التي ترضيه بمعدّل 60 سنتاً للدولار او 70 سنتاً.
وتفترض خريطة الحل انّ المودعين سيقبلون بذلك لأنهم بالتأكيد يريدون ودائعهم، علماً انّ كثيرين منهم يعمدون في هذه الفترة الى بيع ودائعهم بثلث قيمتها وحتى بربعها.
وبرأي المصادر النيابية فإنّ السلطة إذا اعتمدت هذه الطريقة، تخلق مصداقية لها، لكنّ المشكلة تكمن في انّ الادارة السياسية لا هي مبادرة ولا هي ذكية ولا هي خلّاقة، ولا احد يثق فيها داخلياً وخارجياً.
وخلصت مصادر اللجنة المالية الى القول: الوقت لم ينته بعد، والفرصة ما زالت متاحة امام السلطة لكي تبادر الى العلاج، وليس هناك من عذر للحكومة في ان تبقى في دائرة العجز، بل المبادرة الى التخطيط لكيفية الاستفادة من اصول الدولة من دون ان تبيعها، والى البدء بالاصلاحات بالتزامن مع المفاوضات مع صندوق النقد، لأنّ البديل هو الشلل والانحدار التدريجي الى وضع أسوأ بكثير من نموذج فنزويلا.
خريطة طريق للإنقاذ والحفاظ على أموال المودعين
الإخفاقات طويلة وعديدة ولا داعي لذكرها الآن، بل ينبغي التركيز في هذا الوقت على الحلول التي يمكن للدولة أن تتبعها للخروج من أزمتها والمحافظة على مدخرات وتعويضات اللبنانيين في المصارف. وهناك نوعان من الحلول، آنية وطويلة المدى.
الحلول الآنية
أولاً: الإسراع في اعتماد خطة موحّدة بين الحكومة ومجلس النواب وجمعية المصارف، وطرحها أمام صندوق النقد الدولي. فنحن اليوم في أمسّ الحاجة الى كتلة نقدية كبيرة حتى نلتقط أنفاسنا، وأموال صندوق النقد هي خشبة الخلاص الأولى في هذه المرحلة. والخطّة الاقتصادية رغم كل محاذيرها، الّا أنّها أفضل حلّ بالنسبة لنا حتى نعيد إنعاش الإقتصاد.
ثانياً: بذل كافة الجهود لحماية القطاع المصرفي من الانهيار، بدل شنّ الهجوم عليه، لأننا بذلك نحمي أموال المودعين. فإفلاس القطاع المصرفي لا يعني خراب القطاع فحسب، إنما أيضاً خراب المودعين والاقتصاد بالدرجة الأولى. ورغم كل الملاحظات المحقّة على أداء المصارف في الفترة الأخيرة، لكننا اليوم أمام مشكلة، إما أن نعالجها أو نذهب جميعاً الى المجهول. كما يجب ألاّ ننسى أو نتناسى الدور الإيجابي الكبير الذي قدّمه هذا القطاع على مدى سنوات.
ثالثاً: التشجيع على دمج واستحواذ المصارف لبعضها، وذلك بالتعاون مع المصرف المركزي وجمعية المصارف، حيث أنّ هناك مصارف لديها سيولة وأخرى متعثرة، وهذه خطوة مهمّة للحفاظ على القطاع المصرفي وأموال المودعين.
رابعاً: إعادة جدولة القروض المتعثرة وإيجاد طرق مبتكرة لذلك. فمن المجحف أن تعتبر الحكومة القروض المتعثرة خسائر على القطاع المصرفي، لأنّها في الحقيقة مغطاة بضمانات (Collaterals) عالية.
خامساً: على الحكومة أن تعمل جاهدة على إعادة ثقة الاغتراب اللبناني ببلده، فالمغتربون لديهم الحصّة الأكبر من الودائع في المصارف، وهم رغم كونهم الأكثر تضرّراً من هذه المجزرة النقدية والمالية التي حصلت في حق الشعب، الّا أنّهم مستعدون لإعادة ضخ أموالهم والاستثمار في البلد، في حال برهنت الحكومة على جدّيتها في الإصلاح ومكافحة الفساد. والدولة لديها اليوم فرصة كبيرة لجذب السياح المغتربين، لأنّهم لن يتمكنوا من السفر بسهولة الى وجهات سياحية عالمية بسبب كورونا. وبتقديرات بسيطة، إذا دخل الى لبنان مليون مغترب حتى نهاية العام وكل واحد صرف بمعدّل 1000 الى 1500 دولار، يدخل الى البلد بين مليار الى مليار ونصف دولار.
سادساً: على الحكومة أن تضع آليات للعمل على النطاقين الاقتصادي والنقدي. حيث يجب على مصرف لبنان ان يدعم فقط المواد الاستهلاكية من دواء وطحين ونفط، ويترك دعم الزراعة والصناعة للمصارف، وذلك من شأنه أن يعيد تحريك العجلة الاقتصادية ويفتح إمكانيات التصدير وإدخال العملة الصعبة، أو على الأقل تأمين جزء كبير من حاجة السوق المحلي بدل الاستيراد والتفريط بالعملة الصعبة.
سابعاً: حصر طرح الدولار عبر المصارف بدل الصرافين، وهذا بالفعل ما قام به مصرف لبنان منذ بضعة أيام، عبر ضخ مبلغ الـ4 او الـ5 ملايين دولار لدى المصارف، من اجل تأمين الدولار للاستيراد. وهذه الخطوة نأمل أن تلحقها خطوات أخرى، بتحويل كافة عمليات شراء العملة للاستيراد وغيره الى المصارف التي لديها القدرة الاستعابية والبيانات الكافية عن جميع العملاء، للجم الأمور ومنع النزيف العشوائي للدولار.
ثامناً: أن يحوّل المودعون بالليرة اللبنانية ودائعهم الى الدولار على أساس سعر 1515، حتى ولو اضطروا لتجميدها لفترة طويلة (من سنتين الى 5 سنوات) لأنّهم بذلك يضمنون قيمة ودائعهم، التي إذا بقيت بالليرة يتآكلها التضخم. وهذه العملية ما زالت ممكنة حتى الآن، لأنّ المصارف ما زال لديها سندات آجلة بالدولار لدى المصرف المركزي، الذي يجب أن يدعم الكتلة النقدية بالليرة على مراحل، للمحافظة على أموال المودعين والمتقاعدين.
حلول طويلة المدى
أولاً: تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أشخاص ذوي خبرة، لأنّه للأسف حكومة الدكتور حسان دياب فشلت في مهمتها. وهنا نريد حكومة لديها خطة إنقاذية مالية واقتصادية متكاملة، تقوم على دعم الإنتاج (زراعة وصناعة) والتصدير. على سبيل المثال، يجب تقديم كافة التحفيزات للنهوض بقطاعنا الصناعي، مثل تأمين الكهرباء المدعومة، وتقديم التحفيزات الضريبية بالتعاون مع وزارة المالية، وخلق أسواق جديدة للتصدير عبر سفراء لبنان في العالم، وحماية الإنتاج من المضاربة الشرسة التي عانينا منها كثيراً، عبر إلغاء بعض اتفاقيات التبادل التجاري الحرّ التي كان قد وقّعها لبنان مع أوروبا والبلاد العربية، حيث لا يمكن أن نقارن إقتصادنا باقتصاد السعودية أو مصر التي تُغرق أسواقنا بالبضائع، بينما صادراتنا اليها قليلة جداً.
ثانياً: استعادة الأموال المنهوبة، ورغم أنّه من الصعب جداً استعادة الأموال التي هُرّبت الى الخارج، الّا أنّه ما زال بإمكاننا استرجاع الأموال المنهوبة التي ما زالت موجودة داخل المصارف اللبنانية، وتقدّر قيمتها بين الـ 5 والـ 7 مليارات دولار. وهذه الأموال يمكن استخدامها في إعادة رسملة المصارف، عبر تسديد سندات «اليوروبوندز» أو سندات الخزينة وشهادات الإيداع، التي موّلت فيها المصارف الدولة اللبنانية ومنعتها بذلك من الإنهيار.
ثالثاً: توازن السياسات الخارجية، خصوصاً
مع أميركا، التي لا يمكننا معاداتها لأنّها يمكن أن تفرض علينا عقوبات وتقطع عنا الدولار ونظام «السويفت» (Swift) العالمي، الذي هو أساس التعامل مع العالم الخارجي. لذلك، الخطاب السياسي والتراشق الإعلامي اللذان لا جدوى منهما، يجب أن نضع لهما حداً، لأننا كمثال النملة التي تتحدّى فيلاً.
وعن التوجّه شرقاً أو غرباً، ليس من المستحب أخذ طرف محايد مع أي جهة، بل الحلّ الأنسب هو الانفتاح على كافة الجهات ودعوتها للاستثمار في البلد، عبر دفاتر شروط ومناقصات عالمية شفافة موحّدة، وليربح الأفصل بعيداً من المحاصصات والتنفيعات.
وأخيراً، كان قد أبدى السفير الصيني استعداد بلاده لتنفيذ 3 مشاريع في مجال الكهرباء وسكة الحديد، التي تربط الشمال بالجنوب وبيروت بالبقاع، والنفق الذي يربط بيروت برياق على طريقة الـ BOT. كذلك يمكن للصين أن تساعد في مجال إدارة النفايات وفتح البلد امام السيّاح الصينيين.
رابعاً: إنشاء مجلس نقد، وهذه الفكرة كان قد اقترحها الدكتور حسن خليل سنة 1997 على رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. وهكذا خطوة تساعدنا كثيراً في هذه المرحلة، لأنّه لا يمكننا الاستمرار بطبع العملة دون أي تغطية، لأنّ ذلك يؤدي الى التضخم وفقدان الليرة لقيمتها وتراجع القوة الشرائية.
خامساً: ضبط عمليات التهريب عبر الحدود، خصوصاً للمواد المدعومة مثل النفط والطحين والأدوية، لأنّ ذلك يشكّل خسائر كبيرة في احتياطاتنا من العملة المحلية.
سادساً: منع الإحتكارات على غرار العديد من دول العالم.
سابعاً: وقف الهدر في الكهرباء، وذلك عبر إطفاء كافة المعامل نهائياً والإعتماد لفترة على المولدات، وطرح مناقصات عالمية لإنشاء معامل حديثة على أساس الـ BOT.
ثامناً: وهذا الحلّ بيد الشعب اللبناني نفسه، حيث نأمل في الانتخابات المقبلة أن يحكّم كل إنسان ضميره وينتخب على أساس الكفاءة والجدّية في العمل لا أن ينتخب نفس الطبقة والأحزاب، لأنّه بذلك تكون نهايتنا على أيدينا.
تاسعاً: فتح خطوط ائتمانية عبر تغطية من الذهب (من دون المساس به) وقد تصل الى 5 أو 6 مليارات دولار تُضخ عبر المصارف وتكون حصراً لتمويل قطاعي الصناعة والزراعة، لإعادة إحياء العجلة الاقتصادية. وكل ذلك عبر خطط مدروسة بتقنية وشفافية عالية.
مع الأسف، ورغم كل ما يحصل للشعب اللبناني من إفلاسات وبطالة وجوع، وما قد ينتج منها من جرائم وتفلّت في الأمن، ما زالت الحكومة تتخبّط، والمحاصصات سارية والصفقات تُعقد، والمستقبل قد لا يكون مطمئناً، الّا إذا…
د. عطية المعلم.
رهانات خاطئة في دولة منهارة مفلسة
يبدو إننا دخلنا في واحدة من أصعب فترات الإضطراب في العملة، وحيث يبدو وفي كثير من الأوجه، اننا أشبه بفنزويلا والأرجنتين، وقد يكون من أهم الأسباب عجز دائم في ميزان المدفوعات وعدم قدرة البنك المركزي على التدخّل في سعر الصرف، من أجل إبقائه ضمن معدلات مقبولة.
من المعروف في الاقتصاد، انّ أموراً ثلاثة لا يمكنها أن تتواجد في الوقت نفسه: سعر صرف ثابت – حرّية إنتقال الأموال وسياسة مالية. ولطالما إستفدنا في السنوات الثلاثين الماضية من سعر صرف ثابت، وتمتّعنا بحرّية إنتقال الأموال، ما يعني إننا وللأسف لم يكن لدينا سياسة مالية. وكان همّ البنك المركزي الوحيد تثبيت سعر صرف العملة، دون الأخذ في الأعتبار أي شيء آخر.
ولكن، وعلى ما يبدو الآن، أصبحنا في أزمة عملة، حيث نلاحظ التراجع المخيف في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، علماً أنّ البنك المركزي أستنفد قدرته على التدخّل- أو أنه لا يريد- لإنقاذ ما تبقّى من الليرة. وعكس ما ندرسه في مادة الاقتصاد، ما زال البنك المركزي يطبع العملة، الأمر الذي يساهم الى حدٍ بعيد في زيادة التضخم الذي فاق كل التوقعات وتراجعت معه القدرة الشرائية، وبات أكثر من 50 بالمائة من الشعب اللبناني في حالة اقتصادية مزرية.
من الواضح هنا، وجود تواطؤ بين السياسيين والمصارف والمركزي، ولا أحد يعلم ما هي رهاناتهم، والأكيد دخلنا في المجهول، وما يُنشر عن تدهور سعر الصرف الى مستويات مخيفة، منطقي، كون الدولة عاجزة عن فعل أي شيء، وما زالوا مختلفين على جنس الملائكة، وما إذا كانت الشركات تتعاطى مع إسرائيل، أو تبيان ما إذا كانت ميول صندوق النقد الدولي أميركية بإمتياز.
وإذا ما قارنا وضعيتنا ببعض الدول مثل فنزويلا والأرجنتين والبرازبل وتركيا، نرى أننا قد نكون أشبه في وضعيتنا الحالية الى الأرجنتين، لا سيما من ناحية زيادة مخاطر الاقتراض السيادي وتراجع البيزو مقابل الدولار، في فترة لا تتعدى الـ8 أشهر، الأمر الذي أدّى الى زيادة التضخم وإرتفاع مخيف لأسعار الفوائد – ومع فارقين مهمين: لا يمكننا رفع أسعار الفوائد مع إنهيار القطاع المصرفي، ولم نحصل على رزمة المساعدات التي حصلت عليها الأرجنتين، وبلغت 50 مليار دولار في حزيران الماضي، وهي أكبر رزمة مساعدات يقدّمها صندوق النقد الدولي في تاريخه.
هذا وقد تصبح عملتنا مثل البيزو غير محصّنة، إلا إذا أستطاعت الدولة إعادة هيكلة ماليتها العامة ودفع مستحقاتها من «اليوروبوند» وغيرها. أما بالنسبة للمستثمرين الأجانب، فلا يمكننا إدخالهم في أية معادلة، لا سيما وأنّ ما يحدث في القطاع المصرفي هو سرقة منظمة لأموال المودعين من لبنانيين ومغتربين، مما يعني إنعدام الثقة مع قطاع كان يشكّل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، كون المغتربين غير مستعدين لإرسال أموالهم الى بلد مسروق منهوب لا ثقة بقادته ولا بحكومته ولابسياسييه ولا بمصارفه. وعادة ما تتعلم الدول من التاريخ ومن خبراتها او خبرات غيرها من الدول. وإذا ما عدنا الى العام 1990 نرى أنّ الأرجنتين اعتمدت ولغاية العام 2001 مجلس النقد، وهذا ساعدها كثيراً في الخروج من أزمتها المالية السابقة. وبإعتراف الجميع، إنّ وقف العمل بمجلس النقد، ساهم الى حدٍ بعيد في إعادة الأرجنتين الى الوراء، لا سيما وانّ التخلّي عنه جاء طوعياً في خضم أزمة مصرفية خانقة، وقد تكون هذه الفكرة سيئة للغاية.
في الواقع، قد تكون أفضل طريقة لتحاشي أزمة عملة هي سياسة مالية حكيمة للبنك المركزي، حيث يلجم التدخّل في سعر الصرف ويبقي طبع العملة في أدنى مستوياته، ويبدو انّ البنك المركزي اختار عكس ذلك تماماً، أي انّه ما زال يطبع العملة، الأمر الذي ساهم الى حدٍ بعيد في سرعة انهيارها.
قد يكون الحل على المستوى الطويل المدى تشكيل مجلس للنقد، اذ في مقدوره، أن يُلزم الدولة بتحسين ميزان مدفوعاتها، لا سيما وانّه في هذه الوضعية لا يمكنها الاستدانة من البنك المركزي.
هكذا تبقى الأرجنتين خير مثال للدولة اللبنانية، علماً انّ اقتصاد الأرجنتين منتج، إنما يعاني من الفساد المستشري. وبالمختصر، دول عدة شهدت تراجعاً كبيراً في سعر صرف عملتها مقابل الدولار، والحل يكون عبر الاصلاحات، لا سيما تخفيف العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ووقف الهدر، من خلال جملة اصلاحات تبدأ البارحة قبل اليوم، وأن يترافق ذلك مع وقف النزف الحاصل عبر طباعة العملة الوطنية.
الدروس كثيرة، وما علينا سوى أخذ العِبَر. وبإنتظار الاصلاح، وما سوف يحدث، يُعتبر لبنان دولة منهارة مفلسة، تتحكّم بمفاصلها حكومة ما زالت تفتش عن الحلول، وتقوم برهانات خاطئة غير مستوفية للحد الأدنى من الشروط الاقتصادية المطلوبة.
بروفسور غريتا صعب.
قطبة مخفية في دولار السوق اللبنانية السوداء
في الأوساط القريبة من الحكومة والعهد، يسري كلام مفاده انّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء سيواصل الانخفاض الذي بدأ قبل بضعة ايام وصولاً للاستقرار عند السعر شبه الرسمي الذي حدده مصرف لبنان للصرّافين، ولقبض الحوالات الدولارية بالليرة عبر شركات تحويل الأموال.
يدّعي مقرّبون من العهد ومن الحكومة، انّ التراجع في سعر صرف الدولار في السوق السوداء يعود الفضل فيه الى إجراءات قرّر مصرف لبنان اتخاذها بتوجيهات من القيادة السياسية في البلد. ويذهبون أبعد من ذلك بالقول همساً، انّ الارتفاع الجنوني للدولار في السوق السوداء سياسي، وانّ من يعمل على المضاربة ورفع سعر الدولار سيضطر الى وقف هذا النهج لأنه بات مكشوفاً. ويغمز بعضهم في هذا الكلام من قناة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما يذهب آخرون الى الاشارة بالاصبع الى الولايات المتحدة الأميركية، بالتعاون مع اطراف سياسية في الداخل.
هل يمكن أخذ هذا الكلام على محمل الجد والتعاطي معه على أساس وجود قطبة مخفية في موضوع اسعار الصرف؟ وهل سيواصل دولار السوق السوداء التراجع فعلاً ليصبح سعره موازياً لسعر الصرف المحدّد من قبل المركزي؟
حالياً، يوجد 3 اسعار لصرف الدولار. السعر الرسمي الثابت (1507)، السعر الرسمي المُبتكر (3850-3900)، سعر السوق السوداء المتحرّك الذي لامسَ قبل حوالى الاسبوع، الـ10 آلاف ليرة، قبل أن يبدأ تراجعاً تدريجيّاً الى ما دون الـ7 آلاف ليرة. القاسم المشترك بين الاسعار الثلاثة انها كلها مُصطنعة، ولا تعكس الوضع الاقتصادي والمالي في البلد، كما يُفترض. واذا كان سعر العملة في أي بلد يرتبط بنسب النمو، والتضخم، وسعر الفائدة، والثقة في النظرة المستقبلية (outlook)، فإنّ هذه المعايير مختلّة في الوضع اللبناني الحالي، الى درجة انّ بعضها غير واضح، وبعضها الآخر تحت الصفر.
هذه الحقيقة تقود الى الاستنتاج انّ الاقتصاد دخل مرحلة الانهيار غير المُبرمج حالياً. وبالتالي، لا يمكن إعطاء تقديرات واقعية لقيمة سعر صرف الليرة. وكل الاسعار القائمة اليوم هي أسعار وهمية، بعضها ثابت بقرار، وبعضها الآخر مُتحرّك من دون قرار.
ما ينبغي أن يكون واضحاً لأي مسؤول يريد أن يُبدي رأياً في موضوع سعر صرف الليرة، هو أنّ الوضع الذي يمر به البلد اليوم لا يسمح تقنياً وعلمياً بتحديد سعرٍ منطقي. إذ يُفترض انّ الاقتصاد دخل في مرحلة تجميد اصطناعي منذ إعلان التعثّر، في آذار 2020، وبدأت مرحلة انتقالية يُفترض أن يتم تحديد الفترة التي ستستغرقها، قبل الانتقال الى تنفيذ خطة العبور من الافلاس الى التعافي التدريجي. وبالتالي، لا يمكن منذ الآن تقدير السعر الحقيقي لليرة، وينبغي انتظار بدء تنفيذ خطة الانقاذ. وفي المناسبة، هذه واحدة من نقاط الضعف الكثيرة في الخطة الحكومية، والتي تُحدّد منذ الآن سعراً للصرف في السنوات الخمس المقبلة، في حين انّ المطلوب اختبار السوق بعد بدء تنفيذ الخطة، وبناء على نتائج الاختبار يمكن الركون الى سعر صرف مَرن، يتحرّك ضمن هوامش مضبوطة، من دون أن يعني ذلك العودة الى سياسة التثبيت.
في عودة الى دولار السوق السوداء، تُبيِّن تجارب الدول التي مرّت بأزمات مالية واقتصادية حادة، أنّ التحكُّم في سعر الصرف يصبح مستحيلاً، وانّ أسوأ ما قد يجري لأيّ اقتصاد ليس انهيار عملته، بل الانهيار الفوضوي، الذي يعني أن يصبح الهامش بين القعر (Bottom line) والقمة شاسعاً ومضطرباً صعوداً ونزولاً. وهذا ما عانَته، على سبيل المثال البرازيل بين 2008 و2009 ومن ثم بين 2012 و2013، رغم أنّ أزمتها لم تكن معقدة وعميقة، كما هي حال الأزمة في لبنان. هذا الوضع المضطرب يشلّ كل الاعمال تقريباً، خصوصاً التجارية منها.
اذا حاولنا أن نبحث عن القعر في دولار السوق السوداء، يمكن القول تقديرياً من دون القدرة على الجزم، انه لن يكون تحت مستوى الـ6000 ليرة في الفترة المقبلة. ومع استمرار الحاجة الى تكبير حجم الكتلة النقدية بالليرة، ومع استمرار الغموض في إمكان نجاح المساعي للوصول الى بدء تنفيذ خطة إنقاذية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، قد يعاود الدولار ارتفاعه الدراماتيكي، رغم البدء في تنفيذ دعم الاستيراد لسلة استهلاكية فضفاضة كلفتها لا تقل عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً، وفي هذا الوضع سيُعاود الدولار اختبار سقف الـ10 آلاف ليرة، وقد يتجاوزه بما يعني تحديد قمة جديدة للسعر، بما يرفع في المقابل حدود القعر من 6000 ليرة الى رقم أعلى قد يكون 8000 أو 9000. وهكذا يمكن أن تستمر عملية الارتفاع مع تقلبات كبيرة يبلغ فيها الهامش بين القعر والقمة اكثر من 4000 ليرة، وتستمر خلالها ايضاً ما يُعرف في الاسواق المالية بعملية جس النبض، قبل بلوغ الدولار مستويات جديدة من الارتفاع.
من يتوقّع انخفاض دولار السوق السوداء لملاقاة دولار الصرّافين واهِم، إلّا اذا رفعنا وبصورة دائمة سعر دولار الصرافين. ومن يقول انّ ارتفاع الدولار سياسي، واهمٌ أيضاً، أو يحاول التعمية والتغطية على فشله. وقبل ان يبدأ تنفيذ خطة الانقاذ ليتّضِح المسار الذي سيسلكه البلد في السنوات الخمس المقبلة، لا أمل في تغيير المشهد المضطرب القائم حالياً.
انطوان فرح.
الليرة اللبنانية ترتفع بعد إعادة فتح المطار وخطط لدعم المستوردين
حلّ انهيار الليرة… بـ “صندوق تثبيت القطع”
التقلّبات الحادّة في سعر الصرف تقضي على الثقة وتسير بالبلد إلى الهاوية
أعاد “موت” لبنان إقتصادياً إحياء فكرة صندوق تثبيت القطع او ما يعرف بـ “currency board”. فاستمرار طباعة الليرة اللبنانية كبديل عن الاقتراض لتمويل الإنفاق العام لم يخفّض قيمة العملة فحسب، بل تحول سبباً لكل المشاكل. الليرة خسرت من قيمتها، وارتفع التضخم والفقر وانهارت القدرة الشرائية للمواطنين. هذه السياسة بدأت تتحول من عملية إطلاق الاقتصاد النار على قدمه، إلى “روليت” روسية ستودي بالبلد إلى الموت عاجلاً أم آجلاً.
طباعة العملة التي كانت تغطى تاريخياً من فائض ميزان المدفوعات وصلت إلى حائط مسدود مع تسجيل هذا الميزان عجوزات متراكمة منذ العام 2011 فاقت 22 مليار دولار. وبدلاً من ان توقف الحكومة هذه العملية وتنصرف إلى تخفيف الأكلاف من خلال الإصلاح الجدي، استمرت بالطباعة حتى وصلت كتلة النقد المتداول M0 إلى حدود 14 تريليون ليرة. هذه الخيارات النقدية الخاطئة المترافقة مع أسوأ أزمة اقتصادية، أعدمت الثقة وأدّت إلى تقلبات حادة في سعر صرف الليرة. والأخطر أنها تترك الباب مفتوحاً أمام احتمال هبوطها الى رقم من 6 أصفار.
سعر الصرف الجديد
قبل أيام برزت مقاطع فيديو لاستاذ علم الاقتصاد في جامعة “جونز هوبكنز” ستيف هانكي، يتحدث فيها عن إمكانية إعادة التوازن والاستقرار الى سعر الصرف سريعاً من خلال ما يعرف بـ currency board. فهل يشكل “صندوق تثبيت القطع” المدخل لوقف انهيار الليرة وبدء الإصلاحات؟
تشير الابحاث إلى ان هذه الآلية نجحت في اكثر من 70 بلداً حول العالم. وهي تقضي بشكلها العريض بطباعة ليرات بمقدار ما يتوفر من دولارات. أي على العملة الوطنية ان تكون مغطاة بنسبة 100 في المئة بالدولار. فان دخل البلد على سبيل المثال 5 مليارات دولار سنوياً نطبع مقابلها 7.5 مليارات ليرة فقط، او ما يعادلها من ليرات بحسب سعر الصرف الجديد. “السعر المعتمد للصرف في المعادلة الجديدة يتحدد عادة بعد التوصل لاتفاقية نهائية تقر باعتماد البلد “صندوق تثبيت العملة” وتحرير سعر الصرف كلياً لمدة شهر”، تقول الباحثة في علم الاقتصاد د. ليال منصور. و”بالتالي فان المواطنين يعلمون انه بعد شهر سيكون لديهم أكثر نظام موثوق فيه عالمياً لحماية سعر الصرف، وأن عملتهم الوطنية ستكون ثابتة لا بل قيمتها سترتفع. فيتوقفون عن شراء النقد الاجنبي ويعمدون في المقابل الى بيع ما يحتفظون به من دولار. مما يساهم ايضاً برفع سعر الصرف. وفي الحالة اللبنانية فإنه من الممكن ان يكون 5 آلاف أو 6 آلاف وبأقصى حالاته سعر السوق الموجود”.
المعادلة
في المرحلة اللاحقة تتوقف عملية طباعة الليرة اللبنانية بشكل عشوائي وتصبح محكومة بالمعادلة التالية: كمية الدولار الموجودة = النقد المتداول بالليرة + نسبة محددة من قيمة الودائع بالدولار (قد تكون 10 في المئة أو أكثر أو أقل) مضروبة بسعر الصرف المعتمد ومقسومة على سعر الصرف FX AMOUNT = MO+%CD/EX RATE.
هذه الآلية الجديدة تتطلب موافقة من صندوق النقد الدولي. وان يلحظ برنامجه المخصص للبنان، الآلية الجديدة لربط العملة. اما حسناتها فهي تدفق الكثير من الاموال من الخارج. وبحسب منصور فإن “بروتوكول Currency Board ينص على ان إجراء صندوق النقد الدولي دراسة لتحديد سعر الصرف ودعم البلد بالنقد الاجنبي من خلال طريقتين: إما حث الدول على توفير الأموال للبلد المُساعَد عبر القروض وغيرها من الآليات. وإما عبر الخصخصة. وفي كلتا الحالتين تتأمن مبالغ كبيرة من الدولار”. ومن جهة أخرى فإن الطلب على الليرة اللبنانية سيرتفع نسبياً في الفترة الاولى بسبب استمرار ارتفاع الفوائد على الليرة، مما يؤمن مزيداً من التحويلات من الدولار الى الليرة للاستفادة من سعر الفائدة.
هذه المبالغ تعتبر بالغة الاهمية في المرحة الاولى، بحيث يجب ان “يفوق احتياطي الدولار الحاجة إلى طباعة العملة بما لا يقل عن 30 في المئة”، يقول الناشط في تحالف وطني مارك جعارة. “إذ ان الموازنة تكون ما زالت مختلة في الفترة الاولى. ويكون البلد في مرحلة انتقالية لتأمين الادارة الصالحة البعيدة عن الهدر والفساد”.
إيجابيات وسلبيات
إعتماد مجلس تثبيت النقد لا يحل مشاكل البلد ولا يرجع الودائع لاصحابها. انما الأكيد انه يؤمن الحل لأحد أهم عناصر الأزمة المتمثل بإيقاف تقلب سعر الصرف. فهذا الاجراء يجب ان يترافق، بحسب جعارة، “مع اعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي والبدء بالإصلاحات. خصوصاً بعد عجز الدولة عن تمويل نفقاتها من طباعة العملة”. فقاعدة عمل الاقتصاد تصبح متوافقة مع المثل القائل: “على قد بساطك مد إجريك”. ولهذا تسمى هذه الآلية بـ “الصندوق” من وجهة نظر منصور. “أي لا يخرج من ليرات إلا بقدر ما يدخل اليه من دولار”.
هذه الآلية التي طرحت قديماً من دون جدوى أصبحت اليوم اجبارية لأن “البلد يحتضر”، برأي منصور. “فهذه ليست وصفة موحدة لكل الدول التي تواجه مشاكل. وهي لم توصف لمصر مثلاً. انما تعتبر اليوم أكثر من ضرورية في حالة لبنان الذي يحتضر اقتصادياً. فاعتمادها يعيد الثقة بالاقتصاد، ويعطيه الحياة. وهي تعتبر بمثابة إعادة تأهيل للبلد يجب عدم التخلي عنها سريعاً عند اعتمادها”. في العام 2000 عندما تم رفض اعتماد هذه الآلية، كانت الثقة لم تفقد بعد بالبلد والدليل تحقيق لبنان انجازات دولية من خلال باريس واحد وباريس 2 ولم يكن هناك من نية في سحب صلاحيات المركزي الاستثنائية ودوره السيادي في طباعة العملة. إنما اليوم ومع “انعدام الثقة وبرهنة السياسات النقدية انها ليست على قدر المسؤولية التي اعطيت لها أصبح الانتقال من نظام soft peg إلى صندوق تثبيت العملة أو hard peg لزاماً لوقف النزف الحاصل يومياً على كل المستويات”، تقول منصور.
هل يشكّل تغير الظروف اليوم وسقوط لبنان في الهاوية حافزاً لاعتماد مثل هذه الآلية؟ أم ان فساد الطبقة الحاكمة سيدفعها إلى رفضها وتقويض كل جهود الإنقاذ، لانه ببساطة يعني منع الطبقة الحاكمة من الإنفاق العشوائي؟
خالد ابو شقرا.
“بنك أوف أميركا”: الدولار إلى 46500 ليرة نهاية العام
سياسات خاطئة وخيارٌ يتيم لا بدّ منه
السياسات الخاطئة التي تعاقبت منذ ثلاثين عاماً دفعت لبنان الى أسوأ أزمة في تاريخه، مع تراجع سعر الصرف بشكل عشوائي، وبروز خطر المجاعة الذي يهدّد أكثر من 50 بالمائة من الشعب اللبناني.
يبدو أنّ الحكومة لم تفقه بعد حجم الكارثة التي وقع فيها البلد، أو أنّها غير قادرة على مواجهتها. وفي جميع الأحوال، وبعد 100 يوم، وتعداد إنجازات وهمية بكل ما للكلمة من معنى، بات عليها حكماً أن تستقيل لأنّها غير قادرة، وعاجزة، وسياسية بإمتياز، وذات لون واحد، قد لا يكون اللون الذي يريده اللبنانيون جميعاً.
وإذا ما أختارت هذه الحكومة التوجّه شرقاً، فيجب أن نكون قادرين على الالتفاف على المجتمع الدولي والدول المانحة، والتأكّد من أنّ الشرق قادر على مساعدتنا أقله. ولهم أقول، إنّ الشرق غير قادرعلى القيام بأي عملية إنقاذية، وإنّ الدول المانحة ما زالت تنتظر من الدولة اللبنانية جملة أصلاحات ما زلنا نتهرّب منها وكأننا لا نتكلم اللغة نفسها أو أننا نعجز عن القيام بأي اصلاح. وفي الحالتين، وجب على الحكومة التنحّي طالما أنّ أنجازاتها هي موضوع أنشائي أو فيلم عربي طويل نهايته ستكون حتماً حزينة.
والاحتجاجات اليوم ليست سوى تعبير عن رفض واقع الحال الذي ضرب البلد، وجعلنا نطلب مساعدات خارجية. والأهم أنّ المؤسسات المانحة غير مقتنعة بجدّية المفاوض اللبناني، الذي ما زال يتحايل على الأمور ويحاول التنصّل منها، لاسيما في الكهرباء والمرافئ غير الشرعية وتخمة الموظفين في القطاع العام، وهي أمور بديهية ويجب تصحيحها في أقرب وقت ممكن.
في هذا السياق، واذا كانت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ما زالت قائمة، إلّا أنّ المسائل معقّدة للغاية وتتطلّب تشخيصاً لحجم الخسائر ومصدرها، فضلاً عن خيارات ملائمة لمعالجتها على نحو فعّال. وحجم الخسائر هذه كبيرة، وما زالت السلطات اللبنانية غير متفقة على أرقام موحّدة. وحسب الصندوق، لم يتوصلوا بعد الى مناقشة جدّية في إطار الدعم الممكن للبنان. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن جدّيون في التعاطي مع الصندوق، والى أي مدى يمكننا أن نُجري هذه الاصلاحات، لاسيما أنّ أموراً بديهية وجب البدء بها حتى قبل طلب المساعدة. وللذين لا يريدون مساعدة الصندوق عليهم أن يعرفوا أنّه الخيار الوحيد للحصول على دعم المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة، ولن يكون لنا خيار آخر، خصوصاً إننا دخلنا في المجهول، ولا يمكن الاتكال على وزراء ومستشارين جاءت بهم الصدفة، بل وجب تشكيل خلية أزمة من إقتصاديين تتكلم اللغة نفسها مع الصندوق وليس شعراء بلاط يتكلمون لغة أسيادهم.
علماً أنّ خبرات الدول متفاوته. فإذا أخذنا اليونان على سبيل المثال، فإنّها عانت الكثير في السنوات الخمس الماضية، إلّا أنّ عملتها بقيت ثابتة، الأمر الذي جعلها تستوعب المرحلة الحرجة، محاولة الخروج من أزمتها المالية، وقد ساعد في ذلك صندوق النقد الدولي، مع التزام كامل من قِبل الحكومة اليونانية، ودعم قوي من الأتحاد الأوروبي. أما في بعض الدول الأخرى، فقد إختارت الدولرة، وعلى سبيل المثال الأكوادور، التي عانت ولفترات طويلة من عدم الاستقرار السياسي، نرى أنّها حافظت على معدلات منخفضة من التضخم وعملة مستقرة. وتُعتبر الدولرة من أفضل الأسلحة للدفاع عن الفقراء خصوصاً في ظلّ أزمات سياسية حادّة.
وعلى نقيض العديد من الدول، تشير البيانات الأحصائية الى أنّ النمو الاقتصادي كان بمعدل 4,7%، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، ويُعتبر الاستقرار النقدي درعاً واقية ضدّ الأزمات السياسية والاجتماعية. على سبيل المثال، في الأكوادور أُطيح برئيسي جمهورية، وفي تشرين الأول من العام الماضي كانت هناك تظاهرات عنيفة لم تؤد الى انخفاض سعر صرف العملة، بينما تأثرت والى حدٍ بعيد العملات في تشيلي وبوليفيا.
لذلك، قد تكون الدولرة من اهم فوائدها الاستقرار والحدّ من الفقر، عبر الاستقرار النقدي الذي يُخرجنا من دوامة الغموض والتكهن، ويساعد الدولة في اجتذاب الأموال والاستثمارات الأجنبية.
يبقى الحل الأكثر واقعية في لبنان إجراء اصلاحات جذرية في النظام المالي والمصرفي وفي الادارة، للتخفيف من الهدر ومحاسبة كل من يتبيّن انّه شارك في عملية نهب الدولة، من أكبر مسؤول الى أصغرهم، واستعادة الأموال المنهوبة. ولا بدّ من التركيز على حماية المودع. ومن دون ذلك، سيتمّ القضاء على ما تبقّى من النظام المصرفي.
يبقى القول، إنّ الأمور مترابطة ببعضها البعض، والأكيد أننا نمضي نحو الهاوية، والمسؤولون ومستشاروهم في حالة غيبوبة كاملة تستدعي انتفاضة من أجل تحسين المسار.
لبنان على مفترق طرق، ويبدو انّ المسؤولين ومن خلفهم، يريدون التوجّه شرقاً، والشرق غير واضحة معالمه وجدّيته في إعانة لبنان، وخبراتنا السابقة في الدعم جاءت على يد أوروبا. لذلك قد يكون تغيير المسار عملية غير مجدّية وقد لا تؤدِ الى نتيجة تُذكر.
بالمختصر، وضعيتنا غير مريحة، ونسبة التضخم تزداد بشكل سريع، والعملة الوطنية دخلت في المجهول، والبترول والغاز امران غير أكيدين، واللاجئون الفلسطينيون والسوريون يزيدون من الضغط على الاقتصاد. لذلك، قد نكون اليوم بلا خيارات، وقد يكون إقناع صندوق النقد عملية صعبة للغاية، في ظل غياب ارادة واضحة لإخراج البلاد من عنق الزجاجة.
خيارنا يتيم، ويقتصر على صندوق النقد دون سواه.
بروفسور غريتا صعب.
أزمة لبنان المالية:معركة الحكومة لإقناع «ســـيريزولا» مُعقّدة جداً.
ظهرت في الايام الماضية، ومن قلب المشهد الاسود، اشارات فيها نذرٌ من ضوء، أوحت للبعض بأنّ الانهيار السريع قد يتوقف عند حدٍ معيّن. هل توجد فعلاً بوادر تغيير يمكن التعويل عليها للقول إنّ المأساة قد تتوقّف عند المستوى الذي بلغته؟
يصعُب الادّعاء انّ التفاؤل بالإنقاذ مسموح في هذه الحقبة، حيث تبدو الحكومة اكثر من عاجزة، وتبدو المنظومة السياسية مستمرة في التفاعُل مع الصراعات والمهاترات، وكأنّه لا توجد عاصفة تضرب البلد وتهدّد باقتلاعه من جذوره.
مع ذلك، ظهرت بعض العلامات التي تحتاج الى متابعة، للتأكّد اذا ما كانت صالحة للبناء عليها، ام انّها مجرّد زوبعة في فنجان، من أبرزها ثلاثة مؤشرات:
اولاً- هبوط سريع نسبياً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، جرى تفسيره بحصول عرضٍ للعملة الخضراء مرتبط ببدء عودة اللبنانيين، وتراجع في الطلب مرتبط بتريّث التجار في شراء الدولار، بانتظار ضخِّه في المصارف، كما وعد حاكم مصرف لبنان.
ثانياً – تحرُّك تفاعلي بين الحكومة ومصرف لبنان من جهة، وبين الحكومة والمصارف من جهة أخرى، في محاولة لتوحيد الأرقام وتوحيد مقاربات الحلّ، وهذا هو الأهم، بحيث يمكن التوصّل الى خطة موحّدة متوافقٌ عليها بين الحكومة والمركزي والمصارف، للعودة الى التفاوض في شأنها مع صندوق النقد.
ثالثاً – وضع ملف الكهرباء على نار ساخنة، من خلال تنفيذ الوعود التي قطعها لبنان منذ سنوات ولم ينفذّها حتى الآن، لجهة تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة للقطاع. وكانت الدول المانحة طالبت الحكومة اللبنانية في مؤتمر «سيدر» بمجموعة اصلاحات، تبدأ بإنجاز هذه التعيينات في الكهرباء، كبادرة حسن نية للبدء في تقديم الدعم. لكن لبنان الرسمي «قاوم» هذا الطلب، واستمر قطاع الكهرباء بلا تعيينات حتى الآن.
هل يمكن البناء على هذه الاشارات للقول إنّ المشهد المظلم قد يكون في طور التغيير، ولو البطيء نحو الأفضل؟
في الواقع، تحتاج الإشارات الثلاث الآنفة الذكر، الى تدقيق ومتابعة قبل إصدار التوقعات. في مسألة هبوط الدولار، يمكن الحديث عن تفاؤل ما، فقط في حالة وحيدة، عندما يتحوّل المنحنى (curve) من حقبة التقلّب (volatily) الى مرحلة الاستقرار النسبي. وهذا الأمر لم يحصل بعد، وقد لا يحصل قبل وضع خطة الإنقاذ على مسار التنفيذ. وبالتالي، مشهد التقلبات السريعة والحادّة صعوداً ونزولاً سيكون طاغياً في المرحلة المقبلة، بحيث يصبح الهبوط مثل الارتفاع، مؤذياً للاقتصاد وللناس.
في موضوع توحيد الارقام، توجد مرحلة من المحادثات الداخلية قبل الانتقال لعرض النتائج على صندوق النقد. وستكون هناك مرحلة تفاوض مع الصندوق على الارقام والمقاربات. لكن، ما هو مؤكّد، انّ موقف المفاوضين من قِبل الصندوق، وعلى رأسهم الارجنتيني مارتن سيريزولا (Martin Cerisola) سيكون اكثر تفهماً وليونة، في حال باشرت الحكومة في تنفيذ خطوات اصلاحية مُقنعة. ومن المعروف أنّ سيريزولا من «المتعصبين» لأولوية الاصلاحات في أي برنامج لمساعدة اقتصاديات الدول. هذا الموقف كان واضحاً في العام 2016 ابّان مهمته في الجمهورية الاسلامية الايرانية، حيث وضع تقريراً لتوصيف الوضع الاقتصادي الايراني، عقب الاتفاق النووي في 14 تموز 2015، والذي قضى برفع جزئي للعقوبات الدولية على ايران. في حينه ركّز سيريزولا على ضرورة إنجاز اصلاحات بنيوية في الاقتصاد الايراني، الذي يعاني من مكامن فساد شبيهة في بعضها بالفساد اللبناني، مثل التهرّب الضريبي، والهدر، وهيمنة فئات على جزء من المال العام. كما دعا الى الكف عن تجميل الارقام، من خلال خطوات اصطناعية، مثل خفض الفوائد من دون توفّر معطيات اقتصادية تسمح بهذا الخفض. كما طالب بتحسين وتحصين صلاحيات البنك المركزي الايراني، ليتمكّن من الاشراف على وضع النقد، وعلى عمل المصارف، التي دعا ايضاً الى إعادة هيكلتها.
وبالتالي، لا تزال المسافة بين امكانية الوصول الى أرقام موحّدة، ومن ثم الاتفاق مع الصندوق على هذه الارقام أو سواها بعد التفاوض والمساومة، طويلة وشاقة.
في موضوع الكهرباء، ورغم انّ تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة خطوة اولى مهمة، وبانتظار الغد ليتبيّن ماذا سيحصل في مجلس الوزراء، إلّا أنّ العبرة تبقى في نوعية وطريقة التعيين أولاً، وفي استكمال خطة اقفال هذا الملف المفتوح على نزف مالي كبير منذ عشرات السنين، ثانياً.
لكن المشكلة تبقى في القدرة على تنفيذ الاصلاحات الضرورية لإقناع سيريزولا بالتعاون. فهل يحق لأي لبناني بأن يأمل بأنّ الحكومة ستوقف التهرّب الضريبي، وستصلح القطاع العام، وتوقف مزاريب الهدر والسرقة، وتمنع التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وهي في قسم منها تحت سيطرة «حزب الله» لضرورات استراتيجية غير قابلة للمساومة وفق قناعات الحزب؟
الى كل ذلك، وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة أن توحي بأنّها بدأت العمل على تمهيد الطريق لاتفاق مع صندوق النقد، يفتح الباب امام مساعدات دولية أخرى، من ضمنها ما هو مُقرّر في «سيدر»، تقوم بحركات بهلوانية وعراضات سخيفة، للإيحاء بأنّ مروحة خياراتها واسعة، ومن ضمنها ركوب قطار الشرق. والمشكلة انّ الشرق بمفهومه الواسع، قد ينتهي عند حدود سوريا وايران، حيث المساعي ناشطة لتجنيب الايرانيين والسوريين كأس المجاعة، وكل ما عدا ذلك طموح غير مبرّر.
انطوان فرح.
إنفراجات الليرة موقّتة وتحذير من تقلّبات حادّة
وهْم تراجع الدولار يصطدم بحقيقة تغييب الإصلاحات المرّة
أعطى تراجع سعر صرف الدولار في نهاية الاسبوع الفائت جرعة أمل للمواطنين. فانهيار العملة الوطنية في غضون أيام، من حوالى 4 آلاف ليرة إلى حدود 10 آلاف، رفع معدلات التضخم إلى أكثر من 500 في المئة وأعدم قدرة المستهلكين في الحصول على السلع والخدمات. ليبقى السؤال، هل يقف التراجع عند حدود 7 آلاف ليرة أو ينخفض أكثر أم يعاود الدولار ارتفاعه مطلع هذا الاسبوع؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معرفة السبب وراء انخفاض الدولار. فان كان التراجع ظرفياً، فهذا يعني انتظار قفزات جديدة في سعر الصرف، أما إن كان جوهرياً فهذا يعني الاستقرار تمهيداً لمزيد من الانخفاض.
إحتمالات تراجع الدولار
مع الأسف، إن تحليل تراجع الدولار بمقدار ألفي ليرة أو أكثر، يقودنا إلى احتمالين ظرفيين لا علاقة لهما بالإصلاحات. الاول موضعي يتعلق بعودة المغتربين وإمكانية ضخّهم كمية من الدولار في السوق تزيد العرض، وانتظار إجراءات مصرف لبنان لتزويد المصارف بالدولار. أما الثاني فيرتبط بـ “لعبة” امتصاص الدولار. حيث يعمد المتلاعبون، عند إحجام المواطنين عن بيع الدولار بسبب تأملهم بارتفاعه أكثر، الى اطلاق اشاعات بانخفاض سعره، الأمر الذي يدفعهم الى بيع ما يملكون لتحقيق أكبر ربح ممكن. فيرتفع العرض وينخفض سعره.
الاحتمال الثاني لا ينفصل، بحسب الخبير الاقتصادي باتريك مارديني عن “النمط السائد المتكرر منذ بداية الأزمة، وتحرير سعر الصرف بشكل مبطن. حيث ينخفض الدولار مطلع كل شهر ليعود ويسجل ارتفاعات قياسية جديدة بعد ايام قليلة”.
بروباغندا تطمينية
العملية هذه ترافقت مع “بروباغندا” تطمينية، وتسويق أخبار إيجابية تتعلق بتدخل مصرف لبنان بقوة في سوق الصرف، ومكافحة السوق السوداء وبدء حلحلة الازمات، وانتظار تدفق الاموال من المغتربين والسياح بعد فتح المطار. فكانت النتيجة “تشليح” الدولار من الوافدين على سعر منخفض، ليعاد بعد ايام قليلة إلى طرحها بسعر أعلى بكثير، ما يؤمن للصرافين غير الشرعيين مبالغ طائلة. ومما يسهل هذه العمليات هو “سهولة التحكم في السوق السوداء نتيجة صغر حجمها. إذ انها لا تتضمن المصارف والصرافين الشرعيين”، يقول مارديني. “وبالتالي يبقى هذا التراجع تقنيا تكتيكياً وليس جوهرياً. فالاتجاه العام هو صعودي لسبب بسيط يتلخص بعدم انتفاء أسباب صعود الدولار”.
الصعود مستمر
تعليق كل المساعدات الدولية، ورفض صندوق النقد الدولي اعطاء لبنان دولاراً واحداً قبل البدء الجدي والعملي في الإصلاحات، يدفع بالمصرف المركزي إلى طباعة الليرة اللبنانية لتأمين متطلبات الدولة المتزايدة. وطالما طباعة الليرة مستمرة فان انهيارها محتوم، ومن غير المستبعد ان تحقق ارقاماً قياسية جديدة لم تكن في الحسبان في يوم من الايام.
المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن يرى ان “أسرع حل لوقف انهيار الليرة هو ضخ الدولارات الطازجة في الاقتصاد من بوابة المغتربين”. فانتظار تحقيق الإصلاحات يشبه ملاحقة سراب في الصحراء، وبالتالي “لا أمل امامنا لتعديل ميزان المدفوعات العاجز وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار للعملة الوطنية الا استقطاب الحوالات المالية”، يقول الخازن.
مهلكة طباعة العملة
العجز الكبير في الميزان التجاري والذي فاق العام الماضي 17 مليار دولار يشكل الجزء الأهم من عجز ميزان المدفوعات. هذا العجز التاريخي كان يعوض في الماضي من التحويلات والاستثمارات المباشرة وتدفق الودائع إلى المصارف.
أما اليوم فانه حتى مع انخفاض الواردات فان الصادارت لن تستطيع تعويض الفرق بعدما أمعن القطاع العام في “شفط” الاموال لتمويل نفقاته وتحويل الاقتصاد إلى ريعي. وبالتالي فان “تراكم العجز في ميزان المدفوعات يعود الى نفقات الحكومة المرتفعة وارتفاع حجم الدين العام”، من وجهة نظر مارديني. و”ذلك بالرغم من التعمية المتمادية عن هذا الشق في تعليل أسباب العجز في ميزان المدفوعات”.
هذه الواقع ما زال مستمراً رغم حجم الأزمة مع فارق واحد، هو: استبدال الاستدانة لتمويل النفقات بطباعة العملة. فالعجز عن الاقتراض بعدما أعلنت الحكومة تخلفها عن دفع الديون، وتراجع الايرادات المالية بسبب الانكماش، وانخفاض مردود الضرائب والمرافق الحدودية، أفقد الدولة مداخيلها، ولم يبقَ امامها الا التمويل عبر طباعة مبالغ هائلة من الليرة، تصل شهرياً الى اكثر من 1.3 تريليون ليرة، وهو ما يؤدي الى تعمق انهيار سعر الصرف.
المجلس النقدي
أمام هذا الواقع المعقد يبرز طرح مجلس نقدي او ما يعرف بـ currency board وهو الحل الذي تحدث عنه ايضاً استاذ علم الاقتصاد في جامعة جون هوبكنز ستيف هانكي. هذا الطرح يعني عملياً طباعة ليرة لبنانية بمقدار تغطيتها بالدولار. فاذا دخل الى لبنان سنويا 10 مليارات دولار على سبيل المثال، نطبع مقابلها 15 ألف مليار ليرة، في حال كان سعر الصرف 1500. أو نطبع كمية أكبر أو أقل في حال تغير سعر الصرف. “هذه الطريقة لا تحد من التضخم فحسب، انما تفرض على الحكومة البدء بالإصلاحات الجوهرية، وتحديداً في القطاع العام المتضخم، لانها ببساطة لن تعود تستطيع طباعة المال من أجل تمويل النفقات”، يقول مارديني.
صحيح ان اتّكال الحكومة اليوم على طباعة العملة يؤمن تمويل نفقاتها المرتفعة ودفع الرواتب والاجور، انما يؤدي من الجهة الى الأخرى الى فقدان القيمة الشرائية. وهذا ما بدا أخيراً بشكل واضح من خلال وصول الحد الادنى للأجور الى 65 دولاراً، ورواتب كبار الموظفين الى أقل من 600 دولار.
الاستمرار بهذا النهج بعيداً من الإصلاح وعدم التوصل الى جرعة مساعدات فورية من صندوق النقد الدولي، سيفاقم المشكلة ويدفع الى فقدان الظروف الاستثنائية جدواها وفشل آليات دعم مصرف لبنان. وبالتالي يؤدي الى انخفاض الليرة اللبنانية وتآكل القيمة الشرائية كل يوم أكثر من الذي سبقه.
خالد ابو شقرا.