متابعة قراءة حملة سندات لبنان بصدد خسائر قد تمليها إعادة هيكلة وشيكة
أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية
سندات لبنان استحقاق مارس تهوي في أسوأ أيامها على الإطلاق
لبنان: حل وسط لعقدة تسديد الـ”يورو بوندز”… وهذه تفاصيله
“فيتش” عن وضع لبنان المالي: المفاوضات قد تكون معقدة
هذا ما ينتظرُ لبنان في صندوق النقد
مع بداية التواصّل الخجول بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، هناك مزيج من التوجّس والارتياح على المستوى الشعبي، في انتظار الاتجاه الذي سيسلكه هذا التواصل، والى أين يمكن أن يؤدّي. هل هو بداية انفراج، أم مجرد سراب؟
يكثر الحديث في هذه الحقبة عن الشروط القاسية التي قد يفرضها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي، في حال قرّرت الحكومة اللبنانية طلب خطة إنقاذ من هاتين المؤسستين الدوليتين التابعتين للأمم المتحدة. لكن، في الموازاة، ليسوا كثراً من يتحدثون عن طبيعة الخطة التي قد يتمّ وضعها، ماذا تشمل وكيف تعمل وما هي الأسس التي تُبنى عليها. كذلك، هناك من يتحدث عن احتمال تعرّض السيادة اللبنانية للخرق من قِبل هذه المؤسسات الدولية من خلال فرض شروط يُفترض انّها تدخل ضمن مفهوم السيادة التي ينبغي ان تبقى فوق أي مسٍ بها.
لا بدّ للمتابعين أن يعرفوا أنّ مفهوم المساعدة التي يقدّمها صندوق النقد أو البنك الدولي تغيّرت عبر السنين. وهناك مراحل كثيرة مرّت بها عمليات إنقاذ الدول المفلسة والفقيرة، تبدّلت في خلالها، الاساليب المُعتمدة من قِبل هاتين المؤسستين في دعم الدول. وما هو ايجابي في هذا التطوّر، يرتبط بأنسنة هذه المساعدات. ومنذ العام 1999 أدخل البنك الدولي في مفهوم عمله، وبمبادرة من رئيسه في ذلك الحين جيمس وولفنسون، ما يُعرف بـ«استراتيجية الحد من الفقر» (Poverty Reduction Strategy Paper).
هذه الاستراتيجية تقضي بإلزام الدول التي تحصل على حزمة مساعدات إنقاذية من صندوق النقد ومن البنك الدولي، بتوقيع خطة لمساعدة الطبقة الفقيرة في المجتمع في موازاة دعم الاقتصاد. وتطبيق هذه الاستراتيجية اصبح جزءاً من الشروط التي على أساسها يمكن استكمال دعم الدول. وقد بدأت دول عدة في تطبيق هذه الاستراتيجة، التي أثبتت حتى الآن جدواها في تخفيف الضغط على الطبقات الدنيا، في فترات تنفيذ برامج إنقاذية غالباً ما تكون قاسية لجهة ما تطلبه من تضحيات يقدّمها المواطنون.
لكن الاهتمام بحماية الطبقات الفقيرة، لا ينفي وجود شروط قاسية ينبغي الالتزام بها للحصول على حزمة مساعدات دولية.
على المستوى الاقتصادي، لا توجد وصفات جامدة، كما يدّعي المعترضون، لكن هناك اساليب مُجرّبة ومبادئ عامة يتمّ اعتمادهما. ولأنّ صندوق النقد، مثل اي مُقرض في العالم، يسعى الى ضمان استرداد امواله، فإنّه يركّز على هدف خفض العجز في الموازنة، من خلال إجراءات مضمونة النتائج في توقيتها. لذلك يتمّ التركيز على تطبيق مبدأ رفع الدعم عن كل السلع، لتخفيف الضغط عن الموازنة.
ومن هنا تنطلق نظرية تحرير سعر صرف العملات، على اعتبار انّ سعر أي عملة ينبغي أن يعكس وضع الاقتصاد على حقيقته. وفي حالة تثبيت سعر الصرف اصطناعياً، فهذا يعني انّ الدولة، عبر المصرف المركزي، مُضطرة الى دعم العملة عندما يتراجع وضع الاقتصاد. وهكذا تصبح العملة بسعرها الاصطناعي أقوى من الاقتصاد، ويؤدي هذا الخلل، الى مشاكل متنوعة، لا تخدم فكرة خفض العجز في الموازنة العامة.
الى ذلك، يسعى صندوق النقد الى تأمين موارد مضمونة للخزينة، ومن هنا فكرة فرض رسم على البنزين، رفع تعرفة الكهرباء، خفض حجم أو رواتب القطاع العام… كل هذه الشروط، لا تعني انّ الصندوق لا يشترط اصلاحات بنيوية، مثل خفض منسوب الفساد والهدر على كل المستويات، ومن ضمنها وقف التهرّب الضريبي، منع التهريب، القضاء على كل اشكال الاقتصاد الرديف، تنظيم الإنفاق خصوصاً لجهة المشتريات الحكومية والمناقصات والتلزيمات… كل هذه الإصلاحات تقع ضمن الشروط، لكن الصندوق، ومن خلال تجاربه مع الدول المنهارة، وحيث نِسب الفساد تكون مرتفعة، ومرتبطة بالمنظومة السياسية، يُدرك انّه لا يمكن الرهان على هذه الإصلاحات لإنقاذ الموازنة، لذلك يصرّ على إجراءات قد تكون قاسية في حق المواطنين، لكنها مضمونة النتائج الفورية. في المقابل، تأتي الإصلاحات، وفي حال تنفيذها بجدية، لتساعد لاحقاً في دعم اضافي للموازنة، ويصبح في الإمكان التخلّي عن بعض الإجراءات اللاشعبية التي أدخلتها خطة الانقاذ.
وهنا ينبغي ان يكون معروفاً أنّ خطة الانقاذ، والتي قد تمتد على 10 سنوات، ليست بلوكاً واحداً. انّها مجموعة بلوكات، كل سنتين أو ثلاث تنتهي حزمة، ليبدأ تنفيذ حزمة أخرى. وفي العادة تكون الحزمة الاولى هي الاقسى، لأنّها تشمل اجراءات موجعة للناس. في حين انّ الحِزم الاخرى، قد تشهد البدء في إلغاء او تخفيف هذه الإجراءات، في حال تمّ الالتزام بالإصلاحات التي تبدأ في اعطاء ثمارها.
وفي هذا الاطار، تندرج خطة البنك الدولي (PRSP) لمساعدة الطبقة الفقيرة في هذه المرحلة في الدول التي تطلب خطط انقاذ مالي.
هل يستطيع لبنان أن يخوض هذه التجربة القاسية؟
عندما تواجه أي دولة أزمة مالية وتصل الى مرحلة العجز عن الدفع، وتطلب من صندوق النقد خطة إنقاذ، يتمّ اجراء تقييم لوضع هذه الدولة لتصنيفها ضمن خانتين:
اولاً- أزمة سيولة، تحتاج الى وقت اضافي لتتمكّن من تسديد ديونها.
ثانياً- أزمة تعثّر، لا تستطيع دفع ديونها لا الآن، ولا في المستقبل.
في الحالة الاولى، (illiquidity) يُصار الى وضع خطة لإعادة جدولة الدين على فترات أطول.
في الحالة الثانية، (Insolvency) تتجّه الامور نحو خطة لخفض حجم الدين، عبر إعادة الهيكلة وإعادة الجدولة.
في الحالة اللبنانية، تبدو المشكلة معقّدة وذات طابع خاص. لأنّ ديون لبنان، في القسم الاكبر منها، تحملها المصارف ومصرف لبنان، وبالتالي، ينبغي البحث عن خطة تراعي هذا الواقع. وهذا الامر مُتاح طبعاً، وقد يستند الى فكرة شراء قسم من هذه السندات من السوق الثانوية بواسطة قرض من صندوق النقد…
الخطط الإنقاذية متنوعة، والقاسم المشترك بينها انّها توصلُ الى برّ الأمان اذا طُبقّت والتزمت بها الحكومات، ولا تؤدي سوى الى مزيد من التعقيدات والأزمات اذا جرى التشاطُّر، ولم يتمّ تنفيذ ما هو مرسوم بجدّية ودقةّ وصدق. وعلى الحكومة اللبنانية أن تختار، أي طريق تريد أن تسلك في هذا المضمار.
انطوان فرح.
أزمة لبنان: إعادة الجدوَلة أمر واقع… على رؤوس الجميع!
حِملُ الدين العام يُثقل كاهل المواطن… والوطن
تبلغ قيمة خدمة الدين العام سنوياً نحو 6 مليارات دولار وهي تُشكّل 36 في المئة من حجم النفقات العامة وتمتصّ نصف قيمة الإيرادات. وعليه فإن لا حلّ للأزمة الإقتصادية والنقدية إلا بطَرق هذا الباب أو “تكسيره”، وهذا ما يبدو لغاية اللحظة صعب المنال نتيجة تشابك العوامل السياسية مع المنافع المصرفية.
يظهر من خلال البيان الوزاري أن ضبط الدين العام والتصدّي لخدمته الهائلة، والتي يقع من ضمنها استحقاقات “اليوروبوندز” المتلاحقة هذا العام، قد استعصى على حكومة مواجهة التحديات. فالمعالجة اقتصرت على تكرار عناوين التعاون بين ثلاثية: الدولة، المصارف التجارية ومصرف لبنان، أما الحلّ برأيهم فهو ببساطة: تخفيض الفوائد. فهل ما زال هذا المرهم يشفي من علّة تضخّم الدين العام المترافق مع أسوأ أزمة نقدية، وتلاحق مخاطر العجز عن تأمين أبسط مقومات العيش في سبيل خدمة الدين؟
القصّ والتخفيض… واحد
الخبراء لا يفصلون بين “قص الديون” وتخفيض الفوائد عليها، فالطريقتان تقودان إلى نتيجة واحدة على ميزانيات المصارف والمستثمرين، وهو ما كانت المصارف ترفضه رفضاً قاطعاً في أيام الرخاء بحجة إلحاق الخسائر، فكيف الحال في ظل هذه الأزمة؟
المصرف المركزي والمصارف التجارية يمثّلان الدائنين الأكبرين بالنسبة إلى الدولة، وأي سياسة جدية لخفض كلفة الدين العام يجب أن تمر عبرهما وبواسطتهما. إلا ان المشكلة هي ان القطاع المصرفي، وبغض النظر عن الغوص في الأسباب، قد حمل على مدار السنوات أكثر من طاقته، وقد تورط في أربعة مجالات أساسية أصيبت كلها بالتعثر، وأبرزها:
سندات الخزينة، شهادات الإيداع في مصرف لبنان، أو بمعنى آخر الدين العام الذي يشكل حوالى 70 في المئة من موجودات المصارف، تمويل القطاع العقاري بأكثر من 20 مليار دولار وتمويل القطاع الخاص وبعض القطاعات الإنتاجية.
إعادة الجدوَلة
“لم يعد من مهرب من تحمّل القطاع المصرفي خسائر إعادة جدوَلة الدين العام سواء من خلال تخفيض الفوائد أو عبر إعادة هيكلة الدين” يقول رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي.
الدولة تواجه مشكلتين أساسيتين: الأولى قريبة المدى، تتمثّل في المفاضلة بين دفع استحقاق آذار على سندات “اليوروبوندز” البالغة 1.2 مليار دولار والتي يحمل المستثمرون الأجانب من صناديق وأفراد قسماً كبيراً منها، وبين توفير السيولة الضئيلة الموجودة في القطاع المالي بشكل عام من أجل تأمين حاجات الإستيراد الاساسية.
والثانية متوسطة وطويلة المدى، وتتلخّص في خفض حجم الدين العام عبر إعادة جدوَلته وتخفيف عبئه من أجل الوصول إلى توازن الموازنة.
الاقتصاد اللبناني برأي رياشي “لن يتحمّل حجم الدين العام وطريقة تعاظمه في السنوات القادمة. إذ انه كلما زادت خدمة الدين كلما زاد حجم التضحيات في الموازنة، والتي تنعكس بشكل مباشر على المستهلكين وعلى القطاعات الانتاجية من خلال زيادة الضرائب”.
العلاقة الطردية بين متغيري “الدين العام” و”التضحيات في الموازنة” لا تقلل من حجم الخسارة التي تفوق 60 مليار دولار تبحث عمن يتحملها. وبحسب رياشي فإن “الخسارة يجب ان تتوزّع على أساس العدالة الإجتماعية، أي تحميل الفئات الضعيفة أقل من الفئات القادرة، وان تأخذ بعين الإعتبار إمكانية إعادة النهوض بالإقتصاد في المستقبل”.
تداعيات المرحلة المقبلة المالية والقانونية تتطلّب من وجهة نظر مختلف الآراء الإقتصادية ضرورة الإستعانة بالخبرات الدولية المتخصصة التي اختبرت هذه الحالات في غير بلدان. وعلى الخبراء أن يمتلكوا النظرة القانونية العميقة للتفاوض على ديون لبنان الخارجية بشكل أساسي.
التركيز على الديون الخارجية يفترض ان الخسارة على الديون المحلية واقعة حكماً، ولكن هذا لا يعني إقتصادياً عدم مقاربة تخفيض الديون بميزان الجوهرجي. إذ انه مع غياب إمكانية اعادة إصدار سندات جديدة يصبح دفع أصل الدين يتطلب الإستدانة بفوائد أعلى، ويفرض خفض الديون من جهة أخرى إبقاء أموال المودعين لدى المصارف محجوزة.
الداء… والدواء
خبير اقتصاد النفط وتنمية الموارد البشرية فادي جواد يعتبر ان “لا مفرّ من اعتماد الحكومة، وبشكل فوري، على القطاع المصرفي الذي استفاد من مردود الفوائد الهائل من سندات الخزينة والديون الحكومية، لتحمّل المسؤولية بدلاً من تسديد فاتورة خدمة هذا الدين من جيب المواطن المحجوزة امواله اصلاً”.
ويلفإلى أن القطاع المصرفي “يمثّل 5 في المئة من الناتج المحلي اللبناني، وأرباحه وصلت في السنوات العشر الماضية لأكثر من 10 مليارات دولار، بينما لم تتجاوز قبل عشرين سنة 436 مليون دولار. وبالمقارنة مع المصارف الأجنبية فإن صافي أرباح كل من بنك لبنان والمهجر وعودة مثلاً بلغت في العام 2018 ما يقارب 510.42 ملايين دولار و 500.56 مليون على التوالي، وهذه الارباح توازي ارباح كبريات البنوك العالمية مثل “ستاندرد تشارترد” في بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها 65 مليون مواطن. وهذا يُظهر ان المستفيد الاكبر من الوضع القائم هي المصارف والقائمون عليها من سياسيين وعائلات حاكمة”.
هذا الواقع يتطلّب معالجة جدّية يجب على الحكومة حصر عناوينها النقدية بالإجراءات التالية: “ايقاف اصدار سندات جديدة لوقف النزف لحين معالجة الفساد المستشري، عدم اقتراض دين جديد لخدمة دين قديم، إيقاف الفوائد المستحقة للمصارف لمدة 3 سنوات ما سيوفر حوالى 3 مليارات دولار تقريباً عن كل سنة، فرض ضريبة بنسبة 50 في المئة على أرباح المصارف البالغة حوالى 2,8 مليار دولار في العام 2018 وهو ما يؤمن 1,4 مليار دولار في السنة لخزينة الدولة، وقف التوظيف الحكومي لمدة 5 سنوات، خفض النفقات الحكومية، معالجة وضع الكهرباء عبر مشاريع PPP، ووقف الهدر الذي سوف يحقق وفراً يصل الى 35%”، يختم جواد.
خالد أبو شقرا.
صندوق النقد عن لبنان: وضع صعب للغاية
أزمة لبنان: إستحقاق آذار…«شُبهة» تهزّ الحكومة
تحوّل استحقاق اليوروبوند في 9 آذار المقبل الى ملف خلافي، ليس على مستوى السلطة السياسية فحسب، بل انتقل الى الاوساط الشعبية، وصارت قضية دفع هذا الاستحقاق في موعده ملهاةً جديدة رائجة في مراكز القرار السياسي، كما في البيوت والمقاهي والساحات العامة…
ندفع أو لا ندفع… وتحوّل الاستحقاق الى ما يشبه «نتف» أوراق زهرة بابونج «بتحبني… ما بتحبني»!
هل الى هذا الدرك وصل مستوى اللاوعي واللامسؤولية في مقاربة ملفات من نوع وحجم ملف اتخاذ قرار في شأن كيفية التعاطي مع دينٍ عام، تحوّل الى مصيبة وطنية بكل ما للكلمة من معنى، وأدّى الى تفقير الناس وتشريدهم وتهجيرهم، وربما قد يؤدّي الى أزمة وجودية؟
لم تعد قضية استحقاق اليوروبوند في 9 آذار، وقيمته مليار و200 مليون دولار مقبولة على مستوى المنطق واحترام الذات. والتعاطي الرسمي مع هذا الاستحقاق لا يبشّر بالخير، لجهة الميوعة في حسم موضوع بهذه الحساسية. ومن غرّد على «تويتر» يقول: «بعد في ستّي ما عطيتِ رأيها اذا مندفع او ما مندفع»، عبّر بشكل جيد عن حقيقة المشكلة. إذ نجح اللاقرار في تحويل الموضوع الى ما يشبه لعبة شعبية، ينقسم حولها الناس، من يعرف منهم في شؤون المال والاقتصاد، ومن لا يعرف، يتناقشون ويتجادلون ويحلّلون: ندفع أو لا ندفع!
في هذه الاثناء، تعاطت المؤسسات الدولية وصناديق التحوّط (hedge fund) بجدّية ومثابرة مع الملف، وشهدت بيروت منذ تشارين 2019 زيارات كثيفة لوفود استطلاعية تمثّل هذه الجهات، بعضها مستثمر في السندات اللبنانية بالدولار، وبعضها الآخر غير مستثمر ويبحث عن فرص استثنائية للاستثمار.
الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن ننسبها الى السلطة السياسية في هذا المجال، وهي ايجابية غير مقصودة طبعاً، انّ معظم الوفود الأجنبية المستطلِعة غادرت البلد من دون أن تفهم ماذا سيقرّر لبنان الرسمي: يدفع أو لا يدفع.
في الفترة الأخيرة، قرّرت بعض الجهات شراء قسم من سندات اليوروبوند المستحقة في آذار، ودفعت مقابل هذه السندات بين 78 و80 سنتاً للسند. (سعره الاصلي دولار واحد). وهذا يعني انّها ستحقّق ارباحاً نسبتها بين 22 و24% في شهر واحد تقريباً، في حال قرّرت الدولة اللبنانية دفع الاستحقاق في موعده.
لكن هذا التطور دفع الى طرح السؤال التالي: هل تأكّدت الجهات الأجنبية التي اشترت السندات، انّ الدولة اللبنانية قرّرت ان تدفع الاستحقاق في موعده لكي تقوم بهذه المجازفة؟ ومن المعروف، انّه في حال قرّرت السلطات اللبنانية أن تؤجّل دفع الاستحقاق، وبصرف النظر عن الطريقة التي ستعتمدها في التأجيل،(سواب انتقائي، أو إعادة جدولة عامة للدين)، فإنّ أسعار هذه السندات التي تُباع اليوم بأقل بـ20% من قيمتها، سوف تخسر من قيمتها الحالية بنسبة كبيرة، بحيث تقترب من سعر سندات اليوروبوند استحقاق 2030 و2037، والتي تدنّت الى ما دون الـ40 سنتاً للسند الواحد. بما يعني انّ المستثمرين الأجانب الذين اشتروا اليوم لتحقيق ربح كبير وسريع، سيمنون بخسارة كبيرة وسريعة قد تصل نسبتها الى 35 أو 40%.
ضمن هذه المعادلة تُطرح الاسئلة التالية:
اولاً- هل تستحق نسبة الربح في السندات التي قد تتأمّن جرّاء التسديد في الموعد المحدّد، القبول بهذا النوع من المجازفات ما دامت نسبة الخسارة المحتملة هي ضعف نسبة الربح المحتمل؟
ثانياً- هل حصلت هذه الجهات على تأكيدات أنّه سيتمّ دفع الاستحقاق، وانّ شراء السندات اليوم صفقة مضمونة وليست مجرد مجازفة، خصوصاً انّ هذه المؤسسات تشتري السندات لمصلحة مستثمرين زبائن لديها (بعضهم قد يكون لبنانياً)، وهي مسؤولة عن نِصحهم وإرشادهم الى الصفقات الرابحة، بما يعني انّ هؤلاء اقتنعوا بالشراء ووافقوا عليه؟
ثالثاً- لماذا أقدمت مصارف لبنانية تحمل هذه السندات الى بيعها بخسارة اكثر من 20% من سعرها؟ هل انّ المعلومات التي تملكها المصارف المحلية تختلف عن المعلومات التي تملكها الجهات الاجنبية المستثمرة؟ وهنا، يمكن استبعاد فرضية انّ المصارف اللبنانية تحتاج الى سيولة، لذلك وافقت على البيع، لأنّها اذا كانت تعرف انّ الاستحقاق سيُدفع في موعده تستطيع أن تنتظر لشهر واحد للحصول على 20% أكثر كإيرادات من هذه السندات.
هذه التساؤلات التي تبدو غريبة بعض الشيء، وتدلّ الى وجود قطبة مخفية في مكان ما، تسمح باستنتاج من نوع آخر. إذ انّ المؤسسات المالية الأجنبية ليست مُطّلعة اكثر من المصارف اللبنانية على القرار الذي ستتخذه الدولة. وفي الاساس يمكن الجزم، أن لا قرار حتى الآن في الحكومة حول الدفع أو عدم الدفع. وأصحاب القرار أنفسهم قد يغيّرون مواقفهم في اللحظات الأخيرة، بسبب ضغوط سياسية أو بسبب تغيير قناعاتهم، لأنّه من الواضح ان لا وجود لقرار عقلاني عميق يستند الى حقائق ودراسات تسمح باتخاذ قرار والثبات عليه.
وبالتالي، قد يكون رهان المؤسسات الأجنبية التي اشترت اليوروبوند، على ما يلي: اذا دفعت الدولة اللبنانية الاستحقاق في موعده نضمن أرباحاً خيالية في فترة قصيرة. واذا تخلّفت الدولة عن الدفع من دون موافقتنا نذهب الى التقاضي والرهن وتحصيل الحقوق بالقانون. وهناك أصول كثيرة للدولة يمكن الحجز عليها. أما اذا فاوضت الدولة اللبنانية للحصول على موافقة حاملي هذه الحزمة من السندات لتتمكّن من اعادة جدولة شاملة للدين، يستطيع المفاوض الاجنبي أن يتحكّم بالقرار، خصوصاً هذا الاستحقاق بالذات، إذ يحمل الاجانب 33% منه. وقد زادت هذه النسبة بعد عمليات الشراء، بما يعني انّ لبنان لن يتمكّن من الحصول على موافقة 75% من حملة السندات لإعادة جدولة دينه. وهذا الوضع يجعل حاملي السندات في هذه الحزمة بالذات التي تستحق في آذار، مثل الوزير الملك في حكومات الوفاق الوطني في لبنان، وحده قادر على التحكّم بمصير الحكومة لجهة سقوطها أو بقائها.
انطوان فرح.
بيان لجمعية المصارف: لبنان يخفض أسعار الفائدة الرئيسية
تقرير “بالغ الخطورة” عن لبنان يتوقع خفض قيمة الليرة 50%
عن جديد ازمة لبنان المالية
أصول المصارف اللبنانية تتقلص بنحو 33 مليار دولار
في حصيلة انحدار سنوية غير مسبوقة خلال ثلاثة عقود متتالية، شهدت أحدث البيانات المصرفية المجمعة لدى مصرف لبنان المركزي تقلبات حادة شملت مجمل بنود الميزانية الإجمالية، بما يثبت حدة التداعيات التي ضربت القطاع في ظل موجات الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اندلعت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وأنتجت تغييرا حكوميا… ثم كشفت هشاشة الوضع المالي القائم وتعقيداته. توازيا مع اضطرابات متواصلة في تعاملات المصارف مع عملائها وفي أسواق صرف العملات وفي سبل التعامل مع استحقاقات وشيكة لسندات دين دولية.
وإذ سمح البنك المركزي بتأخير إفصاحات البنوك استثنائيا إلى حين إنجاز الميزانيات المدققة، وبما يشمل البنوك المدرجة أسهمها في البورصة، يمكن استنباط أداء القطاع ككل من خلال جداول البيانات الموقوفة في نهاية السنة المالية، مقارنة مع البيانات الموقوفة في نهاية الفصل الثالث، والذي يصح اعتماده كمرجعية إحصائية لما «قبل الثورة». علما بأن المصارف درجت على عقد جمعياتها العمومية والمصادقة على النتائج المحققة خلال الفصل الثاني من كل عام.
وأمكن من خلال الجداول التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، رصد انخفاض إجمالي أصول الجهاز المصرفي بشكل مثير من نحو 249.5 مليار دولار في بداية العام 2019. إلى نحو 217 مليار دولار في ختامه، أي بقيمة تناهز 33 مليار دولار ونسبتها نحو 15 في المائة، جلها طرأ في الشهر الأخير من السنة. علما بأن إجمالي الأصول بلغ مستواه الأعلى عند 262 مليار دولار في نهاية شهر أكتوبر؛ مما يعني أن الانحدار عن الرقم الأعلى بلغ نحو 45 مليار دولار وزادت نسبته عن 20 في المائة.
وظهر رقم لافت في المدرجات المؤثرة بتكوين الأصول المجمعة وتطورها، حيث انحدر بند محفظة إيداعات المصارف لدى البنك المركزي بمقدار يناهز 15 مليار دولار على أساس سنوي. لتنحدر بدورها إلى نحو 118.2 مليار دولار انطلاقا من نحو 133 مليار دولار في بداية العام الماضي، ووصولا إلى الرقم الأعلى الذي بلغ نحو 156 مليار دولار في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك نتيجة إعادة هيكلة القيود وتلبية حاجات البنوك إلى السيولة النقدية للتعامل مع موجات السحوبات اليومية في الردهات وعبر أجهزة الصرف الآلي، وتلبية التحويلات المتصلة بالزبائن أو بعمليات تجارية ضمن التدابير المعتمدة وإجراء عمليات مالية بين الطرفين.
ويقدر أن إجمالي ودائع الزبائن (المقيمين وغير المقيمين) قد تقلص إلى ما دون 160 مليار دولار في نهاية العام، مقابل نحو 174 مليار دولار في نهاية العام الأسبق، مراكما بذلك نزفا يزيد عن 15 مليار دولار على مدار السنة المالية.
ومعظم السحوبات تمت في الشهرين الأخيرين وتحولت إلى التخزين في المنازل، مما يخفف من وطأة الانحدار وتداعياته على اعتبار أن الأموال المخزنة ستعود إلى المصارف حال استعادة هدوء الأسواق وإعادة بناء الثقة بين المودع والبنك، والتي تزعزعت بفعل تحليلات وشائعات نشرت الهواجس والمخاوف من ضياع المدخرات، فضلا عن التأثير العكسي للتدابير المشددة التي تعتري مجمل التعاملات المصرفية. علما بأن إجمالي ودائع الزبائن المقيمين سجل تراجعا يماثل 7.42 مليارات دولار حتى نهاية نوفمبر من العام الماضي.
في السياق، أظهر بند ودائع غير المقيمين، والذي يشمل ودائع لبنانيين عاملين في الخارج ومغتربين، انكماشا بمقدار 4.17 مليار دولار، أي بنسبة تقارب 13 في المائة بين نهاية الفصلين الرابع والثالث من العام الماضي. بينما بلغ مجموع التراجع السنوي نحو 5.3 مليار دولار، ليصل الإجمالي إلى 32.45 مليار دولار منحدرا من 37.7 مليار دولار، أي بنسبة 16.33 في المائة. والرصيد موزع بين 29.3 مليار محررة بالدولار، وما يماثل 3.1 مليارات دولار محررة بالليرة.
ومن المهم التنويه في هذا السياق إلى القيود المشددة المفروضة على حركة التحويلات إلى الخارج، والتي تشمل ودائع المقيمين وغير المقيمين على حد سواء. مع الإشارة إلى بدء تحركات من قبل النيابة العامة التمييزية من جهة ومن قبل هيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف من جهة موازية، تهدف إلى تتبع حركة الأموال الخارجة من المصارف طوال العام الماضي، والتدقيق في حال وجود شبهات ذات ارتباط بشخصيات سياسية أو ضمن الإدارة العامة للدولة «PEP، s».
وسجل إجمالي التسليفات الموجهة للقطاع الخاص المحلي من أفراد وشركات تراجعا حادا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، بلغت قيمته ما يماثل 3.53 مليار دولار. لتصل بذلك حصيلة التراجع في كامل السنة المالية إلى 7.88 مليار دولار، ومن دون احتساب مردود المحفظة على مدار السنة، ليقفل إجمالي البند على نحو 43.9 مليار دولار انطلاقا من نحو 51.8 مليار دولار، أي بتراجع إجمالي نسبته نحو 18 في المائة على أساس سنوي. وهو ما يعكس حدة الانكماش التمويلي، في ظل نمو سلبي مرتقب للناتج المحلي وتفاقم حالات إقفال الشركات أو خفض أنشطتها في أغلب القطاعات الإنتاجية وصرف عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص وخفض المداخيل للمستمرين بالعمل، ولا يزال هذا المسار يندفع قدما بفعل الاضطرابات السائدة في الأسواق.
في المقابل، سجلت التسليفات الموجهة للقطاع الخاص غير المقيم ضمن نطاق انتشار البنوك اللبنانية إقليميا ودوليا، تقلصا بقيمة تناهز 1.1 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة، معززة القيمة الإجمالية إلى 1.54 مليار دولار من بداية العام الماضي. وبذلك وصلت قيمة المحفظة الإجمالية إلى 5.57 مليارات دولار، بما يشمل الفوائد المترتبة على عمليات التمويل… وبذلك انحدرت قيمة محفظة التمويل الإجمالية للقطاع الخاص المحلي والخارجي من نحو 59 مليار دولار إلى نحو 49.5 مليار دولار، أي بتراجع إجمالي يقارب 19 في المائة.
علي زين الدين.