أرشيف التصنيف: المقالات العامة

الاستثمار الأكثر أماناً… لم يعد كذلك

في عام 2007، وبعد عامين من انتقال ملكية أسهم والدها إليها، أصبحت الصينية يانغ هيوان أغنى امرأة في آسيا وهي لا تزال ابنة 26 ربيعاً. وتمكنت يانغ من إدراج شركتها العقارية «كانتري غاردن» في سوق هونغ كونغ ورفعت بعدها القيمة السوقية للشركة من 19 مليار دولار عام 2007 إلى أكثر من 46 مليار دولار عام 2018، وذلك بفضل النمو المطّرد لقطاع العقار الصيني. ولكن الوضع لم يستمر على حاله ليانغ، فقطاع العقار الصيني تعرض لهزة عنيفة خلال العام الماضي، تسببت في خسارة يانغ أكثر من نصف ثروتها البالغة 23.7 مليار دولار، لتصل الآن إلى 11.3 مليار. خسارة ملياردير لنصف ثروته خلال عام واحد ليست بالحدث البسيط، وهي ناتج لأزمة عميقة في قطاع العقار الصيني، فكيف حدثت هذه الأزمة لقطاع يعدّه الكثيرون الاستثمار الأكثر أماناً؟ وما تبعات هذه الأزمة على بقية العالم؟
نمو الاقتصاد الصيني أدى إلى زيادة الطبقة المتوسطة، وهو ما رفع الطلب على المنتجات العقارية، ونتيجة لذلك زاد نشاط الشركات العقارية التي اتبعت نموذج عملٍ متهور هو أحد أسباب الأزمة اليوم. فكانت هذه الشركات تشتري الأراضي الشاسعة بسعر باهظ، ومن ثم تبيع المساكن للعملاء قبل البدء بأعمال البناء. وتُموّل هذه الشركات المشاريع من الدفعات الأولى للمشترين ومن القروض الميسّرة من البنوك. هذا النموذج زاد ديون الشركات العقارية وبالتالي زيادة معدل الخطر فيها، ولذلك، وعندما التفتت الحكومة الصينية إلى هذا السلوك الخطر بداية هذا العام وقررت إيقاف الديون الميسّرة على هذه الشركات وتحديد سعة ديونها، دخلت هذه الشركات في دوامة تسببت في عجز الكثير منها عن سداد ديونها، لتصل الديون المتعثرة لدى البنوك الصينية اليوم إلى أكثر من 430 مليار دولار.
الأثر الواقعي لهذه الأزمة كان إيقاف الأعمال على الكثير من المنشآت السكنية في الصين، وهو أمر أدركه المشترون، فقرروا قبل عدة أسابيع عدم سداد أقساط المساكن كنوع من الاحتجاج على الوضع الراهن، وهو ما فاقم أزمة الشركات التي لم تعد تجد السيولة الكافية لتسيير أعمالها وسداد ديونها. وما حدث لـ«كانتري غاردن» هو أمر مشابه لذلك، فلم تستطع الشركة الاقتراض من البنوك، ولم يشفع لها أن مالكتها هي أغنى امرأة في آسيا، ولذلك قررت الشركة بيع نسبة من الأسهم بسعر مغرٍ للحصول على سيولة تبلغ 343 مليون دولار، ولكن هذا الإجراء أكد للسوق أن الشركة لا تملك السيولة لتسيير أعمالها وسداد ديونها، فانخفض سعر السهم بنحو 15 في المائة، وانخفضت قيمة الشركة بـ1.7 مليار دولار في يوم واحد.
وقطاع العقار له نسبة لا يستهان بها في الناتج المحلي الصيني، فنسبته تشكل ما بين 18 و30 في المائة منه، أي أن ربع الناتج المحلي الصيني (في المتوسط) من قطاع العقار. والعالم لم ينسَ بعدُ كارثة 2008 المالية التي لم تختلف مسبباتها كثيراً عن الحال في الصين، وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية قد لا تتفاقم إلى أزمة عالمية، حسب آراء الخبراء، فإن أثرها قد لا يكون بسيطاً في العالم بأسره، فحينما يتأثر قطاع حجمه يقترب من 4 تريليونات دولار، فإن العالم سيتأثر بلا أدنى شك من هذا التأثر. ويبدو أن الحكومة الصينية أدركت أن أثر احتجاجات الملّاك بعدم الدفع قد يزيد الوضع سوءاً، ولذلك فقد أعلنت عن حزم مساعدات للقطاع العقاري بنحو 44 مليار دولار على عدة مراحل، وهو أمر يصب في مصلحتها بشكل مباشر.
إن خسارة يانغ لنصف ثروتها ما هو إلا رمز على عمق أزمة الديون في العالم، وأزمة العقار في الصين بشكل خاص. وهو دليل على أن الاستثمارات المعتمدة على الديون بشكل كامل هي استثمارات خطرة على الاقتصاد، والدليل أن الأزمة الحالية هي أزمة لقطاع يعد أحد أكثر القطاعات أماناً من الناحية الاستثمارية، وأثره السلبي كان على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهو إثبات على أن نفس الأثر قد يحدث على أي اقتصاد في العالم، ولأي استثمار يستند إلى الديون بشكل كلي. وها هي صورة يانغ أصبحت رمزاً لانهيار العقار، بعد أن كانت مثالاً للمرأة الآسيوية الناجحة.

د. عبد الله الردادي

الركود لن يطال شركات التكنولوجيا الكبرى

عندما أصرّ الرئيس الأميركي ووزير الخزانة ومسؤولون آخرون في إدارة بايدن الأسبوع الحالي على أن الاقتصاد الأميركي حالياً لا يعاني من الركود، تعرضوا للسخرية لتمكنهم من درء الأخبار السيئة عن أنفسهم فقط لأسباب إجرائية، كمن أفلت من العقاب لنقص في الإجراءات. فقد أعلنت وزارة التجارة، الخميس، أن المقياس الأوسع للنشاط الاقتصادي، الناتج المحلي الإجمالي، انخفض للربع الثاني على التوالي خلال العام، في إجماع لتعريف واسع الانتشار، وإن كان غير رسمي، على حدوث الركود. صحيح، بحسب المحيطين بالرئيس بايدن، أن الحَكم الرسمي للركود في البلاد، «المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية»، لم يعلن حدوث الركود صراحة لأنه يعتمد على العديد من المؤشرات الأخرى، فقد بدا الأمر كما لو أن فريق بايدن يبحث عن حجج ولو واهية لتعزيز موقفه.
على الرغم من ذلك، فقد قضيت خلال الأيام القليلة الماضية وقتاً أطول من اللازم في الاستماع إلى شرح الرؤساء التنفيذيين عن أعمالهم خلال بيانات أرباح الشركات الفصلية. (ماذا يمكنني أن أقول؟ كنت سعيداً لقضاء وقت ممتع.)، لكنى فوجئت بما سمعت. أقنعني المديرون التنفيذيون أن طاقم بايدن لديهم وجهة نظر، ناهيك عن جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي قال أيضاً الأسبوع الحالي، إن الركود ربما لم يبدأ بعد.
الاقتصاد في وضع غريب حقاً. فهناك بالتأكيد مؤشرات تدل على المشاكل. ففي بعض أكبر الشركات في البلاد – لا سيما في صناعة التكنولوجيا – يكاد يصل الوضع إلى حد الكآبة. وعلى العكس، ففي الشركات التي تعاني حقاً، لم تكن الأرقام بالسوء الذي كان يخشاه المستثمرون.
في بداية الأسبوع، أبلغت المسؤول عن تحرير مقالاتي، أنني سأكتب عن الكيفية التي قد تواجه بها صناعة التكنولوجيا واحدة من أسوأ حالات التباطؤ منذ عقدين. بحلول نهاية الأسبوع، وجدت نفسي أتراجع عن أي شيء مثير. نعم، تمر بعض الشركات بأوقات عصيبة بشكل غير معتاد؛ نماذج الأعمال تتفجر، المنافسة تحتدم، المنظمون يزدادون صرامة، التوظيف يتباطأ، يُطلب من العمال أن يفعلوا المزيد بموارد أقل. وكل هذا نراه على «فيسبوك» فقط.
ولكن هناك أيضاً دلائل على أن بعض الشركات الضخمة تبحر ببراعة وسط أمواج عاتية في «بيئة اقتصاد كلي صعبة» دفعت الرؤساء التنفيذيين لتبني إجراءات جعلتني أقول إنهم ربما اعتمدوها في اجتماع سري.
لنأخذ في الاعتبار بعض النقاط الأكثر إشراقاً: ذكرت شركة «كوالكوم»، عملاق صناعة الرقائق، أنه على الرغم من «بيئة الاقتصاد الكلي الصعبة»، فقد نمت الأرباح بأكثر من 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي بسبب المبيعات القوية لمعالجاتها المستخدمة في الهواتف والسيارات. وذكرت شركة «فورد»، أن المبيعات الضخمة لسيارات الدفع الرباعي و«الكروس أوفر» دفعت أرباحها المعدّلة قبل الضرائب والفوائد إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. وفي الوقت نفسه، أفادت شركات «فيزا» و«ماستركارد» و«أميركان إكسبرس» بأن الأميركيين ما زالوا ينفقون كما لو أنه ليس هناك غد. وذكر فاسانت برابهو، كبير المسؤولين الماليين بشركة «فيزا»، أمام المستثمرين «لا نرى أي دليل على تراجع إنفاق المستهلكين».
كان الكثيرون في «وول ستريت» قلقين بشكل خاص بشأن النتائج من الشركات العملاقة، مثل «أبل» و«بيغ تيك» و«مايكروسوفت» و«أمازون» و«ألفابيت» و«ميتا»، وهي الشركات الأم لـ«غوغل» و«فيسبوك». هذه الكيانات من بين الشركات الأميركية الأكثر قيمة، وقد ارتفعت قيمها خلال فترة الوباء. لكن نمو الشركات الكبرى للتكنولوجيا تباطأ العام الحالي، وانهارت أسعار أسهمها. في هذا الصدد، قال دان آيفز، المحلل في مؤسسة «ويدبوش سيكيوريتيز» الذي كان متفائلاً بشأن عمالقة التكنولوجيا، إن المشاعر بين مستثمري التكنولوجيا كانت الأكثر سلبية منذ عام 2009.
ثم حدث الثلاثاء أن أعلنت شركتا «مايكروسوفت» و«ألفابيت» أرقامهما وقلبتا الأمر رأساً على عقب، حيث ذكرت «ألفابيت»، أن إيراداتها نمت بواقع 13 في المائة مقارنة بالعام الماضي – أقل من المعتاد لشركة مثل «غوغل» التي تدر مكاسب باهظة، ولكن ليس أقل بكثير مما توقعه المحللون وأفضل مما كان يخشى الكثيرون. قال آيفز، إن نتائج «غوغل» غير السيئة تشير إلى أن سوق الإعلان عبر الإنترنت كانت متماسكة.
كانت نتائج «مايكروسوفت» أيضاً أقل مما توقعه المحللون، لكن المستثمرين كانوا سعداء بهذه النتائج، لا سيما النمو بنسبة 40 في المائة في أعمال الخدمات السحابية لشركة «مايكروسوفت». في هذا السياق، قال آيفز «نظراً لأن عمل (مايكروسوفت) الأساسي يتمثل في توفير خدمات تقنية للشركات الكبيرة، فقد ألقى الرقم السحابي القوي الخاص بها ضوءاً إيجابياً على الاقتصاد بأكمله»، مضيفاً «ربما كانت هذه واحدة من أهم نقاط البيانات منذ سنوات لقطاع التكنولوجيا».
الأربعاء الماضي، ذكرت «ميتا» سبب وجود بعض الأرقام الكئيبة للغاية. فمن بين أمور أخرى، سجلت الشركة لأول مرة انخفاضاً في الإيرادات الفصلية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. لكن التوقعات كانت منخفضة للغاية بالنسبة لـ«فيسبوك»؛ إذ انخفض سهم الشركة العام الحالي بعد أن ذكرت، أن ميزات الخصوصية الجديدة لشركة «أبل» قد أعاقت قدرتها على جمع البيانات عن المستخدمين. لقد واجهت أيضاً منافسة مستمرة من «تيك توك». ولأن مارك زوكربرغ، مؤسس «فيسبوك» والرئيس التنفيذي، ينفق المليارات لتحويل الشركة من شبكة اجتماعية إلى عالم «ميتافيرس» الافتراضي – لا تزال قيد التطوير ويعتقد أنها ستكون يوماً ما في قلب تجربتنا الحاسوبية – فإن مستقبل شركته يبدو أكثر من مجرد كئيب. لكن كان هناك ضوء مشرق في تقرير «ميتا» الكئيب؛ إذ قال زوكربرغ، إن شركة «ريلز»، منافسة «تيك توك» والتابعة لـ«غوغل»، تكتسب شعبية بين المستخدمين والمعلنين، كما أن أرقام مستخدميها لا تزال صامدة. كانت «ميتا» تتعامل مع الكثير من الأخبار السيئة – أعلنت «لجنة التجارة الفيدرالية» الأسبوع الحالي، أنها ستقاضي لمنع الشركة من شراء شركة صغيرة ناشئة في الواقع الافتراضي – وبالكاد يمكن أن تنخفض التوقعات. وقال آيفز «كان الشارع يتوقع كارثة أسطورية مؤكدة». لكن بالمقارنة مع الإعصار المتوقع للأرباح الرهيبة، فإن أرقام «فيسبوك» كانت أشبه بـ«عاصفة مطيرة صغيرة»، على حد قوله.
بعد إغلاق الأسواق، الخميس، أبلغت «أمازون» و«أبل» عن أرقامهما الفصلية. خمّن ماذا قالت؟ هم أيضاً في الغالب يبلون بلاء حسناً، حيث ذكرت «أمازون»، أن أعمالها السحابية نمت بنسبة 33 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وصرح المدير التنفيذي لشركة «أبل» لشبكة «CNBC» الإخبارية، بأن الشركة تتوقع «تسريع» الإيرادات في الربع المقبل.
جادلت العام الحالي، بأنه على الرغم من التباطؤ الأخير، كان عهد شركات التكنولوجيا الكبرى في بدايته. ومع تراجع الاقتصاد على مدار العام، بدأت أشك في صحة توقعاتي الجريئة. لكني الآن أصبحت أضاعف من توقعاتي. قد يواجه عمالقة التكنولوجيا، شأن باقي قطاعات الاقتصاد، أوقاتاً عصيبة قريباً. لكن «أمازون»، و«أبل»، و«مايكروسوفت»، و«غوغل»، وحتى «فيسبوك»، تتغلب على الأوقات الصعبة بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعاً.
لن تختفي شركات التكنولوجيا الكبيرة في أي وقت قريب.

معاناة أسواق المال من تداعيات زيارة بيلوسي لتايوان ستستمر

رغم أن التأثير الفوري لزيادة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي لتايوان أول قد يتلاشي، فإنها جعلت مديري صناديق الاستثمار في العالم يعيدون التفكير في كيفية التعامل مع العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، قال المحللان روث كارسون وشارلوت يانغ إن “أسواق المال وخبراء الاقتصاد يحاولون حالياً رصد التداعيات المحتملة لزيارة بيلوسي لتايوان، وتصاعد المواجهة بين واشنطن وبكين بدءاً من تراجع العلاقات الاقتصادية بينهما، ثم زيادة الضغط على سلاسل الإمداد العالمية الهشة أو حتى احتمال استخدام بكين لحصيلتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية كسلاح لضرب الاستقرار المالي للولايات المتحدة”.
وفي الوقت نفسه، سلطت زيارة بيلوسي لتايوان الضوء مجدداً على المخاطر التي تهدد الأسواق المالية نتيجة تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الاستثمارات الاستراتيجية في الأسواق الصينية، وسوق السلع العالمية والملاذات الاستثمارية الآمنة، إذا ما تدهورت العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين العظميين.
ويقول ميشيل إيفري خبير الأسواق العالمية في رابو بنك إن “تداعيات الأزمة سوف تستمر لفترة أطول من قدرة الأسواق على تركيز الاهتمام عليها”، مضيفاً أن هناك توافقاً بين الخبراء الجيوستراتيجيين على أن العالم يقترب بشكل مثير للقلق، من أزمة مضيق تايوان الرابعة.
وتراجعت أسعار الأصول الاستثمارية الآمنة أمس الأربعاء فور تراجع المخاوف من نشوب مواجهة مسلحة بين تايوان والصين على خلفية زيارة بيلوسي للأولى، في حين تراجعت سندات الخزانة الأمريكية عقب التصريحات المتشددة من جانب مسؤولي مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي بشأن السياسة النقدية.
ويتركز اهتمام المستثمرين على تحليل العناوين الرئيسية للأزمة الحالية بحثاً عن أي إشارة إلى طبيعة الرد الصيني على التحدي الأمريكي وإتمام زيارة بيلوسي لتايوان رغم الرفض الصيني، وهل يمكن أن يتجاوز الرد حدود التدريبات العسكرية التي تجريها بكين، وفرض بعض القيود التجارية على تايوان، وكان ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي قد دفع البعض إلى الحديث عن احتمال لجوء الصين إلى استخدام حصيلتها الضخمة من السندات الأمريكية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار تقريباً للضغط على واشنطن.
ويقول إيان لينجن المحلل الاقتصادي في بي.إم.أو كابيتال ماركت بنيويورك إنه “في ضوء عمليات البيع الكثيف للسندات الأمريكية (يوم الثلاثاء) لم يكن الأمر يحتاج إلى وقت طويل حتى يبدأ الحديث عن قيام الصين ببيع كميات من هذه السندات للضغط على الاقتصاد الأمريكي”، وأضاف “في حالة حدوث هذا السيناريو الذي نشك فيه، فسيكون التأثير محدوداً لآن التدفقات النقدية قصيرة المدى ستغطي على التأثيرات السلبية على النظرة المستقبلية لأوضاع لاقتصاد الكلي على مستوى العالم”.
ويقول روث كارسون وشارلوت يانغ في تحليلهما إن “الحجم الضخم لسندات الخزانة الأمريكية التي تمتلكها الصين يكشف المدى الكبير للتداخل بين أكبر اقتصادين في العالم”، ورغم التغيير الذي طرأ على العلاقات بين البلدين خلال السنوات الست الماضية، مع الخلافات التجارية والمنافسة التكنولوجية والأمنية واحتمالات شطب الشركات الصينية المدرجة في البورصات الأمريكية.
وقال شيادونغ باو مدير صندوق استثمار في شركة إدموند دي ورتشيلد أسيت مانجمنت لإدارة الأصول إن “العودة الرسمية للنفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستؤدي حتماً إلى تسارع وتيرة التباعد بين أمريكا والصين في ضوء تطور الأحداث، سيكون على المستثمرين الاستعداد لمواجهة اختبار أعصاب يمكن أن يؤدي إلى إلى تقلبات شديدة التعقيد في سوق المال على المدى القصير”.
ويقدم محللون آخرون تصورات أطول مدى لما يمكن أن تمثله أحداث الأسبوع الحالي من لحظات فارقة في تاريخ آسيا والمحيط الهادئ، واحتمالات إعادة النظر في تخصيص الأصول والموارد في المنطقة، حيث تعتبر تايوان مصدراً حيوياً لأشباه الموصلات والأجهزة المتطورة في العالم.
ويشير هوانغ هويمنغ مدير صندوق استثمار في شركة نانجينغ جينغ هينغ إنفستمنت مانجمنت، إلى احتمال لجوء الصين إلى ما يعرف باسم “استراتيجية السلامي” فتسعى إلى تقسيم المعارضة التي تواجهها إلى شرائح منفصلة مع ما لذلك من تداعيات على سلاسل الإمداد العالمية المضطربة بالفعل.
ويضيف “بالنظر القريب على مناطق التدريبات العسكرية الصينية الحالية نجد أنها أقرب ما يمكن من أراضي تايوان، وتطوقها من جميع الجهات، وتيدو وكأنها عمليات عسكرية متخفية في صورة تدريبات، فإذا استمرت هذه الأنشطة العسكرية لفترة أطول، أو أصبحت اكثر كثافة، فقد تؤثر بالسلب على عمل سلاسل الإمداد، لكن لا توجد أي إشارة إلى احتمال حدوث هذا السيناريو في الوقت الراهن”.
وتقول جيسكا أمير المحللة الاقتصادية في ساكسو كابيتال ماركيت إنه “في ظل حالة الغموض الشديد الحالية، يصبح الرهان أكبر على الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة والدولار”، مضيفة أن التوترات الحالية بين واشنطن وبكين ستؤدي إلى تزايد توتر المستثمرين وتعزز جاذبية الأصول الأمنة على حساب الأصول ذات العائد الأعلى، وأضافت “التوترات الجيوسياسية ستتزايد، ونرى أيضاً العودة إلى الملاذات الاستثمارية الآمنة، وسيتزايد شراء الدولار”.
ويؤيد شين أوليفر كبير المحللين الاقتصاديين في أيه.إم.بي كابيتال ماركت هذه الرؤية، ويقول إنه “في حالة استمرار التواتر ستتزايد مكاسب السندات مقابل الذهب، وعلى المدى الطويل نرى مؤشرات على تصاعد توترات الحرب الباردة بين الغرب وكل من الصين وروسيا، وهو ما يعني تزايد المخاطر التي تهدد أسواق المال”.
وفي زيوريخ يقول جيان شي كورتيزي مدير صندوق استثمار في شركة جي.أيه.إم إنفستمنت مانجمنت إن “هناك تشابهاً بين نتائج زيارة نوت جنينجريتش رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق لتايوان عام 1997 وزيارة بيلوسي لها خلال الأسبوع الحالي”، ويضيف أنه في ذلك الوقت تراجع مؤشر هانج سينج الرئيسي لبورصة تايوان للأوراق المالية قبل زيارة جينجريش، لكن سرعان ما ارتفع المؤشر بعد الزيارة، والآن تراجعت بورصات الصين وهونغ كونغ وتايوان قبل زيارة بيلوسي.
وأوضح أن التدريبات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان “قد تبقي المستثمرين على أهبة الاستعداد، لكن الأسواق ستتعافى بمجرد انتهاء التدريبات العسكرية”.

د.ب.أ

عن غسل أخضر وإفصاح مضلل وعلاج مؤذٍ

أفردت مجلة الإيكونيميست البريطانية غلاف عددها الأخير وموضوعها الرئيسي وصفحات لملف خاص لثلاثة حروف باللغة الإنجليزية ESG (إي إس جي) ملخصة للاستثمار الذي ازداد شيوعاً وفقاً لمؤشرات، غير مالية، تخضع للاعتبارات البيئية والاجتماعية، فضلاً على الحوكمة. وتندرج تحت الاعتبارات البيئية موضوعات تغيرات المناخ والانبعاثات الضارة به، وتلوث المياه والهواء والتنوع البيئي وكفاءة إدارة المخلفات، وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة. وتضم الاعتبارات الاجتماعية معايير العمل وإدماج النوع الاجتماعي في سياسات التعيين وتنوع قوة العمل في الشركة وحقوقها وتكافؤ الفرص بين العاملين والعاملات ورضا المتعاملين مع الشركة وخصوصية معلوماتهم. أما حوكمة الشركة فتشمل تمثيل مجلس الإدارة وفاعليته ولجان الرقابة والمراجعة الداخلية والخارجية وكفاءتها، فضلاً على معايير إثابة ومكافأة الإدارة العليا، وممارساتها بشأن الضغوط السياسية للترويج لأعمال الشركة والمساهمات في الحملات الانتخابية والإفصاح عنها وفقاً للقوانين المعمول بها، وقواعد تعارض المصالح ومنع الرشوة والفساد.
وتذهب مجلة الإيكونيميست إلى أن الاستثمار وفقاً للاعتبارات البيئية والاجتماعية، وما يتعلق بالحوكمة على النحو المتقدم يعاني من ثلاث مشكلات جوهرية:
أولاً، إنها تحمل في طياتها أهدافاً متعارضة عملياً فقد تخفق الشركة في اعتبارات الحوكمة، بينما تحقق إنجازاً في مجال حماية البيئة والمناخ فإلى أيهما يجنح المستثمر في تفضيله؟
ثانياً، إن هناك افتراضاً قد لا تسانده الممارسة العملية من أنَّ الاستثمار وفقاً للحوكمة والأبعاد البيئية والاجتماعية يأتي مصاحباً بعوائد مالية عالية للمستثمرين؛ وهو ما يفترض أن النظم الرقابية والمجتمعية تجبر الشركات كافة على إدراج مخرجاتها السلبية أو ما يطلق عليه الاقتصاديون الوفورات السلبية في نشاط الشركة الداخلي، بدلاً من تحميله على المجتمع. فكم من شركة حملت المجتمع بمخلفاتها الضارة من ملوثات للهواء والمياه أو مواد تغليف مدمرة للبيئة كالبلاستيك؟
ثالثاً، تعاني الاستثمارات وفقاً للمؤشرات البيئية والاجتماعية والحوكمة أو «إي إس جي» من معضلة قياس تسهم في ظاهرة الغسل الأخضر التي تضلل الأسواق والمستثمرين بتشتت المقاييس، وعدم اتساقها من حيث المفهوم ومكونات المقارنة. ففي حين تتسم مؤشرات التصنيف الائتماني، مثل فيتش وستاندارد أند بورز وموديز، بمعامل ارتباط إحصائي قوي بين تصنيفاتها للشركات يبلغ 99 في المائة، إلا أن التصنيف وفقاً لمؤشرات البيئة وأخواتها لا يحقق معامل ارتباط يتجاوز 50 في المائة في أفضل الأحوال.
ووفقاً لهذا توصي مجلة الإيكونيميست بالتركيز على مؤشر واحد. وهي لا تكتفي بالتوصية باستبعاد الاعتبارات الاجتماعية وحوكمة الشركات أيضاً معها، ولكن توصي بالتركيز على مكون واحد للاعتبارات البيئية وهو الانبعاثات الضارة بالمناخ وحدها دون غيرها، وهي بالمصادفة تختصر بحرف «إي» أيضاً باللغة الإنجليزية. أي أن التوصية تستبعد الاسترشاد الاستثماري وفقاً لاعتبارات بيئية واجتماعية ومعها الحوكمة، وأن يُختزل الأمر كله في بعد واحد هو البيئة أو المناخ وبمؤشر وحيد لهما لرصد التطور المأمول وهو الانبعاثات الضارة وبتركيز فقط على الانبعاثات الكربونية. وفي هذا الاختزال ضرر بالغ ينبغي توضيحه بقدر من التفصيل:
في البداية أشير إلى ما كتبته في هذه الصحيفة الغراء في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، تحت عنوان «عن مسؤولية الشركات» متسائلاً: هل تهدف فقط إلى تحقيق الربح أم أن لها، أو بالأحرى عليها، التزامات اجتماعية؟ وأوردت رأي الاقتصادي الأشهر ميلتون فريدمان، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، في مقاله الصادر في عام 1970؛ ويذهب فيه إلى أن هدف وجود الشركة هو تحقيق الربح فقط، وأن مديري الشركات لم يمنحهم ملاك أسهمها صلاحية لينفقوا من مواردها على خدمات اجتماعية، وأن هذا من شأن الحكومة التي تحصل ضرائب من أرباح الشركات لتنفقها على هذه الأغراض. ويستند أنصار هذا الرأي لافتراضات عن اقتصاد تحكمه قواعد السوق التي تنظمها رقابة فاعلة حصيفة ومنافسة عادلة، وفي هذا الاقتصاد تختص الشركات بشؤونها وتنفرد الحكومات بمسؤولياتها. وقد أشرت إلى أن العلاقة بين الشركات والمجتمعات التي تعمل فيها قد مرت بثلاث مراحل للتطور، وفقاً لمايكل بورتر أستاذ استراتيجيات الشركات بجامعة هارفارد، تراوحت بين تبرع الشركة لبعض الأنشطة الخيرية أو فرض نوع من الالتزامات المالية الإجبارية عليها، بخلاف الضرائب، توجه لأنشطة تحددها السلطات، ثم أتت المسؤولية الاجتماعية للشركات متزامنة مع إعلان الأمم المتحدة في مطلع القرن الحالي لتطبيق الأهداف الألفية للتنمية، التي انتهت في عام 2015. وقد حلت محلها أجندة التنمية المستدامة، والتي توافقت الآراء على أهمية مشاركة القطاع الخاص في تحقيق أهدافها الطموحة والتي ينبغي الانتهاء منها مع حلول عام 2030. هذه الأهداف الجديدة تستوجب إدماج عناصر الاستدامة، المتمثلة في تحقيق النمو الشامل، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة والمناخ، والحوكمة، في النشاط الأساسي للشركات وليس مجرد وجودها كواجهة تعبر عن حسن النوايا تجاه المجتمع. ومع ذلك تبقى أهمية مضمون ما ذهب إليه فريدمان من ضرورة تحقيق الشركة للربح، فبدونه ستزول الشركة من الوجود، ولو بعد حين، إفلاساً أو إدماجاً، ولكن تأتي المعايير الجديدة للاستدامة لترسخ «كيفية» حصول الشركة على هذا الربح.
وكثيراً ما يتجاوز مديرو الشركات فيقولون إن من أهداف شركاتهم تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ووجه التجاوز في تقديري هو أن أهداف التنمية المستدامة قد صيغت أصلاً لتقع تحت مسؤولية الدول وحكوماتها، وأن الشركات ومؤسسات الإنتاج بصياغات ملكيتها المختلفة عليها أن تسهم فقط في تحقيقها، وفقاً لمجالات عملها وأن الشركات ستجد لزاماً عليها التوافق مع معايير بيئية واجتماعية، فضلاً على الحوكمة ليس تفضلاً منها، ولكن وفقاً لقواعد العمل بالسوق المراقبة بفاعلية ومحفزاتها وألخصها في أربعة:
أولاً، قواعد رقابية ملزمة تتجاوز التزام البديهيات مثل دفع الضرائب ورسوم الجمارك والتزام مواصفات جودة السلع وتحري السلوك الأمثل في السوق كمنع الممارسات الاحتكارية، إلى ضوابط العمل اللائق وفقاً لمنظمة العمل الدولية والاعتبارات البيئية وأحكام العمل وفقاً لقوانين الشركات.
ثانياً، تستلزم قواعد المنافسة غير السعرية بين الشركات تسويق نفسها وفقاً لمعايير مساندة المجتمع وقيمه، للحفاظ على مكانتها وسمعتها كشركة لا تنتج سلعاً عالية الجودة ومتنافسة السعر فحسب، ولكنها تساند المجتمع في تحقيق مساعيه.
ثالثاً، هناك شركات أنشأها مؤسسوها وفقاً لقناعات تتوافق في عقيدتهم السلوكية بأن تحقيق الربح لا يتعارض مع فعل الخير للمجتمع المحيط بها. كما أن من نماذج الشركات ما أخذ كياناً تعاونياً لا يوزع صافي الإيراد على المساهمين بل يراكم ليزيد من نشاطها، ومنها ما يوجه جانبا من الإيراد للمجتمع في شكل وقف أو إسهام في مؤسساته الاجتماعية كدور العلم والرعاية الصحية. بل إن من صناديق الثروة السيادية ما جعل إنفاق جانب من أرباحها لضرورة أو بنسبة محدودة، وأن يظل جل الفائض لحماية الأجيال القادمة.
رابعاً، إن من الشركات الحصيفة ما تحسب لما هو قادم فجعلت من أولوياتها إيجاد مخصصات تتوقى من تغيرات في القوانين والقواعد الرقابية ولوائح الإفصاح مستقبلاً، وفقاً لضغوط مجتمعية مبررة للحفاظ على المناخ الذي تؤكد التقارير العملية مزيداً من تدهوره رغم كثرة الوعود والتعهدات المتكررة بالحفاظ عليه.
وقد أشرت من قبل إلى أن الشركات في اليابان، على سبيل المثال، تقدم نموذجاً جديراً بالتدبر والانتفاع به، إذ تقود اتحادات الشركات منافسة فيما بينها في إطار التزام عقدته على احترام صارم للقوانين المنظمة لأعمالها، واتفقت الشركات من خلال اتحاداتها ومنظماتها المركزية والإقليمية على مبادئ للعمل والتنافس تتبنى مسلكاً جديداً نحو الاستدامة وسلوكاً مختلفاً في الإدارة يهدف إلى: تطوير منتجات وخدمات مفيدة اجتماعياً وذات نوعية عالية من خلال الابتكار مع حماية خصوصية البيانات؛ واحترام قواعد المنافسة الحرة والعادلة؛ والإفصاح عن نشاط الشركات وفقاً للمعايير الملزمة؛ وتسيير العمل في نشاط الشركات في الداخل والخارج بما يتوافق مع حقوق الإنسان ومواثيقها؛ وتقديم معلومات تفصيلية واضحة للمستهلكين تسمح لهم بالاختيار؛ وتوفير بيئة عمل صالحة لكافة العاملين مراعية أسس عدالة الفرص والأجور، واعتبارات السلامة والصحة؛ وتطبيق إجراءات حماية البيئة، ومنع التلوث، وتخفيض انبعاثات الكربون الضارة؛ وتدوير المخلفات والتعاون مع السلطات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني في تطوير المجتمع المحلي من خلال أنشطة ذات نفع حقيقي ومتوافقة مع النشاط الرئيسي للشركة؛ وإعداد نظام متكامل لإدارة الأزمات بالتعاون مع جهات الاختصاص للتصدي لأخطار الإرهاب والجريمة المنظمة وتهديد نظم المعلومات والكوارث البيئية.
وتتعهد الشركات بقيام الإدارة العليا بالشركات بمتابعة تنفيذ الإجراءات والمعايير السابقة، باعتبارها مسؤولية تقع على عاتق الإدارة العليا تحديداً، مع الإدراك التام بأن أي تهاون بشأنها، يضر بالشركة وبالثقة بها، بما يستدعي فوراً إعلان الشركة عن تحمل المسؤولية واتخاذ التدابير المناسبة للتعرف على سبب المشكلة وحلها ومنع تكرارها.
وفي التعهدات السابقة تجد ترجمة تفصيلية وتفعيل الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة التي يجري الاستثمار في الشركات وفقاً لها؛ فأي نصيحة تلك التي تسديها مجلة الإيكونيميست لمجتمعات الأعمال؟ وما فائدة أن تختزل المعايير غير المالية واجبة الاتباع في واحدة تتعلق بالانبعاثات الكربونية مهدرة لمقومات أخرى لا تقل أهمية للعمل البيئي والمناخي، ومستبعدة أبعاداً حيوية للأثر الاجتماعي ومقللة من شأن الحوكمة التي ما زالت تصارع من أجل ترسيخ مبادئها؟ ومن عجب أنها تدفع بتغليب عنصر واحد وهو تسعير الكربون وما زالت نظم تسعيره المتباينة لا تشمل أكثر من 23 في المائة من إجمالي الانبعاثات الضارة عالمياً وفقاً لما أوردته.
حقاً لا يحتمل هذا العالم استمراءً في ممارسات الغسل الأخضر بتضليل في التقارير أو تضارباً في المعايير، ولكنه لا يحتمل أيضاً اختزال الاستدامة في معيار واحد مهما بلغت أهميته. والدعوة الأجدى نفعاً أن تكون بالتوافق على المعايير الأساسية الحرجة للأبعاد البيئية والمناخية والاجتماعية فضلاً على الحوكمة وتفنيدها والالتزام بها تطبيقاً وإفصاحاً على النحو المعمول به في المؤشرات المالية المعتمدة لمحاسبة الشركات ومراجعتها وتصنيفها، وهي ذاتها محل تقييم وتطوير مستمرين.

د. محمود محيي الدين

اقتصادي مصري

الصين وأزمة الدين العالمي

عندما أطلقت الصين مبادرة طريق الحرير أو ما يسمى بـ(الحزام والطريق) عام 2013 كانت أهدافها واضحة، وهي الارتقاء بالبنى التحتية لعدد كبير من الدول، بما يخدم أهداف هذه الدول، دون إغفال أهداف ومصالح الصين. وهذا المشروع هو أكبر مشروع أطلقته الصين على الإطلاق، وهو أكبر مشروع تطلقه دولة واحدة للارتقاء بالبنى التحتية على مستوى العالم. ولا تستغرب زيادة المخاطر في هذا النوع من المشاريع العملاقة، خاصة مع مشاركة العديد من الدول النامية التي لا تملك تصنيفا ائتمانيا عاليا، ولكي تدعم الصين هذه المبادرة، توجب عليها توفير الأدوات لهذه الدول، مدركة أن أي احتمالية بعدم سداد القروض ترتفع فيها مقارنة بغيرها من الدول. ولكن الصين مولت هذه الدول بقروض مختلفة، بهدف المضي قدما في هذه المشاريع، ولم تشتك هذه الدول ولا غيرها آنذاك، ولكن الآن ومع أزمة الديون العالمية، بدأت أصابع الاتهام تتوجه إلى الصين، بما يسمى بـ(توريطها) للدول النامية والفقيرة بديون لا تستطيع سدادها.
بداية يجب توضيح مصالح الصين في تمويلها للدول النامية في مبادرة طريق الحرير، وهي مصالح متعددة وتختلف باختلاف الدول والقروض ولم يسبق للصين أو لأي دولة أخرى إنكارها. أولى هذه المصالح هي نجاح مبادرة طريق الحرير، وهو الذي يهدف إلى ربط الصين بدول العالم، سواء كانت هذه الدول سوقا للمنتجات الصينية، أو مصدرا للمواد الخام للصناعات الصينية. الفائدة الثانية هي أن العديد من المشاريع الممولة قامت بها شركات صينية، في وقت تشبعت فيه السوق الصينية ولم تجد هذه الشركات مشاريع تمكنها من العمل، فأوجدت الحكومة الصينية بهذه المبادرة مشاريع شغلت شركاتها وأضافت لاقتصادها بطريق غير مباشر. الثالثة هي الفوائد من القروض التي تعطيها الحكومة الصينية لهذه الدول، والصين متضررة بلا شك من تعثر الدول في السداد. هذه النقطة مهمة جدا، لأن البعض يروج إلى أن الصين ورطت الدول في قروض لا تستطيع سدادها، وذلك لكي تتمكن من الاستحواذ على منشآتها كالمطارات والموانئ وغيرها، والواقع أن فائدة الصين أكبر في حال سددت هذه الدول قروضها، بدلا من الاستحواذ على أصول قد تكلف الكثير لإدارتها بشكل فعال.
والمشكلة التي حدثت مؤخرا، هي عدم قدرة العديد من هذه الدول على سداد قروضها، لأسباب لا تخفى على الجميع، ومنها الجائحة وارتفاع مستوى التضخم مؤخرا. وهناك أسباب أخرى تتعلق بارتفاع معدل الفساد في بعض الدول، وغياب الحكمة في اتخاذ القرارات حول بعض الاستثمارات، والمثل المتداول في هذا حاليا هو سريلانكا التي مولتها الصين بـ12 مليار دولار في العقدين الأخيرين، وحيث بُنيت أبراج وملاعب دون وجود عوائد ذات قيمة مضافة للبلد. هذه المشكلة لا تنفي وجود مشاريع ذات جدوى في مبادرة طريق الحرير، لعل أبرزها هو خط سكة الحديد بين إثيوبيا وجيبوتي، والذي يمتد لـ750 كيلومترا، مختصرا الوقت المستغرق بين المحطتين من 3 أيام إلى 12 ساعة.
ويتضح من بعض الحالات، أن المشكلة تكمن في عدم تأكد الصين من جودة المشاريع أو جدواها قبل منح القروض، بل قامت بإعطاء قروض دون التأكد بشكل كامل من إمكانية السداد أو العوائد التي تساهم في السداد. ولذلك فإن العديد من الدول اليوم تواجه مشاكل في الإيفاء بديونها، مما قد يتسبب في أزمة ديون في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ووصلت قيمة القروض التي يتم التفاوض فيها لعامي 2020 و2021 إلى 52 مليار دولار، وهو ثلاثة أضعاف الرقم في العامين اللذين سبقاهما (16 مليار دولار). وهذا مثال على التدهور في القروض الصينية الخارجية التي وصلت إلى 118 مليار دولار في القروض الصينية منذ عام 2001.
لقد استخدمت الصين قوتها الاقتصادية في تمويل العديد من الدول، بالنظر إلى مصلحتها الشخصية أولا، وتوجهت إلى دول في حاجة لهذا التمويل وإلى مشاريع البنى التحتية، ولكنها الآن في مأزق قد يؤثر كثيرا على الاقتصاد العالمي. فهي تطالب هذه الدول بسداد ديونها، ولكنها قد تواجه مصاعب تماما كما حدث مع سريلانكا. والمثال الأقرب والذي سيتابع عن كثب في الأيام القادمة هو زامبيا، حيث تزيد القروض الصينية على ثلث الديون الخارجية للبلد. وسوف تتابع الدول النامية كيف ستتعامل الصين مع زامبيا لأنها قد تكون مثالا لما قد تفعله مع بقية الدول النامية. فهل ستتمكن الصين من معالجة هذه الأزمة بنفس الأسلوب الذي اتبعته حين قدمت هذه القروض؟ أم ستتمسك بحقها في السداد، معرضة العالم بأسره لأزمة ديون لم يواجهها منذ الثمانينات الميلادية؟

 

د. عبد الله الردادي

باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية

الخيال وخلق الثروة

إنّ موضوع خلق الثروة والرهان على الاستثمار ودوران عجلة التنمية من الموضوعات الرئيسية المطروحة على طاولات العالم العربي والإسلامي، حتى ولو كان ذلك بشكل متفاوت من حيث التركيز والاستعداد. والغالب على خطاب كيفية خلق الثروة التشديد على المال والإطارات المتخصصة والبنية التحتية للبلد من طرقات وشبكات اتصال ووسائل نقل… وطبعاً كل هذه المسائل أساسية وعلى غاية من الأهمية، ومن ثم فإن عدم توفرها سيشكل عائقاً للتنمية والاستثمار وخلق الثروة.
غير أنه في مقابل ذلك هناك معطى لا نطرحه فوق طاولات رسم المقاربات وتحديد استراتيجيات خلق الثروة، وهو معطى يتعلق بعلاقة الخيال بخلق الثروة.
نعم، للخيال دور كبير جداً في خلق الثروة لأن خلق الثروة فكرة خلاقة ومبدعة أيضاً، وكي تنبثق الفكرة لا بد من خيال حر ومبدع يولّد الأفكار الجديدة والبصمة الفريدة الخاصة التي تجعل بلداً ما قِبلةً العالم أكثر من بلد آخر.
لا تقدُّم ولا تنمية ولا استثمار من دون خيال خلّاق ومبدع. وأول ما يشدّنا في أي منتج وخدمة إنما هي اللمسة الإبداعية الخاصة التي أنتجها خيال أصحابها.
صحيح أن العولمة أوقعتنا في الفخ وكبحت جماح الخيال وغرست في أذهاننا فكرة أن أقصى ما هو مطلوب هو أن تكون شبيهاً للغير المتقدم الذي استحق فرض خياله الخاص على الجميع، ولكنّ هذا الفخ يجب أن نغادره إذا أردنا فعلاً التميز والبحث في ذواتنا عن ذاتنا. وفي هذا السياق تتأكد أهمية تحرير العقل الذي يتبعه تحرير للوجدان والخيال، الأمر الذي يتيح للفرد التحليق في خياله وإنتاج الأفكار الخلاقة التي هي أصل التقدم… فكل شيء بدأ فكرة غير مألوفة.
ولنضرب مثالاً على دور الخيال في خلق الثروة وهو المجال السياحي؛ فالسياحة هي مصدر للاستثمار في الجمال والراحة والترفيه والخدمات ذات الجودة والتراث المادي والرمزي والاستثمار أيضاً حتى في نمط العيش والأخلاق والقيم، إذ الشعوب التي تتميز بمنسوب مرتفع في العنف لا تكون وجهة الباحثين عن الاستمتاع بالحياة والاستجمام. كما أن السياحة أيضاً تمثل استثماراً في كل ما هو إيجابي في البلد بدءاً من الطقس والفنادق وصولاً إلى الاستقرار وتوفر مستلزمات أنموذج بلد يحلو فيه العيش، أي إنه قبل أن يكون أي بلد وجهة الغير من المنطقي أن يشعر فيه أصحاب البلد ومواطنوه وسكانه بحلاوة العيش.
وكما نعلم فإن السياحة باتت رئة أساسية تتنفس من خلالها اقتصادات بلدان عدة، لذلك فإن المنافسة على أشدها إلى درجة يمكن الحديث فيها عن حرب أسواق في مجال السياحة ومَن الأقدر على تقديم الأفضل للأفواج السياحية. ويبدو لنا أن المنافسة تتطلب إطلاق العنان للخيال ليُنتج الأفكار الفريدة ويحقق التميز الذي يساعده في تحسين الأداء في المنافسة وافتكاك النصيب من الثروة.
ما نلاحظه أن غالبية الفنادق في بلداننا باتت على شاكلة الفنادق الأوروبية من حيث المعمار والهندسة الواحدة المتكررة مع فارق التصنيف من حيث عدد النجوم. وهنا نتساءل عن دور الخيال في توظيف المعمار العربي وتعدد إبداعاته في البلدان العربية.
فعندما نبني فنادق حاملة لخصوصية المعمار والبناء في بلداننا فذاك أكثر جاذبية للسياح الذين يأتون إلينا لاكتشاف ثقافتنا ومطبخنا وطريقة حياتنا لا ليجدوا نسخة من فنادقهم وأكلاتهم، وحتى الموسيقى المرافقة في مقاهي الفنادق هي أيضاً أوروبية كأن قانون الفندقة يمنع وضع الموسيقى المحلية المعبِّرة عن روح البلد.
هناك إهمال كبير للخيال وللخصوصية وإقصاء غير مفهوم لرأس المال الرمزي الخاص بنا والذي لا يخلو من جمال، وهو القصد من السياحة في العالم؛ فالسياحة لاكتشاف العوالم الأخرى وأنماط العيش الأخرى والمطابخ الأخرى وأنواع الجمال الأخرى.
وما ذكرناه بخصوص مجال السياحة ينطبق إلى حد كبير على مجالات كثيرة، وهو ما يصنع الفرادة، أي العملة الصعبة الحقيقية التي لا تتأثر بتقلبات البورصة العالمية.
إن قرار الانخراط في خلق الثروة والاستثمار والسعي إلى الخروج من بوتقة استهلاك منتجات الغير والتقليد، من المهم أن يوازيه أو يسبقه قرار تحرير الخيال في بلداننا وتمكين الأطفال والشباب من الأطر التي تساعدهم على تحرير الخيال وتشكيله وفق الحرية كي يبدعوا الأفكار ويبتكروا وتكون قدرتهم على إنتاج الحلول كبيرة ومتنوعة. لذلك فإن الاستثمار وخلق الثروات عادةً ما يرتبط بالشباب لجرأته ومعاصرته واستعداده للتغيير أكثر من الفئات العمريّة الأخرى.
بين الخيال والاستثمار لخلق الثروة عالم شاسع من الأفكار الأولى من نوعها في صورة تجسيدها على الجذب والاستقطاب. فالفكرة هي الخالقة للثروة وباقي العناصر تعد آليات تحقيق الفكرة وتأمين مسار التحقق.
كلما كان الخيال غنياً وحراً كان خلق الثروة عناءً ومتعةً.

د. آمال موسى

 

عن المناخ وثالوث أزمات الركود والغلاء والديون

يشهد العالم منذ أكثر من سنتين أحداثاً لم يشهدها مجتمعة منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. فقد سببت أزمة «كورونا» أكبر حالة لركود اقتصادي منذ عام 1945، وتبعتها موجة تضخم حادة لا يوجد ما يضاهيها ارتفاعاً إلا ما شهدته الاقتصادات الأميركية والأوروبية في سبعينات القرن الماضي. وقبل نشوب أزمتي الركود والتضخم تواترت تحذيرات للدول النامية من أنها تواجه ارتفاعاً في المديونية الخارجية لمستويات حرجة تجعلها أكثر عرضة لتقلبات أسعار الفائدة والصرف الأجنبي وصدمات الارتفاع المفاجئ في تكاليف الاقتراض، وزيادة احتمالات التعثر في السداد.
ويشكل تراجع تقديرات النمو الاقتصادي العالمي في هذا العام والعام المقبل أيضاً إلى حدود تتراوح بين 2.5 في المائة و3 في المائة انخفاضاً حاداً عما كان عليه معدل النمو في عام 2021، ويتزامن ذلك مع ارتفاع في معدلات التضخم عن متوسطاتها العالمية لتبلغ 7.8 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي، وفقاً لتقرير البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في الشهر الماضي، الذي يرصد أيضاً ارتفاع معدلات التضخم في الدول النامية والأسواق الناشئة لتتجاوز 9.4 في المائة لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وهذا التزامن بين انخفاض متوالٍ في معدلات النمو وزيادات في معدلات التضخم أعلى من متوسطاتها المستهدفة بما سبب حالة من الركود التضخمي، وأدى إلى انخفاض في متوسطات الدخول الحقيقية عن مستوياتها قبل أزمة «كورونا» في حوالي نصف عدد البلدان النامية؛ فاقتصاداتها مضارة مرتين؛ مرة بانحسار فرص النمو وزيادة البطالة التي تقلل من فرص التفاوض على أجر أعلى، كما أنها تتضرر من عدم زيادة أجور العاملين بمعدلات تفوق زيادة التضخم.
وقد بات لزاماً على صانعي السياسة الاقتصادية في الدول المتقدمة العودة إلى سجلات عقود مضت للتعرف على ما كان من أوجه التعامل مع ارتفاعات التضخم المتتالية في السبعينات، وما كان مجدياً منها وغير مجدٍ. وفي أحاديث مع مشاركين في مؤتمر دافوس الذي عُقد في شهر مايو (أيار) الماضي تبين أن التضخم الحاد يمثل تحدياً عمرياً للمديرين التنفيذيين للشركات ومؤسسات الإنتاج في البلدان المتقدمة، فمن يشغلون هذه المناصب تتراوح أعمارهم بين العقدين الرابع أو الخامس من العمر، أي أنهم كانوا في مراحل التعليم قبل الجامعي عندما كان التضخم ظاهرة تشغل بال الأسواق، وعليهم أن يتمرسوا التعامل مع هذه المتغيرات وثقافتها. هذا طبعاً على عكس الحال في الدول النامية التي لم تنقطع عن أكثرها تحديات ارتفاع الأسعار تزيد بها معدلات التضخم السنوية أو تحلق ارتفاعاً مسببة لموجات غلاء شديدة لا تطيقها دخول عموم الناس. ولكن مما لا شك فيه أن مجرد اجترار الذكريات عن التضخم وكيفية التعامل معه لن يجدي شيئاً مع تعقد الأزمات الاقتصادية وتشابكها.
مع شدة الأزمات المحتدمة تشابكاً من غلاء وركود وديون، تلوح فرص ترتبط بالعمل المناخي في التصدي الناجع لهذا الثالوث، إذا ما أحسن إدراج جهود التصدي لأزمات المناخ في السياسات العامة. ويأتي هذا باتباع نهج شامل للتصدي لتغيرات أولى من الاختزال المخل الذي جعل العمل المناخي يجتزئ إجراءات بعينها انحرافاً عن حسن إدارة العملية الانتقالية نحو الحياد الكربوني وفق اتفاق باريس وتعهداته الملزمة.
أولاً، أن سياسات إدارة الطلب بزيادة أسعار الفائدة لن تخفض التضخم بمفردها في البلدان المتقدمة اقتصادياً، وضررها بالغ على البلدان النامية، كما أوضح جوزيف ستيجليتز الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، في مقال مشترك مع الاقتصادي دين بيكر، أن مصدر ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة يرجع إلى صدمات في جانب العرض مثل الارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة والغذاء والخامات التي انخفض عرضها بفعل «كورونا» وارتباك سلاسل الإمداد وتداعيات حرب أوكرانيا، فزيادات أسعار الفائدة لن تزيد المعروض من المنتجات، بل على العكس ستجعل تكلفة الاستثمار أكثر ارتفاعاً وتعوق جهود تنشيط جانب العرض. وفي مقال لاقتصادي مرموق حائز أيضاً جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو مايكل سبنس، يحذر من مغبة الرفع المتزايد لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الرئيسية بدفعها للاقتصاد العالمي تجاه ركود أعمق. وفيما يتجاوز الأثر السلبي للأزمة الأوكرانية، يوضح سبنس أن هناك معوقات في جانب العرض وإنتاجية العمل والأجور النسبية تحتاج لعلاجات لن يجدي رفع أسعار الفائدة معها نفعاً. كما أن هناك تحديات جيوسياسية ورغبات في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد بدوافع تحقيق أمن الحصول على منتجات أساسية بتوطين عمليات الإنتاج أو من خلال التعاقدات مع مصادر أكثر تنوعاً للطاقة وأقل تركزاً من حيث المخاطر، ومرة أخرى لن تحقق ارتفاعات أسعار الفائدة أي تحسن في وفرة المعروض من المنتجات التي ارتفعت أسعارها، بل ستعيد تسعير الأصول المالية والعقارية والعملات. أما عن آثارها على البلدان النامية فستزيد من اضطرابات أسواق النقد الأجنبي والتدفقات المالية مع مزيد من التعثر في سداد الديون الخارجية.
ثانياً، دفع جانب العرض بزيادة الإنتاج والإنتاجية في قطاعات الطاقة والغذاء وإدارة المياه من خلال الاستثمار. جانب كبير من التضخم يرجع لزيادة أسعار الطاقة والمواد الغذائية التي زادتها سوءاً الحرب الأوكرانية. في الأجل القصير تأتي إجراءات انفعالية كرد فعل كاستخدام مولدات الكهرباء المستخدمة للفحم في أوروبا، ولجوء أكثر من 30 دولة لإجراءات حمائية ومانعة لتصدير منتجاتها الزراعية. ولكن في الوقت ذاته تتولد دوافع للاستثمار في الطاقة المتجددة وتطوير القطاع الزراعي ومنظومة الإنتاج الغذائي وكفاءة استخدام المياه بالتوافق مع إجراءات التخفيف والتكيف المناخي مع التوسع في استخدام مستحدثات التحول الرقمي والذكاء الصناعي، وما يتطلبه ذلك كله من استثمارات جديدة. ولعل أهم ما أسفرت عنه اجتماعات مجموعة السبع هو تعهدها في البيان الصادر عنها الشهر الماضي باستثمار 600 مليار دولار في مشروعات في البلدان النامية خلال السنوات الخمس المقبلة في مجالات العمل المناخي والصحة العامة والبنية الرقمية والمعلوماتية والعدالة بين الجنسين. وهذه المجالات تأتي في إطار اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر؛ وهي تتطلب تعاوناً فنياً وتكنولوجياً مع الدول النامية لا يقل أهمية عن التمويلات الموعودة، الذي أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنها ليست منحاً أو معونات، لكنها استثمارات. بافتراض تدفق هذا التمويل فإن الفجوة التمويلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ستظل في حاجة إلى المزيد لتجسيرها، إذ تصل تقديراتها إلى 4.2 تريليون دولار سنوياً، وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن خلال الاستثمارات الموجهة للدول النامية ذات النفع المتبادل، يمكن التعامل مع تحديات الركود بدفع نمو قطاعات الإنتاج وتيسير الحصول على طاقة نظيفة والتعامل مع أزمة الغذاء وأسعاره التي استعرت، خصوصاً بعد الأزمة الأوكرانية.
ثالثاً، تخفيض الديون من خلال مبادلتها بالاستثمار في العمل المناخي، باعتبار أن درء مفسدة الديون المتفاقمة يقدم على جلب المنح والهبات، فهناك ضرورة تحتم إعادة النظر في المديونية الدولية، وأوجه الخلل فيها، ومنع انتشار أزمات التعثر في السداد والإعسار، وما يرتبط بها من مشكلات ويترتب عليها من تداعيات واختلالات اقتصادية في البلدان النامية، ولنا في الموجات الثلاث للديون، التي انتهت كل واحدة منها بأزمة كبرى، عظات. وباعتبار أننا لا نشهد تدفقاً مالياً يذكر للعمل المناخي رغم التعهدات، فمن مجالات العمل الممكن للتعاون الدولي تطوير وسائل جديدة من مبادلة الديون ويكون بمقتضاها استفادة الدولة المدينة بتخفيض ديونها الخارجية المستحقة، سواء كانت لمدينين رسميين أو تجاريين، من خلال تنفيذ مشروعات، كما فعلت دولتا بليز وسيشيلز، وإن كان من الأفضل أن يكون ذلك مقابل إجراءات تنفذها الدولة المعنية بالتوافق مع تعهداتها وفق اتفاق باريس، سواء في مجالات التخفيف أو التكيف بمنظومة محددة فنياً وزمنياً؛ وهو ما سأقوم بتوضيحه بتفصيل وأمثلة في مقال مقبل.
ولحسن التعامل مع الأزمات الراهنة يظهر بجلاء أن الاكتفاء بافتراضات سخية عن تماثل الأزمات الراهنة، أو تشابهها، مع أزمات سابقة لن يضعها على مسار حل سحري. كما أن لوم مصدر الأزمة بكونه من مسببات خارجية أو من مخلفات عهود بائدة، لن يفيد إلا لوقت وجيز يتلقى خلاله مدير الأزمة كلمات للتضامن أو التشجيع لا ينبغي أن تشغله عن مهمته الأساسية في التصدي للأزمة، فشأنه بعدها لن يكون مثلما كان قبلها بحال. وأفضل ما ينفع مما سبق من دروس الأزمات الفائتة أنها جميعاً إلى انقضاء، وهو ما قد يطمئن، ولكنها لا تنتهي تلقائياً ولكن بما يبذل في مواجهتها من جهد منظم بفريق محترف يقود مؤسسات ذات كفاءة بسياسات واضحة الرؤية. ومن دروس التعامل مع الأزمات أن لها تكلفة تزيد بإهمال التصدي الفوري لها، وأنها ليست عادلة في توزيع أعبائها، وهو ما ينبغي إدراجه في تصميم برامج التصدي لها، فكثير من أنواع الدواء الموصوف قد يكون أشد من الأزمة شراً. وسيتبين بعد نهاية الأزمة أنها، ككثير من سابقاتها، كان من الممكن التوقي من شرورها أو على الأقل من أغلبها. وهذا هو الدرس الأكبر من دروس تاريخ الأزمات بلا منازع، إذ أننا لا نتعلم منه شيئاً، بما يجعل الأزمات تتكرر بملل مزعج في كثير من مسبباتها.

د. محمود محي الدين

الغاز والطاقة النووية مصدران مستدامان… ماذا عن النفط؟

صوَّت نواب البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي لضم الغاز والطاقة النووية لسلة الطاقات المستدامة، بناء على توصية الهيئة التنفيذية للسوق الأوروبية المشتركة. صوت البرلمان على التوصية بأغلبية 328 صوتاً مقابل 278 بالضد، و33 امتنعوا عن التصويت.
واحتاج مشروع القرار 353 صوتاً لنقضه (فيتو). ولا تزال هناك فترة حتى 11 يوليو (تموز) الجاري يستطيع فيه البرلمان أو أحد الأقطار الأوروبية الأعضاء في السوق الاعتراض على القرار. وفي غياب ذلك سيصبح القرار نافذ المفعول السنة المقبلة.
تم التصويت على المشروع في خضم حملة قوية معارضة له من قبل حركات مكافحة التغير المناخي. يتوقع المراقبون استمرار الحملة المضادة من قبل الحركات المناخية والبيئية، نظراً لما يعتبرونه تنازلاً كبيراً للطاقات الهيدروكربونية.
بالفعل، بادرت حركة «غرينبيس» مباشرة بعد نهاية التصويت، بالإعلان عن نيتها طلب مراجعة داخلية للمشروع من قبل السوق المشتركة، ومن ثم اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية لاتخاذ خطوات قانونية لإيقاف مفعول القرار في حال عدم التوصل إلى نتيجة لصالحها. وصرحت المسؤولة في «غرينبيس» للحملات المالية: «هذه سياسة غير نظيفة، ونتيجة مستغربة لتسمية كل من الغاز والطاقة النووية طاقات خضراء، للاستمرار في تمويل حرب الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا. لكننا سنأخذ المعركة الآن إلى المحاكم والقضاء».
كما صرح مناهضون آخرون للقرار من الحركات البيئية، بأن هذا «يوم أسود للمناخ ولتحول الطاقة».
تكمن أهمية القرار في دور الريادة الأوروبية في حملة تصفير الانبعاثات العالمية بحلول عام 2050، من خلال تقليص الانبعاثات 55 في المائة في حوالي عام 2035، الهدف الذي أصبح صعباً جداً تحقيقه في ظل حرب أوكرانيا، والمقاطعات الأوروبية للوقود الروسي، والمحاولات الأوروبية لاستبدال إمدادات غازية من دول أخرى بالغاز الروسي، من خلال عقود حديثة ستتطلب استثمارات ضخمة جداً لإنجاحها اقتصادياً في خلال سنوات معدودة.
كما تكمن أهمية القرار في أنه بـ«تخضير» الغاز والنووي في ظل أنظمة السوق الأوروبية المشتركة سيعتبران ضمن استثمارات الطاقات المستدامة، مما سيمنح امتيازات استثمارية للقطاع الخاص لتمويلها. ولأجل تنفيذ برنامج 2035 المرحلي، تتوقع السوق الأوروبية استثمار نحو 350 مليار يورو في الطاقات «الخضراء» سنوياً.
من الواضح أن قرار البرلمان الأوروبي يأتي في وقت حرج لأوروبا. فالكساد التضخمي بدأ يهيمن على اقتصادات أوروبا ودول أخرى. كما أن ألمانيا -على سبيل المثال- بصدد تبني سياسات طاقوية مهمة جداً، بتغيير طرق تسلمها للغاز المسال، استبدالاً بالغاز الروسي المستورد بالأنابيب، مما سيقتضي تشييد البنى التحتية اللازمة لاستيراد الغاز المسال عبر الناقلات المتخصصة. والبديل لذلك، هو إما العودة للفحم الحجري، وهو في الحقيقة ليس بديلاً جدياً؛ إذ إنه سيعني زيادة التلوث بدلاً من تقليصه، وإما الاعتماد على الطاقات المستدامة (الرياح والشمسية)، ورغم أهمية هاتين الطاقتين مستقبلاً وتشييدهما في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فإنه من غير المتوقع تشييدهما بالسرعة اللازمة لتلافي عجز الطاقة بحلول 2035، ما يعني تقليص الطاقة الكهربائية أو زيادة فواتير الكهرباء ابتداء من فصل الشتاء المقبل، ما يعني معاناة المستهلكين.
والمشكلة بالنسبة للحركات المناخية، هي أن «تخضير» الغاز يعني أنه بعد سنوات من الحملات ضد الوقود الهيدروكربوني، ستستمر أوروبا في استهلاك وقود هيدروكربوني (الغاز).
والأمر يختلف بالنسبة للطاقة النووية، فقد تبنت معارضتها الحكومات والحركات الخضراء لسنوات عدة، ولأسباب مختلفة، إذ لا توجد انبعاثات كربونية من المفاعلات النووية؛ لكن هناك احتمال انطلاق الإشعاعات النووية في حال وقوع خلل في المفاعل، مثل الخطر الذي تسبب في الإشعاعات المنبعثة من مفاعل «تشيرنوبل» الأوكراني الذي لا يزال راسخاً في الأذهان. والتحفظ الثاني على المفاعلات هو الوقت الطويل والكلفة العالية لتشييدها، والمحاولات لتحويلها من مفاعلات لتوليد الطاقة الكهربائية السلمية إلى مفاعلات لإنتاج السلاح النووي، كما في إيران حالياً. وأحد البدائل المقترحة هو تشييد مفاعلات صغيرة الحجم ومرنة الاستعمال لتفادي الانتشار النووي العسكري، ولقلة تكاليف إنشائها نسبياً، ومرونتها في الاستخدامات الصناعية.
يشكل القرار الأوروبي مفترق طرق مهماً جداً لصناعة الطاقة المستقبلية. فقد شكل إدماج الغاز؛ الوقود الهيدروكربوني الأقل في انبعاثاته الكربونية، وإمكانية اعتماد المفاعلات النووية المرنة، تبني سياسة أكثر واقعية لسلة الطاقات المستدامة المستقبلية.
ويعني هذا أيضاً في حال عدم إعاقة هذه المسيرة بالدعوات القضائية المنتظرة، أن يؤخذ النفط بالاعتبار لاحقاً، مثل الغاز والطاقة النووية. لكن يتوقع أن تكون معركة النفط هذه أكثر صعوبة، لما ستواجهه من معارضة من الحركات المناخية.
لكن من المنتظر أن يساعد النفط مستقبلاً في شيوع صناعة تدوير وتصنيع الكربون لإنتاج الهيدروجين الأزرق، كوقود مستقبلي خالٍ من الانبعاثات. وهذه صناعة حديثة العهد بدأ العمل بها في الدول النفطية الكبرى (عربياً وعالمياً)، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى استثمارات ضخمة والأبحاث العديدة لشيوعها، لتكتسب المصداقية اللازمة عند طرح النفط كوقود «أخضر».

وليد خدوري

مساهمة الشركات البترولية في عصر تحول الطاقة

تغيرت أولويات البشرية خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب المعاناة من الأوبئة والمجاعات التي غيرت الكثير من المفاهيم حول أولويات الإنسان للحياة، وأضيفت لهذه المعاناة مؤخراً حرب أوكرانيا ومآسيها. ورغم أن هذه النكبات ليست جديدة على الإنسانية، إلا أن ما يميزها هذه المرة هو مسلسل وقوعها الواحدة تلو الأخرى. كان التصور الشائع أن العالم قد تقدم علمياً واقتصادياً، بحيث إنه من المستطاع حل كثير من المشاكل بسرعة، وعدم السماح لأكثر من مليون وفاة للجائحة. كما ساد التوقع أيضاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أن الحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي قد انحسرت إلى غير رجعة، بالذات على الساحة الأوروبية.
بدأت ردود الفعل الحتمية لهذه المآسي المتتالية تبرز تباعاً، ويتبين أن التحديات مستمرة. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمة ألقاها عن بعد لمؤتمر استضافته برلين الأسبوع الماضي شاركت فيه قرابة 45 دولة ومنظمة إنسانية ووزراء خارجية «مجموعة السبع»، حذر العالم من «خطر مجاعة غير مسبوقة».
أدت هذه التطورات المأساوية، والأولويات العالمية السائدة خلال الأعوام الماضية، إلى بروز أزمة طاقة غير مسبوقة منذ حوالي نصف قرن، مردها تبني شعارات إيجابية في ظاهرها لكن بأجندات غير واقعية. والمثال على ذلك الموافقة الجماعية في مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ في باريس 2015 بتصفير الانبعاثات بحلول عام 2050 لأجل التمكن من إنقاذ الكرة الأرضية من الكوارث المناخية والبيئية. وإلا، فإنه سيكون من الصعب جداً معالجة مشاكل الكرة الأرضية البيئية والمناخية بعد ذلك التاريخ.
الصعوبة الرئيسة التي واجهت قرار تصفير الانبعاثات منذ يومه الأول، هو معاداته ومحاولات تهميشه لأي شيء له علاقة بصناعات الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم) التي توفر حالياً الأغلبية الساحقة من الطاقة للعالم. قادت الحركات المناخية والبيئية والدول الأوروبية بالذات هذه الحملة.
ورغم الأخذ بنظر الاعتبار وجهة النظر أن الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري ضارة صحياً، إلا أنه يجب التنبيه إلى أن الأجندة للتخلص السريع وغير الواقعي من الانبعاثات قد رسمت من قبل الدول الأوروبية لتعكس أولوياتها وإمكاناتها التنفيذية لسن القوانين المناخية ومصالحها الاقتصادية والبيئية، وذلك بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى ذات الاقتصادات المختلفة والمتخلفة، كما ناهيك عن الأخذ بنظر الاعتبار إمكانية توالي الكوارث المتوالية على البشرية لسنوات متتالية، مما يتطلب تخصيص مليارات الدولارات لتفادي نتائج هذه الكوارث.
أغلقت الحركات البيئية والأقطار الأوروبية المجال لمناقشة موضوعية حول إمكانية تنفيذ الأجندات المطروحة لتصفير الانبعاثات في المواعيد المحدد لها، أو إعارة الانتباه اللازم لتوفير المليارات من الدولارات لبعض الدول في تنفيذ هذه الأجندات في الأوقات المحددة.
لقد أهملت الحركات المناخية إمكانية الاستفادة من الإمكانات والمنشآت الموجودة عالمياً، وذلك ضمن حملتها الهادفة والمعادية للهيدروكربونات.
كان من الممكن الاستمرار بهذه السياسة لولا الكوارث العالمية، التي لا يزال يشكل البعض منها خطراً مستقبلياً على العالم. أدت المآسي المستمرة خلال الأعوام القريبة الماضية إلى تغيير الأجندات والأولويات، لكن ليس أهداف مسيرة تصفير الانبعاثات. فمقاطعة الوقود الروسي كشفت حقيقة الاعتماد الواسع للأقطار الأوروبية على مختلف أنواع الوقود الأحفوري، الذي كانت تستورد معظمه من روسيا. لقد أدت حرب أوكرانيا إلى بدء بعض الأقطار الأوروبية، رغم حماسها البيئي المشهود، وقبل غيرها، بسبب محاولة تلافي انقطاع الطاقة الكهربائية في الأشهر المقبلة أو ارتفاع أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية. بدأت هذه الدول (ألمانيا والنمسا وهولندا) التغاضي عن بعض القوانين التي دافعت عنها عالمياً وشرعتها محلياً، بإعادة الاعتماد على الفحم الحجري، رغم تلوثه. كما تتفاوض السوق الأوروبية وأقطارها لاستيراد إمدادات جديدة من الغاز، رغم القوانين الأوروبية نفسها بتخفيض استهلاك الغاز ما بين الأعوام 2030 – 2035.
من نافل القول إن المآسي العالمية الأخيرة ستتطلب مليارات الدولارات لتغطية المشكلات الناتجة عنها. ومن المتوقع أن تحصل هذه المليارات على الأولوية في موازنات الدول، وستحل محل الأولويات السابقة لتصفير الانبعاثات، التي بدأت تعد نوعاً من «الترف» في عالم غير مستقر.
هذا لا يعني بتاتاً غض النظر عن سياسات تصفير الانبعاثات. لكن الواقع الأليم سيفرض مراجعة الأولويات والأجندات. هذا التغيير في الاهتمامات والأولويات يتطلب أيضاً من الدول الأوروبية وحركات مكافحة التغير المناخي الأخذ بنظر الاعتبار إمكانية الاستفادة من الصناعة البترولية المساهمة الفعالة في استعمال تقنياتها وبناها التحتية والوقود الأخضر، في تصفير الانبعاثات بدلاً من نبذها أو مقاطعتها.
تبلغ قيمة أصول الشركات البترولية العالمية المليارات من الدولارات. وبنجاح الأبحاث في تدوير صناعة واقتصاد الكربون، يصبح من الممكن استعمال بعض هذه الأصول في تنمية طاقات جديدة، كالهيدروجين الأزرق، ناهيك عن إضافة الوقود الأخضر إلى سلة الطاقات المعتمدة بحلول عام 2050.

وليد خدوري

كاتب عراقي متخصص في شؤون الطاقة

مجموعة بريكس

عندما تأسست مجموعة (بريكس) بشكل رسمي عام 2009 كان الهدف منها واضحاً، وهو الحاجة إلى وجود صوت للاقتصادات الناشئة في المجتمع الدولي. بدأت المجموعة حينها بأربع دول، وهي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وانضمت جنوب أفريقيا بعد ذلك بعام ممثلة قارة أفريقيا، ليكتمل عقد دول (بريكس) الذي يعبر اسمها عن أول حرف من كل دولة من الدول الخمس رغبة هذه الدول في الحصول على نفوذ في المجتمع الدولي. وهي مجتمعة تشكل 41 في المائة من سكان العالم، أي أكثر بتسع مرات على الأقل من سكان الولايات المتحدة، وتُشكل مساحتها نحو 29 في المائة من مساحة العالم، وهي كذلك دول أعضاء في مجموعة العشرين التي تمثل أقوى اقتصادات العالم. و(بريكس) في الأساس فكرة غربية، ذكرت لأول مرة في ورقة نشرت لبنك (غولدمان ساكس) عام 2000 ناقشت فيها أهم الدول ذات الاقتصادات الناشئة، ولكنها طرحت للنقاش بين هذه الدول في 2006، وتبلورت وانطلقت بعد ذلك بثلاثة أعوام.
ولكن وضعها وأهميتها اختلف كثيرا منذ ذلك الحين، فعند تأسيسها، كان الناتج القومي لدول (بريكس) مجتمعة لا يتعدى 10 تريليونات دولار، وهو آنذاك يمثل أقل من 12 في المائة من الناتج القومي العالمي. أما اليوم، فناتجها القومي يزيد على 27 تريليون دولار، أي نحو ربع الناتج القومي العالمي. ولمقارنة ضخامة هذه المجموعة، يمكن مقارنتها بدول مجموعة السبع (وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان، وألمانيا، وكندا، وإيطاليا). فالناتج القومي لمجموعة السبع 34 تريليون دولار، وتشير التوقعات إلى أن العقد القادم سيشهد زيادة الناتج القومي لمجموعة (بريكس) ليصل إلى نصف الناتج القومي العالمي، أي أنه سيتفوق على اقتصاد مجموعة السبع. كما أن عدد سكان (بريكس) البالغ 3.2 مليار نسمة (وهم في ازدياد) أكثر من ثلاثة أضعاف عدد سكان مجموعة السبع البالغ 987 مليون نسمة.
وترى دول (بريكس) عدم عدالة تأثيرها ونفوذها الدولي، فالصين والهند هما ثاني وخامس أكبر اقتصادين في العالم على التوالي، ومع ذلك فإن تأثيرهما وتمثيلهما في المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يقارن بالدول الأوروبية، ويقاس على ذلك بقية دول (بريكس). ونظرة (بريكس) في هذا الشأن واضحة، وهي أن هذه المنظمات أنشئت من قوى غربية، ولذلك فإن توجهها ونفوذها يدعم الدول الغربية أكثر من غيرها. وكرد فعل لذلك، فقد أنشأت دول (بريكس) منظمة سمتها «بنك التنمية الجديد» أو (NDB) عام 2015 برأس مال بلغ 50 مليار دولار، وبحصص متساوية بين الدول الخمس. ويهدف هذا البنك إلى دعم مشاريع البنى التحتية في هذه الدول، وقد دعم خلال الخمس سنوات الأخيرة 70 مشروعا للبنى التحتية بأكثر من 25 مليار دولار. يتضح من ذلك أن التزام دول (بريكس) بوعودها عالية جدا، وتشير الدراسات إلى أن هذه النسبة تقارب كثيرا نسبة التزام دول السبع.
وتنبع أهمية (بريكس) في هذا الوقت تحديدا مع بروز فكرة الفصل بين الشرق والغرب، ويدعم ذلك عدة نقاط. أولها انعقاد الاجتماع الرابع عشر في الصين أواخر الشهر الماضي، تزامنا مع انعقاد اجتماع الدول السبع في ألمانيا، واجتماع حلف الناتو في إسبانيا. فالاجتماع الأخير أكد على أن الصين تُشكّل تحدياً أمنياً، وهذه أول مرة يذكر فيها حلف الناتو ذلك على الإطلاق. الثاني أن الحرب الروسية الأوكرانية أكدت وبشكل واضح أن الصين والهند لن تقفا مع الغرب ضد مصالحهما. وكلتا الدولتين تشتري حاليا النفط من روسيا بأسعار مخفضة عن الأسواق العالمية، وقد ذكر الرئيس الروسي (بوتين) في اجتماع (بريكس) الشهر الماضي أن التبادل التجاري بين روسيا ودول (بريكس) زاد بنسبة 38 في المائة مؤخرا. الثالث هو أن هذه المجموعة أصبحت أقوى من ذي قبل، بدليل طلب العديد من الدول الانضمام إليها، وهو ما قد يزيد القلق الغربي منها.
إن مجموعة (بريكس) رغم أهميتها الحالية على المستوى الدولي، ليست حتى الآن على قلب رجل واحد، فالخلافات بين دولها عديدة وتحديدا بين أكبر دولتين فيها وهما الصين والهند، فالصين قلقة من متانة العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، والهند ليست سعيدة بالشراكة بين الصين وباكستان في طريق الحرير. كما أن نفوذ الصين في هذه المجموعة لا يمكن إغفاله، فهي تشكل 70 في المائة من الناتج القومي للمجموعة، وأقرب دولة لها هي الهند بـ13 في المائة فقط! ومع أن انضمام دول جديدة إلى المجموعة قد يزيد المجموعة قوة، فإنه قد يضعف موقف الدول الحالية ضمن المجموعة، حتى مع وجود شرط الإجماع لانضمام أي دولة للمجموعة! هذه الخلافات قد تكون حاسمة في مستقبل المجموعة، لا سيما إذا ما استغلتها القوى الغربية في التفريق بينها.

د. عبد الله الردادي

باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية

الإضرابات الأوروبية

موجة من الإضرابات تشهدها الدول الأوروبية اليوم، من خطوط الطيران، إلى النقل العام، إلى السكك الحديدية. هذه الإضرابات جاءت في وقت تزدحم فيه أوروبا بالسياح القاصدين إليها من جميع أنحاء العالم، للاستمتاع بصيفها ومزاراتها السياحية. ولكن لا يبدو أن السياح سيجدون أوروبا التي اعتادوا عليها قبل سنوات. فمطاراتها اليوم ملأى بطوابير المسافرين الحانقين من التأخير، والرحلات الملغاة، والحقائب الضائعة. فلماذا وصلت أوروبا إلى هذه الحالة؟ وماذا يحمل المستقبل لها؟
قد يكون مصطلح «التضخم غير المتكافئ» أحد أهم أسباب هذه الإضرابات. ويشير هذا المصطلح إلى زيادة التضخم في الأسعار، والذي لا تصاحبه زيادة مماثلة في الأجور. وعلى الرغم من أن قطاع النقل استبشر خيراً بانتهاء الجائحة، بعد أن عانى كما لم يعانِ من قبل، فإن التضخم هاجم أوروبا بضراوة، مدعوماً بالحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة أسعار النفط وغيرها من العوامل. ووجد الموظفون أنفسهم أمام تضخم لم يشهدوه خلال حياتهم المهنية، فآخر تضخم شبيه كان قبل نحو 40 عاماً. وتحججت شركات الطيران والنقل بالآثار السلبية للجائحة، والتي تمكن بعضها بالنجاة منها بأعجوبة، بينما أعلن البعض الآخر إفلاسه خلال الجائحة، وخروجه من السوق.
هذه الإضرابات لن تكون مجرد أخبار عابرة لدى عامة الناس؛ بل سيرونها بأعينهم، وقد تؤثر عليهم بشكل مباشر.
فعلى سبيل المثال، قام الموظفون في كل من طيران بروكسل و«راين إير» بإضراب تسبب في إلغاء نحو 315 رحلة، شمل إسبانيا والبرتغال وبلجيكا، وهو في الطريق لكل من إيطاليا وفرنسا. كان السبب الرئيس لهذا الإضراب هو نقص الرواتب، وسوء حالة العمل الذي تسبب فيه نقص العاملين في هذا القطاع. فبسبب الجائحة، قلصت العديد من شركات الطيران والمطارات موظفيها، وعندما عاد القطاع للعمل لرتمه المعتاد، اضطر الموظفون للعمل برتم أكبر من المعتاد؛ خصوصاً أثناء الصيف حين تزدحم المطارات. ولم تستطع العديد من شركات الطيران والمطارات التوظيف بشكل سريع، بسبب إجراءات الفحص الأمني التي قد تستغرق حتى شهرين. وأدى ذلك إلى استياء عام بين العاملين في هذا القطاع، امتد من الطيارين حتى العاملين في نقل الحقائب، مروراً بموظفي أمن المطارات. والنتيجة لذلك مباشرة وسريعة، وهي مطارات مكتظة بمسافرين ألغيت رحلاتهم، وآخرين في طوابير طويلة في التفاتيش الأمنية، وغيرهم ممن فقدوا حقائبهم بسبب هذه الفوضى.
مثال آخر على ما يحدث في أوروبا، هو إضراب العاملين في السكك الحديدية في بريطانيا، هذا الإضراب هو الأكبر منذ ثلاثين عاماً، وسببه أن العاملين لم يحصلوا على أي علاوة منذ 3 سنوات، وحينما تقرر منحهم هذه العلاوة، جاءت أقل بكثير من التضخم الحالي. فالعلاوة تراوحت بين 2 و3 في المائة، بينما وصل التضخم في بريطانيا هذا الشهر إلى 9.1 في المائة، ويتوقع أن يصل إلى 11 في المائة في الشهور القليلة القادمة. وبقيادة من نقابة السكك الحديدية والنقل البحري والعام، قام نحو 40 ألف موظف بالإضراب عن العمل، فتوقفت القطارات عن العمل لثلاثة أيام، وتسبب ذلك في ازدحام الطرق وتعطل الأعمال. وحتى الآن تبدو هذه المشكلة بلا حل، بعد فشل المفاوضات بين النقابة وشركات السكك الحديدية.
اختيار توقيت هذه الاضطرابات لم يكن عبثاً، فالسياحة أحد أهم الروافد لأوروبا وبريطانيا، وعند تعطل المطارات ووسائل النقل فسوف يلغي العديد من السياح رحلاتهم للابتعاد عن هذه الاضطرابات، والبحث عن بلدان أكثر استقراراً وأقل مشكلات. وبينما كان العاملون في قطاع السياحة يأملون أن يعوّض هذا الصيف سنوات الجائحة التي انعدمت فيها السياحة تماماً، لا يبدو أن هذا الصيف سيكون مثالياً لهم في هذه الظروف، وتحت الضغوطات الاقتصادية التي يعاني منها العالم بأسره.
وما يزيد الطين بلة، أن هذه الإضرابات قد تكون مجرد بداية لسلسلة من الإضرابات التي قد تشهدها دول أوروبا في قطاعات أخرى، فالجميع يعاني من التضخم، والنقابات الأخرى بدأت في التصريح بأنها أحق بزيادة الرواتب، لكونها ساهمت بفعالية خلال الجائحة، ولم تجد التقدير الكافي بعدها، ومنها نقابات المعلمين والقطاعات الصحية. وفي حال لم تتمكن الحكومات الأوروبية من احتواء هذه الأزمة، فقد تتعرض لما تعرضت له في السبعينات الميلادية من تعطيل كامل للمنشآت والخدمات، وهي بكل تأكيد لن تستطيع تحمل ذلك؛ لا سيما في هذا التوقيت.

د. عبد الله الردادي

باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية

عن فن الدوران في الحلقات المفرغة

لم تكتف التقارير العلمية الأخيرة الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيرات المناخ بالتحذير من خطورة استمرار انحراف العالم عن المسار المرسوم لتخفيض الانبعاثات المسؤولة عن رفع درجة حرارة الأرض فوق معدلاتها الحرجة، ولكنها قدّرت فجوات التمويل التي تواجه الدول النامية للتعامل مع تحديات المناخ. ولم تكن هذه التقارير العلمية هي الأولى لهذه الهيئة الدولية المشكّلة منذ عام 1988 من الهيئة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتضم في عضويتها 195 دولة، فقد توالت تقاريرها السنوية منذِرة ومحذّرة من خطورة تغيرات المناخ.
وقد تبارى المتحدثون في مؤتمرات وندوات بكلمات عصماء، وغير عصماء، عن ضرورة احترام كلمة العلم واتخاذ إجراءات حاسمة تنقذ الأرض من مصير بائس لاحت نذره بشدة الأعاصير وانتشار الجفاف والتصحر وحدة الفيضانات وحرائق الغابات وتهديد المدن الساحلية بالغرق، رغم أن العالم لم تزد فيه سخونة الأرض بعد على 1.1 درجة مئوية فوق متوسطاتها قبل الثورة الصناعية، فما المصير إذا ما توالت ارتفاعات درجة حرارة الأرض فيما يتجاوز 1.5 درجة مئوية التي جعلها العلماء حداً فاصلاً لا يمكن تجاوزه حتى لا تزيد مهددات البقاء سوءاً؟ ورغم ذلك تستمر الانبعاثات الضارة بأنواعها وتزداد اطراداً، فبدلاً من تخفيض الانبعاثات الضارة وفقاً للتعهدات المبرمة بما لا يقل عن 45 في المائة حتى عام 2030 ترى الانبعاثات في ازدياد بنحو 14 في المائة بانحراف مزعج عن الهدف بمقدار 60 في المائة تقريباً.
وقد يذكر البعض الأزمة الأوكرانية وأن الحرب الضارية هناك قد جعلت العالم ينصرف عن تعهداته بما في ذلك اتفاق باريس لتغير المناخ المبرم في عام 2015؛ وفي هذا تضليل كبير؛ فالانحراف عن نهج التصدي لتغيرات المناخ والتقارير المشار إليها الصادرة في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين ترصد كوارث محدقة بالمناخ سابقة على الكارثة الإنسانية التي تسببها الحرب التعسة في أوكرانيا. ولطالما علّقت خيبات كثيرة على مشاجب أزمات عالمية تلومها على تدهور الأحوال وكأن الأوضاع قبلها كانت على ما يرجى من عمل، وفي هذا تضليل كبير.
لا يمكن تجاهل الأثر السلبي للحرب في أوكرانيا على العمل المناخي. وفي تقديري، أن الحرب قد ولدت موجتين متعارضتين؛ الأولى، أحسب أنها قصيرة الأجل أو متزامنة مع تداعيات الحرب وآثارها على أسعار الطاقة والغذاء، وكان رد الفعل التلقائي هو السعي لتدبير الموارد من السلع الأساسية، وخاصة الوقود من أي مصدر وبأي سعر، وبهذا لجأت دول أوروبية مضارة لإعادة تشغيل محطات الكهرباء المعتمدة على الفحم، واعتبر الاتحاد الأوروبي الغاز الطبيعي مصدراً انتقالياً للطاقة بعدما كان منبوذاً، ورحب الاتحاد أيضاً بالطاقة النووية بعد عهد من التحذير من مخاطرها الأمنية، خاصة بعد كارثة فوكيشيما في اليابان في مارس 2011، ما دفع دولاً أوروبية مثل ألمانيا إلى إيقاف محطاتها النووية؛ مما زادها اعتماداً على الطاقة ذات المصادر الأحفورية المستوردة من الاتحاد الروسي.
أما الموجة الأخرى، المتولدة من الأزمة الأوكرانية، فهي السعي لتنويع مصادر الطاقة من حيث النوع والمصدر الجغرافي. وهو ما يعني مزيداً من الاستثمارات الأوروبية تحديداً في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة. وقد تواترت الزيارات رفيعة المستوى من مسؤولي الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء وشركاتها، خاصة إلى الدول الأفريقية جنوب المتوسط موقّعة لمذكرات تفاهم وتمهد لتعاقدات في مجالات الهيدروجين الأخطر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومد شبكات وكابلات نقل الكهرباء عبر البحر الأبيض المتوسط.
من دون تمويل كافٍ لن تجد أزمة المناخ حلاً وسيستمر الدوران في حلقات مفرغة. تظهر التقارير العلمية لعام 2022 المشار إليها في صدر هذا المقال إلى أن الدول النامية تحتاج إلى زيادة تمويل برامج التخفيف من الانبعاثات الضارة بالمناخ والتكيف مع تغيراته بما يقدر بنحو أربع إلى ثماني مرات عما كان عليه مستوى التمويل في عام 2019؛ أي أن عليها تدبير نحو 1.8 تريليون دولار و3.4 تريليون دولار سنوياً، أي بمتوسط 2.6 تريليون دولار بافتراض سلامة التقديرات للحد الأدنى والحد الأعلى. فمن أين سيأتي التمويل المجسِر لهذه الفجوات الهائلة؟ أفجوات بآلاف المليارات تكفيها المائة مليار الموعودة منذ كوبنهاغن في عام 2009 والتي لم تتدفق بالكامل من الدول المتقدمة إلى الدول النامية أبداً؟ وأفضل ما كان هو ما أُعلن في العام الماضي مقترباً من 80 مليار دولار بعلامات استفهام كبرى حول المنهج والتدفق الفعلي والأثر. وهذا مثال من أمثلة الدوران في الحلقات المفرغة: يُعلَن رقم من دون تدقيق للاحتياجات الفعلية المستقبلية، ويتصدر الرقم المشهد باعتباره إنجازاً غير مسبوق كما حدث في عام 2009، ويتبادل المؤتمرون التهاني كما كان أمرهم في كوبنهاغن، ثم تمر السنة تلو الأخرى في انتظار ما لا يأتي وإن أتى لا يأتي كاملاً، ثم تعدّ التقارير بمنهجيات متضاربة متسائلة ومستفسرة عما جرى، علماً بأن عشرة أمثال هذا الرقم لن تكفي لملء نصف فجوة التمويل السنوية للدول النامية.
ستة سبل متكاملة لإيقاف الدوران في حلقات مفرغة:
1- التزام الدول الواعدة بالمائة مليار الدولار بالوفاء بها: الالتزام بالمائة مليار الموعودة هو شرط لبناء الثقة قبل التبرع بوعود أخرى. فهذه المبالغ ليست هبة من أسخياء، ولكنها تأتي أولاً لاعتبارات العدالة والإنصاف لدول نامية لم تتسبب في أزمة المناخ، بل كانت وما زالت الأقل إضراراً والأكثر تضرراً، كما أنها تأتي ثانياً لتحفيز الدول النامية على استخدام تكنولوجيا أكثر توافقاً مع اعتبارات البيئة والمناخ والتي ستعود بالنفع أيضاً على دول متقدمة تحوز حقوق ملكية هذه التكنولوجيا، كما أنها تأتي ثالثاً لمنع ضرر محتمل على الدول الأكثر تقدماً إذا ما استخدمت الدول النامية تكنولوجيا أكثر ضرراً بالمناخ، أو لاعتبارات الآثار العكسية للتحول الأخضر في الدول النامية التي قد يترتب عليها مزيد من طلبات الهجرة أو النزوح اضطراراً لتداعيات المناخ.
2- استثمارات لا ديون: أمن العدل أن يُطلب من الجار الأفقر أن يقترض ليصلح داره لضرر أصابه عندما كان الجار الأغنى يشيّد قصره المنيف؟ فما بالنا والجار الأفقر مكبل بالديون قبل الجائحة وأكثر تكبيلاً بها بعدها، فازدادت خدمة الديون إرهاقاً له بعد ارتفاع معدلات التضخم واضطراب أسعار الصرف وزيادة أسعار الفائدة؟ لا سبيل إلا زيادة المنح والاستثمار وإن قصرت فقروض طويلة الأمد بفترات سماح ممتدة وتكلفة اقتراض زهيدة على أن تأتي مدعمة بمساعدات فنية وإمكانية تحفيز للقطاع الخاص بأن تستخدم هذه القروض الميسرة كرافعة للاستثمارات الخاصة ومحجمة لمخاطر التمويل.
3- دور القطاع الخاص: أُعلن في غلاسكو في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 عن تجمع من 450 مؤسسة من كبرى المؤسسات التي تدير أصولاً مالية تقدر بنحو 130 تريليون دولار عن استعداده لتمويل مشروعات تحقق أهداف اتفاق باريس. وستعقد رئاسة القمة المصرية بالتعاون مع الأمم المتحدة ورواد المناخ خمسة ملتقيات إقليمية لبحث تمويل مشروعات المناخ والتعريف بفرص الاستثمار المتاحة في الدول النامية وتحفيز الإقبال عليها، خاصة في مجالات الطاقة وتخفيف الانبعاثات الكربونية وتطوير نظم التكيف مع تغيرات المناخ بالتركيز على قطاعات الزراعة والتصنيع الزراعي والمنتجات الغذائية. وستدعى هذه المؤسسات المالية وبنوك التنمية والشركات إلى هذه الملتقيات الخمسة وعرض نتائجها في قمة شرم الشيخ للمناخ.
4- تخفيض الديون: إذا أرادت مجموعتا الدول السبع والدول العشرين تحقيق فائدة مباشرة لاجتماعاتها هذا العام، فعليهما النظر في تبني آليات لتخفيض الديون المستحقة على الدول النامية بربطها ومبادلتها باستثمار في تخفيض الانبعاثات الضارة من خلال الإسهام في مشروعات التخفيف ونزع الكربون والاستثمار في الطاقة المتجددة، وكذلك في مشروعات التكيف وحماية التنوع البيئي. وقد قامت مؤخراً جزيرتا سيشيلز وبليز بعمليات لمبادلة الديون يمكن الاستفادة منها بزيادة حجم المعاملات وتخفيض تكلفة المعاملات بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية.
5- سوق الكربون: هناك ضرورة للدول النامية وأفريقيا خصوصاً في تأسيس سوق متكاملة للكربون تتوافق مع متطلباتها ويمنع استغلالها. فقد بلغ حجم سوق الكربون العالمية ما يتجاوز 850 مليار دولار في عام 2021، وفقاً لخبيري البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أهونا إزياكونوا وماكسويل جوميرا بزيادة 164 في المائة عن العام السابق. ولكن السوق شديدة التقلب وتتراوح أسعارها بين 10 دولارات و100 دولار للطن الواحد، وهناك ضرورة للتعاون الدولي في هذا الشأن بدايةً من البناء المؤسسي والتنظيمي وتدريب المهارات المطلوبة؛ مثلما فعلت أوروبا التي أسست نظامها في عام 2005 ثم تعاونت لاحقاً مع الصين ودول جنوب شرقي آسيا في تأسيس نظم تجارة الانبعاثات، مع السعي إلى تخفيضها وليس مجرد نقل حمل الانبعاثات من دولة إلى أخرى.
6- قبل هذا كله، هناك نقطة بداية للدول النامية للخروج من الدوران في هذه الحلقات المفرغة، وذلك بأن تحدد كل دولة أولوياتها بشأن إجراءات التصدي لتغيرات المناخ وتحقيق التنمية المستدامة في بنود موازناتها العامة، فترصد لها من الإنفاق العام ما يمكنها من إيراداتها العامة، وتعطي الإشارات من خلالها للاستثمارات الخاصة لمجالات المشروعات وتحفيزها، وتستقبل بكفاءة التدفقات المالية الدولية وتوظفها بفاعلية، وتخضع هذا كله لآليات الإفصاح والحوكمة والمحاسبة.

محمود محي الدين

الانسياق خلف المشاهير

 

الممثل الأميركي المشهور مات ديمون سوّق في 28 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي للعملات المشفرة، في إعلان مدفوع لموقع Crypto.com. وقرن ديمون الاستثمار بالعملات المشفرة بأحداث وشخصيات غيّرت مجرى العالم مثل اختراع الطائرة، واستكشاف الفضاء، في رسالة واضحة إلى أن المخاطرة تؤتي أُكلها، وأن الطموحات تحتاج للإقدام، مختتماً الإعلان بمقولة «الثروة تفضّل الشجعان». ما لم يذكره ديمون أن المخاطرات غير المدروسة تُفقر كذلك، فمن انساق خلفه في هذا الإعلان المدفوع خسر إلى اليوم أكثر ثلثي استثماره، ففي تاريخ الإعلان كان سعر «بتكوين» أكثر بقليل من 60 ألف دولار، وانخفضت الآن إلى مستويات دون 20 ألف دولار.
والدروس هنا واضحة، وإن كان الكثير لا يحب الاستماع لها، وهي لا تتعلق بأي حال بأسواق العملات المشفرة فحسب، بل تشمل الاستثمار بشكل عام. أول هذه الدروس هو عدم الانسياق خلف هذه الإعلانات لأسباب منها أن أمثال ديمون لا يفقهون في الاستثمار البتة. فإسداء النصائح في الاستثمارات التقليدية (مثل أسواق الأسهم) صعب للغاية على المتخصصين، حتى مع وجود بيانات تاريخية ومنمذجة اقتصادياً توضح سلوك السوق والمستثمرين وتقارنه بعدد ضخم من العوامل الاقتصادية والسياسية وغيرها. إن كان هذا هو الحال في أسواق الأسهم، فماذا عن العملات المشفرة وهي التي لم يتضح حتى الآن سلوكها، وهي التي تتأثر بتغريدة من إيلون ماسك!
ثانيها أن الاستثمارات الخطرة لا تناسب الجميع واتّباع المشاهير فيها مغامرة، فالمشاهير يملكون أموالاً طائلة (تبلغ ثروة ديمون 170 مليون دولار)، ونسبة استثماراتهم الخطرة قد لا تُذكر من محفظة استثمارية ضخمة يملكونها، وفي حال خسارة هذه النسبة فهم يتقبلونها بالنظر إلى مدى خطورة الاستثمار. هذا الأمر قد لا ينطبق بكل حال على صغار المستثمرين الذين باندفاعهم قد يضخّون أموالاً قد تسوء حياتهم إن خسروها.
ثالثها أن هذه الإعلانات مدفوعة الثمن، والنصوص المكتوبة فيها مدروسة بعناية، ويحفظها المشهور عن ظهر قلب تماماً كما يحفظ نصوص الأفلام والمسلسلات، لتوضح وجهة نظر المُعلن. والشركات المعلنة تحرص على أن تقال هذه الكلمات من المشاهير لقبولهم وتأثيرهم لدى الناس. وأوضحت دراسة نُشرت هذا الشهر أن المستثمرين في أسواق الأسهم يتأثرون بشكل كبير بإعلانات المشاهير، ويعدّون هذه الإعلانات إشارات من الشركات إلى مستقبل الشركة. ولذلك فإن التشريعات المالية في الكثير من الدول تمنع هذا النوع من الإعلانات للشركات المدرجة. فإذا كان الأمر كذلك في أسواق الأسهم وهي التي تحكمها القوانين لحماية المستثمرين، فماذا عن العملات المشفرة التي تكاد تنعدم فيها قوانين حماية المستثمر.
رابعها، إدراك ما في هذه الإعلانات من تعارض للمصالح، فالإعلان عن منتج يختلف تماماً عن الإعلان عن استثمار، ففي الأول يحصل المشهور على ثمن الإعلان دون أي مكاسب أخرى على الأغلب، أما في الإعلان عن الاستثمار فإن المشهور قد يستفيد من ضخ أموال المتأثرين بهذا الإعلان، ولو اشترى المشهور العملة المشفرة أو السهم قبيل الإعلان وكان أثر الإعلان إيجابياً فإنه سيستفيد بكل تأكيد من ارتفاع سعر العملة أو السهم. ولذلك فإن الكثير من الدول تفرض على المشاهير الإفصاح عن المصالح قبل الإعلان، كانت الهند آخر هذه الدول حيث أقرت هذا الإفصاح الأسبوع الماضي ضمن إصلاحات قوانين حماية المستهلك.
خامسها أن الإعلانات عن الاستثمارات محط شك في الكثير من الحالات، فتباين المعلومات بين المستثمرين هو أحد أهم أسباب تحقيق الأرباح، ولو كانت المعلومة متوفرة لجميع المستثمرين لاختلفت الربحية كثيراً. والفرص الاستثمارية لا تتوفر معلوماتها في الإعلانات المصوّرة، ولا يتم تلميعها كما حدث في إعلان ديمون.
الإعلانات قوت المشاهير، وفيما غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالشماتة بالممثل ديمون، موضحين أن من أخذ بالإعلان خسر ثلثي استثماره. فإن ديمون قد قبض بالفعل ثمن الإعلان، ولم يتضرر من انهيار العملات المشفرة إلا إذا كان قد استثمر فيها بالفعل. وفيما قد تعود العملات المشفرة للارتفاع مرة أخرى، مظهرةً ديمون في موقف المنتصر، فإن هذا الانتصار معنوي لا يغيّر شيئاً في حقيقة أن من أخذ بنصيحته خسر الكثير من المال. والأمر لا يتعلق بانخفاض أو ارتفاع العملات المشفرة، فهذه تقلبات السوق التي تحدث بين الحين والآخر والتي ينتفع منها مستثمرون ويخسر منها آخرون. بل يتعلق بالاستفادة من هذا الدرس الذي وضّح أن إعلانات المشاهير يجب ألا تكون أبداً عاملاً للدخول في الاستثمارات.

 

د. عبد الله الردادي

الطاقة على مفترق طرق: تغير الأولويات

صدر عن دورية «فورين أفيرز» مقال يشرح بإسهاب التحولات الكبرى في أولويات سياسات الطاقة على ضوء حرب أوكرانيا، بالذات بروز أولويات الحرب وأمن الطاقة المحلي لتشارك أهمية التغير المناخي.
تمت كتابة المقال من قِبل جاسون بوردوف، مساعد الرئيس باراك أوباما لشؤون الطاقة والتغير المناخي في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال عهد الرئيس أوباما ومؤسس ورئيس مشارك لمركز دراسات سياسات الطاقة الدولية في جامعة كولومبيا؛ وميغن أوسيلفان أستاذة العلاقات الدولية في معهد كيندي في جامعة هارفرد وكاتبة في شؤون الطاقة.
لماذا مفترق طرق؟ لقد حولت الحرب أولويات الدول والرأي العام. فهناك مخاوف رجال الأعمال من احتمال اضمحلال نظام العولمة والولوج في مرحلة من الكساد التضخمي. ويتخوف الأكاديميون العودة إلى الحروب لحل النزاعات السياسية في ظل عودة الصراع الغربي – الشرقي من جهة وتقوية اواصر العلاقات ما بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.
كما تراجع معظم الدول، على ضوء الحرب، مختلف سياساتها: التجارية والموازنات والتحالفات العسكرية.
وضع بند أمن الطاقة ضمن أولويات الساسة، إلى جانب مكافحة التغير المناخي.
ومن المتوقع، أن يشكل هذان البندان تحولاً في تطلعات الدول نفسها؛ إذ ستولي الدول اهتماماً أكثر بمشاكلها الداخلية والمحلية، كما ستولي الاهتمام والأولويات لإنتاج الطاقة المحلي والتعاون الإقليمي خلال المسيرة المرحلية لتحقيق تصفير الانبعاثات.
سيؤدي هذا التحول في الأولويات والاهتمامات إلى انكماش الدول في تكتلات جغرافية وسياسية. الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تفكك عصر تحالفات الطاقة العالمية القائم حالياً.
السؤال «كيف ستتجاوب الدول مع التحديات الجديدة الناتجة من غزو روسيا لأوكرانيا؟ فمن خلال هذا التجاوب سيتبلور نظام الطاقة الجديد لعقود مقبلة».
تشكل النتائج المترتبة على الحرب: انهيار العولمة وبروز القومية الاقتصادية؛ وغموض نظام الطاقة المقبل لكثير من المراقبين. كما يتوقع تضخم دور الحكومات في قطاع الطاقة الجديد بحجم وشكل غير مسبوق.
فبعد أربعة عقود من المحاولات والسياسات لتخفيض دور الحكومات في قطاع الطاقة، نجد اليوم أن الحكومات الغربية تعترف بالحاجة إلى لعب دور واسع في جميع مراحل الطاقة من تشييد البنى التحتية للوقود الأحفوري، إلى تبني السياسات الدقيقة للتأثير على شركات الطاقة لتقليص الانبعاثات من خلال تسعير الكربون، ومراجعة مدى الدعم الحكومي للشركات لتبني الطاقات المستدامة، وتحديد القواعد والمقاييس التي يتوجب تبنيها في إنتاج الطاقة.
يتوقع الكاتبان أن تتحول أزمة الطاقة الناتجة من الحرب إلى «أسوأ أزمة طاقة منذ نصف قرن»، لكن هناك فروقاً مهمة عن أزمة الطاقة في السبعينات. إذ يعتمد الاقتصاد العالمي اليوم على كثافة طاقة أقل. فقد سبق النمو الاقتصادي نمو استهلاك الطاقة، بحيث إن العالم يستعمل اليوم طاقة أقل لكل وحدة من ناتج الدخل القومي.
كذلك، تزايد كثيراً عدد الشركات في أسواق النفط عن الماضي من ثم يتم توزيع النفط اليوم من قِبل شركات عدة، وليس حفنة منهم، كالسابق.
والأهم، أن أزمة الطاقة الحالية أبعد وأهم بكثير من النفط. فانعكاساتها أوسع على الاقتصاد. فالحرب تضع بصماتها على مختلف أنواع الطاقة؛ مما سيخلق فوضى كبرى. فروسيا ليست فقط واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط الخام والمنتجات البترولية عالمياً، لكن هي أيضاً أهم مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا، كما أنها مصدرة مهمة جداً للفحم الحجري واليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يستعمل لتوليد المحطات النووية، هذا بالإضافة إلى سلع تجارية أخرى.
لقد ارتفعت أسعار الفحم والبنزين والديزل والغاز الطبيعي وسلع أخرى، من ثم ستؤدي عراقيل أخرى لإمدادات الطاقة الروسية، إما بمبادرات روسية أو أوروبية، إلى التضخم، والكساد، وتوزيع الطاقة من خلال نظام الحصص التموينية، وإغلاق بعض الشركات.
عانى نظام الطاقة العالمي من الضغوط قبل الحرب. فقد واجهت أوروبا ومناطق أخرى تحديات عدة للحصول على طاقة كهربائية وافية. فقد كانت إمداداتهم الرئيسة من الكهرباء تأتي من إمدادات متقطعة من طاقة الشمس والرياح.
كما عانت بعض شركات الكهرباء سنوات من الخسائر والضغوط المترتبة لمكافحة التغير المناخي، بسبب تخفيض الاستثمارات في الصناعات الهيدروكربونية؛ مما أدى إلى تقليص الامدادات.
وأدى كذلك التأخير والتعديل في سلسلة الإمدادات التجارية العالمية بسبب جائحة «كوفيد – 19» إلى الشح في بعض السلع والضغوط على الأسعار. ففي عام 2021 وأوائل 2022، أدى ازدياد الطلب الضخم للغاز والارتفاع العالي للأسعار إلى إفلاس بعض شركات الطاقة وإجبار الحكومات زيادة دعمها لقطاع الكهرباء.
وكان من المحتمل أن تسوء الأمور لولا ارتفاع درجات الحرارة في حينه إلى أكثر من المعتاد؛ مما ساعد أوروبا وآسيا على تقليص الطلب قليلاً.
ساءت الأمور أكثر منذ نشوب الحرب. فتقلصت إمكانيات توفير القروض؛ مما قلص بدوره السيولة اللازمة لتجارة النفط؛ مما أدى بدوره إلى تحديات بالغة الصعوبة، منها ارتفاع أسعار النقط والغاز إلى معدلات عالية جداً.
رغم كل هذا، فالأسوأ قد لا يزال أمامنا. فالطلب على النفط قد يرتفع مع التخلص من الجائحة في الصين وإنهاء الإغلاقات التامة هناك.
ورغم أنه من الصعوبة تصور حظر أوروبي شامل على النفط والغاز الروسي، فإن الاحتمال وارد. لقد فاز الفحم في هذه المعركة. فالصين بصدد زيادة إنتاجها للفحم الحجري.
والاقتراح، في ظل الأزمات المتتالية، إعادة تقييم الدروس المستخلصة. دور الحكومات والقطاع الخاص، فالاعتماد على قوى السوق قد حافظ على توفير الإمدادات بأسعار معقولة طوال الـ40 سنة الماضية.
لكن الأزمة الحالية تستدعي دوراً أكبر للحكومات «لتجنب بعض إخفاقات السوق». ومن المتوقع في نظام الطاقة المقبل أن يكون «دور وتدخل الحكومات بحجم غير مسبوق في التاريخ المعاصر».

وليد خدوري