أرشيف التصنيف: المقالات العامة

هل آن للسعودية ترك سوق النفط كي يتدمر؟ الاسعار الى 10 او 20 دولار؟

وسط انهيار أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها السوق منذ عقدين من الزمن، كل الأسئلة التي أسمعها مؤخراً تدور حول نقطتين: إلى متى ستستمر السعودية في إغراق السوق بالنفط؟ وهل نشهد قاعاً للأسعار عند 20 دولاراً أم أن هناك قاعاً آخر عند 10 دولارات؟
لقد دخلت السوق في مرحلة تدمير (قد تكون خلّاقة) منذ بدء الهبوط الحر للأسعار نتيجة قرار السعودية رفع إمداداتها من النفط فوق الطاقة الإنتاجية القصوى لشركة «أرامكو السعودية» البالغة 12 مليون برميل يومياً وتقديم تخفيضات عالية للزبائن في أعقاب قرار روسيا الانسحاب من اتفاقية خفض الإنتاج بين منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) وبين المنتجين خارجها (تحالف «أوبك+»)، وهو ما يعني فعلياً أن المملكة دخلت في حرب أسعار مع باقي المنتجين للحفاظ على حصتها السوقية. وهذه هي حرب الأسعار الثالثة في تاريخ «أوبك»، والتي ستحتفل بمرور 60 عاماً على تأسيسها أواخر 2020.
لقد بدأت روسيا الحرب التي ستخلّف ضحايا لا عدَّ لهم عندما قال وزير طاقتها بعد الاجتماع: «بدايةً من 1 أبريل (نيسان)، الكل ينتج كما يريد»، وذلك بدلاً من موافقة السعودية و«أوبك» على تخفيض إضافي قدره 1.5 مليون برميل يومياً لموازنة السوق. وبالتالي تخلّت روسيا عن السعودية لأهداف لا يمكن تفسيرها إلا بمحاولة القضاء على النفط الصخري الأميركي.
وقبل أن أسرد تحليلي الشخصي حول تداعيات هذه الحرب، أود مشاركتكم مقتطفات من كلمة ألقاها وزير البترول السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني، في عام 1994 في وياتهول في لندن، تحدث فيها عن أول حرب أسعار شهدتها «أوبك» في عام 1985.

لقد سرد يماني قصة الحرب كاملة ولا أراها تختلف في تفاصيلها أبداً عن اليوم. كان هناك اتفاق لخفض الإنتاج لمواجهة زيادة في الإنتاج من خارج «أوبك» وتدهور الأسعار، وكان الالتزام بهذا الاتفاق ضعيفاً من كثير من الدول وتحملت المملكة العبء بمفردها، في الوقت الذي زاد فيه الآخرون حصصهم السوقية فانهارت الأسعار وفقدت المملكة حصتها والدخل المرتفع. وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث كان الطلب منخفضاً في العالم غير الشيوعي (في ذلك الحين كانت السوق النفطية تنقسم إلى الدول غير الشيوعية والدول الشيوعية)، إذ بدأ في التناقص بنحو مليون برميل يومياً بين عام 1980 و1982 مقارنةً بنمو بلغ 1.7 مليون برميل يومياً بين 1976 و1979، وزيادةً في السوء، تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7% بين 1974 إلى 1984 مقارنةً بالسنوات العشر التي سبقتها.
لقد نبّه يماني في كلمته إلى أن «أوبك» لم تتعلم من حرب الأسعار الأولى، إذ لا تملك استراتيجية طويلة المدى ولا تستطيع الجري وراء حصة سوقية أكبر أو أسعار أعلى في نفس الوقت، وأن المنظمة ليست متجانسة، حيث هناك منتجون صغار هدفهم أسعار أعلى، ومنتجون كبار هدفهم كميات أعلى. وكانت السوق النفطية هرماً مقلوباً، أسعار الطاقة عالمياً تعتمد على النفط، والنفط يعتمد على «أوبك»، و«أوبك» تعتمد على المملكة؛ فانهار ذلك الهرم.
أما حرب الأسعار الثانية في عام 2014 فشهدت الوضع نفسه تقريباً، حيث أدت الأسعار العالية التي حافظت عليها «أوبك» بين 2011 و2014 إلى تضخم الإنتاج من خارج «أوبك» مع تباطؤ الطلب في 2014 نتيجة الارتفاع المزمن للأسعار، ولم يكن بإمكان المملكة الحفاظ على الأسعار العالية لفترة طويلة دون تخفيض حقيقي من كل «أوبك»، ولكن كعادة «أوبك»، العبء يتحمله كبار المنتجين. في الوقت ذاته لم يهتم منتجو النفط الصخري بما يجري في السوق وجهود «أوبك»، فتركت المملكة الأسعار لتهبط حتى بلغت مستوى في الثلاثينات في مطلع 2016 هبوطاً من مستوى الثمانينات في ديسمبر (كانون الأول) 2014، فهرولت روسيا وغيرها إلى «أوبك» ونشأ تحالف «أوبك+».
واليوم أمام السعودية خيارات موجعة. فالطلب على النفط قد لا ينمو في العقد الجاري كثيراً وقد يصل إلى الذروة خلال 10 سنوات. في الوقت ذاته الإنتاج من خارج «أوبك» يتفاقم، ولا أحد يريد التعاون مع السعودية التي تحملت معظم التخفيض في آخر اتفاق في ديسمبر 2019 والبالغ 2.1 مليون برميل يومياً. وبعد سنوات معدودة قد يسعى العراق لزيادة إنتاجه وليبيا كذلك، وقد تعود فنزويلا وغيرها، وقد نصل إلى 2025 والمعروض العالمي في زيادة بعد استمرار الدول خارج «أوبك» في الإنتاج بكامل طاقتها القصوى، لذا غيّرت السعودية استراتيجيتها واتجهت إلى الحصة السوقية وزيادة طاقة «أرامكو» الإنتاجية مليون برميل إضافية.
إن فيروس «كورونا» جاء لتصحيح أوضاع كثيرة خاطئة في العالم، من بينها حال المنتجين العالميين. وأظهرت السعودية لكل العالم خلال أسبوع أنها لا تزال بإمكانها التأثير في السعر أكثر من أي دولة. ويبدو أنها ستجبر العالم على الاستماع إليها، حيث نقلت «وول ستريت جورنال» يوم 19 مارس (آذار)، أن هيئة تكساس للخطوط الحديدية (الجهة المنظمة لإنتاج النفط في أكبر ولاية أميركية منتجة له والتي كانت مصدر الإلهام خلف فكرة منظمة «أوبك») تفكر في فرض قيود للإنتاج؛ وهو أمر لم تلجأ إليه منذ مطلع السبعينات. ونتيجة لهذا، قد تكون هذه هي الحرب الأخيرة ونرى ميلاد نظام نفطي جديد، لكن مَن الذي سيقوده؟
إن النفط لا يلقى دعماً من الحكومات الغربية ولم تعد هناك منظمات تلعب دوراً في التقريب بين المنتجين والمستهلكين. هناك منتدى الطاقة الدولي في الرياض والذي لعب دوراً في عام 2008 لجمع كبار المنتجين والمستهلكين عندما وصلت الأسعار إلى فوق 100 دولار. ووقّعت أكثر من 100 دولة ميثاقه الجديد في فبراير (شباط) 2011 ولكنه ضعف منذ ذلك الحين بسبب عزوف الدول عن دعمه. أما السؤالان أعلاه، فالحرب في تصوري لن تستمر طويلاً إذا ما ضغطت السعودية على الأسعار بهذا الشكل المرعب حتى يونيو (حزيران)، وهرولت شركات النفط الصخري للحوار مع «أوبك» أو تنسيق إنتاجها محلياً، أما وصول الأسعار إلى 10 دولارات أو بقاؤها عند 20 دولاراً فهو سيناريو مؤقت وغير مستدام إذا ما تعافى العالم من «كورونا» وخرج الكثير من المنتجين.

وائل مهدي

نسي الأميركيون غاية الاقتصاد إلى أن ظهرت الجائحة

نحن نعيش واحدة من تلك اللحظات التي يجدر بنا فيها طرح هذا السؤال، وهو: ما غاية الاقتصاد؟
لا يوجد الاقتصاد من أجل منفعة المشاركين في سوق الأوراق المالية ولا زيادة أموال الشركات. منذ حقبة الثمانينات على الأقل جعلت الولايات المتحدة الثروة الاقتصادية معادلاً لسوق متصاعدة، وأرباح شركات متزايدة باستمرار؛ إنها مكونات ضرورية لاقتصاد سليم وقوي، لكنها في النهاية لا تمثل سوى وسيلة لا غاية؛ فالغاية هي رفاهة المواطنين. يوجد الاقتصاد ليتيح للعمال وأسرهم أن يصبحوا في وضع أكثر رخاءً، وهذا ما ظل غائباً عن بال الكثير من الأميركيين قبل هذه اللحظة.
يفسد فيروس «كورونا» الاقتصاد الأميركي، مثلما يفعل باقتصاد باقي أنحاء العالم، فقد تم إلغاء كل فعالية تحتاج إلى جمهور، سواء كان مسرحاً، أو حدثاً رياضياً، أو مؤتمرات، بل وشمل ذلك المؤتمرات الجماهيرية السياسية أيضاً. مجال السفن السياحية يتداعى، وتتراوح خسائر شركات الطيران بين 63 مليار دولار و113 ملياراً على مستوى العالم، بحسب تقديرات اتحاد النقل الجوي الدولي. كذلك، أرسلت مئات الجامعات الطلبة إلى المنازل؛ مما يمثل ضربة قوية للمتاجر والمطاعم المحيطة بها، والتي تعتمد في عملها واستمرارها على حركة الطلبة. تم إصدار أوامر بإغلاق المقاهي والمطاعم في الكثير من المدن الكبرى، وهناك عدد لا يحصى من الأمثلة الأخرى الدالة على تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل كبير أو توقفه تماماً.
مع ذلك يبدو أن فيروس «كورونا» قد أيقظ المجتمع ونبّهه إلى ما يهم حقاً. صحيح أن الكثير من عناوين الصحف الرئيسية تتحدث عن انهيار السوق بشكل مفزع، لكني لا أسمع عن هوس الناس بالأمر مثلما حدث بعد فقاعة الإنترنت، أو انهيار مصرف «ليمان براذرز» عام 2008. للمرة الأولى تصبح لـ«قيمة حامل السهم» أهمية ثانوية، بل وما فاجأني بشكل كبير هو عدم استجابة الشركات لهذا الانهيار والكساد بالطريقة المعتادة خلال الأوقات العصيبة، أي القيام بتسريح العاملين، حيث يبدو أنهم قد أدركوا أن أهم شيء يمكنهم فعله لمساعدة البلاد في تجاوز الأزمة هو الإبقاء على تدفق المال إلى جيوب العاملين لديهم حتى إذا لم يكن بمقدورهم القيام بالكثير.
لذا؛ استمرت شركات الطيران، التي تأثرت بشدة، في دفع أجور موظفيها والعاملين لديها وإن علّقت عملية التوظيف. وتعهدت شركة «مايكروسوفت»، وشركات تكنولوجية كبرى أخرى، بالاستمرار في الدفع للبائعين الذين يوظفون عمالاً ينظفون مكاتبهم ويزودون الكافتيريات بما يلزمها من مواد. كذلك تواصل شركة «والت ديزني» دفع رواتب العاملين لديها في المتنزه. وذكرت صحيفة «يو إس إيه توداي» يوم الجمعة، أن الشركات الأميركية قد استغنت عن 893 وظيفة بسبب فيروس «كورونا»، ويعد هذا رقماً صغيراً بشكل ملحوظ.
كذلك، يتجه الرؤساء التنفيذيون نحو «التفكير في الحرص على الخروج من هذه الأزمة مع الحفاظ على سمعة طيبة»، بحسب ما صرح للويد بلانكفين، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة «غولدمان ساكس غروب إنكوربوريشن» لصحيفة «وول ستريت جورنال». وأضاف قائلاً «يريد المرء أن يتم النظر إليه كشخص يفعل الصواب». وذكر بلانكفين أنه ربما لا تجد الشركات، التي يهدد الفيروس بقاءها واستمرارها، خياراً سوى اللجوء إلى تسريح العاملين لديها، لكن ذلك لا يمثل مشكلة بالنسبة إلى أكثر الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، حيث حققت أرباحاً هائلة خلال العقد الماضي؛ لذا لن تجد مشكلة في الإنفاق من تلك الأرباح أو الاعتماد على بعض القروض مثلما فعلت شركة «بوينغ» مؤخراً من أجل الإبقاء على موظفيها.
إليكم فكرة: ماذا لو ألغت لجنة الأوراق المالية والبورصة موسم العائدات الربع سنوية لشهر أبريل (نيسان)؟ سوف تكون الأرقام غير طبيعية إلى درجة تجعلها بلا معنى تماماً.
كل ما سبق كان من الأنباء السارة، فيما يلي بعض الأنباء السيئة؛ أولها هو وجود عدد هائل من العمال ذوي الأجور المتدنية والعاملين بدوام جزئي في البلاد، ويذكر دانييل ألبرت، الشريك المؤسس لمؤسسة «ويستوود كابيتال»، وكاتب العمود لدى موقع «بيزنس إنسايدر»، أن عددهم يفوق 31.5 مليون فرد؛ مما يجعلهم يمثلون 30 في المائة من القوى العاملة. وكتب ألبرت مؤخراً «من المنطقي أن يتم تسريح هذا العدد الكبير من العاملين طالما استمر الحجر الصحي للعملاء المحتملين، أو لم يتمكن العاملون أنفسهم من العمل في حالة المرض». حتى إذا لم يتم تسريحهم من العمل، من المؤكد أنه سوف يتم تقليص عدد ساعات عملهم مما يخفض أجرهم المتدني بالفعل، ويهدد وضعهم المعيشي المتدهور بشكل أكبر. ويخلص ألبرت إلى أن «انخفاض جودة أكثر الوظائف، التي ظهرت في الولايات المتحدة خلال السنوات اللاحقة للكساد، تصرخ مطالبة بتدخل حكومي أكبر».
يقودنا هذا إلى نبأ سيئ آخر، وهو أنه حتى إذا اتخذت الكثير من الشركات الكبرى خطوات ومواقف إيجابية، لم تفعل المؤسسات، التي تمتلك أكبر قدر من الموارد، والحكومة الفيدرالية، ذلك؛ فقد تحدث الرئيس دونالد ترمب عن خطط إنقاذ لمجال السفن السياحية، وشركات الطيران وقطاع الفنادق، وغير ذلك من مجالات، لكن عندما صاغ أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين مشروع قانون يهدف إلى مساعدة المواطنين، أدانه ترمب قائلاً إنه مليء بـ«المزايا التي لم يتمكنوا من الحصول عليها طوال 25 عاماً».
رغم أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، كانت قادرة على جعل البيت الأبيض يوقع على مشروع قانون يرضي الطرفين، أدرجت طلباً مذهلاً قدمه الجمهوريون، وهو طلب بإلزام الشركات، التي لديها 500 عامل أو أقل، أي تلك الشركات التي ليس لها تأثير وثقل سياسي كبير، بمنح العاملين لديها إجازات مرضية مدفوعة الأجر، في حين يتم إعفاء الشركات الأميركية الكبرى كافة، التي توظف 54 في المائة من العاملين بشكل إجمالي، لكن لديها ثقلاً سياسياً، وهذه سياسة حكومية مريعة، لكنها ليست مستغربة بالنظر إلى موقف الإدارة القاسي تجاه مواطنيها.
وقد تبلور واتضح هذا الموقف من خلال لحظة شهدها كثيرون مؤخراً، وهي لحظة كيتي بورتر يوم الأربعاء الماضي، عبر موقع «تويتر». كيتي هي عضو ديمقراطي جديد عن مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا، وأستاذة قانون سابقة، سرعان ما حصلت على سمعة بأنها مستجوبة قاسية للشهود التابعين للإدارة الأميركية، فقد سألت روبرت كادليك، مساعد وزير الصحة والخدمات الإنسانية، عن تكلفة اختبار فيروس «كورونا»، وكانت تعلم الإجابة على نحو أفضل منه، حيث تبلغ تكلفته 1.33 دولار حداً أدنى.
كما ذكرت من قبل، تتمثل الاستجابة الفاشلة للحكومة تجاه الأزمة المالية في اهتمامها باحتياجات الشركات أكثر من احتياجات الناس، حيث تكمن مأساة هذه الأزمة الاقتصادية، على الأقل حتى هذه اللحظة، في أن الشركات تعلمت ذلك الدرس على ما يبدو، في حين لم تفعل إدارة ترمب، ومن غير المرجح أن تفعل ذلك قريباً.

جو نوسيرا

تدابير السلطات المالية لتحصين اقتصاد العالم بمواجهة كورونا

تضخ الحكومات والمصارف المركزية مبالغ هائلة في الأسواق وتعتمد إجراءات طارئة في محاولة لمواجهة آثار فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي. إليكم التفاصيل!

لقد أدى الوباء، الذي قلب حياة العالم رأسا على عقب، إلى انهيار في الأسواق المالية ليواجه النمو الاقتصادي أكبر أزمة له منذ العام 2008.

وقد رصدت وكالة “فرانس برس” استجابة القوى الاقتصادية الكبرى في وقت انتقل فيه مركز الفيروس من الصين ليصيب سائر دول العالم مع فرض إجراءات عزل شاملة وتوقف شركات كبيرة وصغيرة عن العمل.

أوروبا

باتت أوروبا بؤرة وباء كوفيد-19، وقد سعت الحكومات فيها إلى فتح قنوات الإنفاق، فيما اتخذت إجراءات بإقفال حدودها.

وأعلن المصرف المركزي الأوروبي، الأربعاء، خطة بقيمة 750 مليار يورو (820 مليار دولار)، لشراء سندات حكومية وأسهم شركات، ليضخ بذلك المال للمساعدة على احتواء الأضرار الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس.

واتخذ المصرف المركزي الأوروبي إجراءات فرضتها الأزمة لتشجيع المصارف على إقراض الشركات، لكنه أثار بلبلة، الأسبوع الماضي، عندما أبقى على فوائده كما هي.

وخفض بنك إنكلترا، الخميس، نسبة الفائدة الرئيسية من 0.25% إلى 0.1%، وهو أدنى مستوى لها، بعد ثمانية أيام على تخفيض أول، وهو ينوي شراء 200 مليار جنيه إسترليني (235 مليار دولار)، من ديون الحكومة والشركات.

وامس، الجمعة، أعلن بنك إنكلترا المركزي إلغاء اختبار التحمل للبنوك الكبرى هذا العام، وقال إنه قد يكون من الصعب تطبيق قواعد رأسمالية عالمية جديدة في موعدها نظرا لأن التركيز الآن منصب على دعم إقراض العملاء المتضررين من وباء كورونا.

وجاء قرار إلغاء اختبار التحمل لأكبر ثمانية بنوك في البلاد في أعقاب قرار من الاتحاد الأوروبي بإلغاء فحصه المزمع لمتانة البنوك الكبرى، والتي تشمل أيضا مصارف بريطانية كبرى، مثل “باركليز” و”إتش.إس.بي.سي”.

وكشفت برلين عن قروض مدعومة من الحكومة بقيمة 550 مليار يورو وعلقت الموجبات القانونية للشركات التي تعاني من أزمة سيولة.

وقد خصصت بريطانيا قروضا مدعومة من الحكومة بقيمة 330 مليار جنيه لمساندة الشركات، في حين ستضمن فرنسا قروضا بقيمة 300 مليار يورو للشركات مع إعلانها أيضا عن حزمة مساعدة منفصلة بقيمة 45 مليار يورو لمساعدة الشركات والموظفين.

وفي إيطاليا، أكثر الدول تضررا من الوباء، وعدت الحكومة “بضخ كمية كبيرة من السيولة” في النظام المالي لتوفير 340 مليار يورو.

وتخطط إسبانيا لضمان قروض بقيمة مائة مليار يورو للشركات.

وأعلن مصرف سويسرا المركزي، الخميس، أنه سيتدخل بشكل أكبر لضمان استقرار العملة المحلية، في حين تدرس النروج التدخل مع تراجع كبير في سعر صرف الكرونة

وتستعين روسيا باحتياطيها من العملات الأجنبية دعما للروبل، وهي تعوض على منتجي النفط مباشرة عندما يتراجع سعر البرميل إلى ما دون 25 دولارا، كما فعلت الأربعاء.

أميركا الشمالية

عرض زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونل، الخميس، خطة مساعدة طارئة بقيمة تريليون دولار لمحاربة العواقب الاقتصادية في الولايات المتحدة.

وتتجاوز هذه الخطة بكثير المساعدات التي خصصت خلال أزمة 2008 المالية، ويرجح أن تشمل مساعدات نقدية مباشرة للعائلات المعوزة.

وتضاف هذه الخطة إلى 100 مليار دولار مخصصة للإجازات المرضية ومخصصات التوقف عن العمل لفترة طويلة. وقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذا القانون الأخير، الأربعاء.

ويعرض الجمهوريون في مجلس الشيوخ اليوم الجمعة، على الأعضاء الديموقراطيين حزمة مساعدات أعلنوا عنها تبلغ قيمتها حوالى 1000 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد الأميركي المتضرر بانتشار فيروس كورونا المستجد.

وأكد زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن إقرار النص أمر ملح، بينما صُرف نحو 70 ألف شخص من عملهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحسب الأرقام الأخيرة للطلبات الأسبوعية للحصول على مخصصات البطالة.

ويبدو أن الولايات المتحدة تدرس خطة لإنقاذ شركات الطيران الأميركية بعدما قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إنها تواجه أزمة أسوأ من تلك التي واجهتها بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وقد خفض الاحتياطي الفدرالي الأميركي نسب الفائدة إلى الصفر تقريبا. وكشف أيضا عن تسهيلات قروض لمساعدة الأسر والشركات على الاستمرار. وأمر ترامب بتعليق إجراءات الإخلاء للمتخلفين عن السداد وحبس الرهونات بوضع اليد على الممتلكات العقارية لمدة ستة أسابيع في إطار جهود الحكومة لتخفيف الأعباء.

والخميس، كشف الاحتياطي الفدرالي عن إجراءات لمساعدة الصناديق المشتركة، وهي أداة استثمارية تحظى بالإقبال وتلقت طلبات سحب هائلة مع مواجهة الأسر والشركات الصغيرة صعوبات نقدية.

من جهتها، أعلنت كندا، الأربعاء، خطة مساعدة بقيمة 27 مليار دولار كندي (19 مليار دولار أميركي)، فضلا عن مساعدة إضافية على شكل إرجاء سداد ضرائب، ولجأت كذلك إلى خفض أسعار الفائدة.

صندوق النقد و”العشرون”

خصص صندوق النقد الدولي 50 مليار دولار للدول الفقيرة، ودعا إلى “استجابة عالمية” مماثلة لتلك التي حصلت في العام 2008.

ودعت السعودية، التي ترأس مجموعة العشرين، إلى قمة استثنائية لقادة دول المجموعة، الأسبوع المقبل، عبر تقنية الفيديو كونفرنس، كما يحصل مع كل الاجتماعات الدولية راهنا.

وفي السياق أيضا، قال التلفزيون الرسمي إن السعودية أعلنت، اليوم الجمعة، عن تدابير بقيمة تتجاوز 120 مليار ريال (31.93 مليار دولار)، للحد من تأثير تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد، حسبما نقلت رويترز.

وذكر التلفزيون نقلا عن وزير المالية محمد الجدعان، أن الحزمة تشمل 50 مليار دولار على صورة دعم للبنوك والمؤسسات المالية والشركات الصغيرة والمتوسطة. كما تتضمن أيضا مبادرات أخرى لدعم الاقتصاد بقيمة تتجاوز 70 مليار ريال.

آسيا – المحيط الهادئ

خفضت الصين، حيث انطلق الوباء، معدلات الفائدة وتعهدت بسلسلة من الإجراءات، منها تخفيض ضريبي وتحويلات مالية من بكين إلى أكثر المناطق تضررا.

وخصصت نيوزيلندا 7.3 مليارات دولار لتحفيز الإنفاق. من جهتها، كشفت أستراليا، الأسبوع الماضي، عن خطة إنفاق بقيمة 11 مليار دولار توازي حوالى 1% من إجمالي الناتج المحلي، للمساعدة على تجنب أول انكماش اقتصادي قد تسجله منذ 29 عاما. وعمد المصرف المركزي، الخميس، إلى خفض نسب الفائدة إلى أدنى مستوى لها في البلاد.

وقد تواجه اليابان ضربة مالية كبيرة جدا في حال إرجاء دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو خلال الصيف. وهي خصصت برنامج قروض للشركات بقيمة 15 مليار دولار

وكشفت كوريا الجنوبية عن برنامج دعم غير مسبوق للشركات الصغيرة بقيمة 50 تريليون وون (39 مليار دولار).

أما حكومة هونغ كونغ، فهي تقدم مبلغا نقديا إلى كل مقيم دائم على أراضيها مع تسجيلها انكماشا سببه احتجاجات مستمرة منذ أشهر زاد من وطأتها انتشار فيروس كورونا المستجد.

الاقتصاد الأوروبي ومكافحة الفيروس

انتقل مركز الإصابة بمرض «كوفيد – 19»، الذي يسببه فيروس كورونا، من آسيا إلى أوروبا كالإعصار، جالباً معه ارتفاعاً في عدد المصابين والموتى والضرر الاقتصادي. بعد مرور عدة أسابيع تتسم بالتشوش، بدا فيها قادة الدول الأوروبية غير قادرين على الوصول إلى استجابة مشتركة للكارثة، التي ضربت قطاع الصحة وثقة المستهلك والأسواق المالية في آنٍ واحد، فإن الأسبوع الحالي يمثل نقطة تحول.
اتخذت إسبانيا وفرنسا خطوات قاسية، مثلما حدث في جارتهما المنكوبة إيطاليا، التي كانت قد قطعت شوطاً بالفعل في فرض حظر منزلي على مواطنيها. كما تخطط ألمانيا لإغلاق حدودها بشكل جزئي، ومنعت النمسا التجمعات التي تحوي أكثر من 5 أشخاص. يفسر هذا الإكراه الحتمي الخاص بالصحة العامة الحاجة إلى خنق اقتصاد دول منطقة اليورو وحرمان المواطنين من أبسط الحريات، لكن الخطر الحقيقي لهذا الركود الشامل يتمثل في تهديد يلوح في الأفق أمام الحكومات، وهو الحاجة إلى محفز اقتصادي لتخفيف وطأة الضربة التي تلقاها الاقتصاد.
وأدَّت زيادة عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا إلى فرض مزيد من السياسات. فطبقاً لبيانات جمعتها مؤسسة بلومبرغ، فإن دولاً مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تضم أكبر عدد من الحالات المؤكدة للإصابة بكورونا خارج الصين، حيث وصلت إلى 5423 و7753 و24747 حالة على الترتيب. كما زادت سرعة الإصابة والانتشار بالمرض أيضاً، فقاد زادت الإصابة به في فرنسا 5 أضعاف في أسبوع واحد، بينما تضاعف عدد الوفيات في إسبانيا بين ليلة وضحاها. وبعد الامتناع في البداية عن فرض سياسات قسرية تتجاوز إغلاق المدارس، فقد سارعت حكومة فرنسا برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل كبير يوم السبت إلى إعلان الإغلاق الفوري لأي أماكن عمل غير أساسية، رغم أن فرنسا قد عقدت بشكل مثير للحيرة أول دورة من الانتخابات المحلية كما كان مقرراً لها. لم يعد مرض «كوفيد – 19» متعلقاً بالدول الأكثر إصابة به، مثل الصين أو إيطاليا، بل انتقل قلب إعصار كورونا إلى أوروبا.
ربما كان فرض الإقامة المنزلية على الناس يبدو مخالفاً لمنطقة اعتادت دعم الانتقال الحر وفتح الحدود أمام المسافرين. لكن الأمل في أن هذه الإجراءات ستقلل من انتشار المرض وتخفض معدل الإصابة به، ربما يدفع قطاع الخدمات الصحية إلى نقطة الانهيار. وهذا أمرٌ منطقي الحدوث. ما يبدو أقل معقولية هو إغلاق الحدود؛ حيث إنه في الوقت الذي يبدو فيه أمراً مناسباً لبعض الناخبين، هو في النهاية لا معنى له عندما ندرك أن منطقة شنغن الأوروبية التي لا يتطلب الانتقال بين دولها أي تأشيرات لمساحة، تغطي 4 ملايين كيلومتر مربع تقريباً، وتشمل 400 مليون شخص، وكثيراً من نقاط العبور البرية والبحرية والجوية. وخاصة عند النظر إلى أنه منذ وصول فيروس كورونا المستجد إلى أراضيها، عبرت أعداد كبيرة من الناس الحدود الداخلية بين دول أوروبا، وقد جلب بعضهم على الأقل العدوى معه. لكن مع ذلك وبشكل عام، هناك بعض المنطق وراء ما يُتَخَذ من إجراءات.
السؤال هو هل أوروبا قادرة كذلك على اتخاذ ما يتطلبه الأمر لتعويض التبعات الاقتصادية الناتجة عن وضع عشرات الملايين من البشر قيد العزل؟ ما بدأ هذا العام كضربة للسياحة وسلاسل التوريد متعددة الجنسيات، تمتد عبر الصين، من المرجح أن يؤثر الآن على كل الصناعات. ويقدر أن تؤثر إجراءات العزل التي اتخذتها إيطاليا على قطاعي السياحة والمواصلات بنسبة 90 في المائة، وتجارة التجزئة بنسبة 50 في المائة، وإنتاج المصانع بنسبة 10 في المائة، طبقاً لما قاله الاقتصادي الحكومي السابق لورينزو كودونيو. كما يتوقع الاتحاد الأوروبي انكماش الناتج الإجمالي المحلي للتكتل بنسبة واحد في المائة في العام الحالي. إن استبدال انتشار فيروس كورونا بركود اقتصادي ووضع مزيد من القيود على الخدمات العامة يبدو أمراً مؤلماً.
لكن الأمر المشجع هو وجود زخم دافع لخطط الإنفاق في حالات الطوارئ، فطبقاً لجريدة «ليزيكو» الفرنسية، فإن الحكومة تتوقع إنفاق ما يفوق 30 مليار يورو (33.4 مليار دولار) لتغطية البطالة الجزئية والضرائب والضمانات الحكومية لقروض المشروعات الصغيرة. ويأتي هذا بعد تعهد ألمانيا بدعم المشروعات، من خلال بنك الائتمان لإعادة الإعمار «كي إف دبليو»، الذي تملكه الحكومة، وخطة إيطاليا لصرف 25 مليار يورو. وتعهدت المفوضية الأوروبية بتوفير مليار يورو ضمانات للقروض من خلال بنك الاستثمار الأوروبي.
ربما ينتهي الأمر بظهور التهديد الأكبر للاستجابة الفعالة للأزمة من الولايات المتحدة، وليس من بروكسل؛ حيث لا يوجد كثير من الأمل في أن تقرب محادثة هاتفية جماعية بين رؤساء الدول الصناعية السبع (جي 7) التي كان من المقرر حدوثها الاثنين بين دول أوروبا والرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اتهمها بنشر الفيروس، والذي قال إن بلاده تحكم السيطرة عليه بشكل «كبير».
وباقتباس كلمات العالم الفرنسي لويس باستير (بشكل غير موفق) فإن الكلمة الأخيرة ستكون للفيروس. فإذا فشل منحنى الإصابات في الانخفاض كما هو مأمول بمرور الوقت، فمن الصعب تخيل أن إنفاق مزيد من المال سيهدئ الناخبين المعزولين في المنازل أو الأسواق المتذبذبة. لكن في الوقت الحالي، هناك بصيص من الضوء وسط الظلام. فخيار أوروبا بتجميد اقتصادها لعلاجه، وحدوث ركود، أمرٌ محتمل، لكن الالتزام المتزايد للحكومات بتوجيه ميزانياتها لعلاج الأزمة لتخفيف الضربة التي وجّهها كورونا هو تطور مرحب به.
وحتى ينتشر هذا في دول العالم بشكل أكبر وأكثر تنسيقاً، فإن أي احتفال بالتغلب على الفيروس سيكون سابقاً لأوانه.

معجزة الصين

هناك قول ينسب لنابليون : «دعوا الصين تنام فإنها إن استيقظت سوف تهز العالم»، وذكر فريد زكريا في كتابه «العالم بعد أميركا» قولا لـ(دينغ زياوبينغ) في عام 1978 وكان رئيساً جديداً للحزب: «ليس مهما إن كانت قطة سوداء أم بيضاء، ما دام أنها قادرة على الإمساك بالفئران فإنها قطة جيدة»، وكان في قوله إشارة قوية إلى البعد عن الآيديولوجيا والتركيز على الوقائع، فقد ركزت الصين في السابق كثيرا على نشر ثقافتها في الدول المحيطة، وتاريخها مليء بالحروب والكراهية والاحتلال بينها وبين دول مجاورة مثل كوريا واليابان وفيتنام وغيرها. ولعل خطابه ذلك كان نقطة تحول في التاريخ الحديث للصين.
فمن ينظر إلى الصين اليوم يكاد لا يصدق أنها ذات الدولة عام 1979، فمنذ ذلك الوقت وحتى الآن زاد متوسط النمو السنوي للصين عن 9 في المائة، وهو معدل غير مسبوق في التاريخ المكتوب، حتى أن الناتج الإجمالي في عام 2019 زاد على 14 تريليون دولار، بعد أن كان 178 مليار دولار فقط في نهاية السبعينات، أي أن الناتج الإجمالي للصين تضاعف 76 مرة، بينما تضاعف حجم الاقتصاد العالمي بين هذين العامين تسع مرات فقط! وخلال هذه الفترة استطاعت الحكومة الصينية انتشال أكثر من 400 مليون شخص من تحت خط الفقر، وتضاعف دخل الفرد في الصين 16 مرة، من ألف دولار في بداية التسعينات إلى 16 ألف دولار (وهو ذات المتوسط العالمي حاليا)، بينما تضاعف متوسط دخل الفرد على مستوى العالم 3 مرات فقط! كما ارتفع معدل الأعمار في الصين من 66 عام 1979 إلى 76، وزادت جودة التعليم وسنواته كذلك في الصين، واستحدثت الحكومة برامج ضخمة للابتعاث، ففي عام 2018، بلغ عدد الطلبة الصينيين خارج الصين أكثر من 660 ألف طالب، حتى مع علم الحكومة الصينية أن نسبة من هؤلاء الطلاب لا ينوون العودة للصين، إلا أنها استمرت في زيادة عدد الطلاب سنة تلو سنة بمعدل زيادة سنوية بلغ 9 في المائة. والصين استطاعت أن تحول نقطة ضعفها (وهي كثرة السكان) إلى نقطة قوة، فالمواطن الصيني ليس عبئا على العالم اليوم كما كان بالسابق، بل يمثل قوة اقتصادية من ناحيتي الإنتاج والطلب، والسوق الصينية نفسها تؤثر على كبريات الشركات العالمية، كل ذلك بفضل ارتفاع مستوى الدخل للمواطن الصيني.
والأثر الذي أحدثته الصين داخل حدودها، ما لبث أن وصل إلى جميع دول العالم، فالصين تصدر في اليوم الواحد الآن أكثر من مجموع ما صدرته طوال عام 1978! وكبريات الشركات العالمية لا تستطيع الاستغناء عن المنتجات الصينية. فشركة (وول مارت) الأميركية صاحبة المركز الأول في قائمة (فورتشن 500) بعوائد سنوية تربو على 500 مليار دولار تستورد ربع منتجاتها من الصين، وشركة (أبل) الثالثة في ذات القائمة تملك 12 مصنعا في الصين بعدد موظفين يفوق 250 ألف موظف. والكثير من الدول الآسيوية المحيطة بالصين تتغذى على قوة الطلب الصيني وارتكاز سلاسل التوريد العالمية عليها.
لم يأبه العالم يوما لما يحدث بالصين مثل ما يهتم الآن، ومصدر هذا الاهتمام أناني بحت، فمصلحة الصين هي مصلحة العالم في الوقت الحالي، وشلل الصين أدى فعليا إلى شلل عالمي. ولم تفعل الصين ذلك بالآيديولوجيا، بل فعلته بقوتها الاقتصادية التي جعلت كل دول العالم تعتمد على المنتجات الصينية. وكأن الصين أدركت أن الاقتصاد هو القوة الأكثر تأثيرا في العالم، فلم تكتسب الصين أهميتها اليوم من قوتها العسكرية – مع عدم إنكار هذه القوة – بل اكتسبتها من مواءمة مصالح الدول معها، وهي لم تزل على نفس المسار حتى هذا اليوم، فاستثماراتها في الدول الأفريقية في تزايد غير منقطع وملأت بذلك الفراغ الذي أحدثته دول الاستعمار، وهي ماضية كذلك في توحيد مصالحها مع مصالح بقية دول العالم، فطريق الحرير الجديد – حتى مع خدمته الواضحة للصين – إلا أن الكثير من الدول تسابقت على الانضمام للصين في هذا المشروع الذي ينشط مناطق اقتصادية في دول عدة. واتضح جليا أثر استمرار الصين في هذه السياسة على مدى العقود الماضية، فالكثير من الدول تأثرت سلبا بالحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، بل حتى الولايات المتحدة نفسها تضررت بشكل كبير – مع بقية دول العالم – من فيروس كورونا المستجد الذي تفشى في الصين، والذي أوضح بشكل لا يمكن الشك فيه، أن ما يؤلم الصين يؤلم العالم بأكمله.

د. عبدالله الردادي.

2020 والنفط عند 20 دولاراً؟

أكثر سؤال تردد خلال الأيام الماضية، هو هل سيصل سعر نفط «برنت» إلى 20 دولاراً في 2020، بعد انهياره إلى 35 دولاراً، أي بنحو الثلث، منذ أن فشلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها في تحالف «أوبك +» في الوصول إلى اتفاقٍ الأسبوع الماضي؟
قبل الحديث عن سعر البترول، لنتحدث قليلاً عن ما جرى في اجتماع «أوبك +»، ولماذا اختلفت روسيا مع «أوبك»، وجرى ما جرى.
كلنا يعلم أن الاقتصاد العالمي الآن يواجه ظروفاً صعبة بسبب وباء «كورونا»، مما جعل «أوبك» تتوقع أن يكون النمو على الطلب في النفط عند مستوى صفر في المائة تقريباً هذا العام. وفي الوقت ذاته عند الأسعار السابقة قبل الاجتماع عند 50 دولاراً، فإن الإنتاج من خارج «أوبك» مرشح للارتفاع بنحو 1.76 مليون برميل يومياً عن مستوى العام الماضي. أي أن السوق يجب أن تشهد تخفيضات بنحو 1.5 مليون برميل على الأقل حتى تتوازن، ويتصدى التحالف لـ«كورونا».
لقد دخل الوزراء إلى الاجتماع في فيينا، وهناك اتفاق واضح بينهم على أن هناك حاجة لاستمرار الاتفاق الجاري بين الدول، والمعمول به حتى نهاية شهر مارس (آذار) الحالي. بموجب هذا الاتفاق، فإن الدول اتفقت في ديسمبر (كانون الأول) على أن يخفضوا إنتاجهم بنحو 1.7 مليون برميل يومياً. ولدعم الاتفاق، تعهدت المملكة بتخفيض إضافي فوق حصتها بنحو 400 ألف برميل، ليصل إجمالي التخفيض إلى 2.1 مليون برميل يومياً.
للأسف لم يتفق الجميع على تخفيض 1.5 مليون برميل يومياً، وانهار الاتفاق، وخرج الوزير الروسي ألكساندر نوفاك، ليعلن للصحافيين أنه ابتداءً من 1 أبريل (نيسان) يحق للجميع فعل ما يرونه مناسباً، وبيع ما يريدون بيعه. وبناءً على هذا، قررت وزارة الطاقة السعودية الطلب من «أرامكو» السعودية إغراق السوق بالنفط السعودي، وتقديم تخفيضات كبيرة للزبائن بواقع 4 إلى 6 دولارات لآسيا، و7 دولارات لأميركا. هذه التخفيضات تخدم هدفين؛ الأول هو الحفاظ على حصة السعودية السوقية، ودعم هوامش التكرير للمصافي التي تعاني من ضعف الطلب عبر الوقود.
قد يقول البعض ما المشكلة إذن؟ حيث إن الأرقام واضحة، وعلى الدول أن تستمر في الخفض. وإذا أضفنا 1.5 مليون برميل إلى 2.1 مليون، فإن الرقم المطلوب لتوازن السوق هو 3.6 مليون برميل يومياً. وسبق لـ«أوبك» في 2008 أن خفضت أكثر من هذا الرقم بدون الرجوع إلى روسيا، وغيرها، عندما اتفقت «أوبك» في وهران على خفض 4.2 مليون برميل يومياً في ذلك العام لتفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية.
ما الذي تغير، ليجعل الدول تضحي بدخل كبير لها، وترك الأسعار تنهار؟ المشكلة هي أن بعض الدول لا تلتزم بالتخفيضات، وفي حالة الوصول إلى اتفاق جديد ستكون السعودية التي تتحمل كامل العبء. كما أن السوق تغيرت، ففي عام 2008 لم يكن هناك إنتاج مهم من خارج «أوبك»، وكانت «أوبك» هي صاحبة الطاقة الإنتاجية المؤثرة. أما اليوم فإن المنتجين زادوا، وأي تخفيض من «أوبك» لا يقابله تخفيض من خارج «أوبك»، معناه فقدان حصة سوقية لا أكثر، لأن الأسعار لن تتغير، وبهذا تفقد «أوبك» الأسعار والحصة مثلما حصل في منتصف الثمانينات.
لهذا لم يكن لدى السعودية ما تفعله في الاجتماع الماضي سوى أن تدافع عن حصتها. وفي ضوء هذا بدأ الجميع الدفاع عن الحصص، وإطلاق حرب الأسعار من خلال التخفيضات. لكن روسيا لا تستطيع الصمود في حرب حصص سوقية على الأرض مع السعودية، لأن روسيا لن تتمكن من إضافة أكثر من 200 ألف برميل في أبريل، حسب تصريحات نوفاك، أمس الجمعة، فيما ستضيف المملكة عشرة أضعاف هذا الرقم للسوق.
السؤال المنطقي هو: لماذا لم تشارك روسيا بعد كل هذا؟ الإجابة المنطقية الوحيدة هي أن روسيا لديها تصفية حسابات مع منتجي النفط الصخري في أميركا، الذين يتحكمون اليوم في السوق، وينافسون روسيا في آسيا، ولو بصورة بسيطة. ولو تمكنت روسيا من ضرب النفط الصخري، فسيكون لها ورقة تفاوض كبيرة مع الرئيس الأميركي، لأن غالبية شركات النفط الصخري في تكساس؛ وهي إحدى أهم الولايات في السباق الرئاسي الأميركي.
إن تكلفة إنتاج برميل النفط في روسيا بين 10 إلى 12 دولاراً (12 دولاراً لشركة «روسنفت» الأكبر هناك)، بينما تصل في السعودية ما بين 3 إلى 4 دولارات، ولكن المشكلة في أسعار تعادل الميزانيات هذا العام، حيث تحتاج روسيا 42 دولاراً للبرميل، وتحتاج السعودية وكثير من دول «أوبك» ضعف هذا الرقم… ولهذا فإن الهبوط لا يضر الإنتاج، ولكن يضر الميزانيات.
والآن هل سيصل سعر برنت إلى 20 دولاراً؟ لا، لأن أرضية الأسعار يحددها المنتجون الهامشيون، وهؤلاء اليوم تكلفة إنتاجهم تظل في حدود 35 دولاراً على الأقل. لكن مع التخفيضات الحالية، فإن سعر بيع السعودية لخامها العربي الخفيف إلى أوروبا وغيرها سيصل إلى العشرينات، وسيذهب كل هذا النفط الرخيص إلى المخزونات مع انخفاض الطلب.

وائل مهدي.

لماذا يصعب التنبؤ بالاقتصاد في أميركا؟

شهد الاقتصاد الأميركي أبطأ انتعاشة له من حالة الركود منذ زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكلما طال أمد التباطؤ زاد الدليل على أن الأنماط الدورية الطبيعية مفقودة، ويعني غياب تلك الأنماط أن المشاركين في السوق لا ينبغي عليهم الاعتماد عليها للتنبؤ بمستقبل الاقتصاد.
فقط فكر في ذلك العديد الذي لا يحصى من التطورات غير النمطية، أو حتى في عكس السلوك الطبيعي في السوق المالية والاقتصادية. فقد تحول «الفيدرالي» الأميركي من تخفيف الائتمان إلى تشديده بعد فترات الركود، مع رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية المستهدفة عادة في غضون عام أو نحو ذلك بعد أدنى فترة ركود، مما يعجل من حدوث الانكماش الاقتصادي القادم. هذه المرة، أبقى البنك المركزي سعر سياسته عند أدنى مستوى له من الركود عند الصفر حتى ديسمبر (كانون الأول) 2015 بعد 78 شهراً من الانتعاش. وبعد ذلك، تحديداً بعد زيادة بمقدار تسع نقاط مئوية، انعكس المسار بداية العام الجاري بثلاثة تخفيضات في نسب الفائدة.
بعيداً عن المخاوف العادية لمجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن الاقتصاد المحموم والتضخم، يخشى البنك المركزي أن تتسبب أسعار المستهلكين المنخفضة في زيادة التوقعات بحدوث انكماش. سيضطر المشترون الى الانتظار تحسباً لتراجع النسبة، وسيزداد المخزون والقدرة الإنتاجية الزائدة، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار. إن تراجع الأسعار وتأخير عمليات الشراء يؤكد تلك الشكوك، مما يتسبب في حدوث دوامة من الانكماش الاقتصادي.
كذلك على الرغم من الانخفاض في معدلات الرهن العقاري الثابتة على مدار 30 عاماً من 6.8 في المائة في يوليو (تموز) 2006 إلى 3.7 في المائة الحالية، بدأت المساكن المصممة لأسرة واحدة في التراجع. فقد تراجع السعر من 1.8 مليون دولار في يناير (كانون ثاني) 2006 إلى 350 ألف دولار في مارس (أذار) 2009 مع انهيار سوق الرهن العقاري عالي المخاطر، لكنها عادت الى الارتفاع لتقف عند سعر 940 ألف دولار فقط.
تم تشديد معايير الإقراض العقاري ولم يكن لدى مشتري المنازل لأول مرة في البداية المدفوعات المسبقة اللازمة. فقد تراجعت القيمة الصافية للأسر ضمن الفئة العمرية ما بين 18 – 34 عاماً من 120 ألف دولار عام 2001 إلى 90 ألف دولار عام 2016، أي بنسبة 44 بسبب التضخم.
في حالات تعافي الأعمال خلال الفترة الماضية، انخفض معدل ادخار الأسر في الولايات المتحدة حيث زاد الإنفاق الاستهلاكي بشكل أسرع من الدخل. وفي هذا التوسع، حدث العكس، حيث قفز من 4.9 في المائة إلى 7.9 في المائة في نوفمبر (تشرين ثاني)، مما أدى إلى تأخير الإنفاق.
في طفرات الأعمال السابقة، فإن انخفاض معدل البطالة لأي مستوى مثل الانخفاض من 10 في المائة في أكتوبر (تشرين أول) 2009 إلى نسبة 3.5 في المائة الحالية كان من شأنه أن يؤدي إلى تضخم كبير في الأجور. هذه المرة، فإن الأجور الحقيقية تنمو بالكاد. ومع نمو اقتصاد «عند الطلب» – مثل شركة «أوبر تكنولوجيز» – فإن الكثير من الناس يعملون في التجارة المرنة خلال ساعات العمل مقابل أجر منخفض. في حين أن الوظائف الثابتة الراتب تنحصر في الغالب في القطاعات ذات الأجور المنخفضة مثل تجارة التجزئة والترفيه والضيافة.
لسنوات طويلة، ظلت السياسة الخارجية تعتمد على الحزبين واعتبر توسيع التجارة أمراً مرغوباً فيه. الآن جرى التغلب على العولمة من قبل الحمائيين، مدفوعين في ذلك من قبل الناخبين الذين أزعجتهم القوة الشرائية الراكدة وارتفاع الدخل وعدم المساواة في الأصول في دول مجموعة السبع. وكان انتخاب ترمب في 2016، إلى جانب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من ضمن النتائج. وهناك أيضاً زوال الصفقات التجارية العالمية التي يتم الاستبدال بها اتفاقيات ثنائية أو بدون اتفاقيات على الإطلاق.
لا شك في أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيستمر لأن الصين تحتاج إلى تقنيات غربية لتنمو وتحقق طموحاتها القيادية في جميع أنحاء العالم. لكن الولايات المتحدة تعارض عمليات نقل التكنولوجيا التي تريدها الصين.
وقد شجع انخفاض الدولار من عام 1985 حتى عام 2007 على زيادة الصادرات الأميركية وكبح جماح الواردات وزاد من أرباح الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر الدولار بواقع 33 في المائة وسط زيادة الطلب العالمي على زيادة الأصول في الملاذات الآمنة، وهو ما يجب أن يستمر نظراً للنمو الأسرع نسبياً للاقتصاد الأميركي، وأسواقه المالية الضخمة والحرة والمفتوحة.
لقد تراجع التضخم منذ عام 1980 لكن أسعار الفائدة الحقيقية ظلت إيجابية حتى العقد الماضي. لكن على مدى 10 سنوات حتى الآن، ظلت عوائد سندات الخزانة الحقيقية ثابتة عند مستوى الصفر. في وقت سابق، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يديره خبراء اقتصاد حاصلون على درجة الدكتوراه تشبثوا بالنظريات الشائعة على الرغم من عدم نجاحها. وقد أثبت رئيس مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أنه أكثر واقعية وعملية بكثير، حيث ابتعد عن سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الجامدة.
في ظل هذا المناخ الاقتصادي المختلف، فإنه من الصعب تحديد وقت الانتعاش الحالي. ومع ذلك، سينتهي هذا الأمر إما بسبب زيادة الاحتياطي الفيدرالي أو الأزمة المالية مثل أزمة dot-com 2000 أو انهيار الرهون العقارية عالية المخاطر في 2007-2009.
لا توجد أزمات مالية في الأفق، لكن هناك احتمالات بحدوث بعضها بسبب الديون الزائدة في الصين والديون بين الشركات الأميركية، وتصاعد الحرب التجارية، وتقليص حجم الاستهلاك مما يؤدي إلى انكماش واسع النطاق، وأرباح الشركات المخيبة للآمال قياسا الى أسعار الأسهم المرتفعة. فقط راقب الاختلالات المحددة، وليس الأنماط السابقة المعتادة.

غاري شيليبج.

وضع حد للنمو الاقتصادي من الأخطاء الفادحة

من بين الأفكار الخبيثة التي تجد رواجاً هذه الأيام واحدة تتعلق بأنه يتعين على المجتمعات التدخل طواعية لإيقاف نموها الاقتصادي. وفي مقالة نشرتها مجلة «نيويوركر» الأسبوعية الأميركية يسرد جون كاسيدي ظهور حركة تراجع النمو المزعومة. وتجد هذه الفكرة اهتماماً من جانب دعاة حماية البيئة الذين تساورهم المخاوف بشأن تدمير الكوكب، ودعاة المساواة الذين يخشون من النمو الذي يقضي على الفقراء في طريقه، ودعاة المستقبل الذين يتصورون المجتمع الترفيهي المثالي، وما إلى ذلك. وربما يكون تراجع النمو وسيلة من وسائل المواطنين الأثرياء، والبلدان المتدهورة للحفاظ على فخرهم من خلال ملاحقة ركب المجتمعات الصاعدة، حيث إنها تضفي طابع الفضيلة المثالية على التباطؤ الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن حركة التراجع الاقتصادي تشتمل على بعض شذرات من الحكمة، إلا أنها تستند بالأساس إلى عدد من المفاهيم الخاطئة بشأن ماهية النمو الاقتصادي الحقيقية ولماذا يعتبر مرغوباً فيه على الدوام.
أولاً، من المهم أن نتفهم اهتمام الساسة الهائل بالنمو الاقتصادي. بالنسبة إلى الدول النامية، يتعلق الأمر برفع مستويات المعيشة. لكن بالنسبة إلى البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة، فإن السبب الكبير في اهتمام الساسة المنتخبين بالنمو الاقتصادي يكمن في ارتباطه بانخفاض معدلات البطالة. فإن النمو السريع يعني المزيد من الاستهلاك والاستثمار، ويعني زيادة الطلب على العمالة، مما يعني أيضاً المزيد من الوظائف وارتفاع الأجور. لذلك، عندما يتحدث رؤساء الولايات المتحدة أو المشرعون عن النمو الاقتصادي، فلا يتعلق الأمر بارتفاع مستويات المعيشة وإنما يتعلق بالوظائف في المقام الأول.
والمفهوم الخاطئ الثاني بشأن تراجع النمو يتعلق بأن النمو يتطلب استهلاك المزيد من الموارد الطبيعية الخام لتغذية الصناعات التحويلية والنهم الذي لا يشبع. وفي واقع الأمر، يعني النمو في المعتاد صناعة الكثير بالقليل من الموارد. وفي العقود الأخيرة، وحتى مع النمو المستمر في اقتصاد الولايات المتحدة، ظل استخراج العديد من الموارد الطبيعية على منوال ثابت تقريباً وربما منخفض بعض الشيء. على سبيل المثال، ارتفع استخدام المعادن في الصناعات الأميركية وبلغ ذروته القصوى مرتين فقط خلال العشرين عاما الماضية.
ويحدث هذا الأمر لعدة أسباب. تتحول طلبات المستهلكين من السلع المادية إلى الخدمات، بما في ذلك الخدمات الالكترونية عبر الانترنت. ويسمح الابتكار بالمزيد من الاستخدامات الفعالة للموارد. ويمكن للتقنيات المستدامة مثل الطاقة الشمسية أن تحل محل التقنيات الملوثة للبيئة وغير المتجددة مثل استخدامات الفحم والغاز الطبيعي. وفي بعض الأحيان يكون النمو هو السبب الرئيسي في انخفاض الاعتماد على الموارد، مثلما يقوم المزارعون بتطبيق تقنيات الري الحديثة أو عندما يجري استبدال المصانع التي تعمل بالطاقة الشمسية بأخرى تعمل بالفحم.
وذلك هو السبب في أن فكرة عدم استمرار النمو الاقتصادي إلى الأبد هي فكرة خاطئة بالأساس. فسوف تنفجر الشمس في نهاية الكون، ولكن قد يستمر النمو لفترات طويلة جداً حتى حدوث ذلك.
ولكن لا تعني إمكانات استدامة النمو أن محاولات تعظيمه للغاية من الأفكار الحكيمة على الدوام؛ إذ يعد الناتج المحلي الإجمالي من المقاييس العديدة لحساب رفاهية الإنسان، وغالباً ما يكون من المنطقي أن يركز المجتمع على تحسين الصحة، أو مكافحة عدم المساواة، أو تشجيع الترفيه. وكما يوضح أحد خبراء الاقتصاد، فإن تباطؤ النمو قد يكون علامة على النضج الاقتصادي بدلاً من الضعف. وفي الاقتصاد العالمي السليم، تميل الدول المتقدمة إلى النمو البطيء أكثر من البلدان النامية. والخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم، التي يميل الناس في البلدان الغنية إلى الزيادة فيها، يكون نموها الإنتاجي منخفضاً في البلدان النامية.
ومع ذلك، هناك سبب مهم للغاية في متابعة النمو الاقتصادي البلدان الفقيرة في حاجة إليه. وعلى الرغم من أن أغلب العالم قد نجا من الفقر المدقع بصورة من الصور، فإنه لا يزال موجوداً بعض الشيء، ويتركز في بلدان مثل نيجيريا التي تعاني من النمو الاقتصادي البطيء. ولا يزال العديد ممن يعيشون في مثل تلك البلدان لديهم مستويات معيشية يمكن اعتبارها منخفضة بصورة غير معقولة من زاوية البلدان المتقدمة، فربما يملكون ما يكفي من الموارد الغذائية، ولكنهم غالباً ما يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، وإلى الكهرباء، والسكن المناسب، والرعاية الصحية، ووسائل النقل الفعالة، والعديد من الأمور الأخرى.
لذلك، ومن أجل الشعوب، تحتاج البلدان النامية إلى مواصلة النمو الاقتصادي. ومن أجل البيئة أيضاً، يسهل على البلدان الغنية تحمل تكاليف انخفاض التلوث، والتوقف عن حرق الغابات، وحظر استخدام المواد الكيماوية التي تسمم الحياة البحرية، وما شابه ذلك. ومن المفارقات، أنه كلما انخفضت ثروة أي بلد، ارتفعت الاحتياجات الاقتصادية وتأخذ الأولوية على حساب حماية الموارد البيئية.
لكن البلدان الفقيرة لا تنمو في الفراغ، إذ توفر الاقتصادات المتقدمة المصدر الحيوي للطلب على السلع المنتجة في البلدان الفقيرة مثل بنغلاديش، وفيتنام، وإثيوبيا، الأمر الذي يساعد هذه البلدان على زيادة الإنتاجية والانتقال إلى مصاف الدول الغنية. كما أن النمو في البلدان المتقدمة يخلق التقنيات الحديثة – مثل الطاقة الشمسية، والبطاريات، والمواد الكيميائية الصديقة للبيئة – والتي تسمح للبلدان النامية بإنتاج المزيد بأقل الخامات والموارد.

نوح سميث.