أرشيف التصنيف: أخبار النفط

تحليل- أوبك+ حريصة على كبح قطاع النفط الصخري الأمريكي مع ارتفاع سعر النفط

عندما اتفقت منظمة أوبك وروسيا وحلفاؤهما في أبريل نيسان على خفض إنتاج النفط لم يكن أي منهم يتوقع أن تلقى تلك المبادرة الرامية لرفع أسعار النفط المنهارة الدعم من انخفاض سريع في الإنتاج الأمريكي.

والآن وبعد انتعاش النفط بفضل هذه التخفيضات من مستواه دون 20 دولارا للبرميل إلى أكثر من 40 دولارا أصبحت مجموعة الدول المعروفة باسم أوبك+ تواجه تحديا جديدا يتمثل في منع إنتاج النفط الصخري الأمريكي من تحقيق مفاجأة أخرى من خلال الارتفاع بالسرعة نفسها.

قال مصدر روسي مطلع على مباحثات أوبك+ في هذا الشأن ”الخطة هي الالتزام بأسعار بين 40 و50 دولارا للبرميل لأنها بمجرد أن ترتفع مرة أخرى، لنقل إلى 70 دولارا للبرميل، فستشجع على زيادة الإنتاج بما في ذلك إنتاج النفط الصخري الأمريكي“.

وقالت مصادر في أوبك+ لرويترز يوم الأربعاء إن روسيا والسعودية توصلتا إلى حل وسط لكي يُمدد إلى شهر يوليو تموز العمل بتخفيضات الإنتاج الحالية التي تبلغ 9.7 مليون برميل يوميا وتعادل عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.

وكان من المقرر أن تستمر تلك التخفيضات خلال شهري مايو أيار ويونيو حزيران على أن يبدأ تقليصها تدريجيا.

وقال مصدران مطلعان على مباحثات أوبك+ إن المخاوف من انتعاش إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي ظهرت بالفعل بوادر على عودته كانت من الأسباب التي دفعت موسكو إلى تأييد إطالة أمد التخفيضات إلى يوليو تموز بدلا من الموافقة على تمديد أطول.

وفي الماضي، كانت منظمة أوبك وشركاؤها يرسمون السياسة لعدة أشهر على الأقل غير أن كريستيان مالك من جيه.بي مورجان قال إن النهج الشهري هو ”أهون الضررين“ مع انتعاش الطلب العالمي بعد انهياره بسبب أزمة فيروس كورونا.

وقال ”السعودية وروسيا في مرحلة الحد من الضرر. فالأمر لا يتعلق فقط بقياس الطلب. بل بمتابعة النفط الصخري الأمريكي على أساس شهري حتى لا يتم السماح له بالانتعاش مرة أخرى بسرعة“.

وفي السنوات الأخيرة، حتى مع دعم تخفيضات أوبك+ الإنتاجية للأسعار، صعد الإنتاج الأمريكي من النفط الخام وغيره من السوائل ليصل إلى 20 مليون برميل يوميا. إلا أن انهيار الأسعار هذا العام دفع الإنتاج الأمريكي للتراجع بما يصل إلى مليوني برميل في اليوم خلال أبريل نيسان وفقا لبعض التقديرات إذ أن السعر الذي تتعادل عنده تكاليف الإنتاج لمنتجي النفط الصخري في حدود 50-70 دولارا للبرميل.

ويشهد الطلب العالمي على النفط، الذي هوى بمقدار الثلث في أبريل نيسان، انتعاشا بطيئا مع تخفيف القيود التي فُرضت لاحتواء الفيروس. ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب العرض في يونيو حزيران.

غير أن المخزونات العالمية لا تزال وفيرة وذلك بعد توجيه مليار برميل من النفط إلى التخزين عندما وجد المنتجون صعوبة في العثور على مشترين.

وقالت امريتا سن الشريكة المؤسسة لشركة إنرجي آسبكتس ”السوق في حالة سيولة وفي ضوء الغموض الذي يكتنف مسار انتعاش الطلب في مواجهة مخاطر ظهور موجة ثانية من الإصابة بالفيروس يجب على أوبك أن تظل سريعة الحركة“.

وأضافت ”بالسير على هذا النهج الشهري يجعلون الجميع يقفون على أطراف أصابعهم الأمر الذي يجعل الاستثمار صعبا على الآخرين“.

وقال بوب مكنالي مؤسس مجموعة رابيدان إنرجي إن موسكو والرياض شعرتا بما يكفي من القلق إزاء التوقعات بما دفعهما إلى تمديد تخفيضات الإنتاج.

وأضاف ”لكن ما من شك في أن الصعود غير المتوقع للنفط مع وقف الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع في أمريكا الشمالية قلل مستوى القلق“.

مرحلة مضطربة في أسواق النفط لا تسمح بتوقعات دقيقة

تلقي المرحلة التاريخية الصعبة لفيروس «كورونا» المستجد ظلالها المضطربة والمتباينة على مجمل الاقتصاد العالمي، ومنه القطاع النفطي. فتتناقض أو تتغير المعلومات والتوقعات يوميا خلال هذه الفترة حول أوضاع الأسواق النفطية. فمن ناحية، وكما توقع المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، فإن تقليص إجراءات الحجز المنزلي في دول عدة أخذ يعيد الصحة للأسواق النفطية. لكن حذر بيرول في نفس الوقت أن التحسن في الأسواق هذا هو «تدريجي» و«هش». واستبعد بيرول في تصريحاته لوسائل الإعلام إمكانية إعادة تجربة شهر «أبريل الأسود»، حيث تدهورت أسعار النفط الأميركي المستقبلية إلى أقل من الصفر، وهي الأسوأ في تاريخ الصناعة النفطية.
يتوجب أخذ الحذر من التوقعات القصيرة الأمد. فهناك نقص فاضح في المعلومات عن فيروس «كورونا» المستجد. ولا يتوفر حتى يومنا هذا اللقاح للحد من انتشار الفيروس ولا الدواء لمعالجة المصابين. كما يجب الأخذ بنظر الاعتبار بعض المتغيرات التي ستحصل نتيجة الحجر في البيوت. فهل سيتقلص السفر الجوي لرجال الأعمال خلال هذا العام، وتستبدل الاجتماعات المشتركة من خلال «المؤتمرات الهاتفية» الجارية الآن. وهل ستحاول المؤسسات الدولية تغيير طريقة اجتماعاتها من سفر المشاركين من أرجاء العالم للمساهمة في اللقاءات، أم الاكتفاء بـ«المؤتمرات الهاتفية» لتقليص النفقات في هذا الوضع الذي تعاني منه العديد من المؤسسات من تقليص في موازناتها. وما تأثير هذه المؤشرات المحتملة على السفر الجوي ووقود الطيران. وهل سيعم الاطمئنان لدى السكان في السفر بمركباتهم أو الطيران لمناطق سياحية داخل بلادهم أو خارجها واستخدام الفنادق. لقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي تجربة محاولة الانفتاح السياحي داخل مجموعة دول الاتحاد، ومن السابق لأوانه الكلام عن النتائج الآن. فهناك خوف حقيقي عند المواطنين في مختلف أرجاء العالم نتيجة فقدان اللقاح والدواء.
يتوجب الحذر خلال هذه المرحلة الصعبة من التوقعات، إذ يمر العالم بفترة غير مسبوقة من عدم الاستقرار الصحي والنفسي وما نتج عنهما من انكماش اقتصادي عالمي. لكن يتوجب أيضا التمعن بدقة في معنى وأهمية المعلومات المتوفرة. وما النقاش الجاري في مختلف دول العالم ما بين المؤسسات الطبية المتخصصة والمسؤولين السياسيين في هذا البلد أو ذاك حول كيفية ومدى تقليص الحجز إلا مثال لما يمكن أن نشاهده لأشهر مقبلة، في غياب اللقاح والدواء. ومن حسن الحظ أن صحة الإنسان قد أخذت الأولوية هذه المرة. وأن الأطباء المتخصصين يلعبون دورا مهما في اتخاذ القرارات تحت سقف شعار «صحة الإنسان أولا». كما أن هناك النزاع والمنافسة ما بين الدول الكبرى حول تحديد مصير الجائحة وما هو العلاج لها وما مدى التعاون في القضاء عليها عند نشوبها، ما هذه الخلافات إلا مؤشرات لنزاعات جديدة إما داخل الدول الصناعية نفسها، كما هو الأمر داخل الاتحاد الأوروبي، وإما الخلاف المتنامي ما بين الولايات المتحدة والصين وإمكانية تطوره إلى حرب باردة شبيهة بما طرأ على العلاقات الغربية – السوفيتية بعيد الحرب العالمية الثانية. وهناك لا تزال مناطق جديدة يمكن أن تغزوها الجائحة كالدول الأفريقية أو تنتشر بشكل أوسع كما هو الأمر في روسيا. وهناك خوف ألا تتخذ الإجراءات المشددة لفحص المواطنين العائدين من الخارج، كما هو الأمر في بعض الدول، حيث نلاحظ زيادة الإصابات نظرا لعدم دقة الفحوص الطبية اللازمة أو الانكفاء في البيوت للمدة المطلوبة للعائدين إلى بلادهم. هذه جميعها تطورات يتوجب أخذها بنظر الاعتبار عند دراسة تأثير الجائحة على العلاقات الدولية مستقبلا، وما مدى تأثيرها على «العولمة» وانفتاح التجارة الدولية، مقارنة بالدعوات المتعددة لسياسة «الحمائية» الانكفائية النقيضة للعولمة ومدى تأثيرها على التجارة العالمية. إننا أمام انتكاسة اقتصادية عالمية، حيث هناك شح للموارد المالية بسبب معاناة عام 2020، من ثم يتوجب الحذر في دقة التوقعات.
صرح السيد بيرول الأسبوع الماضي، أن أسواق النفط تتجه بسرعة أكثر مما كان متوقعا سابقا للعودة إلى توازن العرض والطلب، هذا التوازن الذي أفقد استقراره فيروس «كورونا» المستجد. وتأكيدا لهذا الكلام، أشار التقرير الشهري الأخير لوكالة الطاقة الدولية لأسواق النفط إلى أن الطلب على النفط بدأ يزداد مرة أخرى، فبدلا من التوقعات السابقة بانخفاض الطلب العالمي نحو 9.3 مليون برميل يوميا، فإن التوقعات الآن تشير إلى انخفاض الطلب نحو 8.6 مليون برميل يوميا لعام 2020.
في نفس الوقت صرح بيرول «نجد مؤشرات أولية لإعادة توازن تدريجي لميزان العرض والطلب في أسواق النفط. والسبب في هذا هو عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية وأعمالهم تدريجيا مع التقليص التدريجي للحجوزات في البيوت». كما أخذ يتبين أنه رغم تدهور الطلب على وقود المواصلات من بنزين وديزل ووقود الطيران استمر الطلب مستمرا على المنتجات البترولية في الصناعات البتروكيماوية. وبالنسبة للإنتاج، فقد بدأ تنفيذ اتفاق مجموعة «أوبك بلس» بتخفيض 9.7 مليون برميل يوميا في 1 مايو (أيار) كما كان متفقا عليه. وقررت السعودية تخفيضا طوعيا إضافيا بنحو مليون برميل، مما يعني أن معدل إنتاجها سيكون نحو 7.50 مليون برميل يوميا. كما انخفض الإنتاج النفطي لدول غير أعضاء في مجموعة «أوبك بلس» كالولايات المتحدة وكندا وغيرهما مثل البرازيل والنرويج حوالي 3 ملايين برميل يوميا. يعني هذا أن مجموع انخفاض الإمدادات النفطية منذ بداية الشهر الجاري قد بلغت نحو 12 مليون برميل يوميا ليصبح مجموع الإنتاج العالمي حوالي 88 مليون برميل يوميا (وهو أقل معدل للإنتاج منذ تسعة أعوام)، مقارنة بنحو 100 مليون برميل يوميا قبل نشوب الجائحة.
تزامن الإعلان عن الأرقام أعلاه، مع خفة الضغط على معدلات التخزين، فقد انخفض كثيرا التخزين في الناقلات العائمة، وتوجه التخزين بدلا عن ذلك إلى مستودعات التخزين الاستراتيجي والخزانات التجارية الثانوية، الأمر الذي ساعد بدوره في تحسن الأسعار الأسبوع الماضي.

وليد خدوري.