أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

إرنستو غادر مذهولاً: لا مــثيل لما شاهدته

خطف الاتفاق المبدئي بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي الأضواء، ورغم انّ البعض خاب ظنّه في حجم المبلغ الذي جرى تخصيصه لتنفيذ خطة للتعافي الاقتصادي، الّا انّ المشكلة، إن وجدت، لا تكمن في هذه النقطة بالذات، بل في مكان آخر.

كثيرة هي الملاحظات التي يمكن إيرادها في معرض التعليق على الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي. لكن هناك عناوين اساسية لا بدّ من التركيز عليها، لأنّها تبقى الأساس الصالح لتقييم النتائج التي قد ينتهي اليها هذا الاتفاق. والإجابة عن هذه العناوين-الأسئلة، يمكن ان تقود الى الإجابة عن السؤال الأهم: هل بدأت مسيرة الخروج من الأزمة، أم لا؟

 

في سرد الملاحظات على هامش الاتفاق، وطريقة الوصول اليه، يمكن إيراد النقاط التالية:

 

اولاً- «تنازل» صندوق النقد عن بعض الشروط المسبقة التي كان حدّدها لعقد اتفاق مبدئي، ومن بينها على سبيل المثال، إقرار قانون «الكابيتال كونترول» وموازنة العام 2022. وقرّر الصندوق إضافة هذه الشروط المسبقة على لائحة الشروط المؤجّلة، بمعنى الاكتفاء بوعد من السلطات اللبنانية بتنفيذها لاحقاً قبل موافقة إدارة الصندوق على برنامج التمويل. وفي تفسير أسباب هذا «التنازل»، يبدو انّ الامر يرتبط اولاً بحرص الصندوق بما يمثل (المجتمع الدولي)، على عقد الاتفاق مع لبنان بأي ثمن لمنع الانهيار التام للبلد. وهذا المشهد شهدنا مثيلاً له في مؤتمر «سيدر»، حين خفّض السفير الفرنسي بيار دوكان مستوى الشروط الى حدّ الاكتفاء بمطالبة السلطات اللبنانية فقط بتشكيل هيئة ناظمة للكهرباء مقابل البدء في الإفراج عن الاموال. ومع ذلك لم تنفّذ السلطات اللبنانية هذا المطلب اليتيم. وثانياً، لأنّ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم وفد الصندوق برئاسة إرنستو راميريز ريغو، اقنعوه بأنّ إقرار «الكابيتال كونترول» والموازنة قبل الانتخابات من المستحيلات بسبب المعارضة الشعبية لبعض البنود في القانونين. وبالتالي، يصبح الامر ممكناً اذا منح الصندوق اتفاقاً مبدئياً يجعل إقرار القانونين اسهل على النواب المرشحين، لأنّ ردود الفعل الشعبية ستكون متقبّلة اكثر للوضع بوجود اتفاق يمكن ان يشكّل بداية الخلاص من الأزمة. وبالمناسبة، صارح راميريز ريغو المسؤولين، بأنّ ما يراه في لبنان مُذهل. إذ انّ صندوق النقد اعتاد مناقشة البرامج الإنقاذية، لا قوانين «الكابيتال كونترول»، لأنّ هذه الخطوة غالباً ما تتخذها الدول التي تواجه أزمات قبل وصول صندوق النقد اليها. في حين اننا في لبنان أمضينا فترة طويلة في مناقشة هذا القانون الذي كان ينبغي فرضه في الأيام الاولى للأزمة في العام 2019.

 

ثانياً- لا يزال الغموض يكتنف تفاصيل الخطة التي تعهّدت الدولة بتنفيذها في إطار الحصول على التمويل. وحتى الجزئية المرتبطة بتوزيع الخسائر، والتي تسرّبت أو سُرّبت سابقاً، وتعرّضت لوابل من الاعتراضات والانتقادات، ليس معروفاً بعد إذا ما كان قد جرى تغييرها. وبالمناسبة ايضاً، استغرب راميريز ريغو، انّ كل القطاعات الاقتصادية غير مُطّلعة على الخطة، في حين انّ المطلوب إطلاع كل شرائح المجتمع عليها لتلقى القابلية وتسهيلاً لإقرارها من دون التسبّب بأزمات شعبية.

 

ثالثاً- ذُهل راميريز ريغو بحجم الإنكار واللامبالاة على مستوى المسؤولين اللبنانيين حيال عمق وخطورة الأزمة. وقد صارح من التقاهم، انّ صندوق النقد الذي يعطي الاولوية دائماً لمكافحة الفساد في أي خطة إنقاذ، مقتنع اليوم بأنّ الأولوية في لبنان ينبغي ان تكون لإجراءات مالية سريعة لوقف الهبوط المريع، ومن ثم يمكن التفرّغ لمشروع مكافحة الفساد.

 

رابعاً- من خلال الشروط المسبقة التي وضعها الصندوق لإقرار برنامج التمويل، وهو من فئة الـEFF المتخصّص في دعم الدول التي تعاني من أزمات مزدوجة في ميزان المدفوعات وفي العجز الهيكلي المزمن، ينبغي التركيز على البند الاول المتعلق بإعادة هيكلة البنوك، والذي يتحدث عن حماية المودعين الصغار، والحدّ من اللجوء الى الموارد العامة. وهذه العبارة، تعني على الأرجح انّ الصندوق ليس مؤيداً لفكرة ان تشارك الدولة بفعالية في عملية سد الفجوة المالية. وهذا يؤكّد انّ المودعين «الكبار» سيدفعون ثمناً باهظاً في عملية توزيع الخسائر. وبالتالي، من المرجّح ان تكون خطة الحكومة لتقسيط دفع الودائع لمدة 15 أو 20 سنة غير مقبولة.

 

خامساً- انّ برامج التمويل من فئة الـEFF يتمّ تحديد المبلغ المخصّص لكل دولة، بالإضافة الى مبدأ الكوتا، الى معيارين: حاجة الاقتصاد للتعافي، وقدرة هذا الاقتصاد على تسديد القرض والإقلاع. وبالتالي، هذان المعياران يفسّران لماذا المبلغ الذي أُقرّ متواضع نسبياً، لأنّ حجم الاقتصاد اللبناني صار أصغر، ولأنّ عمق الأزمة البنيوية يحول دون قدرة هذا الاقتصاد على تحمّل قروض اكبر من تلك التي تمّ التوافق عليها. وبالتالي، لو انّ هذه المفاوضات جرت في بداية الأزمة، لأمكن الحصول على مبالغ اكبر، لأنّ الاقتصاد في وضعه السابق، ومن خلال الاحتياطي الذي كان متوفراً، كان قادراً على الإقلاع وتحمّل سداد قروض اكبر.

أنطوان فرح

 

 

كبير اقتصاديي معهد التمويل: إعادة هيكلة النظام المالي أصعب جزء في برنامج الصندوق

أصدر كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي د. غربيس إيراديان توقعات معدّلة للاقتصاد اللبناني، بعد توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، في تقرير أعدّه تحت عنوان: «اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي – دعوة للعمل تتخلّلها عقبات وتحدّيات».

إعتبر ايراديان انّ الاتفاق مع الصندوق على مستوى الموظفين (SLA) يمنح بصيص أمل، بعد توصّل وفد صندوق النقد الدولي والسلطات اللبنانية إلى تفاهم حول السياسات الرئيسية والإصلاحات الهيكلية التي يمكن دعمها من خلال برنامج تمويل الصندوق (EFF) الممتد لـ 46 شهراً، والذي يؤمّن حوالى 3 مليارات دولار. مشدّداً على انّ هذه الاتفاقية قد تخضع لموافقة إدارة صندوق النقد الدولي والمجلس التنفيذي، إذا تمّ تنفيذ الإجراءات المسبقة في الوقت المناسب، والمتعلّقة بـ:

 

– إعادة هيكلة القطاع المالي.

– تنفيذ إصلاحات مالية مع التركيز على تأمين إيرادات إضافية.

– إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، ولا سيما مؤسسة كهرباء لبنان.

– تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد.

– إنشاء نظام نقدي وسعر صرف موثوق يتسم بالشفافية.

 

وأشار الى ضرورة صياغة إطار الاقتصاد الكلي على أساس جدول زمني واضح، لتنفيذ الاصلاحات المالية والنقدية والادارية العامة المطلوبة.

 

ولفت ايراديان الى انّ الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية تعود جذورها إلى تاريخ طويل من سياسات الاقتصاد الكلي غير المتسقة، والمحاولات الفاشلة لمعالجة تشوهات السياسات الاقتصادية. في حين تعكس هذه الإخفاقات السياسية الأساسية، العوامل الاقتصادية والفساد العام المتفشي الناجم عن نظام طائفي مختل، وتدخل في النظام القضائي ونقاط ضعف مؤسسية كبيرة. وهي التي تسبّبت بجزء كبير بالأزمة الحالية. موضحاً، انّ عجز الحساب الجاري الخارجي الواسع كان إلى حدّ كبير نتيجة تقييم العملة المحلية بشكل مبالغ فيه اكبر من قيمتها الحقيقية، مما شجع على الاستيراد وزاد الاستهلاك الخاص. في حين كانت البنوك مدعومة بعائدات عالية وبشكل مصطنع على ودائعها في مصرف لبنان وعلى سندات الخزانة الحكومية. وقد ولّدت أسعار الفائدة المرتفعة، تدفق العملات الأجنبية التي تمّ استخدامها لدعم سعر الصرف المبالغ في تقييمه، وأيضاً الواردات، مما فاقم الضرر اللاحق بالصناعة المحلية والقطاع الزراعي.

 

في الوقت نفسه، أدّت أسعار الفوائد المرتفعة الى ضرر أكبر وأكبر على الموازنة، التي كان لا بدّ من تمويلها عن طريق الاقتراض المتزايد، مما خلق حلقة مفرغة من ارتفاع الدين العام واتساع العجز المالي.

 

فيما شدّد معهد التمويل الدولي في تقرير،على انّ موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي والمجلس التنفيذي على برنامج تمويل لبنان، رهن بالإجراءات المتوجب على الحكومة تطبيقها، أوضح انّ الاتفاق المبدئي (SLA) هو خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، يغطي نطاقًا واسعاً من مجموعة الإصلاحات المحتمل تنفيدها، آملا ان تستغل السلطات اللبنانية هذه الفرصة، وتبدأ قريباً في تنفيذ الإصلاحات العاجلة، بما في ذلك الإجراءات الاولية، بهدف وقف تدهور الاقتصاد بشكل اكبر وتقليص مخاطر الانهيار الكامل للنظام المالي.

 

واعتبر ايراديان في هذا الإطار، انّ النظام السياسي اللبناني بانقساماته الطائفية، لا يزال يشكّل عقبة كبيرة أمام الإصلاحات الاقتصادية. وبالتالي، فإنّ التغييرات الهيكلية في النظام السياسي، بما في ذلك دخول نواب جدد أقل فساداً الى البرلمان، يمكن ان يسهّل إقرار الإصلاحات الاقتصادية الشاملة. آملاً أيضاً أن يكون هناك تغيير كبير في عقلية الأحزاب السياسية التقليدية التي حكمت لبنان على مدى العقود الثلاثة الماضية، للاستفادة من الفرصة الحالية مع صندوق النقد الدولي، وذلك من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومؤسسية عاجلة ووضع الاقتصاد على طريق الانتعاش المستدام.

 

ولفت الى انّ إعادة هيكلة النظام المالي (أولى الإجراءات الاولية الخمسة المطلوبة) ستكون أصعب جزء في برنامج صندوق النقد الدولي المحتمل، حيث انّه في الوقت الذي قام القطاع المصرفي بعمليات دمج داخلية، إن كان من ناحية دمج الفروع او اتخاذ إجراءات لتقليص النفقات التشغيلية وخفض موازناته، فالمطلوب اليوم إجراء عمليات تدقيق لجميع البنوك من اجل تحديد البنك السيئ والبنك الجيّد، أي المصرف الذي يمتلك الملاءة المالية، والذي ليس لديه ملاءة مالية.

 

واعتبر ايراديان انّه يجب توحيد أصول ومطلوبات البنوك السيئة، وتسديد كامل ودائع صغار المودعين، على ان يتمّ بيع جميع الأصول المتبقية بالمزاد العلني، كجزء من عملية حماية أكبر المودعين بالحدّ الأقصى الممكن. مشيراً الى انّ مثل هذ العملية يمكن أن تؤدي إلى إنشاء نظام مصرفي أصغر حجماً وأكثر عافية.

 

كما لفت الى انّ لبنان بحاجة ماسة إلى إصلاح قطاع الكهرباء والاتصالات والمياه وأنظمة المرافئ والمؤسسات الاخرى المملوكة للدولة، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية خصخصة وتنظيم هذه المرافق العامة. وفي هذا السياق، نوّه معهد التمويل الدولي، بموافقة مجلس الوزراء أخيرًا على خطة إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان الجديدة، والتي تتضمن إنشاء هيئة ناظمة مستقلة، القضاء على الهدر، والتدقيق المنتظم لمؤسسة كهرباء لبنان، ورفع التعرفات لتغطية التكاليف، معتبراً انّه هذا شرط أساسي لتأمين 900 مليون دولار على شكل تمويل من قِبل البنك الدولي، وهو ما يمكن ان يُستخدم لدفع ثمن المحروقات من مصر والأردن وزيادة انتاج الكهرباء حتى 14 ساعة / يوم.

 

وشدّد على أنّ الاصلاح المالي يجب ان يعتمد بالكامل على تأمين الإيرادات الحكومية بعد انهيار الإنفاق في العامين الماضيين، معتبراً انّ الإجراءات الضريبية التالية يمكن أن تؤمّن إيرادات إضافية كبيرة في السنوات المقبلة:

 

– توحيد سعر الصرف المعتمد في الموازنة لجميع المعاملات، بما في ذلك الإيرادات والنفقات. (اعتماد أسعار صرف متعددة يوفر دعماً ضمنياً، مما يعزّز التهريب)

– يجب أن تستهدف ضريبة الدخل الشخصي (PIT) معدلات ضريبية أعلى للفئات ذات الدخل المرتفع، ما يؤدّي إلى تحويل العبء الضريبي للأسر الأكثر ثراءً والتي سيزيد عبئها الضريبي هامشياً كنسبة من زيادة دخلها.

– إدراج الدخل غير المرتبط بالأجور في الدخل الخاضع للضريبة.

– تعزيز إدارة الجمارك الضريبية.

– الاستثمار في الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية، مما يوفر عائدات ضريبية أعلى.

 

كما شدّد إيراديان على ضرورة توحيد أسعار الصرف المختلفة، واعتماد نظام سعر الصرف العائم، مؤكّداً انّ وجود سعر صرف موحّداً يوازن بين الطلب والعرض من النقد الأجنبي، أمر بالغ الأهمية لاستعادة الاستقرار الكلي وتعزيز الاستثمار والنمو. كما انّه يعزز التنافسية والشفافية ويقضي على التشوهات المرتبطة بممارسات العملات المتعددة، ويحدّ من مخاطر الفساد.

 

وبهدف تحقيق استدامة الدين العام، يجب إعادة هيكلة الدين الحكومي (سندات اليوروبوندز) بما في ذلك اقتطاع منها بنسبة 70 بالمئة.

 

توقعات معهد التمويل الدولي

 

يفترض معهد التمويل الدولي باحتمال نسبته 50 في المئة، أن تبدأ السلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية العاجلة في غضون شهرين، بما في ذلك الإجراءات الاولية التي طالب بها صندوق النقد الدولي، ما من شأنه أن يمهّد الطريق امام موافقة إدارة الصندوق على برنامج التمويل EFF بحلول حزيران 2022. في هذه الحالة، سيكون الدعم الخارجي من مصادر خارجية ضروريًا للارتقاء بالاقتصاد من حالة الانهيار الى حالة الاستقرار وتعزيز النمو المستدام والعادل. وبالتالي، يمكن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.5% في عام 2022 (وإن كان من قاعدة منخفضة) مع انتعاش أقوى في النصف الثاني من هذا العام. ويمكن أن يتسارع النمو بعد ذلك إلى 8% في عام 2023 مدفوعاً بالاستثمار العام وصافي الصادرات. كما يمكن أن تخف حدّة الضغوط التضخمية نتيجة ارتفاع سعر الصرف الموحّد للعملة المحلية، مع انخفاض متوسط ​​التضخم من 156% في 2021 إلى 98% في 2022، ونحو 20% في 2023. كما سيرفع فاتورة الاستيراد بشكل كبير. ومع ذلك، يمكن أن تبدأ الاحتياطيات الرسمية في الزيادة مدعومة بالتدفقات المالية الرسمية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والقروض الميسرة CEDER).

 

كما يمكن لبرنامج محتمل مع صندوق النقد الدولي أن يضع الدين العام على مسار هبوطي ثابت، من خلال تنفيذ تدابير مالية وإعادة هيكلة الدين العام.

 

ولفت ايراديان الى انّ تحديد أولويات إجراءات الإصلاح وتسلسلها أمر حاسم، حيث يجب ان يكون التركيز في المدى القصير، على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، بما في ذلك سعر صرف موحّد ومستقر نسبياً يحدّده السوق، نسبة تضخم أقل بكثير، وعجز أقلّ. يمكن تحقيق ذلك جزئياً عن طريق الحدّ من الزيادة في الأموال المتداولة بالليرة لبنانية في السوق. وشدّد على انّ هذه التوقعات عرضة لمخاطر سلبية نابعة من التأخير في تنفيذ الإصلاحات والنقص في مساعدات المانحين.

 

الاصلاح المالي اعتماداً على الإيرادات الحكومية

 

ارتفاع عجز الحساب الجاري

فكرة طارئة

الوضع المصرفي في #لبنان لا يسمح للمصارف العاملة، التي منها عدد تابع لإدارتها في الخارج لإصدار كتب اعتماد لاستيراد منتجات ضرورية لاستهلاك اللبنانيين وصحتهم، ومنها على سبيل المثال مشتقات النفط الضرورية للانتقال والنقل وإنتاج الكهرباء من معامل قائمة ومتقادمة، ومنتجات غذائية ضرورية منها القمح، ومنتجات تغذية مزارع الأبقار والدجاج، ومستوردات الأدوية الضرورية، وأجهزة إنجاز العمليات المعقدة إلكترونياً من قبل اختصاصيين متميزين وبالطبع مستوردات التلقيح لضبط انتشار وباء كورونا الخ.

لبنان شهد انحداراً في حجم المستوردات بلغ مستوى 50% عام 2021، لكن هذا الانخفاض سيتغيّر هذه السنة 2022 بسبب ارتفاع أكلاف استيراد النفط والمشتقات بنسبة 50% بحيث بلغ سعر برميل النفط بتاريخ كتابة هذا الكتاب 114 دولاراً مقابل 52-54 دولاراً قبل شهرين، وممارسات أصحاب المطاعم بالامتناع عن قبول بطاقات الاعتماد والإصرار على الدفع إما بالدولار النقدي أو النقد اللبناني على اعتبار أن سعر الدولار 1500 ل.ل غير منطقي بعدما بلغ 31 ألف ل.ل ثم انحسر الى 20 ألف ل.ل أي بنسبة 30% وأكثر، لكن أصحاب المطاعم يرفضون خفض أسعارهم التي أرسوها على سعر 31 ألف ل.ل للدولار، وهذا الأمر مخالف للقوانين كما هو مخالف لمصالح أصحاب المطاعم وسيشهدون انخفاضاً في الإقبال في وقت قريب.

يسعى مصرف لبنان الى ضبط أسعار الصرف بتوجيه المواطنين أفراداً ومؤسسات الى شبّاك الصيرفة في مصرف لبنان ويبدو أن هنالك توجّهاً نحو إعادة استحواذ نسبة كبيرة من إصدارات الليرة، التي كانت بسبب ارتفاعها السبب الأساس للمضاربات وتعدل قيمة الصرف التي استقرّت أخيراً ويبدو أنها مرشحة للاستمرار حتى نهاية شهر آذار الحالي.

لا شك في أن تذبذب أسعار العملة المحلية وندرة توافر الدولارات النقدية أسباب رئيسية في تقلب الأسواق ولا يمكن ضبطها بسهولة. عام 1995 حينما طرحت فكرة تمديد فترة الرئيس الهراوي لـ3 سنوات تعاظمت حركة المضاربة على سعر الليرة فهبط السعر من حوالى 1596 ليرة للدولار الى ما يزيد على 1646 ل.ل للدولار.

من أجل كبح جماح المضاربات استصدر آمر قوى الجيش المكلفة بحفظ الأمن في بيروت مذكّرة أقفل بموجبها جميع منافذ المضاربات من قبل هيئات مسجلة رسمياً وأخرى تعددت دون أية إجراءات، وقد تسببت مذكرة الرجل العسكري الأمني في ضبط نشاط المضاربات واستعادة الليرة مستوى تحويلاتها السابقة.

يبدو أن هناك اليوم نجاحاً محدوداً في ضبط سعر صرف الليرة وقد لا يستمر بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقات القمح والحليب وما شاكل من المنتجات الضرورية وأخصّ هذه المنتجات الصحية والدوائية، وحجم الاستيراد سينخفض من جديد ربما بنسبة 10% ومع ذلك تبقى قضيّة سعر الصرف متحكمة بمساعي اللبنانيين لتأمين المداخيل الكافية، وحيث إن الفرص المتاحة محدودة أصبح الهدف هو الحصول على وظيفة في الخارج، وهذه الإمكانية استوعبت نسبة ملحوظة من أطبّائنا ومهندسينا وخبراء المعلوماتية.

يبقى السؤال: كيف لنا أن نؤمّن الحد الأدنى من الاستيراد المفيد والضروري لإنتاج الكهرباء، تحقيق النقل والانتقال، الثقة بتوافر الدواء والقدرة على إجراء العمليات في المستشفيات، وتمكن التلامذة من متابعة دراساتهم دون توافر الكهرباء سواء للإنارة أو التدفئة.
لقد ترافقت في رحلة الى باريس مع الأستاذ فراس الملاح، وهو الشريك المكلف بإدارة شركة استثمارية قابضة اسمها MMK Capital، وهي شركة مسجلة في سوق دبي المالي وصاحب الحصّة الكبرى فيها مستثمر من البحرين، الأمر الذي يبيّن كيف يتزايد التعاون بين بلدان الخليج.

أهداف الشركة واضحة وهي تحقيق مردود مفيد لصاحب الاستثمار من مختلف نشاطات توظيف الأموال، والأمر الذي يدعونا الى تفحّص منهج هذه الشركة أنها توصّلت ولديها شراكة مع مؤسسة الـIFC أي المؤسسة الاستثمارية التابعة للبنك الدولي، الى تأمين تمويل لاستيراد منتجات الذهب والمجوهرات والفضة لمؤسسات تجارية لبنانية مختصّة بتسويق هذه المنتجات. والعمل جارٍ منذ سنوات وليس هنالك شكوى من أيّ طرف.

هنا يطرح السؤال: لماذا اختيار شركة MMK تمويل مشتريات المجوهرات والذهب لحساب مصمّمين في لبنان وأصحاب منافذ بيع مرموقة؟

الجواب هو أن صادرات الذهب المشغول والمجوهرات تمثّل البند الأكبر في صادرات لبنان، وحيث تبلغ الصادرات اللبنانية كلياً 3.2 مليارات دولار منها ملياران من المجوهرات والذهب مصدّرة الى سويسرا، رأى المسؤولون عن شركة MMK أن بوسعهم تمويل استيراد المنتجات المشار إليها، وتحصيل مبالغ تمويلهم وعمولتهم، وحيث إن هذه العمليات تشكل 60% من صادرات لبنان يمكن التقدير أن حاجات الاستيراد قد تضاهي مليار دولار تتوافر من شركة استثمارية مسجّلة في سوق دبي بدلاً من أي بنك لبناني، وهنالك أكثر من بنك لبناني في دبي لا يمكن أن تخصّص مواردها لهذه العملية، ويرجّح أن لا يقبل المصدّرون الى لبنان ضمانات البنوك اللبنانية.

استناداً إلى هذا الواقع، وبسبب الحاجة الملحّة لاستيراد منتجات أساسية للحياة العادية في لبنان كما لتمويل مستوردات يمكن بعد تعديلها فنياً وتوضيباً أن تصبح قابلة للتصدير، والأمر لا يتوقف على المجوهرات والذهب، علماً بأن منافذ البيع للمؤسسات اللبنانية في الخارج متميّزة، فالاختصاصيون بالمجوهرات لديهم منافذ أنيقة في سويسرا وفي شمال شرق أستراليا التي يقصدها اليابانيون، لأن السفر الى أستراليا جوّاً من اليابان تنقص كلفته عن كلفة بطاقة السفر بالقطار الكهربائي السريع من طوكيو الى كيوتو العاصمة القديمة لليابان، وحيث لا نزال نشاهد الغزلان تجوب الشوارع وكأنها في محيطها الطبيعي.

أكبر استهلاك لمنتج ضروري هو استيراد النفط ومشتقاته، والكلفة لاستيراد مشتقات النفط لا تقلّ عن نصف كامل كلفة المستوردات، وبالتالي إذا استطعنا تأمين وسيلة تمويل كما تحقق شركة MMK Capital لمصلحة وضعي المجوهرات والذهب، نستطيع أن نشعر بأننا على طريق النجاح في معالجة مشاكلنا التي تبدو مستعصية.

إننا ندعو الى تأسيس شركة لاستيراد مشتقات النفط والغاز برأسمال ملياري دولار لاستيراد مشتقات النفط والغاز للاستعمال المنزلي، والمليارا دولار تكفي على مدار السنة لاستيراد مشتقات يبلغ ثمنها 6-7 مليارات دولار سنوياً، وبالإمكان إشراك شركات النفط القائمة في رسملة الشركة العتيدة التي نوصي بقيامها، لأن أصحاب الشركات الملحوظة مقتدرون على تأمين 600 مليون دولار تشمل 30% من رأسمال الشركة يضاف إليها 600 مليون دولار من الـIFC الشريكة في شركة MMK Capital والرصيد الباقي يكون من البنك الدولي أو البنك الأوروبي للإنماء.

يجب التذكير بأن الدول الصناعية التي تملك شركات النفط الكبرى مقبلة على مرحلة انكماش، وهي تحتاج الى تحريك رساميلها لكي تؤمن مردوداً يمنع عنها ضرورات تسريح العمال، وشركات النفط اللبنانية التي تشترك في الرسملة وتسويق غالبية المشتقات قادرة على إيفاء التزاماتها بالعملات الحرّة لأن الطلب على البنزين والمازوت يفرض تأمين المدفوعات بالعملات الحرة.

هل سيتمتع لبنان بتدفق العملات الحرة للاستثمار والإيداع؟ الجواب عن هذا السؤال أن جمهور اللبنانيين المطالبين بتحسّن الاوضاع يمكن أن يكرّسوا المطالب المعروضة أعلاه كأهداف وطنية بامتياز، وحينئذٍ لن تكون هناك مشاكل جذرية.

وكي نكون مطمئنين إلى تحقيق النتائج المشار إليها نشير الى أن التحويلات من اللبنانيين في الخارج ستزيد وتحويلات الخدم وعمّال البناء من لبنان ستتناقص بسبب انحسار الطلب، والمساعدات للجامعات، والجيش، ونفقات قوات الانتشار الدولي في الجنوب، وإخراج بعض الادخارات من مخابئها لدى العائلات الميسورة قد تؤدّي الى توافر تدفقات تفوق 9 مليارات دولار، الأمر الكافي مع وفورات الاقتراحين المقدّمين لاستعادة نبض الحياة الاقتصادية والى حدّ ما الاجتماعية في لبنان.

إن الاهتمام بمستوردات الأدوية والقمح والأعلاف للأبقار ضروري، ويبدو أن بعض جوانبه بدأت تتأمّن من تمويل الجيش بـ300 مليون دولار بالفعل، والمدارس الجامعية والثانوية بـ250 مليون دولار من المساعدات الأميركية والفرنسية، وقد انضمّت الى مساعي فرنسا المملكة العربية السعودية، كما كانت دولة الإمارات قد سبقت بتأمين تمويل مشتريات غذائية ومثلها فعلت الكويت، وبالتالي برغم غيوم حرب روسيا مع أوكرانيا، قد تتوافر معونات أكبر للبنان إذا أحس المجتمع الدولي بأن الحكومة جادة في رسم خطة مفيدة بدءاً من تأمين الكهرباء المستمرّة بأسعار معقولة وهذه النتيجة لن تتأمن بالتأكيد ممّا يسمّى خطة الكهرباء؟ ويا لها من خطة، لا خطة ولا تفكير ولا سعي لتأمين الطاقة بسرعة وأكلاف معقولة، وهذا أمر ممكن لو خصّصت أعمال الإنتاج والتوزيع على أساس المحافظات للقطاع الخاص المناسب في كل محافظة.

 

– مروان اسكندر

إفلاس الدولة و”المركزي”.. مصطلحات أثارت زوبعة

لماذا فاجأ إعلان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان، كل فئات المجتمع من مواطنين عاديين ومودعين وصولاً حتّى الى خبراء ماليين ومسؤولين سياسيين؟ أليست المصائب التي تتوالى على الشعب اللبناني منذ اندلاع الأزمة في 2019، من تخلّف عن سداد الديون الخارجية وحجز الاموال وانهيار الليرة وتحويل الودائع الى الليرة وفرض سقف للسحوبات النقدية بالليرة وانقطاع المواد الاساسية الحيوية والغذائية والصحية وارتفاع نسَب التضخم ومعدل البطالة والفقر الى مستويات قياسية، مؤشرات على إفلاس الدولة؟

قد يكون المصطلح غير قانوني وتقني، باعتبار انّ الدولة غير مفلسة لأنها تمتلك أصولا ويمتلك مصرف لبنان احتياطياً من الذهب، رغم انه لا يغطي فجوته المالية، إلا انه صحيح ان الدولة مفلسة على صعيد السيولة النقدية المتوفرة لديها، كذلك الامر بالنسبة للمصرف المركزي. ولو تجرّأ احد من المسؤولين منذ العام 2019 على إعلان حقيقة الوضع المالي للدولة والقطاع المصرفي، لَما كان تصريح الشامي قد أثار هذا الكمّ من الاستهجان والهلع لدى المواطنين، الذين وبعد حوالى 3 اعوام، ما زالوا في حالة إنكار ويأملون، بسبب وعود حكّامهم الواهية، باستعادة ودائعهم كاملة، ولم يستدركوا بعد حجم وعمق الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاقَبَ السياسيون وأمعنوا في تفاقمهما منذ التسعينات.

 

إلا ان غالبية متلقّفي تصريح الشامي، اعتبروا انه تمهيد للاعلان عن خطة التعافي التي تتفاوض الحكومة عليها مع صندوق النقد الدولي، والتي من المفترض ان يفرج عنها بعد توقيع الاتفاق المبدئي مع الصندوق، حيث سيتم الاعلان رسمياً عن طريقة توزيع الخسائر بين الدولة، مصرف لبنان، القطاع المصرفي والمودعين.

 

في هذا الاطار، رأى الباحث في الشؤون المالية والإقتصادية البروفسور مارون خاطر انّ «التصريح المُلتبس لنائب رئيس الحكومة أثار بلبلة في الأوساط المحليّة والعربيّة والعالميَّة. لم يشكّل الكلام عن لبنان المتعثّر عن سداد ديونه منذ العام ٢٠٢٠ مفاجأةً في حد ذاته بل في توقيته واهدافه وباستعمال مصطلح «الإفلاس» وهو لا ينطبق على الدّول ولا على مَصَارِفِها المركزيّة. تراجع الشامي عن موقفه وتراجع عنه أيضاً رئيس الحكومة مُبَدِّلاً الملاءة بالسيولة ومصحِّحاً الخطأ بخطأ». واعتبر خاطر ان التوقيت جاء مفاجئاً لتزامنه مع تزخيم التفاوض مع صندوق النَّقد الدولي ومع التسريبات المستغربة عن التوصّل إلى اتفاق وشيك. أمَّا المفارقة فهي أن المفاوضات مع الصّندوق، والتي يترأسها الشامي نفسه، ترتكز على إقرار خطة تعاف اقتصاديَّة تشمل إعادة هيكَلة الدَين العام المتعثّر السداد وليس على «إدارة تفليسة».

 

قال: في التوقيت أيضاً، يأتي كلام الشامي بعد سنتين ونصف من محاولة إبعاد كأس التعثّر الداخلي، وبالتالي التعثر الكلّي. أليس لأجل ذلك تمَّ تمويل الاستيراد ظُلمًا عبر استنزاف الاحتياطي في الوقت الذي أمَّن فيه طبع العملة دفع الرواتب؟ في اهدافه، وفي سياق تصويبه على فَداحة الأزمة، قد يكون الكلام عن الإفلاس يمهّد لتوزيع الخسائر إنطلاقاً من رؤية نائب رئيس الحكومة كما شَرَحها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهي ترتكز على مساهمة متواضعة للدولة وللمركزي.

 

أضاف: أمّا إن كان كلام الشامي غير مقصود أو صدرَ عن طريق الخطأ، فمشكلة أيضًا. تناقلت وكالات أنباء عربيَّة وعالميَّة تصريحات الشامي التي راجَت أيضاً على مواقع التواصل. أما تداعياتها فأتت محدودة بسبب غياب عنصر المفاجأة على الرغم من صدور مقالات في صحف عربية أبدت تخوّفَها من خسارة ودائع دولها المودعة لدى مصرف لبنان. في سياق مُتَّصِل، تحدثت تقارير إعلاميَّة عن تَحَرُّك الدائنين من حملة اليوروبوندز باتجاه التفكير الجدّي بمقاضاة دولتنا التي تقاعست عن مفاوضاتهم.

 

توزيع الخسائر

بالنسبة الى توزيع الخسائر ودور أصول الدولة في إطفائها، اشار خاطر الى انه في مقاربتها لموضوع توزيع الخسائر، «يستند الفريق المفاوض مع صندوق النَّقد الدَولي إلى عدم مَيل الصُّندوق الى استخدام موجودات الدَّولة في أطفاء الخسائر. أمَّا السبب وراء ذلك فحرص الصندوق على تحقيق استدامة الدين العام. يُلقي هذا التوجه بالجزء الأكبر من الخسائر على المصارف والمودعين في ظلّ عجز المصرف المركزي عن الإيفاء بالتزاماته. إستطردًا، وانطلاقاً من مبدأ «هرمية الذمم» الذي يعتمده، سيلجأ صندوق النَّقد الى الأموال الخاصة للمصارف لتغطية خسائر القطاع المالي قبل اللجوء الى أموال المودعين».

 

تابع: بناء على ما تقدم، وبسبب الحاجة إلى تشريعات استثنائية معقدة وبسبب صعوبة تسييل الأصول، يبدو أنه لن يتم اللجوء إلى بيع أصول الدولة وموجوداتها أو خَصخصتها من أجل إطفاء جزء من الخسائر وفي ذلك ما هو إيجابيّ. فهذه الأصول مُلكٌ لجميع اللبنانيين. لذلك فاستعمالها لإطفاء خسائر تسبّب بها حكّام متعاقبون عبثوا بالدولة ودَمَّروا مُقَدَّراتها تدميراً ممنهجاً يبقى غير مُحق. وفي غياب المحاسبة، لن يكون التخلي عن أصول الدولة بيعاً أو خصخصة إلا من قبيل هدر ما تبقَّى مما لم يُسرَق أو بيعه بأبخس الأثمان بعد تدميره أو تعطيله. في انتظار إنتاج سلطة جديدة تُقصي الفاسدين، من المُمكن عزلهم ومَنعِهِم من إدارة مرافق الدولة عبر إنشاء «صندوق سيادي» بإدارة دولية تساهم عائداته في سداد جزء من الفجوة الماليَّة.

 

هل تفلس المصارف المركزيَّة؟

اوضح خاطر انّ المصارف المركزية لا تُفلس ولا تُطَبَّق عليها القواعد المحاسبيَّة التي تُطَبَّق على المصارف. وهي ليست ملزمة بإعادة الرسملة إذ يمكنها أن تستمر بعملها حتى وإن أصبحت رؤوس اموالها سلبية. قد تتعرض المصارف المركزية للإفلاس المحاسبي إلا أنه لا يؤثر على استمرار عملها. أما كلام نائب رئيس الحكومة عن «إفلاس» المصرف المركزي فالمقصود منه أنّ المصرف المركزي ليس لديه حاليًّا قدرة الايفاء بالتزاماته بسبب تراكم عجزه الذي تخطى 60 مليار دولار. واعتبر ان كلام الشامي يدخل أيضًا في سياق إعادة توزيع الخسائر، فهو يُشير من ناحية الى أنَّ مصرف لبنان هو المسؤول أمام المصارف التي يَدين لها بالجزء الأكبر من التزاماته (مما يُبَرِّر عجزه)، ثم يؤكد من ناحية ثانية وفي سياق الحديث نفسه أنَّ الدولة والمركزي (وهما عاجزان بحسب قوله) والمصارف والمودعين يتحملون الخسائر معًا بناءً على ما تقدَّم، فإنَّ استخدام نائب رئيس الوزراء لمصطلح «الإفلاس» كان غير موفّق وقد يكون غير مقصود به إفلاس المصرف المركزي الذي يَعني عمليًا إفلاس المصارف.

رنى سعرتي

الحياد النقدي أساسي لاسترجاع الثقة

بعصا سحرية وبصورة مفاجئة، بات الجميع حريصاً على ودائع اللبنانيين ويعمل على استرجاعها بطرق وهمية ووعود فارغة. يا للصدفة، بعد عامين ونصف العام على الجمود والإستهتار واللامبالاة في هذا الموضوع المؤذي، حيث يدفع الثمن الباهظ الشعب اللبناني الذي ينزف من دون توقف، إستيقظنا فجأة على أعمال دونكيشوتية ومسرحيات دراماتيكية وهمية، ووعود لم تنفّذ لاسترجاع الودائع اللبنانية.

إنّ استرجاع ودائع اللبنانيين بالحقيقة، ولا سيما الودائع المسجّلة بالدولار الأميركي، لا تتحقق إلاّ بالتركيز على أربع نقاط أساسية لإستعادة الدورة الإقتصادية وإستقطاب العملات الصعبة في السوق المحلية: المصدر الأول الطبيعي والمنطقي يأتي من قبل مَن يطبع العملة الخضراء وهي الولايات المتحدة. فمهما كانت قراراتنا وإتجاهاتنا السياسية لا حل في النهاية إلا أن يكون لدينا علاقات احترام وتبادل تجاري ودبلوماسي، مع البلد الذي يطبع الدولار. شئنا أم أبينا لا نستطيع مهاجمة الولايات المتحدة وشتمها يومياً ومن ثم محاولة جذب الدولارات. فالحياد الإقتصادي والتجاري والنقدي والمالي لن يكون خياراً لكن هو الأساس لإسترجاع الثقة والنمو الإقتصادي.

المصدر الثاني بالعملات الصعبة يأتي ممّن يستخرج البترول، وسائر المشتقات النفطية في العالم في ظل ارتفاع الأسعار الدولية، الذي سيخلق فائضاً كبيراً لدى هذه الدول المصدّرة. فالبلدان المجاورة لنا التي ستستفيد من هذه الفورة النفطية، هي البلدان العربية بامتياز. فسعر برميل النفط تجاوز الـ 140 دولاراً، لذا سيكون صعباً جداً للبلدان المستوردة أن تحافظ على توازنها المالي مثل لبنان. أما البلدان المصدّرة فستغرق بالفائض المالي والنقدي. والتحدّي الكبير هو استقطاب قسم من هذه العملات الفائضة وجذب إستثمارات لبلدنا والإتكال على هذا المصدر العربي والأخوي بإسترجاع أهم العلاقات والإستثمارات ودعم الدورة الإقتصادية.

المصدر الثالث لا يزال متمثّلاً في المغتربين اللبنانيين، هؤلاء الذين طُعنوا للمرة الأولى من قبل بلدهم الأم، حيث هُرّبوا من أرضهم، ثم طُعنوا للمرة الثانية، حين حُجزت وهُدرت وسُرقت أموالهم من قبل الدولة اللبنانية. فالهدف الأساسي اليوم هو إعادة بناء ثقتهم ليرجعوا ويستثمروا في بلدهم. فالتحويلات بالعملات الصعبة من المغتربين ستكون حبل الخلاص للإقتصاد شرط مصالحتهم مع بلدهم وإعادة بناء ثقتهم بمحبة وإخلاص.

المصدر الرابع والطبيعي يكمن في استرجاع الدورة الإقتصادية الطبيعية ولا سيما من خلال كل القطاعات الإنتاجية خصوصا الصناعة والتجارة، والسياحة والزراعة والخدمات. فالإقتصاد التقليدي سيبقى ركناً أساسياً لإعادة النمو، لكن علينا أن نركز أيضاً على اقتصاد المعرفة والإقتصاد الرقمي الذي سيكون ركن المستقبل في بلادنا ومنطقتنا والعالم. فتصريف سلعنا هو أساس استقطاب العملات الصعبة لكنّ تصدير معرفتنا ونجاحاتنا سيكون أيضاً مصدراً أساسياً لاسترجاع العملات الصعبة والودائع على المدى المتوسط.

في الخلاصة، إنّ هذه المسرحيات الدونكيشوتية والشعبوية التي تهدم ما تبقّى من الإقتصاد والثقة، وتضرب كل محاولات استعادة الدورة الإقتصادية لن تستقطب سنتاً واحداً من العملات الصعبة لكن ستُهرّب الكميات الضئيلة الموجودة في السوق اللبنانية. فإذا كان الهدف الأساسي هو استرجاع الودائع فلنُركز على استرجاع العملات الصعبة في سوقنا المحلية وليس تهريب ما تبقى منها بمغامرات ومسرحيات خيالية ووهمية، والتي ستُغرق سوقنا واقتصادنا نهائياً.

د. فؤاد زمكحل

تقنين التحويلات من وإلى لبنان يلغي صفة الاقتصاد الحر

حضرة الوزير #سعاده الشامي يعتب على #مجلس النواب لعدم مناقشته مشروع الكابيتال كونترول – اي التحكم بالتحويلات من والى لبنان – ويعتبر ان اقرار مشروع القانون حيوي للوصول الى اتفاق مبدئي مع بعثة #صندوق النقد الدولي المنتظرة قريبًا.

اننا نؤكد ان مشروع تقنين التحويلات من والى لبنان غير حيوي لنيل موافقة صندوق النقد على توفير معونة للبنان تزيل شبح الافلاس الذي يخيم على صورة البلد.

 

ان التعرض للتحويلات، سواء لاستيراد ما هو ضروري، ومستوردات لبنان انخفضت عام 2021 بنسبة 50%، لكن هذا الانخفاض لن يستمر لان اسعار النفط والقمح والادوية ارتفعت، ومنذ حكومة حسان دياب والتقدم متوقف. والتوقف كان بسبب العرقلة بوجه تمام سلام او سعد الحريري لاسباب نفسية لدى الرئيس ميشال عون ومستشاريه الاساسيين.

الاندفاع الى الموقع السياسي يبعد التفكير الصحيح من اذهان السياسيين، فصندوق النقد لا يعتبر ان تقييد التحويلات من والى لبنان هو القضية، بل اعلن ان الاولوية هي للاصلاح، واول خطوة يمكن تحقيقها هي جدولة الدين العام المختصرة باليوروبوند، والتي يبلغ اصلها 34 مليار دولار مع فوائد ترفعه الى 37 مليارا. ولدى الحكومة والوزراء المعنيين مشروع للجدولة وضعه خبير لبناني شارك في تطوير 80 مشروعًا تحقق تنفيذها لبلدان عديدة منها الارجنتين والاوروغواي واليونان الخ. ولو بدأت مساعي جدولة الدين لكانت المستحقات ما قبل سنتين من الاعفاء عن الفوائد انخفضت بنسبة 20-25% على حسابات الدين العام.

حضرة نائب رئيس مجلس الوزراء، جدولة الدين توفر فرصة تنفس واقرار خطة اصلاحية لم نرَ او نسمع بتباشيرها.

ربما لا يعلم الوزير الشامي ان التحويلات الى لبنان، بعد تخليه عن الربط مع العملة السورية عام 1951 تدفقت من سوريا، والعراق، ومصر بسبب قوانين التأميم وما يسمى اقتصاد الممانعة… ولا احد يفسر الممانعة، هل هي التصدي لاسرائيل التي اصبح دخلها القومي مساويًا لدخل دول النفط العريقة؟

وهل يدرك الوزير العتيد ان تقييد التحويلات لطلاب العلم يقيد البلد، ولبنان انتعش بسبب المتعلمين والمتمكنين باقتصادات الممانعة، وكل الممانعة، ممانعة التحقق من اسباب ونتائج الثروات.

وترى هل يعلم ان التحويلات من قِبل السياسيين ومنهم من هو معهم في الحكومة، بلغت بعد تظاهرات 17 تشرين الاول 2019 7-8 مليارات دولار، وهل هم على استعداد لتحويل بعض ما ارسلوه الى الخارج للبنان من جديد؟

والسؤال الاساسي هو: هل يبقى هنالك من سبب لاي ثري عربي لتحويل بعض امواله الى لبنان سواء للاستمتاع بالمناخ الطبيعي والبشري او لاسباب اخرى؟

صندوق النقد لن يوافق على خطوط اصلاحية لا تشمل جدولة الدين بالعملة الاجنبية، واقبال الحكم على تبني خطة كهربائية تبدأ بتنفيذ حقول لانتاج الكهرباء من الالواح الزجاجية كما في الاردن، ومصادرة معدات انتاج الكهرباء التي تفوق طاقتها الـ 10 ميغاواط وتشغّل من قِبل مالكين حققوا ارباحًا هائلة واستوردوا مولدات بطاقة 1600 ميغاواط.

الثقة بلبنان واهله تعود عندما تنخفض اعداد الموظفين عن الـ 350 الفًا، اي ما يساوي نسبة 30% من مجموع الايدي العاملة، وما يقل بقليل عن عدد اللبنانيين المهجرين في بلاد الارض سعيًا لاكتساب المردود المالي وتحصيل الخبرات العملية.

الحقيقة الساطعة ان اقرار قانون التحقق من التحويلات – ولا نتحدث عن التحويلات غير القانونية بسبب طبيعة اعمال اصحابها – يؤدي حكمًا الى دفع لبنان الى واجهة بلدان الممانعة – اي ما هو واقع الامر في سوريا وايران، وكلا البلدين يتمتعان بمعطيات طبيعية لا تتوافر في لبنان، وفي الوقت ذاته تعاني سوريا من مصاعب التضخم وتلاشي القدرة على الاستيراد سوى ما كانت تحققه عبر لبنان سابقًا، وايران تعاني من تردي اوضاع التجهيز العام وتعاظم عدد السكان والحجز على اموال للدولة في الخارج تقدّر بـ 100 مليار دولار.

هل تريد الحكومة دفع لبنان الى صف الدول الممانعة، وما هي بطولات الدولتين الممانعتين؟ رجاء ان تعلمونا عنها، وربما اختصارًا للوقت نشير الى موضوع واضح.

رئيس الوزراء وشقيقه من كبار رجال الاعمال ممن حققوا نتائج باهرة في لبنان والخارج، وكلاهما يتمتع بمقدار من التلكؤ عن تنفيذ مشاريع تختص بالقطاع العام، وان هما سيّرا لسنوات خدمات “ليبان بوست”.

منذ سنوات وحينما تخلى ورثة الشيخ بطرس الخوري عن شركة الكهرباء الخاصة التي كانت تزوّد طرابلس وجزءا ملحوظا من قرى الشمال بالكهرباء، وحينما اعلن الشيخ سليم الخوري نيته ببيع المؤسسة سارع الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق الذي حقق نتائج كبيرة من عمله في السعودية الى اعلان نيتهما شراء اسهم الشركة ومضاعفة طاقتها الانتاجية، وتحويلها الى منطقة انتاج كهربائي على الغاز المستورد بحرًا.

سارعت منظومة السيطرة على كهرباء لبنان الى شراء المصنع وكلفت المدير العام كمال حايك ادارته، واستمرت الخسائر في التراكم حتى ان وزيرة للطاقة تساءلت في وقت من الاوقات ما اذا كانت المبالغ المستلفة لتغطية الخسائر منحا ام قروضا.

الامتحان هو ما اذا كان مشروع الكابيتال كونترول يشجع رئيس الوزراء على استعادة الاهتمام بالمشروع الذي عبّر عن استعداده سابقًا لتنفيذه، وتخصيص الكهرباء ثاني هدف مطلوب من صندوق النقد الدولي بعد جدولة الدين العام باليوروبوند، ولن يكون هنالك اي التزام آخر قبل إقدام الحكومة على تخصيص الكهرباء وتكليف من هو خبير انهاء مفاوضات جدولة الدين العام الاجنبي. من دون هاتين الخطوتين لا برنامج مع صندوق النقد، وقد ابلغت اللبنانيين ذلك رئيسة الصندوق منذ اكثر من سنة وتقرير البنك الدولي شدد على الاولويات …فهل تستفيق الحكومة ويدرس بعض اعضائها تصريحاتهم غير المدروسة قبل القائها على مسامع اللبنانيين؟

مروان اسكندر

إسترجاع الودائع وإفلاس المصارف هدفان متناقضان

لا شك في أنّ هناك مسؤولية جسيمة على المصارف في الإنهيار المالي والنقدي، وحجز أموال المودعين. ومن الواضح أن المصارف التجارية أخذت على عاتقها المخاطر السيادية للدولة اللبنانية، واستثمرت منذ سنوات بل منذ عقود في سندات الخزينة بالعملة الوطنية أو بالاوروبوندز بالعملات الصعبة، واستفادت من فوائد وأرباح باهظة.

كانت المصارف تمتلك إيداعات واحتياطياً في البنك المركزي. وكان من المستحيل إستثمار هذه الأموال في الخارج. وعلينا أيضاً أن نذكّر أنه حين لوّحت جمعية المصارف في العام 2014 بوقف تمويل الدولة، دُعي البعض إلى التحقيق الجزائي وحتى التهديد المباشر.

من جهة أخرى، علينا أن نذكّر ونشدّد على أن مَن صرف وأهدر وأفسد أموال المودعين والمستثمرين هي الدولة اللبنانية لا غير، ولا سيما السياسيون اللبنانيون، بإستثمارات وهمية وبخسائر فادحة كمؤسسة كهرباء لبنان التي كانت تخسر أكثر من ملياري دولار سنوياً والتي نتجت بأكثر من 50 ملياراً بعد 25 عاماً.

هذه الدولة نفسها المسؤولة المباشرة عن صرف وحجز أموال المودعين، تضع نفسها اليوم كالحاكم والحَكم، وتريد توزيع خسائرها على الجميع، وتغسل يديها من هذه الجريمة المالية والنقدية الأسوأ في تاريخ العالم.
إن هدف أكثرية اللبنانيين اليوم هو لا شك استرجاع الودائع، ولو حتى على المدى المتوسط والبعيد. لكن هناك هدفاً آخر، هو إفلاس المصارف والقطاع المصرفي لأغراض مشبوهة، تتناقض مباشرة مع هدفنا الأساسي. فالهجوم المبرمج والممنهج الأخير، وتحرّك القضاء في هذا الوقت، لا شك في أنه لأسباب شعبوية وليس لأهداف موضوعية.
فبعد سنتين ونصف سنة من الجمود التام بهذه المسالة المصيرية، بعصا سحرية إسمها استحقاقات مقبلة، تحرّك بعض القضاء لإلهاء الناس وإعطائهم وعوداً وهمية من دون أي مردود حتى الآن. لكن هذا الضغط على القطاع المصرفي، يُمكن أن يكون لديه تداعيات خطرة جداً على ما تبقّى من أموال المودعين. لأن هذا الهجوم المؤذي يُمكن أن يُطيح بالعلاقات مع المصارف المراسلة التي تستطيع بدورها وقف التعامل مع المصارف اللبنانية. وهذا يعني النهاية، والقضاء على هذا القطاع المصرفي.

فإفلاس المصارف اليوم له أغراض داخلية وإقليمية وحتى دولية، والقسم الأكبر منها مختبئ ومشبوه. أما الهدف المعلن عن استرجاع الودائع، فهو وهمي وليس واقعياً. ففي حال لا سمح الله، أفلست كل المصارف وأقفلت، وبيعت كل أصولها، لن يسترجع المودع أكثر من 10% إلى 15% في الحد الادنى من ودائعه، وهذا بعد وقت طويل جداً وعقود من المفاوضات إذا حصلت.

من جهة أخرى، من دون قطاع مصرفي، إنه من المستحيلات، إعادة الدورة الإقتصادية في كل المجالات والقطاعات المنتجة. ومن دون مصارف لن نستطيع أن ندفع ونقبض رواتب وأجورا، ولا نستورد ولا نصدّر ولا نبيع ولا نشتري. فإذا كان إقتصاد الكاش هو الحل المرتقب فهذا أقصى ما يُمكن أن يحدث للبنان والمودعين، لأنه حتى الكاش بالعملات الصعبة سيكون ملوثاً بأيادي التهريب وغسل الاموال وتمويل الإرهاب، ولاستخدامه في الخارج وحتى لإيداعه في أي مصرف دولي.
إن في مشروع الحكومة السابقة، بمساعدة شركات دولية، كان هناك نية لإعطاء 5 رخص جديدة لمصارف تجارية جديدة، لكن حتى هذه الساعة لم نسمع عن أي مغامرة جدية بمؤسسات إقليمية ودولية لتدخل السوق المحلية.

فمرة أخرى نعيش أوهاماً، أحلاماً ووعوداً غير منطقية، وأهدافاً مختبئة تُنظم وتُمارس بأياد سوداء. هذا يعني أن كل الممارسات الدونكيشوتية التي نعيشها اليوم هي شعبوية بامتياز وحتى هي مشاهد سينمائية أو مسرحيات غامضة، لإلهاء الشعب المخدوع، ولن يُرد سنت واحد من الودائع، لكن ستُطيح بما تبقّى منها، وتهدم ما تبقّى من الثقة والإقتصاد المهترىء.
فإذا أردنا حقاً استرجاع الودائع، وحماية المودعين، فهذا المشروع يبدأ لإعادة الدورة الإقتصادية، وإعادة الثقة والنهوض بالشركات الخاصة، ودمج وإنخراط المصارف لتمكينها وتحصينها، ولجذب من جديد استثمارات من الخارج والسيولة بالعملات الصعبة، وإعادة بناء أهم العلاقات مع كل البلدان المجاورة والمستثمرين، لإسترجاع التحويلات في قطاعنا المصرفي، والذي سيؤدي إلى إسترجاع الودائع خطوة بعد خطوة.
إن الهدف الحقيقي لا يجوز أن يكون هجوماً أو دفاعاً عن القطاع المصرفي، لأن إفلاسه سيُفيد فقط أعداء لبنان في الداخل والخارج، ولن يخدم أبداً مصلحة المودعين. فإذا كان ذلك الهدف الأساسي، فهذا لا يستطيع أن يُنجز إلاّ من خلال اقتصاد حرّ ومتين وقطاع خاص متحرّك ومنتج.

د. فؤاد زمكحل

رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف

هل من أمل للمودعين اللبنانببن بالحصول على اموالهم؟

عندما أبلغ بنك لبناني عارف ياسين بأنه أغلق حسابات بقيمة 20 مليون $تخص النقابة المهنية التي يرأسها وأصدر بدلا من ذلك شيكا بخُمس القيمة الاسمية للحسابات، رفع نقيب المهندسين الأمر إلى المحكمة.

فهذه الأموال، التي تم توفيرها من اشتراكات المهندسين وأُودعت في فرنسبنك، مخصصة للرعاية الصحية والمعاشات التي تغطيها النقابة لحوالي 100 ألف شخص يواجهون الآن خطر فقدان شريان للحياة في بلد يعصف به انهيار اقتصادي منذ ثلاث سنوات.

وقال ياسين “هذه أموال تكونت من اشتراكات المهندسين والانتسابات والرسوم النسبية يا اللي بتيجي من أعمال المهندسين عبر سنوات طويلة. وهذه حقوق للمهندسات والمهندسين. وبما أنه تراجعت الأعمال عموما، بالتالي أصبح بدون مبالغة استعادة مدخرات وأموال نقابة المهندسين من البنوك مسألة حياة أو موت للمهندسين عموما”.

وقال فرنسبنك إن قواعد السرية المصرفية تقتضي ألا يسمح البنك بالكشف عن معلومات حول العميل.

وفشلت النخبة الحاكمة حتى الآن في وضع خطة للتعافي لمعالجة الانهيار المالي الذي تعاني منه البلاد منذ أواخر 2019، وتتفاقم الأزمة الآن في المحاكم بين المودعين والبنوك.

وانطلاقا من الشعور بالخوف على مدخرات حياتهم، يقاضي مزيد من أصحاب الحسابات البنوك على أمل الحصول على أموالهم. ويقول محامو المودعين إن المزيد من البنوك تقوم، ردا على ذلك، بإغلاق الحسابات وإصدار شيكات دون استشارة العملاء.

ولم يتفق الساسة الحاكمون بعد على طريقة للتصدي للخسائر المالية الفادحة التي تكبدها النظام المالي عندما انهار الاقتصاد تحت وطأة الديون المتراكمة على مدى عقود من الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة.

ولم يقروا أيضا قانونا لمراقبة رأس المال للتصدي لما يصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ موجات الانهيار المالي في العالم على الإطلاق. ومن شأن مثل هذا القانون أن يضمن معاملة عادلة للمودعين.

ولا يزال أكثر من 100 مليار دولار محتجزة في البنوك اللبنانية، وتتزايد المعارك القضائية للوصول إلى أي أموال ما زالت باقية في النظام المصرفي.

وفي واحدة من أبرز القضايا، حكمت محكمة في لندن لصالح مدخر يسعى للحصول على 4 ملايين دولار مودعة لدى بنك عودة وبنك سوسيتيه جنرال في لبنان.

* لا يريدون الدفع

تقول البنوك، التي تطالب بقانون لمراقبة رأس المال، إن الحكم الصادر في لندن يترتب عليه ضعف السيولة الباقية للمودعين الأقل حظا الذين لا يستطيعون القيام بمثل هذا الإجراء.

قال فؤاد دبس، الشريك المؤسس لاتحاد المودعين، الذي يضم محامين ونشطاء، إن صغار المودعين هم الأشد تضررا.

ورفع الاتحاد حوالي 300 دعوى بالنيابة عن مدخرين في لبنان والخارج منذ 2019. وتشمل الدعاوى قضايا طلب تحويل أموال وإعادة فتح حسابات مغلقة. لكنه قال إنه لم يتم البت لصالح المودعين سوى في 12 قضية فقط.

وقال دبس “إنهم يغلقون ببساطة حسابات الناس لأنهم لا يريدون رد أموالهم.. وهم يفعلون ذلك بصورة أكثر تكرارا لأنهم لا يرون أن هناك هيئة تنظيمية تقف ضدهم”.

وتبدي الحكومة قلقا متزايدا بشأن الأحكام المؤيدة للمودعين وأوامر محاكم أخرى بتجميد أصول بعض من أكبر البنوك اللبنانية بينما يحقق قاض في معاملاتها مع البنك المركزي.

وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي “أنا بس بانتهز ها المناسبة وأقول ما ننبسط بالحجوزات يا اللي عم بتصير على المصارف والحركات يا اللي عم بتصير على المصارف لأنه هو من عم بيقوم بها الدعاوى هن كبار المودعين وبالتالي إذا حطوا أيدهم على المصاري ما راح يبقى شي للصغار”.

ويتهم كثير من المودعين النخبة الحاكمة في لبنان بأنهم يبذلون جهودا لحماية الأثرياء والبنوك التي يرتبط بعضها بسياسيين كبار بصفتهم مساهمين فيها أكبر من الجهود التي يبذلونها لحماية أصحاب الحسابات الصغيرة.

قالت دانا تروميتر، وهي مخرجة أفلام تبلغ من العمر 48 عاما وتعيش في بريطانيا، إن “النخبة تقوم على الدوام بتحويل الأموال إلى الخارج” مضيفة أن “الأشخاص العاديين” لا يحظون بنفس المعاملة.

* ليس عدلا

بالرغم من أن معظم المدخرين يعجزون عن الوصول إلى أموالهم، إلا أن عدم وجود قانون لمراقبة رأس المال يعني عدم وجود سبب قانوني لوقف التحويلات. وقال مصدر مطلع إن بعض البنوك حولت أموالا لسياسيين وحلفائهم.

ولم ترد جمعية مصارف لبنان على الفور على طلب للتعليق. وتقول البنوك إنها تسعى إلى معاملة جميع المودعين بإنصاف وتقصر معظم التحويلات على الاحتياجات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.

ورفعت دانا دعوى قضائية قبل عامين في لبنان للوصول إلى مدخرات تقاعد والدتها المحجوزة في البنك، لكن دون جدوى.

قالت “هذا ليس عدلا”، وأضافت أن والدتها “لا تستطيع حتى الحصول على أقل القليل من البنك لمساعدتها في كل يوم.. تشتري فحسب الضروريات اليومية”.

وقال المحامي علي زبيب إن المعدل المتسارع لإغلاق الحسابات في البنوك ربما يكون سببه الحكم الذي صدر في لندن لصالح رجل الأعمال البريطاني فاتشي مانوكيان، الذي كان يقدم المشورة له.

أضاف زبيب “ربما تهدف البنوك بالتالي إلى منع تكرار نفس الموقف من خلال إغلاق الحسابات بشكل استباقي”.

وقال دبس إن أكثر من 50 مودعا بريطانيا على اتصال منذ صدور الحكم لأن حساباتهم أُغلقت من جانب واحد، أو لأنهم يخشون من إغلاقها.

وأضاف أن معظمهم لديهم حسابات في بنكي بلوم وعودة.

وقال المستشار القانوني لبنك بلوم إن البنك أغلق بعضا من حسابات اللبنانيين والأجانب خلال الأزمة، وإن العقد الذي يوقعه العملاء يمنح البنك الحق في إغلاق الحسابات من جانب واحد دون إشعار مسبق.

وقال البنك إن بعض الحسابات المغلقة كانت لمواطنين أو مقيمين بريطانيين وإن بعض الحسابات أُغلقت منذ حكم لندن.

وقال بنك عودة، الذي لم يعلق على هذا التقرير، بعد حكم لندن إنه يطلب من المقيمين في المملكة المتحدة تطبيق الشروط السارية على كل من يفتح حسابا جديدا، بمعنى أنه لن تكون هناك تحويلات دولية أو سحب نقدي. وقال البنك إنه سيغلق الحساب في حالة عدم قبول ذلك.

 

قال كريم ضاهر، رئيس لجنة حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، إنه يتلقى مكالمات منتظمة من مودعين يشعرون بالانزعاج ويجدون صعوبة في الوصول إلى جزء فقط من أموالهم.

وأضاف “هؤلاء الناس يخصصون أموالا للتقاعد، ولإرسال أطفالهم إلى المدارس والجامعات.. هذا وضع كارثي”.

من يدفع البلد الى «التصحُّر» المالي؟ ولماذا؟

المواجهة بين بعض القضاء والقطاع المالي، كادت ان تتحوّل مواجهة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. والمفارقة في هذا المشهد ان الظالم، يسعى لكي يكون وسيطاً وحكماً بين المظلومين المتناحرين، بدلاً من ازالة أسباب الظلم، من خلال تحمُّل مسؤولية ما جرى، ومسؤولية تنظيم الانهيار بانتظار الفرج.

لم يعد ما يجري اليوم مرتبطاً بالقانون ومندرجاته. وقد لا يكون مهماً الاستفاضة في قراءة ما يجري استناداً الى معطيات تؤكد أو تنفي انّ ما يصدر من قرارات عن بعض القضاء مسيّسة، وتخدم مصالح أطراف سياسية ورغباتها، ام لا. بل ان الخطير والمهم في ما يجري، انه سيؤدّي الى تعميق مأساة اللبنانيين، ويدفع البلد نحو «التصحّر» المالي، بحيث يصبح مشهد اليمن السعيد حاضراً في الأذهان. والمقصود هنا بلد بلا مصارف، وبلا ايرادات، وممتنع عن دفع ديونه، وعاجز عن تنظيم الانهيار، وينفق ما تبقّى من رصيد مالي، وسيادته منقوصة ودولته غير موجودة عملياً. وبذلك نكون قد اجتزنا المسافة التي تفصلنا عن الدولة الفاشلة، التي تنتظر المساعدات لخفض منسوب الجوع. ولولا الجناح الاغترابي المميز، لأمكَن الجزم بأن المشهد الشعبي بعد فترة قصيرة سيكون شبيهاً بمشهد المجتمعات التي كان اللبناني يتعرّف إليها فقط من خلال الاخبار والشاشات، وكان يعتبر انها في مكان بعيد جداً عنه، قد يعنيه التعاطف معها، لكن لا يعنيه أن يقلق من التعرّض لمثلها في يوم من الأيام.

 

بصرف النظر عن التسييس في بعض الاجراءات القضائية، وهو أمر معروف وليس جديداً على اللبنانيين، فإنّ المسؤول عن الشواذات والمظالم والاجراءات التي قد تقضي على اي أمل بالوقوف مجددا في المدى المنظور، هي الدولة اللبنانية بكل مكوناتها، وبما فيها السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتضمّ اللائحة المتآمرين الراغبين عن سابق تصور وتصميم في الوصول الى هذا الدرك، والاغبياء الطامعين بالسلطة ويعتقدون انهم يمارسون حقهم السياسي المشروع. وما تحاول الدولة ان تقوم به اليوم، كان مطلوبا منها منذ تشرين 2019، لكنها تكتفي منذ ذلك التاريخ بالوقوف متفرجة.

 

ما هي المخاطر التي نتّجه اليها، في حال استمر الوضع على فوضويته، والتي يختلط فيها السياسي بالقضائي بالمصالح الانتخابية، والمصالح الرئاسية وربما بمخططات القضاء على هوية البلد بالكامل؟

اولاً – إنهيار اضافي في القطاع المالي برمته، بما يعني الانتقال من دولة لديها على الأقل بنية تحتية جاهزة لاعادة احياء القطاع المصرفي في اطار خطة للانقاذ الشامل، الى دولة فاشلة دمّرت بنيتها المالية من أساساتها، وصارت في مكان آخر لا علاقة له بلبنان الذي نعرفه.

ثانياً – اكتساب صفة الدولة الفاشلة بحيث يصبح التعاطي معنا من منطلق الوصاية اذا سمحت الظروف بذلك، او الاهمال وتركنا لمصيرنا، خصوصا اذا «نجحنا» في اغلاق كل الطرق التي تسمح باستخراج الغاز والنفط من مياهنا.

ثالثاً – تسريع إفراغ البلد من كل مقدراته وكادراته البشرية، خصوصا ان الانهيار الاضافي الذي نتّجه اليه قد يقود الى غياب ما تبقى من خدمات خجولة لا تزال قائمة، وتسمح لبعض الكادرات بالعمل «اون لاين»، لإدخال العملات الصعبة والمساهمة في الصمود النسبي للوضع الاقتصادي والمعيشي.

 

ولا بد من طرح السؤال التالي: اذا كانت «الدولة» هي المسؤولة الرئيسية عن الانهيار وعن الافلاس الذي وصل اليه البلد وأعلنته الحكومة رسمياً في آذار 2020، فمن المسؤول عن السقوط الحر الذي يتعرض له اللبنانيون منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وهو مستمر؟ من سيتحمّل مسؤولية هدر حوالى 20 مليار دولار من العملات في مصرف لبنان منذ بداية الأزمة؟ ومن سنسأل غداً عن مصير الـ13,5 مليار دولار (الاحتياطي الالزامي + حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد) عندما تنضب ويبدأ البحث عن بديل لمواصلة الهدر، والأرجح ان الدور سيكون على احتياطي الذهب؟

 

الحكومة التي اجتمعت وشعر رئيسها بالغضب لغياب أركان السلطة القضائية عن حضور الاجتماع، أوليست هي المسؤولة عن دعم الليرة اليوم من دون خطة واضحة لتبرير الأسباب وتحديد الأهداف، وقد نفاجأ غداً بأنه لم يبق في خزائن المركزي ما يسدّ رمق الجائعين؟

مسؤول سابق في صندوق النقد: آخر فرصة للبنان قبل الانهيار الكامل

مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات مع فريق صندوق النقد الدولي الاسبوع المقبل، حذّر مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، المعنيين في لبنان، من أنه إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق مع الصندوق قريباً في شأن برنامج تمويل، فإن البلاد ستواجه انهياراً اقتصادياً كاملاً.

رغم انّ أمله ضئيل بأن يأخذ السياسيون اللبنانيون ومستشاروهم بالاعتبار، خطورة ودقّة المرحلة قبل بدء الجولة الثانية من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أبدى المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي محمد الحاج ملاحظاته حول الاسباب الفعلية للأزمة وسبل إنقاذ البلاد التي تعيش مراحلها الاخيرة قبل الانهيار الشامل.

واعتبر في حديث لـ«الجمهورية» انه بعد تعدّد التحليلات والتقارير حول أسباب الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، يجب أن يكون واضحاً للجميع أن الأزمات التي يواجهها لبنان حالياً هي محلية الصنع، وقد زرعت بذورها في أوائل التسعينات حيث كانت سياسات الاقتصاد الكلي غير متّسقة ومشوّهة، وكان الفساد لا يزال واسع الانتشار.

قال: منذ عام 1992، تدخّل السياسيون في إدارة السياسات النقدية وسياسات الصرف الأجنبي، بشكل مخالف لقانون النقد والتسليف الذي يمنح مصرف لبنان الاستقلالية المالية والإدارية، وهو الامر الذي شكّل انحرافًا واضحًا عن الدور الذي لعبه مصرف لبنان منذ أن بدأ عملياته في العام 1964.

وأسِف الحاج أنه عندما كانت الدول حول العالم منشغلة ببناء مؤسسات اقتصادية قوية واقتصادات قوية وتحسين مستويات المعيشة لسكانها، كان السياسيون اللبنانيون منشغلين ببناء إمبراطورياتهم داخل القطاع العام وتوظيف مؤيديهم في المؤسسات الحكومية لتصميم وإدارة السياسة العامة. مشيرا الى انه «لسوء الحظ، أصبحت سياسات مصرف لبنان ركيزة مهمة للحفاظ على النظام الاقتصادي الفاسد الذي تأسس في أوائل التسعينات. إن وجود مصرف مركزي مستقل، كما كان الحال في لبنان قبل عام 1992، بإدارة فريق اقتصادي قوي على دراية بالمفاهيم الأساسية لاستدامة الاقتصاد الكلي، كان ليتوقف عن تمويل الحكومة ويؤكد على الحاجة إلى تعويم سعر الصرف منذ فترة طويلة».

أضاف: «لقد فشل صانعو السياسات أيضا بشكل بائس في إدارة الأزمات منذ تشرين الاول 2019، حيث كان من الممكن تجنّب الانهيار الاقتصادي منذ ذلك الوقت، لو كانت الحكومة وصنّاع السياسات مستعدّة لمعالجة السبب الجذري للأزمات من خلال برنامج إصلاح شامل. لكن، بدلاً من ذلك، وكما جرت العادة منذ أوائل التسعينات، تمّ اعتماد تدابير اقتصادية مالية مجتزأة وغير منسقة أدّت إلى المزيد من الهدر والفساد. كان يجب على صانعي السياسات ومستشاريهم أن يَعوا أنه عندما حاولت البلدان حول العالم التي واجهت أزمات اقتصادية ومالية أقل حدة ولديها مؤسسات أقوى بكثير من لبنان، معالجة مشاكلها الاقتصادية بمفردها، لم تنجح. وفي معظم الحالات، انتهى بها الأمر بالذهاب إلى صندوق النقد الدولي بعدما لحق المزيد من البؤس والفقر بالسكان. وهذا ما حصل ويحصل في لبنان الآن.

وشدد الحاج على ان لبنان يمرّ بمنعطف حرج للغاية ولم يعد لديه الوسائل أو الأدوات الاقتصادية الفعالة لامتصاص أي صدمات اقتصادية أخرى. مصرف لبنان مفلس وسرعان ما سينفد الاحتياطي القابل للاستخدام لدعم الليرة اللبنانية. إن الوضع المتردي الذي يواجهه لبنان يأتي في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية العالمية وترتفع أسعار السلع بشكل كبير. وتشير جميع المؤشرات الاقتصادية بوضوح إلى أن لبنان هو حاليا في المرحلة الأخيرة قبل الانهيار الاقتصادي الكامل. مما يعني، استمرار سعر صرف العملة المحلية بالانهيار، ومواصلة نسَب التضخم والبطالة بالارتفاع بشكل كبير، والمزيد من الانكماش الاقتصادي، والمزيد من حالات الإفلاس، ونقص في السلع الأساسية، وإغلاق المصارف وانهيار نظام الدفع، والمزيد من الجرائم…

واعتبر ان هناك بديلا لسيناريو الاصلاح غير المنظّم الذي يتبعه لبنان حالياً، «وهو برنامج إنقاذ منظّم يدعمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سيعمل على استقرار الاقتصاد ويتضمن خارطة طريق متسقة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي مع مرور الوقت. وبموجب برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي، ستكون عملية الاصلاح أقل صعوبة بكثير مما شهدته البلاد منذ تشرين الاول 2019». مشددا على ان برنامج صندوق النقد سيتضمّن حتماً شبكة الأمان الاجتماعي.

وفيما أوضح الحاج أنّ الشرط المسبق للتفاوض في شأن برنامج إصلاح ناجح مع صندوق النقد الدولي هو وجود التزام سياسي واضح بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، سأل: هل سيضع السياسيون اللبنانيون خلافاتهم جانبا ولو لمرة واحدة وينقذوا البلاد من الانهيار الاقتصادي الكامل المتوقع، أم أن كراهيتهم واستياءهم تجاه بعضهم البعض سيمنعانهم من اتخاذ الخيارات الصحيحة؟

رنى سعرتي

ماذا سيفعل المركزي بلائحة المودعين «المشبوهين»؟

بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم 154، والذي كان يهدف في عنوانه العريض الى البدء في ورشة «تطبيع» العمل المصرفي، «استفاقت» هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على واقع انّ التعميم لم يُطبّق كما ينبغي، وأصدرت قراراً يهدف الى متابعة تطبيق الجزئية المتعلقة بالـPEP.

تساؤلات كثيرة طرحها القرار الذي أصدرته هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، والذي طلبت فيه من المصارف تزويدها لائحةً بأسماء الـPEP (الأشخاص المكشوفون على السياسة)، تشمل الذين التزموا بتطبيق التعميم 154، والذين لم يلتزموا. هذا الطلب أثار موجة من التساؤلات، من أهمها:

اولاً- ما سرّ توقيت القرار الذي جاء بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم؟ (آب 2020).

ثانياً- لماذا اختيار الجزئية المتعلقة بالـPEP فقط، من دون التطرّق الى المندرجات الأخرى الواردة في التعميم، ومن ضمنها الأشخاص من غير فئة الـ PEP، والذين كان يُفترض ان يعيدوا ما نسبته 15% من الأموال المحولة الى الخارج؟

ثالثاً- ما الهدف الحقيقي من هذا القرار المتأخّر. إذ منذ صدور التعميم كانت علامة الاستفهام الأساسية مرتبطة بكيفية التنفيذ، ومن هي الجهة القادرة على إلزام شريحة الـ PEP، بالالتزام؟ فهل انّ مصرف لبنان صار جاهزاً لتنفيذ تهديداته باتخاذ الإجراءات التي تحدّث عنها، عندما تصبح لائحة المخالفين لديه؟

رابعاً- هل فعلاً انّ المركزي لا يملك اللائحة التي يطلبها من المصارف، لأنّ المعلومات تشير الى انّ المصارف سبق وزوّدت المركزي بالمعلومات حول تطبيق هذا التعميم. والأصح، انّ لجنة من مصرف لبنان سبق وجالت على المصارف واطّلعت ميدانياً على هذه المعلومات؟

خامساً- هل يمكن لأية جهة ان تنفي أنّ اسماء المكشوفين على السياسة شبه معروفة في القطاع المالي، أو هكذا يُفترض ان يكون، بدليل انّ المصارف الأجنبية تملك مثل هذه اللوائح، وتجري عليها التحديثات (Update) المستدامة، خصوصاً انّ أي لبناني دخل المعترك السياسي حديثاً، أصبح اسمه موجوداً على هذه اللوائح، ولم يعد في مقدوره فتح حسابات مصرفية خارج لبنان، وتحديداً في الدول الغربية التي تلتزم معايير الـ (FATF)؟

سادساً- ما دام مصرف لبنان قادراً على تحصيل لائحة كاملة بأسماء المكشوفين على السياسة، فهذا يعني انّ عملية تجميد ودائع هؤلاء الموجودة في لبنان سهلة ومتاحة، بحيث تتمّ مصادرة كل وديعة، ولا يستطيع صاحبها، إذا كان من فئة الـ PEP، استعادتها الاّ أذا أثبت انّها اموال نظيفة مصدرها وراثة مشروعة، ام أرباح ناتجة من أعمال شرعية وقانونية. ومثل هذا الإجراء كفيل بحلّ مشكلة إعادة الودائع المصرفية الى أصحابها، وهو أسهل، لأنّه يتعامل مع وديعة موجودة في لبنان، بدلاً من «تكبير الحجر»، ومحاولة الوصول الى الأموال في الخارج. طبعاً، مثل هذه المهمّة لا يستطيع ان يقوم بها مصرف لبنان بلا قرار سياسي. وهنا تبرز مسؤولية السلطة السياسية، إذ يكفي ان يقرّر رئيس الحكومة، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وبعد أخذ موافقة رئيس مجلس النواب، تنفيذ قرار «تنظيف» الودائع، وتجميد ما هو غير شرعي منها، حتى يتمّ الأمر. انّها مسؤولية 3 رجال في الدولة يمكن ان تقلب المشهد المالي رأساً على عقب.

في كل الأحوال، قد تصبح كل هذه التساؤلات بلا جدوى، إذا ما تبين انّ الهدف الحقيقي من قرار هيئة التحقيق في مصرف لبنان هو إبراء الذمة، وليس تنفيذ الشق المتعلق بالـ PEP. إذ يبدو انّ الهدف الحقيقي يرتبط بإظهار حسن النيات تجاه مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تقوم حالياً، وحسبما ذكر بيان الهيئة في معرض حديثه عن تنفيذ التعميم 154، بتقويم منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب في لبنان، والتي تشمل تقويم فاعلية وآليات عمل كل الجهات المعنية ضمن الدولة، ومنها الجهات التنظيمية والرقابية وجهات إنفاذ القانون. وهذا يعني انّ التقويم سيشمل مصرف لبنان، ودوره في مكافحة تبييض الأموال. وبالتالي، وعلى طريقة «اذا عُرف السبب بطُل العجب»، يبدو انّ الهدف الأول والأخير من قرار هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، هو إبراء ذمّة المركزي أمام المجموعة الدولية، وترك الدولة ومؤسساتها لتقلّع شوكها بيديها.

انطوان فرح