أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

مواجهة مفتوحة بين الحكومة ومصرف لبنان

يرفض مصرف لبنان أن تتعامل معه الحكومة على قاعدة « take it or leave it « في ما يتعلّق بتمويل نفقات الدولة على سعر الصرف المدعوم ممّا تبقّى من احتياطي عملات أجنبية يحاول البنك المركزي منفرداً ترشيد استهلاكها من اجل إطالة أمد الدعم الى أطول فترة ممكنة، وضمان ديمومة عمل المَرافِق العامة وتوفير الحاجات الاساسية لتيسير الامور الحياتية للمواطنين.

وبما انّ قطاع الكهرباء يعدّ من الامور الحيوية التي لا يمكن التفريط بها، أكد مصرف لبنان أنه يتعاون إيجاباً في هذا الملف، وهو على استعداد لتأمين السيولة المطلوبة بالعملات الاجنبية لتمديد عقد تشغيل وصيانة معملي دير عمار والزهراني وتفادي غَرق البلاد بالعتمة، إلّا انه يجد نفسه الجهة الوحيدة الحريصة على ما تبقى من احتياطي عملات أجنبية وعلى ضرورة ترشيد الدعم، في حين تمارس كل الجهات المستفيدة من الدعم، إن كانت الوزارات او المؤسسات الادارية او الشركات والتجار، سياسة الضغط من خلال تَخييره بين الظلمة او الدعم وبين انقطاع المواد والسلع أو الدعم، غير آبهة بترشيد حاجاتها من الدولارات وتقليصها، مع العلم انّ الوضع المالي والنقدي لم يعد يحتمل أي تقاعس في ادارة الأزمة.

مصادر في مصرف لبنان أكدت لـ»الجمهورية» انه مع انعدام القدرة على تعزيز احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في مقابل ارتفاع حاجات الإنفاق، يحاول المجلس المركزي في مصرف لبنان التعاون بشكل إيجابي مع الحكومة والفرقاء السياسيين من أجل تجنيب البلاد انفجاراً اجتماعياً مع الحفاظ في الوقت نفسه على ما تبقّى من دولارات لدعم أي خطة اقتصادية ستضعها الحكومة المقبلة في حال تشكيلها.

وأشارت المصادر الى انه في حال التوافق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ، فإنّ الحد الأقصى للدعم المالي السنوي سيبلغ حوالى ملياري دولار في حين «اننا اليوم نقوم بإنفاق 6 مليارات دولار سنوياً على الدعم من دون أي خطة إصلاحية، ما يؤدي الى هدرها»، مشددة على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تضع خطة لاستغلال تلك الاموال المتبقية في إطار خطة اقتصادية ومالية واضحة.

وحول سيناريوهات ترشيد الدعم التي وضعتها الحكومة، اعتبرت مصادر البنك المركزي انه من المفترض وضع خطة واحدة للدعم تتناسَب والوضع المالي للبلاد، وتقطع الطريق امام عمليات التهريب والتخزين والاحتكار القائمة، وتفيد بشكل أساسي الأسَر الاكثر فقراً، وليس خطط دعم «شعبوية».

وأسِفت لأنّ الوقت يمرّ من دون التوصل بعد الى أي قرار او خطة في شأن ترشيد الدعم، «بل كلّ ما يُعرض علينا هو سيناريوهات بعيدة جدّاً من أي ترشيد فعليّ وجدّي للدعم»، موضِحة انّ تلك السيناريوهات تعتمد على تحديد الكميات التي يتم دعمها واقتراحات، على سبيل المثال، بخفض قيمة دعم بعض السلع بـ100 مليون دولار في مقابل زيادة حجم دعم سلع أخرى بالقيمة نفسها.

وسألت: هل اقتراح خفض فاتورة الدعم السنوية البالغة 6 مليارات دولار بمقدار 300 مليون دولار، يُعدّ ترشيداً للدعم؟

بيان مصرف لبنان

وبالعودة الى أزمة الكهرباء، أصدر مصرف لبنان امس بياناً أكد فيه حرصه «على المصلحة العامة، وعلى استمرارية عمل المرافق العامة وفي مقدمتها كهرباء لبنان، وتأمين السلع الاساسية»، مُذكّراً بمراسلاته خلال الأشهر الستة السابقة مع وزارة المالية، المتعلقة بالوضع المالي العام لمصرف لبنان وضرورة ترشيد سياسة الدعم.

وقال: بما أنه، ولاستمرار قيام مصرف لبنان بمهامه في هذه الأزمة الحادة، والمَنصوص عنها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف المتعلقة بالمحافظة على النقد لتأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم، وبما أنّ مصرف لبنان يستخدم موجوداته المحدودة بالعملات الاجنبية بناء على مسؤوليته الوطنية،

وعطفاً على طلبات شركة كهرباء لبنان والوزارات المعنية بالدعم، وطلبات المستوردين للمواد المدعومة، فإنّ مصرف لبنان كان قد أرسل كتاباً الى وزير المالية في 12 شباط 2021 يفيد فيه الآتي بيانه:

– ضرورة اعتماد خطّة فورية لترشيد الدعم مع تحديد الأولويات ومصادر تمويلها الأمر الذي يدخل في صُلب مهام الحكومة، وإبلاغ مصرف لبنان بها، علماً أنّ أي تأخير في ذلك له تداعيات سلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

– ضرورة تحديد الاجراءات التي ستتخذها الحكومة لتأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية.

– يقترح مصرف لبنان على وزير المالية، بالتعاون مع وزير الطاقة ومدير عام شركة الكهرباء، وضع دراسة شاملة على كل العقود الموقعة من قبل شركة كهرباء لبنان تشرح فيها طريقة اختيار الشركات المتعاقدة والتأكد من عدم وجود وسائل بديلة لتخفيض التكاليف، وهذا ما كان قد اقترحه مصرف لبنان مراراً خلال اجتماعات الاشهر الماضية مع معالي وزير الطاقة وشركة الكهرباء، وعلى أن تكون هذه الدراسة علنية ومتوفرة للعموم لِفَسح أوسع مجال للمشاركة في هذه المسؤوليّة الوطنية.

– ضرورة أن يكون هناك موافقة خطية على كل الفواتيرالمعروضة للدفع من شركة كهرباء لبنان وكافة الوزارات المعنية والمستوردين المعتمدين، من قبل مركزية واحدة تقررها الحكومة. على أن تحدّد الحكومة الأولويات، وتُؤكِّد مع المركزية على احترام آلية الدفع المتفق عليها مع مصرف لبنان، وتحمّل مسؤولية كلفة الدعم بالعملات الاجنبية وأي هدر أو سوء استعمال ينتج عنها.

وقد طلب مصرف لبنان من وزير المالية الإجابة بالسرعة الممكنة نظراً لحساسية الوضع الحالي وحفاظاً على استمرارية عمل المرافق الاساسية كافة».

أزمة الكهرباء

تجدر الاشارة الى انّ الشركة الأميركية primesouth المُشغّلة لمعملي الزهراني ودير عمار يتنهي عقدها يوم الاثنين 15 شباط 2021، وتهدّد بالانسحاب وتسليم معملي إنتاج الكهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان التي طالبت بدورها بتمديد العمل للشركة، وحصلت على موافقة وزارتي المالية والطاقة. لكنّ الشركة الاميركية رفضت التمديد قبل دفع مستحقاتها السابقة البالغة قيمتها 45 مليون دولار، ومستحقاتها الجديدة للعام المقبل والبالغة 60 مليون دولار. وقد عُقدت اجتماعات عدّة في هذا الاطار بين وزير الطاقة ريمون غجر ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ومسؤولين في مصرف لبنان للتوصّل الى صيغة حول كيفية تأمين مستحقات الشركة والاتفاق معها قبل يوم الاثنين المقبل وتفادي غرق البلاد في العتمة، علماً انّ الطاقة الكهربائية المنتجة من قبل معملي دير عمار والزهراني تشكل حوالى 10 ساعات من التغذية الكهربائية يومياً.

ووفقاً لِما يتم التداول به فإنّ الكرة اليوم في ملعب مصرف لبنان الذي تنتظر وزارة الطاقة جواباً منه حول إمكانية تأمين المبالغ المطلوبة بالدولار.

رنى سعرتي

أين إعادة الودائع من إعادة رسملة المصارف؟

إستقطبت المتابعين للوضع المصرفي في لبنان قضية إعادة رسملة المصارف وإعادة هيكلة القطاع وإعادة النظر بانخراطه في تمويل الدولة، فيما الهاجس الأساسي للناس يكمن في كيفية إعادة الودائع! فما هي أهمية استحقاق زيادة رسملة المصارف وزيادة احتياطاتها لدى المصارف المراسلة؟ وأين «يصرف» المودعون حصيلة كل التعاميم المتلاحقة؟ إنّ القراءة المتأنية تتطلّب تحديد إشكالية أزمة ودائع الناس لدى المصارف وأزمة المصارف في توظيفاتها من جهة، ثم تحديد مدى انعكاس الاجراءات الجديدة على تخفيف المخاطر عن المودعين أو المساهمة في تحسين الدفاع عنها من جهة أخرى.

أمام عتبة استحقاق شباط 2021 الذي يوجِب على المصارف، وفق تعاميم المصرف المركزي، توفير سيولة بنسبة 3% من ودائعها بالعملات الأجبنية لدى المصارف المراسلة وزيادة رأسمالها بنسبة 20%، لا بد من التذكير أنّ النشاط المصرفي بمجمله لقانون التجارة (1942) ولقانون النقد والتسليف (1963)، وأنّ المصارف والمؤسسات المالية الأخرى في لبنان تعمل تحت إشراف مصرف لبنان، أي المصرف المركزي الذي يشكّل السلطة النقدية الناظمة لعمل المصارف في البلاد. فالمصرف المركزي هو مصرف المصارف ومصرف الدولة في آن، وهو الذي يمنح الترخيص لإنشاء مصارف جديدة، ويحدّد مجال عملها، ويرسم أصول المهنة ويفرض القواعد الاحترازية التي ينبغي أن يعتمدها القطاع.

أما الهيئة الرقابية فتتمثّل في لجنة الرقابة على المصارف التي أُنشئت في العام 1967، والتي تتولّى مراقبة نشاط المصارف، وتتأكّد من حسن تطبيق القوانين والأنظمة المرعية.

ولقد ازدهر القطاع المصرفي في ستينات القرن العشرين، وهي المرحلة التي شهدت انطلاقة هذا القطاع وانتعاشه، إلى أن حصلت أزمة بنك انترا (1966).

وقد أعقبتها فترة الإزدهار النسبي قبل تجمّع عوامل أزمة الثمانينات التي اقتصرت على التضخّم المفرط وتدهور سعر صرف الليرة، كون المصارف لم تكن بعد غارقة في تمويل القطاع العام العاجز عن التسديد، لا سيما في العملة الأجنبية، كما أصبحت عليه الحال تِباعاً منذ منتصف التسعينات، وبدأ انكشافه مع تراكم عجز ميزان المدفوعات وتقلّص الدولارات في البلد وانغماس القطاع المصرفي في استقطابات الدولار لتمويل كّل من الدولة (عبر الاكتتاب بالأوروبوند) وحاجات المصرف المركزي (عبر شراء شهادات الايداع بالدولار الأميركي لتعزيز احتياطي مصرف لبنان بالدولار، الضروريين لاستمرار الدفاع عن ربط سعر الصرف بحدود 1507.5، بغضّ النظر عن كل تدهور المؤشرات الماكرو-اقتصادية وعجوزات ميزان المدفوعات، وإن لتلبية احتياجات الاستيراد في بلد يشكّل فيه الاستيراد أكثر من 80% من الاستهلاك، ويتم فيه تعويم نمط عيش أعلى من إمكانية معظم المواطنين بين مروحة القروض التي تم إغراق معظم المواطنين فيها بالدولار الأميركي لشراء السيارات والمفروشات والسفر والسياحة، وحتى عمليات التجميل… من دون أدنى تحذير لهم نظراً لأنّ معظمهم من أصحاب الرواتب المتواضعة بالليرة اللبنانية، التي يستحيل أن تصمد إزاء أي تدهور في سعر الصرف. وها هي السلطات النقدية قد اضطرت لفرض استمرار تسديدها حتى اليوم على أساس سعر الصرف 1507.5..)، فباتت المصارف في المقابل عاجزة عن استرداد دولاراتها الموظف منها لدى الدولة على شكل يوروبوندز، أو لدى المصرف المركزي على شكل شهادات إيداع بالدولار، أو لدى هذه الشرائح من القطاع الخاص من مواطنين اقترضوا بالدولار وبالكاد رواتبهم بالليرة تسمح لهم التسديد على سعر الصرف القديم.

الانكشاف السيادي للمصارف اللبنانية

أبعد من سندات اليوروبوندز التي تحملها المصارف اللبنانية بالدولار الأميركي واليوروبوندز التي يحملها المصرف المركزي، من الضروري الإشارة الى أنّ الجهاز المصرفي اللبناني لديه مصادر قلق أخرى من الانكشاف السيادي. فبالإضافة إلى اليوروبوندز التي يحملها القطاع المصرفي، تُظهِر أرقام وكالة «بلومبرغ» أن المصارف اللبنانية اشترت شهادات إيداع بالدولار الأميركي من المصرف المركزي حتى باتت عليه التزامات بقيمة 52.5 مليار دولار على شكل ودائع بالعملات الأجنبية وشهادات إيداع بالدولار الأميركي يعود معظمها الى المصارف اللبنانية، أي أنها توظيفات من مجموع مدّخرات المودعين اللبنانيين بالعملات الأجنبية. وعلى رغم أنّ القليل من شهادات الايداع يستحق هذا العام أو العام المقبل، فإنّ أكثر من 8 مليارات دولار تستحق في 2022 و2023.

كذلك، من المفيد الاشارة الى أنّ معدل الاحتياطي الالزامي على الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف هو 15%، ما يعني أنّ مقابل مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف، التي انخفضت من 120 قبل اندلاع الأزمة الى حوالى 112 مليار دولار اليوم، انخفضت الحاجة الى الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان من 18 الى 17 مليار دولار (15% من الودائع بالدولار الأميركي) على شكل احتياطي إلزامي بالعملات الأجنبية، تُضاف الى الأعباء بالعملات الأجنبية التي يفترض أن تكون لدى المصرف المركزي إمكانية تغطيتها (علماً أنّ معدل الاحتياطي الالزامي هو 25% على الودائع الجارية بالليرة اللبنانية و15% على الودائع المجمّدة بالليرة اللبنانية).

القروض المتعثّرة للمصارف وجمود النشاط الاقتصادي

الى جانب الانغماس بالانكشاف على الدين السيادي للدولة وشهادات الايداع بالعملات الأجنبية، تواجه المصارف اللبنانية مخاطر انعكاسات جمود النشاط الاقتصادي وتوقّف الطلب على التسليفات، كما توقف تدفّق الرساميل من الخارج وزيادة الودائع في الداخل، والتوجّه المعاكس نحو تقليصها أكثر من قبل أصحابها الى الحد الأدنى الممكن، إن من خلال استخدامها لسدادٍ مُسبَق لتسليفاتهم أو السحوبات المستمرة بالدولار الأميركي في بداية الأزمة كما بالليرة اللبنانية حالياً ولو على سعر المنصة 3900، أو حتى من توجّه كثيرين الى ما يُعرف بأدوات الحماية من المخاطر عبر شراء الذهب أو الاستثمار العقاري.. علماً أنّ لهذا الأخير إيجابيات كثيرة، لا سيما في تسييل عقارات كانت مجمّدة بفعل الأزمة فيما أصحابها مديونون للمصارف ويهمّهم إطفاء أكبر جزء من ديونهم ولو بشيكات مصرفية، بغض النظر عن إمكانية سحبها نقداً.

من هنا، تفتح الأزمة الاقتصادية باب مخاطر القروض المتعثّرة لدى المصارف، والتي لا تقلّ أهمية عن مخاطر الانكشاف السيادي، مع الاشارة الى أن التسليفات المصرفية بالعملات الأجنبية للقطاع الخاص اللبناني تتراوح بحدود 30 مليار دولار، وتسعى تعاميم المصرف المركزي على احتوائها من خلال العمل على وضع سقوف على الفوائد الدائنة، وتخفيض الفوائد المدينة بشكل مباشر، وتوجيه المصارف لإعادة هيكلة الديون المتعثّرة عبر إطالة الأجال، وإعادة النظر بالشروط الى جانب الالتزام بالتعاميم الجديدة الصادرة عن المصرف المركزي، والتي تنص على تخفيض معدلات الفوائد…

كما أنّ الإجراءات الحالية من ضبط حركة الرساميل بسبب الأزمة في غياب نص قانوني جامع وضوابط موحّدة، جمّدت كلياً إقدام غير المقيمين وحتى المغتربين عن إرسال التحاويل، لا بل أدت الى قلق المقيمين على ودائعهم، إن كان بالعملات الأجنبية أو حتى بالليرة اللبنانية، ما يدفعهم يومياً الى نشاط مصرفي باتجاه واحد هو سحب الأموال وتخزين الأوراق النقدية إن كان بالدولار أو حتى بالعملة الوطنية، ما ينسف النظام المصرفي ككل ويدفع باتجاه الاقتصاد النقدي cash economy، فيضرب إمكانية استعادة المصارف دورها في التسليف أيّاً كانت شروطها لافتقاد ثقة العملاء بإيداعها مدّخراتهم.

أزمة السيولة بالدولار وتراكم عجز ميزان المدفوعات وازدواجية سعر الصرف

تعتمد المصارف اللبنانيّة على حساباتها لدى المصارف المراسلة في الخارج (القطاع المالي غير المقيم) لشراء الدولارات الورقيّة وشحنها إلى لبنان، لتأمين السحوبات النقديّة لزبائنها. كما تعتمد المصارف على هذه الحسابات لسداد ديونها في الخارج، وإجراء الحوالات لعملائها، خصوصاً بعد تشدد مصرف لبنان في استعمال الاحتياطي المتوفّر لديه من العملة الصعبة.

وتبيّن الميزانيّات المجمّعة للمصارف اللبنانيّة أنّ هذه المصارف خسرت خلال عام 2019 وحده ما نسبته 43.56% من قيمة حساباتها لدى القطاع المالي غير المقيم (أي المصارف المراسلة)، فضلاً عن انعكاس أثر السحوبات النقديّة الكثيفة والمستمرّة منذ 17 تشرين الأوّل 2019. وكان واضحاً أنّ استمرار المصارف في توفير السحوبات النقديّة لعملائها بالدولار سيكون مسألة متعذّرة خلال الفترة المقبلة، إلا إذا سمح مصرف لبنان باستعمال الاحتياطي الذي يملكه من العملة الصعبة لهذه الغاية، والذي يمثّل كما سبق وذَكَرنا جزءاً من ودائع المصارف بالعملات الأجنبية لديه عبر شرائها لشهادات الايداع بالعملات الأجنبية…

وعلى خط مواز، وحتى قبل اتخاذ الإجراءات المكبّلة لحركة الرساميل، كان لبنان يعاني في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ العام 2011، انقلابَ وضعِ ميزان المدفوعات وتحوّله الى سلبي بشكل مستمر مع تراجع ميزان الرساميل وعدم إمكانيته التعويض عن العجز الهائل في الميزان التجاري الذي تخطى سنوياً 17 مليار دولار أميركي.

هذا التراجع في استقطاب العملات الاجنبية وعجوزات ميزان المدفوعات كانا يضغطان بشكل متزايد على سوق القطع، الذي يعتمد منذ عام 1997 على ربط سعر صرف الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس 1507.5 ليرة للدولار. إلّا أنّ انفجار الأزمة ومحدودية الاحتياطي بالعملات الأجنبية وأولويات استخدامه بين تلبية استحقاقات داهِمة بالدولار الأميركي قبل بَت إعادة هيكلة الدين العام وتمويل استيراد مواد أساسية من قمح ودواء ولوازم طبية ومشتقات نفطية، في ظل تزايد الطلب على الدولار في السوق، جَمّد إمكانية الصرف في القطاع المصرفي الذي أبقى على السعر الرسمي 1507.5 من دون إمكانية التحويل في المصارف ولا التحويل الى الخارج، حتى تضاعَف الطلب على الدولار لدى الصرافين، وأفلتَ السوق من إمكانية ضبطه فظهرَ سعراً موازياً للدولار أعلى من السعر الرسمي، فتهاوى معه الهدف الأساسي للمصرف المركزي المتمثّل بحماية القدرة الشرائية والاستقرار النقدي من تقلبات سعر الصرف وموجات التضخم.

أفق مخارج الأزمة وانعكاساتها على المودعين

بين تعاميم البنك المركزي لزيادة الرسملة وزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة بنسبة 3%، قد تتمكن بعض المصارف من تعزيز وضعها في السوق، لا سيما تلك التي تبيع أصولها في الخارج. لكنّ التعاميم تسمح بإعادة تقويم العقارات التي تملكها المصارف كجزء من موجوداتها الأساسية والموجودات التي استحوذت عليها من المقترضين مقابل القروض المتعثّرة، واستعمال الارتفاع في قيمة العقارات لتحقيق الزيادة المطلوبة في الرساميل، ما يجعل تحقيق زيادة الرساميل مسألة دفتريّة ومحاسبيّة لا تحقق أي تغيير في سيولة المصارف وقدرتها على سداد التزاماتها للمودعين حالياً بانتظار تحسّن وضع القطاع العقاري والتمكّن من تسييلها.

أمّا عجز المصارف في التزاماتها لدى المصارف المراسلة في الخارج، فيجعل من الصعب عليها تحرير فائض من زيادة السيولة لإحداث أي حَلحلة لجهة تحرير ودائع زبائنها بالدولار الأميركي.

أما عودة الانتظام إلى القطاع فتتطلّب خطة متكاملة على مستوى الحكومة، وتحديد الخسائر المنتظرة في القطاع والطريقة العادلة لتوزيعها من جهة أخرى، على أن تكون عمليّة إعادة هيكلة المصارف وإعادة رسملتها إحدى أجزاء هذه الخطة الكاملة.

هذه الخطة تتطلّب إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة رسملته، مع التشديد على ضرورة الضخّ المباشر للأموال في رؤوس أموالها من المساهمين، علماً أنّ هوية المساهمين وإمكاناتهم وإرادتهم لها تأثيراتها الأساسية في إمكانية تحقيق هذه الخطوة، فضلاً عن إمكانية دخول المستثمرين الجدد في المرحلة التالية، ما يجعل إعادة هيكلة القطاع أمراً ملحّاً قبل التوجّه الى مستثمرين جدد أو حتى لاستمزاج كبار المودعين بالمساهمة في زيادة الرساميل، ليكون معروفاً أي مصارف، أو بالأحرى أي مجموعات مصرفية، ستكون محتلّة المشهد الجديد للقطاع.

وإذا كانت أبرز التحديات المستقبلية أمام المصارف اللبنانية تكمن في اكتساب الثقة لاسترجاع الأموال المخزّنة في المنازل من جهة وإعادة استقطاب الرساميل من الخارج، فمن المعروف أنه يصعب استعادتها من الكثير من المصارف الموجودة حالياً بعد اهتزاز العلاقة بين طرفي العقد من مصارف ومودعين، والمسألة باتت تتطلّب مشهداً جديداً قادراً بأن يوحي بالفرق ويحقّقه فعلاً.

ولكن حتى لو لم تكن عمليات الدمج والاستحواذ كافية في القطاع المصرفي، فالأساس يبقى في التقويم العلمي الحقيقي لواقع أصول المصارف لتحديد المصارف ذات المخاطر الكبرى وغير القابلة على الاستمرار، كما تحديد المصارف المتمكّنة ضمن مجموعات مصرفية ذات رسملة جيدة ولو استعانت بمساهمة من كبار مودعيها لتعزيز رسملتها ومكانتها في السوق، ووضع الآلية المناسبة لإيفاء الدولة الالتزامات تجاهها بعد وضع أطر إعادة هيكلة الدين، طالما من المرجّح أنها لا تزال تحمل سندات خزينة وشهادات إيداع لدى المصرف المركزي. وذلك يكون من خلال برامج إشراك المصارف في المرافق الحيوية للدولة لاستعادة كامل الأموال المستثمرة من قبلها لدى الدولة المتعثّرة، وهي أموال المودعين، فيكون بذلك تحقق الإصلاح باتجاهين: الاتجاه الأول عبر وضع برنامج واضح لإعادة حقوق المصارف والمودعين، والاتجاه الثاني هو إنقاذ المرافق العامة عبر إشراك القطاع الخاص بكل فعاليته وإنتاجيته في ملكيتها وإدارتها بما يحسّن كل نوعية أدائها.

للمرة الأولى يطرح ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي باتجاه البناء الصلب لقطاع متين بمؤسسات شفافية وفعالة بعيدة عن كثافة الأسماء والمنافسة غير الجديرة وأوهام الفوائد المضخّمة والأرقام غير الواقعية وتوجيه الادّخار نحو تمويل قطاع عام عاجز في ظل اختناق قطاع خاص… فهل يكون كل ذلك فرصة لاستعادة الثقة ببناء متين يستحق تحمّل الكلفة وعناء الصبر لاستعادة الحقوق؟

د. سهام رزق الله

لبنان أصعب حالة سيتعامل معها صندوق النقد

«خبصة بإدارة جَهَلة». بهذه العبارة يصف أحد المسؤولين الدوليين ما يحصل في لبنان حالياً، من ناحية كيفية إدارة الوضع الاقتصادي والمالي، مؤكّداً انّ الوضع سيشهد مزيداً من التدهور، لأنّ كل الاجراءات المتّخذة مجتزأة وعشوائية، ولا تعتمد أية استراتيجية واضحة للاقتصاد الكلي او برنامج اصلاح شامل، «وما يدور من نقاش اقتصادي في لبنان محزن ومؤسف».

يعتبر أحد المسؤولين الدوليين، انّه في ظلّ التشريح الجاري لمشروع قانون موازنة 2021، والذي لن تتمّ مناقشته او يبصر النور قبل تأليف حكومة جديدة، فإنّ هذا المشروع خالٍ من أي رؤية للاقتصاد الكلي في 2021، ولا يحدّد استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع الافتراضات الممكنة والمتعلقة بسعر الصرف او اسعار الفوائد والدين العام المتعثر والسندات السيادية، تقديرات حجم الناتج المحلي الاجمالي، نسبة التضخم… علماً انّ هذه العوامل الرئيسية، بالإضافة الى برنامج الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، تشكّل إطار العمل الذي يجب على اساسه إعداد اي مشروع موازنة.

وبما انّ مشروع الموازنة من المفترض ان يكون الركيزة الاساسية لأي مشروع اصلاحي شامل، يرى المسؤول الدولي انّ الاعتراضات عليه من قِبل موظفي القطاع العام طبيعية ومتوقعة، شارحاً انّه في اوقات التضخم وانهيار سعر صرف العملة المحلية، من المفترض اعتماد برنامج اصلاحي، تكون تداعياته بمثابة تعديل للرواتب والاجور، وليس تعديل الرواتب والاجور في الموازنة وزيادة وضع الموظفين بؤساً وتخفيض قدرتهم الشرائية بشكل اكبر.

اما ضريبة التضامن الوطني الواردة في مشروع الموازنة، فهي بالنسبة له هروب من الواقع والطريقة الأسهل لتحقيق الايرادات الضريبية، من دون اي مجهود او اصلاح، كون الدولة عاجزة عن منع التهرّب الضريبي او ضبطه، وقد لجأت بدلاً من ذلك الى ما يمكنها تنفيذه وتطبيقه، وهو فرض مزيد من الضرائب على المودعين العاجزين عن سحب ودائعهم، التي فقدت اكثر من 80 في المئة من قيمتها.

من جهة اخرى، يستغرب المسؤول الدولي استمرار لبنان بسياسة الدعم القائمة، لافتاً الى انّ كافة دول العالم تعتمد على سياستين للدعم، الاولى من خلال منح الطبقة الفقيرة دعماً مباشراً، يوازي قيمة الارتفاع الذي سيطرأ على سعر السلة الغذائية التي يستهلكونها بعد رفع الدعم. والثانية، من خلال تخصيص موازنة للدعم ضمن موازنة الدولة. مشدّداً على انّ ما يحصل حالياً في ملف الدعم عبر اسعار صرف متعددة، ومن خلال دعم السلع وليس الأسر، يؤدي الى تشوّهات وهدر مالي ضخم، «مع ذلك لا يجرؤ أحد في لبنان للأسف على اتخاذ قرار رفع الدعم».

ويشير الى انّ الحكومة تعاملت فقط مع العواقب الناتجة من انهيار سعر صرف العملة، وتجاهلت التداعيات الايجابية على الصناعة المحلية التي أصبحت اكثر تنافسية، لافتاً الى انّ كافة دول العالم، عند انهيار سعر صرف عملاتها المحلية، تلجأ الى دعم الصناعة المحلية وليس دعم السلع المستوردة التي يوجد بديل محلي منها.

وبالنسبة للتدقيق الجنائي الذي يعوّل عليه كثيرون، يقول انّه لن يُظهر او يحدّد السياسات الخاطئة التي تمّ اعتمادها على مرّ السنين، والتي أدّت الى حصول الأزمة الحالية، على غرار سياسة تثبيت سعر الصرف ومنح فوائد مرتفعة وغيرها وغيرها من السياسات المالية… «بل قد يكشف عن بعض العمليات والممارسات غير الشرعية، والتي رغم اهميّتها لا تُعتبر «لبّ المشكلة».

وفيما يؤكّد انّ لا مخرج للبنان لا اليوم ولا بعد سنة، سوى عبر التوصّل الى برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، يجزم بأنّ لبنان سيكون من دون شك واحداً من أصعب الحالات التي سيتعامل معها صندوق النقد الدولي، مشدّداً في المقابل على انّ البرنامج لا يمكن ان يؤدي الى النتيجة المرجوة، من دون وجود قرار سياسي والتزام كامل للسير بالاصلاحات.

رنى سعرتي

ازمة لبنان المالية: الى أين يتجه العقار بعد فورة 2020؟

وحده مؤشر القطاع العقاري سجّل نمواً إيجابياً خلال العام 2020، فمنذ شهر آب 2019 حتى تشرين الأول 2020 بيعت حوالى 60 ألف وحدة سكنية أفرغت السوق، في حين كان يسجّل في السنوات السابقة بيع حوالى 30 الف وحدة سنوياً. فماذا بعد؟ وكيف سيتحرّك السوق العقاري في المرحلة المقبلة؟ وهل من خطر لانهيار عقاري او مضاربات؟

ساهم الانهيار المالي الذي بدأ في الفصل الأخير من العام 2019 في إنقاذ القطاع العقاري اللبناني الذي كان يعاني ركوداً قاتلاً أدّى الى تعثّر بعض المقاولين. وبتهافت المودعين على شراء عقارات لتحرير جزء من ودائعهم المصرفيّة نتيجة القيود المفروضة على السحوبات النقديّة بالعملات الأجنبيّة، تخلّص تجار البناء والشركات العقارية من ديونهم تجاه المصارف فباعوا عقاراتهم مقابل الشيكات المصرفيّة. لكن، وبعد تسديد ديونهم توقّفت الغالبية الساحقة منهم عن القبول بالشيكات المصرفية وباتوا يطالبون بدفع نسبة من ثمن العقار بالدولار الطازج، بدل الشيك المصرفي.

 

إزاء هذا الواقع أسئلة كثيرة تُطرح عن مستقبل هذا القطاع، فهل سيعود مجدداً إلى حالة الركود؟ وهل هناك خشية من حصول مضاربات عقارية في السوق في المرحلة المقبلة بهدف تسييل العقار للحصول على دولارات طازجة؟

يقول أمين سر جمعية مطوري العقار في لبنان REDAL مسعد فارس لـ»الجمهورية» انّ القطاع العقاري في المرحلة المقبلة هو خليط من كل هذه الاحتمالات، ففي العام 2020 تهافت المودعون على شراء العقار وقلّة قليلة لا تزال تَنوي شراء العقار. فالمودع الذي اشترى عقاراً بمبلغ صغير بهدف إخراج أمواله من المصرف أحسَنَ بخطوته لأنه حافظَ بهذه الطريقة على قيمة أمواله بدل إبقائها في المصرف، لكن هذا المودع او المستثمر الصغير هو أول من سيحاول بيع عقاره في المرحلة المقبلة لأنه سيكون بحاجة أكثر الى الأموال مقارنةً مع المستثمر الكبير الذي، على سبيل المثال، اشترى شقة او ارضاً بقيمة 4 او 5 ملايين دولار، فهذا لن يحتاج الى الأموال قريباً وبالتالي لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة.

 

وتابع: الوضع اليوم شبيه بالعامين 1995 و1996 عندما عرضت اسهم سوليدير للبيع فتهافت الناس لشرائها، لكن ما لبث صغار المستثمرين أن عرضوها للبيع لحاجتهم الى الأموال. وقال: لو انّ الوضع الاقتصادي اليوم بخير ما كنّا لنتوقع توجّهاً لبيع العقار، لكنّ سوء الأوضاع الاقتصادية سيدفع بالبعض مُجبَراً الى بيع العقار للحصول على الأموال لأغراض معيشية بحتة. لذا، نتوقع في المرحلة المقبلة وخلال السنتين المقبلتين ان تحصل بيوعات عقارية كثيفة.

وعمّا اذا كانت هذه البيوعات ستخفّض من سعر العقار؟ يقول فارس: يتراجع سعر العقار في حال هجم المستثمرون دفعة واحدة على البيع، بحيث يصل مجموع قيمة المعروض العقاري الى ما بين 30 الى 40 مليون دولار. الّا انّ هذا الامر مُستبعد.

 

وتابع: بما انّ من اشترى عدة أراضٍ بملايين الدولارات لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة لأنه لن يحتاج الى سيولة قريباً، سيبقى سعر هذا النوع من العقار متماسكاً ولن يتبدّل. أمّا من اشترى شقة صغيرة بسعر مقبول وأراد ان يعرضها للبيع لتسييلها فلن يحقق ربحاً من هذه العملية إنما سيحافظ على قيمة امواله، إذ إنه بعد ان اشتراها بشيك مصرفي سيُطالب عند البيع بجزء من ثمنها نقداً والجزء الآخر عبر شيك مصرفي.

 

وتوقّع فارس أن تصبح السوق العقارية في المرحلة المقبلة سهلة، وستحصل الكثير من عمليات البيع والشراء مرجّحاً ان تكون غالبية المشترين من خارج لبنان، لا سيما من المغتربين، لأنّ الشقة او العقار المقدّر بمليون دولار سيشتريه المغترب بـ 300 ألف دولار نقدي، بما يعني انّ العقار سيصبح متاحاً أكثر وبسعر أرخص لمن يملك الأموال الطازجة.

 

ورداً على سؤال، اعتبر فارس انّ التغييرات في السوق العقاري ستبدأ بعد حوالى عام ونصف العام من الآن، لافتاً الى انه لا يزال هناك طلب على القطاع العقاري من قبل المودعين، خصوصاً انه لا يزال هناك ما بين 20 الى 30 مليار دولار من الودائع التي تبحث عن مخرج لها من المصارف. لكنّ المشكلة تكمن في قيام غالبية المطورين بتسديد ديونهم الى البنك، وبالتالي ما عادت هناك حاجة للبيع، فالمطوّر غير المديون بات يطلب من الشاري «لبن العصفور»، مثل تسديد ثمن العقار نقداً.

 

وعمّا اذا كان من المتوقع ان يتراجع سعر العقار في الفترة المقبلة، يَجزم فارس انه لن يحصل انهيار في القطاع العقاري اللبناني إنما من المرجّح بعد حوالى عام ونصف العام ان يصبح السوق العقاري في لبنان مَرناً من قبل الطرفين البائع والشاري، لأنه ستصبح هناك حاجة للبيع وللأموال النقدية، فإذا طلب المطور 320 ألف دولار ثمن العقار يمكن ان يحسّن سعره للشاري ويخفّضه الى 300 الف دولار مثلاً، على عكس ما يحصل اليوم، بحيث يمكن وصف السوق العقاري بالصعب، فالمطوّر غير المديون للمصرف يفرض أسعاره على الشاري ولا يتراجع.

 

النمو الايجابي

في الأرقام، أظهرت إحصاءات دائرة السجل العقاري انّ المؤشّر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 هي المبيعات العقارية التي زادت 112.7% على أساس سنوي لتبلغ 10.077 ملايين دولار. فقد ارتفع عدد المبيعات العقاريّة بنسبة 55.81% على صعيدٍ سنوي إلى 68,811 معاملة مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2020، وتحسّنت قيمة معاملات المبيع العقاريّة بأكثر من الضعف إلى 12.27 مليار د.أ. كما ارتفع متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة 37.20% على صعيدٍ سنويّ إلى 178,296 دولار من 129,949 دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

ايفا ابي حيدر

ما سرّ سكوت الدائنين… وماذا يُحضِّرون للبنان؟

هل هناك لغز أو أسباب منطقية في ملف الديون الخارجية (اليوروبوند)، حالت حتى الآن دون تحرُّك الدائنين الأجانب، لمطالبة لبنان بمليارات الدولارات العالقة في محافظهم الاستثمارية؟

11 شهراً مرت على اعلان حكومة حسان دياب المستقيلة التوقّف عن دفع الديون السيادية بالدولار، والتي تبلغ قيمتها حوالى 31 مليار دولار موزّعة بين صناديق استثمار أجنبية ومصارف لبنانية ومصرف لبنان، بالإضافة الى نسبة قليلة بين يدي أفراد أجانب أو لبنانيين. ومن المعروف انّ عملية التوقّف عن دفع هذه السندات، أدّت الى خفض تصنيف البلد الى مستوى التعثّر، في حين انّ الامر ليس مماثلاً بالنسبة الى سندات الدين بالليرة، والتي لم تعلن الدولة حتى اليوم التوقّف عن دفعها. وقد بادرت المصارف اللبنانية التي تحمل القسم الأكبر من هذه السندات (بالليرة)، الى الطلب من الدولة عدم اتخاذ أي خطوة في اتجاه اعلان وقف الدفع، وتعهّدت المصارف بتقديم التسهيلات اللازمة لجهة تجميد الفوائد، وتأجيل الاستحقاقات لتسهيل المهمة على الدولة.

هذا الواقع يعني انّ الكارثة المالية التي حلّت بالبلد، جزءٌ أساسي منها يرتبط بالتوقف عن دفع اليوروبوند. وعندما قرّرت حكومة دياب وقف الدفع، كانت التقديرات تشير الى حوالى 7 مليارات دولار فقط يحملها مستثمرون أجانب، في حين انّ بقية المبلغ كانت في حوزة المصارف التي كان يمكن الاتفاق معها على تسوية تجنّب البلد اعلان الافلاس، مع ما يستتبعه من تداعيات يعرفها أصحاب الخبرة، بناء على تجارب كل دول العالم التي واجهت وضعاً مماثلاً. والمفارقة هنا، انّ سياسة الدعم التي اتُبعت بعد آذار 2020، كلّفت حتى الآن، وفي خلال الـ11 شهراً الماضية، حوالى 7 مليارات دولار، الذي من أجله قرّرت الحكومة اعلان الافلاس!

اليوم، ليس أكيداً ما هو حجم سندات اليوروبوند التي أصبحت في حوزة الأجانب، خصوصاً انّ البعض يؤكّد انّ المبلغ ارتفع بسبب عمليات شراء اضافية قامت بها المؤسسات التي تحمل السندات بأسعار متهاودة، بهدف خفض كلفة السندات، بحيث ينخفض المعدل الوسطي في المحافظ الاستثمارية من 78 سنتاً الى 50. وهو سعر يعتبر المستثمرون انّه يسهل تحصيله مع ارباح عندما يحين موعد التسوية.

لكن المفارقة التي بدأت تثير تساؤلات، ترتبط بسياسة الجمود التي يتّبعها المستثمرون الاجانب حَمَلة اليوروبوند، وهم غائبون عن السمع، لا يدلون بتصريح، ولا يقومون بأي تحرّك. فهل هناك ما يُقلق في هذا الموقف؟

جرت العادة في مواقف مماثلة أن تكون الحكومات هي المستعجلة على فتح قنوات التفاوض مع الدائنين، بهدف الانتهاء من المشكلة للتمكّن من بدء خطة الخروج من المأزق، والعودة الى الاسواق العالمية. فما هي الاسباب والمعطيات التي تدفع حَمَلة اليوروبوند الأجانب الى هذه البرودة في التعاطي مع الملف؟

التفسيرات التي يمكن أن توضح خلفيات هذا الوضع، ترتبط بالاحتمالات التالية:

اولاً- جائحة «كوفيد- 19» التي جمّدت الكثير من التحركات، وأوجدت أزمات قد تكون أكبر وأخطر من ملف متابعة تحصيل دين من دولة مُفلسة. ومن المعروف انّ الجائحة تؤدّي الى تمديد المِهَل على كل الأصعدة، وبالتالي، يمكن اعتبار موقف الصناديق المستثمرة في الدين السيادي اللبناني بمثابة تمديد قسري للمِهَل، ليس إلّا.

ثانياً – حال التخبّط والانهيار في البلد، وعدم وجود حكومة لتحصيل الحقوق، قد يدفع المستثمرين الى التريث، بانتظار ولادة حكومة يمكن التفاوض معها.

ثالثاً – عدم توفّر موجودات واضحة للدولة في الخارج (اذا استثنينا الذهب) تسمح بوضع اليد عليها، قد يندرج في لائحة الأسباب التي تعيق أي تحرّك للدائنين. أما استثناء الذهب، والذي توجد منه كمية في الخارج كافية لتأمين 6 أو 7 مليارات دولار، فيعود الى انّ المعدن الاصفر لا يزال تحت وصاية المصرف المركزي الذي يتمتّع بحصانة لا تسمح للدائنين بمصادرة أي من موجوداته لتعويض دين على الدولة.

رابعاً – انتظار بدء تفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي لتبيان خطوط الخطة الإنقاذية، والمبالغ التي ستُؤمّن للتمويل، لأنّها قد تشكّل مرتكزاً يتمّ الإستناد اليه لتحديد السقف الذي يمكن بلوغه في تعويضات الدين.

خامساً – قد يكون من مصلحة الدائنين تمرير الوقت، طالما انّ الدولة توقفت عن دفع الفوائد على اليوروبوند، وبالتالي سيكون من حق حاملي السندات المطالبة بتعويضات اضافية بدلاً من الفوائد غير المُسدّدة.

سادساً – ليس مستبعداً أن يستفيد حاملو السندات من مرور الوقت، وتراجع قدرة حاملي السندات المحليين على الصمود، بما قد يضطرهم الى بيع المزيد من هذه السندات بأسعار زهيدة جداً، تسمح بالاعتقاد انّ امكانات الربح تصبح أكبر عندما يحين موعد التسوية مع الجهة المُصدِّرة لهذه السندات.

كل هذه الاحتمالات واردة، بعضها أقرب الى المنطق من بعضها الآخر، وقد تجتمع عوامل عدة لتعطي النتيجة نفسها. لكن الواضح انّ الدولة اللبنانية لا تشعر بالضغط، وانّ الدائنين ينامون على دينهم المتعثّر، حتى أنّهم لم ينجزوا بعد الخطوات الاولى المتمثلة بتكوين مجموعات عمل قانونية تمثل الدائنين، ليكونوا جاهزين للتفاوض أو التوجّه الى القضاء عند الحاجة. وليس معروفاً بعد، اذا كان يمكن الاستنتاج انّ البلد محظوظ وانّ موقف الدائنين يُريحه ولو الى حين، ام انّ ما يُحضّر في هذا الملف أخطر من ذلك، وستتضح خطوطه بعد حين.

انطوان فرح.

تحرير الليرة “كلام فارغ”

بعدما أضحى سؤال، “قديش الدولار اليوم”، كالرغيف اليومي، طالع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الشعب اللبناني بتحرير سعر الصرف المرتقب، ليوضح لاحقاً أن التحرير مرهون بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. التوضيح وما قبله يصبان في الإطار ذاته، “انتهاء عصر تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار”، لكن كيف ينعكس الأمر على الاقتصاد اللبناني والمواطن المنهكين أساساً؟

بالعودة إلى أساس المعضلة التي ستحُل بتلبية أول شروط نقد الدولي بتحرير سعر الصرف، يرى الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أن “الخطأ الأساسي بدأ عام 1993 مع اعتماد مصرف لبنان المركزي سياسية تثبيت سعر الصرف، عبر تقويته بقرار مركزي وتثبيته لاحقاً من خلال اعتماد سياسة الفوائد المرتفعة جداً التي رُبطت عضوياً بثبات سعر صرف الليرة اللبنانية”.

“سياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كانت مكلفة جداً”، برأي يشوعي، معتبراً أنه “كان يجب تثبيت سعر الصرف لغاية عام 1995 ومن ثم اعتماد نظام القطع المرن، إذ انفقنا عشرات ملايين الدولارات لدعم سعر وهمي لليرة اللبنانية، ما فصل النقد عن الاقتصاد على الرغم من عدم انفصالهما، ومنع بناء اقتصاد منتج”.

يؤكد الخبير الاقتصادي، أن “ثبات سعر صرف النقد يتعارض مع السياسة الاقتصادية النقدية العالمية بعد سقوط اتفاقBretton woods ، وربط سعر العملات بنتائج الاقتصاد ولا بقرارات المصرف المركزي أو الذهب. هذا الخطأ دمّر اقتصاد لبنان وفاقم الديون على القطاعين العام والخاص، ولم يعد للمركزي قدرة السيطرة على سعر الصرف، إذ نشأت السوق الحقيقية ـ أي الحرة ـ التي تحدد سعر الصرف المرن”، مشيراً إلى أن “الدولار مفقود بسبب فجوة الـ54 مليار دولار الموجودة في البنك المركزي”.

“سقط قرار المركزي بتحرير سعر الصرف، لصالح اقتصاد السوق الحرة وسوق العرض والطلب، إذ ان الأسواق تفرض نفسها”، بهذه الكلمات يختصر يشوعي في حديثه لموقعنا، موضوع تحرير سعر صرف الليرة.

“لينزل سلامة عن منصاته”

السوق الحرة وإمكانية حكومة جديدة باستقدام الرساميل من الخارج، يحددان سعر الصرف، بحسب يشوعي، الذي ينتقد منصة مصرف لبنان، قائلاً “لينزل سلامة عن منصاته”، مشيراً إلى أن أسعار المنصة غير مجدية وغير واقعية.

ويعتبر الخبير الاقتصادي أن سعر الصرف في لبنان تحرر أصلاً، والحديث عن تحرير سعر الصرف “كلام فارغ”، موضحاً أن “المركزي اليوم أصبح أضعف من أضعف مضارب في السوق الحرة، مع الأسف”.

لا سقف لسعر الصرف

للحفاظ على سقف الـ8500 ليرة لبنانية أو أدنى للدولار الواحد، يطالب يشوعي باسترداد الـ18 مليار دولار أي الرصيد المتبقي للناس عند مصرف لبنان، إذ يسترد المودعون بالدولار الذي يبلغ عددهم ما يقارب المليون، أموالهم تدريجياً من خلال استرداد المصارف لهذه الأموال تدريجياً من المركزي. ويشدد الخبير الاقتصادي على استرداد الأموال قبل التفريط بها وتوزيعها منافعاً يميناً ويساراً، محذراً من أن عدم اتباع الخطوات أعلاه، لن يبقي سقفاً لسعر صرف الدولار.

وعن تصحيح الرواتب والأجور كما الضرائب، و”زوال صيغة الـ1515 والـ3900″، يشرح يشوعي، أن تصحيح الدولة للضرائب بما يتناسب وسعر صرف السوق الحرة وتراجع قيمة الليرة أمام دولار، سيضعنا أمام ثورة شعبية، ويسأل، “مين معو يدفع ضرائب مضروبة بـ5 أضعاف؟”.

“سيتهرب الناس أكثر وأكثر من دفع الضرائب عندها، إذ ان المواطن بالكاد يدفع ما يتوجب عليه للدولة اللبنانية”، يقول يشوعي، ويتابع “لو ان الاقتصاد سليم لرُفعت نسبة الصادرات 5 أو 6 مرات مما يسمح بتصحيح الأجور في القطاعين الخاص والعام”. ويضيف، “المصارف قد تخفض سقوف السحوبات أكثر وأكثر وتعدل قيودها لأنها متوقفة عن الدفع، بما يتناسب والواقع”.

ولادة فئات جديدة من الأوراق النقدية؟

“لا قيمة لفئات جديدة من الأوراق النقدية، إذ ان الأمر تقني وعملاني، لا أكثر ولا أقل، ولا يؤثر على قيمة الليرة”، يشرح يشوعي، ويعطي مثلا عن الفرنك الفرنسي عندما كبرت الكتلة النقدية تم استحداث قيمة جديدة للفرنك.

ويبقى استقدام رساميل جديدة بالعملة الصعبة من دون ديون جديدة كما تلزيم الخدمات العامة بآلية دولية، بعيداً عن تدخل الحكومة لمنع المحاصصة والتنفيعات، من دون بيع، الحل الوحيد لـ”بناء رأس المال الوطني”، بحسب الخبير ذاته.

فراس صليبا

السوق عائم على بحر من الدولارات

لم يعد حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية  المتواجد في السوق قادراً على خلق المزيد من الطلب الفعّال على الدولار في السوق السوداء، وبالتالي فإنّ سعر صرف الليرة سيحافظ على استقراره الحالي ولن يتأثر بالعوامل النفسية التي تتحكّم بها المراكز المالية البديلة العائمة على بحر من الدولارات.

مع توقّف المصارف بشكل كامل عن العمل نتيجة الاقفال العام الذي تم تمديده لغاية 8 شباط، شُلّت التحويلات المالية من الخارج عبر القطاع المصرفي وتوقف تدفّقها عبر تلك القناة، إلا انها ما زالت سارية عبر شركات تحويل الاموال ولو بأحجام أقل من المصارف وعبر المطار الذي يشكّل المنفذ الاكبر لدخول العملة الصعبة الى البلاد.

وفي غياب الاحصاءات والارقام الدقيقة الرسمية، ذكر المستشار الاقتصادي في صندوق النقد الدولي لأميركا اللاتينية، رند غياض، أن تحويلات المغتربين إلى لبنان بلغت في العام 2020 ما يقارب الـ 7 مليارات دولار مُتخطّية بذلك معدل السنوات الـ 15 الماضية البالغ 6.8 مليارات دولار، في حين سجلت التحويلات المالية الى لبنان عبر شركات تحويل الاموال ارتفاعاً الى 1.2 مليار دولار في 2020 مقارنة مع 1.1 مليار في 2019. وقد أكدت مصادر شركة OMT لـ«الجمهورية» انّ حوالى 150 ألف عائلة بالحد الادنى تستفيد شهرياً من التحويلات الواردة من الخارج نقداً وبالدولار الأميركي بمعدل 300 دولار أميركي لـ 60% من التحاويل الآتية من الخارج. وقد سجلت التحويلات عبر الشركة زيادة بنسبة 50% بعد انفجار مرفأ بيروت، وتحديداً خلال آب وأيلول 2020، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، نتيجة تضامن المغتربين مع أهلهم وأقاربهم في لبنان.

ولكن مع توقّف محركات الانتاج في البلاد، وما يُفترض ان يؤدّي الى تراجع في الطلب على الدولار في السوق السوداء، لم يشهد سعر صرف الليرة اللبنانية تحسّناً لغاية اليوم وما زال مستقراً عند معدل 8800 و8900 ليرة مقابل الدولار. فلماذا لم تتخطّ الليرة بعد سقوفها القصوى في ظلّ أسوأ فترة يمكن ان تمرّ بها البلاد على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والمالية والصحية؟

شرح الخبير الاقتصادي بيار الخوري ان لبنان يسير منذ أواخر العام 2019 في مسار انحداري اقتصادي شامل طويل الأجل، لا ينحصر فقط بسعر صرف العملة المحلية بل بالمؤشرات الاقتصادية كافة: الناتج المحلي الاجمالي، معدل التضخم ومعدل البطالة أي قدرة البلاد على إنتاج قيَم مضافة وخلق الوظائف بالاضافة الى قدرتها على ضبط مستوى الاسعار.

ورأى انه في ظل تدهور تلك المؤشرات الاقتصادية، فإنه «من المستغرب انّ سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء ما زال محافظاً على استقراره نسبياً، وهو امر لا يمكن تفسيره بالتوازي مع اتجاه الأزمة الطويل الأمد».

وفي هذا الاطار، شدّد الخوري لـ»الجمهورية» على ضرورة التمييز بين الرغبة باقتناء الدولارات والقدرة الفعلية على اقتنائها، اي الطلب الفعّال الذي انعدم نسبياً اليوم في سوق بيروت نتيجة تراجع القيمة الفعلية لكتلة السيولة الساخنة بالليرة اللبنانية في السوق M0 الى ما دون الـ3 مليارات دولار، رغم الارتفاع الهائل في طباعة العملة، والذي حصل خلال العام الماضي وبداية العام الحالي، علماً انّ حجم تلك الكتلة يبلغ اليوم 27 تريليون ليرة، وكان ليوازي اكثر من 18 مليار دولار في حال تم احتسابه وفقاً لسعر الصرف السابق عند 1500 ليرة.

واوضح انّ سعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي والعملات الاجنبية في بيروت يُفتَرض أن يكون محكوماً بعاملين اثنين:

– عامل حجم السيولة المتوفرة بالليرة اللبنانية لخلق الطلب على العملات الاجنبية.

– عامل الثقة

وشدّد الخوري على انّ الطلب الفعّال على الدولار غير قائم في السوق بسبب عدم توفّر السيولة النقدية بالليرة، مشيراً الى انّ الطلب على الدولار قائم فقط لدى منصّة مصرف لبنان التي تقوم بامتصاص السيولة بالليرة المتواجِدة في السوق.

في المقابل، ذكر الخوري انّ الطلب المضارب، الذي تتحكّم به المراكز المالية الكبيرة الموجودة في السوق، هو الذي يعمل على التلاعب بسعر الصرف صعوداً ونزولاً تَماشياً مع التطورات السياسية او الامنية او الاقتصادية، موضحاً انّ أي تدهور إضافي في سعر الصرف وصولاً الى سقف الـ10 آلاف ليرة، على سبيل المثال، سيتبعه ارتفاع في سعر صرف الليرة، لأنه سيكون ناتجاً عن عمليات مضاربة وليس عن عمليات تعكس القيمة الحقيقية للنقد الموجود في السوق، والمُستَخدم في جزء كبير منه للاستهلاك المحلي وليس لاقتناء الدولارات وتخزينها، مشدداً على انّ الكتلة النقدية الساخنة لم تعد قادرة على صنع تغييرات جوهرية في سعر الصرف.

ولفت الى انّ السوق تعوم اليوم على بحر من الدولارات ناتجة في معظمها عن عمليات تبييض أموال، وتتحكّم بها المراكز المالية الكبرى التي تملك دولارات أكثر من حجم السوق اللبناني، وباتت اليوم بمثابة السلطة النقدية البديلة التي تتحكّم بسعر صرف الليرة تماشياً مع مصالحها، وبهامشٍ يتراوح بين 7 و10 آلاف ليرة منذ 7 أشهر، وهي قادرة على ضبط العوامل النفسية لمنع أي انهيار إضافي لليرة في ظلّ غياب الطلب الفعّال على الدولار.

رنى سعرتي

بين استدامة الدين العام وتمويله من الجهاز المصرفي…

تتطلب قراءة بداية الأزمة تعميق الاقتران بين الظواهر المختلفة التي هيّأتها والقيود التي طغت على السياسة النقدية طوال الفترة السابقة، بما في ذلك على وجه الخصوص عدم استدامة الدين العام، والذي يمثل ثلثه الدولار الأميركي، والذي يحتفظ به إلى حد كبير في النظام المصرفي اللبناني، الدولرة القوية للاقتصاد اللبناني بأكمله بعد الحرب والتي استمرت على الرغم من تثبيت سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية عند 1507.5، والتدهور الحاد في ميزان المدفوعات منذ عام 2011 ونتيجة لذلك تَنامي العلاقة بين الودائع بالدولار والموجودات بالعملات الأجنبية في النظام المصرفي – أي تلك التي تحتفظ بها المصارف مع مراسليها الأجانب لتسوية المعاملات بالعملات الأجنبية واحتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي. فعلام تم الاستناد لدولرة الدين العام تدريجاً وزيادة طبع النقد؟ وكيف انعكست كل هذه الخيارات على الجهاز المصرفي؟ وأي خلاصات للمستقبل؟

من المعروف أنّ المَيل لدولرة جزء متزايد من الدين العام يستند على كون إصدار سندات اليوروبوندز يتم بأقل فائدة من تلك المعتمدة لسندات الخزينة بالعملة الوطنية (نظراً لهامش المخاطرة بين العملتين).

وتجدر الإشارة إلى أنّ الدول الناشئة التي تلجأ إلى زيادة حصتها من الديون بالعملات الأجنبية لتقليل تكلفة خدمة الدين وتأمين المشتركين في الأسواق الخارجية، مثل لبنان، لا تستطيع بسهولة جذب الدولار، خاصة إذا كانت الدول تعتمد على الواردات وكانت صادراتها منخفضة… فيتعيّن عليها بالتالي جذب تدفقات النقد الأجنبي باستمرار حتى تتمكن من تسوية ديونها الخارجية على أساس السياحة وجذب رأس المال والاستثمار الأجنبي، على الأقل من المغتربين. وبالتالي، فإنّ فائض ميزان الرساميل يجب أن يعوّض باستمرار العجز التجاري التقليدي للحفاظ على توازن إيجابي لميزان المدفوعات الذي شهد عجوزات متراكمة في لبنان منذ عام 2011، لا سيما منذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2019.

في الوقت نفسه، كلما زادت مخاطر سداد الدين العام في أعين وكالات التصنيف الدولية (فيتش وموديز وستاندرد آند بورز)، كلما تدهور التصنيف السيادي الممنوح لسندات اليوروبوندز اللبنانية (وهي بالدولار الأميركي)، ما يتطلّب زيادة أخرى في أسعار الفائدة لإقناعها الدائنين المستقبليين للاشتراك في الإصدارات الجديدة، ما يساهم في نمط يعرفه بونزي بالتوازي مع الحفاظ على تأثير سقاطة الدولرة مدعوماً بذاكرة الأزمة السابقة في الثمانينات والفارق المنخفض في العائد بين الجنيه الدولار اللبناني والدولار الأميركي، بالإضافة إلى عجز تراكمي في ميزان مدفوعات لبنان منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011، ممّا نتج عنه تدفّق صافٍ سنوي للعملة الأجنبية من البلاد ما حَدّ من هامش التدخل.

البنك المركزي في السيطرة على استقرار الصرف

من المعروف أنه في بيئة «استنسابية»، من الممكن بشكل خاص للحكومة إعادة تحسين سلوكها والحفاظ على معلومات أكثر من القطاع الخاص الذي يتوقّع سياسة نقدية متساهلة. تتعدد أسباب التراخي النقدي المتوقّع بين خلق فرص التوظيف، التمويل النقدي لعجز الميزانية عن طريق خفض قيمة العملة أو تحقيق التوازن الخارجي عن طريق تخفيض قيمة العملة بشكل تنافسي.

بالنسبة للبنان، كان اللجوء إلى التراخي خلال سنوات الحرب يرجع بالدرجة الأولى إلى التمويل النقدي لعجز الميزانية بسبب تدهور إيرادات الموازنة في ما يتعلق بزيادة الإنفاق خلال هذه الفترة الاستثنائية وغياب التحصيل الفعّال لجميع الضرائب والرسوم، وفي غياب الاحتمالات الواسعة للجوء إلى الديون في حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا يشجّع على اكتساب الثقة في المَلاءة المالية للدولة في نظر أي مُقرض مقيم أو غير مقيم. ثانياً، كان التساهل النقدي خلال سنوات الحرب اللبنانية مدفوعاً بإحياء النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل في ظل تدهور النشاط في مختلف القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بشدة في الأحداث. بعد الحرب، شهد لبنان حالة من المديونية المفرطة، ومنها جزء متزايد بالدولار الأميركي وسياسة جذب رؤوس الأموال بالعملة الأجنبية لتزويد الاحتياطي الأجنبي لمصرف لبنان بقدرته على الحفاظ على ربط سعر الصرف.

وقد ظل الوضع مقبولاً حتى عام 2011 عندما اندلع الصراع في سوريا وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين على لبنان مع تدهور النمو الاقتصادي وبدء منحى تراكم عجز ميزان المدفوعات. منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الدين العام/الناتج المحلي الإجمالي بشكل مستمر لتتجاوز 176 % في نهاية عام 2019 مع تدهور وضع المالية العامة وزيادة الدين العام مع تراجع معدل النمو الاقتصادي من حوالى 8.5 % في 2011 إلى أقل من 1 % في نهاية 2019. في الواقع، يظهر التفاوت الكبير في أوضاع الدين العام عبر العالم صعوبة تحديد عتبة لإفلاس أو عدم استدامة المالية العامة، ويتعلق اثنان من «معايير ماستريخت» الخمسة بالمالية العامة: سقوف بنسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي للعجز العام و60 % من الناتج المحلي الإجمالي للدين العام.

وقد أظهرت الدراسات أنّ حافز مفاجآت التضخم يزداد مع زيادة حجم الدين العام. من هذا المنظور، يمكن للدين العام أن يواجه أي التزام بمكافحة التضخم بمشاكل المصداقية؛ ستكون مسألة دراسة مصداقية مزيج السياسات وليس فقط مصداقية السياسة النقدية.

وبذلك انّ أي محاولة أحادية الجانب لتثبيت التضخم من خلال السياسة النقدية وحدها سيكون مصيرها الفشل، عاجلاً أم آجلاً، طالما بقي هناك عجز في الميزانية. وفي غياب التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية، ستكون السياسة النقدية مسؤولة عن ضمان خلق النقد لمنع عدم استدامة الدين العام، ويمكن في أحسن الأحوال تأخير التضخم.

وتؤكد الدراسات الكلاسيكية الجديدة لسارجنت ووالاس (1981) أنه حتى لو كان البنك المركزي يسيطر بصرامة على معدل نمو المعروض النقدي على المدى القصير، فإنّ المديونية المتزايدة للدولة يمكن أن تثير توقعات خلق نقد لإيفائه. وبالتالي، المزيد من التضخّم وتدهور القدرة الشرائية للمداخيل، وهو ما يعكس أحد أكثر المقاربات ملاءمة لحالة لبنان في الفترة الأخيرة من التسعينات الى اليوم.

إنّ إصدار الدين العام ناتج عن وجود عجز في الموازنة، أي عدم كفاية الإيرادات الضريبية مقارنة بإجمالي إنفاق الدولة خلال فترة معينة. من ناحية أخرى، إذا تجاوزت الإيرادات الإنفاق العام (فائض الميزانية)، ستكون الدولة قادرة على سحب مبلغ معادل من الدين العام القائم. وتسمّى هذه العلاقة بين إصدار / سحب الدين العام وحالة الميزانية في كل فترة: قيود ميزانية الدولة من حيث التدفق المالي.

يُذكر أنّ الإطار الطبيعي لتحليل العلاقة بين عجز الميزانية والديون هو قيود ميزانية الدولة. إحدى النقاط المهمة هي إمكانية الدولة تسييل عجزها (من خلال إصدار العملة المركزية). من أجل مراعاة هذه القدرة على خلق النقد، من الممكن بشكل مسبق النظر في قيود الميزانية الموحدة للدولة والسلطات النقدية. ومع ذلك، في هذه الحالة، سيكون من الضروري دمج كلّ من الموجودات والمطلوبات، وهذا يعني على وجه الخصوص دمج المطلوبات التي يحتفظ بها البنك المركزي بشأن الاقتصاد (ولكن ليس المطلوبات على الدولة).

ويلاحظ أنه كلما انخفضت الفجوة بين معدل النمو وسعر الفائدة، كلما ارتفعت نسبة الدين / التوازن طويل الأجل. وفي هذه الحالة من النمو القوي، لا يعاني الاقتصاد قيود الملاءة الزمنية. وفي هذه الحالة، لا نشهد مشكلة تتعلق بالقدرة على تحمّل الدين العام، ولكن على العكس من ذلك سنشهد حالة توازن تُعرف باسم حالة Ponzi». إنّ عدم وجود مخطط Ponzi، الذي يتكوّن من الاقتراض، لِدَفع، على وجه الخصوص، رسوم الفائدة على الديون القديمة المستحقة، ضروري لمواجهة قيود الميزانية بين فترات زمنية. إذا كان سعر الفائدة الحقيقي أعلى من معدل النمو، فإنّ نسبة الدين/الدخل تكون في البداية على مسار متفجّر، وبالتالي غير مستدام، وتعني قيود الملاءة المالية للدولة أنّ الدين العام الحالي يحتاج إلى فوائض أولية للموازنة.

في ظل ظروف الأزمة المالية والدين العام غير المستدام، ستكون هناك زيادة في الفائدة على الدين العام في شكل تأثير «كرة الثلج»، ما يؤدي إلى انفجار الدين العام، وقد يؤدي أيضاً إلى فقدان الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها لسداد ديونها. من هنا يكون اللجوء إلى الديون لتمويل القطاع العام صعباً، وتكون النتيجة الوحيدة الممكنة هي تحويل جزء من الدين العام إلى نقود ما يؤدي إلى تضخم مفرط. وتُظهر معايير القدرة على تحمّل الديون التي تم تطويرها سابقاً أنّ تضخم التوازن الأعلى يتيح مجالاً أكبر للمناورة في السياسة المالية. وبالتالي، مع النمو غير المتغيّر ومعدلات الفائدة الاسمية، يسمح ارتفاع التضخم بتطبيق سياسة مالية أقل صرامة (السياسة المالية وسياسة الإنفاق) من دون أن يصبح الدين العام غير مستدام. لذلك نشهد «ضريبة تضخمية»، حيث يوفّر التضخم إيرادات ضمنية للدولة عن طريق تخفيض الدين العام القائم بالعملة الوطنية.

يبقى أنّ ثمن «إطفاء» الدين العام بالعملة الوطنية، عبر طباعة النقد من جهة والإعلان عن التخلّف عن سداد ديون العملات الأجنبية من جهة أخرى، ينعكس تراكماً في الخسائر في النظام المصرفي ككل بين خسارة قيمة دَينه بالليرة اللبنانية للدولة وعدم القدرة على تحصيل دينه لها بالعملات الأجنبية ولا حتى شهادات إيداعه بالعملات الأجنبية في الوقت الحالي لدى المصرف المركزي… صحيح أنّ استعراض تراكم عدم استدامة الدين العام وسُبل تمويله كانت تُهيّء لانهيار دراماتيكي للقصر المبني من رمل أمام أمواج البحر، إلّا أنّ العبرة تبقى في اتخاذ الخلاصات لإعادة البناء السليم والصخري للمستقبل.

د. سهام رزق الله.

أي اتجاه للدولرة الجزئية في لبنان؟ بين التعميم والإلغاء…

من المعروف أنّ الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، هي نتيجة عمليات التضخم المرتفع أو التضخم المفرط، خصوصاً خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي المرتبط بالعوامل المؤسساتية (التحكّم في حيازة الأصول بالدولار مع التدابير التي تحدّ أو تشجع مثل هذه الحيازة، وتحرير الأسواق المالية النقدية…) ومع ذلك، فإنّ الدولرة الجزئية التي تكون في الوقت نفسه عالية، يجب أن تكون إما وسيلة لتجنّب عيوب عدم استقرار العملة الوطنية في فترة معينة، وملجأ وسيطاً للعملاء الاقتصاديين، في انتظار استعادة الصدقية في العملة الوطنية، التي يجب أن تؤدي تلقائيًا الى التحرّر التدريجي من الدولرة والعودة التدريجية للعملة الوطنية، وإما أن تؤدي إلى تعميم دولرة شاملة في حالة صعوبة استعادة الثقة في العملة الوطنية والاستقرار النقدي المنشود، من خلال سياسة الاستقرار التي تتلاءم مع خصوصيات الاقتصاد الوطني. فما هي خصوصيات ومحاذير كل من هذين الخيارين والاتجاه نحوها؟

بعد سنوات من تثبيت سعر الصرف في لبنان، مع تطبيق سياسة نقدية متشدّدة منذ العام 1993 بمتوسط 1507.5 دولارات أميركية / ليرة لبنانية، ومنذ العام 1997، وعلى الرغم من الأزمات والتوترات السياسية التي مرّت بها البلاد، لم تُظهر فترات الاستقرار السياسي والاقتصادي توجّهاً فعّالاً نحو فك الدولرة، مما يدلّ الى الحاجة للسعي إلى سياسة استقرار نقدي فعلي في البلاد، أكثر فعالية في استعادة الثقة بالعملة الوطنية وصدقية السياسة النقدية التي من شأنها الغاء الدولرة وتحرير الاقتصاد الوطني من قيود السياسة الحالية.

إذا كانت الدولرة الجزئية، على الرغم من ارتفاعها كما هي الحال في لبنان، تشكّل «ملجأ» للعملاء الاقتصاديين من عدم استقرار القوة الشرائية لليرة اللبنانية، بعد تجربة تضخمية شديدة وانخفاض حاد في سعر الصرف للعملة الوطنية والاستقرار النقدي، وخصوصاً استقرار سعر الصرف لسنوات عدة، يجب أن يوفّر البيئة المناسبة للتراجع التدريجي عن الدولار المصاحب لعودة الثقة في العملة الوطنية. ومع ذلك، قد يكون من الصعب إزالة الدولار، حتى لو استمرت الدولة في استخدام عملتها الخاصة بالتوازي واستقرت قيمتها. ويتبيّن أنّه في حين أنّ الدولار يمكن أن يؤدي إلى مقدار أكبر من الاستقرار الاقتصادي الكلي، فإنّه يمكن أن يجعل النظام المالي أكثر عرضة للخطر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاستقرار الذي تعد به الدولرة نسبي في حدّ ذاته، لأنّ الدولار الأميركي (مثل أي عملة أخرى تختارها الدولة كمرجع وعملة بديلة أو موازية لعملتها الوطنية) يمكن أن يشهد تقلّباً في قيمته، مقارنة بسائر العملات الأجنبية.

في لبنان، وبدءاً من العام 1992، اتجّه نحو برنامج التثبيت التدريجي لسعر الصرف الاسمي، حتى اعتماد الهامش الضيّق 1501-1514 مع معدّل وسطي 1507.5 عام 1997، مما شجّع عودة الثقة النسبية، ومعدلات الفائدة المرتفعة على سندات الخزينة والتوقعات الإيجابية للقطاعات الاقتصادية، ولا سيما منها قطاع البناء، وازدياد صافي تدفق رأس المال الذي بلغ إجماله نحو 25 مليار دولار بين 1993 و 1997. وسمحت هذه التدفقات الرأسمالية للدولة بالحفاظ على سعر الصرف الإسمي وتقويته، والمساعدة في تحقيق معدل نمو سنوي خلال السنوات الأولى من إعادة الإعمار بنحو 40% من الإنفاق. ومع ذلك، فقد وصلت نِسَب العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 20% و 90% على التوالي، ولم يتمّ حينها الشروع في إزالة الدولرة تلقائيًا (من دون إجراءات إلزامية ولكن بنتيجة استقرار العملة الوطنية). ولكن من أجل ذلك، كان من الضروري اختيار مرحلة عالية من الدورة الاقتصادية لإحراز تقدّم في خفض الدولرة، إن في الدين العام أو التعامل الاقتصادي في القطاع الخاص. إنّ الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مقترنًا بعودة الثقة في العملة الوطنية يخلق الظروف اللازمة لتعزيز هذا الانقطاع عن الدولار، ومنع مخاطر عدم التوافق بين العملات، من أن يكون له تأثير سلبي على الملاءة المالية والسيولة للدولة والعملاء الاقتصاديين.

في الواقع، تتطلب الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان من الاقتصاد اللبناني، أن يحرّر نفسه أقلّه من إحدى القيود الرئيسية الثلاثة للسياسة النقدية التي سبق ذكرها: تثبيت سعر الصرف والدولرة والدين العام.

من ناحية، كان ولا يزال من الصعب فرض الخروج من مظلة دولرة الاقتصاد والتكامل المالي الدولي للبنان مع العالم. علماً أنّ إلغاء دولرة الاقتصاد إجبارياً يتضمن فرض تحويل الأصول والديون الى العملة الوطنية، بما يمكن إعتباره اعتداء على ملكية العملاء الاقتصادية وخياراتهم، مما يمكن أن يشجع النشاط الاقتصادي الموازي وغير المعلن، للاحتفاظ بالتعامل بالعملات الأجنبية، كما يمكن أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي في ظلّ حرية حركة الرساميل التي كانت سائدة حتى انفجار الأزمة أواخر العام 2019. أما بالنسبة الى دين الدولة، فلا يمكن تحويله أحادياً الى العملة الوطنية، خصوصاً وان كان على شكل سندات «يوروبوند» يتمّ تداولها عالمياً بالعملة الأجنبية للإصدار، وهي غالباً الدولار الأميركي، أما العجز عن تأمين الدولار للدائنين عند استحقاق هذه السندات، فيُعتبر ذلك تخلّفاً عن السداد مثلما حصل أخيراً في آذار 2020.

من ناحية أخرى، فإنّ التخلّي عن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وبالتالي السماح بتعويم الليرة اللبنانية بعد تحويل ما قد يكون أصولًا مالية محلية، من المحتمل أن يؤدي إلى انخفاض قيمتها، وجعل ثقل الدين العام غير قابل للضبط. فيما يبقى من ناحية هاجس الدين العام بالدولار الأميركي للدولة، ومن ناحية هواجس الجهاز المصرفي إزاء الدولة غير القادرة على السداد، مثلما هي حال من جهة مصرف لبنان، الذي يحمل سندات «يوروبوند» بأكثر من 5 مليارات دولار على الدولة اللبنانية العاجزة عن السداد منذ آذار 2020، والمصارف اللبنانية التي كانت تحمل «يوروبوند» بأكثر من 14 مليار دولار على الدولة اللبنانية، فضلاً عن توظيف أكثر من 70 مليار دولار لدى المصرف المركزي، بين 17.5 مليار دولار إحتياطي الزامي، يمثّل 15% من الودائع بالدولار الأميركي في المصارف التجارية (والتي تفوق 76% من مجموع الودائع، وهي تمثّل معدّل الدولرة مثلما هو متعارف عليه)، وأكثر من 52.5 مليار دولار كشهادات إيداع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان.

أما في ميزات ومحاذير تقنيات الخروج من الدولرة التي اعتُمدت عالمياً فنذكر:

• التحويل الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية (الودائع بالعملات الأجنبية) من العملات الأجنبية إلى العملة الوطنية. وقد أدّت هذه الإجراءات في كثير من الأحيان إلى زيادة هروب رأس المال وعدم الوساطة (بوليفيا والمكسيك في عام 1982 وبيرو في عام 1985). وفي بعض الحالات، اضطرت السلطات إلى عكس ذلك (بوليفيا وبيرو).

• تعليق استخدام الودائع بالعملات الأجنبية، يمنع هذا الإجراء المودعين من سحب ودائعهم بالدولار وتحويلها من المصارف لفترة معينة (لا يتمّ تحديد المدة دائمًا مسبقًا). يمكن ربط الودائع بالعملات الأجنبية المجمدة بمستوى التضخم (الأرجنتين)، أو جعلها قابلة للاسترداد بالعملة المحلية (باكستان). تقوّض هذه الإجراءات الثقة في النظام المصرفي الوطني، وغالباً ما تؤدي إلى عدم الوساطة وهروب رأس المال.

أما الإجراءات التي تحقق النتائج المتوقعة في كثير من الأحيان، فيمكن اختصارها بـ:

• فترة الاحتفاظ (الحجب) الإلزامية للودائع بالعملات الأجنبية. وقد يرتبط هذا الإجراء بإدخال أدوات للعملة الوطنية مربوطة بسعر الصرف… الجانب السلبي المحتمل لهذا الإجراء هو أنّه سيشجع العملاء الاقتصاديين على تفضيل الاحتفاظ بالأوراق النقدية بالعملة الأجنبية بدلاً من إيداعها في حساباتهم المصرفية.

• الاستخدام الإلزامي للعملة المحلية في المعاملات الوطنية ولقائمة أسعار السلع والخدمات: يرتبط الالتزام بإدراج الالتزام بإجراء المعاملات والمدفوعات بالعملة الوطنية حصرياً. يُعد حظر استخدام العملات الأجنبية في المعاملات الداخلية إجراءً شائعًا (أنغولا وبيرو وغيرهما الكثير). ومع ذلك حتى إذا استمرت المدفوعات بالعملة الأجنبية، فإنّ عرض الأسعار بالعملة المحلية يمكن أن يعطي زخمًا إضافيًا لإلغاء الدولرة قسرياً وليس نتيجة استعادة الثقة بالعملة الوطنية.

• الإجراءات الاستنسابية ضدّ استخدام العملات الأجنبية ، قد تشمل فرض قيود على الاقتراض أو الإقراض بالعملة الأجنبية (أنغولا والأرجنتين وفيتنام) وباستثناء الودائع بالدولار من نظام ضمان الودائع، وما لم يكن الجمهور على دراية جيدة باستبعاد الودائع بالعملات الأجنبية من نظام ضمان الودائع، قد تشجع هذه الخطوات المصارف على استقطاب مزيد من الودائع بالعملات الأجنبية.

• ضوابط على أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية، التي تحدّد الحدّ الأقصى للفائدة التي يمكن أن تقدّمها المصارف المحلية على الودائع بالعملات الأجنبية، لتشجيع إزالة الدولرة عن الالتزامات.

• ضوابط على حركة الرساميل – يمكن أن يؤدي الفرض المؤقت للالتزامات لإعادة شراء منتجات العملات الأجنبية من المقيمين إلى انخفاض تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية بنحو سريع.

قد يقتصر الوصول إلى الودائع بالعملات الأجنبية على وكلاء اقتصاديين معينين (مثلما جرى في المكسيك) أو على مصارف عابرة للحدود، وقد يتمّ حظر عمليات الائتمان أو ربطها بموافقة مسبقة.

وبذلك يتبيّن، انّ الدولرة الجزئية المرتفعة المتزامنة مع تثبيت سعر الصرف ليست خياراً دائما بل مرحلة إنتقالية نحو، إما تعميم الدولرة الشاملة واستبدال العملة الوطنية كلياً بالعملة الأجنبية، مع ما يعني ذلك من فقدان للسيادة النقدية ودور المصرف المركزي كـ»ملاذ أخير» لتمويل المصارف، وإما سبيلاً لإلغاء الدولرة والعودة كلياً الى العملة الوطنية.

ويبقى أنّ الخروج من الدولرة السليم يحتاج الى استعادة الثقة بالعملة الوطنية كخيار تلقائي للعملاء الاقتصاديين وليس كقرار إلزامي قسري تفرضه الدولة عليهم، حتى لا يؤدي ذلك الى افتقاد الثقة الأشمل بالنظام المصرفي ككل وتفلّته من الضوابط… فهل يشكلّ هول الأزمة الحالية صحوة في اتجاه خيار العودة الى اعتماد العملة الوطنية فرضاً، أم باستعادة الثقة بها، ضمن خطة إصلاحية متكاملة مالياً-نقدياً-مصرفياً-اقتصادياً؟

د. سهام رزق الله.

أزمة لبنان المالية: ماذا يريد سلامة؟ ولماذا قال ما قاله؟

كثيرون اعتبروا أنّ ما نُسب الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن انتهاء زمن تثبيت سعر صرف الليرة، أمرٌ صادم. لكن الصدمة الحقيقية تكمن في ردود الفعل على ما قيل، وليس في مضمون الكلام نفسه.

ليس مُستبعداً ان يكون حاكم البنك المركزي قد اضطر الى تصحيح كلامه الى «فرانس 24»، بعدما فوجئ بردود الفعل الصاخبة على قوله انّ سعر الليرة سيكون في المرحلة المقبلة مُعوّماً، بحيث أنّ السوق سيقرّر هذا السعر.

بصرف النظر عمّا اذا كان الكلام قد فُهم على غير مقصده من خلال عدم وضعه في الاطار التسلسلي الدقيق، تبدو المشكلة في مكان آخر، وتكمن تحديداً في عدم الوعي الى المرحلة التي بلغها الوضع المالي والاقتصادي حتى الآن.

ويمكن تقسيم ما جرى الى قسمين: الاول يتعلّق بردود الفعل الشعبية على مسألة وقف تثبيت سعر الصرف، والثانية ترتبط بموقف سلامة حيال موضوع الليرة.

في الشق المتعلّق بتفاعل الناس مع مسألة سعر الصرف، يمكن الاستنتاج، انّ المواقف التي برزت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف الحقائق التالية:

اولاً- وجود حالة إنكار لدى قسم من اللبنانيين تشبه الى حدٍ ما حالة الإنكار القائمة لدى اركان المنظومة السياسية حيال الدَرك الذي بلغته الأزمة. وهم يؤمنون حتى اليوم بإمكانية اعادة الليرة الى سعر صرفها الرسمي والاسمي القائم حالياً، أي 1515 ليرة للدولار. وهؤلاء ينتمون الى الشريحة المؤمنة بنظرية المؤامرة، ويعتقد اتباعها انّ كل ما يحصل مُصطنع، وستعود الامور الى طبيعتها فور انتفاء اسباب الحصار المفروض على البلد.

ثانياً- يعتقد البعض الآخر انّ نمط تثبيت سعر صرف العملة الوطنية على سعر لا يتماهى وسعرها الحقيقي الذي يحدّده السوق، لا يزال مُتاحاً، ولا يريدون أن يصدّقوا انّ العودة الى سياسة دعم الليرة أصبحت من الماضي ولن تحصل، على الأقل في المستقبل القريب، وبالتزامن مع بدء تنفيذ أي خطة للإنقاذ.

ثالثاً- تبيّن من بعض ردود الفعل، انّ قسماً من الناس يتسلّى بالمأساة، ويريد ان يلعب لعبة تسجيل النقاط، من خلال التصويب على حاكم المركزي في موضوع سعر الصرف، على اعتبار انّ سلامة هو «أب الليرة»- وهذا اللقب هو من باب التهكّم- وكان يرفض تحريك سعر صرفها، وبقي يعد بالحفاظ على قيمتها، حتى انهار الوضع المالي برمته.

في الشق المتعلق بتفسير مضمون كلام سلامة، يمكن استنتاج ما يلي:

اولاً- رغبة الرجل بإرسال اشارة اولى الى تخلّيه عن مبدأ تثبيت سعر الصرف. وقد يكون ذلك بمثابة اعتراف ضمني بأنّ سياسة دعم الليرة شكّلت أحد العوامل التي ساهمت مع عوامل أخرى كثيرة في انهيار الوضع المالي. وهذا الامر لا يعني انّ السياسة النقدية كانت خاطئة بشكل عام، لكنه يعني انّ سياسة التثبيت التي شكّلت مرتكزاً للاستقرار وساهمت لحقبة طويلة في تأمين مستوى معيشي لائق للبنانيين، وفي تشجيع الاسثمار من خلال الاستقرار النقدي، استنفدت فرصها منذ العام 2017، وكان يُستحسن في حينه التفكير في تعويم الليرة، لوقف دعمها واستنزاف العملة الصعبة بلا جدوى.

ثانياً- أراد سلامة من خلال موقفه ان يردّ، ولو بطريقة غير مباشرة، على الاقتراحات والاصوات التي ارتفعت في الفترة الأخيرة بشكل لافت، للمطالبة باعتماد سياسة نقدية قائمة على مبدأ إنشاء مجلسٍ للنقد بهدف تثبيت سعر صرف الليرة من خلال ربطها بعملة أجنبية أخرى. وهو بذلك، أراد أن يسلّط الضوء على تعذّر تثبيت سعر الصرف من خلال الربط الكلي بالدولار أو سواه. وقد تكون هناك أسباب عدة لهذا الرفض، من ضمنها الصعوبات التي تعترض هذا الربط لجهة تأمين كتلة ثابتة من العملات الصعبة، بالإضافة الى الضرر الذي قد يلحقه الربط بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي، عندما تبدأ مرحلة التعافي والخروج من الأزمة. بالإضافة أيضاً، الى انّ اعتماد سعرٍ ثابت منخفض يستند الى حجم الكتلة النقدية القائمة حالياً في السوق (M1+M2) سيؤدّي الى شطب عامودي للودائع في البنوك، والتي يتمّ السحب منها حالياً بواسطة الليرة، وعلى سعر صرف 3900 للدولار.

في المقابل، واذا أسقطنا من الحسبان التحفظات المتعلقة بصراع الافكار الاقتصادية حول الحلول الأفضل التي ينبغي اعتمادها للخروج من الأزمة، نستطيع ان نلاحظ انّ حاكم مصرف لبنان لا يمكن ان يكون متحمساً لفكرة مجلس النقد، على اعتبار انّ المجلس يسلب البنك المركزي القسم الأهم من وظيفته المتعلقة بالسياسة النقدية. ومن البديهي، أنّ أي حاكم لمصرفٍ مركزي في العالم، لا يميل الى دعم أي فكرة يمكن ان تقلّص من مهام المركزي، خصوصاً انّ مجالس النقد غير موجودة سوى في الدول المأزومة وشبه المتخلفة، في حين انّ الدول الصناعية والدول المتطورة تعتمد على مصارف مركزية في ادارة السياسة النقدية.

في النتيجة، ما قاله سلامة، وبصرف النظر عمّا اذا كان صادراً عن حُسن أو سوء نية، يمثّل حقيقة لا يمكن الهروب منها، مفادها انّ سعر صرف الليرة في المستقبل، وعندما يبدأ تنفيذ خطة للتعافي، سيحدّده السوق، ولا شيء غير ذلك.

انطوان فرح.

دولار العام 2021: 25 ألفاً أو 8 آلاف؟

لا يوجد حاجز فعلي بين سنة وسنة، لكي نتحدث عمّا سيشهده البلد في العام 2021، مقارنة مع العام الذي طوى صفحته الأخيرة قبل 4 أيام. وكأنّ ما حصل في 2020، وقبلها في 2019 و2018 و2017 وقبل ذلك بسنوات، مُنفصل عمّا سيجري في العام الجديد.

في الواقع، هناك استمرارية حتمية لمسار التطورات الاقتصادية والمالية من دون أن يعني ذلك انّ الامور محسومة، في تفاصيلها. هناك ثوابت، وهناك مُتحركات يمكن أن تصنع الفرق. لكن، ليس صحيحاً انّ الاستمرار في الهبوط قَدَرٌ لا بد منه للوصول الى القعر، ومن ثم بدء مرحلة الصعود. عملياً، ومن خلال ما يمكن أن نتعلمه من تاريخ الدول التي واجهت أعاصير إفلاس وتعثّر ووضعاً مالياً معقّداً، وحتى حِصارات، يتبيّن انّ القعر تحدّده سياسة السلطة السياسية وإجراءاتها. على سبيل المثال لا الحصر، القعر الذي وصلت اليه اليونان، رسمته القرارات التي اتخذتها السلطات اليونانية، بالتماهي مع الاجراءات التي قامت بها المجموعة الاوروربية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي.

وبالتالي، لو لم تُتخذ هذه الاجراءات لكان القعر أعمق، ولربما كانت اليونان مستمرة حتى اليوم في الانحدار. وهناك أمثلة أخرى تبيّن انّ دولاً، مثل فنزويلا، مستمرة في الهبوط منذ سنوات طويلة، وهي لم ولن تصل الى القعر قبل أن تقرر السلطات فيها وقف الهبوط. انه قعر افتراضي ترسم حدوده سياسة الدولة المعنية بالأزمة.

في لبنان، وبصرف النظر عن الاجراءات التي قد يتمّ اتخاذها في خلال العام 2021، يمكن ايراد الثوابت التالية:

اولا – سعر صرف الليرة لن يتحسّن، حتى لو تبدّل المشهد بشكل جذري، وأوقفنا مسيرة الانحدار نحو جهنم، لأنّ حجم الاقتصاد، والتداعيات التي حصلت حتى الآن جراء الانهيار الحاصل، لا تسمح بالاعتقاد بأن يكون سعر الليرة أفضل ممّا هو عليه اليوم في السوق السوداء.

ثانيا – الاستثمارات وفرص العمل في القطاع الخاص لن تشهد تغييراً يُذكر، ونسَب البطالة ستبقى مرتفعة.

ثالثا – حجم القطاع المصرفي سيتقلّص بنسبة كبيرة تتماهى مع حجم الاقتصاد الجديد. وسيتم الاستغناء عن الانتشار الخارجي، وستجري عملية اعادة تصميم (reshaping) تناسب معطيات السوق اللبناني الذي صار مختلفاً عن السابق.

رابعا – القدرة الشرائية للمواطن ستتراجع اكثر، حتى لو لم يتراجع سعر صرف الليرة عن معدله الحالي في السوق السوداء، بسبب رفع أو ترشيد الدعم، لأنّ الاستمرار كما كان في 2020 شبه مستحيل.

في موازاة هذه الثوابت التي لا بد من مواجهتها بصرف النظر عن المسار السياسي، والاجراءات التي قد تتخذها المنظومة السياسية بهدف وقف الانهيار، هناك مجموعة متحركات تجعل الفارق شاسعاً بين سيناريو وآخر.

في السيناريو السيئ، لا تغيّر المنظومة السياسية في سلوكها قيد أنملة، وبصرف النظر عن تشكيل حكومة أم لا، سيكون المواطن في مواجهة ضغوطات اضافية، حيث سيستمر ارتفاع سعر صرف الدولار، وقد يصل الى مستويات قياسية حتى نهاية العام لا تقل عن 25 الف ليرة. ذلك انّ الحاجة الى طباعة المزيد من الليرات ستكون أكيدة، كذلك فإنّ موجة التخلّي عن الليرة ومحاولة استبدالها بالدولار ستصبح راسخة أكثر مما هي عليه اليوم. وبالتالي، سيتم تحويل كل ليرة تُسحب من المصارف الى دولار ورقي (banknote).

في المقابل، سيواصل حجم الاقتصاد تراجعه. ورغم انه وصل في 2020 الى رقم قياسي لم تسجله سوى قلة من الدول الفاشلة، حيث هبط من 52 مليار دولار عام 2019 الى حوالى 20 ملياراً في نهاية 2020، إلا انه قد يشهد المزيد من الانكماش، خصوصاً في ظل غياب الثقة وانسداد الأفق، لأنّ هذا الوضع لن يسمح حتى بتحسين الانتاج الصناعي المحلي، ذلك انّ الصناعيين، وهم في أزمة من هذا النوع، مصدر أساسي لتأمين العملات الصعبة، لن يتحمّسوا لتوسيع أعمالهم كثيراً، او لإدخال دولارات طازجة الى البلد. كذلك قد يستمر بعضهم في محاولة الافادة من القدرة على التصدير لإخراج دولارات اضافية الى الخارج، وهذا أمر بديهي لا يمكن ضبطه سوى من خلال البدء في ورشة اعادة ترميم الثقة.

في السيناريو الجيد. يتبدّل المشهد السياسي ولو جزئياً، ويبدأ التعاون مع صندوق النقد ومجموعة الدعم الدولية والبنك الدولي لإرساء خطة للنهوض. في هذه الحالة، ورغم ان الفقر سيستمر في العام 2021، إلا انّ مسيرة الانحدار السريع قد تتوقف أو تتباطأ الى مستويات متقدمة تسمح بتحديد القعر الذي سيتوقف عنده الهبوط.

في الاثناء، يمكن أن يشهد البلد ايجابيات من نوع توحيد سعر صرف الدولار وفق سعر متحرّك يعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي، في موازاة خطة إنقاذ يبدأ تنفيذها. ويمكن ان يبدأ ضَخ الدولارات من الخارج في غضون 3 أو 4 أشهر اذا ما حزمت السلطة السياسية أمرها، وغيّرت المسار في اتجاه الانقاذ. كذلك ستشكّل اموال القوى اللبنانية العاملة في الخارج، خصوصاً في الخليج، ورقة رابحة بعدما تبيّن انّ هذه الدولارات تكاد تكون اليوم المصدر الاساسي للدولارات التي تتوفر في السوق السوداء. وقد قدّر البنك الدولي حجم الاموال التي دخلت الى البلد في 2020 بحوالى 6,9 مليارات دولار. وهو رقم جيد قياساً بحجم اقتصاد تدنّى الى 20 مليار دولار.

في العام 2021، ستكون هناك محطات مفصلية في تقرير مصير المسار المالي والاقتصادي الذي ستتخذه التطورات، ورغم انّ الوضع سيكون صعباً وقاسياً في كل الحالات، الا انّ الفرق شاسع بين استمرار الانهيار، أو وقفه عند قعرٍ مُحدّد.​

انطوان فرح.

تثبيت الليرة على 5500 مشروع قابل للتنفيذ؟

بعد رواج مصطلحات التدقيق الجنائي، ومن ثمّ الدعم، دخل مصطلح جديد الى «الساحة» المفتوحة على التجارب اللفظية، اسمه «مجلس النقد». وهو مصطلح بدأ يسمع به اللبنانيون بقوة في الأيام القليلة الماضية، ويتمّ تصويره وكأنه الحل السحري الذي سيُعيد الى الليرة رونقها، ويحمي البلد من «جهنم» الموعود.

فيما يستمر المشهد السياسي على مساره المعقّد، وتمضي الامور على رتابتها القاتلة، وتبقى البلاد بلا حكومة رغم دقة الوضع الذي وصل الى مرحلة بات يُسمح معها بالقول انّ لبنان يواجه خطر الزوال، يتمّ ملء الفراغ باقتراحات وأفكار لا ترتقي الى مستويات المرحلة. هذه الأفكار، على أهميتها أحياناً، تأتي في سياق منفصل عن الحل الشامل الذي باتت خارطة طريقه معروفة، وهي ترتكز على حكومة مستقلة تتولى وضع خطة إنقاذ شاملة، تتماهى ومتطلبات المجتمع المحلي والدولي، وتمرّ حُكماً في صندوق النقد الدولي.

خارج هذا الاطار، يَجهَد البعض في تقديم أفكار واقتراحات، يتلقّفها المجتمع المحلي المُتعطّش الى خشبة خلاص يمكن أن تنشله من حال الغرق المستمر منذ أشهر طويلة. آخر وأحدث الاقتراحات التي يجري التداول بها تتعلق بتشكيل مجلس للنقد (currency board) يتولى عملية انتشال الليرة من انهيارها، ويُثبّت سعر صرفها منعاً لمزيد من التراجع في قيمتها في المستقبل. ويعطي المتحمّسون للفكرة أرقاماً مُسبقة عن السعر الذي يمكن اعتماده لتثبيت الليرة، وهو بين 5000 أو خمسة 5500 ليرة للدولار الواحد. (سعر الصرف حالياً في السوق السوداء حوالى 8300).

ما قصّة مجلس النقد هذا، القادِر على اجتراح العجائب، وهل صحيح انه المَمر الآمن نحو سعر صرف ثابت في هذه الظروف الصعبة، التي يخشى معها اللبناني ان يستمر تدهور سعر صرف عملته الوطنية في المرحلة المقبلة، وصولاً الى أرقام تضخمية خطيرة تشبه تلك التي بلغتها دول تعرّضت للانهيار المالي والحصار الاقتصادي؟

قبل الوصول الى الحكم النهائي على دور وأهمية مجلس النقد الذي يتمّ الترويج له، لا بد من تقديم لمحة ولو موجزة عن ماهية هذه المؤسسة، كيف تعمل؟ أين عملت؟ وما كانت النتائج؟ وعليه، يمكن إيراد الملاحظات والحقائق التالية:

اولاً – عبر التاريخ، كانت مجالس النقد قائمة فقط في الدول المُستَعمَرة. وانتشرت بصورة خاصة في دولٍ استعمرتها بريطانيا، وبقيت تابعة لسلطتها. وفي كل مرة حصلت فيها دولة على استقلالها، كانت تتخلى عن مجلس النقد، وتؤسّس مصرفاً مركزياً. وهكذا تحوّل وجود مصرف مركزي الى مؤشّر لاستقلالية الدولة من الوجهة المالية والاقتصادية. وعليه، لا يمكن تقييم نتائج تجارب هذه المجالس ومقارنتها بالوضع الراهن للدول، بعد زوال حقبة الاستعمار في العالم.

ثانياً – في العصر الحديث، توجد تجارب عدة في موضوع مجلس النقد، منها ما اعتُبر فاشلاً مثل التجربة الارجنتينية التي بدأت في العام 1991 وانتهت في 2002. وبعضها يعتبره البعض ناجحاً، ولو انه يحتاج الى مزيد من التدقيق مثل التجربة البلغارية. كذلك خاضت تجربة مجلس النقد كل من ليتوانيا واستونيا والبوسنة. وكل هذه التجارب لا تزال تخضع لعملية تقييم لمعرفة نتائجها الحقيقية على الاقتصاد، خصوصاً انّ هذا النوع من السياسات النقدية يحتاج فترة زمنية طويلة للحُكم على نتائجه.

ثالثاً – لا توجد دول متطورة ومستقرة تعتمد في سياستها على مجلسٍ للنقد، بل ينحصر وجود هذه المجالس في دول تعاني أزمات وأوضاعاً استثنائية، ولذلك يُستخدم مصطلح CBA currency board arrangement للدلالة على الطابع الاستثنائي والتسيوي لإنشاء هذا النوع من المؤسسات.

في المحصّلة، ينبغي أن يكون معروفاً انّ الدور الحصري تقريباً لمجلس النقد هو المحافظة على سعر صرفٍ ثابت من خلال ربط عملة البلد المُستهدف بعملةِ بلد آخر متطور. ويستند هذا المبدأ على فكرة الربط الكامل بين عملتين: واحدة تابعة وأخرى مَتبوعة. ولا يمكن تطبيق هذا المبدأ من دون الاستناد الى تغطية بالعملة التي يختارها أي مجلس نقد لتشكّل الاحتياطي الذي يمكن الاستناد اليه لطباعة العملة وتحديد حجم الكتلة النقدية. والمبدأ بسيط، ويقضي بعدم طباعة أي ورقة نقدية لا تُؤمَّن تغطيتها بالعملة الصعبة. ويبقى الهدف من هذا الاجراء وقف نمو التضخّم، وتحديد سعر منخفض للفوائد.

لكن هذا المبدأ على بساطته لا يمكن تطبيقه بالبساطة نفسها، ويكاد يكون نجاح تجربة مجالس النقد أو فشلها شبيهاً بتجارب النجاح والفشل في تعاون الدول مع صندوق النقد. البعض ينجح والبعض الآخر يفشل، والمعيار هنا في الاجمال، التطبيق الدقيق للخطط والقوانين، ووضعية كل دولة.

هل تنطبق معايير نجاح تجربة مجلس النقد على الوضع اللبناني؟

اسئلة كثيرة ينبغي أن تتأمّن الاجابة عنها لمعرفة الجواب، منها:

أولاً – ما الفرق بين تجربة تثبيت سعر صرف الليرة التي قد يتولاها مجلس النقد، وتجربة التثبيت التي قام بها مصرف لبنان على مدى عشرين عاماً؟

ثانياً – ما هو الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة التي سيستند اليها مجلس النقد لتحديد سعر صرف الليرة، وهل انّ الاحتياطي الالزامي الباقي في المركزي ثابت لاعتماده، ام انه متحرّك وبتصرّف السلطة التي تفكر في استخدامه لاستكمال الدعم ولو تحت مُسمّى الترشيد؟

ثالثاً – ما تأثير وجود مجلس للنقد على القطاع المصرفي الذي سيتم الاعتماد عليه، رغم فقدان الثقة به حالياً، للنهوض بالبلد مجدداً عندما يحين موعد تنفيذ خطة للانقاذ؟

رابعاً – ما رأي صندوق النقد الدولي بهذا الموضوع، وهل يمكن اعتماد هذا الخيار من دون موافقته؟

هناك اسئلة اضافية ينبغي أن تُطرح قبل إبداء الحماسة لإنشاء مجلس للنقد، والأمر يحتاج الى دراسة مُعمّقة وهادئة، وليس الى مزايدات في طرح الاقتراحات، على طريقة «أنا اقترح إذن أنا موجود».

انطوان فرح.

عن ازمة لبنان المالية: المستثمرون في الأسهم يقبضون بـ”اللولار”.. ويدفعون الثمن الأكبر

شركات التداول تُجبر المساهمين على بيع أسهمهم بـ”اللولار”
نقمة الدفع بـ”اللولار” بدلاً من الدولار بنسبة تقل، اليوم، 50 في المئة عن السعر الحقيقي.. تحولت إلى فرصة لقلة قليلة من المضاربين. فبين السعرين هامش كبير من الإستفادة ممكن ان “تقطفه” شركات تداول الأسهم بجرة قلم إغلاق الحسابات، وتصفية الاستثمارات وإرجاعها بـ… “اللولار” طبعاً.

بكثير من الدهشة والإستغراب تلقّى المستثمرون مع شركة Royal Financials المتخصصة في تجارة الأسهم والسندات، كتاب إغلاق جميع حسابات الأسهم والعقود الآجلة. وذلك “بسبب التغييرات غير المتوقعة التي طرأت على الأنظمة المصرفية اللبنانية والأسواق المالية بشكل عام”، بحسب نص الكتاب. الخبر يبدو لغاية الآن عادياً. وهو يحصل مع الكثير من الشركات التي توظف وتستثمر أموال العملاء في الأسواق المالية وتجارة الأسهم والعملات والسندات وخلافه.. إنما المفاجأة كانت ان الشركة التي طلبت من العملاء إغلاق جميع مراكزهم في غضون 30 يوماً من تاريخ تلقي الكتاب وعدم اتخاذ أي مراكز جديدة، حددت بما لا لبس فيه ان العملاء سيتمكنون من سحب أموالهم أو استرجاعها عبر شيك أو حوالة مصرفية إلى أيٍ من المصارف اللبنانية. بعبارة أخرى، فان المستثمرين سيخسرون نصف المبالغ المدفوعة بالدولار عند الاستثمار بفعل الفارق الكبير بين الدولار الطازج والدولار المحلي أو اللولار.

الأسهم موظفة في الخارج
قد يكون مفهوماً أن تلجأ شركة ما توظف أو تستثمر في اسهم الشركات اللبنانية، على قلتها، اللجوء إلى مثل هذا التدبير. إنما وبحسب أحد العملاء فان الشركة توظف الأموال في الخارج، وهي تشتري باسمها لصالحهم أسهماً تتداول في الأسواق العالمية. لذا من واجبها إرجاع الأموال بالدولار النقدي “الطازج” كما ستقبضه من الخارج.
إصرار الشركة على ضرورة إقفال العملاء لحساباتهم فوراً لانها “مباشرة” ستقفل جميع الحسابات، قوبل برفض حاملي الأسهم التوقيع على الكتاب في الوقت المحدد وإبراء ذمة الشركة.. مما اضطرها، بما يناقض إدعاءاتها السابقة، إلى تمديد فترة الإغلاق شهرين إضافيين بشرط قبول العملاء تقاضي أموالهم بشيك مصرفي، وهذا ما أثار أيضاً العديد من التساؤلات.

العملاء مجبرون على البيع بـ”اللولار”
عادة في مثل هذه الحالات التي تضطر فيها شركات التداول إلى الإقفال أو وقف التداول بالأسهم والسندات لمختلف الأسباب، تُترك الحرية متاحة أمام العملاء الذين لا يرغبون في بيع أسهمهم، نقلها إلى شركة أخرى. وهذا ما لم توفره شركة “رويال فاينانشل”، بحسب العملاء. فهي تجبر العملاء على البيع وقبض الثمن بشيك أو حوالة، بحجة أنهم (المستثمرون) اشتروا الأسهم بنفس الطريقة منذ نحو 3 سنوات. ولكن من وجهة نظر العملاء فانه “عند الشراء لم يكن هناك من فرق بين شيك الدولار أو الحوالة، والدولار الفعلي، هذا أولاً. أما ثانياً فان حجة الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وأبقت أموال المستثمرين في لبنان، تنافي المنطق”.

الاستدانة على الأسهم!
أحد الخبراء في الأسواق المالية يلفت إلى انه “من المستحيل لمن يملك سهماً يُتداول خارج لبنان أن يتقاضى ثمنه بغير الدولار الطازج. وذلك لأن أرباح الأسهم في الخارج او عائد بيعها يسدد في الخارج. وأي عملية دفع لحاملي الأسهم بغير هذه الطريقة تعتبر سرقة موصوفة، لان قيمة الدولار الداخلي تقل بنحو 50 في المئة أو حتى أكثر عن قيمة الدولار الخارجي. وبالتالي فان الفارق بين الدولار المحلي والدولار الطازج يذهب لصالح الشركة في حين يخسر المستثمر ما لا يقل عن نصف أمواله”.
هناك الكثير من الحالات المشابهة تحصل مؤخراً في لبنان بشكل كبير. لكن ما حصل ان الكثير من شركات التداول استدانت على أسهم عملائها، ووظفت الأموال في لبنان وتحديداً في المصارف للاستفادة من الفوائد الخيالية على الدولار التي كانت تعطيها البنوك. في هذه الحالة لا يعود للشركة من مفر إلا الدفع بـ”اللولار”. انما هذا يعتبر بحسب احد المصادر “إساءة أمانة”. لان الأسهم تعتبر “أمانة” بحسب قانون الوساطة المالية، ولا يحق للشركة الاستدانة على أسهم الزبون أو العميل لصالح الشركة. فالاخيرة ملزمة بالاستدانة لصالح الزبون وليس العكس”. وبحسب المصدر ليس من المستبعد ان يكون حصل الأمر نفسه مع “رويال”.
أمّا في ما خص إدعاء الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وليس بأموال العميل فهي مخالفة واضحة للقانون. إذ انه يمنع منعاً باتاً الخلط بين الحسابات الخاصة للشركة وحسابات عملائها، بحسب قوانين تنظيم الأسواق المالية في لبنان ومختلف الدول.

إساءة أمانة
من الملاحظ إرتفاع وتيرة التهرب والإحتيال في تجارة الأسهم والسندات بشكل كبير في الآونة الأخيرة، توضح مصادر قانونية قائلة: “صرلنا سنة عم نعاني من هالموضوع”. “فهناك الكثير من الدعاوى وخصوصاً على إحدى الشركات التابعة لمصرف كبير، حيث استدانت على أسهم عملائها وعجزت عن السداد لهم ثمن الأسهم في حالة البيع أو حتى تسديد الأرباح بالدولار “الطازج”. لكن المشكلة برأيه ان “بعض القضاة لا يفرّقون بين دعاوى تسديد الودائع بالدولار الطازج ودعاوى الأسهم. والفرق بينهما كبير جداً. فالوديعة تعتبر حساباً دائناً بامكان المصرف إعادتها بالليرة الوطنية التي تملك قوة إبراء، أو بـ”الدولار المحلي”، كما يقول حاكم “المركزي”. وفي حال التخلف عن سداد الودائع بامكان المودعين رفع دعوى إفلاس في وجه المصرف. أما في ما خص القيم المنقولة من أسهم وسندات فهي تعتبر أمانة، وليست حساباً دائناً والمصرف أو الشركة مجبران على اعادتها بقيمتها الفعلية كما هي وإلا يتهمان بالجرم الجزائي.
المشكلة ان مثل هذه الدعاوى تتطلب سنوات طويلة بحسب الحقوقيين وقليلة جداً القضايا التي رفعت ووصلت إلى خواتيمها السعيدة. وذلك على الرغم من انه يفترض إعطاء الحق الى حامل السهم، وتجريم الشركة بتهمة إساءة الامانة.

خالد ابو شقرا.