أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

المودعون “يبتكرون” وسائل استثنائية لسحب المال

دفع الوضع المالي والنقدي في البلاد، بعد انهيار الليرة وتعدّد اسعار الصرف المعتمدة بين المصارف والسوق السوداء والصرّافين ومنصّة مصرف لبنان، المودعين المحتجزة اموالهم في المصارف، الى ابتكار وسائل جديدة لاستخدام اكبر نسبة ممكنة من الودائع المحتجزة، خصوصاً انّ المصارف تمتنع عن تسديد دولاراتهم وتحدّد لهم سقفاً شهرياً للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية على سعر صرف الـ3900 ليرة مقابل الدولار.

بالاضافة الى عمليات تسييل الودائع التي قام بها كبار المودعين عبر شراء العقارات والسلع الفاخرة، فانّ الاتجاه اليوم هو لتأمين القدر الاكبر من السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية على سعر صرف الـ3900 ليرة المحدّد لدى المصارف ضمن سقوف شهرية معيّنة. وبما انّه لا يمكن لأي فرد او عائلة ان تعتاش على السقوف الشهرية التي تحدّدها المصارف وفقاً لحجم حسابات المودعين، والتي تبدأ بالحدّ الادنى بـ1000 دولار شهرياً اي ما يعادل 3 ملايين و900 الف ليرة، فإنّ البعض منهم لجأ الى ابتكار وسائل تمكّنهم من سحب دولارات اضافية عن الحدّ الاقصى المحدّد شهرياً، وذلك على سعر صرف الـ3900 ليرة، من خلال تحرير شيكات مصرفية لصالح عملاء مصرفيين يملكون حسابات مصرفية تمكّنهم من اتمام سحوبات على سعر صرف الـ3900 ليرة. وقد نشأت تجارة في هذا الاطار، حيث يعمد الافراد الذين يقومون بعمليات السحب النقدي بالليرة لصالح مودعين آخرين، على تحديد سعر صرف خاص بهم أيضاً، إذ يتمّ تسديد قيمة الشيك المصرفي على سعر صرف الـ3000 ليرة وليس 3900 ليرة، من اجل تحقيق ارباح تبلغ حوالى 900 الف ليرة لكل 1000 دولار.

في موازاة ذلك، هناك ابتكارات جديدة ايضاً على صعيد البطاقات المصرفية الائتمانية، حيث يعمد صغار التجار وبعض المؤسسات التجارية الكبرى، الى تحديد سعر صرف خاص بهم لليرة مقابل الدولار، في حال كان الزبون يريد الدفع بالبطاقات الائتمانية بالدولار. على سبيل المثال، هناك بعض المؤسسات التجارية على مختلف انواعها (محلات ألبسة، سوبرماركت، صيدليات…) تقبل الدفع بالبطاقات الائتمانية على سعر صرف يبلغ 2800 ليرة أو 3000 ليرة، لأنّها تعتبر انّها ستحقق مزيداً من الارباح عند سحب تلك الاموال من حساباتها المصرفية على سعر صرف الـ3900 ليرة. في حين لا تزال غالبية المؤسسات التجارية الاخرى تعتمد سعر الصرف الرسمي لكافة وسائل الدفع أي عند 1507 او 1515 ليرة مقابل الدولار، مما يدفع اصحاب الودائع بالدولار الى الامتناع عن استخدام بطاقاتهم الائتمانية لتسديد مدفوعاتهم، معتبرين انّه غبن بحقهم، حيث انّ سعر الصرف في السوق السوداء يفوق الـ7000 ليرة وفي المصارف عند 3900 ليرة.

هذا الوضع أدّى الى تخلّي نسبة كبيرة من اصحاب الودائع بالدولار عن بطاقاتهم الائتمانية، والى تراجع لافت في استخدام تلك البطاقات، بعد ان كانت المصارف وشركات المدفوعات الإلكترونية تسعى جاهدة لتحفيز عملاء المصارف على الاستغناء عن استخدام العملات الورقية واستبدالها بالبطاقات الائتمانية، بالاضافة الى تطوير تقنيات الدفع الالكتروني بشكل متواصل. إلّا انّ هذا المسعى لم يكن يأخذ في الاعتبار انّ الاقتصاد اللبناني سيتحوّل الى اقتصاد نقدي، يعتمد فقط على السيولة النقدية Cash Money.

في هذا الاطار، اوضح الرئيس التجاري لشركة الدفع الالكتروني «أريبا» رمزي الصبوري، انّ استخدام البطاقات الائتمانية محلياً في لبنان، لا يجب ان يكون في الاساس يشمل عملتين، الدولار والليرة اللبنانية، بل ان يقتصر فقط على العملة المحلية، حيث لا فائدة من وجود بطاقة بالدولار للاستخدام المحلي، «ولطالما طالبنا بإلغائها، حيث كنا تجنّبنا جزءاً مما يحصل اليوم لو تمّ تدارك هذا الموضوع منذ سنوات». وكشف الصبوري لـ»الجمهورية»، انّ حجم المشتريات عبر البطاقات الائتمانية تراجع بنسبة تراوحت بين 60 الى 70 في المئة بشكل عام، وبلغت ذروتها خلال شهري آذار ونيسان مع بدء تفشي فيروس الكورونا. لافتاً الى انّ هذا التراجع جاء أيضاً نتيجة ضرب القطاع السياحي وانعدام نسبة الإشغال فيه، خصوصاً الفنادق والمطاعم. ولاحظ الصبوري انّ حجم المشتريات عبر البطاقات الائتمانية ارتفع بشكل لافت في السوبرماركت والصيدليات ومحطات المحروقات، كما كان لافتاً استخدام بعض العملاء لبطاقاتهم الائتمانية للمرة الاولى، بعد ان حدّدت المصارف سقوفاً شهرية للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية.

كما اوضح انّ غالبية البطاقات الائتمانية التابعة لحسابات مصرفية بالدولار، قد توقف استخدامها بشكل شبه كامل، نتيجة التفاوت بسعر الصرف المعتمد بين مختلف التجار وفي المصارف. كما ذكر انّ بعض التجار يرفض التسديد عبر البطاقات الائتمانية، في حين يشجع البعض الآخر الذي بحاجة لتسديد قروض مصرفية بالدولار، الزبائن، على الدفع من خلال بطاقات ائتمانية بالدولار، وذلك عبر اغرائهم بمزيد من الخصومات.

وكشف الصبّوري انّ المصارف أخذت على عاتقها وقف كافة البطاقات الائتمانية بالدولار وتحويلها الى الليرة اللبنانية، بعدما أحجم حاملوها عن استخدامها وفقدت فعاليتها.

وفي الختام اعلن انّ «اريبا» مستمرّة في التشجيع على الاستغناء عن التعامل النقدي الورقي، وقد اطلقت في هذا الاطار، بعد حصولها على موافقة مصرف لبنان، تطبيقاً على اجهزة الخليوي، هو عبارة عن محفظة ذكية اسمها «ZAKY» تخوّل كافة المواطنين تحميلها والقيام بتحويلات مالية محلية من رقم هاتفهم الى رقم هاتف آخر، من دون ضرورة ان يكون لصاحب الرقم الهاتفي اي حساب مصرفي، مما يسهم في تخفيف الضغط على المصارف، لإتمام تلك العمليات البسيطة، ويتيح لجميع المواطنين اتمام تحويلات مالية في ما بينهم بطريقة شفافة وسريعة.

رنى سعرتي.

“بنك اوف امريكا”: “شعرة” الإصلاح تفصل لبنان عن السقوط في “البركان”

تحت عنوان العقوبات ترفع كلفة التقاعس عن العمل “sanctions raise cost of inaction”، أصدر “بنك أوف أميركا” تقريره عن تطور الوضع الاقتصادي في لبنان. التقرير تناول ثلاثة عناوين رئيسية تتعلق بالمبادرة الفرنسية والعقوبات الاميركية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي والحاجة إلى اقتراض 4.3 مليارات دولار إضافية بسبب انفجار المرفأ.

يرى التقرير ان العقوبات الاميركية قد تغيّر الحسابات السياسية، وتفتح الطريق امام تنفيذ المبادرة الفرنسية ووصول المساعدات الدولية. فالتهديد بفرض عقوبات على القادة السياسيين الرئيسيين قد يؤدي إلى إحداث تغيير في الديناميكيات السياسية المحلية ويخفف الضغط على الحكومة المنوي تشكيلها، ويطلق يدها في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. إلا ان الامور تبقى بحسب التقرير رهناً بقدرة القادة السياسيين على الإيفاء بوعودهم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حمل في زيارته الاخيرة خريطة طريق اقتصادية مفروض تطبيقها في فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.

“خريطة الطريق” الفرنسية

كما أصبح معلوماً فان الورقة تفترض استئناف المفاوضات سريعاً مع صندوق النقد الدولي، إقرار إصلاحات قطاع الكهرباء وقانون ضوابط رأس المال capital control خلال شهر واحد، إقرار عدد من الإصلاحات الهيكلية والقضائية والمالية ومكافحة الفساد في غضون شهر أيضاً، ومراقبة وضبط الحدود في غضون ثلاثة أشهر. بالاضافة إلى إقرار موازنة 2020 المنقحة في غضون شهر وميزانية 2021 في نهاية العام الحالي.

تنفيذ هذه الاصلاحات بشكل كامل قد يسهل بحسب التقرير عقد المؤتمرين اللذين وعد بهما الرئيس الفرنسي في تشرين الأول لدعم لبنان. أما تطبيق الحد الأدنى من الاصلاحات فسيكون كافياً، من وجهة نظر معد التقرير، لارضاء المجتمع الدولي موقتاً وكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية. حيث قد يكون لأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران بعد الانتخابات الأميركية آثار إيجابية غير مباشرة على المشهد السياسي المحلي في لبنان، وربما القدرة على إجراء إصلاحات اقتصادية وحشد المساعدات الدولية.

الثقة بالمصارف مفقودة

اللافت في التقرير كان استنتاجه أن تعاميم مصرف لبنان قد تنجح في اعادة هيكلة المصارف، إلا أنها ستفشل في المقابل في إعادة الثقة في القطاع. التقرير ينطلق من تحليلٍ مفصل للتعميم الإشكالي رقم 154 (تعميم يهدف إلى استرداد ما بين 15 و30 في المئة من الاموال التي تفوق الـ 500 الف دولار والتي جرى تحويلها إلى الخارج منذ حزيران 2017. بدء عملية تحويل الودائع إلى أسهم bail in وزيادة رساميل المصارف بنسبة 20 في المئة). معتبراً اياه محاولة لتحقيق الاهداف من خلال التقديرات والإقناع الأخلاقي بدلاً من وضع إطار قانوني مفصل. ما يعني أن التزام البنوك أو المودعين بالتعميم قد يكون جزئياً. وفي جميع الحالات فان الآلية المعتمدة “تفتقر إلى الشفافية وتنطوي على قدر كبير من حرية التصرف من قبل صانعي السياسات. ومن المحتمل أن القطاع المصرفي سيبقى بحاجة إلى رأس مال أكبر لاستعادة الصحة المالية بما يفوق الهدف المعلن من مصرف لبنان”. التعميم يشبه بحسب التقرير “برنامج عفو”. وعلى الرغم من ان مثل هذه التدابير لاقت نجاحاً في بعض الأسواق الناشئة، حيث دعمت الحسابات المالية وحسابات ميزان المدفوعات. إلا ان تطبيقها في لبنان يحتاج لإجماع، وطموح أكبر، وأن يكون قائماً على أسس قانونية واقتصادية سليمة بشكل حازم.

المعالجة بحسب الحالة

التقرير يشير إلى ان النقاشات مع الخبراء المحليين أفضت إلى ان اعتماد المادة 2 من القانون الصادر العام 1967 بعد أزمة بنك انترا والتي تركز على التعامل مع البنوك كل حالة بحالتها أفضل من اسقاط حل واحد على الجميع. وينقل التقرير عن المراقبين ملاحظاتهم على إطار العمل الذي يترك سلطة تقديرية لمصرف لبنان، في ما إذا كان سيأخذ في الاعتبار البنك الذي يعاني من ضائقة، وما إذا كان سيتم إجباره لاحقاً على الاستمرار أو التصفية. ومع ذلك، فانه من الصعوبة في مكان من وجهة نظر معدي التقرير موافقه مجلس النواب في الظروف الحالية على قانون حل للمصارف. ومن المحتمل ألا تكون هناك حاجة لرفع السرية المصرفية في مثل هذا القانون على مستوى القطاع، حيث يمكن جعل البيانات الأساسية مجهولة الهوية بشكل مناسب، وفقاً لمراقبين محليين.

إحتياطي العملات الأجنبية 13 ملياراً

حجم احتياطي العملات الأجنبية القابل للاستخدام لدى مصرف لبنان ما زال يعتبر بحسب التقريرغير واضح. فالميزانية العمومية النصف أسبوعية لمصرف لبنان اشارت في نهاية آب الماضي إلى أن الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، باستثناء السندات الأوروبية وغيرها من الأوراق المالية بالعملات الأجنبية، بلغت 21.4 مليار دولار أميركي. ومع ذلك، تشير التقارير المحلية إلى أن مصرف لبنان ربما قدم قروضاً بالعملة الأجنبية تصل إلى 8 مليارات دولار أميركي للبنوك. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المبلغ الافتراضي أو جزء منه كان مستحقاً قبل الأزمة. الأمر الذي يجعل من طرح 8 مليارات دولار من 21.4 مليارا تمثل الأصول الأجنبية في المركزي، سيخفض إجمالي احتياطياته من العملات الأجنبية إلى 13.4 مليار دولار أميركي فقط، وهو بالفعل أقل من مستوى متطلبات احتياطي العملات الأجنبية المقدر بحسب الحاكم بـ 17.5 مليار دولار.

الكلفة الهائلة للانفجار

في ما خص كلفة انفجار بيروت على الاقتصاد فقد ذكر التقرير انها تتراوح بحسب تقديرات البنك الدولي بين 3.8 و4.6 مليارات دولار كأضرار مباشرة، وبين 2.9 و3.5 كخسائر اقتصادية. وهو ما يشكل حوالى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2019. كما ذكر التقرير ان تقديرات البنك الدولي لاجمالي احتياجات القطاع العام للفترة 2020-2021 تتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار أميركي أي حوالى 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. أما في ما خص الناتج المحلي لعامي 2020 و2012 فيقدر البنك الدولي ان يتراجع بمقدار 0.8 جزء في المليون و1.9 جزء في المليون على التوالي. وسيكون هذا التراجع مصحوباً بتراجع الايرادات الجمركية بقيمة 0.3 تريليون ليرة لبنانية أو ما يشكل 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 و0.6 تريليون في العام 2021.

الأمل معلق بالإصلاح

في الختام يذكر التقرير ان التحليل الوارد أعلاه هو تحليل جامد. ففي سيناريو يقترن فيه صرف المساعدات الدولية ببرنامج إصلاح موثوق به من صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تحسين آفاق النمو واسترداد الديون ووضع البلاد في مسار أكثر استدامة. أما في حال غياب الدعم الخارجي السريع، فان بعض الخسائر قد تكون دائمة.

خبراء اقتصاد: مستقبل الدولار 8300 ليرة سعراً رسمياً

نشرت مجموعة ”سيتي غروب” الأميركية، تقريراً يركز على الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه سيناريو خفض الديون، إذا ما توصل لبنان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووفق السيناريو الذي وضعه خبراء مجموعة الخدمات المالية الأميركية، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تنخفض بعد الاتفاق إلى أقل من 100 في المئة بحلول عام 2025، مدفوعةً بعمليات شطب الديون وسعر الفائدة المنخفض.

افتراضات عمل
يعيش لبنان في سباقٍ مع الوقت للتوصل إلى حل للأزمة الاقتصادية المستفحلة، بعد أن تخلفت بيروت في وقتٍ سابق من هذا العام عن سداد سندات اليوروبوند الخاصة بها، ما قطع عنها التمويل الأجنبي وجعلها تعتمد على طباعة مصرف لبنان للنقود. وفي المقابل، تضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي لمصرف لبنان. ونتيجةً لذلك، ظهرت أسعار صرف متعددة، مع بقاء سعريّن رسمييّن مرتبطّين بالمصرف المركزي لدعم بعض السلع والمشتريات المحددة.

يشير خبراء المجموعة الأميركية في تقريرهم، أن ما يعرضوه في هذا التقرير الذي في متناولنا، ليس بالضروري أن يكون السيناريو الأمثل أو تجسيداً حقيقياً عمّا سيحدث فعلاً في المستقبل، خصوصاً أنه لا يمكن التنبؤ بما إذا كان لبنان سيصل فعلاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبذلك تم التركيز على الافتراضات التي يمكن أن تشكل نتيجة أكثر ملاءمة، ما يعني حكماً اعتبار الأرقام الواردة في التقرير عبارةً عن افتراضات عمل أكثر من كونها توقعات.

سيناريو تخفيض الديون
على المدى القصير، يعتقد خبراء المجموعة الأميركية، أنه من شبه المؤكد أن ترتفع نسبة الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي عن المستويات الحالية وسط انهيار النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة، وإضافة قروض صندوق النقد الدولي وقروض أخرى. ورغم توقعهم نمواً اقتصادياً إيجابياً بعد هذه الفترة، فإن التأثير التراكمي للنمو حتى عام 2025 سيظل يدفع الدين بمقدار 11 نقطة مئوية، ليفوق الانكماش الأولي الانتعاش المتواضع بعد ذلك.

ويضيف خبراء ”سيتي غروب” أن نسبة الدين ستبدأ في الانخفاض بشكلٍ حاد بعد الارتفاع الأولي الذي سبق ذكره، لأن التضخم، الناجم إلى حدٍ كبير عن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، من شأنه أن يؤدي إلى تآكل قيمة الدين المحلي، وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية. ووفق افتراضاتهم، من شأن هذا أن يفوق تضخم ديون العملات الأجنبية بعد الاستهلاك التراكمي بنسبة 52 نقطة مئوية حتى عام 2025.

من شأن فرض الدولة اقتطاعاً (“الهيركات”)، على السندات بالعملات الأجنبية والديون المحلية أن يقلل من عبء الديون بمقدار 59 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، كما من شأن عمليات الخصخصة بدورها، تخفيض هذا العبء بمقدار 13 نقطة أخرى. وهنا يتم افتراض أن يتسع العجز الأولي مبدئياً، حين سيتعين استخدام أجزاء من التمويل الخارجي لإعادة الإعمار ومساعدة القطاع المالي والإنفاق على البنية التحتية وما إلى ذلك.

ويفترض الخبراء أن نسبة الدين في الأعوام القليلة المقبلة ستزيد بمقدار 5 نقاط مئوية، مفترضين أن مؤشر الميزان الأولي سيعود إلى المنطقة الإيجابية بعد عامين إلى ثلاثة أعوام. أما القروض غير المستخدمة في النفقات الأولية (وتشمل غالباً ميزان مدفوعات صندوق النقد الدولي للدعم) من شأنها رفع الاحتياطيات بمقدار 27 نقطة مئوية أخرى.

الاتفاق مع صندوق النقد
إن توصل لبنان لحلول بخصوص صندوق النقد الدولي والمساعدات الخارجية الأخرى، سيشكل عاملاً أساسياً لتحقيق الاستقرار الأولي والتنفيذ اللاحق لنموذج تمويل جديد. في المرحلة الأولى، ستكون هذه الأموال ضرورية لتوفير بعض البدائل لفقدان التمويل الخارجي من أجل ضمان استيراد الضروريات الأساسية، وإعادة الإعمار بعد الانفجار في مرفأ بيروت. أما في المرحلة الثانية، ستكون الإصلاحات ضرورية ليس للحصول على التمويل وحسب، ولكن أيضاً لوضع الاقتصاد على مسار مستدام.

بالنسبة للسيناريو الموضح في هذا التقرير، يفترض الخبراء أن لبنان سيتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي هذا العام، رغم تنويههم بأن هذا الأمر – مثل أي متغير آخر في هذه العملية – غير مؤكد إلى حد كبير.

الاقتطاعات
الافتراضات الواردة في التقرير، تتضمن أيضاً اقتطاعات بنسبة 65 في المئة على ديون العملات الأجنبية و 20 في المئة على الدين المحلي. وللتبسيط، هم يفترضون أن ثلث هذه العملية سيحدث هذا العام، وما تبقى سيليه في العام المقبل. كما يجب أن تكون عمليات الاقتطاع هذه مصحوبةً بإعادة تفاوض بشأن شروط الدين المتبقي، من أجل زيادة آجال الاستحقاق، وتقليل عائدات السندات وإدخال فترات السماح.

وللتوضيح أكثر، يُشار أن هذا التخفيض في عبء دفع الفائدة هو أمر بالغ الأهمية، إذ أن عبء سعر الفائدة الحقيقي المرتفع هو ما أدى إلى خروج الديون عن السيطرة في المقام الأول. ووفق حسابات المجموعة الأميركية، ساهم معدل الفائدة الحقيقي الفعلي بنسبة 42 نقطة مئوية في الزيادة البالغة 46 نقطة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بين عاميّ 2012 و 2019.

ويلفت الخبراء أن تخفيض نسبة الاقتطاع على الديون بالليرة هو أمرٌ ممكن، لأن التضخم المرتفع على مدى السنوات المقبلة سيؤدي إلى تآكل قيمة الأسهم الكبيرة وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية العميقة. من الناحية النظرية لن يكون من الضروري حتى تخفيض الديون بالعملة المحلية لتجنب التخلف عن السداد، لكن تبقى هناك شكوك تحوم حول امتلاك الدائنين الدوليين شهية (إضافية) ليخوضوا تجارب تشابه النظرية النقدية الحديثة.

سعر الصرف
وفيما يتعلق بسعر الصرف، يرى الخبراء أنه يجب أن يؤدي توحيد سعر الصرف وتوقف المصرف المركزي عن طباعة النقود، في نهاية المطاف، إلى خفض التضخم. وما سبق ذكره يشكل عامل بالغ الأهمية لخفض معدلات الاقتراض المحلية إلى مستوى معقول. وجراء ذلك يُفترض حدوث تخفيض مبدئي لقيمة الليرة اللبنانية لتصل إلى ما يعادل 4300 مقابل الدولار الأميركي الواحد (السعر الرسمي).

بحلول نهاية عام 2024، يقّدر خبراء المجموعة الأميركية، أن معدل سعر الصرف الرسمي سيكون 8300 ليرة مقابل الدولار. وعلى المدى القصير، سيكون توحيد أسعار الصرف بموجب نوع من التعويم، مصدراً لمزيد من التضخم. مع التأكيد على عدم وضوح إذا كان معدل التضخم سيكون أعلى بكثير مما هو عليه في ظل النظام الحالي لأسعار الصرف المتعددة. وعند الحديث عن المدى المتوسط، يجب أن يساعد معدل موحد أكثر استقراراً للصرف في خفض التضخم مرة أخرى.

الإيرادات الضريبية
في المحصلة، يرى الخبراء أنه في السنوات الأولى من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيشهد لبنان عجزاً أولياً في الموازنة لا مفر منه، في ضوء الحاجة إلى إعادة الإعمار وربما مساعدة القطاع المالي. ومع ذلك، يُعتقد أن برنامج صندوق النقد الدولي قد يحاول تشجيع زيادة الإيرادات الضريبية. فنظراً لضعف الامتثال الضريبي، يجب إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لتحسين التحصيل الضريبي الذي يمكن أن يكون كافياً بدلاً من زيادة معدلات الضرائب. وحتى الفائض المتواضع في مؤشر الميزان الأولي، من شأنه، وفق تقييم الخبراء، أن يساهم في جعل التوازن المالي أكثر قابلية للإدارة، ويجب أن تكون مدفوعات الفائدة (كحصة من الناتج المحلي الإجمالي) أقل بعد تخفيضات رأس المال والتضخم.

سامي خليفة

الأولوية للعودة الى المفاوضات مع صندوق النقد

السؤال الاساسي المطروح اليوم: هل ما زلنا نشتري الوقت وهو يداهمنا؟ والكل يعرف، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي والدول المانحة، الى أين وصلت الأمور من فساد بائس ومحسوبية ومحاصصة على مرّ عقود، أمعنت بالبلد خراباً وإنهياراً دون حسيب أو رقيب.

يبدو أنّ جريمة المرفأ أبعدت الشبهات عن المسؤولين الذين أمعنوا بالبلاد سرقة وفساداً منذ ثلاثين عاماً. ولبنان يحتل اليوم مرتبة متقدّمة في قائمة الدول على مؤشر الفساد (من أصل 180 دولة لبنان يحتل المركز 138 في قائمة الدول الأكثر فساداً للعام 2019) مع مؤسسات منحلّة وغياب تام للمسؤولية والمحاسبة وللاصلاح، وكأننا في بلد توزيع غنائم وتوظيف غبّ الطلب ومشاريع عشوائية فقط لأغراض انتخابية لا غير.

الأمر الذي يتبادر الى الأذهان، أين أصبح الاقتصاد حالياً، في ظلّ نظام تقاسم السلطة والمحسوبية. وقد أعاق هذا الحوكمة الرشيدة؟ وما هي وضعيتنا مع صندوق النقد الدولي بعد استقالة الحكومة، وفي انتظار ولادة الحكومة الجديدة؟ وفي الحقيقة، الحكومة المستقيلة لم تعرف يوماً أخذ المبادرة، ولم تفعل شيئاً، ولم تحقق أي إنجاز، عكس ما أفحمنا به رئيسها، وكأننا كنا في فراغ.

لذلك، نرى أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما.

الأول- أن يأخذوا على محمل الجدّ عملية تأليف الحكومة، على أن تكون من مستقلّين تكنوقراط، حيادية غير ملزمة سياسياً، لتدير شؤون البلاد، ولها صلاحيات استثنائية، كون الوضع بات لا يحتمل المماطلة. فتجلس على طاولة صندوق النقد الدولي، الذي سوف يملي شروطه، وأقلّها، خصخصة قطاع الكهرباء الذي استنزف الدولة، ولا نزال ندفع ثمنه فاتورتين، ووقف الهدر في المشاريع الميؤوس منها.

هذه المرحلة تحدّد المرحلة اللاحقة، والتي ينبغي أن تشمل البدء بالتدقيق في حسابات البنك المركزي والمؤسسات العامة، ووقف الهدر في حسابات الموازنة وميزانيات المؤسسات، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر دائرة في الدولة. هذه الأمور سوف تبرهن عن حُسن نيّة لدى الأطراف المعنية، فتُصرف أموال «سيدر» ولكن بحذر، ودون أن يكون للطبقة الحاكمة أي صلة بها. هذه الخطوات سوف تحدّد المرحلة اللاحقة، نجلس فيها على طاولة طائف ثانٍ، ونستمزج آراء الشعب وما يريده من لبنان.

الخيار الثاني- أن يبقى المسؤولون في غيبوبتهم وكأن ما حدث في 17 تشرين الأول وحتى 4 آب لا يعنيهم، بما يعني الانحدار التام في المجهول. وهنا ستكون جهود ماكرون قد ذهبت سدى. فالدول المانحة سوف لن تساعدنا، ومن يراهن على بواخر ايران وفيول العراق سوف يخيب ظنه، مع كل ما يتأتى عن ذلك من فقر وعقوبات وغيرها. مع الاشارة الى انّ الشعب اللبناني لا يريد التوجّه شرقاً، بل يصرّ على البقاء في أحضان الشرعية الدولية ومع دول عربية، أعطتنا الكثير في المراحل السابقة ومستعدة لتعطينا أكثر في المرحلة المقبلة. هذه الأمور تعني في ما تعنيه، أنّه لا صندوق النقد ولا دول مانحة ولا «سيدر»، والأمر الأكيد أنّه لا لبنان بعد الآن.

أما من ناحية الاصلاحات، واذا استمرت الغيبوبة رغم تهديدات ماكرون، فهي لن تحصل. وبالمناسبة نسأل، اين أصبح التغيير والاصلاح، الذي طالما وعدونا به، ولغاية اليوم لم نر سوى محاصصة واقتسام لأموال الشعب وتوظيفات غبّ الطلب. وهنا، لا داعي لعودة ماكرون للمرة الثالثة، إنما الأكيد هو انهيار الكيان.

في جميع الأحوال، الأمور السياسية والاقتصادية متداخلة جداً، والفرضية الأولى تبقى الأحسن، ولكن قد تكون مثالية في غياب أية مسؤولية أو وجود زعيم على مستوى الوطن ليدير البلاد. لذلك تبقى كفّة الحذر، رغم كل جهود ماكرون راجحة، وقد لا يكون المستقبل زاهراً كما يحلم به شباب لبنان.

دكتور غريتا صعب.

كيف يمكن إنقاذ لبنان؟

تصورات إنقاذ لبنان من ازمته المالية والاقتصادية تكاثرت، وعدد من المسؤولين السابقين بينهم وزراء تقدموا باقتراحات يعتبرونها مجدية، وسنعرض اقتراحين انطفأ اولهما والثاني لا يحتاج الى تعليق.

الاقتراح الاول كان من زياد الحايك الخبير الذي اختير للإشراف على الخصخصة في لبنان منذ اوائل القرن الحادي والعشرين، وبعد 16 سنة اكتفى بإصدار كتيب عن اصول عمليات التخصيص، وعرض مع خبير فرنسي اللجوء الى اقناع المودعين بتحويل جزء من مدخراتهم للاستثمار في صندوق وطني تُحوّل الحكومة عليه معظم الموجودات بيد الدولة غير المستثمرة او المستثمرة في شكل خاطئ، وسقطت الفكرة استنادًا الى عدم ثقة اللبنانيين باي ادارة تنشأ من السياسيين.

 

الاقتراح الثاني أعلنه الوزير السابق ناصر السعيدي وخبير سويسري، وعنوانه “الثروة الذهبية غير المكتشفة في لبنان”، وهما اعتمدا منهجاً مماثلاً لاقتراحات الحايك والامر العجيب انهما لا يدركان صعوبة شمل موجودات الدولة غير المستغلة او غير المستثمرة بنجاح في هيئة واحدة يشرف على اختيار اعضاء مجلس ادارتها اسوأ عهد اصابت اضراره غالبية اللبنانيين. بالتأكيد ثمة اقتراحات افضل منهما، الامر الذي نعرضه في هذا المقال.

اصبح الوضع الاقتصادي والمالي مخيفا، والمطلوب من نحو 300 الف متضرر تأمين امكانات السكن لمنازلهم ومكاتبهم وتأمين رواتب موظفيهم.

السلطة المتحكمة بمصير اللبنانيين ترفض الاعتراف بان عجز الكهرباء مدى عشر سنين توالى فيها رؤساء واعضاء من “التيار الوطني الحر” على وزارة الطاقة، تآكل 40 مليار دولار، ومع فوائدها على مستوى 6 في المئة يبلغ حجم تآكل الاحتياط 65 مليار دولار برعاية الحكم واصراره على قبول مشاريع للكهرباء لم تنتج طاقة اضافية على الاطلاق، في حين ان طاقة المولدات الخاصة التي تستهلك اكثر من محطات توليد الكهرباء من المازوت ارتفعت الى 1600 ميغاواط مقابل 1200 ميغاواط متوافرة لمصلحة كهرباء لبنان مع تشغيل الباخرتين.

يضاف الى ذلك هدر كبير وخسارة فاقعة لم يتم الانتباه اليها. فالمصرف المركزي يعزز كتب اعتماد استيراد مشتقات النفط، ومن ثم تخزن المستوردات في منشآت النفط الخاضعة لوزارة الطاقة والتي تعيد توزيع المشتقات.

الامر المخيف ان خبراء المصرف المركزي لا يطّلعون على تسليمات المشتقات، وبحسب تقديرنا فان مليوني طن من المازوت على الاقل تسرّبا او هُرّبا الى سوريا من دون ان يحصل مصرف لبنان على اية مداخيل. وبحسب تقديرنا ايضا على اساس تكاليف الاستيراد، نخسر ملياري دولار من هذا التصدير غير الشرعي. وبالتالي اذا اعتبرنا ان هذه الممارسة جارية منذ عام 2011 وتأسيس شركة نفط من قبل ابن خال الرئيس السوري في لبنان، علينا اضافة الى الـ65 مليار دولار، ان نزيد فاتورة التهريب الجاري منذ 8 سنوات ما يعادل 6.4 مليارات دولار، فتكون خسارة لبنان من احتياطه مساوية لـ71 مليار دولار كانت تكفي لتجهيز عشرات الآلاف من ميغاواط الانتاج.

السلطة المتحكمة بالشأن اللبناني لا تعترف بهذه المسؤولية وتريد الاستمرار في السلطة. والاكيد ان الاستمرار في السلطة او إطالة ممارسة الوزارة المستقيلة مهماتها البسيطة، امر يؤكد افلاس لبنان، وهذه السلطة ستوجه الاتهام الى الحاكم رياض سلامة بالذات.

في نهاية عام 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الوضع الاقتصادي مقبولا. وعام 2006 وعلى رغم خسائر لبنان المادية والبشرية، ساهمت بلدان الخليج في دعم الاحتياط لدى مصرف لبنان واعادة إعمار قرى بكاملها ومشاريع تضررت مثل تدمير 12 مبنى في الضاحية الجنوبية، وعام 2008 حينما برزت الازمة المالية العالمية، حوّل المغتربون اللبنانيون 24 مليار دولار من حساباتهم في الخارج فارتفعت الودائع المصرفية بنسبة 25 في المئة وحقق لبنان نمواً عام 2009 (لان التحويلات تحققت اواخر عام 2008) بلغت نسبته للمرة الاولى منذ عشرين سنة 9 في المئة. كل ذلك لان الثقة بالحكم كانت مستمرة.

اليوم قدرات المصارف على تأمين اموال المودعين شبه معدومة، وبرامج التنقيط المتبعة وان كانت مقررة من مصرف لبنان للحفاظ على ما تبقى من قطاع المصارف، تؤدي الى تضييق الدورة الاقتصادية من جهة والى ارتفاع معدلات الاسعار، وهنالك حاجة ملحة لتجاوز هذه الوضعية، والمؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك هي المصرف المركزي.

الخطة المطلوبة

ان اسس هذه الخطة وضعها المصرفي المميز مكرم زكور ورئيس الاقتصاديين لدى بنك بيبلوس نسيب غبريل الذي هو اقتصادي جيد.

تفترض الخطة اقتراض لبنان بما يساوي قيمة نصف احتياطه الذهبي لمدة سنتين بفائدة لا تتجاوز 1.5 في المئة سنويًا.

يتوافر من هذه المنهجية نحو 10 مليارات دولار، واذا كان الحكم يتقبل اصلاح وزارة الطاقة في شكل جذري، يصبح بالامكان اقتراض 10 مليارات من صندوق النقد الدولي، فتتوافر قدرات مالية تسمح بالتحرك المفيد الذي يؤدي الى نمو على مستوى 5 في المئة سنويًا.

واذا لم نحصل على قرض من صندوق النقد الدولي نستطيع تخصيص خدمات الهاتف الخليوي بشروط تؤمن ملياري دولار، وقد انجز نائب رئيس الوزراء سابقًا دراسة عن هذا الموضوع آمل تلخيصها في وقت قريب.

كذلك يمكن تخصيص 40 في المئة من مصلحة التبغ والتنباك، والتي قد تؤدي الى توافر مليار دولار بعد السماح بزراعة الحشيشة وتصنيعها وهذا ما حدث في كندا.

اخيرًا، أنجز فريق شبابي دراسة حول الحاجة لانتاج الكهرباء من حقول الالواح الزجاجية، ووجدوا ان من الممكن توليد 400 ميغاواط من حقل في البقاع يقع في املاك المصرف المركزي.

اضافة الى الخطوات المذكورة، يمكن تحفيز البنك الصيني التابع للدولة والبنك الاكبر دوليًا، على افتتاح فرع اساسي له في لبنان، خصوصا ان تجارتنا مع الصين تفوق أي تجارة اخرى مع بلد آخر وتبلغ 1.5-1.6 مليار دولار سنويًا، وبالإمكان تشجيع البنك الصيني عبر مباحثتهم في تملّك بعض البنوك ذات الاوضاع المقبولة، وتوفير سيولة ترسملية توازي 3-4 مليارات دولار. هذا الاقتراح تقدمتُ به شخصيا.

هذا هو البرنامج الذي اقترحه واتمنى السير به من قِبل مصرف لبنان اوعبر تعاونه مع هيئات دولية خاصة منها السوق الاوروبية حيث التعامل مع الصين مقبول من دون اعتراض.

ان من يمسك بطرف الحلول الثلاثة هو حاكم مصرف لبنان شرط ان يقر الحكم بان الهدر في وزارة الطاقة سيتوقف وان اصلاح قطاع الكهرباء سيصبح من مسؤولية إما شركة “سيمنز” الالمانية وإما شركة كهرباء فرنسا، شرط ان تكون الادارة في ايدي الشركتين او اكثر لان وضع وزارة الطاقة ومكاتب كهرباء لبنان اصبح مزريا، وحينئذٍ يمكن اضافة 10 مليارات دولارات من صندوق النقد الدولي الى حصيلة المبادرات الثلاث، فلا يعود هنالك خوف من العجز عن ايفاء القرض المضمون بقسم من احتياط الذهب.

د. مروان اسكندر

تحليل-“طلاء جديد فوق بناية متداعية” .. شكوك حيال جهود لتنظيف بنوك لبنان

يبدي مصرفيون ومحللون شكوكا حيال محاولات من مصرف لبنان المركزي لتنظيف بنوك البلاد، محذرين من أن ذلك يجب أن يكون في إطار خطة إنقاذ أوسع نطاقا لإصلاح النظامين المالي والاقتصادي المتداعيين.

ففي سلسلة تعميمات صدرت يوم الخميس، أبلغ البنك المركزي البنوك المحلية بأن تجمع سيولة جديدة وأن تحث كبار المودعين لديها على إعادة الأموال من الخارج وأن تُجنب مخصصات لتغطية خسارة تبلغ 45 بالمئة في حيازاتها من السندات الدولية.

جاء ذلك عقب تدهور جديد في أوضاع لبنان إثر انفجار مرفأ بيروت في وقت سابق من الشهر الحالي. لكن حتى من قبل الإنفجار، الذي أفضى إلى استقالة الحكومة، كانت بيروت تكابد أزمتها المالية الأسوأ إثر احتجاجات وتخلف عن سداد الديون بالعملة الصعبة في مارس آذار.

تقول علياء المبيض، العضو المنتدب في جيفريز، ”تلك القرارات الجزئية ستزيد مشاكل الائتمان والبنوك في لبنان وقد تقوض التقدم الضئيل الذي تحقق في محادثات صندوق النقد،“ مشيرة إلى المفاوضات المتوقفة بالفعل مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة.

وتابعت ”ولا هي قائمة على رؤية اقتصادية مالية معدلة أو على خطة لإعادة هيكلة الدين تأخذ في الحسبان السياق الاجتماعي الاقتصادي الآخذ بالتدهور والوضع الأسوأ لديناميات الدين عقب الانفجار.“

تأتي خطوة البنك المركزي قبيل زيارة يقوم بها الأسبوع القادم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يضغط على الزعماء اللبنانيين لإجراء إصلاحات سياسية ومالية ستتيح تقديم مساعدات أجنبية وتخفف الأزمة الاقتصادية، تتضمن تدقيقا شاملا لمالية الدولة والبنك المركزي.

والبنوك اللبنانية في قلب العاصفة بسبب حيازاتها الضخمة من الدين الحكومي، وقد طلب منها البنك المركزي زيادة رأس المال 20 بالمئة بنهاية فبراير شباط 2021 أو الخروج من السوق.

إصلاحات

أبلغ رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي رويترز عندما سُئل عن الغرض من التعميمات ”من الضروري تنظيف البنوك بعد التخلف عن سداد الدين لأننا نريد منها أن تستأنف دورها ونشاطها.“

وأضاف أن البنوك لن تستطيع استئناف النشاط دون أموال كافية لدى بنوك المراسلة.

لكن عدة محللين تعاملوا بحذر مع تلك التصريحات.

يقول راهول شاه، مدير أبحاث الأسهم المالية في تليمر، ”من الصعب معرفة لماذا قد يبادر القطاع الخاص إلى ضخ سيولة جديدة في النظام المصرفي ما لم يسبق ذلك إجراء تنظيف كامل للأصول أولا.“

تساءل المحللون أيضا كيف تنسجم مطالبة البنوك بتحمل خسارة 45 بالمئة على حيازات السندات الدولية مع خطة إنقاذ طرحتها في وقت سابق من العام حكومة تصريف الأعمال الحالية وتضمنت خفضا بنسبة 75 بالمئة على الدين الخارجي و40 بالمئة على الدين الداخلي.

ولا تتماشى خسارة تبلغ 45 بالمئة مع القيمة السوقية الحالية للسندات، التي هوت لما دون 20 سنتا في الدولار يوم الخميس، عقب صدور التعميمات وتصريحات من مسؤولين بالحكومة الفرنسية قالوا إنه لا مساعدات دون إصلاحات.

وقال سلامة ”لا نعرف كيف ستكون نتيجة المفاوضات بين لبنان والدائنين لكننا اتخذنا الاحتياطات المعتادة التي تعقب مثل هذا التعثر،“ مضيفا أنه يمكن تعديل المستوى من 45 بالمئة ”بالزيادة أو النقصان“، بناء على سير المفاوضات.

وقال باترك كوران، الخبير الاقتصادي في تليمر، إن مستوى المخصصات قد ينبئ عن رغبة في تخفيضات قيمة أقل أو معاملة حيازات البنوك معاملة مختلفة عن حيازات الأجانب من السندات الدولية.

وأُخطرت البنوك أنه ينبغي تجنيب المخصصات، التي تشمل أيضا خسارة 1.89 بالمئة على ودائعها من العملة الصعبة لدى البنك المركزي، في غضون خمس سنوات، قابلة للتمديد إلى عشر بشرط موافقة البنك المركزي.

ورجح المحللون أن يكون الهدف من المهلة الزمنية ألا تنتهك البنوك، التي تكابد الأمرين لصيانة الملاءة المالية، القواعد التنظيمية الدولية لمعدلات السيولة.

يقول مسؤول كبير سابق بالبنك المركزي ”هذا تمويه.. يحاولون تجميل الوضع، طبقة طلاء جديدة فوق بناية متداعية.“

ثمة بواعث قلق أيضا حيال محاولات البنك المركزي لإلزام كبار المودعين بإعادة بعض أموالهم من الخارج، وهو ما يرى فيه بعض المحللين مقدمة لتحميل بعض المودعين جزءا من الخسائر المالية.

حوافز

أُبلغت البنوك بأن تحث المودعين الذين حولوا أكثر من 500 ألف دولار إلى الخارج من أول يوليو تموز 2017 على إيداع أموال في حساب خاص داخل لبنان مُجمد لخمس سنوات وبما يعادل 15 بالمئة من القيمة المحولة. وتزيد النسبة إلى 30 بالمئة في حالة ”عملاء المصارف من الأشخاص المعرضين سياسيا“.

أثار التوجيه الجديد حالة من الفزع في أوساط بعض عملاء البنوك ممن لهم حيازات كبيرة في الخارج، حسبما ذكر مصدر يعمل في الخدمات المالية، في حين تساءلت مصادر أخرى بالقطاع عن الحوافز الممكن تقديمها لإقناع الناس بإعادة الأموال.

وقال مصدر قطاع الخدمات المالية ”ما هكذا تدار الأمور.. الحكومة، لا البنك المركزي، هي التي ينبغي أن تبت في الأمر لأنها مسألة قانونية.

”ليس من العدل أن نطلب من المواطنين إعادة بعض أموالهم من الخارج، وإذا كانت هناك بواعث قلق حيال الأشخاص المنكشفين سياسيا فينبغي أولا إجراء تدقيق على حساباتهم لمعرفة إن كانوا قد استفادوا من الهندسة المالية.“

كان المصدر يشير إلى ممارسة كان ينتهجها البنك المركزي تتضمن اقتراض الدولار من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة من أجل صيانة الملاءة المالية للحكومة.

لا داعي للهلع… «المركـزي» سيواصل دعم الدولار!

إستحوذت مسألة تَوقّف مصرف لبنان قريباً عن دعم الدولار، على أكبر قدر من المتابعة والقلق والاهتمام. وتمحورت النقاشات في غالبيتها على تصوير المشهد الاسود بعد رفع الدعم، وتوقيت هذه الخطوة.

نشطت التحاليل والاجتهادات والاستنتاجات في محاولة للتكهّن بالرقم الحقيقي للاحتياطي المتوفّر في البنك المركزي لكي يصبح التكهُّن بموعد وقف الدعم مُتاحاً. وبما أنّ قرار المجلس المركزي في مصرف لبنان ثابت وواضح لجهة إبلاغ الحكومة قبل أن تستقيل انه سيوقف كل انواع الدعم للدولار عندما تنفد الأموال لديه، ولا يتبقّى في صناديقه سوى الاحتياطي الالزامي الذي تودعه المصارف التجارية لديه، كضمانة للودائع، فهذا يعني انّ الدعم سيتوقف عندما يصل المبلغ الى 17,5 مليار دولار. وهنا، تتضارب الاجتهادات في تقدير المبلغ المتبقي قبل الوصول الى هذا الرقم. البعض يتحدث عن 3 أسابيع، والبعض الآخر يمدّد الفترة الى 3 أشهر.

هذه المخاوف مبرّرة فيما لو صدّقنا انّ مصرف لبنان سينفّذ قراره. لكنّ الواقعية تحتّم أن نستنتج انّ الدعم سيستمر، رغماً عن إرادة المركزي. ومن هنا، يمكن أن نستعير عبارة وزير الصحة الشهيرة، لا داعي للهلع، ولا خوف من إلغاء الدعم لا بعد شهر ولا شهرين ولا ثلاثة…

ما فعله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واضح لجهة التسلّح بقرار المجلس المركزي الذي اتخذ قرار إلغاء الدعم. وبالتالي، ما عانى منه سلامة في السنوات الماضية لجهة تحميله لوحده مسؤولية قرارات كانت تُفرض عليه، مثل إقراض الحكومة لتغطية عجز الموازنة، أصبح اليوم متحرراً منه. القرار المتعلق بوقف الدعم لم يتخذه شخصياً، بل اتخذه المجلس المركزي الذي اكتمل عقده قبل استقالة الحكومة بفترة وجيزة، وهو مكوّن من أشخاص محسوبين سياسياً، أو على الأقل اختارتهم للموقع، قوى سياسية تحكم البلد حالياً. وبالتالي، تنفيذ القرار أو التراجع عنه، مسؤولة عنه هذه القوى، التي «تمون» مبدئياً على أعضاء المجلس المركزي. من هنا، سيكون البلد في مواجهة احتمالين:

أولاً – أن يبلغ الاحتياطي في المركزي الخط الاحمر الذي حدّده مجلسه في حقبة حكومة تصريف الاعمال الحالية.

ثانياً – أن يحين الوقت في ظل حكومة جديدة على وشك الاقلاع، وربما التأليف، بمعنى أن يكون قد تمّ تكليف رئيس حكومة جديد، ونكون في فترة التأليف.

في الحالة الاولى، هل يستطيع عاقل ممّن اختبر طريقة تفكير المنظومة السياسية، أن يعتقد بأنّ هذه المنظومة، وفي ظل عدم وجود حكومة (حكومة تصريف أعمال)، ستسمح بوقف دعم الدولار، وتحويل الناس الى الفقر المدقع، والمجازفة بالأمن الاجتماعي؟

وفي الحالة الثانية، هل من عاقل يمكن أن يتوقّع أن تبدأ أي حكومة جديدة مُعوّل عليها للانقاذ، ولايتها برفع الدعم والسماح بارتفاع اسعار كل السلع دفعة واحدة وفي فترة قصيرة بنحو 400 %؟ هذا من دون احتساب مخاطر الانعكاسات على سعر الدولار، بسبب ارتفاع الطلب عليه للاستيراد.

هذه الفرضيات، مع احتساب السلوك السابق للمنظومة السياسية، تقود الى الاستنتاج بأنّ المجلس المركزي سيتعرّض للضغوطات السياسية المناسبة لحمله على التراجع عن قراره، ومواصلة الدعم. وسيتم ذلك وسط تهليل شعبي مُبرّر، لأنّ المواطن شبه جائع، ويصعب إقناعه بخطورة الاستمرار في استنفاد الاحتياطي المتبقّي من الودائع في مصرف لبنان. هذه المرة سيكون سلامة مرتاحاً أكثر لأنّ المسؤولية لن تكون على عاتقه لوحده، بل على عاتق المنظومة السياسية التي ستضطر الى الكشف عن قرارها بفرض استمرار الدعم.

لكن المشكلة لا تكمن في تحميل هذا أو ذاك مسؤولية ما سيجري لاحقاً. اذا استمر الدعم، من دون تغيير المشهد السياسي والاقتصادي والمالي، فهذا يعني الوصول الى فاجعة يصعب تصوّر نتائجها. واقعياً، ومهما كان وقف الدعم قاسياً وكارثياً على الناس، فإنه سيكون مجرد نزهة اذا ما قيس بحجم الكارثة التي ستحلّ بالبلد والناس في حال استمر الدعم لاستنفاد كل الاحتياطي، من دون خطة إنقاذ.

ما قام به مصرف لبنان في السابق، ومن ضمنه الهندسات المالية، كان عملية شراء للوقت، على أمل أن تستفيق المنظومة السياسية وتبدأ التغيير المطلوب. غداً، ستقرر المنظومة السياسية نفسها شراء المزيد من الوقت، لكنها قد تكون المرة الأخيرة المُتاحة، وسينفد الوقت أيضاً، وستكون النتيجة لاحقاً أسوأ وأفظع من كل التصورات السوداوية.

حالياً، يحاول بعض الوزراء في الحكومة المستقيلة تمهيد الطريق أمام الحكومة المقبلة لتسهيل مهمتها. وفي المعلومات انّ وزير المالية غازي وزني قد يوقّع في الايام القليلة المقبلة مع شركة Alvarez&Marsal اتفاقية التحقيق الجنائي (Forensic audit) في مصرف لبنان، كما يحرص وزني على الحفاظ على التواصل الدائم مع صندوق النقد، لكنّ هذا التواصل في ظل حكومة تصريف اعمال لا يمكن أن يودي الى أي تقدّم، ويبقى على طريقة keep in touch ليس إلّا، بانتظار حكومة جديدة قد لا ترى النور في المدى المنظور. وفي هذه الحالة، ما نفعُ التحقيقات الجنائية وغير الجنائية، وماذا ستفعل بها منظومة اعتادت على أسلوب «بلّها وشراب ميّاتها»؟.

انطوان فرح.

اقتصاد لبنان: الأمل الأكبر في أهله

بعد أن فُجع العالم بكارثة مرفأ بيروت، وما تسببت فيه من فقد لأرواح مائتي إنسان، وإصابة الآلاف، وتشريد وتدمير بيوت مئات الآلاف، جاء رد فعل المجتمع الدولي في مؤتمر دعم بيروت والشعب اللبناني الذي دعت إليه فرنسا بمشاركة الأمم المتحدة. توافق المشاركون في المؤتمر على تقديم عون إغاثي للشعب اللبناني في شكل مساعدات عاجلة بلغت حوالي 250 مليون يورو (300 مليون دولار). ونص البيان الصادر عن الرئاسة الفرنسية على أن هذه التعهدات المالية ستتم من خلال المنظمة الأممية ومؤسسات دولية مشاركة، وأنها ستسلم مباشرة للشعب اللبناني. أكد المؤتمر أيضاً على استعداد لمساندة نهوض الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من أزمات متشابكة، لكن هذا الاستعداد المعلن جاء مشروطاً بإجراء الدولة لإصلاحات سياسية وهيكلية ومؤسسية.
كانت تقديرات مؤسسات دولية، قبل الكارثة الأخيرة، عن الاقتصاد اللبناني، الذي بلغت متوسط قيمته 54 مليار دولار في الأعوام الثلاثة الماضية، بأنه سيتراجع في هذا العام بأكثر من 12 في المائة، كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، فهناك عاطل بين كل ثلاثة لبنانيين. وتزامنت الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية مع تفاقم الديون المتراكمة لأكثر من 150 في المائة من الناتج المحلي، وانفلات في الأسعار بمعدل تضخم سنوي تجاوز 90 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، وانهيار في سعر الليرة بانخفاضها بمقدار 80 في المائة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مقابل الدولار.
وفي جلسة نقاش عقدتها الجامعة الأميركية في بيروت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قدر الاقتصادي اللبناني جمال الصغير، أن بلاده بحاجة لضخ 25 مليار دولار من رؤوس الأموال والاستثمارات في الأجل القصير على أن ترتبط بإصلاحات نقدية ومالية ضخمة وتغييرات هيكلية عميقة تطال القطاعات الاقتصادية والمؤسسات المشرفة عليها، محذراً، كما حذر غيره من قبل، من عواقب وخيمة على المجتمع واستقرار البلاد إذا لم تؤخذ هذه الإصلاحات محمل الجد في التنفيذ. كانت هذه التقديرات والتحذيرات قبلما يعجز لبنان عن سداد قسط مستحق في شهر مارس (آذار) الماضي، بما قيمته 1.2 مليار دولار من خدمة سندات دولارية، وأعلنت بعض الدوائر المالية بعدها تقديرات باحتمال خسارة الدائنين من حملة هذه السندات 70 في المائة من قيمتها على الأقل في حالة إعادة هيكلة هذه الديون.
وأتت تداعيات الأزمة الصحية لوباء «كورونا» بأعبائها، ولتغيض معها موارد السياحة وقطاع الخدمات، وكذلك تحويلات اللبنانيين في المهجر لأهليهم، التي قدرت في العام السابق بحوالي 7.3 مليار دولار، بما يُشكل 13 في المائة من الناتج المحلي للبلاد. وقد تعرضت التحويلات المالية لمشكلات عدة في عمليات تحويلها من خلال المصارف مع قيود الصرف على حسابات الأفراد من بنوكهم، فلجأوا إلى التحويلات النقدية من خلال معارفهم من المسافرين يصحبونها معهم، ثم قيدت حركة السفر بسبب الوباء فلم يعد أمامهم إلا مكاتب تحويل الأموال، وسبب هذا كله اضطراباً في مورد حيوي لإعانة اللبنانيين واقتصادهم.
ويجري البنك الدولي تقديراته لحجم الدمار، وتكلفة إعادة البناء وإعلانها خلال الأسابيع. وفي هذه الأثناء تراوحت التقديرات المبدئية لشركات التأمين وجهات رسمية للخسائر بين 2.5 مليار دولار، و10 مليارات دولار، أي بما قد يصل إلى 18 في المائة من الناتج المحلي للبنان.
وفي مقابل ذلك كله هناك شلل في قدرة المؤسسات الضعيفة للدولة على التعامل مع الأزمات مع استفحال أزمة ثقة وغياب الحوكمة والشفافية. ويستحق هذا الأمر التوقف عنده لارتباطه بتوقعات المنظمات والمؤسسات المالية الدولية لما تعتبره إصلاحاً لازماً حتى تستطيع مساندة الاقتصاد. وقد جاءت كلمتا مديرة صندوق النقد الدولي ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة في إطار حديثهما عن التعامل مع إجراءات التعافي وإعادة البناء، بالإضافة إلى جهود الغوث والإعانة الإنسانية الفورية، حول اقتراح الإجراءات الآتية:
1 – تحديد أولويات المساندة الاقتصادية والاجتماعية العاجلة في ثلاثة مجالات، وهي الصحة، والغذاء، وترميم وإعادة تأهيل وبناء المساكن والمدارس والمستشفيات.
2 – استعادة الملاءة المالية لموازنات الدولة والقطاع المالي والمصرفي، وإصلاح هياكل المديونية، وعدم تكبيل الاقتصاد والمواطنين بديون لا يستطيعون تحمل أعبائها، وأرى في هذا الشأن سرعة المبادرة بترتيب لإعادة هيكلة الديون الدولية، والحصول على إعفاءات تشمل أصول الديون وفوائدها من دون إبطاء.
3 – مطالبة من استفادوا بعوائد مبالغ فيها بالمشاركة في أعباء إعادة رسملة البنوك لحماية أموال غالبية اللبنانيين الذين أودعوا أموالهم هذه البنوك.
4 – فرض قيود حماية مؤقتة على حركة رؤوس الأموال لخارج البلاد من خلال فرض قيود على الجهاز المصرفي، وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد لحماية الاحتياطي، ومنع الاستغلال والفساد.
5 – وضع قيود مانعة من استمرار الخسائر المزمنة في المؤسسات التابعة للدولة مع تعزيز الشفافية وتفعيل قواعد المراجعة الشاملة على حسابات المؤسسات، بما في ذلك البنك المركزي.
6 – مد مظلة الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الأفقر والأكثر عرضة لتأثيرات الأزمات القائمة في إطار سياسة متكاملة للتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأعمق والأطول مدى.
وفي حوار مع أصدقاء من أهل لبنان، وهم الأدرى بشعابها، عن رد فعلهم للمؤتمر، وما أسفر عنه، كانت كلماتهم مستحسنة لرد الفعل الدولي تجاه العون الإنساني العاجل، ولكن جاء تأكيدهم أن الإجراءات المقترحة كشروط من أجل دعم الاقتصاد متعارف عليه، ولطالما طالب به وبغيره الناصحون وذوو الرأي والبصيرة من أهل الخبرة، فضلاً عن عموم الناس. وإنما الأولوية الآن للأمر السياسي، وإنقاذ الدولة من وقوع في تيه الفشل، كما حذر من قبل السفير ناصيف حتي، فالإصلاح المؤسسي الذي يؤكد عليه المجتمع الدولي ومنظماته، كشروط ضرورية لنجاح الإصلاحات الأخرى، يحتاج إلى إرادة سياسية وقوانين نافذة وسلطات فاعلة وآليات للمتابعة والمحاسبة بنتائج معلنة.
وتذكرنا التجارب بأن أفضل خبرات بناء الدول المعاصرة هي تلك التي تمتعت برغبة من أهلها في بناء المؤسسات وفق أولوياتها الوطنية وثقافتها واعتبارات اقتصادها السياسي. يذكرك هذا بما استعرضه الاقتصاديان دارون أشموجلو وجيمس روبنسون في كتابهما الشهير عن أسباب قوة ورفاه وفقر الدول في حقب تاريخية وأقاليم جغرافية مختلفة، وأشهرا سؤالهما «لماذا تفشل الدول؟»، فوجدا الإجابة في طبيعة مؤسساتها ومدى شمولها للكافة أو تحيزها. وإذا كانت بأضدادها تعرف الأشياء، فإن نجاح الدولة اقتصادياً يأتي بديهياً من تمكين مؤسساتها وبنائها.
لسنا بصدد إعادة اختراع للعجلة، ولكنها عملية تطويع لممارسات عالمية مستقرة للتوافق مع الاحتياجات، قد تختلف في الشكل والمظهر، ولكنها لا يمكنها أن تفارق مبادئ العدل ودولة القانون الحامية للحقوق والحريات الأساسية. وتظل مسألة التقدم والتخلف، وقضية نجاح الدولة وفشلها، مسألة اختيار قد تأتي مع أشد اللحظات البائسة وأحلكها بؤساً. والأمل، كل الأمل، لن يكون معلقاً على وعود للمجتمع الدولي قد تتصاعد، ثم تفتر بعد حين، عندما تأتيه مأساة أخرى تلهيه. ولن يكون الأمل مرهوناً بنخب كالزبد تظهر وتعلو ثم تذهب كما أتت، إنما هو معلق بما يبعث دائماً على التفاؤل في حالة لبنان تحديداً ألا وهو أهلها. فإن عقدت المقارنات والمسابقات في القدرة على الصمود في ظل أشد الأزمات عنفاً، وفي الإبداع فناً وثقافة وتنويراً في الوطن والمهجر بأقل الموارد لفاز فيها اللبناني بارتياح. ألم يبهر عالم مراكز البحث والأعمال والشركات وقطاعات الابتكار والخدمات المالية بقيادات وكوادر فذة تشهد بها عواصم العالم وربوعه؟ ألم ينشر حب الحياة استمتاعاً بما تمنحه، ومشاركة في مباهجها أدباً وشعراً وغناءً وذوقاً في الملبس والمظهر؟ ألم يجعل مجرد قيامك بتناول الطعام على مائدته مناسبة للاحتفاء بك و«بكرم عينيك»؟ بأهله سيكرم لبنان بمؤسسات تليق به.

د. محمود محيي الدين