متابعة قراءة مورجان ستانلي: لبنان يواجه إعادة هيكلة ديون صعبة لكن السندات رخيصة
أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية
أزمة لبنان المالية: دعاوى بالجملة إذا أقرّ الكابيتال كونترول
طرح مشروع قانون الكابيتال كونترول على طاولة مجلس الوزراء غداً، والذي يتوقع أن يعطي صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويشرّع إجراءات المصارف من حيث القيود التي تفرضها على السحوبات مع الابقاء على حرية الاستنساب في سحوبات العملة الأجنبية.
علمت «الجمهورية» من مصادر مطّلعة انّ مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي سُرّب الى الاعلام الاسبوع الماضي ليس النسخة النهائية لمشروع القانون الذي سيحضر على طاولة مجلس الوزراء الخميس، وأنّ وزير المالية غازي وزني يعمل على إدخال تعديلات عليه بما يلائم أيضاً مصلحة المودع، كما عمد الى شطب بعض البنود الواردة في المشروع لأنها غير منطقية، منها على سبيل المثال ما ورد في الفقرة الخامسة من البند الثاني المتعلّق بالتحويلات الى الخارج، والتي تنص على «ان لا يكون للمودع طالب التحويل حساباً مصرفياً خارج لبنان» إذ لا يمكن تطبيق هذا البند.
وفي قراءة قانونية لمشروع القانون، يُعدّد المتخصّص في الشؤون المصرفية المالية مروان صقر لـ«الجمهورية» بعض الملاحظات او الثغرات التي وردت في مسودة مشروع القانون.
يقول صقر: لا يمكن أن يكون قانون «الكابيتول كونترول» فعّالاً وان يطبّق بشكل كامل إلّا في حال تمّ توحيد سعر صرف الدولار، وإلّا فإنّ هجمة المودعين على السحوبات النقدية من المصارف ستظل قائمة لأنّ المودع سيواصل سحب أمواله لشراء الدولار، رغم انه بذلك يخسر ما بين 30 الى 40 في المئة من قيمة سحوباته.
وعمّا تردد عن توجّه لدفع الدولار على 2000 ليرة، إستبعد صقر قانونية هذه الخطوة مؤكداً انّ اي توجّه مُماثل يحتاج الى مشروع قانون، كما لا يحق للمصارف الاقدام على مثل هذه الخطوة من دون موافقة المودع.
كذلك، توقف صقر عند خرق المساواة بين المودعين ويتعلق الأمر بتحديد سقف للسحوبات، إذ لا يمكن الجزم بأنّ احتياجات المواطنين واحدة، فهذا السقف قد يكفي البعض ولا يكفي البعض الآخر الذي ربما يحتاج الى مبالغ أكبر.
وانتقد صقر استمرار الاستنسابية بالتعاطي مع المودعين من قبل المصارف، وقد تجلّت بحالتين: الأولى تتعلق بالسحوبات النقدية بالدولار، فالقانون لم ينظّم السحوبات وتَركها لاستنسابية كل مصرف وفق ما يراه مناسباً. والثانية تتعلق بموضوع استخدام بطاقات الائتمان في الخارج، هنا ايضاً ترك تحديد السقوف لاستنسابية المصارف، مما لا يمنع أن يتصرّف المصرف وفق ما يراه مناسباً وقد تختلف الاستنسابية في المصرف نفسه بين زبون وآخر.
وتوقف صقر عند بعض الملاحظات على القانون التي سبق وأرسلها خطيّاً الى وزارة المالية، ومنها ما يتعلق بعلاقة القانون مع المعاهدات الدولية. فقال: ذكرت المادة 2 من مشروع القانون الذي أعدّته وزارة المالية «مع الاحتفاظ بما تنصّ عليه أحكام الاتفاقيات الدولية». ربما اعتقد مَن صَاغ القانون انه بذِكر هذه الجملة يحلّ مشكلة وهذا خطأ. فالاتفاقيات الدولية نوعان: الاولى اتفاقية وقّعها لبنان مع صندوق النقد الدولي وتنصّ على عدم إمكانية البلدان موقّعي الاتفاقية من وضع قيود على التحويلات الى الخارج الّا في حال تعرّضت إحدى الدول الى أزمة حادّة في ميزان مدفوعاتها، في هذه الحال يمكن ان يسمح لها بوضع قيود على التحويلات الخارجية على ان تكون مؤقته وبعد موافقة صندوق النقد الدولي. والسؤال البديهي المطروح: هل انّ وزارة المالية وأثناء إعدادها للقانون أخذت موافقة صندوق النقد الدولي؟ لأنه في حال لم تأخذ الموافقة فيمكن للصندوق معاقبة لبنان.
ثانياً: الاتفاقيات الثنائية التي وقّعها لبنان مع نحو 54 دولة، والتي ينصّ بعضها على أنّ لبنان يضمن للمستثمر الاجنبي التابع الى إحدى هذه الدول حرية تحويل أمواله الى الخارج من دون أي قيود. وهنا يبرز تناقض في هذا الموضوع، إذ في حال أخذ لبنان موافقة صندوق النقد على قانون الكابيتال كونترول، عليه أن يعالج موضوع الاتفاقية الخاصة مع بقية الدول المتعلقة بالمستثمرين التابعين لهذه البلدان، خصوصاً انّ الاتفاقيات الخاصة تعلو على الاتفاقية العامة. وبالتالي، سيتمكّن المستثمر الاجنبي من تحويل أمواله هذه بموجب الاتفاقيات، بما سيخلق مجدداً عدم مساواة بين المستثمرين الاجانب والمواطنين اللبنانيين. كما يمكن لأيّ مستثمر أجنبي آخر من غير الدول الموقّعة على اتفاق ثنائي مع لبنان الاستفادة من هذه الاتفاقية تحت بند «الدولة الأكثر رعاية». وهنا تساءَل صقر عمّا اذا كانت درست الحكومة المخاطر القانونية المُمكن أن تنتج عن هذا القانون، والتي يمكن للمستثمر الاجنبي أن يتوجّه فيها الى التحكيم الدولي ويطالب بتعويضات كبيرة.
ونَبّه صقر الى دعاوى المستثمرين الاجانب التي يمكن ان ترفع ضد لبنان، وهي أخطر بكثير من دعاوى اللبنانيين التي أقاموها في وجه المصارف اللبنانية والتي وضع مشروع القانون للحدّ منها. فهل تَعي الدولة سَيل الدعاوى الذي سينهال عليها من الخارج؟
ايفا ابو حيدر.
أزمة لبنان المالية: الاقتطاع من أموال المودعين أصبح أوسع.
دخل لبنان اليوم مرحلة التعثّر التي تعني انّ ديونه يوروبوند استحقت كلها، وصار البلد في مواجهة مرحلة جديدة، سوف تُقرّر مصير اللبنانيين، وفق الطريقة التي ستُعتمد لمقاربة هذا الوضع، مع ترجيح أن يكون الـHaircut قد أصبح أوسع وأكثر متابعة قراءة أزمة لبنان المالية: الاقتطاع من أموال المودعين أصبح أوسع.
ماذا ينتظرنا بعد “إحتفالية” الإفلاس؟
غداً، يوم آخر… لبنان دخل رسمياً عهد الإفلاس المالي. لكن المصائب، كما تُظهر تجارب الأمم، عبر التاريخ القديم والحديث، لا ترتبط بالإفلاس في حد ذاته، بقدر ما ترتبط بما بعده، أي بالطريقة التي يتمّ التعامل فيها مع الأزمة. فهل الدولة اللبنانية جاهزة للتعامل كما ينبغي مع الإفلاس، الذي أُعلن بشكل احتفالي في 7 آذار 2020؟
لا تزال القوى السياسية تتحكّم بعقول وقلوب اللبنانيين، بالإضافة الى تحكّمها بمصير البلد وناسه. والدليل انّها حوّلت اعلان الافلاس، وهو يُفترض انّه بمثابة اعلان هزيمة، يشعر خلالها أي مسؤول بالخجل والإحراج والحاجة الى الاعتذار وربما الاعتزال، الى انتصار وهمي عنوانه “لن ندفع”.
صحيح انّ اجتماع بعبدا، الذي ضمّ كل أركان الدولة، هدَفَ الى تأمين تغطية وطنية لقرار اعلان الإفلاس، وعدم تحميله الى رئيس الحكومة منفرداً، لكن المسؤولين نجحوا في تحويله الى لقاء شبيه بلقاءات اعلان الاستقلال، وبدت لهجة البيان الختامي للإجتماع بمثابة بث خبر الانتصار في حرب مصيرية. في حين انّ القرار في حقيقته هو مجرد اعلان افلاس وهزيمة الطبقة السياسية، وبدء مرحلة جديدة ستكون أصعب من طريق الجلجلة التي تحدث عنها رئيس الحكومة حسان دياب.
هذا الكلام لا يعني انّ قرار تعليق (moratorium) دفع الديون الخارجية (يوروبوند) هو في حدّ ذاته قرار خاطئ، لكن الخطيئة تكمن ربما في التوقيت والتحضيرات لما بعد القرار. إذ من المعروف انّ الدول التي تواجه أزمات مالية مماثلة، يشكّل اعلان الإفلاس فيها في اكثر الاحيان، نقطة تحوّل مريحة للناس والاسواق، بسبب انقشاع غبار الأزمة، ووضوح الرؤية، وبدء رحلة العودة الصعبة والموجعة الى وضع اقتصادي ومالي طبيعي. لكن المعطيات المتوفرة عندنا، لا توحي بأنّ اعلان افلاس لبنان سيكون بداية لرحلة الصعود الى سطح الماء، بل يبدو القرار وكأنّه دفشة اضافية للغوص اكثر نحو القعر.
في التوقيت، كان يُفترض ان يُتخذ قرار تعليق الدفع منذ سنة او اكثر، أي منذ أدرك المسؤولون انّ الدولة لم تعد قادرة على الاستدانة والاستمرار. واضطر مصرف لبنان، وبطلب من المسؤولين، الى تغطية فجوة الإقتراض من امواله الخاصة التي هي في النتيجة اموال البنوك، اي اموال الناس. في ذلك التوقيت، كانت امكانية الوصول الى اتفاقات رضائية مع المُقرضين سهلة، ولن تتضمّن شروطًا صعبة. كذلك، كانت امكانية الاتفاق مع صندوق النقد على خطة إنقاذ (Bailout) بشروط ميسّرة ممكنة أيضًا.
أما في الاستعدادات لمرحلة الافلاس وما بعده، فانّها تبدو كارثية بلا أي مبالغة. وما قاله رئيس الحكومة في ما يُفترض انّه توصيف للخطة الإنقاذية التي ستواكب اعلان الافلاس، تشبه كل شيء إلّا الخطة. والكلمة التي توجّه بها الى اللبنانيين لم تتضمّن حرفًا واحدًا اضافيًا عن وعود يسمعها اللبناني والمجتمع الدولي منذ سنوات طويلة، ولم تعد تقشعر لها الأبدان، ولا حتى تُحرِّك مشاعر الاشمئزاز، لأنّها صارت وكأنّها غير موجودة. إلّا اذا اعتبرنا انّ المداخيل الاضافية التي تحدّث عنها دياب من خلال خطة تغويز الغاز صالحة للبناء عليها لإنقاذ بلد يحتاج، بالإضافة الى حوالى 50 مليار دولار ليس معه منها دولارًا واحدًا، الى ثقة يبدو انّها لن تعود.
طبعاً، لا يمكن تحميل حسان دياب مسؤولية هذا الوضع، فالرجل قام بدور الناطق الرسمي بإسم منظومة سياسية قضت على البلد، ومن ثم راحت تفتش عن جهات تُلصق بها تهمة الانهيار و”المجاعة” (بمفهومها العصري طبعًا) المقبلة بلا شك. لكن مسؤولية رئيس الحكومة تبدأ من نقطة الخوف من قلب الطاولة. فهو يُفترض أنّه بات يعرف خطورة الوضع، ويعرف ايضًا أين تكمن المشكلة وأين يوجد الحل، ولا يُفترض به أن يراوغ، وأن يحمّل مثلاً الاقتصاد الريعي مسؤولية ما جرى كبند أول، ومن ثم يضع الفساد بعده.
ما اعلنه رئيس الحكومة مفاجئ، لأنّه في بعض النقاط بدا عارفاً بما يجري، وقال بوضوح أننا نواجه أزمة غير مسبوقة، تشمل ثلاث أزمات رئيسية: أزمة ديون سيادية، أزمة مصارف، وأزمة عملة تنهار. فهل يمكن معالجة أزمة من هذا العيار، بالحديث عن تغويز الغاز ومعالجة أزمة الكهرباء؟
الأزمة الحقيقية تبدأ اليوم، وهي حتمًا لا تتعلق بإعلان الافلاس، بل بما بعده. والمفارقة هنا انّ الحكومة المغلوب على أمرها لجهة منعها من ولوج خطة إنقاذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بذريعة السيادة والشروط القاسية التي يفرضها ويدفع ثمنها المواطن، سوف تضطر الى اعتماد هذه الشروط في المستقبل القريب لجهة رفع الضرائب وتحرير سعر صرف الليرة وفرض رسوم اضافية على البنزين، من دون أي أمل بأن تنقذ هذه الاجراءات البلد. وستتكرّر تجربة سلسلة الرتب والرواتب، عندما أُعلنت حزمة ضرائب وحزمة إصلاحات، تمّ تنفيذ بنود الضرائب وبقيت الإصلاحات حبرًا على ورق.
غداً، ستعلن مؤسسات التصنيف خفض لبنان الى درجة التعثّر (افلاس)، وسيصبح تعامل المصارف اللبنانية مع السوق المالي العالمي شبه متعذّر، وسنواجه أزمة إيجاد بديل من الاعتمادات لاستيراد ما هو ضروري.
في الموازاة، ستكون المفاوضات مع المقرضين أكثر من شاقة، وربما شبه مستحيلة. والدول التي واجهت أزمة مماثلة ذهبت الى المفاوضات في جيبها قرار عدم الدفع، وفي جيبها الثاني خطة تُظهر كيف ستصبح الدولة قادرة على الدفع في حال وافق المقرضون على إعادة هيكلة وجدولة الديون. طبعًا، هناك دول فاوضت بلا خطط واضحة وبلا وجود كفيل موثوق مثل صندوق النقد، لكنها فشلت و”جاع” شعبها، ولا تزال عالقة في القعر.
في لبنان، تذهب الدولة الى المفاوضات وفي جيبها قرار تعليق الدفع، وفي جيبها الآخر لائحة وعود قديمة، ووعد جديد بتنفيذ خطة تغويز الغاز. فهل تنجح؟
انطوان فرح.
أزمة لبنان المالية: أولوية إنقاذ المصارف حماية لأموال المودعين
كيف ندعّم قطاعاً تعوّدنا ان يكون دعامة إقتصادنا ككل؟ سؤال مقلق ما توقّعنا يوماً أن نطرحه على أنفسنا، بعد أن تغنينا بالقطاع المصرفي كعمود فقري للإقتصاد اللبناني ولميزة دور لبنان الاقتصادي في المنطقة ككل. ما هي التحدّيات الحالية للجهاز المصرفي اللبناني؟ كيف يمكن تحديد الخطوات الضرورية على المدى المنظور؟ وأي رؤيا مستقبلية لدور القطاع في الاقتصاد اللبناني على نطاق أبعد؟
في الخصوصية الاقتصادية اللبنانية وأبرز التحدّيات:
بداية لا بدّ من الإضاءة على تحدّيات أساسية تشكّل قيوداً للسياسة النقدية والمصرفية ومن ثم المالية والاقتصادية عموماً في لبنان وهي باختصار: الدين العام/ الناتج المحلي، الدولرة، ربط سعر الصرف والميزان الخارجي في ظلّ نظام اقتصادي حرّ للرساميل والتبادل التجاري.
فيتبيّن بداية، تنامي نسبة الدين العام الى الناتج المحلي، التي ما لبثت أن انخفضت من حدود 180% عام 2006 الى 130% عام 2011 ، حتى عاود خطّه التصاعدي الذي تخطّى فيه حدود الـ 150% في نهاية العام 2018 وأكمل صعوداً مع تدهور الأوضاع عام 2019 بالتزامن مع تدهور معدل النمو من 8.25 % الى أقل من 1 % للفترة عينها. فيما كان الدين العام يكبر بحجم كرة الثلج التي تنمو بسرعة تفوق أضعاف نمو الناتج المحلي، مع تراكم العجز المالي السنوي وصعوبة التحكّم بمكونات الإنفاق، الجاري في معظمه، وتستحوذ بشكل أساسي خدمة الدين العام (أي الفائدة على الدين) على أكثر من 40 % وتلامس كذلك رواتب وأجور القطاع العام الـ40 % من مجموع الإنفاق، وتبقى حصّة عجز الكهرباء بحوالى 11%، فلا يبقى ما يُذكر للاستثمار العام…
من هنا، تتظهّر لنا خصوصية الاقتصاد اللبناني والقيود التي تكبّل حركته وتجعل منه نموذجاً خاصاً غير قابل للمقارنات مع سواه، قبل البحث في المعضلات التي تُرهق نموّه أو تُعقّد ديونه أو تُتعب جهازه المصرفي، موضع البحث تحديداً.
أما هيكلية الدين العام، الذي لم يكن موجوداً إبّان أزمة الثمانينات، وبدأ بعدها مع إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية، فقد تطوّرت هيكليته، وعرف دولرة بحدود ثلثه وتحديداً، أصبحت اليوم ديون لبنان بالعملات الأجنبية مع إصدارات اليوروبوند بنحو 30 مليار دولار، تحمل منها المصارف اللبنانية نحو 15 مليار دولار (قبل بيع جزء من سنداتها المستحقة في 9 آذار 2020)، مقابل 5.7 مليارات دولار يحملها المصرف المركزي (كان يحمل فقط 3.5 مليارات دولار، ولكن حصّته من الدين بالعملات الأجنبية زادت بعد أن اشترى السندات التي استحقت في تشرين الثاني 2019).
الانكشاف السيادي للمصارف اللبنانية:
أبعد من الانكشاف السيادي للجهاز المصرفي على اليوروبوند، التي تحملها المصارف اللبنانية بحوالى 15 مليار دولار أميركي والمصرف المركزي بقيمة 5.7 مليارات دولار أميركي، يظهر قلق الجهاز المصرفي من الانكشاف على شهادات الإيداع بالعملات الأجنبية للمصرف المركزي. وأفادت أرقام وكالة «بلومبرغ»، أنّ على مصرف لبنان إلتزامات بقيمة 52.5 مليار دولار على شكل ودائع بالعملات، وشهادات إيداع بالدولار، تحمل معظمها المصارف اللبنانية، أي أنّها توظيفات من مجموع مدخرات المودعين اللبنانيين بالعملات الأجنبية. علماً أنّ المصارف لها احتياطي الزامي بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان بمعدل 15 % من الودائع بالعملات الأجنبية لديها، أي 18 مليار دولار (15 % من مجموع 120 مليار دولار ودائع بالعملات الأجنبية).
في حين تُظهر ميزانية المصرف المركزي في شباط 2020 انّ إجمالي إحتياطاته بالعملات الأجنبية، غير الذهب واليوروبوند، لا يتخطّى حدود الـ 30 مليار دولار أميركي (هذا اجمالي إحتياطه وليس الاحتياطي الصافي بالعملات الأجنبية)، مما يثير قلق القطاع المصرفي والمودعين على حد سواء.
ووفقًا لـوكالة التصنيف العالمية Fitch ، بلغ إجمالي شهادات الإيداع للمصرف المركزي 20.9 مليار دولار، ليكون لدى مصرف لبنان المركزي أعباء تقدّر بنحو 52.5 مليار دولار في صورة ودائع بالعملة الأجنبية وشهادات إيداع. ورغم أنّ القليل من شهادات الإيداع يستحق هذا العام أو العام المقبل، فإنّ أكثر من 8 مليارات دولار تستحق في 2022 و 2023 وفق الجدول التالي.. ويتبيّن أنّ انكشاف المصارف الزائد على الدين السيادي ولاسيما بالعملات الأجنبية (بين يوروبوند وشهادت إيداع بالعملات الأجنبية) من شأنه أن يهدّد مجمل رساميل بعضها، مما يفسّر إلحاح المصرف المركزي على زيادة رساميلها الخاصة.
القروض المتعثّرة للمصارف وجمود النشاط الاقتصادي:
تواجه المصارف اللبنانية مخاطر إنعكاسات جمود النشاط الاقتصادي وتوجّه كثيرين الى ما يُعرف بأدوات الحماية من المخاطر، عبر شراء الذهب أو الاستثمار العقاري..علمًا أنّ للخيارالأخير إيجابيات كثيرة، ولاسيما في تسييل عقارات كانت مجمّدة بفعل الأزمة، فيما أصحابها مديونون للمصارف، ويهمّهم إطفاء أكبر جزء من دينهم ولو بشيكات مصرفية، بغض النظر عن إمكانية سحبها نقداً.
من هنا، تفتح الأزمة الاقتصادية باب مخاطر القروض المتعثّرة لدى المصارف، ولا سيما منها التسليفات المصرفية بالعملات الأجنبية للقطاع الخاص، وتتراوح بحدود الـ 32 مليار دولار.
وتُظهر الميزانيّات المجمّعة تراجعاً كبيراً في إجمالي موجودات المصارف اللبنانيّة من 249.48 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2018 الى 216.78 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2019 . وبذلك تكون موجودات المصارف اللبنانيّة قد انخفضت بنسبة 13.11 % خلال فترة سنة واحدة فقط. كما انخفضت القروض للمقيمين بنسبة 15.2%، والقروض لغير المقيمين بنسبة 21.7 %. كذلك خفّضت المصارف محفظتها من سندات الخزينة بالليرة بنسبة 15.8%، وسندات اليوروبوند بنسبة 13.9 %.
وقد أظهرت إحصاءات المصرف المركزي تراجعاً لودائع الزبائن (قطاع خاص وقطاع عام) بنسبة 8.29 % الى 246865 مليار ل.ل. في نهاية 2019 (163.76 مليار د.أ.) وتقلّصت ودائع الزبائن بالليرة اللبنانية بنسبة 22.53 % لتصبح 64.799 مليار ل.ل. (أو ما يعادل 42.98 مليار د.أ.) فيما انخفضت الودائع بالعملات الأجنبية بنسبة 1.87% لتصبح 182066 مليار ل.ل. (او ما يعادل 120.77 مليار د.أ.).
وارتفعت نسبة الدولرة في ودائع القطاع الخاص من 70.62% في نهاية عام 2018 الى 76.02% في نهاية عام 2019.
فيما ارتفعت حسابات رأس المال المجمّعة للمصارف التجارية من 20.15 مليار د.أ. في نهاية العام 2018 الى 20.72 مليار د.أ. في نهاية العام 2019 وسط مطالبة المصرف المركزي زيادة رأسمال الخاص بنسة 20 % مطلع العام 2020 و20 % في منتصف العام.
أزمة السيولة بالدولار وتراكم عجز ميزان المدفوعات وازدواجية سعر الصرف
تبيّن الميزانيّات المجمّعة للمصارف اللبنانيّة، أنّ المصارف اللبنانيّة خسرت خلال عام 2019 ما نسبته 43.56 % من قيمة حساباتها لدى القطاع المالي غير المقيم (أي المصارف المراسلة)، لتستقر قيمة هذه الحسابات عند مستوى الـ 6.77 مليارات د.أ. مع العلم أنّ هذه الأرقام تعكس أثر السحوبات النقديّة منذ 17 تشرين الأوّل ولغاية نهاية كانون الأوّل.
على خط موازٍ، وحتى قبل اتخاذ الإجراءات المكبّلة لحركة الرساميل، كان لبنان يعاني في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ العام 2011 من انقلاب وضع ميزان المدفوعات وتحوّله الى سلبي بشكل مستمر.
وقد سجّل ميزان المدفوعات عجزاً في نهاية 2019 بقيمة 4351 مليون دولار، ليصبح العجز التراكمي منذ 2011 إلى اليوم ما قيمته 14515.9 مليون دولار (باستثناء عام 2016 الذي لم يسجّل عجزاً بسبب هندسات مصرف لبنان المالية التي استقطبت من خلالها المصارف رساميل من الخارج بالعملات الاجنبية لشراء اليوروبوند).
هذا التراجع في استقطاب العملات الاجنبية وعجوزات ميزان المدفوعات، كان يضغط بشكل متزايد على سوق القطع، الذي يعتمد منذ عام 1997 على ربط سعر صرف الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس 1507.5 ليرات للدولار.
تراجع أرباح القطاع المصرفي:
كذلك شهدت المصارف العاملة في لبنان تراجعاً في أرباحها من 2.234 مليار د.أ. في نهاية عام 2018 الى 522 مليون د.أ. في نهاية عام 2019، ذلك بشكل عام من دون الدخول في الفوارق من جهة بين المصارف ذات الحصة الأساسية الصامدة في الحد الأدنى من الأرباح وتلك التي باتت تعاني الخسائر، ومن جهة أخرى بين المصارف المحصورة في السوق اللبناني وتتلقى تداعيات أزمته والمصارف الأخرى التي تتنفّس من نشاطها خارج الحدود اللبنانية والتي لم تدرج بعد نتائج الخارج في المجموع.
في الإجراءات الضرورية الملحّة:
تخفيض الفوائد:
بعد أن أرهق ارتفاع معدلات الفوائد القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني وخزينة الدولة على حد سواء، كان لا بد من تدخل المصرف المركزي لوضع سقوف لمعدلات الفوائد إن على الودائع أو على القروض.
فقد صدر عن مصرف لبنان تعميم جديد ينص على خفض الفوائد المصرفية والتقيّد بالحد الأدنى لمعدّل الفائدة الدائنة على الودائع كما على التسليفات بالدولار الأميركي وبالليرة اللبنانية.
فضلاً عن التعميم الوسيط رقم 545 للمصرف المركزي القاضي بتخفيض معدلات الفوائد لمختلف القروض السكنية وغير السكنية الممنوحة من المؤسسة العامة للاسكان او المدعومة من المصرف المركزي، إن كان ذلك للسكن او للقطاعات الانتاجية.
هذه الإجراءات في موازاة التخفيض الكبير للفوائد على الودائع تسمح للمصارف بالاستفادة من الفارق الناتج عن الانخفاض المزدوج للفوائد الدائنة والمدينة، بما يزيد هامش ربحها وإمكانية زيادة رسملتها.
وتظهر أرقام المصرف المركزي أنّ لبنان شهد مساراً تصاعدياً لارتفاع الفوائد، تسارع بعد فترة وجيزة من استقالة رئيس الوزراء المؤقتة في تشرين الثاني 2017 والفراغ الحكومي الذي دام 9 أشهر، مما دفع المصارف إلى إطلاق برامج ادخار بفوائد جذابة.
أمّا بشأن زيادة قيمة ضمان الودائع فهذه الخطوة ضرورية، ليس فقط عبر رفع السقف من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة لبنانية على أهميّتها، إنما بالتعامل مع صندوق متخصّص يتمتع بمصداقية دولية، خاصة بعد تبيان انغماس مؤسسة ضمان الودائع أيضاً بتمويل الدولة بالاكتتاب بسندات الخزينة بما يجعلها شريكة في اشتباك التمويل بين الدولة والقطاع المصرفي الذي يفترض أن تضمن ودائعه.
إعادة الرسملة:
يجمع الخبراء الاقتصاديون والماليون على ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة رسملته، مع التشديد على ضرورة الضخّ المباشر للأموال في رؤوس أموالها من المساهمين.
فضلاً عن تحديد المصارف الصامدة ضمن مجموعات مصرفية متمكّنة وذات رسملة جيدة ولو استعانت بمساهمة من كبار مودعيها لتعزيز رسملتها ومكانتها في السوق ووضع الآلية المناسبة لإيفاء الدولة الالتزامات تجاههها بعد وضع أطر إعادة هيكلة الدين طالما من المرجّح أن تكون لا تزال تحمل سندات خزينة وشهادات إيداع لدى المصرف المركزي.
وذلك يكون من خلال برامج إشراك المصارف في المرافق العامة لاستعادة كامل الأموال المستثمرة من قبلها لدى الدولة، وهي أموال وحقوق المودعين، فيكون بذلك تحقق الإصلاح باتجاهين: الاتجاه الأول هو عبر وضع برنامج واضح لإعادة حقوق المودعين. والثاني هو إنقاذ المرافق العامة عبر إشراك القطاع الخاص فيها بما يحسّن خدماتها ومردوديتها.
هذا الطرح هو طبعاً مناقض تماماً لأيّ بحث في تأميم المصارف الذي لا تتوفّر أي عناصر مشجّعة له بعد الفشل الواضح للقطاع العام في إدارة كافة المؤسسات والمرافق العامة والتوظيف العشوائي فيها الذي ضاعف كلفة أجور القطاع العام… فاقد الثقة لا يعطيها وبالتالي من المستحيل البحث في إغراق المصارف أكثر بالقطاع العام، بل من الضروري إشراك القطاع الخاص لتعزيز الثقة بمرافق الدولة.
إستراتيجية إصلاحية مستقبلية
يبقى من الضروري رسم خطة إنقاذ حكومية تنعكس إيجاباً على القطاعات الاقتصادية كافة، ومنها بشكل أساسي القطاع المصرفي، العمود الفقري للاقتصاد اللبناني كما سبق وشرحنا، نظراً لكوننا في «اقتصاد استدانة يعني أنّ المسثمرين يعتمدون بشكل رئيسي على التمويل المصرفي، كما أنه المموّل الأساسي أيضاً للدولة اللبنانية.
وعلى الرغم من إيجابيات انتشار مصارف لبنانية في الخارج ومساعدة ذلك في تحقيقها بعض الأرباح للتعويض عن جمود السوق اللبناني، إلّا أنّ العديد منها يمكن أن يتّجه لبيع جزء من أصوله في الخارج على أقل تقدير، لتعزيز وضعه أكثر في لبنان والتمكّن من الاستحواذ على مصارف أخرى قد لا تتمكّن من الصمود بعد الأزمة طويلاً.
إشراك القطاع الخاص الدائن للدولة بممتلكاتها ومرافقها وتحسين إدارة موجوداتها:
لدى الدولة اللبنانية العديد من الأصول التي يمكنها استخدامها كشراكة بين القطاعين العام والخاص لاحتواء مطالبات السداد من دائنيها، ولاسيما النظام المصرفي اللبناني من أجل سداد ديونها من جهة وتحسين الإدارة المؤسسات والخدمات المعنية (كازينو لبنان، قطاع الاتصالات الهاتفية، الميناء، المطار والشرق الأوسط، قطاع الكهرباء والمياه …).
ووفق «معهد التمويل الدولي»، فإنّ لبنان بين البلدان العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذاً على الذهب، كونه يملك نحو 286.6 طناً من الذهب بقيمة 16 مليار دولار أميركي، وقد بدأ بتجميع الذهب بعد سنوات قليلة من نيله الاستقلال عام 1943، واستمر حتى عام 1971، وقد أرسل لبنان إلى الولايات المتحدة الأميركية جزءاً من احتياطي الذهب لحمايته، وقد يكون مفيداً وضع خطة لإدارة موجودات لبنان الخارجية من الذهب وحسن الاستفادة منها ضمن استراتيجية واضحة وشفافة لإدارة ترسم أفق إعادة تكوين مخزون الذهب تدريجاً مع تحسّن الأوضاع.
كذلك تبدو الخصخصة الموعودة منذ الورقة الاصلاحية التي تقدّم بها لبنان عام 2002 لمؤتمر باريس 2، باتت اليوم خشبة إنقاذ حتمية مطلوبة لاستعادة حقوق الناس في المصارف عبر إشراك الأخيرة ببعض المؤسسات العامة والمؤسسات المملوكة من الدولة، مثل الاتصالات أو طيران الشرق الأوسط (MEA) أو Casino du Liban، والتي ستجلب أكثر من 10 مليارات دولار. بما من شأنه تخفيض رصيد الدين العام وخدمة الدين في نهاية المطاف إزاء المصارف، وبالتالي أموال المودعين فيها.
لطالما كان القطاع المصرفي مصدر الثقة الأساسي بالإقتصاد اللبناني في ظل أشد الأزمات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، وحتى خلال ظروف الحرب وإعادة الاعمار وفترات انعدام الاستقرار والاستحقاقات الكبرى التي شهدها لبنان منذ العام 2005، وربما هنا هول الوضع غير المألوف الذي تمثّل باهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي نفسه ممّا أضاع البوصلة بكل ما حوله! إلّا أنّ هذه التجربة على شدّتها أكّدت على مكان البوصلة، وعلى عدم إضاعة قيمتها بحصرها بمهام تمويل الدولة على حساب الاقتصاد وتسنيد سقف الهيكل بدل تمتين أركان بنيانه، بل ضوّت هذه الأزمة على ضرورة تصويب دور القطاع المصرفي وحتمية نهوضه بالشكل السليم والآمن والواعد على أسس واضحة، وضمن استراتيجية إصلاحية شاملة ووعي أوضح لمكامن المخاطر ولأجهزة الأمان.
د. سهام نصرالله.
تخلّف الدولة اللبنانية عن سداد ديونها: مقاربة قانونية للمنازعات بين المستثمرين والدول
بتاريخ ٩ اذار ٢٠١٠، أصدرت الجمهورية اللبنانية سندات يوروبوند بقيمة ١،٢مليار دولار أميركي مدّتها عشر سنوات مع قسيمة (فائدة) بنسبة ٦،٣٧٥% تستحق في شهر آذار ٢٠٢٠، و ذلك من ضمن برنامج سندات عالمية متوسطة الأجل (“البرنامج”) بقيمة ٢٢ مليار دولار أميركي.
بالإضافة إلى هذه السندات، تستحق في شهري نيسان وحزيران من هذا العام، مجموعتين إضافيتين من السندات التي اصدرتها الجمهورية اللبنانية بقيمة اجمالية تبلغ ١،٣ مليار دولار أميركي.
في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يمرّ بها لبنان، يدور النقاش في الشهور الأخيرة حول ما إذا كان ينبغي على الجمهورية اللبنانية سداد سندات اليوروبوند المستحقة في شهر اذار ٢٠٢٠ (و/أو سندات اليوروبوند الأخرى المستحقة في وقت لاحق من هذا العام). لهذه المسألة أهمية كبيرة إذ أن أكثر من ٢٥٪ من السندات المستحقة في اذار ٢٠٢٠ هي مملوكة من غير اللبنانيين وفقاً لتقارير غير رسمية.
إن الغاية من هذا المقال هي دراسة أثر تخلف الدولة اللبنانية عن سداد الديون بالاستناد الى قانون الاستثمار الدولي وبشكل خاص ايضاح الإجراءات القانونية التي قد يلجأ إليها بعض حاملي السندات غير اللبنانيين ضد الدولة اللبنانية في حال عدم سداد السندات المستحقة في ظل هذه القوانين.
نظراً لندرة الأحكام القضائية والقرارات التحكيمية الدولية في المنازعات الناشئة عن الديون العامة (ديون الدول)، لا يزال يشوب القانون الدولي المتعلق بهذا الموضوع الكثير من النواقص حيث انه لا وجود لإجراءات قانونية محددة مسبقاً يمكن ان تلجأ إليها الدول لأجل إعادة هيكلة ديونها. نتيجة لهذا الفراغ القانوني، لجأت الدول الى الحلول التعاقديّة لدعم اجراءات إعادة الهيكلة خاصةً عبر استخدام ما يسمى “بنود اجراءات جماعية” Collective Action Clauses CACs على الرغم من أنه لم يتم تقييم فعالية هذه الاجراءات بعد.
يتضمن البرنامج” الذي تم بموجبه إصدار سندات اليوروبوند المستحقة في شهر اذار ٢٠٢٠ “بنود إجراءات جماعية” يمكن بموجبها تعديل شروط السندات (بما فيها شروط الدفع والمبالغ المستحقة) وذلك شرط موافقة حاملي السندات الممثلين لـ٧٥٪ على الاقل من القيمة الاجمالية للإصدار على أي تعديل، و يكون القرار المتخذ في هذا السياق ملزماً لجميع حاملي السندات.
في الوقت الذي يتبين مما سبق أنه بالإمكان الارتكاز على بنود الاجراءات الجماعية للتوصل إلى حل حبي أو بالتراضي مع مجموعة حاملي السندات قبل التخلف عن سداد الديون، إلا أن ذلك لا يمنع أن يصار إلى الاتفاق على هذه البنود في مرحلة لاحقة على التخلف عن السداد.
بالتالي، تهدف “بنود الاجراءات الجماعية” الواردة في سندات اليوروبوند المستحقة في شهر اذار ٢٠٢٠ إلى تفادي احتمال رفض أقلية من الدائنين المشاركة في إعادة هيكلة السندات وأن تختار عوضاً عن ذلك تنفيذ شروط السندات بأي وسيلة كانت، من ضمنها البدء في الإجراءات القانونية ضد الدولة المدينة.
في حال اختارت الدولة اللبنانية التخلف عن تسديد سندات اليوروبوند المستحقة في شهر اذار ٢٠٢٠، تصبح أمام خيار من إثنين: (١) إما ان تنجح في التفاوض مع ٧٥٪ او اكثر من حاملي السندات على إعادة هيكلة لاحقة لهذه السندات تكون ملزمة لسائر الدائنين، و (٢) إما ان تفشل بالتفاوض، وعندها قد تضطر لمواجهة الاجراءات القانونية التي قد يقيمها بوجهها دائنوها.
يبقى السؤال: ما هي الإجراءات القانونية التي يجب على الدولة اللبنانية توقّعها من حاملي السندات غير اللبنانيين في حال عدم سداد سندات اليوروبوند؟
بداية، تجدر الإشارة الى أن هذه السندات كانت قد نصت على أن الإصدار خاضع لقوانين ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، كما نصت على الاختصاص غير الحصري لمحاكم ولاية نيويورك أو أي محكمة اتحادية أخرى يكون مركزها ضاحية منهاتن في هذه المدينة، للنظر بأي نزاع ينشأ بين الدولة اللبنانية وحاملي السندات.
هنا، يتبين من عدد من الحالات المماثلة أن لجوء الدائنين إلى محاكم دول غير تلك التابعة للدولة المصدّرة للسندات كان غير ذي فعّالية ولم يؤد إلى النتيجة المرجوة والتي هي عادةً التنفيذ على ممتلكات الدولة المتخلفة خاصةً تلك الممتلكات الموجودة خارج الدولة المعنية. خاصةً ومن المعلوم أن الدولة اللبنانية تملك عدداً محدوداً من الأصول والأموال خارج اراضيها حيث لا يمكن استبعاد أن تقوم بالتذرع بالحصانة السيادية من أجل عرقلة تنفيذ القرارات القضائية المؤيدة للدائنين من حاملي السندات.
وبالفعل، جاءت الفقرة الأولى من المادة ٨٦٠ من قانون أصول المحاكمات المدنية لتمنع الحجز على اموال الدولة وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة مما يعني عملياً أن أي قرار يستحصل عليه حاملو السندات أمام محاكم نيويورك أو أي محاكم أخرى لا يمكن تنفيذه في لبنان. وقد نصت السندات على ذلك بوضوح حيث ورد فيها: “يجب على المستثمرين التنبه إلى أنه من الأرجح أن التنازل عن الحصانة هو اجراء غير فعال فيما يتعلق بالأصول والممتلكات التي تقع ضمن حدود الجمهورية اللبنانية”.
من هنا، ونظراً لعدم فعالية الإجراءات القضائية أمام المحاكم الوطنية، ظهر التحكيم الاستثماري كخيار محبّذ للمستثمرين وحاملي السندات السيادية وذلك عقب الركود الاقتصادي الذي ضرب الارجنتين بين عامي ١٩٩٨ و٢٠٠٢.
لا بد من الإشارة إلى أنه لكي يتم اللجوء إلى التحكيم الاستثماري ضد أي دولة متعثرة، يجب أن تكون الدولة المدعى عليها قد تخلفت عن سداد ديونها العامة، إضافةً إلى انها فشلت في التقيد بالتزاماتها الدولية لجهة حماية الاستثمارات الأجنبية على أراضيها.
وفي هذا الإطار، طرح السؤال ما إذا كان شراء سندات سيادية يعتبر “استثمارا أجنبياً” بحد ذاته حيث أن اجتهادات التحكيم الدولي لا تجمع بعد على ذلك. إلا أنه يتبين أن عدداً متزايداً من المحكمين الدوليين يتجهون نحو اعتبار هذه العمليات استثمارا أجنبياً جديراً بالحماية مثله مثل أي استثمار أجنبي آخر.
وبالفعل، فقد رفعت العديد من الدعاوى التحكيمية خلال العقدين الماضيين من قبل حاملي سندات اجانب ضد دول متعثرة، مثل الارجنتين، فنزويلا، ومؤخراً اليونان، وقبرص حيث غالباً ما كان آلاف من حاملي السندات يتّحدون في هذه الدعاوى التحكيمية فيما يمكن اعتباره “دعاوى جماعية (Class Action Suit). في هذا الإطار، صدر قرار تحكيمي حديث في شهر شباط ٢٠٢٠ اعتبرت فيه هيئة التحكيم انها مختصة للنظر في دعوى رفعها (٩٥٦) مستثمراً يونانياً ضد دولة قبرص لاسترداد (٣٠٠) مليون يورو من السندات والودائع المصرفية التي تمت مصادرتها من قبل المؤسسات الاوروبية كجزء من الخطة المالية لإنقاذ الدولة القبرصية. ويتطابق هذا القرار مع قرار سابق صدر ضد الارجنتين قررت بموجبه هيئة التحكيم، بالأغلبية، أنها مختصة للنظر في “دعاوى جماعية” رفعها أكثر من (٦٠) الفاً من حاملي السندات من الجنسية الإيطالية.
في هذا السياق، يعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) الهيئة القضائية الأمثل لإقامة دعاوى التحكيم ذات الطابع الاستثماري وذلك كونه مؤسسة تحكيم دولية تابعة لمجموعة البنك الدولي وقد تأسست عام ١٩٦٦ بموجب ما يعرف باتفاقية واشنطن للعام ١٩٦٥. وتظهر أحدث البيانات ان ١٥٣ دولة متعاقدة (بما فيها لبنان) قد وافقت على تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة وفقاً لاتفاقية ICSID والتقيد بها.
يقترن عادةً انضمام الدول إلى اتفاقية ICSID بمعاهدات استثمار ثنائية (Bilateral Investment Treaties) تكون مبرمة بين دولتين منضمتين إلى معاهدة واشنطن. تحدد هذه المعاهدات الشروط والأحكام التي ترعى الاستثمار الخاص من قبل مواطني وشركات الدولة الاولى (دولة المنشأ) في الدولة الثانية (الدولة المضيفة). بحكم معاهدات الاستثمار الثنائية هذه، توافق كل من دولة المنشأ والدولة المضيفة على تسوية أي نزاع ينشأ عن استثمار المستثمر الأجنبي عن طريق التحكيم. حتى تاريخه، ابرمت الجمهورية اللبنانية معاهدات استثمار ثنائية مع حوالي خمسين دولة مختلفة منها سويسرا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والمانيا والكويت والامارات وغيرها من الدول.
تمنح معاهدة الاستثمار الثنائية، بفضل الحماية الممنوحة للاستثمارات الأجنبية وخيارات التقاضي المدرجة فيها، خياراً قضائياً بديلاً عن المحاكم الوطنية يمكن لحاملي السندات اللجوء إليه من أجل تحصيل ديونهم، وهذا ما يفسر ازدياد اللجوء إلى هذه الهيئات التحكيمية البديلة عن المحاكم الوطنية حيث تمنح قرارات ICSID فرصة جديّة للتنفيذ ضد الدول المتخلفة عن سداد ديونها.
في الواقع، يجوز للدائن أن ينفذ اي قرار صادر عن ICSID في أي دولة متعاقدة، كما يجوز له التنفيذ في نفس الوقت في أكثر من دولة. تاريخياً، كان امتثال الدول لقرارات ICSID مرتفعا بسبب مخاطر المس بسمعتها، وبسبب الضغوطات الديبلوماسية والسياسية من قبل البنك الدولي والمجتمع الدولي كي تبادر الدولة المتعثرة بإيفاء موجباتها تجاه المستثمر الأجنبي. لذا، عندما رفضت مثلاً الأرجنتين الامتثال لقرارات ICSID الصادرة ضدها، علّقت الولايات المتحدة وضعها التجاري ضمن نظام الأفضليات المعتمد في الولايات المتحدة وهددت بعرقلة اتفاق مع أعضاء نادي باريس لإعادة هيكلة ديون الأرجنتين. بالإضافة إلى ذلك، قام البنك الدولي ومصرف التنمية للبلدان الأميركية بالتوقف عن اعادة جدولة القروض. ان هذه التدابير أرغمت الأرجنتين على الدخول في اتفاقات تسوية مع العديد من دائنيها.
في الخلاصة، هناك احتمال كبير أن يلجأ الدائنون حاملي السندات من غير اللبنانيين، والذين ترتبط دولهم باتفاقيات استثمار ثنائية مع لبنان، إلى تطبيق اتفاقية ICSID وإقامة دعاوى تحكيم استثماري ضد الدولة اللبنانية، نظراً إلى أن الدولة اللبنانية تمتلك عددًا محدودًا جدًا من الأصول التي يمكن التنفيذ عليها في حال مقاضاتها أمام المحاكم الوطنية، بينما هي مرغمة للامتثال لقرارات ICSID الصادرة ضدها. بالتالي، في حال السير في دعاوى التحكيم الاستثماري، يمكن لحاملي السندات من غير اللبنانيين التنفيذ على أموال الدولة اللبنانية وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة وهذا ما يجب أن تحتاط منه الدولة اللبنانية نظراً لجديّة وخطورة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية التي قد تصيب لبنان واللبنانيين.
المصدر: المركز اللبناني للدراسات
المسار القانوني لمرحلة ما بعد الإمتناع عن الدفع: لا حصانات للبنان
لمعضلة دفع او عدم دفع سندات الدين المُصدَرة من الجمهورية اللبنانية بالعملات الاجنبية (يوروبنودز – Eurobonds) والمكتتبة في الأسواق المالية الدولية جوانب عدّة، من اهمها، النتيجة القانونية للتخلّف عن الدفع بشكل غير منظّم (Disorderly) اي من دون اتفاق مع الدائنين حاملي السندات. وبغياب سلطة دولية تلعب دوراً مماثلاً لمحكمة الإفلاس في القانون الداخلي، وبوجود طرف سيادي في المعادلة وهو الدولة اللبنانية، هناك نقاط قانونية عدّة من الضروري التوقف عندها، ونتيجتها، انّه لا يمكن التكهن بما قد يحصل، ولا اعتبار انّ هناك حلّاً او استشارة او رأياً موحّداً، مما يشرّع الباب واسعاً امام اكبر خطر يهدّد المدين المتخلّف عن الدفع، وهو المجهول، لعدم وجود حصانات للبنان
تنازل لبنان عن حصانتي المقاضاة والتنفيذ
تتمتع الدول بحصانات دبلوماسية تمّ قوننتها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، من ضمنها حصانة المقاضاة (Immunité de juridiction) وحصانة التنفيذ (Immunité d’exécution). الاولى تحمي الدولة ضدّ مقاضاتها امام محاكم دولة اخرى، والثانية تحميها ضدّ اجراءات التنفيذ على اصولها الموجودة خارج اراضيها.
الاّ انّه يمكن للدولة ان تتنازل عن حصانة المقاضاة، وهذا ما تفعله عادة بإدخال بند تحكيمي في عقد دولي تُبرمه، او بند يمنح الاختصاص لمحكمة اجنبية. لكن هذا التنازل لا يؤدّي حكماً الى التنازل عن حصانة التنفيذ التي يجب التنازل عنها صراحةً وبشكل منفصل. من الطبيعي ان تتنازل الدولة عن الحصانتين عندما تلجأ الى الاسواق المالية العالمية وتستدين، اذ لا يُعقل ان يديّنها أحد من دون ان يحق له مقاضاتها في حال تخلّفها عن الدفع ومن ثم تنفيذ الحكم على أموالها. وهذا ما فعلته الدولة اللبنانية في عقود إصدارات سندات اليوروبوندز: تنازلت عن حصانتها ضد المقاضاة، بمنحها الاختصاص القضائي غير الحصري (non-exclusive) لمحاكم نيويورك الاميركية للبتّ بكل خلاف ينشأ بشأن السندات. وتنازلت ايضاً عن حصانتها ضد التنفيذ، لأبعد حدّ ممكن (fullest scope)، عملاً بأحكام القانون الاميركي للحصانات السيادية لعام 1976 (Foreign Sovereign Immunities Act of 1976)؛ وقد جاء هذا البند واسعاً ومفصّلاً جداً، بحيث حدّدت الدولة انّها لم تُبقِ من حصانتها سوى ما يتعلق حصراً بسفاراتها وقنصلياتها.
حقوق حاملي سندات اليوروبوندز ضد الدولة اللبنانية
في حال تمنّعت الدولة عن الدفع بشكل غير منظّم، وبعد إعمال كافة بنود الإصدارات لجهة الاغلبية (CAC وأغلبية 75%) والاستحقاق (Default and Acceleration) وغيرها، يحق لكل حامل سند ان يقاضيها في اي بلد في العالم، وليس فقط امام محاكم نيويورك، إذ انّ بند الاختصاص جاء غير حصري. فله ان يختار انسب محكمة في العالم بما يُعرف بـ Forum shopping، شرط ان تكون هذه المحكمة مختصّة وفق قواعدها لتنازع الإختصاص القضائي (Conflit de juridictions). الاّ انّه يعود لهذه المحكمة ان تطبّق على أصل النزاع قانون ولاية نيويورك، إذ انّه القانون المختار في عقود اليوروبوندز، مما يحلّ مسألة تنازع القوانين (Conflit de lois). في حال صدور حكم عن هذه المحكمة ضدّ الدولة اللبنانية، يعود لحامل السند ان ينفّذه، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل ايضاً في اي بلد في العالم توجد فيه اصول للدولة اللبنانية.
تحديد أموال الدولة اللبنانية القابلة للتنفيذ
لا يمكن لحامل سند الدين ان ينفّذ في لبنان الحكم الأجنبي الصادر ضدّ الدولة اللبنانية. فيتوجب عليه اولاً الاستحصال على الصيغة التنفيذية (Exequatur) عملاً بأحكام المادة 1009 وما يليها من قانون اصول المحاكمات المدنية، وفي حال استحصاله عليها، سيصطدم بعدم قابلية إلقاء الحجز على اموال الدولة اللبنانية وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة وفق احكام المادة 860. عليه اذاً ان يبحث عن اموال الدولة اللبنانية الموجودة خارج لبنان، وان يدرس إمكانية حجزها، عملاً بالقوانين المرعية الإجراء في بلد تواجد هذه الاموال. فلا يكون القانون الاميركي لعام 1976 معمولاً به في حال حصل التنفيذ خارج الولايات المتحدة، ويمكن ان يكون اطار التنفيذ المحدّد في القانون المحلي المعني اوسع او اضيق مما هو الحال عليه في القانون الاميركي. تأخذ الفقرة 1610 من القانون الاميركي بالتنازل عن الحصانة، وتمنح الفقرة 1611 الحصانة فقط للاصول التي تحوزها المصارف المركزية الأجنبية لحسابها الخاص (Held for its own account) اي الاموال التي تستعملها لتسيير اعمالها، وكل ما عداها هو غير مشمول بالحصانة وقابل للحجز. اما خارج الولايات المتحدة، فيجب العودة الى القانون المعمول به في البلد الذي يتمّ تنفيذ الحكم فيه، مما سيعقّد بشكل كبير إمكانية حصول لبنان على استشارة قانونية موحّدة تطمئنه لجهة بتّ مسألة الحجز سلباً او ايجاباً، إذ انّ الحل يختلف من بلدٍ الى آخر.
مصرف لبنان هو شخص معنوي من القانون العام، ويتمتّع بالاستقلال المالي عملاً بأحكام المادة 13 من قانون النقد والتسليف. وهو يملك ،على سبيل المثال لا الحصر، ذهباً مودعاً في الولايات المتحدة وغير قابل للبيع عملاً بأحكام القانون اللبناني رقم 42/86، كما ويملك اسهم شركتي MEA وIntra. سيحاول الدائنون حجز الأصول المملوكة مباشرة من مصرف لبنان كالذهب، وتلك المملوكة منه بشكل غير مباشر، وذلك باختراق حجاب الشركات (Pierce the veil) التي يملكها وحجز اصولها، كالطائرات وغيرها. هل يحوز مصرف لبنان الذهب او اسهم الشركات لحسابه الخاص ام لحساب الدولة اللبنانية؟ من المؤكّد انه لا يستعمل أسهم الشركتين المذكورتين لتسيير اعماله، اما بالنسبة للذهب، فالمسألة اكثر تعقيداً. الى ذلك، فإنّ حامل سند الدين قد يحاول حجز كافة الاموال المنقولة العائدة للدولة اللبنانية خارج لبنان، من حمولات بواخر متجهة الى لبنان ومنتجات مصدّرة (من نفط وغاز وغيرها).
اخذ صندوق النقد الدولي بنظرية الـDisenfranchisement التي تحظّر على الجهات التي تحمل سندات دين من ان تمارس حق التصويت عند اتخاذ قرارات إعادة الهيكلة، اذا كانت هذه الجهات لا تتمتع بحرّية القرار (Autonomy of decision) تجاه الدولة المُصدِرَة لهذه السندات. فمصرف لبنان هو بالتأكيد خاضع لهذه النظرية، مما قد يحول ببعض المحاكم الاجنبية ان تعتبر ذلك قرينة تسمح لها بحجز امواله، باعتبارها تعود لصاحب القرار، اي للدولة اللبنانية. انّ علاقة مصرف لبنان بالدولة عضوية، وهذا يظهر من كيفية تعيين حاكم مصرف لبنان ونوابه، وتكوين المجلس المركزي، ومراقبة المصرف المركزي من قِبل وزارة المالية، وايضاً من الدور الذي لعبه مصرف لبنان خلال العقود المنصرمة في إصدارات سندات الدين. فلا يمكن استبعاد ان ترى محكمة ما في كل ذلك إثباتاً على امتلاك الدولة لمصرف لبنان او على الاقل لتشابكهما (Intertwining).
بالمحصّلة، لا يسعنا الّا التأكيد على انّه يتوجب على الدولة امّا تنفيذ موجباتها تجاه دائنيها واحترام تعهداتها الدولية (Pacta sunt servanda)، وامّا التفاوض معهم لإعادة هيكلة ديونها بشكل منظّم وتوافقي. فحان وقت المحاسبة وايضاً وقت التعاضد، بعيداً من الشعبوية وتقاذف المسؤوليات. لقد أُسقِطَت الحصانات القضائية الخارجية، وليت تسقط الحصانات الداخلية.
البروفسور نصري دياب
لبنان على وشك التخلف عن سداد الديون ما لم يتوصل لاتفاق في اللحظة الأخيرة
“اليوروبوندز” يُحلِّق على وقْع التردّد الحكومي
“لعبة” الإحتمالات أتعَبَت المستثمرين وصعَّبت أخذ القرارات
بعدما شهدت أسوأ انخفاض في أسعارها، قبل نهاية شباط الفائت، عاودت سندات “اليوروبوندز” إرتفاعها. الظاهرة التي تتعارض مع نية الحكومة بالتخلف عن الدفع بعد أيام قليلة، لها مبرراتها القوية، التي قد لا تكون إيجابية.
دفع الحديث الجدّي عن إعادة هيكلة الديون مطلع هذا العام إلى تدهور قياسي بأسعار سندات “اليوروبوندز”، حيث تدنّى سعرها في الأسواق العالمية إلى 45 سنتاً للدولار، في حين ارتفع معدل العائد yield to maturity على سندات آذار البالغة 1.2 مليار دولار إلى 1000 في المئة. إنما مع الإقتراب أكثر من موعد الإستحقاق عاودت هذه السندات ارتفاعها حتى وصلت إلى حدود 60 سنتاً للدولار.
مبرّرات الإرتفاع
التفسير المنطقي بحسب المحامي المتخصص في القانون المصرفي والمالي عماد الخازن هو “استعادة المستثمرين الثقة بالسندات بعدما أصبح الجزء الأكبر منها في يد المستثمرين الأجانب وتحديداً صندوق أشمور، حتى لو اتخذت الدولة اللبنانية قرارها بالتوقف عن الدفع. فالصناديق الإستثمارية مثل أشمور وغيره لها باع طويلة في ملاحقة الدائنين، وتحصيل الأموال. وقد برز دورها بشكل كبير في أزمتي كل من قبرص واليونان”.
رأي آخر يقول ان “معلومات سرية internal information عن محاضر المناقشات في مجلس الوزراء وصلت إلى المستثمرين الأجانب، وتفيد باحتمال دفع فوائد الديون المترتبة على السندات مقابل التفاوض على أصل المبلغ المستحق في وقت لاحق، من دون إلحاق أذى بالغ في حقوق حاملي السندات.
الإحتمال الثالث هو اطمئنان المستثمرين إلى إمكانية مقاضاة الدولة اللبنانية ومصادرة ممتلكاتها العمومية بعدما تنازلت عن جزء من الحصانة السيادية Sovereign Immunity أثناء اصدار عقد الإكتتاب الأساسي بـ “اليوروبوندز” والمتعلق باستحقاق التاسع من آذار. فحسبما يشاع انه أثناء سعي الدولة إلى الاستحصال على العملات الاجنبية من خلال إطلاق عقود اكتتاب “يوروبوندز” وقروض الإستدانة قدمت الدولة بعض التنازلات “السيادية”، بهدف خلق الأمان للمستثمرين وتقديم ضمانات لهم في حال التخلف عن الدفع. ومن الحقوق التي تنازلت عنها عدم الاعتراض على الإجراءات التي تصدر عن محاكم نيويورك وعن أي من الحصانات التي من الممكن ان تتمتع بها، سواء كانت سيادية أم لا في معرض النزاع.
والإحتمال الرابع هو جدية رفع الدعاوى على الدولة في حال لم تتوصل إلى اتفاق مع الدائنين، إلا ان التوصل الى اتفاق جدي وصريح مع مالكي السندات يلغي مفاعيل الحجز على ممتلكات الدولة .
“تبدل الإحتمالات يتحكم بتغير أسعار السندات”، يقول الخبير الإقتصادي دان قزي. وبرأيه فإن “wisdom crowd أو ما يعرف بحكمة الأشخاص تؤشر إلى إرتفاع امكانية دفع الإستحقاق، لكن هذا لا يعني بالطبع ان الدولة ستدفع لانه في هذه الحالة كانت الأسعار لترتفع الى 100 في المئة”.
أسباب شراء السندات اللبنانية بسعر 60 سنتاً للدولار ما زالت غير واضحة، انما ما لا لبس فيه هو ان من اشترى هذه السندات بهذه القيمة ينتظر تحقيق ربح يفوق سعر الشراء. هذه العملية ممكن ان تتحقق نتيجة مقاضاة الدولة اللبنانية من قِبل صناديق دخلت حديثاً على خط شراء السندات وهي أشد “عدائية” من صندوق أشمور الذي أصبح يملك الربع المعطّل.
والسبب الآخر بحسب قزي الذي من الممكن ان يكون قد دفع الى شراء الاسهم هو “شعور المستثمرين بتردد الحكومة اللبنانية في ما خص الامتناع عن الدفع خصوصاً بعد توظيف كل من الإستشاري الإقتصادي لازار والقانوني كليري غوتليب، والشعور اكثر بالمسؤولية وحراجة المرحلة”. التردد لم يساهم وحده في رفع أسعار السندات في الأسواق العالمية، إنما أيضاً “عدم نية الدولة بإجراء إعادة هيكلة قاسية أو فجة، حتى لو تخلفت عن الدفع”، يقول الإقتصادي شادي حنا. وبرأيه فإن “إعادة الهيكلة ستكون قصيرة الأجل ومرنة، أقله بالنسبة إلى شهرَي آذار ونيسان”. ومن ناحية أخرى فإنه “من الممكن ان تكون المصارف أجرت call back أو عادت واشترت السندات التي سيّلتها بأسعار أقل واستطاعت ان تحقّق ربحاً مقبولاً من هذه العملية” يضيف حنا.
مع اقتراب الاستحقاق ترتفع المخاطر أكثر، فالدفع يعني استنزاف ما تبقّى من احتياطي، والامتناع عن الدفع من دون خطة جدية أو شراكة مع صندوق النقد الدولي من الممكن ان يعرّض الدولة للملاحقة ليس من جهة واحدة بل من جهات خارجية عدة أصبحت تملك الغالبية من السندات بحسب آخر المعلومات.
خالد ابو شقرا.
وكالة: النائب العام المالي اللبناني يجمد أصول 20 بنكا
“خوفان” يتحكّمان بقرار… “9 آذار”
التخلّف عن تسديد “اليوروبوندز” وحده لا يُفيد
تتّجه الحكومة في الأيام المقبلة إلى الإمتناع عن دفع سندات “اليوروبوندز” (إستحقاق التاسع من آذار). فالوعي الوطني الذي تجلّى بأبهى صوره برفض دفع الديون، والإحتفاظ بما تبقّى من عملة صعبة لتلبية الحاجات الوطنية الأساسية، شكّل عامل ضغط إيجابياً، أتاح للحكومة أن تُفرمل اندفاعتها المشحونة بتشجيع من المصارف، من أجل تسديد السندات، وهذا جيّد. لكن أخطر ما في الأمر، هو أنه في حال اتّخذت هذا القرار، ألّا تذهب مباشرة وسريعاً إلى صندوق النقد الدولي، لأن كلفة هذا الخيار ستكون باهظة.
الظاهر برأي أحد المسؤولين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن “الحكومة لن تكون بحوزتها أي خطة فعلية في الأيام القليلة المقبلة”. فعلى الرغم من صوابية ترك القرار بالدفع من عدمه إلى اللحظة الأخيرة، فانه في المقابل كان الأجدى لو تشكلت هذه الحكومة في وقت أقصر بكثير، ولم تُضع الوقت “الثمين” على التقاسم والمحاصصة، والدخول مباشرة في بناء استراتيجية متماسكة ووضع خطوط عريضة وواضحة لإدارة المرحلة المقبلة.
الحاجة إلى “الصندوق”
في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة قرارها بعدم الدفع، تصبح الحاجة إلى تمويل من الخارج أمراً أكثر من ضروري كي يعاود البلد الوقوف على قدميه في أسرع وقت ممكن. لكن هذا الشرط من الصعب ان يتحقق في ظل غياب صندوق النقد، ومع إحجام مختلف الدول عن إقراض دولة لا تملك أدنى فكرة عن كيفية تسديد ما يتوجب عليها من ديون في المستقبل، بحسب المسؤول نفسه.
ويضيف: “القرار الصحيح بعدم الدفع يترافق مع ما يُحكى عن قرارات مجتزأة تنوي الحكومة اتخاذها، مثل إعداد مشروع قانون “الكابيتال كونترول” وملاحقة الاموال المهربة ومساعدة المودعين، وغيرها الكثير من القرارات التي ستتخذ بـ “المفرق”، في حين ان الحاجة هي إلى خطة “ماكرواقتصادية” كاملة وشاملة وموافق عليها من المدينين الجدد”. ويلفت إلى أن “لا أحد يستطيع الوقوف في وجه دولة أعلنت افلاسها مع خطة واضحة وصريحة. كما انه لن يكون هناك من محاكم دولية قادرة على إرغام البلد على ان يمارس عكس قناعاته”. ويردف قائلاً: “هنا تأتي أهمية وجود خطة متكاملة، ليس من باب الواجب فحسب، بل لان الخطة المتكاملة هي الطريقة الوحيدة التي تعبر عن المصداقية أمام المدينين في الداخل والخارج. هذا بالإضافة الى ان عدم وجود الخطة يساهم بإطالة حالة الخدر التي دخلها الإقتصاد”.
التحديات كثيرة
المسار أمام الحكومة للخروج بخطة شاملة ليس معبّداً، بل هو مليء بمطبات إعداد الخطة، ونيل موافقة مجلس الوزراء، وتحضير القوانين اللازمة والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد، ومن ثم تنظيم المؤتمرات الدولية لدعم الخطة، وتوقيع اتفاقيات مع البنك الدولي تكفل حماية الفئات الضعيفة التي ستتأثر بشكل كبير، جراء اعتماد سياسات التقشف وتدهور سعر الصرف وفقدان الليرة لقدرتها الشرائية. فالإقتصاد برأي المصدر “سيكمل انكماشه لوقت ليس بقصير، يقدر بأربع سنوات إذا تم التعامل مع الأزمة بطريقة جدية، وجرى تذليل العقبات السياسية وإبعاد تضارب وجهات النظر داخل الحكومة، التي ما زال يرفض قسم كبير منها تدخل صندوق النقد، والأكثرية تخاف من اتخاذ الخطوات الجدية”.
القلق الدائم الذي تعيشه الحكومة من ردّ فعل المودعين “العاديين” المقدرين بأكثر من مليوني مودع، يعجزون عن الحصول على جزء من حقهم، من جهة، والإرتعاد من رد فعل “حزب الله”، الذي رفض جهاراً، مراراً وتكراراً، تدخل “أدوات الإستكبار” بالإستعانة بصندوق النقد الدولي من جهة ثانية. وجهتان لا تلتقيان. فوجود صندوق النقد الدولي كضامن للنتائج وعامل ثقة وموافق على الخطة ومراقب للإصلاحات يمثل غطاءً مطلوباً، لا بل أكثر من ضروري لمواجهة الدائنين الدوليين ووقف اندفاعهم لتحضير دعوات بالجملة والمفرق في وجه الحكومة لتخلّفهــا عن الدفع.
الذي سيحصل بعد التاسع من آذار مخيف. فالإستخفاف بالإستحقاقات المصيرية، وعدم تأمين بديل جدي وقادر، من الممكن أن يحل مكان صندوق النقد الدولي، ليغطي الـ Default المنوي الهجوم به على صناديق ودائنين ذوي باع طويل في مقاضاة المدينين، لن يعرض سمعة لبنان وأصوله للإساءة والملاحقة فحسب، إنما سيفرض ضغطاً إقتصادياً داخلياً هائلاً، ويدفع العملة اللبنانية إلى مستوى غير مسبوق من الإنخفاض.
ففي هذه الحالة سيتأكد للدائنين الدوليين انعدام جدية الحكومة على التفاوض أولاً، وعلى قدرتها على السير بحلول تحفظ أموالهم في المستقبل القريب ثانياً، أما ثالثاً والأهم فسيتأكدون من عدم قدرتها على إرجاع الديون والتعويض عنها
تحليل-اتفاق مع صندوق النقد الدولي يبدو سبيل لبنان الوحيد للخروج من الأزمة
وزير المالية اللبناني يقترح مبادلة سندات دولية لبنوك محلية
شراء الدين لا دفعه
كثيرة هي الأسئلة حول مصير لبنان بعد التاسع من آذار. فالبلد الذي لم يتخلف يوماً عن دفع ديونه السيادية، يتأرجح اليوم بين خيارين أحلاهما مر. إما التوقف عن الدفع وتحمّل تبعات الموقف، وإما الدفع والتضحية بحقوق اللبنانيين من المأكل والمشرب والدواء.
مقابل الضبابية الحكومية بشأن مصير “اليوروبوندز”، تضيء شاشات الأسواق المالية العالمية باللون الأحمر الفاقع، وهي تؤشر صراحة الى انخفاض قيمة التداول بسندات آذار إلى أقل من 50 في المئة، فيما وصل سعر بعض السندات إلى نحو 35 في المئة من قيمتها، ما يعني ان حاملي السندات فقدوا جزءاً كبيراً من استثماراتهم الأولية.
أمام هذا الواقع يطرح المصرفي نيكولا شيخاني السؤال الأبرز هل لا يزال بإمكان الدولة احترام سنداتها المستحقة في آذار 2020؟ وفي حال قررت الدولة اللبنانية التخلف عن السداد لماذا دفعت حوالى 2 مليار دولار أميركي لخدمة ديون سندات اليورو في الربع الأخير من العام 2019.
ندفع أو لا ندفع
الجواب على هذا السؤال يتطلب من وجهة نظر شيخاني سيناريوين: التوقف عن الدفع أو الدفع، ومن ثم تبسيط النتائج التي من الممكن أن تترتب على كل خيار ممكن اأن تتخذه الحكومة.
في السيناريو الأول، حيث تقرر الحكومة عدم دفع سندات “اليوروبوندز” المستحقة في العام 2020، سينخفض سعر هذه السندات بشكل كبير، وسيقل سعر السندات ذات الاستحقاق اللاحق أكثر. البنوك وشركات التأمين اللبنانية تملك حوالى 16 مليار دولار من السندات موزعة على الشكل التالي: 1 مليار تحملها شركات التأمين و15 ملياراً تحملها المصارف (باستثناء أي عملية بيع تمت حديثاً لسنداتها إلى كيانات أجنبية).
هذه المؤسسات ستكون ملزمة باتخاذ احتياطات على الفور ومراعاة الخسائر المحتملة في المستقبل مع الامتثال الكامل لمعايير التقارير المالية الدولية IFRS9 ؛ وعند مقارنة هذه الأرقام مع رأسمال الشركات، ستؤدي هذه الأحكام إلى اعتبار البنوك وشركات التأمين مفلسة تقنياً (بما في ذلك بنوك ألفا وأسماء في التأمين). نتيجةً لذلك، سيتم الاستيلاء على البنوك المفلسة من قبل البنك المركزي من أجل التصفية أو البيع، وقد يخسر المودعون معظم أموالهم ويتوقف الاقتصاد لفترة من الوقت، حيث لن يتمكن أي شخص من التعامل مالياً من دون وجود قطاع مصرفي. بالإضافة إلى ذلك وفي السيناريو الأسوأ، يمكن لحاملي سندات “اليوروبوندز” الأجانب رفع “دعاوى جماعية” ضد الدولة اللبنانية، مما يسمح للمحكمة الدولية أن تجمد (لأغراض التجميع) أصول الدولة خارج البلاد، مثل الذهب المودع في الولايات المتحدة (حيث يمكن استيعاب البنك المركزي في كيان حكومي وبالتالي يكون مسؤولاً بشكل مشترك مع الدولة)، وستكون سمعة الملاءة المالية للدولة على المحك مما يؤثر على تصنيفها وثقة أصحاب المصلحة الدوليين، ما يزيد من صعوبة إعداد خطة اقتصادية لإنقاذ البلاد وإعادة تجميع السوق للتمويل المستقبلي.
السيناريو الثاني، أي إذا قررت الدولة اللبنانية إحترام سنداتها المستحقة في العام 2020، فبإمكانها القيام بذلك فقط من خلال سحب الأموال من الإحتياطيات الاجنبية في البنك المركزي، لأن الحكومة في حالة عجز وليس لديها أموال. تخفيض الاحتياطيات الأجنبية لخدمة الدين سوف يضع المزيد من الضغط على ربط الليرة، وسيؤدي إلى تقليل القدرات الحكومية لتغطية احتياجات العملات الأجنبية لإستيراد المواد الأولية الأساسية من الغذاء والنفط والدواء. من هنا فإن الأموال المدفوعة لتسديد السندات المستحقة في العام 2020 ستكون في النهاية عملية معاقبة للمودعين وامتصاصاً لودائعهم بشكل غير عادل.
وأخيراً، فإن الدفع يعني أن الحكومة تقبل قرار بعض البنوك ببيع “اليوروبوندز” للمستثمرين الأجانب بسعر يتراوح ما بين 70 إلى 80% من قيمتها مع تجنب تأثير آلية “تبادل” داخلية محتملة، ووعد المشترين الجدد بأن الدولة ستحترم دفع الإستحقاق بنسبة 100% ؛ هذا السلوك الأناني أدى إلى زيادة الامتلاك الأجنبي لـ “اليوروبوندز”، وأضاف تعقيدات كنا بغنى عنها على أي قرار ممكن أن يتخذ.
ما الحل؟
يعتبر شيخاني أن الحل الأفضل هو أن تخصص الأموال المنوي دفعها لسداد الدين الى شراء هذه السندات بسعر السوق، نظراً لانخفاض تكلفتها. فمع سعر 30 في المئة للسند الواحد يمكن للدولة شراء 3 مرات أكثر في المبلغ المخصص لدفع الدين. وهو ما يدفع إلى خفض الدين والعجز الحكومي ببطء ويعطي إشارة إيجابية قوية للمجتمع الدولي. كما يمكن أن تدفع الدولة أيضاً جزءاً من مستحقات العام 2020، والبدء بالمفاوضات مع اقتراح “مبادلة” جميع سندات “اليوروبوندز” مقابل سندات جديدة طويلة الأجل ذات الفائدة الأقل. على الرغم من أن هذا التصنيف سيعتبر آلية “تخلف عن السداد” من قبل وكالات التصنيف الرئيسية، وحتى إذا كان ذلك سيؤدي على المدى القصير إلى تقليل ربحية البنوك، إلا أنه سيكون له تأثير إيجابي مماثل لنهج إعادة الشراء مع توفر أموال أقل لتحقيق ذلك.
من هنا وباختصار، لقد أصبح من الواضح أن التخلف عن السداد من دون وجود خطة احتياطية قوية يُعدّ انتحاراً. فالدفع سيؤدي إلى تقليل الاحتياطيات الأجنبية التي يمكن أن تزعزع ربط الليرة وتحد من إمكانيات الاستيراد. وسيدفع الى معاملة المودعين بشكل غير عادل وسوف يشرع السلوك الأناني لبعض البنوك. يبقى الخيار الأفضل من وجهة نظر شيخاني هو إعادة شراء أو تبديل السندات swap، وهي آلية يمكن أن تقلل بشكل كبير من عبء الديون على البلاد.
خالدابوشقرا.