أرشيف التصنيف: المقالات العامة

العملة الرقمية… ربح سريع ولكن!

يمرّ مجتمعنا بمرحلة انتقالية من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الذي تحدده مجموعة جديدة من التقنيات، أهمها التكنولوجيا الرقمية أو العملة المشفّرة التي تعمل ضمن تقنية الـ»بلوك تشين». ومن بين أحدث موجات الرقمنة تبرز هذه التقنية التي تُبنى عليها العملة الرقمية أو المشفّرة، والتي تتضمّن مخاطر عدة بحسب الرئيس الفخري لرابطة خريجي جامعة هارفرد في لبنان، المصرفي السابق في بنك JP Morgan د. حبيب زغبي.

ظهرت العملة الرقمية منذ حوالى 11 سنة، وأوضح زغبي أن ميزتها أنها تُعنى بالقطاع الخاص، حيث لا تدخُّل للمصارف فيها، ولا حتى للمصرف المركزي، أي أنها خارج الرقابة والضوابط. ما يشكّل عامل خوف لدى البلدان لأنه في هذه الحال سيصبح هناك سوق موازية، وبالتالي لا يعود في إمكانهم ضبط العملة النقدية التي تؤثّر في العملة بالتداول والتضخم في بلد ما. إذاً، البلدان قَلِقة من كثرة العملة الرقمية، وهذه العملة يمكن التداول بها في عدّة اسواق عبر التطبيقات، بحيث تتضمّن نوعاً من الرقابة الدقيقة جداً، التي لا تُمحى، فالـ»بلوك تشاين» هو الاختراع الذي لا يخطئ، والذي سيغيّر مسار العالم.

المخاطر

أما بالنسبة لمخاطرها، فاعتبر زغبي أنها تكمن في إمكانية عرض للعملة الرقمية أكثر بكثير ممّا يعرف عنه اليوم، فاليوم يُزعَم أنّ العرض مضبوط ولهذا السبب ارتفعت العملات الرقمية بنسبة 9000% منذ بدء صدورها والتعامل بها.

فالبلدان تحاول الهرب من هذه الظاهرة عبر التعامل بها في المصارف المركزية أو حتى المصارف بغية تسهيل التداول. والتداول بحدّ ذاته يمكن استعماله للمضاربة، وللاستثمار، أو كأصول للفرد خارج الأصول العقارية، ولكن بالطبع تشوبها مخاطرة كبيرة لأنها بعيدة كل البعد عن الرقابة والضوابط، لذلك يمكن ارتفاع سعرها أو انخفاضه في وقت قياسي.

الربح يمكن ان يكون عالياً جداً، وهذا ما حصل في آخر 10 سنوات، وكانت العملة المشفّرة أو العملة الرقمية الاستثمار الذي أعطى أكبر مردود في العالم، أي 9000% أرباح، ما شَكّل ظاهرة نادرة عبر االتاريخ.

ويعمل العالم اليوم على احتواء العملة المشفّرة وإدخالها في نظام المصارف المركزية والاستثمارية، وبالتالي تصبح ضمن المصرف المركزي. وبدلاً من أن تكون مراقَبة من القطاع الخاص، يصبح لدى لبنك المركزي الإمكانية في حفظ معلومات مُستثمريه وزبائن المصرف. وبالتالي، يصبح بإمكان المستثمر التداول بالعملة المشفّرة عبر المصرف المركزي.

لبنان… والعملة الرقمية

بالنسبة للبنان، منعَ المصرف المركزي المصارف الاستثمارية من استعمال العملة المشفرة في الوقت الحاضر. ولكن يبقى السؤال: هل المواطن اللبناني مُستعد للتعامل مع المصرف في حال تعامل المركزي بالعملة المشفّرة في ظل الهوّة التي يقع فيها؟ في الوقت الحاضر، شدّد زغبي على أن المستثمر اللبناني لن يثق بالتعامل بالعملة المشفّرة مع المصرف المركزي وبمدى جديّة تعامله معها.

ولكن وضع المصرف المركزي الحجر الأساس للبدء بالتعامل بالعملة المشفرة عبر السماح لبعض الشركات بخَلق محفظة يمكن للمستثمر البيع والشراء من خلالها، وأصبحت هذه المنصّة تضمَ حوالى 5000 مستثمر. وتتم دراسة إمكانية عمل هذه المنصّة عبر «ليبان بوست»، وبالتالي تكون أولى خطوات بدء اعتماد العملة المشفّرة في لبنان.

ويؤكد زغبي أن الاستثمار بالعملة المشفرة آمِن في حال العمل بها عبر الاسواق والشركات الكبرى المنتشرة في الخارج، وفي حال تقديم ضمانات تضمن عدم تعرّضه للسرقة وعدم تبخّر أمواله في هذه الشركات أو عبر الوسطاء. ولكن الخسارة المحتملة ممكن ان تكون كبيرة، وهي باختصار وسيلة استثمار ووسيلة ليحمي نفسه من التضخم العالمي. أضاف: «إن تكنولوجيا العملة المشفّرة والـ»بلوك تشاين» يجب ان تستعمل ولكن بطريقة محدودة، من دون أخذ الكثير من المخاطر كونها شبيهة بألعاب الميسر».

بين الذهب والعملة الرقمية

برأي زغبي، هناك فرق شاسع بين الاستثمار في الذهب والعملة الرقمية، فالذهب سلعة أما العملة الرقمية فهي تسجيل آمِن. إن الذهب أكثر أماناً من العملة الرقمية لأنه مضبوط وموجود بوفرة في العالم أجمع، كما أن المصارف المركزية تتعامل به. بينما العملة المشفّرة أكثر مخاطرة ومضاربة من الذهب رغم أنها اليوم هي «الموضة الرائجة»، وهناك أمل كبير بأن ترتفع أكثر. إذاً، الإحتمال بارتفاع سعر العملة المشفّرة أكثر من احتمال هبوطها.

كيفية حفظ العملة الرقمية

لا يمكن فصل الرواج المستجد للطلب على العملات الرقمية عن العقلية اللبنانية التي تغلّب عليها نظرية الربح السهل على الاستثمار في الاقتصاد المنتج. وأشار خبير التحول الرقمي والأستاذ الجامعي بول سمعان إلى أنّ هناك عددا كبيرا من الاشخاص الذين يستثمرون بالعملة المشفّرة في لبنان خارج النظام المصرفي، وحذّر من دخول عالم العملة المشفّرة بهدف التجارة والمضاربة والربح السريع، فكما يرتفع سعرها بسرعة هائلة يعود لينخفض بشكل مفاجئ وفقاً لعوامل قد تطرأ فجأةً.

– تبادل العملات الرقمية عبر الإنترنت من خلال المحفظة الالكترونية، أو التطبيقات أو الـsoftware.

– محفظة الـhardware التي يمكن إيصالها بالحاسوب وتبادل العملات الرقمية، والتي تعتبر أكثر الطرق أماناً.

كما أشار إلى أنّ كل مُتداول هو مسؤول عن العمليات الرقمية التي يقوم بها وما من مرجعيّة أخرى له، لذلك من المهمّ جداً معرفة حفظ العملة الرقمية واللجوء الى الطريقة الأكثر أماناً في التعامل بالعملة الرقمية.

أما عن إيجابياتها، فأوضح سمعان أنه يمكن إرسال أي مبلغ عبر العملة الرقمية لتتمّ عملية التبادل ببضع دقائق، كما أنه من الممكن أن يكون الطرفان مجهولا الهوية. هذا فضلاً عن كون عمليات الدفع الدولية باستخدام البتكوين أسرع وأرخص من عمليات الدفع البنكية التقليدية، كما أنه يمكن إنفاق البتكوين بنفس الوسائل التي تنفق بها الأموال الرقمية التقليدية – من شراء جهاز حاسوب، جهاز هاتف، أو بطاقة ائتمان.

يعمل العالم اليوم على احتواء العملة المشفّرة وإدخالِها في نظام المصارف المركزية والاستثمارية، وبالتالي تصبح العملة المشفّرة ضمن المصرف المركزي بدلاً من أن تكون تحت مجهر القطاع الخاص فقط. فهل يصبح اقتصاد العالم قريباً بلا نقود ورقية؟.

شانتال عاصي

نمو مخيب للآمال للاقتصاد الصيني

 

نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني في الربع الثالث 2021 بنسبة 4.9% وهو ما يعتبر مخيبا للآمال مع ارتفاع النشاط الصناعي بأقل من المتوقع في سبتمبر.

وقال المكتب الوطني للإحصاء إن الناتج المحلي الإجمالي نما 4.9% في الربع الثالث على أساس سنوي، وجاء ذلك دون التوقعات بنمو بنسبة 5.2% وفقًا لمحللين استطلعت رويترز آراءهم.

وتعتبر هذه أبطأ وتيرة لنمو الاقتصاد الصيني خلال عام، إذ تأثر بنقص الكهرباء واختناقات سلسلة التوريد والتقلبات الرئيسية في سوق العقارات وزيادة الضغط على صانعي السياسة لبذل المزيد لدعم التعافي المتعثر.

 

الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة

 

هذا وارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.1% في سبتمبر، أقل من 4.5% التي توقعتها رويترز.

ومع ذلك، تجاوزت مبيعات التجزئة التوقعات، إذ ارتفعت بنسبة 4.4% في سبتمبر عن العام الماضي، في ظل توقعات بارتفاع بنسبة 3.3%، بغد أن كانت قد خيبت

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني أن الاستثمار في الأصول الثابتة في الأرباع الثلاثة الأولى من العام جاء أضعف من المتوقع، بزيادة 7.3% عن العام الماضي مقابل توقعات عند 7.9%.

 

معدل البطالة

 

هذا وبلغ معدل البطالة في المناطق الحضرية في الصين خلال سبتمبر 4.9%. ومع ذلك، ظل معدل البطالة لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 عامًا أعلى بكثير، حيث بلغ 14.6%.

 

 

أزمة Evergrande

 

يذكر أن أزمة شركة العقارات الصينية Evergrande قد عصفت بمعنويات الاقتصاد خلال هذا الربع، إذ أثرت على أداء العديد من الشركات المقرضة وشركات العقارات على حد سواء، ولكن بنك العب الصيني قد صرح قبل أيام أن Evergrande حالة خاصة وأن معظم مطوري العقارات يتمتعون بالاستقرار في محاولة منه لطمأنة مجتمع المال والأعمال الصيني والعالمي.

وداعاً للملاجئ الضريبية

إذا كنت أحد المشتركين في «نتفليكس» في أي دولة خارج الولايات المتحدة، فقد تلاحظ أن مبلغ الاشتراك يُسحب من حسابك البنكي أو من بطاقتك الائتمانية، ليُودَع في حساب هولندي، على الرغم من أن «نتفليكس» شركة أميركية. ولا يسري هذا الأمر على «نتفليكس» وحدها، فكثير من الشركات الأميركية تجعل من مقراتها الرئيسية (وبالتالي حساباتها البنكية) في دول مثل آيرلندا ولكسمبورغ، والسبب الرئيس في ذلك هو انخفاض الضريبة في هذه الدول، وبالتالي زيادة مكاسب هذه الشركات التي تقوم بتحويل أرباحها محاسبياً من الدول التي تتم فيها العمليات التجارية إلى الدول ذات الضرائب المنخفضة. وتعرُف هذه الدول باسم «الملاجئ الضريبية»، وهي دول قد تنخفض فيها نسب الضرائب إلى صفر في المائة، وأشهرها آيرلندا ولكسمبورغ وبرمودا وجزر الكايمان وسنغافورة وسويسرا.
وقد استفادت الشركات متعددة الجنسيات خلال العقود الماضية من الملاجئ الضريبية بشكل مبالغ فيه. وتشير الدراسات إلى أن نحو 50 شركة أميركية ضخمة تخبئ نحو 1.6 تريليون دولار في الملاجئ الضريبية حول العالم. ومن هذه الشركات «آبل» و«مايكروسوفت» و«جنرال إلكتريك» و«فايزر» و«إكسون موبيل»، وغيرها من الشركات التي قد تفوق ميزانيات بعضها دولاً بأكملها.
ولمعرفة قدر استفادة الشركات من الملاجئ الضريبية، يكفي معرفة أن «آبل» وحدها تمكنت من توفير نحو 65 مليار دولار من الضرائب باستخدامها آيرلندا ملاذاً ضريبياً، وأن شركة «نايك» الرياضية تسجل نحو 10 مليارات من مبيعاتها في برمودا (التي لا تفرض ضرائب على الشركات)، موفرة أكثر من 3.6 مليار من الضرائب. وقد سبق لـ«ستاربكس» إثارة الجدل في بريطانيا أكثر من مرة، بعد أن تسربت معلومات تبين أن الشركة دفعت أقل من 9 ملايين جنيه إسترليني ضرائب بين عامي 1998 و2012، على الرغم من زيادة مبيعاتها على 3 مليارات جنيه في هذه الفترة، وهو ما جعلها تتهم بتحويل أرباحها لملاجئ ضريبية. أما «أمازون»، فقد جعلت من لكسمبورغ مقراً للعمليات الأوروبية التي تشمل دولاً مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها. وحققت مبيعات في أوروبا عام 2020 تعدت 44 مليار دولار، إلا أنها (بحسب قوائمها المحاسبية) سجلت خسائر بقيمة 1.2 مليار يورو، مما جعلها تعفى من الضرائب بحسب قانون لكسمبورغ. يذكر أن أرباح «أمازون» العالمية تضاعفت من 11.6 مليار في عام 2019 إلى 21.3 مليار دولار عام 2020.
هذه الأرقام مجرد أمثلة على ممارسات تقوم بها كبريات الشركات العالمية، وهي ممارسات قانونية تماماً، على الرغم من الشبهات الكبيرة المحيطة بها، وهو ما جعل «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تبدأ منذ سنوات بحملة منظمة للقضاء عليها. وقد انتهت هذه الحملة باتفاق تاريخي، الأسبوع الماضي، جمع 136 دولة على أن توحد ضريبة الشركات العالمية بنسبة لا تقل عن 15 في المائة، وأن تفصح الشركات متعددة الجنسيات عن أرباحها بحسب المناطق الجغرافية، لتدفع بعد ذلك الضرائب بحسب المناطق التي حققت الأرباح. ويطبق هذا النظام على الشركات متعددة الجنسيات التي تزيد مبيعاتها على 750 مليون دولار، أما الشركات التي تزيد مبيعاتها على 20 مليار دولار، وأرباحها على 10 في المائة، فسيطلب منها أن تخصص 2 في المائة من أرباحها الإضافية للبلدان التي تعمل بها. ويعد هذا الاتفاق أكبر اتفاق لتنظيم الضرائب على الشركات، وقد وُصف بأنه اتفاق لا يحدث إلا مرة كل جيل، وتباشرت حكومات العالم بالوصول إلى هذ الاتفاق الذي قد يزيد دخل الحكومات بنحو 150 مليار دولار سنوياً. ويتوقع أن يتم تطبيق هذا النظام بعد عامين، وألا تطالب الشركات التقنية بضرائب رقمية حتى ذلك الحين.
لقد ساهمت الملاجئ الضريبية لسنوات طويلة في انعدام العدالة الضريبية حول العالم، وأظهر تقرير سابق للبنك الدولي أن الدول التي تعتمد على الإعانات الدولية كثيراً ما تحول منها مبالغ للملاجئ الضريبية، كما وضحت دراسات أن هروب رؤوس الأموال إلى الملاجئ الضريبية له أثر سلبي على الدول النامية، ذلك أن حكومات هذه الدول لم تستفد من هذه الموارد بالاستثمار في الخدمات العامة. كما أثرت الملاجئ الضريبية بشكل كبير على وجهات الاستثمار الأجنبي الذي أصبح يفضل دولاً تقل فيها الرقابة على القوائم المالية. ولعل هذا الاتفاق يفرض مزيداً من الشفافية على استثمارات الشركات متعددة الجنسيات، لا سيما أنه يغطي الآن أكثر من 90 في المائة من الاقتصاد العالمي.

د. عبد الله الردادي

شركات طاقة كبرى تستهجن دعوات تقليص الاستثمارات البترولية

بدأت تعلو أصوات كبار المسؤولين في شركات الطاقة العالمية للآثار السلبية المترتبة على الدعوات لتقليص الاستثمارات البترولية في توازن العرض والطلب في الأسواق العالمية. كان قد بادر وزراء الطاقة والنفط في السعودية والإمارات وسلطنة عمان خلال الصيف الماضي، إثر صدور تقرير وكالة الطاقة الدولية حول خطة الطريق لتحقيق «صفر انبعاثات» بحلول عام 2050 التي تشمل الدعوة لتقليص الاستثمارات البترولية، بانتقاد وإبداء الملاحظات حول خطورة دعوة الوكالة هذه وإلى الأهداف الطموحة للوكالة التي ستؤدي إلى الإخلال باستقرار الأسواق.
أخذت تتزايد الآن الانتقادات العلنية لمؤسسات وشركات طاقوية، حول الآثار السلبية المترتبة على دعوات تقليص الاستثمار في الصناعة البترولية النظيفة (الخالية من الانبعاثات الكربونية) على أسواق الطاقة الحالية والمستقبلية.
تأتي هذه الانتقادات في الوقت الذي عاد وارتفع الطلب على النفط إلى نحو 90 مليون برميل يومياً، ما يعني العودة قريباً إلى معدل الطلب إلى ما قبل الجائحة. وهناك أيضاً الارتفاع المستمر لأسعار النفط التي تجاوزت 80 دولاراً للبرميل. ولربما الأهم من هذا وذاك السعر القياسي، بل الارتفاع الفلكي لأسعار الغاز الطبيعي التي سجلت نحو 40 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية مؤخراً، مقارنة بنحو 5 إلى 18 دولاراً قبل أسابيع محدودة (تختلف الأسعار حسب أسواق أوروبا أو آسيا)، بالإضافة إلى الشح بإمدادات الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية.
صرح لورينزو سيمنولي، رئيس شركة «بيكر هيوز» الأميركية لتقنيات الطاقة، في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لشبكة الأخبار التلفزيونية «سي إن بي سي»، بأن الوقود الأحفوري «هنا ليبقى» (يقصد النفط والغاز النظيف الخالي من الانبعاثات).
تكمن أسباب ضرورة استعمال الوقود الأحفوري مستقبلاً، بحسب سيمنولي، رئيس واحدة من أهم شركات تقنيات الطاقة عالمياً، في «أهمية الوقود الأحفوري للأمن الوطني للدول المنتجة… وأن تسريع وتكثيف عملية التخلص من الانبعاثات الكربونية عملية تتطلب الكثير من التقنية والتعاون المشترك، منها الاستفادة القصوى من المنشآت والبنى التحتية المتوفرة حالياً للصناعة الهيدروكربونية».
وصرّح رئيس الشركة الفرنسية «توتال إينرجيز»، باتريك بوانيه، بأن العالم لم يستوعب بعد المسؤوليات المترتبة لتحول الطاقة، بالذات مع زيادة الطلب على النفط إلى نحو 90 مليون برميل يومياً. وأضاف رئيس «توتال إينرجيز» التي غيّرت اسمها من «توتال» بعد ولوجها عالم الطاقات المستدامة، في كلمة له في ندوة «إينرجي انتيلجنس فورم» عبر البث الإلكتروني، أنه إذا استمرت الدعوات لإيقاف الاستثمارات في تطوير صناعة النفط والغاز، فإن الأسعار «سترتفع إلى السقف» وستصبح «مشكلة كبرى حتى للدول الصناعية».
وأضاف بوانيه: «لقد أدت الدعوات لتقليص الاستثمارات في القطاع البترولي إلى زيادات الأسعار الأخيرة». وشرح كيف أن شركته استطاعت باتفاقها مؤخراً لاستثمار 27 مليار دولار في قطاعي الإنتاج الهيدروكربوني والطاقة الشمسية في العراق تبني سياسة متوازنة للطاقة في دولة منتجة للنفط، تخدم فيها الاحتياجات الداخلية للبلاد، بالإضافة إلى التصدير للأسواق العالمية. في الوقت نفسه، أشار إلى أن الانخفاض الطبيعي بنحو 4 – 5 في المائة سنوياً للحقول البترولية المنتجة، يعني أن هذا يتطلب في الوقت نفسه استثمارات جديدة لتحسين إنتاجية الحقول و/أو اكتشاف حقول جديدة لتعويض ما يتم إنتاجه في ظل الازدياد المرتفع في الطلب.ةإن كلام رئيس «توتال إينرجيز» واضح: سيصل العالم في المستقبل المنظور إلى وضع حيث معدلات الاستهلاك تزداد بنسب عالية سنوياً، بينما الاحتياطيات البترولية في تناقص (في حال توقف الاستثمارات). هذا معناه أن الأسعار سترتفع إلى مستويات قياسية. اختتم بوانيه كلمته بقوله: «إن الرأي العام والعالم لا يدري ما معنى تحويل نظام الطاقة العالمي، الذي يعتمد حالياً على 80 في المائة منه على الوقود الأحفوري والكربون، إلى نظام من دون كربون. إنها مهمة لا تصدق. نحن لدينا الصبر الكافي لإدارة الصناعة والتحول. لكن طبعاً، هذا سيتطلب تكاليف باهظة واستثمارات». وأضاف: «لن يكون هذا التحول ممكناً دون قبول الثمن الباهظ للكلفة المترتبة عليه. يجب أن نعترف ونقبل بالاستثمارات الضخمة الضرورية لتقليص انبعاثات الكربون».
وأدلى رئيس شركة «شل»، بن فن بردن، بدلوه في هذا الموقف العلني لواحدة من كبرى شركات الطاقة العالمية. وذكر في كلمته أن «شل» تنوي الاستمرار في الاستثمار بالنفط والغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، ومشروعها العملاق لإنتاج الغاز المسال العملاق في كندا سيستمر بعد عام 2050 للتصدير إلى الأسواق الآسيوية خلال النصف الثاني من هذا القرن. وأضاف أن الكلام عن إيقاف الاستثمار في الصناعة البترولية الخالية من الانبعاثات كلام «سخيف»، إذ لا يوجد «شرعاً» ما يمنع عدم إنتاج النفط والغاز ضمن نظام الطاقة العالمي، بحسب نشرة «بلاتس أويل غرام» اليومية.

وليد خدوري

اليورو : التركيز هذا الاسبوع على تقرير التوظيف الأمريكي (NFP)

الأسواق تتحول إلى تقرير الوظائف الأمريكية:

استعاد اليورو ارتفاعه قليلاً مقابل الدولار يوم الاثنين ، ومع ذلك يركز العاملون في الاسواق بالفعل على بيانات التوظيف الأمريكية المتوقعة في نهاية الأسبوع ، والتي قد تؤكد فرضية تشديد السياسة النقدية الأمريكية.
هذا وسيتم تزويد معلومات  الأسبوع بمؤشرات مع مؤشر نشاط ISM في الخدمات لشهر سبتمبر الثلاثاء ، والتوظيف في القطاع الخاص الخميس وخاصة الأرقام الرسمية لسوق العمل لشهر سبتمبر الجمعة.
بعد خلق فرص عمل مخيبة للآمال في أغسطس ، ينتظر المستثمرون لمعرفة ما إذا كان سوق العمل الأمريكي قد ظل قوياً بما يكفي في سبتمبر لتبرير تشديد السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
يتوقع المحللون خلق حوالي 450.000 فرصة عمل في سبتمبر مع انخفاض معدل البطالة بشكل طفيف إلى 5.1٪ بدلاً من 5.2٪.
قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي  ، جيروم باول ،  الاسبوع المنصرم  ، إنه لن يتطلب تقرير الوظائف “المذهل” للوفاء باختبار التخفيض التدريجي للديون ، فقط “تقرير جيد إلى حد معقول”.
اضافة الى هذا فقد أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه الأخير إلى أن تباطؤًا في برنامج إعادة شراء الأصول قد يحدث قبل نهاية العام ، مما دفع السوق إلى الاعتماد على رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر من عام 2022.

EUR / USD: يبدأ اليورو في انتعاش تقني على الجانب البياني ،
يتطلع اليورو إلى استعادة بعض النشاط ولكن ضغط البيع لا يزال موجودًا.
في الوقت الحالي ، يدخل الزوج في ارتداد تقني ويحاول السوق استعادة المقاومة عند 1.1620 دولار.
سيؤدي تجاوز هذا الحد إلى بدء انتعاش صعودي نحو الحد الأدنى القديم للنطاق  ثم نحو المستوى 1.1710 دولار.
ومع ذلك ، لا يبدو أن الزخم الهبوطي يفقد قوته  لذلك ، يشير كل شيء إلى أنه كان مجرد ارتداد بسيط تصحيحي قبل التوجه جنوبًا مرة أخرى.
نتيجة لذلك ، من المرجح أن يواصل اليورو تراجعه من أجل البناء على منطقة الدعم الأسبوعية التالية حول 1.1530 دولار – 1.1510 دولار في الأيام القادمة.

القطاع العقاري الصيني

هزت أزمة شركة إيفرغراند الصينية الأسواق العالمية بعد انكشافها بديون بلغت 300 مليار دولار وهو أكبر دين لشركة تطوير عقاري على الإطلاق. وباتت الشركة العملاقة على شفا انهيار بسبب عدم قدرتها على الوفاء بديونها مستحقة السداد في الفترة القصيرة القادمة. هذه الأزمة ظهرت بعد حملة الحكومة الصينية على الشركات ذات الديون العالية ضمن حملاتها خلال الأشهر الماضية في إعادة هيكلة تشريعاتها التجارية والتي على أثرها أوقفت اكتتاب (مجموعة آنت) المملوكة للملياردير الصيني (جاك ما) مالك ومؤسس علي بابا. وهو ما جعل الكثيرين يصفون هذه الحملات بأنها أشبه بـ(تقليم الأظافر) للشركات المحلية لتأكيد هيمنة الحزب الشيوعي الحاكم. فهل تشبه حالة إيفرغراند الحالات التي تعرضت لها الشركات التقنية سواء من ناحية الهدف أو التبعات؟
لفهم حالة إيفرغراند، يجب معرفة الوضع الحالي للقطاع العقاري الصيني، والذي شهد انفجارا في النمو خلال العقدين الماضيين جعله يشكل اليوم نحو 25 في المائة من الاقتصاد الصيني (ثاني أكبر اقتصاد في العالم). ولتلبية الطلب المتزايد للعقار، اعتمدت معظم شركات التطوير العقاري الصينية على الديون، وبشكل مبالغ فيه. ولعل إيفرغراند أكبر مثال على ذلك، فشكلت الديون قصيرة الأجل أكثر من 80 في المائة من ديونها، وهي ديون ذات فوائد مرتفعة ولا تتناسب – بسبب قصر أجلها – مع طبيعة الاستثمار العقاري. ونحو 45 في المائة من هذه الديون مقترضة مما يسمى بأنظمة الظل المصرفي، وهم وسطاء ماليون يقدمون خدمات مالية بفوائد أعلى بكثير من فوائد البنوك التي لا تتجاوز 25 في المائة. هذه الاعتماد شبه التام على الديون قصيرة الأجل، ذات الفوائد العالية، والخطر العالي، جعل القطاع العقاري الصيني أشبه بقنبلة يمكن انفجارها في أي لحظة.
لأجل ذلك بدأت الحكومة الصينية في أغسطس (آب) الماضي بحملة استهدفت الشركات ذات الديون العالية والتي قد تشكل خطرا على استقرار الاقتصاد الصيني. فاستحدثت عدداً من التشريعات، كان منها تقليص قدرة المطورين العقاريين على مراكمة الديون إلى أقل من 70 في المائة من تقييم أصولها، وألا تزيد ديون هذه الشركات على قيمتها المالية، وأن تكون لديها في أي وقت سيولة تكفي لتغطية ديونها قصيرة الأجل. هذه القرارات غيّرت من طبيعة القطاع العقاري الصيني، وهزت شركات عديدة وجعلتها عُرضة للانهيار. وبحسب مراكز الدراسات، فهناك ما لا يقل عن عشر شركات عقارية أخرى بنفس الموقف الخطِر تعاني منه إيفرغراند، هذه الشركات مرتبطة بعقود مبيعات لا تقل مبالغها عن 290 مليار دولار.
ولطالما حذرت مراكز الدراسات المالية من وضع قطاع العقار الصيني، كان آخرها مجموعة كريدت سويس السويسرية التي قللت من تمويلها للقطاع العقاري الصيني العام الماضي بسبب ارتفاع معدل الخطر فيه. وإيفرغراند نفسها عانت من أزمات مالية متعددة خلال السنوات الماضية، ولم تكن هذه الأزمات خفية على العالم، كان من ضمنها في عام 2018 عندما ساهم مؤسسها في تغطية أحد سنداتها بأكثر من مليار دولار بعد عدم تغطيته بالكامل من المستثمرين. وعانت شركة هوارونغ العقارية من ذات الأزمة في أغسطس الماضي عند بداية حملة الحكومة الصينية بسبب التزامات مالية تعدت مبالغها 230 مليار دولار، وما زاد الطين بلة أن مسؤولي الشركة احتالوا لإخفاء خسائر بقيمة 16 مليار دولار قبل أن تتدخل الحكومة الصينية بعد ذلك لإنقاذ الشركة. هذه الحالات مجرد أمثلة بسيطة على ما يحدث في قطاع العقار الصيني، والذي يهدد انهياره بأزمة حقيقية للاقتصاد الصيني، لا سيما مع كونه يشكل ربع حجم الاقتصاد الصيني إضافة إلى أثره المخيف على القطاع البنكي الصيني الذي يملك أصولا عقارية وصلت قيمتها إلى 50 تريليون دولار. وليس الانهيار فحسب ما يهدد الاقتصاد الصيني، فحتى تباطؤ نمو الاقتصاد العقاري (مع ما يشكله من نسبة من الاقتصاد المحلي) يهدد إجمالي نمو الاقتصاد الصيني. ولم يسبق للقطاع العقاري أن شكل هذه النسبة من إجمالي الاقتصاد المحلي لأي دولة في العالم، ولا حتى أميركا قبل الأزمة المالية.
وما وصل إليه القطاع أصبح يشكل خطرا أمنيا حقيقيا للصين، فقد تنتشر عدوى التخلف عن السداد من القطاع العقاري إلى قطاعات أخرى من السلع الأساسية إلى الكماليات بسبب اهتزاز النظام المالي، وقد تأثر قطاع الصُلب بالفعل في الصين فهبط سعر طن الحديد إلى دون 100 دولار لأول مرة منذ عام. وما يقلق الصين أن المطورين العقاريين هم أكبر مصدري السندات الدولارية المتداولة في هونغ كونغ، أي أن أثر هذه الأزمة قد يمتد إلى هناك. إن إجراءات الحكومة الصينية لإعادة هيكلة القطاع العقاري الصيني جاءت لأهداف مختلفة تماما عن تلك التي استهدفت القطاع التقني، فالحكومة الصينية أبدت استياءها في الماضي كثيرا من الارتفاع الحاد في أسعار العقار، موضحة في أكثر من موقف أن العقار للسكن وليس للمضاربة. وما فعلته الحكومة الصينية ابتداء من الشهر الماضي هو محاولة تدارك القطاع العقاري حتى وإن كان الثمن أزمة حالية، حتى لا يتسبب لاحقا في دوامة اقتصادية لا يمكن للصين الخروج منها.

د. عبد الله الردادي

من الدراما الآسيوية إلى الدراما العالمية

منذ أكثر من نصف قرن نشر الاقتصادي السويدي، الحائز جائزة نوبل جونار ميردال كتابه الشهير، الدراما الآسيوية واصفاً فيه أحوال فقر الدول النامية في جنوب آسيا. فبعد رصده لأحوال النمو والتنمية لعشرة أعوام قبل صدور كتابه في عام 1968 مقارناً الدول المتقدمة صناعياً بالدول النامية الآسيوية، انتهى إلى أن التفاوت الشاسع بين الدخول وزيادة الهوة اتساعاً سيمنع الدول الأسيوية من التخلص من آفات الكساد والفقر. لم يسنح الزمن لميردال أن يشهد البزوغ الآسيوي الكبير في الربع الأخير من القرن العشرين، وما كان من تقارب مضطرد بين الشرق والغرب بوثبات في النمو والتنمية فيما أُطلق عليه بعد ذلك المعجزة الآسيوية.
هذا التحول من حالة الدراما التعيسة في التنمية إلى ما وصف بالمعجزة لم يأت صدفة أو بهبات ومنح تتدفق من الغرب إلى الشرق، ولكنه نتاج استثمارات ضخمة في رأس المال البشري وفي البنية الأساسية وتراكم ومنجزات لم تهدرها تغيرات في الحكم بين نظم بائدة وأخرى مبيدة. وقد أعلى ميردال من أهمية القيم وتحيزاتها في صياغة السياسات العامة بما في ذلك السياسات الاقتصادية، وهو ما لم تتجاهله القيادات الآسيوية التي انتشلت بلدانها من براثن ثالوث الفقر والجهل والمرض وما يصاحبه حتماً من اضطراب وفوضى وهشاشة في المجتمع وتدهور مستمر في الأداء الاقتصادي. كما يتضح في التجربة الآسيوية قوة الدولة ومرونة سياساتها وبرغماتيتها، وهي أيضاً من علامات القوة في عالم سريع التغير لا يلتفت إلى الحائرين في متاهات الجمود، والتشبث بآيدلوجيات نافقة. ويكفي الاطلاع على كتاب د. سويي كنغ جوه، وهو أحد الآباء المؤسسين لسنغافورة مع زعيمها التاريخي لي كوان يو، عن ممارسة النمو الاقتصادي للتعرف على جهود التمرد على آفات الدولة الرخوة التي حذر منها ميردال بإدراك متميز لاعتبارات الاقتصاد السياسي وثقافة المجتمع وقيمه عند صياغة السياسات العامة وبناء مؤسسات تتوافق مع طبيعة البلاد وأولوياتها مع الإلمام الكامل لمستجدات العصر ونظمه المتطورة.
وهذه الاعتبارات تحديداً هي التي تميز التفوق الآسيوي المعاصر، بعد عهود من المعاناة، عن هذه الإخفاقات الكبرى التي شهدت تجارب متهافتة فيما سمي «بناء الدولة». فكان الفشل كما رأينا مؤخراً في أفغانستان، ومغامرات مدمرة لمشاريع فاشلة مثل الشرق الأوسط الكبير، حاولت فرض نموذج بعينه لإدارة المجتمع والاقتصاد بنظام سياسي منقول من بيئة شديدة الاختلاف في قيمها وتطورها باعتباره النظام الأمثل واجب الاتباع، فكان ما كان من فوضى لم تخلق إلا دماراً.
أسوق ما تقدم استرشاداً لأسس مواجهة ما يمكن تسميته الدراما العالمية. فبعد عقود من التقارب بين الدول النامية والمتقدمة، بفضل زيادة معدلات النمو المطرد، يهددنا عالم ما بعد الجائحة بتباعد كبير بتداعيات جيوسياسية وتوتر وصراعات ينبغي التعامل معها مبكراً والتوقي منها.
حقاً خرجت كثير من الدول النامية من أسر التخلف بفضل سياسات وطنية متكاملة ومؤسسات فعالة تقوم على تنفيذها، ولكن ما حقق تقاربها مع الدول المتقدمة هي قنوات منفتحة أمام تدفق حركة التجارة الدولية والاستثمارات الخارجية واكتساب المعارف من خلال بعثات تعليمية وانتقال العمالة ومشروعات مشتركة. ولكننا نرى اليوم مؤشرات في غاية الخطورة عن تفاوت معدلات النمو والتباين في الدخول. ففي حين يبلغ متوسط النمو الاقتصادي العالمي المتوقع حوالي 6% يقل هذا المؤشر إلى النصف في العديد من البلدان النامية بما لا يتجاوز 3% هذه السنة بما لا يعوض ركود العام الماضي. وفي الوقت الذي تستحوذ فيه الدول المتقدمة وعالية الدخل على أكثر من 80% من عمليات التلقيح ضد فيروس كورونا، لا تتجاوز النسبة 2% في إفريقيا. وتمتعت الدول المتقدمة بسخاء مالي ونقدي في مواجهة تداعيات الجائحة تجاوز 27% من ناتجها المحلي الإجمالي، نجد أن هذه النسبة تقل عن 7% في الدول متوسطة الدخل وتصل إلى 1.8% في الدول الأقل دخلاً. وفي هذه الأثناء تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول النامية، كما أن نسبة التجارة إلى نواتجها المحلية لم تتغير بالكاد منذ الأزمة المالية العالمية. كما يهدد كثير منها شبح أزمات متفرقة للمديونية الدولية للعجز عن الوفاء بخدمة الديون، خاصة إذا ما ارتفعت أسعار الفائدة العالمية مع بدايات لتخارج البنوك المركزية في الدول المتقدمة من إجراءات التيسير النقدي ولمواجهة احتمالات زيادة معدلات التضخم بسبب عدم توافق نمو العرض بسبب عراقيل سلاسل الإمداد وعدم وفرة مدخلات الإنتاج مع زيادة في الطلب في الدول المتقدمة.
هذه ملامح دراما عالمية تتجاوز الدراما الآسيوية انتشاراً في ربوع الأرض تعكس تفاوتا بين الدول وداخلها، عكستها مؤشرات حديثة استعرضتها تقارير دولية عن التنمية المستدامة تزامن صدورها مع انعقاد الدورة السادسة والسبعين للجمعية الأمم المتحدة هذا الشهر. هذه المؤشرات تُجمع بجلاء مزعج أن العالم ليس على طريق تحقيق أهداف الاستدامة، ولا يمكن لوم الجائحة وحدها على هذا التقاعس، فالمشكلة سابقة على انتشارها وإن توحشت بعدها.
لقد حذر أنتونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من أن أرقام متابعة اتفاقية باريس لتغيرات المناخ تشير إلى أن المسار الحالي سيؤدي إلى زيادة الانبعاثات الضارة بالمناخ بحوالي 16% بحلول عام 2030 بدلاً من تخفيضها بمقدار 45%. كما أوضح أن عدم الوفاء بالتعهدات المالية لمساندة جهود الدول النامية يهدد اجتماع جلاسجو القادم بالفشل.
لعل المجتمعين في إطار الجمعية العامة بين مشارك بالحضور الشخصي أو عن بعد عبر الشاشات أن اجتماعهم على هذا النحو في حد ذاته يؤكد أن العالم ما زال في معترك التعامل مع الجائحة؛ وأن من يتجاهلها لا تعامله بالمثل، فتداعياتها الصحية والاقتصادية له بالمرصاد.
وهناك أولويات سبع للتصدي لأوجاع الدراما العالمية المصاحبة للتفاوت الدولي وهذا التباعد غير المسبوق بعد عقود من التقارب. هذه الأولويات تتوفر لها الحلول العملية لكنها تفتقد العزم على تنفيذ إجراءات تحقيقها:
أولاً: توفير اللقاح للدول النامية لتصل لنسبة 40% من المطعمين قبل نهاية هذا العام، من خلال زيادة الإنتاج والتصدير والسماح بالتصنيع بالدول النامية التي تتوفر لها القدرة من خلال الإعفاء المؤقت من قيود حماية الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية.
ثانياً: وضع نهج متكامل للاستدامة يشمل برامج تحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة التي تم إقرارها بالأمم المتحدة في عام 2015، بما في ذلك ما تتضمنه اتفاقية باريس باعتبارها الهدف الثالث عشر من هذه الأهداف. فتبني مسار منفصل لتغيرات المناخ يهدد بتكريس حالة الجزر المنعزلة ويشتت جهود التنمية وإهدار الموارد.
ثالثاً: الوفاء بالتعهدات الدولية بشأن تمويل الاستدامة، ويكفي ما أشار إليه تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن فجوة بما لا يقل عن 20% من التعهدات السنوية المحددة بمقدار من 100 مليار دولار منذ مؤتمر كوبنهاغن في عام 2009. ورغم تواضع هذا الرقم مقارنة بالاحتياجات الفعلية وغموض طرق حسابه منذ إقراره إلا أنه لا يتم الوفاء ولا تتوازن أوجه إنفاقه في مجالات مواجهة تغيرات المناخ. هذا فضلاً عما تواجهه المساعدات الإنمائية الدولية من ثبات عند أرقام لم تراوحها تقل عن نصف الالتزامات المعلنة.
رابعاً: ضرورة قيام الدول على المستوى الوطني بإعداد موازناتها العامة وتطوير قواعد الرقابة المصرفية والمالية والسياسات النقدية لتتوافق مع أولويات الاستدامة وتحقيق الأهداف المعلنة للتنمية بحلول عام 2030. فلا مجال لتشجيع منضبط للقطاع الخاص أو تلق تمويل ناجع للتنمية بقروض ميسرة، أو بالاستثمار من باب أولى، دون أن ترسم الموازنة العامة والسياسات المالية والنقدية والرقابية معالم الطريق وأسس المشاركة.
خامساً: لقد أضير سوق العمل ونظم الضمان الاجتماعي أيما ضرر من جراء الجائحة وتراجع النمو وتفاوت الدخول قبلها وأثناءها وبعدها، بما يحتم مراجعة نماذج النمو لتكون أكثر شمولاً بتوليدها لفرص العمل اللائق مع مساندة نظم الضمان الاجتماعي للتوقي ضد المخاطر المتزايدة.
سادساً: توطين التنمية المستدامة من خلال الدفع باستثمار ضخمة للارتقاء برأس المالي البشري تعليمياً وصحياً، وتطوير البنية الأساسية بما في ذلك المكون التكنولوجي ومتطلبات التحول الرقمي. مع التوسع الزراعي وزيادة فرص تكوين قيمة مضافة من خلال التصنيع والابتكار، بدلاً من تصدير السلع الأولية لمن يزيدها قيمة ثم يتم استيرادها منه. فكثير من ممارسات التجارة الدولية يذكرك بالبيت الشعري القديم
«كالعير في البيداء يقتلها الظمأ،
والماء فوق ظهورها محمول».
سابعاً: سيتعذر تحقيق أي مما سبق إذا ما لم تتخذ الإجراءات المانعة من تحول الضغوط المالية المصاحبة للزيادة الراهنة في المديونية العالمية، فيما يعرف بالموجة الرابعة للديون. ونتذكر أن الموجات الثلاث السابقة التي حدثت خلال الأربعين سنة الماضية قد انتهت كل واحدة منها بأزمة عاتية تحمل بتبعاتها البريء قبل المذنب. فالأزمات المالية عندما تشتعل تربك الأولويات وتستأثر بالموارد الحيوية للتعامل معها، وهو ما يجب التعامل معه بحسن إدارة الدين العام محلياً وتفعيل كافة أطر التعاون الدولي، التي يعاني بعضها من قصور باكتفائها بتقديم الحد الأدنى لما هو ضروري وإن كان ليس كافياً بحال

د. محمود محيي الدين

هل للعملة المشفرة أن تحافظ على الحرية؟

خلقت لجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، عبر تهديدها القانوني الأخير ضد برنامج شركة «كوين بيز» لحساب العملات المشفرة الجديد ذي الفوائد، ضجة في كل من القطاعين المالي والتكنولوجي، وهما عالمان لطالما كانا متشابكين، ولكن بسبب تداعيات التكنولوجيا الرقمية نفسها، فإن بعضهما يواجه البعض الآن في منافسة متزايدة العمق. ويتوقع مراقبو الصناعة الآن من إدارة بايدن أن تشن هجومها التنظيمي ضد العملة المشفرة.
وما بات على المحك الآن هو أخطر كثيراً من مجرد تعميم العملات المشفرة. إن توسع الشركات المالية الذي تسهله التكنولوجيا في حياتنا الخاصة يهدد بدفع الأميركيين إلى نظام ائتمان اجتماعي وواقعي يعاقبهم على اتخاذ الخيارات – وحتى التعبير عن الآراء – التي لا يحبذها المسؤولون عن الجهات الرقابية.
وبوتيرة سريعة، أصبح تمويل المستهلك جزءاً لا رجعة فيه من التكنولوجيا الرقمية. أظهرت دراسة مسحية جديدة لمؤسسة «ماكنزي» أن أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين يستخدمون نوعاً ما من منصات الدفع الرقمية. وبحلول العام القادم، وفقاً لمؤسسة «ستاتيستا»، من المتوقع أن يستخدم نحو ثلثي الأميركيين الخدمات المصرفية الرقمية. وعلى نحو متزايد، أصبح بوسع المرء أن يشارك في الاقتصاد لحساب ومصالح أولئك الذين يديرون بنية الاقتصاد الأساسية، مما يعطي المسؤولين عن هذه البنية الأساسية قدراً هائلاً من القوة في صياغة أو معاقبة السلوكيات. إنهم يواصلون استغلال الجميع.
رأينا، خلال الشهور الأخيرة، كيف اتخذت معالجات الدفع، ومضيفو الإنترنت، وشركات أخرى، بكل فجاجة إجراءات تنسيقية ووثيقة الصلة مع أولويات الحكومة لتجميد الأعمال غير المرغوب فيها مالياً على الإنترنت. ذلك أن استبعاد الرئيس التنفيذي الحالي من مواقع التواصل الاجتماعي، أيا كانت جدواه أو مبرراته المتصورة، قد فتح الباب أمام نظام يتمكن فيه أولئك الذين بوسعهم إلغاء أو تعليق الحسابات وفق هواهم وفي انسجام تام. أدى هذا المنطق الذي تبنته مباشرة إحدى منصات الدفع «ستريب»، إلى انتقال دونالد ترمب لمنصة أكبر بكثير، «باي بال»، تلك التي تضع العملاء في القائمة السوداء لتطهير قاعدة المستخدمين لديها.
كلما اكتسبت هذه المنظمات المزيد من القوة، أصبحت معاييرها الأخلاقية أو الآيديولوجية أكثر تعسفا وعقابا. تماما كما حذر ديفيد ساكس، مدير العمليات المؤسس في شركة «باي بال»، فإن تنسيق القوى الفيدرالية والمالية والتكنولوجية المتشابكة لمعاقبة منتقديها ومعارضيها قد تحايل على حمايتنا الدستورية الأساسية: فالشخص الذي يجد حساباته المالية والاجتماعية مغلقة، بعد أن تصفه الحكومة بأنها ذات صفة تخريبية لن يكون أمامه أي سبيل قانوني يسلكه.
وبفضل موارده الضخمة، التي تمتد عبر وادي السيليكون والحكومة الفيدرالية، يحظى النظام بمعرفة عميقة بنشاطنا على شبكة الإنترنت. فكر، وقل وافعل ما يريده النظام منك حتى يُسمح لك بالعمل. وإذا ما انحرفت عن الجادة المرسومة لك، فسوف يغلقون الأجواء في وجهك. هذا هو المنطق غير الأميركي لنظام الائتمان الاجتماعي الذي يُفرض علينا.
وفي غياب وسيلة جديدة وجوهرية وأفضل في توليد الثروة وتداولها وحفظها وتبادلها، فإن الأميركيين سوف يصبحون عاجزين على نحو متزايد عن منع استغلال نظامهم المالي في تحويل بلادهم إلى قفص تكنولوجي عقيم.
ومن الممكن أن تتمكن عملة البتكوين، والعملات المشفرة المماثلة، من تحرير المواطنين الأميركيين العاديين من الانضباط المالي، والنفسي، والعقوبات في قلب نظام السيطرة المذكور. ولكن هذه الهدية سوف تختفي إذا لم يعمل صناع السياسات والمشرعون، بداية على مستوى الولايات، في ترسيخ العوائق التنظيمية والتشريعية للجهود المجمعة في واشنطن وول ستريت ووادي السيليكون لجعل العملة المشفرة مجرد ترس آخر في النظام الذي يسيطرون عليه.
ويتعين على الولايات أن تتحول إلى ملاذ قانوني واسع النطاق للعملات المشفرة. إن استخدام التكنولوجيا الرقمية لإعادة تأسيس الولايات المتحدة كنظام ائتماني اجتماعي سهل لا يمكن إيقافه إلا بوضع القوة الرقمية بين أيدي الناس. على مدى أجيال، نظمت أجهزتنا العسكرية والاستخباراتية التقدم التكنولوجي الأميركي تدريجيا حول السيطرة الاجتماعية غير الخاضعة للمساءلة وغير القانونية. واعتمادنا على هذا النظام من أجل الابتكار في المستقبل يتطلب ثمنا باهظا لا يُطاق على حريتنا وازدهارنا.
إن إجراءات مكافحة الاحتكار ضد الشركات العملاقة مثل غوغل وأمازون حكيمة ومنصفة، ولكنها لا تعيد الوكالة الرقمية إلى المواطنين العاديين وتزج بها بين أيادي القانون. ويعمل نظام الائتمان الاجتماعي الذي بدأ يظهر سريعاً على إزالة الخط الفاصل بين القطاعين الخاص والعام، فالأميركيون يحتاجون إلى عملة البتكوين، وما إلى ذلك، حتى يتسنى لهم استعادة مصيرهم في العالم الرقمي بدلاً من إسناده إلى المزيد من أباطرة القطاع الخاص أو العام.
لقد حظي المنتقدون بيوم مشهود مع العملات المشفرة، وفي أسوأ الأحوال، اكتسب هذا اليوم زخم الرسوم الكاريكاتورية المعهود. لكن السبب وراء ذلك أنه مثل كل الأدوات، من الممكن أن ينقلب ضد أفضل استخدام له. وبالنسبة لمهندسي نظام الائتمان الاجتماعي، فإنه من الضروري أن تكون كمية العملات المشفرة المستخرجة محدودة بشكل كبير، وأن تُراقب المعاملات المشفرة مع وضع سقف لها، وأن تُدمج كافة أشكال التشفير ضمن بيئة تنظيمية واستثمارية هي الوحيدة التي تسيطر عليها واشنطن وول ستريت ووادي السيليكون.
بل إن الأميركيين يحتاجون إلى العكس تماماً: الحق في إنتاج وشراء الحواسيب قوي بالدرجة الكافية لاستخراج عملة البتكوين وبناء مراكز البيانات، والحق في استخدام ونقل العملة المشفرة بعيدا عن المراقبة الغاشمة، ومتطلبات الإبلاغ، والقيود التعسفية، والحق في الاختيار الحر لاستخدام عملة التشفير كعملات رقمية حقيقية فيما بينهم. قد تعتبر القوانين الفيدرالية مثالية في هذا الصدد، لكن في البيئة العدائية الحالية، فإن نقطة الانطلاق العاجلة هي على مستوى الولايات.
وفي غياب هذه القوانين، فإن الأميركيين سوف يفتقرون إلى القوة الرقمية اللازمة للهروب من نظام الائتمان الاجتماعي القادم. ولا توجد خطة بديلة إذا كان المشرعون لا يستطيعون حماية الحقوق الرقمية للأميركيين.

– خدمة «نيويورك تايمز»

السندات الانتقالية

هدف السندات الانتقالية إلى تمويل الشركات الملوّثة للبيئة والتي ترغب في الانتقال بأنشطتها وتطويرها لتكون أقل تأثيراً على البيئة. وتعد السندات الانتقالية شكلاً من أشكال السندات الموضوعية، والتي ترتبط بمستهدفات محددة عند إصدار السند. ومن أمثلة السندات الموضوعية، السندات الخضراء التي تموّل المشاريع الصديقة للبيئة، والسندات الزرقاء التي تموّل المشاريع الصديقة للبحار والمحيطات، والسندات الطبيعية التي تمول مشاريع التنوع الأحيائي، وتقع جميع هذه الأنواع تحت مظلة السندات المستدامة. كما تقع السندات الاجتماعية تحت مظلة السندات الموضوعية كذلك، ومنها تموّل المشاريع ذات الأهداف الاجتماعية، كان منها تمويل الاتحاد الأوروبي لحزم المساعدات الاجتماعية في أثناء الجائحة.
وتعد السندات الانتقالية –أو السندات البُنيّة كما يطلق عليها أيضاً– جديدة نسبياً مقارنةً بغيرها من السندات، وتصدرها تلك الشركات التي قد لا تتأهل للسندات الخضراء بسبب سوء سمعتها لدى المتحمسين للبيئة، أو بسبب ممارستها لأنشطة ملوّثة للبيئة بشكل أو بآخر. ومنها الشركات الصناعية الكبيرة، وشركات الطيران والشحن، وشركات الصناعات الكيميائية، وشركات النفط والغاز. وتعد هذه السندات شكلاً من أشكال الاستفادة من أدوات الدين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تحفيز الشركات على الانتقال لممارسات أقل ضرراً على البيئة، ولتخفيض الانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري.
وفيما بدأ مفهوم السندات الانتقالية في الانتشار، والهدف منه هو مساعدة تلك الشركات لتقوم بدورها في الحفاظ على البيئة، تشكك الكثيرون حول مصداقية هذه السندات. ويرى الكثير من المتحمسين للبيئة أن هذه السندات ما هي إلا ذريعة للبنوك لتقوم بتمويل الشركات الملوثة للبيئة، وأن هذا التمويل هو أشبه بما يسمى «الغسيل الانتقالي»، تقوم به الشركات بالحصول على تمويل، وفي ذات الوقت تحسّن سمعتها بأنها مهتمة بالحفاظ على البيئة. والواقع أن هذا الاتهام ليس دقيقاً، فالسندات الانتقالية مربوطة بمستهدفات واضحة ومحددة، وفي حال لم تحقق الشركات هذه المستهدفات، فقد تُلزم بدفع فائدة إضافية على التمويل، كعقوبة لها على عدم الالتزام بهذه المستهدفات. وقد يفشل إصدار السند في حال لم يقتنع المستثمرون بمستهدفات الشركة، ولعل أقرب مثال على ذلك ما حدث لشركة «تيكاي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وهي من كبرى شركات الشحن في العالم، حين حاولت إصدار سندات مماثلة، إلا أن السند لم يغطّ لعدم إيمان المستثمرين بنيات الشركة، مما أدى إلى فشل الإصدار. وتدقق الكثير من السندات المستدامة بشكل مستمر من مراجعين ماليين مستقلين للتأكد من الالتزام بالمستهدفات المشروطة.
والسبب الرئيسي في هذا التشكك، هو عدم وجود معايير دولية محددة ومعتمدة من جهة معتبرة، توضح المقصود بالأنشطة الانتقالية لتخفيف الانبعاثات الكربونية، ويمكن للمستثمرين على أساسها تقييم السندات المصدّرة ومعرفة مدى مصداقيتها. ويهدف كثير من المنظمات الدولية إلى إنشاء قواعد عامة للسندات الخضراء ذات الطابع الانتقالي، ويعمل الاتحاد الأوروبي مع الصين لإنشاء فهرس يوضح هذه المعايير. ويُتوقع أن يُعرض عمل مماثل لذلك خلال قمة العشرين المقبلة في أكتوبر لأخذ مرئيات الدول الأعضاء. إلا أن بعض الدول لم تنتظر لحين إصدار معايير دولية، بل أطلقت معايير ترتبط بالأهداف البيئية المحلية والمشكلات التي تستدعي معالجة عاجلة، ومن هذه الدول ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وكذلك الصين.
ولا تزال السندات الانتقالية حتى الآن في بداية انطلاقتها، فلم يصدر منذ عام 2017 إلا 16 سنداً فحسب، بمبلغ لم يزد على 7.5 مليار دولار، وهو دلالة على عدم حماسة السوق لها حتى وقتنا الحاضر. وتوقعت «ستاندرد آند بورز» أن يصل حجم التمويل الانتقالي إلى تريليون دولار في المستقبل القريب. وهو رقم قد يسهم في تحقيق الأهداف طويلة المدى، لا سيما أن المبلغ المطلوب سنوياً لتحقيق هذه الأهداف هو 1.6 ترليون دولار، حسب «بنك سيتي» الأميركي.
إن زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، قد يجعل السندات الانتقالية تلعب دوراً مهماً في المستقبل كأداة مالية تساعد الشركات في المساهمة في تخفيف انبعاثات الكربون، وهي في أصلها فكرة رائعة قد تشكل للشركات فرصة للنمو المستدام. إلا أن هذه السندات قد تفشل فشلاً ذريعاً في حال حاولت المنظمات البيئية الضغط على الشركات في تغيير أنشطتها بشكل سريع، أو بشكل لا يتناسب مع أنشطتها، وقد تنتهي هذه الموجة من السندات قبل أن تبلغ قمتها في حال لم يُنظر إلى مساهمة الشركات في الحفاظ على البيئة بشكل واقعي. فالشركات وإن رغبت في الحفاظ على البيئة، فإنها لن تغيّر نشاطاتها بين عشيّة وضحاها، بل ستغيّر هذه النشاطات على مدى طويل، بما يحافظ على ربحيتها واستدامتها.

د. عبد الله الردادي

جنون الـ«NFTs»

في مارس (آذار) الماضي، قامت دار «كريستر» للفنون، وهي دار للمزايدات يزيد عمرها على 220 سنة ببيع لوحة فنية رقمية للفنان مايك وينكلمان المعروف بـ«بيبل» بسعر زاد على 69 مليون دولار، وهو أعلى سعر على الإطلاق للوحة رقمية. هذه اللوحة ليست إلا صورة رقمية يمكن حفظها من محركات البحث، ويمكن لأي شخص أخذ نسخة منها واستخدامها في مواقع التواصل أو غيرها، إلا أن ما قامت «كريستر» ببيعه في الواقع، هو رمز مميز يعرف بـ«Non-Fungible Token» يمكّن المشتري من إثبات ملكيته لهذه اللوحة الرقمية، فما هي «Non-Fungible Tokens» التي سمحت ببيع ملكيات المنتجات الرقمية؟
تعرّب «Non-Fungible Tokens» أو «NFTs» بالرموز غير القابلة للاستبدال، أو الرموز غير المُثلى، وهي رموز مميزة مشفرة باستخدام تقنية «البلوك تشين». واستخدمت هذه الرموز مؤخراً لربط وتمييز الفنون الرقمية مثل الصور، أو مقاطع الفيديو أو الموسيقى أو غيرها، ويمكن النظر إليها بصفتها وثيقة ملكيّة لهذه الفنون، ويمكن بموجبها بيع وشراء المنتجات الرقمية وإثبات ملكيتها للأفراد. ويتم ربط المنتجات الرقمية برمز مميز منفرد، يستحيل تزييفه نظراً لاستخدامه نظام التشفير الذي تتيحه تقنية «البلوك تشين»، تماماً كما هي الحال للعملات الرقمية مثل بتكوين وإيثريوم وغيرهما. ويمكن بذلك اعتبار «NTFs» كنوع من أنواع الأصول الرقمية التي تستخدم لإثبات ملكية «المقتنيات الرقمية»، إذا صح التعبير.
وعلى الرغم من أن هذه الرموز (وما تمثله من مقتنيات رقمية) تتشابه مع العملات المشفرة في كونها أصولاً رقمية تعتمد على تقنيات «البلوك تشين»، فإنها تختلف عن العملات المشفرة في عدد من النقاط، وأول هذه الاختلافات هو تميزها، ففيما يوجد آلاف العملات من البتكوين ويمكن استبدال أي عملة بتكوين بأخرى، فلا يوجد لكل «NTFs» إلا رمز واحد فقط يمثل منتجاً رقمياً، وهو ما يزيد قابلية زيادة أسعارها بسبب هذا التفرّد. كما أن هذه الرموز ليست قابله للتجزئة، كما هي الحال مع العملات الرقمية التي يمكن شراء نصفها أو ربعها. وبينما تبدو «NTFs» منطقية من ناحية إيجادها حلاً لملكية المنتجات الرقمية كالصور والأغاني وغيرها، بعد عقود من عدم قدرة إثبات الملكية، إلا أن ما حدث في أسواقها هو أمر أشبه بالجنون، فما الذي يجعل شخصاً يدفع ملايين الدولارات لقاء صورة رقمية؟ وعلى الرغم من أن أسعار الفنون المادية كاللوحات الزيتية والتحف وغيرها تزيد على أسعار «NTFs»، فإنها قطع مادية لا يوجد لها بديل آخر، بينما يمكن نسخ الفنون الرقمية بكل بساطة إلى عدد غير منتهٍ من النسخ. قد يكون جواب ذلك أن الرغبة البشرية بالتملك في كلا النوعين من الفنون هي الرغبة ذاتها، فكثير من مشتري الفنون المادية يرغبون بالمفاخرة بامتلاكهم قطعاً فنياً، وتبدو الحال كذلك لكثير من ملّاك الفنون الرقمية.
وتمثل هذا الجنون في كثير من منصات بيع «NTFs»، فقام العديد من الجهات المعتبرة مثل شبكة «CNN» للأخبار واتحاد كرة السلة الأميركية وغيرهما ببيع كثير منها وجني الملايين منها. كما قامت شركة «فيزا» بشراء صورة بلغ سعرها 150 ألف دولار، وأصدرت الشركة بياناً توضح فيه أنها تريد أن تكون جزءاً من هذه السوق الواعدة. كما شارك كثير من المشاهير في الشراء والتسويق لهذه الرموز، ما تسبب في ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، في اندفاع يمكن وصفه بالهوس.
وفي تقرير نشر في مارس الماضي (أي قبل 6 أشهر)، وصفت إحدى وسائل الإعلام الاندفاع نحو هذه الرموز بالجنون، بعد أن تضاعفت التداولات فيه لعام 2020 لتصل إلى 250 مليون دولار! ولكن هذا الرقم لا يعد جنوناً إذا قورن بالرقم في الشهر الماضي، ففي أغسطس (آب)، بلغت التداولات في منصة «أوبن سي» أكثر من 3.4 مليار دولار، أكثر بعشرة أضعاف من الشهر الذي سبقه، وقد يصبح هذا الرقم أضحوكة في المستقبل إذا قورن بالأسعار التي يمكن الوصول إليها.
ويرى المشككون في هذه السوق أن ما وصلت إليه الأسعار هو نتيجة امتلاك عدد من الناس لوقت ومال وفيرين، لا سيما عند النظر فيما أحدثته الجائحة من وقت فراغ طويل، وتأثيرها كذلك على ارتفاع الادخار لدى الكثيرين. كما يرى أحد المحللين أن زيادة السيولة بسبب الدعم الحكومي العالمي للجائحة كانت لها أثر في زيادة السيولة لدى الأفراد دون وجود فرص استثمار حقيقية، إضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة الذي سهل الحصول على قروض.
وإن ما يحدث الآن في «NTFs» هو هوس عالمي، يشابه كثيراً ما حدث في 2017 عند موجات الطرح الأولي للعملات الرقمية الذي انتهى بخسارة الكثير لأموالهم في عملات لا تستند إلى شيء. إلا أن هذه الرموز قد تؤثر كثيراً على المقتنيات الرقمية، وقد تفتح أسواقاً جديدة في العالم الرقمي، لا سيما في أسواق الألعاب والفنون. وبينما قد تنفجر فقاعة الأسعار الحالية عند انطفاء حماسة الناس لها، إلا أن فائدتها قد تستمر في حفظ الملكيات الرقمية التي طالما ضاعت في العالم الرقمي.

د. عبد الله الردادي