أرشيف التصنيف: المقالات العامة
ستة أشهر من الضبابية
تحسنت أسعار نفط خام غرب تكساس الوسيط، الذي يتم تداوله في بورصة نايمكس في نيويورك، كثيراً، وخرجت من القاع، ولا يوجد قاع أسوأ من وصولها إلى نحو (-40 دولاراً) للبرميل تحت الصفر، الشهر الماضي. ورغم أنها وصلت إلى مستويات فوق عشرين دولاراً هذا الأسبوع، مع زيادة التفاؤل بتحسن الطلب ودخول اتفاق «أوبك+» حيز التنفيذ مطلع شهر مايو (أيار) الحالي، إلا أننا أمام ستة أشهر من الضبابية.
وهناك أسباب دفعتني لهذه النتيجة، من مخاطر نمو الطلب إلى احتمالية عودة النفط الصخري للإنتاج، وبالتالي إعادة الفائض إلى السوق بشكل أكبر من الشكل الذي كان عليه الشهر الماضي عند مستوى 4 إلى 5 ملايين برميل يومياً.
والبداية مع الطلب، إذ لا أحد يستطيع معرفة حاله في العالم والولايات المتحدة تحديداً. نعم سوف تفتح العديد من الدول الأسواق والمجمعات والمطاعم تدريجياً، بدءاً من هذا الشهر، وفي الولايات المتحدة يضغط الرئيس دونالد ترمب، لفتح الاقتصاد مجدداً، إلا أن كل هذه الدول تأخذ مخاطر صحية عالية.
إذ بدون وجود علاج لفيروس كورونا، فإن مخاطر انتشار الفيروس، بعد رفع الحظر الكلي في العديد من الدول حول العالم، قد تساهم في انتشاره مجدداً، ما يعني عودة الحظر الكلي، وقد يكون بصورة أسوأ من قبل. قد يحدث هذا، وقد لا يحدث، وقد يكتشف العالم علاجاً للفيروس، ولكن الحديث هنا عن المخاطر، وستظل هذه الأخيرة قائمة.
وقد يقول البعض، ولكن الوضع في آسيا بدأ في العودة تدريجياً، وتحسنت الحركة الاقتصادية هناك، خصوصاً في الصين، التي في طريقها لتسجيل نمو اقتصادي بنحو 5.7 في المائة في 2020 في أفضل السيناريوهات، مع التحفيز الاقتصادي الحكومي، أو 5.1 في المائة إذا ما استمرت أزمة «كورونا» حتى آخر العام.
وهنا لا يجب أن نغفل أن اقتصاد الصين قائم على التصدير، وباقي العالم لا يستورد كثيراً الآن، والعلاقة لا تزال سيئة مع الولايات المتحدة، وحتى الصفقة التجارية بين البلدين التي تم عقدها قبل أزمة «كورونا» في بداية العام، وساهمت في رفع الأسعار، تبخرت الآن، وهذا ما سيزيد من احتمالية تباطؤ النمو الصيني. وإذا نظرنا إلى الاقتصاد في الدول الغربية، فالوضع سيئ. في الولايات المتحدة، فإن عدد طلبات إعانة البطالة وصل إلى 30 مليوناً منذ بداية أزمة «كورونا».
وحتى مع بدء الثلاثة وعشرين دولة الأعضاء في تحالف «أوبك +» في تخفيض الإنتاج بنحو 9.7 مليون برميل، بقيادة السعودية وروسيا، ومع هبوط الإنتاج العالمي المتوقع بنحو 4.5 مليون برميل يومياً، أي بأكثر من 14 مليون برميل يومياً، فإن السوق لن تتوازن، لأن الهبوط في الطلب في الشهر الماضي وصل إلى 21 مليون برميل، حسب تقديرات «إي إتش إس».
إن اتفاق «أوبك +» في أفضل الأحوال سيوقف بناء المخزونات التي امتلأت الشهر الماضي، بعد وصول إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى أعلى مستوى في 30 عاماً. ومع هذا لا يزال هناك تفاؤل بوصول أسعار النفط إلى 50 دولاراً، أو أكثر، من قِبل بعض المصارف مثل مصرف «يو بي إس».
وبما أن وضع الطلب لا يزال في مهب الريح، فإن هذا يجعلني أرى ضبابية عالية في السوق. أما الأمر الأخير، الذي لا يجعل الرؤية واضحة تماماً، فهو إنتاج النفط الصخري.
من المتوقع أن ينخفض إنتاج شركات النفط الصخري بنحو مليون برميل يومياً بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران)، وإذا ما استمرت الأسعار على ما هي عليه (عند 20 دولاراً فأقل)، فإن الإنتاج قد ينخفض بنحو 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً.
وتكمن الخطورة في أن النفط الصخري قد يعود مع بقاء أسعار النفط الأميركي عند مستوى 25 إلى 30 دولاراً، والسبب في ذلك هو صراع هذه الشركات من أجل البقاء، وعدم رغبتها في إقفال أفضل آبارها الإنتاجية.
بصورة عامة، ومن ناحية فنية، فإن إقفال الآبار النفطية ليس أمراً بالسهل، كما يظن الجميع، خصوصاً ما إذا كانت هذه الآبار غير تقليدية، مثل آبار النفط الصخري. بالنسبة للآبار التقليدية مثل التي توجد في السعودية وروسيا والكويت والإمارات ومناطق مختلفة من الولايات المتحدة، فإن هذه الآبار إذا تم إقفالها، يجب صيانتها للحفاظ على الأنابيب داخلها من التآكل والصدأ، وهذا يستوجب عمليات كثيرة مثل ضخ النيتروجين في الآبار وغيرها. هذا يعني أن هناك تكلفة للإبقاء عليها لحين إعادتها للتشغيل.
أما الآبار غير التقليدية، مثل آبار النفط الصخري، فتعتمد على تفجير الصخور تحت الأرض بخليط من الماء بضغط عالٍ ورمل مخصص لهذا ومواد كيمائية، للسماح للنفط بالتدفق في الأنابيب إلى السطح، وهو ما يعرف باسم «التكسير الهيدروليكي». وعند إقفال هذه الآبار، وإعادة تشغيلها، فهذا يعني إنفاقاً رأسمالياً جديداً، وكأنه يتم حفرها لأول مرة.
بالأمس، قال رئيس شركة «إيه أو جي» للنفط الصخري إن عودة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد الظروف الحالية إلى ما كان عليه قبل «كورونا»، قد يأخذ سنوات، والسبب في ذلك هو خروج الكثير من المنتجين، وعدم وجود مستثمرين ومصارف قادرة على تمويلهم حالياً.
وإذا كان حال شركات النفط الصخري في حوض «بيرميان» في تكساس سيئاً، فالوضع في ولاية داكوتا الشمالية، التي قادت ثورة النفط الصخري الأميركية، أسوأ مع قيادة حوض «باكن» تراجع هذه الصناعة في الوقت الحالي. مع انخفاض الإنتاج النفطي في داكوتا الشمالية، بأكثر من الثلث، خلال العام الحالي وحده، وهو انخفاض تجاوز ما سجلته العديد من الدول الأعضاء في «أوبك»، من تراجع في إنتاجها من الخام.
نتيجة لذلك، من المتوقع انخفاض الإنتاج الأميركي من النفط بما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً من أعلى مستوى سجلته قبل عدة أشهر عند 13 مليون برميل يومياً.
وإذا ما تغلبت شركات النفط الصخري على مشاكلها الفنية، يبقى عامل السعر مهماً. وحسب تقرير لـ«الراجحي كايبتال»، صدر الأسبوع الماضي، فإن هذه الشركات تحتاج إلى 46 دولاراً للبرميل حتى تستمر في الإنتاج. وقليل من هذه الشركات مثل «بايونير» تستطيع مواصلة الإنتاج عند 30 دولاراً، إلا أن الباقين مصممون على إعادته إذا ما وصل سعر غرب تكساس إلى 25 دولاراً. ولهذا فإن أي تحسن في الأسعار،
وائل مهدي.
ازدياد سطوة الشركات التقنية
مَن يَرَ كثيراً من الشركات التقنية اليوم لا يصدق كيف كانت حالها قبيل أزمة 2007 المالية، فباستثناء «مايكروسوفت» التي كانت معروفة، كانت معظم الشركات التقنية اليوم أقرب للنكرات مقارنة بما هي عليه اليوم، فشركة «فيسبوك» لم يتعدَّ عمرها 4 سنوات حينذاك، وشركة «أبل» كانت لا تزال تعتمد على مبيعات الحاسبات قبل انطلاق مبيعات «آيفون». أما «أمازون» فلم تتعدَّ قيمتها عُشر قيمتها اليوم، بينما كانت قيمة «غوغل» لا تزيد على ثلث قيمتها الآن. ولكن الوضع تغير كثيراً خلال هذه المدة، فتسابقت هذه الشركات نحو التقييم التريليوني، وأصبحت هذه الشركات دون أي مبالغة تتحكم في مفاصل الحياة.
ومنذ 2009 وحتى الآن، تسببت هذه الشركات الخمس في رفع مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» (وهو مؤشر لأكبر 500 شركة أميركية) أكثر من 400 في المائة، كيف لا؛ ومجموع قيمة هذه الشركات يتعدى 5.2 ترليون دولار؟ تأتي «مايكروسوفت» في قمة هذه الشركات التريليونية بقيمة تزيد على 1.3 تريليون دولار، تليها «أبل» بما يربو على 1.2 تريليون، و«أمازون» بـ1.14 تريليون. وتشكل هذه الشركات الخمس ما وزنه 20 في المائة من مؤشر «ستاندارد آند بورز 500».
وليس ذلك ببيت القصيد، فرغم أن الشركات الأميركية – كما هي الحال في العالم بأكمله – تعاني الآن من انهيارات بسبب فيروس «كورونا»، فإن هذه الشركات الخمس وعلى العكس من ذلك كله، ما زالت تنمو وبشكل متسارع كما أوضحت نتائجها الربعية. فزادت أسعار أسهم «أمازون» بنسبة 30 في المائة، مستندة على متاجرها الإلكترونية، وزيادة الطلب على خدماتها السحابية التي زادت إيراداتها على 10 مليارات دولار لأول مرة في تاريخ الشركة، يذكر هنا أن نسبة كبيرة من أرباح «أمازون» تعود لخدماتها السحابية وذلك لارتفاع هامش الربح فيها. كما نمت إيرادات «فيسبوك» بنسبة 18 في المائة، واستفادت «مايكروسوفت» من خدماتها في الاتصال المرئي لتزيد أسهمها 10 في المائة ووصلت أرباحها إلى نحو 11 مليار دولار. وزادت أرباح «غوغل» 13 في المائة في هذا الربع مقارنة بالربع نفسه عام 2019 مستندة على إعلانات «يوتيوب» التي ارتفعت بنسبة 33 في المائة. هذه الأرقام دلالة على أن الأزمة لم تزد الشركات الخمس إلا قوة، بينما أضعفت مثيلاتها من كبريات الشركات.
ولم تكن الشركات التقنية بحاجة إلى أزمة «كورونا» لتزيد من سطوتها؛ سواء على المستوى المادي وعلى مستوى السيطرة في نطاقاتها، إلا إن أزمة «كورونا» زادتها هيمنة، وأضعفت في المقابل كثيراً من الشركات الضخمة التي قد تكون في هذه الأزمة نهاية لها. ومن يتأمل في أرقام هذه الشركات المهددة بالخسارة الفادحة يدرك لماذا يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة فتح اقتصاد بلاده في أسرع وقت ممكن، فشركة «فورد» صرحت بأن خسارتها للربع الأول وحده قد تزيد على 5 مليارات دولار. أما «بوينغ» فقد أعلنت أنها تخسر 4.7 مليار دولار كل 3 أشهر في هذه الأزمة. وشركات الطيران الأميركية بدأت فعلياً بإعلان إفلاسها، وأسهمها مستمرة في الانهيار، لا سيما بعد أن أعلن وارن بافيت عن بيع شركته جميع استثماراتها في أسهم شركات الطيران، وأنها ستستمر في المعاناة 3 أو 3 سنوات مقبلة. والأمثلة على هذه الخسائر لا تحصى سواء في الاقتصاد الأميركي وغيره.
هذه المشاهد الاقتصادية دلالة على أن شركات التقنية قد تبدأ في التوسع خارج نطاق استثماراتها بسبب تعدد الفرص الموجودة في السوق الآن. فكثير من الشركات العالمية الآن على حافة الإفلاس، والشركات الصامدة قليلة جداً، بينما تشهد شركات التقنية نمواً وربحاً وفيراً. وقد يقول قائل إن الشركات التقنية أذكى من أن توسع محافظها الاستثمارية بالخروج عن نطاق نشاطاتها التقنية، إلا إن هذا القول يمكن رده بشراء «أمازون» شركات غذائية قبل سنتين… أي إننا قد نرى في الفترة المقبلة كثيراً من عمليات الاستحواذ من شركات تقنية، على شركات من قطاعات أخرى، كالطيران مثلاً!
د. عبدالله الردادي.
موافقة نهائية على أول أجزاء “خطة الإنقاذ” في منطقة اليورو
استثمارات ما بعد «كورونا»
بعد تجاوز عديد من الدول مرحلة الذروة بإصابات فيروس كورونا، بما في ذلك دول أوروبا بمجملها، وإعلان بعض الدول إعادة النشاط الاقتصادي، ولو بشكل جزئي. بدأ التفكير في استثمار التغييرات الممكنة بعد «كورونا»، وبعض هذه التغييرات جلي مثل التغير في منهجيات وتشريعات البحث العلمي في كثير من الدول، وما يصاحبها من تغيير في الاستثمارات، ومثل سياسات الاكتفاء الذاتي في الكثير من الصناعات والقطاعات الاستراتيجية كالأغذية والأدوية والمستلزمات الأساسية، وما يصاحبها من أنشطة اقتصادية. كذلك سيشمل الكثير من القطاعات التي لم تخف أهميتها قبل الأزمة، ولكن التغييرات التي قد تطرأ عليها قد تكون جذرية، مثل القطاعات اللوجستية والمالية والأجهزة الطبية الوقائية والتجارة الإلكترونية وقطاع التجزئة. وأهمية معرفة هذه القطاعات تكمن في التوجه الاستثماري المحتمل لها حال انتهاء الأزمة، وعدم ارتباط استمراريتها بالأزمة.
فالقطاع اللوجستي سوف يواجه الكثير من التحديات في مرحلة ما بعد «كورونا»، وأول هذه التحديات هو تعقيم البضائع الذي قد يستمر لفترة طويلة بعد «كورونا»، فلا وجود لتقنيات تجارية حالية بإمكانها تعقيم البضائع. وإن وجدت هذه التقنية، فيجب أن تعقم البضائع دون إفسادها، وفي ذلك تحدٍ كبير كون السلع المشحونة تختلف من الأغذية المعلبة إلى الورقيات التي قد تفسد من السوائل المستخدمة في التعقيم، وغيرها من البضائع. وهذا يعني أن صناعة جديدة سوف تظهر، صناعة لم تكن موجودة قبل «كورونا». أما على المستويات المحلية، فكل دول العالم الآن أدركت أهمية تنمية القطاع اللوجستي داخلها، وهو ما يعني أن الخدمات اللوجستية المحلية بكل الأطراف الداعمة لها سوف تشهد ثورة في الدول ذات البنية التحتية الضعيفة، يقابل هذه الثورة عدم يقين بمستقبل قطاع التجزئة لم يسبق له تاريخياً أن واجه شللاً، كما يواجه الآن. وحجم قطاع التجزئة يزيد على 25 ترليون دولار عالمياً، وهو قطاع مملوك من شركات كبرى قد لا تسمح أن تواجه موقفاً مشابهاً في المستقبل، ولذلك فمن المتوقع أن يشهد هذا القطاع تغيراً يمكنه من الحفاظ على مكانته. وبالتأكيد فإن التجارة الإلكترونية هي إحدى أكبر الرابحين في هذه الأزمة، ولعل أوضح مثال على ذلك ارتفاع أسهم شركة «أمازون»، بما يزيد على 30 في المائة.
أما بالنسبة للقطاع المالي، فإن لم يكن تفكير الحكومات جاداً في العملات الإلكترونية قبل «كورونا»، فقد يكون كذلك بعد هذه الأزمة، والملاحظ أن الكثير من الدول قللت من التعامل بالعملات الورقية، واستبدلتها بالتعاملات الإلكترونية والمدفوعات عن طريق البطاقات الائتمانية، وذلك لمنع انتشار الفيروس عن طريق تداول العملات النقدية. والعملات الإلكترونية – إن فعلا بالآلية المناسبة – ستكون أقل تكلفة على الحكومات من العملات المحسوسة. وفي الوقت الحالي، لا توجد حكومة مستعدة لإطلاق عملة إلكترونية حكومية باستثناء الصين التي بدأت هذا المشروع منذ 5 سنوات تقريباً، وفيما عداها عملات تابعة لشركات، كان آخرها عملة «فيسبوك» التي قد لا ترى النور بسبب المشكلات التي واجهتها مؤخراً.
إن التركيز في الوقت الحالي ينصب على التقنيات التي تساعد في تجاوز الأزمة، ولكن التقنيات التي ستطور لضمان عدم حدوث الكارثة مرة أخرى قد تفوقها، كمّاً وانتشاراً، خصوصاً مع ارتفاع القيمة الاقتصادية لهذه التقنيات، كون الحكومات ستتسابق لشراء هذه المنتجات بهدف الوقاية من انتشار الفيروس. وإن كان الأطباء وعلماء العلوم الحياتية الآن يسعون للبحث عن لقاح للفيروس، فهناك جانب آخر من البحث العلمي يعمل على إيجاد الفرص الاستثمارية والتقنيات الواعدة لمرحلة ما بعد الفيروس. فالسوق متغيرة لا محالة، وصناعات عدة سوف تظهر لم تكن موجودة من قبل، وأخرى كانت مهددة بالانهيار، وزادتها الأزمة ضعفاً مثل قطاع التجزئة. والمؤكد أن عديداً من الشركات سوف تصبح من كبريات الشركات بعد انتهاء الأزمة، سواء لحسن التخطيط واستثمار الفرص، أو لمجرد الحظ والتوفيق، كما هو الحال لبرنامج «زووم»، الذي زاد مشتركوه بنسبة 700 في المائة في أقل من شهرين. والشركات، وإن لم تمارس نشاطها التجاري، في هذه الأوقات الصعبة، يجب ألا يقف نشاطها التخطيطي وعصفها الذهني للبحث عن فرص الاستثمار لما بعد هذه المرحلة.
د. عبدالله الردادي.
عودة بطيئة للنمو الاقتصادي
من المحتمل، مع اقتراب شهر مايو (أيار)، أن نشهد عودة بطيئة للنمو الاقتصادي في بعض أنواع الأنشطة الاقتصادية التي مُحيت آثارها تماما بسبب إغلاقات فيروس «كورونا» في مارس (آذار) الماضي وأبريل (نيسان) الجاري. وهذا من قبيل الأنباء السارة. أما الأنباء السيئة، وكما شهدنا في قطاع النفط خلال الأسبوع الجاري، لا يزال جانب كبير من الاقتصاد يعاني من فائض كبير في العرض، لقاء مستويات الطلب المحتملة في المستقبل المنظور. ومن المرجح لمجريات الشد والجذب، والتداعيات المتعاقبة المحتملة، أن تحدد المسار القادم للاقتصاد خلال الشهور القليلة المقبلة.
ومن السهل التيقن إلى درجة ما أن بعض أوجه النشاط الاقتصادي قد وصلت بالفعل إلى القاع. وبعد كل شيء، لا يمكن للنشاط الاقتصادي أن يجاوز ما دون الحد الصفري على الإطلاق. وتشير بيانات مؤسسة «أوبن تيبل» البحثية إلى أن حجوزات المطاعم عبر الإنترنت قد انخفضت بنسبة 100 في المائة بسبب قرارات الإغلاق الإلزامية لمختلف المطاعم والمقاهي. ومن شأن ذلك أن يمثل «مُنْخَفَضاً» لأجزاء معتبرة من حياتنا اليومية الأكثر تأثرا – وربما تضررا – من قرارات الإغلاق. وربما لمتاجر البقالة ومنافذ الوجبات السريعة – على سبيل المثال، أن تشهد ارتفاعا طفيفا في حركة الطلب والمرور مع تطبيق التغييرات ذات الصلة بالسلامة التي تبعث على ارتياح العملاء مع ارتداء الأقنعة الواقية والالتزام بإرشادات التباعد الاجتماعي المعروفة.
وحتى قبل رفع القرارات الإلزامية بالبقاء في المنازل، فهناك علامات مؤقتة على التحسن البطيء للغاية في بعض المجالات الاقتصادية. فلقد ازداد الطلب على وقود السيارات للمرة الأولى في الأسبوع الماضي منذ بدء تنفيذ قرارات الإغلاق، مع تطلع الناس الشديد للخروج من المنازل ولو قليلا، حتى مع استمرار الشركات والأعمال غير الضرورية قيد الإغلاق الإلزامي. وتعكس البيانات اليومية الصادرة عن إدارة أمن النقل ارتفاعا طفيفا في عدد المسافرين بالطائرات الذين يمرون عبر بوابات التفتيش الأمنية.
ولقد شهد إجمالي الإنفاق في المطاعم انخفاضا بصورة أقل على أساس سنوي خلال الأسابيع القليلة الماضية، ربما مع شعور العملاء بارتياح أكبر مع خيارات طلبات الطعام الجاهزة، والتوصيل إلى المنازل. وأظهر مسح لبناء المنازل لدى مؤسسة «جون بيرنز للاستشارات العقارية» أسبوعين متتاليين من تحسن معنويات العملاء. كما أظهرت بيانات الأسبوع الجاري لدى «رابطة مصرفيي الرهن العقاري» أول زيادة متتالية في طلبات شراء الرهن العقاري منذ بدء قرارات الإغلاق. ومع التباطؤ الذي شهده النشاط الاقتصادي حتى قبل تطبيق الولايات لقرارات الإغلاق، فليس من المستغرب أن يتعافى النشاط الاقتصادي بصورة طفيفة قبل وقف العمل بهذه القرارات.
ومع التخفيف التدريجي لقرارات لزوم المنازل خلال الشهر المقبل، من المنتظر أن تشهد العديد من أنواع الأعمال التجارية القليل من التحسن. وسوف يقضي الناس المزيد من الوقت في قيادة السيارات واستهلاك الوقود في مايو مقارنة بما جرى في أبريل. ومن شأن السفر الجوي أن يرتفع الشيء القليل أيضا. مع توقعات باستهلاك المزيد من وجبات المطاعم، إما داخل المطاعم نفسها أو عبر خدمات التوصيل إلى المنازل. ومن المتوقع إعادة افتتاح أماكن في لاس فيغاس من منتصف حتى أواخر مايو، مما يعني ارتفاع معدلات الإشغال الفندقي هناك أكثر من شهر أبريل.
وهناك رياح معاكسة قادمة من محيط التحفيز المالي، مع عشرات الملايين من المواطنين الأميركيين الذين يحصلون على شيكات الإغاثة المالية خلال الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من استمرار معالجة الأعمال المتراكمة المتأخرة، فإن الملايين من العمال المسرحين من وظائفهم، وغيرهم من العمالة بالأجرة، صاروا يحصلون على منافع البطالة المحسنة التي ترجع إلى تواريخ توقفهم عن ممارسة أعمالهم. كما تحصل الشركات المختلفة أيضا على مئات المليارات من الدولارات عبر برنامج حماية الرواتب.
وهذا أيضا من قبيل الأنباء السارة. ولكن هناك أيضا أنباء سيئة، فعلى النحو المشاهد بصورة بارزة في أسواق النفط العالمية خلال الأسبوع الجاري، فإن العديد من المجالات الاقتصادية لديها قدرات زائدة بشكل مذهل، حتى مع ارتفاع الطلب خلال الشهور القليلة المقبلة. ومن شأن إغلاق السعة المفرطة مع تعديل هياكل التكاليف لقاعدة الإيرادات المنخفضة أنه سوف يرجع بآثار سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي الإجمالي.
ومن السهل تصور مقدار الانكماش الكبير في النشاط والاستثمار في إنتاج النفط والغاز الأميركي. فمن واقع بيانات الربع الأخير من عام 2014 وحتى الربع الثاني من عام 2016، انخفضت الاستثمارات الثابتة في عمليات الاستكشاف، وحفر الآبار والأعمدة بنسبة 65 في المائة، الأمر الذي أدى إلى الكثير من الأوجاع الاقتصادية المركزة في ولايات مثل تكساس ونورث داكوتا… ويمكن أن نشهد مثل هذه الأوجاع لعدة أرباع فصلية أخرى أو أكثر مما يماثل ذلك.
وفي الأثناء ذاتها، وعلى صعيد الطيران، فمن المرجح لشركات الطيران أن تعمل على تقليص طاقتها خلال شهور الصيف. وإن لم يشهد هذا القطاع المهم انتعاشا سريعا في الطلب على السفر الجوي بأكثر مما هو متوقع، فسوف تحتاج الشركات في خاتمة المطاف إلى الإقلال من عدد الموظفين أو زيادة رؤوس الأموال.
وتعتبر الآفاق مريعة كذلك بالنسبة لحكومات الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة، والتي تعاني من انخفاض كبير في إيرادات الضرائب، مما يتعين عليها اتخاذ خيارات عسيرة فيما يتعلق بالميزانيات المالية لعام 2021، وباستثناء تمرير تشريع جديد للمساعدة المالية من قبل الكونغرس، فمن شأن ذلك التأثير بشدة على النمو الاقتصادي في الربعين الثاني والثالث من العام على أقل تقدير.
لكن على الأقل بعد مرور شهر من الأنباء التي كانت سلبية بصورة مستمرة، فمن شأن الصورة الاقتصادية العامة في شهر مايو المقبلة أن تكون مختلطة. بعض المناطق والصناعات سوف تفيق من الغيبوبة في حين تعاني مناطق وصناعات أخرى من صدمات جديدة بسبب انقطاع القدرات. ولن تكون إعادة فتح النشاط الاقتصادي وحدها كافية لإعفاء صناع السياسات من مسؤولياتهم في الاضطلاع بالمزيد من المهام، لا سيما فيما يتصل بميزانيات البلدات والمحليات المتضررة للغاية. وتحديد مقدار المطلوب يتوقف على مدى تقدم وباء «كورونا» وشكل الانتعاش الاقتصادي المنتظر. ربما يكون أسوأ مراحل العاصفة قد انقضى ولا تزال أمامنا العملية الشاقة لإعادة البناء.
كونور سين
الإغلاق العالمي الكبير وتجاوز التحديات
وضع «كورونا» العالم على مشارف أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، والكساد الكبير (1929 – 1939). فالإغلاق العالمي الكبير الذي شهدته الكرة الأرضية من حجْر منزلي، وحظر تنقل، وتباعد اجتماعي، أدَّى لتوقف قطاعات وأنشطة اقتصادية عديدة، مثل الطيران والفنادق والمطاعم والمتاجر وكثير من الصناعات، واختلالات بأسواق الأسهم والطاقة والتجارة الدولية. وتسبب في تداعيات اقتصادية سلبية على الاستهلاك والادخار والاستثمار وتشغيل اليد العاملة؛ بل إنَّه أصبح ينذر بدخول الاقتصاد العالمي مرحلة ركود سيستغرق سنوات ليتعافى منه، كما أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد أشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في 9 أبريل (نيسان)، بتوقع تسجيل معدلات نمو سلبية لدخل الفرد في أكثر من 170 دولة خلال عام 2020، وأنَّ نصف دول العالم طلبت من الصندوق خطة للإنقاذ.
وأورد تقرير الصندوق لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر في 14 أبريل، توقعاته بأن يشهد الاقتصاد العالمي انكماشاً حاداً بواقع 3 في المائة خلال العام الحالي. وقدر انخفاضات إجمالي الناتج المحلي بالاقتصادات المتقدمة بنسبة 6.1 في المائة (أعلاها في منطقة اليورو بنسبة 7.5 في المائة)، وبمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة 2.8 في المائة، وأميركا اللاتينية بنسبة 5.2 في المائة. وتوقعت منظمة التجارة العالمية ببيانها الصحافي في 8 أبريل انخفاض التجارة الدولية بنسب بين 13 في المائة – 32 في المائة هذا العام. كما أظهر البيان الصحافي الصادر عن منظمة العمل الدولية بتاريخ 7 أبريل، أن الجائحة سوف تؤدي إلى إلغاء 6.7 في المائة من إجمالي ساعات العمل بالعالم بالنصف الثاني من هذا العام، أي ما يقارب 195 مليون وظيفة بدوام كامل، وأنَّ ما يقارب 81 في المائة من القوى العاملة العالمية التي يبلغ عددها 3.3 مليار شخص، تأثرت بسبب الإغلاق العالمي الكبير. ومن الجدير بالتنويه هنا أنَّ عدد الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم خلال الأسابيع الأربعة الماضية بلغ أكثر من 22 مليون فرد، وهذا العدد يقارب مجموع العاطلين الأميركيين في ذروة الكساد الكبير عام 1932 الذي بلغ 30 مليون شخص.
وأظهرت تداعيات هذه الأزمة الدولية غير المسبوقة، أنه لا يمكن لدولة أياً كانت أن تقدر على مواجهتها بمفردها، مما يحتم حشد التعاون الدولي. وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في مستهل أعمال قمة مجموعة العشرين الاستثنائية التي عقدت افتراضياً برئاسة المملكة العربية السعودية في 26 مارس (آذار) الماضي؛ حيث قال: «إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية، وإن العالم يعوّل علينا للتكاتف والعمل معاً لمواجهتها، ويجب أن نأخذ على عاتقنا جميعاً مسؤولية تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث والتطوير، سعياً للتوصل إلى لقاح لفيروس (كورونا)، وضمان توفر الإمدادات والمعدات الطبية». وأكد بيان القمة هذا الأمر، فتضمن: «إن جائحة (كورونا) غير المسبوقة تعد رسالة تذكير قوية بمدى الترابط بين دولنا ومواطن الضعف لدينا، فهذا الفيروس لا يعترف بأي حدود. وتتطلب عملية التعامل معه استجابة دولية قوية منسقة واسعة المدى، مبنية على الدلائل العلمية ومبدأ التضامن الدولي».
واستجابة لذلك، بادرت المملكة بالإعلان عن مساهمتها بمبلغ 500 مليون دولار لمساندة الجهود الدولية الرامية للتصدي لجائحة فيروس «كورونا» المستجد. وسوف يسهم هذا التبرع للمنظمات الدولية المختصة في تعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة، وتطوير أدوات تشخيصية وعلاجات ولقاحات جديدة وتوزيعها، وتلبية الاحتياجات غير الملباة فيما يتعلق بالرصد والتنسيق الدولي، وضمان توفر ما يكفي من إمدادات المعدات الوقائية للعاملين في القطاع الصحي. وانطلقت المملكة في تقديم هذا التبرع غير المشروط من إدراكها لدورها الإنساني. ولم تنغلق على نفسها كبعض الدول التي تتشدق جزافاً بحقوق الإنسان، وتربط دعمها للمنظمات الدولية بفرض إملاءاتها وشروطها عليها.
والمجتمع الدولي اليوم بأمسّ الحاجة لقيادات سياسية واعية حكيمة ذات مبادئ راسخة، تعي أهمية هذه المرحلة، ولا تهدر جهودها في تبادل الاتهامات والتنصل من تعهداتها، وتعي تجارب التاريخ. فقد ساهم انشغال الدول بمعالجة أزماتها الاقتصادية فرادى إبان فترة الكساد الكبير، إلى عدم التنبه لخطورة ما كان يجري على الصعيد العالمي من فورة العنصرية والشعبوية وانتهاك للمعاهدات الدولية، مما أشعل فتيل الحرب العالمية الثانية.
ولا يعني القول أعلاه أن تركنَ الدول فقط للتعاون الدولي، وتغفلَ عن الاهتمام بمسؤولياتها الوطنية؛ بل يتوجب عليها بلورة وتنفيذ السياسات والبرامج المحلية لاحتواء الوباء، وانتشال اقتصاداتها للتعافي من تبعاته. وأبرز توصيات المنظمات المتخصصة وخبراء الاقتصاد في هذا الشأن، ما يلي:
أولاً: السعي لتعزيز قدراتها الوطنية بتشخيص وعلاج الوباء، والرفع من كفاءة أنظمتها الصحية، وتوفير الغذاء وتوزيعه، وتبني إجراءات مشددة لضبط الأسعار، ودعم تجهيزاتها وخدماتها الأساسية، من كهرباء وماء واتصالات وأمن وخدمات بلدية. كما من المهم عليها توفير الدعم للأسر المحتاجة والأفراد الذين يفقدون دخولهم نتيجة للإجراءات الاحترازية المطبقة. فقد كان أول تشريع اقتصادي يصدره الكونغرس الأميركي في عهد الرئيس روزفلت لمواجهة أزمة الكساد الكبير، يتضمن إيصال المساعدة للشباب العاطلين عن العمل، من خلال انخراطهم في مخيمات للمشاركة في الأنشطة والمشروعات الاجتماعية، مقابل 30 دولاراً للشهر الواحد.
ثانياً: البدء في بلورة وتنفيذ الخطط والبرامج الكفيلة بالأخذ بيد الاقتصاد الوطني، للانتعاش والتعافي سريعاً والنماء.
ويتطلب ذلك تشكيل فريق من المتخصصين الوطنيين المتمرسين بالخبرات الثرية، في مجالات المالية والاقتصاد وإدارة الأعمال، وبرئاسة السلطة العليا بالدولة، لتولي الإشراف على تخطيط وإدارة القضايا الآتية:
1- ترتيب أولويات الإنفاق العام، وضمان الحوكمة والشفافية فيما يتم إنفاقه خلال هذه المرحلة.
2- مراجعة سياسات البنوك المركزية، ومتابعة أداء الصناديق السيادية لضمان جدوى استثماراتها، وتوجيه حجم أكبر من نشاطها نحو الاقتصاد الوطني.
3- دعم الصناعة الوطنية المتصلة بمجالات الغذاء والدواء والمستلزمات والخدمات الصحية، ورفع كفاءة الخزن الاستراتيجي.
4- احتواء المخاطر المالية جراء الزيادة المحتملة في الديْن العام، والسعي لضمان سلامة القطاع المالي الوطني من الاضطرابات.
5- العمل على دعم الطلب بالاقتصاد المحلي، وتحفيز التشغيل بالقطاع الخاص ومعالجة الخلل في ميزانياته.
6- تمديد آجال القروض على مؤسسات القطاع الخاص، وشراء أسهم الشركات الفاعلة ذات القدرة على الاستمرار والمنافسة.
7- دعم الأجور بمؤسسات القطاع الخاص، ووضع قيود على المكافآت وتوزيعات الأرباح لأعضاء مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين.
ختاماً: أصعب تحدٍّ سوف يواجه الدول في المرحلة القادمة، يتمثل في إعادة الثقة للمستهلك والمستثمر. وهذا الأمر يتأثر بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية وإدارية عديدة، ولا بد من التنبه لها جميعاً، والتعامل معها بحذر شديد، لضمان تحقيق الهدف المنشود.
د. يوسف السعدون
أزمتان لا لزوم لهما في عصر «كورونا»
حتى لا يكون من دواء الأزمة العالمية الراهنة ما يستمر في مرارته، بعد زوالها المأمول، وحتى نحسن مواجهة وباء فيروس «كورونا» وأزمة الركود الاقتصادي العالمي والتعافي منهما، يلزم تجنب ممنوعات محددة. أولاً يجب عدم افتعال أزمات جديدة لا مبرر لها، وأخطرها الآن ما يرتبط بالأمن الغذائي؛ وثانياً ينبغي عدم إهمال أسس الإدارة الحصيفة للدين العام في مرحلة الركود.
أولاً، تحديات الأمن الغذائي: على عكس ما كانت عليه أوضاع إنتاج الغذاء في عامي 2007 و2010، لا توجد هناك أي مشكلة تُذكر في جانب المنتجات الزراعية يمكن أن تسبب أزمة في أسعار الغذاء أو وفرته في الأسواق اليوم، إلا إذا تم افتعالها عمداً أو بسوء في الإدارة. ففي أزمتي الغذاء السابقتين كانت هناك مشكلات في الطقس وتراجع في مخزون السلع الزراعية وارتفاع لتكاليف النقل والوقود سببت مجتمعة اشتعالاً في أسعار الغذاء. أما اليوم فهناك وفرة في الإنتاج الزراعي وانخفاض شديد في أسعار النفط، ولكن الأمر يحتاج إلى تدابير عاجلة تُحد من التأثير السلبي لاضطراب خطوط الإمداد والمساندة اللوجيستية. إذ يسبب إغلاق الحدود نقصاناً للأسمدة ومدخلات الإنتاج الزراعي والأعلاف والأدوية البيطرية اللازمة للإنتاج الحيواني، على النحو الذي أشارت إليه مؤخراً منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
في هذه الأثناء يزيد الطلب على شراء السلع الغذائية لاحتياجات الاستهلاك المنزلي ومتطلبات التخزين تحوطاً للاحتياجات المستقبلية، خاصة مع عدم وضوح الرؤية بعد بشأن مدد الحظر الكلي أو الجزئي واستمرارها حول العالم.
لما كانت أكثر الدول النامية، والدول العربية خصوصاً، شديدة الاعتماد على الاستيراد لاحتياجاتها الغذائية الرئيسية، ينبغي التأكيد على خمسة أمور مانعة من حدوث أزمة أخرى نحن في غنى عنها باتباع ما يأتي:
1) هناك حاجة للتأكيد على وفرة المنتجات الزراعية والغذائية عالمياً وإتاحة المعلومات لعموم الناس بشأنها كمية وسعراً وتحديثها أولاً بأول.
2) المطالبة بالامتناع الفوري عن تقييد حركة التجارة الخارجية والداخلية للمنتجات الغذائية الرئيسية مثل القمح والذرة والأرز والبقول. ففي أزمات الغذاء السابقة تسبب حجب التصدير للفائض المنتج من هذه السلع الأساسية وغيرها في ارتفاع أسعارها بين 30 و50 في المائة. هذا علماً بأن إجراء بالحظر من دولة ما ستتبعه ردود أفعال من دول أخرى، بما يقيد المعروض ويشعل الأسعار، ويهدد الأمن الغذائي في أوقات لا تحتمل توتراً إضافياً، كما أن الحظر يمنع المزارعين والدولة من إيرادات هم أولى بها.
3) مع الأهمية البالغة للالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، اتباعاً لإرشادات منظمة الصحة العالمية، فهناك ضرورة لتفعيل إجراءات انسياب قنوات تجارة السلع الغذائية، جنباً إلى جنب مع الدواء والمستلزمات الطبية، مع وضع منظوماتها في إطار يحافظ على الصحة العامة ويمنع انتشار العدوى.
4) أهمية تأمين احتياجات الغذاء للأسر الفقيرة والمضارة من أزمة فيروس كورونا وتداعياتها، من خلال نظم الضمان الاجتماعي والتحويلات النقدية المباشرة للأفراد، بما في ذلك نظام الدخل الثابت الشامل للكافة للوفاء بالاحتياجات الأساسية وتوفير البدائل لنظم التغذية المدرسية للأطفال تزامناً مع إغلاق المدارس بسبب الحظر. وهنا يبرز دور آليات المشاركات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني خاصة على المستوى المحلي.
5) توفير التمويل اللازم لتأمين احتياجات الغذاء على مستوى الدولة من الواردات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي. وهذا يتطلب إدارة محكمة للسياسات المالية وأولويات الإنفاق وانضباطا للدين العام وموارد النقد الأجنبي، وهذا يقودنا لضرورة منع الأزمة الثانية.
ثانياً، إدارة الديون في مرحلة الركود: الحديث عن احتمالات الركود الاقتصادي، بتراجع شديد ومستمر في معدلات النمو، سبق أزمة كورونا بفترة خاصة مع تداعيات الحروب التجارية. ولكن حديث الاحتمالات أزيح جانبا بعد إعلان صندوق النقد الدولي، في شهر مارس (آذار) الماضي، عن أن العالم قد دخل بالفعل مرحلة ركود لن تقل عما رأيناه في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وقد تبارت مؤخراً المؤسسات الاقتصادية الدولية ومراكز الأبحاث أيها يخفض معدل النمو الاقتصادي بنسب أكبر.
وقدّر معهد التمويل الدولي أن يكون معدل النمو الاقتصادي العالمي سالباً بمقدار 1.5 في المائة نزولاً من نمو متواضع يقترب من 2.6 في المائة. كما خفض المعهد تقديراته لنمو الاقتصاد الأميركي إلى سالب 2.8 في المائة ولمنطقة اليورو الأوروبية إلى سالب 4.7 في المائة ولليابان إلى سالب 2.6 في المائة. أما الدول ذات الأسواق الناشئة فتقديرات متوسطات نموها تحوم حول 1 في المائة. وتصل تقديرات نمو الاقتصاد الصيني، وفقاً لمعهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة، لمدى يتراوح بين 1 في المائة و3.3 في المائة. أما سائر الدول النامية فخفضت متوسطات نموها بمقدار النصف للكثير منها مقارنة بتقديراتها قبل الأزمة العالمية الكبرى. وفي هذه الأثناء تتزايد احتياجات للإنفاق لمواجهة تبعات فيروس كورونا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، كما تتراجع بحدة إيرادات قطاع الأعمال الإنتاجي السلعي والخدمي، باستثناءات القطاعات المستمرة في النشاط بحكم الحاجة إليها.
ونواجه هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في أعقاب تصاعد موجة جديدة من الديون تناولتها في مقال سابق عن «موجات الديون وأزماتها». ووفقاً لأرقام الاستدامة المالية للديون، المحدثة من قبل معهد التمويل الدولي في يناير (كانون الثاني) الماضي، بلغت نسبة الديون لإجمالي الناتج المحلي العالمي 322 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، إذ تجاوزت 350 تريليون دولار.
وقد شهدت حمى الاقتراض زيادة ديون القطاعات الحكومية والخاصة والعائلية مجتمعة مدفوعة بانخفاض أسعار الفائدة، ودون تحسب في أحوال متعددة لمخاطر تقلبات سعر الصرف والشح المفاجئ في إيرادات النقد الأجنبي. مع ملاحظة أنه في حالة التعثر الدولي تصير مشكلات قطاع الأعمال عبئاً سيادياً أيضاً على النحو الذي حدث في الأزمات المالية السابقة، باختلاف مع الضمانات الممنوحة.
وهذه الأزمة التي تلوح في الأفق، مع إشارات صادرة مؤخراً، من دول نامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، باحتمالات عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها، تستوجب تعاوناً دولياً لاحتوائها على وجه السرعة قبل تفاقمها. ولا يكفي في هذا الشأن مجرد الدعوة للنظر في إرجاء تحصيل فوائد هذا العام المستحقة لدول منخفضة الدخل، فالمشكلة تطول دولا نامية متوسطة الدخل وذات أسواق ناشئة أيضا. كما أن الدائنين ليسوا من جهات حكومية فقط أو من أعضاء نادي باريس، بما يستلزم إدراج القطاع الخاص وكذلك القروض الحكومية من خارج نادي باريس في عمليات إرجاء الدفع والجدولة وإعادة هيكلة القروض.
هذه أيام حرجة تواجه فيها الإنسانية، بين هلع وارتباك، خطراً واحداً يهدد الحياة في المقام الأول. وهاتان أزمتان في طور التكوين ليس من الصعب التصدي لهما بحسم من خلال تعاون دولي فعال يغلب مصلحة عموم الناس.
د. محمود محي الدين
النفط: ماذا بعد «- 37.63» دولار؟
لكل أولئك الذين لم يتمكنوا من مشاهدة مذنب هالي في آخر ظهور له عام 1986، وبالتالي لن يروه ثانية إلا في عام 2061، فقد كانت الحياة كريمة معهم ليروا حدثاً آخر لا يحدث سوى مرة في حياة الإنسان، وهو هبوط النفط في بورصة نيويورك إلى 37.63 دولار تحت الصفر.
لقد كان الهبوط التاريخي يوم «الاثنين الأسود» 20 أبريل (نيسان) 2020 حدثاً لن ننساه كلنا، إذ عشنا لنرى في زمن الـ«كورونا» تجار النفط في السوق الورقية للعقود الآجلة يدفعون 37.63 دولار للمشترين حتى يأخذوا عقود النفط، لأن هذه العقود التي تتداول منذ فترة، انتهت يوم أمس الثلاثاء ويجب عليهم تسليمها في مايو (أيار) للمشترين، ولكن لا يوجد طلب لها ولا توجد أماكن لتخزين هذا النفط؛ لأن صهاريج التخزين في كاشينغ في أوكلاهوما – حيث يتم تجميع خام غرب تكساس- ستمتلئ في مايو، والأسوأ من ذلك لا توجد أنابيب نفط لنقله لأنها ممتلئة بنفط لا يوجد مشتر له.
ولأن تكلفة تخزين النفط أصبحت أعلى من سعره بالأمس، اضطر الجميع للبيع، فما كان من الجميع إلا أن أصبح مستعداً لدفع أي مبلغ للتخلص من النفط.
وفي سيناريو أقرب للخيال، مر شريط أسعار النفط من أمام أعيننا بطريقة فيلم سينمائي، حيث شهد يوم الاثنين بداية تداولات بأسعار 2020، ثم تراجعت إلى الخلف ووصلت إلى مستويات الثمانينات عند 11 دولارا، ثم تراجعت أكثر لتصل إلى دولار واحد، وهو السعر الذي كان شائعاً في الستينات والخمسينات من القرن الماضي، وهو السعر الذي على أساسه تم تأسيس منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ثم واصلت الأسعار الهبوط لتصل إلى سنت واحد وهذا سعر تاريخي ولكنه واقعي، وبعد ذلك دخلت الأسعار في عالم الخيال الافتراضي، ووصلت إلى الصفر ثم هبطت لتقفل التسويات عند 37.63 دولار تحت الصفر.
وعادت عقود مايو للتحسن أمس لتصل إلى 6 دولارات (عند كتابة هذا المقال)، فيما وصلت عقود نفط تسليم شهر يونيو نحو 11 دولارا. هذا لا يعني أن عقود يونيو (حزيران) قد لا تهبط تحت الصفر هي كذلك. ما دام لا توجد أماكن للتخزين ولا يوجد طلب، فلا يوجد قاع للأسعار.
وهذه المشكلة في السوق الأميركية، أما خام برنت في لندن فلا يزال متماسكاً، حيث لا يعاني هذا الخام من مشكلة في التخزين أو النقل، وتداولت عقوده بالأمس عند مستوى 20 دولاراً لتسليم شهر يونيو. وما قد يزيد من السوء للمنتجين في تكساس هو تفشي «كورونا» بشكل كبير أمس في الولاية للمرة الأولى خلال خمسة أيام لتصل إلى 738 حالة، وقد يؤثر ذلك على الإنتاج إذا ما استمر الفيروس في التفشي. أما شركات النفط الصخري في تكساس فلا تزال منقسمة حتى الأمس حول إنهاء زمن السوق الحرة والسماح لهيئة السكك الحديدية في تكساس بوضع قيود وتنظيم إنتاجها. وترى الهيئة أن العالم قبل اتفاق تحالف أوبك + كان يشهد فائضا بنحو 30 مليون برميل يومياً، وهذا يعني أن الاتفاق لتخفيض 10 ملايين برميل يومياً لن يفيد كثيراً.
وفي ولاية نفطية أخرى وهي داكوتا الشمالية، حيث حوض الباكن الشهير للنفط الصخري، فقد هبط ثلث الإنتاج أو 300 ألف برميل حتى الآن كما أعلنت سلطات الولاية. ولا يزال يتوقع هبوط إنتاج أميركا بشكل عام بنحو قد يصل إلى 3 ملايين برميل بنهاية العام.
ودفع تدهور الأسعار الرئيس الأميركي دونالد ترمب لبحث سبل الحل التي أعلن عنها، ومن بينها شراء 75 مليون برميل من النفط المتكدس لصالح الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة. وبالطبع لا يستطيع الرئيس ترمب الحديث دون تحميل دول أوبك المسؤولية، ولهذا فهو يدرس الآن فرض حظر على النفط القادم منها لحماية المنتجين الأميركيين.
ولكن تحالف أوبك + فعل كل شيء بشهادة كبار المتداولين في السوق، ومن بينهم الملياردير بيير أندوراند صاحب أكبر صناديق التحوط التي تبيع وتشتري عقود النفط. وأتفق مع أندوراند لأن الدول خارج أوبك + زادت إنتاجها بنحو 7 ملايين برميل يومياً في الثلاث السنوات الأخيرة التي دافع فيها التحالف عن توازن السوق وعن الأسعار. هذه الدول يجب أن تخفض الآن وتشارك أوبك + تحمل العبء.
وأعلنت السعودية مجدداً في بيان مجلس الوزراء بالأمس أنها ملتزمة بالدفاع عن استقرار السوق، وأخذ أي خطوات لهذا مع باقي المنتجين مثل روسيا، التي أعلن وزير طاقتها إضافة إلى المتحدث الرسمي للكرملين بالأمس أن هذه الأزمة ليست كبيرة وسوف تعود الأسعار للتحسن مع دخول اتفاق أوبك + حيز التنفيذ… وأنا شخصياً لا أستبعد أن تأخذ أوبك + مزيدا من التدابير في يوليو (تموز) إذا لم يتحسن الوضع.
كل هذا يحدث في زمن جائحة «كورونا»، التي جاءت لتختبر قوة ومتانة شركات وأسواق ودول وصناعات. وإذا كان خام غرب تكساس الوسيط ضحية لـ«كورونا» أول من أمس، فهناك ضحية أكبر بمئات الملايين من الدولارات، أو لنقل إن فيروس «كورونا» كشف ضعفه، وهو الملياردير الصيني الأصل صاحب بيت من أكبر بيوت تجارة النفط في سنغافورة، والمعروف باسم «أوكي ليم» في الأوساط النفطية. هذا الرجل لسنوات طويلة أخفى خسائر بقيمة 800 مليون دولار لشركته «هين ليونغ» عن البنوك والدائنين، وقامر مقامرات كثيرة في السوق النفطية تسببت له في هذه الخسائر. ولكن مع هبوط سعر النفط نتيجة لـ«كورونا» لم يستطع تسديد أموال البنوك، وهنا بدأت الفضيحة قبل أيام بسيطة. والمخيف هو أن الفرق بين أصول شركته وديونه تبلغ فوق 3 مليارات دولار. وليس «أوكي ليم» الوحيد الذي وقع ضحية؛ بل إن هناك اقتصادات منتجة للنفط أعلنت بالأمس عن جهودها لتنويع مصادر الدخل، مثل ماليزيا والمكسيك، وأخذ إجراءات اقتصادية أكثر.
أنا لا أستبعد أن يصبح العالم بعد «كورونا» وبعد – 37.63 دولار، متجها أكثر نحو تنويع مصادر الدخل بشكل أعمق وأكبر، وهذا هو الحل الأسلم، في زمن قادم الطلب فيه على النفط قد يتأثر بفعل التحولات الرقمية والعمل عن بعد. ولكن ما زلنا ننتظر معرفة كم اقتصاداً هشاً وشركة نفطية ضعيفة صمدت لسنوات حتى جاءت جائحة «كورونا» لتكشف ضعفها. ويتبقى في السنة أشهر كثيرة.
وائل مهدي.
دروس إدارة المخاطر من الأزمة الراهنة
قبل عقد من الزمان، كانت البنوك هي النقاط الساخنة لمواجهة الأزمة المالية العالمية. واليوم، فإن الجميع يطلبون منها المساعدة في عمليات الإنقاذ من انتشار فيروس كورونا، بما في ذلك تحويل أموال القروض المدعومة من الحكومة إلى الشركات الصغيرة. ولكن تبين أن هذا عمل من الأعمال المعقدة التي لا تستحق الثناء أو التقدير.
وفي الأثناء ذاتها، فإن العديد من البنوك الأوروبية تواجه مشكلات الأزمات المالية القديمة المتمثلة في وجود أصول يصعب للغاية بيعها والتي تُثقل الميزانيات العمومية الأوروبية. وسوف نكتشف قريباً الطريقة الصعبة لعلاج الأمور إذا ما تعلمت هذه البنوك أي درس من دروس إدارة المخاطر من هذه الأزمة الراهنة.
عند النظر في البيانات التاريخية ذات الصلة بالتغييرات الشهرية في كشوف الرواتب غير الزراعية الأميركية يقابلك جدول يسبب الكثير من الصداع، فهو يتعلق بتحويل تريليوني دولار من أموال المحفزات غير الكافية لأي شيء تقريباً.
وهناك رقم – 701 – الذي يمثل فقدان 701 ألف وظيفة في شهر مارس (آذار) فقط، مما أبلغت عنه الحكومة الأميركية. وهي ليست سوى البيانات الأولية حتى الآن، والتي سوف تخضع للكثير من المراجعة والتنقيح فيما بعد. وبصرف النظر تماماً عن الرقم النهائي، فإن الأمر يعبر عن فقدان الكثير من الوظائف. وهو على قدم المساواة مع حالات فقدان الوظائف السابقة في عام 2008 وعام 2009.
وإيضاحاً للأمر، من شأن الأرقام الواردة في أبريل (نيسان) الحالي أن تكون أكبر من الرقم المذكور بثلاثين ضعفاً، وفق تقديرات خبراء الاقتصاد لدى وكالة بلومبرغ الإخبارية. مما يعني أن خانات البيانات التي لم تكن تتسع إلا لثلاثة أرقام على الأكثر سوف تتسع لتشمل أرقاماً أكبر، وصولاً إلى 20 مليون وظيفة في شهر واحد على سبيل المثال. ولم نشهد أي شيء مثل هذه الأوضاع من قبل، أو حتى الاقتراب منها. ومن ثم، فنحن في حاجة ماسة وشديدة للمزيد، وربما الكثير والكثير، من المحفزات المالية التي نعرفها حتى اليوم من أجل وصول الاقتصاد إلى بر الأمان بعد انقضاء جائحة الوباء الحالية.
على سبيل المثال، فإن مبلغ 350 مليار دولار المخصص لتغطية قروض الشركات الصغيرة لن يكون كافياً على وجه التقريب. إذ يستند المبلغ المذكور إلى فكرة أن عمليات الإغلاق الناجمة عن انتشار فيروس كورونا سوف تكون قصيرة الأجل نسبياً وأن الجميع سوف يرجعون إلى أعمالهم بسرعة. ولا يبدو ذلك من المرجح شهوده على أي حال. وتنتظم الشركات والأعمال الصغيرة ضمن نسيج الحياة الأميركية اليومية، ويعمل فيها نصف القوى العاملة من البالغين في سن العمل. ولن تكون هناك عودة طبيعية إلى سابق عهد الأعمال إذا لم نمد إليهم يد العون والمساعدة.
ومع ذلك، فإن خطط إنقاذ الشركات ينبغي ألا تشتمل على إنقاذ شركات الأسهم الخاصة التي أثقلت عاتق الشركات الصغيرة بالكثير من الديون لسداد أرباح الأسهم وأصحابها، فشركات الأسهم الخاصة لديها رأس المال الكافي، فضلاً عن وسائل جمع المزيد من الأموال لدعم الشركات المتعثرة.
وكما كتبت بالأمس، فإن نظام إعانات البطالة الحالي غير مصمم للتعامل مع هذه الكارثة. ويقترح أحد الخبراء على الحكومة بدلاً من ذلك أن تسدد الأجور والمزايا الكاملة بصفة مباشرة لأي مواطن فقد وظيفته بسبب انتشار الفيروس القاتل. ومن شأن ذلك أن يتطلب توفير تريليوني دولار إن جرى تطبيق المقترح على فترة تمتد 3 أشهر، ولكن الأمر يستحق ذلك.
كما ينبغي فعل المزيد لمساعدة 550 ألف مواطن أميركي مشردين يعيشون في الشوارع، أو في ملاجئ شديدة الازدحام حيث سهولة التعرض للإصابة بفيروس كورونا. ومساعدة المواطنين الذين لا مأوى لهم على التباعد الاجتماعي ليست مجرد قضية أخلاقية، وإنما هي ضرورة من ضرورات الصحة العامة، وذلك مع اعتبار عدد الذين يعملون في الوظائف بالأجور المتدنية، نجد أنها ضرورة ملحة تماماً مثل إعداد الطعام وتوصيله للمنازل حالياً.
إن البنية التحتية الأميركية المتداعية، مثل الافتقار إلى الوحدات السكنية بالتكاليف الميسرة، هي من مشاكل الأمد الطويل الأخرى التي ربما حان ميقات الانتباه لها والتعامل معها. يقول الرئيس دونالد ترمب إنه يريد الإنفاق على البنية التحتية في جزء من خطة التحفيز المالي المستقبلية، ويوافقه الكاتب نوح سميث على هذه الفكرة الرائعة. غير أن الرئيس ترمب قد لا يروق له توصيف نوح سميث لشكل الإنفاق المشار إليه بقوله: ينبغي أن يكون في صورة المنح المباشرة للولايات الأميركية ويتضمن المشاريع التي تجهز لمستقبل أكثر ازدهاراً. وربما يكلف الأمر مبلغ تريليوني دولار آخرين على أقل تقدير. وهذا مبلغ كبير للغاية، ولكننا في عصر الأرقام الفلكية!
مارك غونغلوف.
عن موجات الديون وأزماتها
عندما تَلوح في الأفق لحظة تكون عندها الديون في تزايد مطّرد بينما الدخول المطلوبة لسدادها محل شك، فهذا هو التوقيت الحاسم لتبني سياسة عاجلة دون إبطاء أو انتظار لمنع تحول مشكلة الديون إلى أزمة طاحنة. فلن يزيد مرور الزمن إلا صعوبة حل المشكلة؛ هكذا أرشدتنا دروس الموجات الثلاث من تفاقم الديون التي شهدها العالم خلال السنوات الخمسين الماضية.
فمع اختلاف في التفاصيل، إلا أن هناك عناصر مشتركة لأزمات الديون لا يمكن تجاهلها. فالموجة الأولى، التي تكونت مع اندلاع أزمة مديونية أميركا اللاتينية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، جاءت بعد عقد من الانخفاضات في تكاليف الاقتراض بما شجّع الحكومات على التوسع في الاستدانة بما تجاوز مقدرتها على السداد. وعندما عاودت أسعار الفائدة ارتفاعها عجزت الدول عن خدمة الدين. ولم يكن الأمر يستدعي عندئذٍ إلا إعلان دولة واحدة، كانت في هذه الحالة المكسيك، عجزها عن الوفاء بمستحقات الدائنين فتلتها خمس عشرة دولة أخرى من أميركا اللاتينية وإحدى عشرة دولة أخرى من الأقل دخلاً، مطالبة بإعادة جدولة القروض لتعثرهم في السداد.
وكانت الموجة الثانية في التسعينات حيث انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية أيضاً، وتساهلت مؤسسات مالية في إقراض دول شرق آسيا التي كانت تتمتع بارتفاع وتيرة النمو وإنْ عانت من هشاشة في نظمها المالية. ثم توالى سقوط المقترضين متعثرين في الديون وتكاليف خدماتها بما فيهم تايلند وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا، فيما عُرفت بأزمة الأسواق الناشئة.
ولم تمر عشر سنوات على نشوب هذه الأزمة التي اتخذت فيها الدول المتقدمة موقف الناقد الحكيم لسوء أفعال تلك الدول ذات الأسواق الناشئة المستجدة العهد بقواعد الاقتراض في أسواق الدين، حتى وقعت انهيارات متتالية في أسواق الدول المتقدمة ذاتها فيما عُرفت بالأزمة المالية الكبرى في عام 2008، وتشكلت بذلك الموجة الثالثة من أزمات الديون، وأعقبتها أزمة ركود اقتصادي لم يشهد العالم مثلها منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. ووجه التشابه لا يمكن إغفاله بين الموجات الثلاث: انخفاض في أسعار الفائدة، وإفراط في الاقتراض، وتساهل في الإقراض، وساعة محاسبة تأتي بغتة مع تغير ظروف الأسواق، ثم تتوالى السلسلة المعروفة من الأحداث بتداعياتها المؤلمة التي لا تفرّق بين البريء والمذنب.
فبعد فترة من الاستقرار النسبي في الأسواق المالية تتزايد معدلات التمويل المخاطر وترتفع أسعار الأسهم متجاوزة قيمها الحقيقية. وتتردد مقولات على شاكلة «هذه المرة الأمر مختلف!» التي ذكر المستثمر الأميركي جون تمبلتون في عام 1933 أنها أخطر أربع كلمات في عالم المال والاستثمار، ومع كثرة ترديدها يتبارى المحللون متسائلين: هل هذه المرة تختلف فعلاً عن سابقاتها أم لا؟ وهل هناك أزمة في الأفق لأسباب موضوعية حقاً أم أنها أضغاث وتخرصات تسببها حالات العجز في الثقة وعدم اليقين والشك التي تنتاب الأسواق؟
وقد أفرد البنك الدولي في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي فصلاً كاملاً تحت عنوان «الموجة الرابعة». وقد استند إلى اعتبار حالة زيادة الديون الحالية مكونة لموجة جديدة تذكِّر بما أعقب سابقاتها من أزمات، بارتفاع نسبة الديون إلى إجمالي الناتج العالمي خلال السنوات العشر الماضية لتصل إلى 230%، كما ارتفعت مديونية الدول النامية وذات الأسواق الناشئة إلى 55 تريليون دولار لتصل إلى 170% من دخولها في عام 2018، وهي آخذة في التزايد.
وإذا كانت توقعات الأسواق تشير إلى استمرار انخفاض أسعار الفائدة العالمية في الأجل المتوسط بما يقلل من ضغوط تكلفة الاقتراض، إلا أن التوقعات عن معدلات النمو العالمية شديدة الانخفاض ولم يتجاوز أكثرها تفاؤلاً 2.5% وسط أجواء جيوسياسية مضطربة وأوضاع اقتصادية هشة، فضلاً عما استجدّ من تداعيات لأزمة فيروس «كورونا المستجد». ومما يزيد من المخاطر تلك الزيادة الملحوظة في ديون الشركات بعملات أجنبية لدائنين غير مقيمين، وكذلك ارتفاع نسبة الديون التجارية بآجال أقصر للسداد. ورغم انخفاض في التصنيفات الائتمانية لعدد كبير من الدول فإن إقراضها ما زال في تزايد، كما ارتفعت أعداد الدول النامية المقترضة من الأسواق خلال السنوات العشر الماضية ومنها 20 دولة تقترض من الأسواق التجارية للمرة الأولى. كما ارتفعت نسبة مانحي الائتمان من وحدات للوساطة المالية غير المصرفية أو ما تُعرف ببنوك الظل التي تعمل وفقاً لقواعد إشراف أقل من تلك المعمول بها في القطاع المالي الخاضع للرقابة.
وقد لجأ كثير من الدول النامية لزيادة الاقتراض تحت ضغوط ضعف الإيرادات العامة لموازناتها، وانخفاض معدلات نمو اقتصاداتها وعزوف الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية عنها. وفي كثير من الأحوال كان استخدام القروض المتراكمة غير مصحوب بزيادة في الاستثمارات العامة، ولوحظ أن القروض الخاصة قد واكبتها زيادة في أسعار العقارات وتوسُّع في مجالات لا تحقق عائداً في بنود التصدير السلعية أو الخدمية لموازين المدفوعات.
وتتسم الموجة الرابعة للديون بأنها أكبر وأسرع من سابقاتها، فهي لا تتركز في إقليم بعينه ولا تقتصر على قطاع مقترض يستأثر بالديون، فتراكمها يشمل الحكومات والشركات الخاصة بمعدلات سنوية أعلى في زيادتها عن الموجات السابقة. وعلى الجانب الآخر فإن هناك عدداً من الدول يبدو فيها الاستفادة من خبرات الأزمات السابقة من حيث الاستعداد بأطر للسياسات المالية والنقدية للتعامل مع إدارة الديون والانضباط الاقتصادي والاستقرار النقدي، كما دعمت من قواعد الرقابة الحصيفة والإشراف المالي.
وفي ظل التطورات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها عالمنا شديد التغير وما يتعرض له من مربكات، يصبح التحوط واجباً أساسياً في صياغة السياسات الاقتصادية. فما هي إلا صدمة في جانب تكلفة الاقتراض أو أخرى في جانب النمو الاقتصادي حتى تصبح بعدها عملية إدارة الديون مشكلة مضنية، وإذا لم يتيسر حلها على الفور فسنكون بصدد أزمة سيئة العواقب.
ومن أقوال العرب إن العاقل من اتعظ بغيره، وفي شأن الديون وأزماتها فإن عظاتها الكثيرة، من خارج الديار ومن داخلها، ما يستوجب صياغة سياسات عامة ملائمة للتطورات المستجدة في إقليمنا وحول العالم. ويمكن الاستفادة من انخفاض الفائدة العالمية في الوقت الراهن في إحلال الديون باهظة التكلفة بأخرى أقل تكلفة، وضبط آجال الاستحقاق بما يتناسب مع سيناريوهات النمو والقدرة على السداد، ومراجعة مكونات الديون خصوصاً في شقها التجاري وعالي المخاطر. كما يتطلب الأمر التنسيق بين الجهات القائمة على السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية وسعر الصرف والرقابة المالية وتبادل المعلومات بينها في إطار مؤسسي ووفقاً للمعايير المتعارف عليها. كما أظهرت الأزمات السابقة أهمية التعرف على أوضاع الحوكمة والإفصاح والاستدانة والالتزامات الدولية بالنسبة إلى القطاع الخاص التي يمكن أن تصير في حالة الأزمات التزاماً سيادياً أو عبئاً على سوق النقد الأجنبي. وهناك أهمية كبرى لمتابعة التطورات الدولية وتأثيراتها على ميزان المدفوعات والنمو من خلال أطر التعاون الدولي ومؤسساته. ولا غنى عن الاستعداد ببناء مصدّات للصدمات المحتملة بتدعيم البناء الاقتصادي والمالي للدولة وشبكات ضمانها الاجتماعي. ويجب أن تأتي إجراءات إدارة الديون في إطار متكامل للنمو والتنمية. وفي هذا الشأن تتجلى أهمية توطين التنمية المستدامة وترسيخ قواعدها في الاقتصاد المحلي من خلال استيعاب ثورة البيانات المتولدة فيه وزيادة الطلب وإنعاش الإنتاج ذي القيمة المضافة المحقِّق لفرص عمل لائقة. وهذا كله يتطلب نهجاً فعالاً لتمويل التنمية والاستثمار المؤثر والتعامل المبكر مع تحديات الموجة الرابعة للمديونية العالمية.
د. محمود محي الدين.
سيناريوهات للنظام العالمي بعد كورونا
سهم شركة Bayer قد يكون امام تراجعات وحظ بيع..!
الاقتصاد مع «كورونا» ركود أم كساد؟
توقع تقرير البطالة في الولايات المتحدة لشهر مارس (آذار)، بالأرقام السيئة القادمة، إذ إن التوقف المفاجئ للاقتصاد تسبب في تهميش قطاعات كاملة. ويثير احتمال معدلات البطالة المكونة من رقمين أن يصبح ما يعرف الآن بـ«الركود العظيم» هو الكساد الكبير التالي. ويطرح هذا سؤالاً مهماً للمشاركين في السوق: ما الذي يفصل الركود عن الكساد؟ نقطة البداية هي النظر في ثلاثة أمور للركود وهي: العمق والمدة والانكماش.
ومن المؤكد أن عمق الانكماش خلال الربع الثاني سيحدد ملمحاً واحداً للركود. وتم إيقاف تشغيل الأضواء حرفياً في أجزاء كبيرة من الاقتصاد. وقد ينخفض الناتج بنسبة تصل إلى 33% وقد ترتفع البطالة فوق 30%، وفقاً لتقديرات بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس. وفي حين أن الأرقام الدقيقة لن يتم الكشف عنها إلا بعد إدراك الأمر متأخراً، إلا أنه كان هناك انهيار في النشاط الاقتصادي بدون شك.
والعمق، مع ذلك، ليس سوى جزء واحد من قصة الركود. والمدة هي شأن آخر. ونحن لا نصنف عمليات الإغلاق على المستوى المحلي الناتجة عن الكوارث الطبيعية على أنها كساد، أو حتى ركود، لأن النشاط يمكن أن ينتعش بسرعة إلى حد ما. ولا ينبغي لنا ذلك على المستوى الوطني أيضاً. ولا يمكننا التنبؤ بدقة بمدة الانكماش لأنها تعتمد على مسار الفيروس. دعنا نَقُلْ، بتفاؤل، إننا إذا امتلكنا تحكماً كافياً في الفيروس وانتشاره سنبدأ في رفع القيود على النشاط الاقتصادي. في هذه الحالة، يمكننا أن نتوقع انتعاشاً للنشاط بدءاً من الربع الثالث.
ومع ذلك، لن يكون أي تعافٍ اقتصادي مشابهاً ببساطة لقلب مفتاح الضوء مرة أخرى إلى الوضع «تشغيل». وسيكون الأمر أشبه بتشغيل قرص ربما بسرعة في البداية ولكن ببطء أكثر بعد ذلك. ومقدار السرعة التي سنتمكن من تحقيقها بادئ الأمر ستحدد بعد ذلك فترة التعافي. وقد تتعافى أجزاء معينة من الاقتصاد بسرعة، وقد توفر إعادة بناء المخزون دفعة للمصنعين، على سبيل المثال. وقد يساعد الطلب المتفجر في مسح السلع من على الرفوف لدى تجار التجزئة. ويجب بوجه عام أن نتوقع تعافياً عند رفع القيود.
ومع ذلك، لن يكون هذا التعافي بمثابة انتعاش كامل. فهناك عائقان واسعان أمام الانتعاش الحقيقي. أولاً، توقع بعض الضرر المستمر للاقتصاد نتيجة إفلاس الشركات وانقطاع العلاقات بين صاحب العمل والموظف. ويساعد قانون CARES، مع إعانات البطالة المعززة ومساعدة الأعمال، على تقليل هذا الضرر إلى الحد الأدنى، لكنه لا يزال غير كافٍ لوقف النزيف تماماً.
وثانياً، إلى أن يكون هناك علاج أو لقاح للفيروس، فإن بعض قطاعات الاقتصاد ستتضرر لفترة طويلة في المستقبل. وستظل التجمعات لأكثر من 50 شخصاً، سواء مؤتمرات أو أحداثاً رياضية أو عروضاً فنية… إلخ، محدودة لفترة طويلة. وسوف تكافح صناعات الترفيه والضيافة في عالم يتحول فجأة إلى مكان أصغر للجميع. وحتى بعد تطوير لقاح، فإن الاستخدام الواسع النطاق لمؤتمرات الفيديو ستكون له آثار طويلة الأمد على أعمال السفر.
وأخيراً، من المحتمل أن يتطلب الكساد انكماشاً لتوليد انهيار ذاتي قابل للتحمل في الطلب، حيث يصبح دعم الديون الحالية أصعب مع انخفاض الدخل الاسمي. وتعتمد قدرة الانكماش على توطيد وجوده على نجاح الدعم المالي والنقدي للاقتصاد. ولحسن حظه، فقد تبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة استراتيجية «كل ما يتطلبه الأمر» للحفاظ على القطاع المالي سليماً، وبالتالي تجنب بالفعل كارثة واحدة ساهمت في الكساد الكبير. ونأمل أن نواصل نجاحنا في تجنب هذا المأزق.
وبالمثل، تحولت السياسة المالية إلى إجراءات لدعم الطلب مع إعانات البطالة المعززة، والتي ستوفر في بعض الحالات دخلاً بديلاً للعمال. والنتيجة الإيجابية غير المقصودة لهذه الفوائد العالية هي منع انكماش الأجور، ونأمل في تعزيز التوقعات الإيجابية لتحديد الأجور خلال مرحلة التعافي.
ولا يزال الانتعاش الناجح يتطلب المزيد من الدعم المالي. على سبيل المثال، برامج التأمين ضد البطالة على مستوى الولايات غير قادرة على التعامل مع حجم المطالبات، ما يؤدي إلى تأخير المساعدة. وعليه، يحتاج الكونغرس إلى تزويد الولايات كاملة بحزمة مالية ضخمة لمنع موجة أخرى من عمليات التسريح من العمل.
إن نتائج سيئة خلال ربع واحد لا تسبب الركود. وفي الواقع، تعتمد صحة الاقتصاد على المدى الطويل على السيطرة على الفيروس. وما إذا كان هذا الانهيار الاقتصادي سيتحول إلى كساد أم لا، لا يزال يعتمد على تصرفات صانعي السياسة في الأشهر المقبلة.