أرشيف التصنيف: المقالات العامة

أزمتان لا لزوم لهما في عصر «كورونا»

حتى لا يكون من دواء الأزمة العالمية الراهنة ما يستمر في مرارته، بعد زوالها المأمول، وحتى نحسن مواجهة وباء فيروس «كورونا» وأزمة الركود الاقتصادي العالمي والتعافي منهما، يلزم تجنب ممنوعات محددة. أولاً يجب عدم افتعال أزمات جديدة لا مبرر لها، وأخطرها الآن ما يرتبط بالأمن الغذائي؛ وثانياً ينبغي عدم إهمال أسس الإدارة الحصيفة للدين العام في مرحلة الركود.
أولاً، تحديات الأمن الغذائي: على عكس ما كانت عليه أوضاع إنتاج الغذاء في عامي 2007 و2010، لا توجد هناك أي مشكلة تُذكر في جانب المنتجات الزراعية يمكن أن تسبب أزمة في أسعار الغذاء أو وفرته في الأسواق اليوم، إلا إذا تم افتعالها عمداً أو بسوء في الإدارة. ففي أزمتي الغذاء السابقتين كانت هناك مشكلات في الطقس وتراجع في مخزون السلع الزراعية وارتفاع لتكاليف النقل والوقود سببت مجتمعة اشتعالاً في أسعار الغذاء. أما اليوم فهناك وفرة في الإنتاج الزراعي وانخفاض شديد في أسعار النفط، ولكن الأمر يحتاج إلى تدابير عاجلة تُحد من التأثير السلبي لاضطراب خطوط الإمداد والمساندة اللوجيستية. إذ يسبب إغلاق الحدود نقصاناً للأسمدة ومدخلات الإنتاج الزراعي والأعلاف والأدوية البيطرية اللازمة للإنتاج الحيواني، على النحو الذي أشارت إليه مؤخراً منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
في هذه الأثناء يزيد الطلب على شراء السلع الغذائية لاحتياجات الاستهلاك المنزلي ومتطلبات التخزين تحوطاً للاحتياجات المستقبلية، خاصة مع عدم وضوح الرؤية بعد بشأن مدد الحظر الكلي أو الجزئي واستمرارها حول العالم.
لما كانت أكثر الدول النامية، والدول العربية خصوصاً، شديدة الاعتماد على الاستيراد لاحتياجاتها الغذائية الرئيسية، ينبغي التأكيد على خمسة أمور مانعة من حدوث أزمة أخرى نحن في غنى عنها باتباع ما يأتي:
1) هناك حاجة للتأكيد على وفرة المنتجات الزراعية والغذائية عالمياً وإتاحة المعلومات لعموم الناس بشأنها كمية وسعراً وتحديثها أولاً بأول.
2) المطالبة بالامتناع الفوري عن تقييد حركة التجارة الخارجية والداخلية للمنتجات الغذائية الرئيسية مثل القمح والذرة والأرز والبقول. ففي أزمات الغذاء السابقة تسبب حجب التصدير للفائض المنتج من هذه السلع الأساسية وغيرها في ارتفاع أسعارها بين 30 و50 في المائة. هذا علماً بأن إجراء بالحظر من دولة ما ستتبعه ردود أفعال من دول أخرى، بما يقيد المعروض ويشعل الأسعار، ويهدد الأمن الغذائي في أوقات لا تحتمل توتراً إضافياً، كما أن الحظر يمنع المزارعين والدولة من إيرادات هم أولى بها.
3) مع الأهمية البالغة للالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، اتباعاً لإرشادات منظمة الصحة العالمية، فهناك ضرورة لتفعيل إجراءات انسياب قنوات تجارة السلع الغذائية، جنباً إلى جنب مع الدواء والمستلزمات الطبية، مع وضع منظوماتها في إطار يحافظ على الصحة العامة ويمنع انتشار العدوى.
4) أهمية تأمين احتياجات الغذاء للأسر الفقيرة والمضارة من أزمة فيروس كورونا وتداعياتها، من خلال نظم الضمان الاجتماعي والتحويلات النقدية المباشرة للأفراد، بما في ذلك نظام الدخل الثابت الشامل للكافة للوفاء بالاحتياجات الأساسية وتوفير البدائل لنظم التغذية المدرسية للأطفال تزامناً مع إغلاق المدارس بسبب الحظر. وهنا يبرز دور آليات المشاركات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني خاصة على المستوى المحلي.
5) توفير التمويل اللازم لتأمين احتياجات الغذاء على مستوى الدولة من الواردات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي. وهذا يتطلب إدارة محكمة للسياسات المالية وأولويات الإنفاق وانضباطا للدين العام وموارد النقد الأجنبي، وهذا يقودنا لضرورة منع الأزمة الثانية.
ثانياً، إدارة الديون في مرحلة الركود: الحديث عن احتمالات الركود الاقتصادي، بتراجع شديد ومستمر في معدلات النمو، سبق أزمة كورونا بفترة خاصة مع تداعيات الحروب التجارية. ولكن حديث الاحتمالات أزيح جانبا بعد إعلان صندوق النقد الدولي، في شهر مارس (آذار) الماضي، عن أن العالم قد دخل بالفعل مرحلة ركود لن تقل عما رأيناه في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وقد تبارت مؤخراً المؤسسات الاقتصادية الدولية ومراكز الأبحاث أيها يخفض معدل النمو الاقتصادي بنسب أكبر.
وقدّر معهد التمويل الدولي أن يكون معدل النمو الاقتصادي العالمي سالباً بمقدار 1.5 في المائة نزولاً من نمو متواضع يقترب من 2.6 في المائة. كما خفض المعهد تقديراته لنمو الاقتصاد الأميركي إلى سالب 2.8 في المائة ولمنطقة اليورو الأوروبية إلى سالب 4.7 في المائة ولليابان إلى سالب 2.6 في المائة. أما الدول ذات الأسواق الناشئة فتقديرات متوسطات نموها تحوم حول 1 في المائة. وتصل تقديرات نمو الاقتصاد الصيني، وفقاً لمعهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة، لمدى يتراوح بين 1 في المائة و3.3 في المائة. أما سائر الدول النامية فخفضت متوسطات نموها بمقدار النصف للكثير منها مقارنة بتقديراتها قبل الأزمة العالمية الكبرى. وفي هذه الأثناء تتزايد احتياجات للإنفاق لمواجهة تبعات فيروس كورونا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، كما تتراجع بحدة إيرادات قطاع الأعمال الإنتاجي السلعي والخدمي، باستثناءات القطاعات المستمرة في النشاط بحكم الحاجة إليها.
ونواجه هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في أعقاب تصاعد موجة جديدة من الديون تناولتها في مقال سابق عن «موجات الديون وأزماتها». ووفقاً لأرقام الاستدامة المالية للديون، المحدثة من قبل معهد التمويل الدولي في يناير (كانون الثاني) الماضي، بلغت نسبة الديون لإجمالي الناتج المحلي العالمي 322 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، إذ تجاوزت 350 تريليون دولار.
وقد شهدت حمى الاقتراض زيادة ديون القطاعات الحكومية والخاصة والعائلية مجتمعة مدفوعة بانخفاض أسعار الفائدة، ودون تحسب في أحوال متعددة لمخاطر تقلبات سعر الصرف والشح المفاجئ في إيرادات النقد الأجنبي. مع ملاحظة أنه في حالة التعثر الدولي تصير مشكلات قطاع الأعمال عبئاً سيادياً أيضاً على النحو الذي حدث في الأزمات المالية السابقة، باختلاف مع الضمانات الممنوحة.
وهذه الأزمة التي تلوح في الأفق، مع إشارات صادرة مؤخراً، من دول نامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، باحتمالات عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها، تستوجب تعاوناً دولياً لاحتوائها على وجه السرعة قبل تفاقمها. ولا يكفي في هذا الشأن مجرد الدعوة للنظر في إرجاء تحصيل فوائد هذا العام المستحقة لدول منخفضة الدخل، فالمشكلة تطول دولا نامية متوسطة الدخل وذات أسواق ناشئة أيضا. كما أن الدائنين ليسوا من جهات حكومية فقط أو من أعضاء نادي باريس، بما يستلزم إدراج القطاع الخاص وكذلك القروض الحكومية من خارج نادي باريس في عمليات إرجاء الدفع والجدولة وإعادة هيكلة القروض.
هذه أيام حرجة تواجه فيها الإنسانية، بين هلع وارتباك، خطراً واحداً يهدد الحياة في المقام الأول. وهاتان أزمتان في طور التكوين ليس من الصعب التصدي لهما بحسم من خلال تعاون دولي فعال يغلب مصلحة عموم الناس.

د. محمود  محي الدين

النفط: ماذا بعد «- 37.63» دولار؟

لكل أولئك الذين لم يتمكنوا من مشاهدة مذنب هالي في آخر ظهور له عام 1986، وبالتالي لن يروه ثانية إلا في عام 2061، فقد كانت الحياة كريمة معهم ليروا حدثاً آخر لا يحدث سوى مرة في حياة الإنسان، وهو هبوط النفط في بورصة نيويورك إلى 37.63 دولار تحت الصفر.
لقد كان الهبوط التاريخي يوم «الاثنين الأسود» 20 أبريل (نيسان) 2020 حدثاً لن ننساه كلنا، إذ عشنا لنرى في زمن الـ«كورونا» تجار النفط في السوق الورقية للعقود الآجلة يدفعون 37.63 دولار للمشترين حتى يأخذوا عقود النفط، لأن هذه العقود التي تتداول منذ فترة، انتهت يوم أمس الثلاثاء ويجب عليهم تسليمها في مايو (أيار) للمشترين، ولكن لا يوجد طلب لها ولا توجد أماكن لتخزين هذا النفط؛ لأن صهاريج التخزين في كاشينغ في أوكلاهوما – حيث يتم تجميع خام غرب تكساس- ستمتلئ في مايو، والأسوأ من ذلك لا توجد أنابيب نفط لنقله لأنها ممتلئة بنفط لا يوجد مشتر له.
ولأن تكلفة تخزين النفط أصبحت أعلى من سعره بالأمس، اضطر الجميع للبيع، فما كان من الجميع إلا أن أصبح مستعداً لدفع أي مبلغ للتخلص من النفط.
وفي سيناريو أقرب للخيال، مر شريط أسعار النفط من أمام أعيننا بطريقة فيلم سينمائي، حيث شهد يوم الاثنين بداية تداولات بأسعار 2020، ثم تراجعت إلى الخلف ووصلت إلى مستويات الثمانينات عند 11 دولارا، ثم تراجعت أكثر لتصل إلى دولار واحد، وهو السعر الذي كان شائعاً في الستينات والخمسينات من القرن الماضي، وهو السعر الذي على أساسه تم تأسيس منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ثم واصلت الأسعار الهبوط لتصل إلى سنت واحد وهذا سعر تاريخي ولكنه واقعي، وبعد ذلك دخلت الأسعار في عالم الخيال الافتراضي، ووصلت إلى الصفر ثم هبطت لتقفل التسويات عند 37.63 دولار تحت الصفر.
وعادت عقود مايو للتحسن أمس لتصل إلى 6 دولارات (عند كتابة هذا المقال)، فيما وصلت عقود نفط تسليم شهر يونيو نحو 11 دولارا. هذا لا يعني أن عقود يونيو (حزيران) قد لا تهبط تحت الصفر هي كذلك. ما دام لا توجد أماكن للتخزين ولا يوجد طلب، فلا يوجد قاع للأسعار.
وهذه المشكلة في السوق الأميركية، أما خام برنت في لندن فلا يزال متماسكاً، حيث لا يعاني هذا الخام من مشكلة في التخزين أو النقل، وتداولت عقوده بالأمس عند مستوى 20 دولاراً لتسليم شهر يونيو. وما قد يزيد من السوء للمنتجين في تكساس هو تفشي «كورونا» بشكل كبير أمس في الولاية للمرة الأولى خلال خمسة أيام لتصل إلى 738 حالة، وقد يؤثر ذلك على الإنتاج إذا ما استمر الفيروس في التفشي. أما شركات النفط الصخري في تكساس فلا تزال منقسمة حتى الأمس حول إنهاء زمن السوق الحرة والسماح لهيئة السكك الحديدية في تكساس بوضع قيود وتنظيم إنتاجها. وترى الهيئة أن العالم قبل اتفاق تحالف أوبك + كان يشهد فائضا بنحو 30 مليون برميل يومياً، وهذا يعني أن الاتفاق لتخفيض 10 ملايين برميل يومياً لن يفيد كثيراً.
وفي ولاية نفطية أخرى وهي داكوتا الشمالية، حيث حوض الباكن الشهير للنفط الصخري، فقد هبط ثلث الإنتاج أو 300 ألف برميل حتى الآن كما أعلنت سلطات الولاية. ولا يزال يتوقع هبوط إنتاج أميركا بشكل عام بنحو قد يصل إلى 3 ملايين برميل بنهاية العام.
ودفع تدهور الأسعار الرئيس الأميركي دونالد ترمب لبحث سبل الحل التي أعلن عنها، ومن بينها شراء 75 مليون برميل من النفط المتكدس لصالح الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة. وبالطبع لا يستطيع الرئيس ترمب الحديث دون تحميل دول أوبك المسؤولية، ولهذا فهو يدرس الآن فرض حظر على النفط القادم منها لحماية المنتجين الأميركيين.
ولكن تحالف أوبك + فعل كل شيء بشهادة كبار المتداولين في السوق، ومن بينهم الملياردير بيير أندوراند صاحب أكبر صناديق التحوط التي تبيع وتشتري عقود النفط. وأتفق مع أندوراند لأن الدول خارج أوبك + زادت إنتاجها بنحو 7 ملايين برميل يومياً في الثلاث السنوات الأخيرة التي دافع فيها التحالف عن توازن السوق وعن الأسعار. هذه الدول يجب أن تخفض الآن وتشارك أوبك + تحمل العبء.
وأعلنت السعودية مجدداً في بيان مجلس الوزراء بالأمس أنها ملتزمة بالدفاع عن استقرار السوق، وأخذ أي خطوات لهذا مع باقي المنتجين مثل روسيا، التي أعلن وزير طاقتها إضافة إلى المتحدث الرسمي للكرملين بالأمس أن هذه الأزمة ليست كبيرة وسوف تعود الأسعار للتحسن مع دخول اتفاق أوبك + حيز التنفيذ… وأنا شخصياً لا أستبعد أن تأخذ أوبك + مزيدا من التدابير في يوليو (تموز) إذا لم يتحسن الوضع.
كل هذا يحدث في زمن جائحة «كورونا»، التي جاءت لتختبر قوة ومتانة شركات وأسواق ودول وصناعات. وإذا كان خام غرب تكساس الوسيط ضحية لـ«كورونا» أول من أمس، فهناك ضحية أكبر بمئات الملايين من الدولارات، أو لنقل إن فيروس «كورونا» كشف ضعفه، وهو الملياردير الصيني الأصل صاحب بيت من أكبر بيوت تجارة النفط في سنغافورة، والمعروف باسم «أوكي ليم» في الأوساط النفطية. هذا الرجل لسنوات طويلة أخفى خسائر بقيمة 800 مليون دولار لشركته «هين ليونغ» عن البنوك والدائنين، وقامر مقامرات كثيرة في السوق النفطية تسببت له في هذه الخسائر. ولكن مع هبوط سعر النفط نتيجة لـ«كورونا» لم يستطع تسديد أموال البنوك، وهنا بدأت الفضيحة قبل أيام بسيطة. والمخيف هو أن الفرق بين أصول شركته وديونه تبلغ فوق 3 مليارات دولار. وليس «أوكي ليم» الوحيد الذي وقع ضحية؛ بل إن هناك اقتصادات منتجة للنفط أعلنت بالأمس عن جهودها لتنويع مصادر الدخل، مثل ماليزيا والمكسيك، وأخذ إجراءات اقتصادية أكثر.
أنا لا أستبعد أن يصبح العالم بعد «كورونا» وبعد – 37.63 دولار، متجها أكثر نحو تنويع مصادر الدخل بشكل أعمق وأكبر، وهذا هو الحل الأسلم، في زمن قادم الطلب فيه على النفط قد يتأثر بفعل التحولات الرقمية والعمل عن بعد. ولكن ما زلنا ننتظر معرفة كم اقتصاداً هشاً وشركة نفطية ضعيفة صمدت لسنوات حتى جاءت جائحة «كورونا» لتكشف ضعفها. ويتبقى في السنة أشهر كثيرة.

وائل مهدي.

دروس إدارة المخاطر من الأزمة الراهنة

قبل عقد من الزمان، كانت البنوك هي النقاط الساخنة لمواجهة الأزمة المالية العالمية. واليوم، فإن الجميع يطلبون منها المساعدة في عمليات الإنقاذ من انتشار فيروس كورونا، بما في ذلك تحويل أموال القروض المدعومة من الحكومة إلى الشركات الصغيرة. ولكن تبين أن هذا عمل من الأعمال المعقدة التي لا تستحق الثناء أو التقدير.
وفي الأثناء ذاتها، فإن العديد من البنوك الأوروبية تواجه مشكلات الأزمات المالية القديمة المتمثلة في وجود أصول يصعب للغاية بيعها والتي تُثقل الميزانيات العمومية الأوروبية. وسوف نكتشف قريباً الطريقة الصعبة لعلاج الأمور إذا ما تعلمت هذه البنوك أي درس من دروس إدارة المخاطر من هذه الأزمة الراهنة.
عند النظر في البيانات التاريخية ذات الصلة بالتغييرات الشهرية في كشوف الرواتب غير الزراعية الأميركية يقابلك جدول يسبب الكثير من الصداع، فهو يتعلق بتحويل تريليوني دولار من أموال المحفزات غير الكافية لأي شيء تقريباً.
وهناك رقم – 701 – الذي يمثل فقدان 701 ألف وظيفة في شهر مارس (آذار) فقط، مما أبلغت عنه الحكومة الأميركية. وهي ليست سوى البيانات الأولية حتى الآن، والتي سوف تخضع للكثير من المراجعة والتنقيح فيما بعد. وبصرف النظر تماماً عن الرقم النهائي، فإن الأمر يعبر عن فقدان الكثير من الوظائف. وهو على قدم المساواة مع حالات فقدان الوظائف السابقة في عام 2008 وعام 2009.
وإيضاحاً للأمر، من شأن الأرقام الواردة في أبريل (نيسان) الحالي أن تكون أكبر من الرقم المذكور بثلاثين ضعفاً، وفق تقديرات خبراء الاقتصاد لدى وكالة بلومبرغ الإخبارية. مما يعني أن خانات البيانات التي لم تكن تتسع إلا لثلاثة أرقام على الأكثر سوف تتسع لتشمل أرقاماً أكبر، وصولاً إلى 20 مليون وظيفة في شهر واحد على سبيل المثال. ولم نشهد أي شيء مثل هذه الأوضاع من قبل، أو حتى الاقتراب منها. ومن ثم، فنحن في حاجة ماسة وشديدة للمزيد، وربما الكثير والكثير، من المحفزات المالية التي نعرفها حتى اليوم من أجل وصول الاقتصاد إلى بر الأمان بعد انقضاء جائحة الوباء الحالية.
على سبيل المثال، فإن مبلغ 350 مليار دولار المخصص لتغطية قروض الشركات الصغيرة لن يكون كافياً على وجه التقريب. إذ يستند المبلغ المذكور إلى فكرة أن عمليات الإغلاق الناجمة عن انتشار فيروس كورونا سوف تكون قصيرة الأجل نسبياً وأن الجميع سوف يرجعون إلى أعمالهم بسرعة. ولا يبدو ذلك من المرجح شهوده على أي حال. وتنتظم الشركات والأعمال الصغيرة ضمن نسيج الحياة الأميركية اليومية، ويعمل فيها نصف القوى العاملة من البالغين في سن العمل. ولن تكون هناك عودة طبيعية إلى سابق عهد الأعمال إذا لم نمد إليهم يد العون والمساعدة.
ومع ذلك، فإن خطط إنقاذ الشركات ينبغي ألا تشتمل على إنقاذ شركات الأسهم الخاصة التي أثقلت عاتق الشركات الصغيرة بالكثير من الديون لسداد أرباح الأسهم وأصحابها، فشركات الأسهم الخاصة لديها رأس المال الكافي، فضلاً عن وسائل جمع المزيد من الأموال لدعم الشركات المتعثرة.
وكما كتبت بالأمس، فإن نظام إعانات البطالة الحالي غير مصمم للتعامل مع هذه الكارثة. ويقترح أحد الخبراء على الحكومة بدلاً من ذلك أن تسدد الأجور والمزايا الكاملة بصفة مباشرة لأي مواطن فقد وظيفته بسبب انتشار الفيروس القاتل. ومن شأن ذلك أن يتطلب توفير تريليوني دولار إن جرى تطبيق المقترح على فترة تمتد 3 أشهر، ولكن الأمر يستحق ذلك.
كما ينبغي فعل المزيد لمساعدة 550 ألف مواطن أميركي مشردين يعيشون في الشوارع، أو في ملاجئ شديدة الازدحام حيث سهولة التعرض للإصابة بفيروس كورونا. ومساعدة المواطنين الذين لا مأوى لهم على التباعد الاجتماعي ليست مجرد قضية أخلاقية، وإنما هي ضرورة من ضرورات الصحة العامة، وذلك مع اعتبار عدد الذين يعملون في الوظائف بالأجور المتدنية، نجد أنها ضرورة ملحة تماماً مثل إعداد الطعام وتوصيله للمنازل حالياً.
إن البنية التحتية الأميركية المتداعية، مثل الافتقار إلى الوحدات السكنية بالتكاليف الميسرة، هي من مشاكل الأمد الطويل الأخرى التي ربما حان ميقات الانتباه لها والتعامل معها. يقول الرئيس دونالد ترمب إنه يريد الإنفاق على البنية التحتية في جزء من خطة التحفيز المالي المستقبلية، ويوافقه الكاتب نوح سميث على هذه الفكرة الرائعة. غير أن الرئيس ترمب قد لا يروق له توصيف نوح سميث لشكل الإنفاق المشار إليه بقوله: ينبغي أن يكون في صورة المنح المباشرة للولايات الأميركية ويتضمن المشاريع التي تجهز لمستقبل أكثر ازدهاراً. وربما يكلف الأمر مبلغ تريليوني دولار آخرين على أقل تقدير. وهذا مبلغ كبير للغاية، ولكننا في عصر الأرقام الفلكية!

مارك غونغلوف.

عن موجات الديون وأزماتها

عندما تَلوح في الأفق لحظة تكون عندها الديون في تزايد مطّرد بينما الدخول المطلوبة لسدادها محل شك، فهذا هو التوقيت الحاسم لتبني سياسة عاجلة دون إبطاء أو انتظار لمنع تحول مشكلة الديون إلى أزمة طاحنة. فلن يزيد مرور الزمن إلا صعوبة حل المشكلة؛ هكذا أرشدتنا دروس الموجات الثلاث من تفاقم الديون التي شهدها العالم خلال السنوات الخمسين الماضية.
فمع اختلاف في التفاصيل، إلا أن هناك عناصر مشتركة لأزمات الديون لا يمكن تجاهلها. فالموجة الأولى، التي تكونت مع اندلاع أزمة مديونية أميركا اللاتينية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، جاءت بعد عقد من الانخفاضات في تكاليف الاقتراض بما شجّع الحكومات على التوسع في الاستدانة بما تجاوز مقدرتها على السداد. وعندما عاودت أسعار الفائدة ارتفاعها عجزت الدول عن خدمة الدين. ولم يكن الأمر يستدعي عندئذٍ إلا إعلان دولة واحدة، كانت في هذه الحالة المكسيك، عجزها عن الوفاء بمستحقات الدائنين فتلتها خمس عشرة دولة أخرى من أميركا اللاتينية وإحدى عشرة دولة أخرى من الأقل دخلاً، مطالبة بإعادة جدولة القروض لتعثرهم في السداد.
وكانت الموجة الثانية في التسعينات حيث انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية أيضاً، وتساهلت مؤسسات مالية في إقراض دول شرق آسيا التي كانت تتمتع بارتفاع وتيرة النمو وإنْ عانت من هشاشة في نظمها المالية. ثم توالى سقوط المقترضين متعثرين في الديون وتكاليف خدماتها بما فيهم تايلند وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا، فيما عُرفت بأزمة الأسواق الناشئة.
ولم تمر عشر سنوات على نشوب هذه الأزمة التي اتخذت فيها الدول المتقدمة موقف الناقد الحكيم لسوء أفعال تلك الدول ذات الأسواق الناشئة المستجدة العهد بقواعد الاقتراض في أسواق الدين، حتى وقعت انهيارات متتالية في أسواق الدول المتقدمة ذاتها فيما عُرفت بالأزمة المالية الكبرى في عام 2008، وتشكلت بذلك الموجة الثالثة من أزمات الديون، وأعقبتها أزمة ركود اقتصادي لم يشهد العالم مثلها منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. ووجه التشابه لا يمكن إغفاله بين الموجات الثلاث: انخفاض في أسعار الفائدة، وإفراط في الاقتراض، وتساهل في الإقراض، وساعة محاسبة تأتي بغتة مع تغير ظروف الأسواق، ثم تتوالى السلسلة المعروفة من الأحداث بتداعياتها المؤلمة التي لا تفرّق بين البريء والمذنب.
فبعد فترة من الاستقرار النسبي في الأسواق المالية تتزايد معدلات التمويل المخاطر وترتفع أسعار الأسهم متجاوزة قيمها الحقيقية. وتتردد مقولات على شاكلة «هذه المرة الأمر مختلف!» التي ذكر المستثمر الأميركي جون تمبلتون في عام 1933 أنها أخطر أربع كلمات في عالم المال والاستثمار، ومع كثرة ترديدها يتبارى المحللون متسائلين: هل هذه المرة تختلف فعلاً عن سابقاتها أم لا؟ وهل هناك أزمة في الأفق لأسباب موضوعية حقاً أم أنها أضغاث وتخرصات تسببها حالات العجز في الثقة وعدم اليقين والشك التي تنتاب الأسواق؟
وقد أفرد البنك الدولي في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي فصلاً كاملاً تحت عنوان «الموجة الرابعة». وقد استند إلى اعتبار حالة زيادة الديون الحالية مكونة لموجة جديدة تذكِّر بما أعقب سابقاتها من أزمات، بارتفاع نسبة الديون إلى إجمالي الناتج العالمي خلال السنوات العشر الماضية لتصل إلى 230%، كما ارتفعت مديونية الدول النامية وذات الأسواق الناشئة إلى 55 تريليون دولار لتصل إلى 170% من دخولها في عام 2018، وهي آخذة في التزايد.
وإذا كانت توقعات الأسواق تشير إلى استمرار انخفاض أسعار الفائدة العالمية في الأجل المتوسط بما يقلل من ضغوط تكلفة الاقتراض، إلا أن التوقعات عن معدلات النمو العالمية شديدة الانخفاض ولم يتجاوز أكثرها تفاؤلاً 2.5% وسط أجواء جيوسياسية مضطربة وأوضاع اقتصادية هشة، فضلاً عما استجدّ من تداعيات لأزمة فيروس «كورونا المستجد». ومما يزيد من المخاطر تلك الزيادة الملحوظة في ديون الشركات بعملات أجنبية لدائنين غير مقيمين، وكذلك ارتفاع نسبة الديون التجارية بآجال أقصر للسداد. ورغم انخفاض في التصنيفات الائتمانية لعدد كبير من الدول فإن إقراضها ما زال في تزايد، كما ارتفعت أعداد الدول النامية المقترضة من الأسواق خلال السنوات العشر الماضية ومنها 20 دولة تقترض من الأسواق التجارية للمرة الأولى. كما ارتفعت نسبة مانحي الائتمان من وحدات للوساطة المالية غير المصرفية أو ما تُعرف ببنوك الظل التي تعمل وفقاً لقواعد إشراف أقل من تلك المعمول بها في القطاع المالي الخاضع للرقابة.
وقد لجأ كثير من الدول النامية لزيادة الاقتراض تحت ضغوط ضعف الإيرادات العامة لموازناتها، وانخفاض معدلات نمو اقتصاداتها وعزوف الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية عنها. وفي كثير من الأحوال كان استخدام القروض المتراكمة غير مصحوب بزيادة في الاستثمارات العامة، ولوحظ أن القروض الخاصة قد واكبتها زيادة في أسعار العقارات وتوسُّع في مجالات لا تحقق عائداً في بنود التصدير السلعية أو الخدمية لموازين المدفوعات.
وتتسم الموجة الرابعة للديون بأنها أكبر وأسرع من سابقاتها، فهي لا تتركز في إقليم بعينه ولا تقتصر على قطاع مقترض يستأثر بالديون، فتراكمها يشمل الحكومات والشركات الخاصة بمعدلات سنوية أعلى في زيادتها عن الموجات السابقة. وعلى الجانب الآخر فإن هناك عدداً من الدول يبدو فيها الاستفادة من خبرات الأزمات السابقة من حيث الاستعداد بأطر للسياسات المالية والنقدية للتعامل مع إدارة الديون والانضباط الاقتصادي والاستقرار النقدي، كما دعمت من قواعد الرقابة الحصيفة والإشراف المالي.
وفي ظل التطورات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها عالمنا شديد التغير وما يتعرض له من مربكات، يصبح التحوط واجباً أساسياً في صياغة السياسات الاقتصادية. فما هي إلا صدمة في جانب تكلفة الاقتراض أو أخرى في جانب النمو الاقتصادي حتى تصبح بعدها عملية إدارة الديون مشكلة مضنية، وإذا لم يتيسر حلها على الفور فسنكون بصدد أزمة سيئة العواقب.
ومن أقوال العرب إن العاقل من اتعظ بغيره، وفي شأن الديون وأزماتها فإن عظاتها الكثيرة، من خارج الديار ومن داخلها، ما يستوجب صياغة سياسات عامة ملائمة للتطورات المستجدة في إقليمنا وحول العالم. ويمكن الاستفادة من انخفاض الفائدة العالمية في الوقت الراهن في إحلال الديون باهظة التكلفة بأخرى أقل تكلفة، وضبط آجال الاستحقاق بما يتناسب مع سيناريوهات النمو والقدرة على السداد، ومراجعة مكونات الديون خصوصاً في شقها التجاري وعالي المخاطر. كما يتطلب الأمر التنسيق بين الجهات القائمة على السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية وسعر الصرف والرقابة المالية وتبادل المعلومات بينها في إطار مؤسسي ووفقاً للمعايير المتعارف عليها. كما أظهرت الأزمات السابقة أهمية التعرف على أوضاع الحوكمة والإفصاح والاستدانة والالتزامات الدولية بالنسبة إلى القطاع الخاص التي يمكن أن تصير في حالة الأزمات التزاماً سيادياً أو عبئاً على سوق النقد الأجنبي. وهناك أهمية كبرى لمتابعة التطورات الدولية وتأثيراتها على ميزان المدفوعات والنمو من خلال أطر التعاون الدولي ومؤسساته. ولا غنى عن الاستعداد ببناء مصدّات للصدمات المحتملة بتدعيم البناء الاقتصادي والمالي للدولة وشبكات ضمانها الاجتماعي. ويجب أن تأتي إجراءات إدارة الديون في إطار متكامل للنمو والتنمية. وفي هذا الشأن تتجلى أهمية توطين التنمية المستدامة وترسيخ قواعدها في الاقتصاد المحلي من خلال استيعاب ثورة البيانات المتولدة فيه وزيادة الطلب وإنعاش الإنتاج ذي القيمة المضافة المحقِّق لفرص عمل لائقة. وهذا كله يتطلب نهجاً فعالاً لتمويل التنمية والاستثمار المؤثر والتعامل المبكر مع تحديات الموجة الرابعة للمديونية العالمية.

د. محمود محي الدين.

الاقتصاد مع «كورونا» ركود أم كساد؟

توقع تقرير البطالة في الولايات المتحدة لشهر مارس (آذار)، بالأرقام السيئة القادمة، إذ إن التوقف المفاجئ للاقتصاد تسبب في تهميش قطاعات كاملة. ويثير احتمال معدلات البطالة المكونة من رقمين أن يصبح ما يعرف الآن بـ«الركود العظيم» هو الكساد الكبير التالي. ويطرح هذا سؤالاً مهماً للمشاركين في السوق: ما الذي يفصل الركود عن الكساد؟ نقطة البداية هي النظر في ثلاثة أمور للركود وهي: العمق والمدة والانكماش.
ومن المؤكد أن عمق الانكماش خلال الربع الثاني سيحدد ملمحاً واحداً للركود. وتم إيقاف تشغيل الأضواء حرفياً في أجزاء كبيرة من الاقتصاد. وقد ينخفض الناتج بنسبة تصل إلى 33% وقد ترتفع البطالة فوق 30%، وفقاً لتقديرات بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس. وفي حين أن الأرقام الدقيقة لن يتم الكشف عنها إلا بعد إدراك الأمر متأخراً، إلا أنه كان هناك انهيار في النشاط الاقتصادي بدون شك.
والعمق، مع ذلك، ليس سوى جزء واحد من قصة الركود. والمدة هي شأن آخر. ونحن لا نصنف عمليات الإغلاق على المستوى المحلي الناتجة عن الكوارث الطبيعية على أنها كساد، أو حتى ركود، لأن النشاط يمكن أن ينتعش بسرعة إلى حد ما. ولا ينبغي لنا ذلك على المستوى الوطني أيضاً. ولا يمكننا التنبؤ بدقة بمدة الانكماش لأنها تعتمد على مسار الفيروس. دعنا نَقُلْ، بتفاؤل، إننا إذا امتلكنا تحكماً كافياً في الفيروس وانتشاره سنبدأ في رفع القيود على النشاط الاقتصادي. في هذه الحالة، يمكننا أن نتوقع انتعاشاً للنشاط بدءاً من الربع الثالث.
ومع ذلك، لن يكون أي تعافٍ اقتصادي مشابهاً ببساطة لقلب مفتاح الضوء مرة أخرى إلى الوضع «تشغيل». وسيكون الأمر أشبه بتشغيل قرص ربما بسرعة في البداية ولكن ببطء أكثر بعد ذلك. ومقدار السرعة التي سنتمكن من تحقيقها بادئ الأمر ستحدد بعد ذلك فترة التعافي. وقد تتعافى أجزاء معينة من الاقتصاد بسرعة، وقد توفر إعادة بناء المخزون دفعة للمصنعين، على سبيل المثال. وقد يساعد الطلب المتفجر في مسح السلع من على الرفوف لدى تجار التجزئة. ويجب بوجه عام أن نتوقع تعافياً عند رفع القيود.
ومع ذلك، لن يكون هذا التعافي بمثابة انتعاش كامل. فهناك عائقان واسعان أمام الانتعاش الحقيقي. أولاً، توقع بعض الضرر المستمر للاقتصاد نتيجة إفلاس الشركات وانقطاع العلاقات بين صاحب العمل والموظف. ويساعد قانون CARES، مع إعانات البطالة المعززة ومساعدة الأعمال، على تقليل هذا الضرر إلى الحد الأدنى، لكنه لا يزال غير كافٍ لوقف النزيف تماماً.
وثانياً، إلى أن يكون هناك علاج أو لقاح للفيروس، فإن بعض قطاعات الاقتصاد ستتضرر لفترة طويلة في المستقبل. وستظل التجمعات لأكثر من 50 شخصاً، سواء مؤتمرات أو أحداثاً رياضية أو عروضاً فنية… إلخ، محدودة لفترة طويلة. وسوف تكافح صناعات الترفيه والضيافة في عالم يتحول فجأة إلى مكان أصغر للجميع. وحتى بعد تطوير لقاح، فإن الاستخدام الواسع النطاق لمؤتمرات الفيديو ستكون له آثار طويلة الأمد على أعمال السفر.
وأخيراً، من المحتمل أن يتطلب الكساد انكماشاً لتوليد انهيار ذاتي قابل للتحمل في الطلب، حيث يصبح دعم الديون الحالية أصعب مع انخفاض الدخل الاسمي. وتعتمد قدرة الانكماش على توطيد وجوده على نجاح الدعم المالي والنقدي للاقتصاد. ولحسن حظه، فقد تبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة استراتيجية «كل ما يتطلبه الأمر» للحفاظ على القطاع المالي سليماً، وبالتالي تجنب بالفعل كارثة واحدة ساهمت في الكساد الكبير. ونأمل أن نواصل نجاحنا في تجنب هذا المأزق.
وبالمثل، تحولت السياسة المالية إلى إجراءات لدعم الطلب مع إعانات البطالة المعززة، والتي ستوفر في بعض الحالات دخلاً بديلاً للعمال. والنتيجة الإيجابية غير المقصودة لهذه الفوائد العالية هي منع انكماش الأجور، ونأمل في تعزيز التوقعات الإيجابية لتحديد الأجور خلال مرحلة التعافي.
ولا يزال الانتعاش الناجح يتطلب المزيد من الدعم المالي. على سبيل المثال، برامج التأمين ضد البطالة على مستوى الولايات غير قادرة على التعامل مع حجم المطالبات، ما يؤدي إلى تأخير المساعدة. وعليه، يحتاج الكونغرس إلى تزويد الولايات كاملة بحزمة مالية ضخمة لمنع موجة أخرى من عمليات التسريح من العمل.
إن نتائج سيئة خلال ربع واحد لا تسبب الركود. وفي الواقع، تعتمد صحة الاقتصاد على المدى الطويل على السيطرة على الفيروس. وما إذا كان هذا الانهيار الاقتصادي سيتحول إلى كساد أم لا، لا يزال يعتمد على تصرفات صانعي السياسة في الأشهر المقبلة.

الدول ما زالت قادرة على الثراء من خلال التصنيع

منذ أن بدأت الثورة الصناعية، أصبحت كل الدول، التي لم يحالفها الحظ في امتلاك احتياطيات نفطية ضخمة، ثرية من خلال طريقة واحدة هي الاستفادة من التصنيع، حيث أصبحت دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية جميعها من الشركات المصنّعة العالمية قبل وقت طويل من بدء اقتصاداتها في التحول نحو تقديم الخدمات. وفي الآونة الأخيرة، قام عدد جديد من البلدان التي تعد إلى حد كبير متقدمة، بما في ذلك ماليزيا وبولندا والصين ورومانيا وتايلند والمكسيك، أيضاً بتعزيز قدراتها التصنيعية.
وقد جادل خبراء اقتصاديون مثل هاهون تشانغ وداني رودريك، وكتَّاب مثل جو ستادويل، بأن الترويج للصادرات الصناعية هو أمر حاسم لهذا النوع من التنمية، وفي ورقة بحثية في 2008، تحدث رودريك عن الكثير من الحالات التجريبية والنظرية التي تصب في صالح السياسات الصناعية، وقال، في الورقة، إن «التنمية تتعلق بشكل أساسي بالتغيير الهيكلي نحو إنتاج منتجات عالية القيمة قابلة للتصدير، والتي يميل معظمها إلى أن يكون سلعاً مصنَّعة»، كما أن المنافسة في أسواق التصدير تُجبر منتجي البلاد على زيادة الإنتاجية، وتمكّنهم من اعتماد تكنولوجيات أجنبية متقدمة.
ويحاول عدد من الدول الفقيرة وضع هذه الفكرة في حيز التنفيذ، وهناك مثالان بارزان هما فيتنام وبنغلاديش اللتان شهدتا نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث يبدو وضعهما الصناعي مناسباً تماماً للبلدان الموجودة في الدرجة الأولى من سلم التصنيع، وأهم صادرات فيتنام هي الإلكترونيات والملابس، في حين أن أهم الصادرات في بنغلاديش هي الملابس والمنسوجات.
ولكن ما يثير القلق هو أن رودريك ظل يجادل منذ عدة سنوات بأن فرص التنمية الناجحة المدفوعة بالتصنيع قد انتهت. وفي ورقة في 2016 بعنوان «هل انتهى عصر معجزات النمو؟»، قال رودريك إن دولاً مثل الصين وماليزيا ستكون آخر من استخدم التصنيع للقفز من الفقر إلى الثراء.
ولاحظ رودريك أنه في الوقت الذي تحول فيه معظم البلدان في نهاية المطاف من التصنيع إلى تقديم الخدمات بعد أن أصبحت دولاً غنية، فإنه في العقود الأخيرة، كان هذا التحول يحدث في وقت أبكر بكثير، حيث إن العديد من البلدان الآن قد بدأت في التحول بالفعل بعيداً عن التصنيع قبل أن تصبح دولاً صناعية بشكل كامل.
ويبدو أن هناك أبحاثاً أخرى قد وثّقت ظواهر مماثلة، فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أعدها الاقتصاديون دوغلاس غولين، وريمي جداب، وديتريش فولراث، في 2015، أن التحضر في كثير من البلدان النامية يعني انتقال الفقراء من العمل في المزارع للعمل في الخدمات المحلية لا في المصانع.
وبالنسبة إلى دول مثل فيتنام وبنغلاديش، فهذه تعد أخباراً سيئة، ففي حال كان رودريك على حق، فإنه قد يتبخر التفوق البارز في مجال التصنيع الموجود لديهما في الوقت الحالي، كما أنهما ستجدان نفسيهما على خطى بلدان مثل إندونيسيا ونيجيريا والبرازيل، والتي تتراجع فيها نسبة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن ما سبب هذا التراجع في الصناعة؟ هناك تفسير واحد واضح وهو الأتمتة (أي استخدام الكومبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات والبرمجيات في مختلف القطاعات)، فإذا حلّت الروبوتات محل الطرف الأخير من سلسلة التوريد، فإن العمال الفقراء وغير المهرة الذين عادةً ما يشغّلون الصناعات البسيطة، مثل صناعة الملابس والألعاب وتجميع الإلكترونيات، لم يعد لديهم ميزة نسبية في التصنيع، ولذا فإن البلدان الفقيرة قد باتت تهتم بتصدير الموارد الطبيعية والخدمات المنخفضة القيمة مثل مراكز خدمة العملاء، تاركةً للبلدان المتقدمة التي لديها الأدوات والآلات والروبوتات عملية تصنيع المنتجات.
ولكن هناك أسباب وجيهة للتشكيك في حقيقة حدوث ذلك، فالصلة بين الأتمتة والعمالة تبدو ضعيفة، حيث وجدت بعض الدراسات أنه صحيح أن الروبوتات الصناعية يمكنها أن تحل محل العمال البشر، ولكن ترى دراسات أخرى أن هذه الروبوتات تزيد من فرص العمل أيضاً، بما في ذلك بين العمال من ذوي المهارات المنخفضة.
والأهم من ذلك، فإنه بالنظر إلى توقيت تراجع الصناعة فإننا ندرك أن فكرة رجوع هذا التراجع في بعض البلدان إلى التكنولوجيا هو أمر خاطئ، وذلك لأنه قد حدث الكثير من حالات تراجع التصنيع المبكرة، والتي سجّلها رودريك، بما في ذلك في نيجيريا والبرازيل، في الثمانينات والتسعينات، ولكن في نفس الوقت بالضبط، كانت الصين تزيد من قدراتها التصنيعية في الصناعات الكثيفة العمالة، كما كانت تبدأ معجزة النمو الخاصة بها، ولذلك فإنه يبدو من المرجح أن هناك أسباباً أخرى في البلدان التي انخفض فيها التصنيع.
وقد يكون لدى كثير من هذه البلدان ببساطة تصنيع مختلّ وظيفياً أو غير مكتمل، ففي أفريقيا، على سبيل المثال، استخدم عدد من البلدان سياسة الاعتماد على الواردات، حيث قامت بالاعتماد على التجارة ومحاولة تصنيع سلعها الخاصة فقط، وغالباً ما تستخدم المصانع غير الفعالة المملوكة للدولة في ذلك، وقد استخدمت البرازيل نهجاً مماثلاً، ولكنّ هذا يختلف تماماً عن نوع السياسة الصناعية التي تركز على الصادرات، والتي تدعم الإنتاجية، والتي يوصي بها رودريك أو تشانغ أو ستودويل، فعندما تخلت البلدان الفقيرة عن العوامل الدافعة للتصنيع، فإنها قد فتحت حدودها أمام الواردات، مما أهلك الصناعة المحلية غير الفعالة.
وبالإضافة إلى الأخطاء السياسية، فإنه ربما تكون الصناعة في الصين قد لعبت دوراً في ذلك، حيث إنه ربما تسببت هذه الصناعة الضخمة في هذا البلد الضخم في تحول الشركات متعددة الجنسيات بعيداً عن المنافسين الأبطأ مثل إندونيسيا، مما أدى إلى خنق صناعاتها الناشئة، حيث وجد رودريك أنه في المتوسط، لم تشهد دول شرق آسيا تجربة تراجع التصنيع بشكل مبكر مثل نظيراتها في مناطق أخرى من العالم.
وقد تكون النظرية الاقتصادية التي ابتكرها ماسيسا فوغيتا وأنتوني فينابلز، هي المفتاح لفهم سبب حدوث ذلك، حيث توقعا أنه مع تطور الاقتصاد العالمي، فإن المناطق المختلفة تتجه إلى التصنيع، واحدة تلو الأخرى، وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه لن يكون لدى الدول الأخرى أي خيار سوى الانتظار حتى تنتهي الصين من معجزة النمو الخاصة بها قبل بدء معجزتها الخاصة.
واليوم بفضل الارتفاع السريع في تكاليف الصناعات الصينية، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ورغبة الشركات المتعددة الجنسيات في التنويع في مواجهة تهديدات مثل فيروس «كورونا»، فإنه قد حان الوقت لبلدان مثل فيتنام وبنغلاديش لتبني الكثير من الصناعات كثيفة العمالة، وحتى البلدان التي تم تراجع التصنيع فيها، مثل إندونيسيا، فقد تحصل الآن على فرصة ثانية، فحتى اليوم يجب على الدول الفقيرة ألا تتخلى عن حلمها في التنمية القائمة على التصنيع.

هل مَن يسمع الخوارزمي والكندي؟

واجه انتشار وباء كورونا قادة الدول الكبرى بامتحان كان بعيداً عن الاذهان. آلاف القتلى من فيروس بالكاد يمكن رؤيته في ايطاليا، واسبانيا، وفي الصين حيث ظهر الوباء وإن حققت اجراءات الاحتياط ضبط انتشاره بسرعة كان منها انشاء مستشفى خاص بطاقة 1200 سرير واجهزة تنفس خلال اسبوعين.

اليوم تعتبر مجلة “الايكونوميست” ان وباء كورونا يشكل اكبر قضية انسانية، وفي الوقت عينه سيدفع البلدان الصناعية الى جبه مشاكل اقتصادية ومالية كبرى لن يكون من السهل تجاوزها، وعلى صعيد التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية تبدو الصين مرشحة لاحتلال الموقع الاقتصادي والتقني الأهم عالمياً مع حلول العام 2030، والولايات المتحدة التي بدأت تعاني من مشاكل اقتصادية ومن قيادة ترامب المتأرجحة ومحاولته تخفيف اجراءات الحماية كي لا ينخفض الدخل القومي الاميركي بنسبة 5-8 في المئة اذا استمر الوباء فترة ثلاثة اشهر، وحينئذٍ لن يكون انتصار ترامب الجمهوري على بايدن الديموقراطي سهلاً، وقد تنكفىء الولايات المتحدة عن مواجهة الدول الصناعية والنفطية بمطالب فوقية.

 

وبحسب “الايكونوميست” ان الخسائر الاقتصادية فرضت على الحكومات المعنية تخصيص مبالغ ضخمة لانقاذ المصارف والكثير من المؤسسات الصناعية، وان الكونغرس أقر تأمين تريليونَي دولار لأهداف التغلب على الازمة المالية والاقتصادية. وكانت فرنسا من اوائل الدول المتقدمة التي خصصت 330 مليار أورو او ما يعادل 360 مليار دولار لمواجهة اعانة الموظفين على حيازة معاشاتهم او النسبة الاهم منها، مع تفشي البطالة، كما اقرت السوق الاوروبية برامج دعم للعمال والمؤسسات والمصارف بقيمة 880 مليار أورو اي ما يزيد على 960 مليار دولار.

اضافة الى الخطوات المقررة، ترى “الايكونوميست” ان معالجة الازمة ستفرض توافر قروض ميسرة وتسهيلات لشركات رئيسية متعثرة في العالم الصناعي تقترب من 18.6 تريليون دولار، وهذا مبلغ يتجاوز ما خصصته البلدان المعنية لمواجهة الازمة المالية التي تفجرت عام 2008 وأدت الى تخصيص 5.5 تريليونات دولار في الولايات المتحدة لانقاذ المصارف وشركات التأمين وشركات تصنيع السيارات والطائرات. وبلغت تسهيلات المصرف المركزي الاوروبي 5.6 تريليونات دولار. وكانت اليونان حصلت على 330 مليار أورو معظمها من المصرف المركزي الاوروبي للتغلب على ازمتها المالية والاقتصادية، وقد بدأت بالفعل في السنتين المنصرمتين الخروج من ازمة المديونية وتفشي البطالة. وكان لموسم السياحة عام 2019 تأثير ايجابي كبير. المصارف السويسرية الرئيسية، احتاجت الى الانقاذ وكذلك مصارف ايطالية كثيرة وشركات استثمارية ترسّخت في لندن من الولايات المتحدة، والمانيا، وفرنسا وحتى الدول العربية حيث كان ولا يزال للكويت صندوق الاجيال المقبلة المؤسَّس من الستينات، وقرض لانقاذ “بنك بركليز” بلغت قيمته 12 مليار جنيه استرليني.

استناداً الى تقديرات “الايكونوميست” فان القطاع الوحيد الذي سينجو من الضمور بل سيحقق نجاحاً ملحوظاً هو شركات التحكم بالذكاء الاصطناعي. فهذه الشركات باتت لديها برامج لتأمين الخدمات المنزلية وخدمات التسوق واستكشاف الامراض الرئيسية، وكل ذلك حصيلة التحكم التقني بالذكاء الاصطناعي.

طبعاً نحن لا نطمح الى تكريس الذكاء الاصطناعي لمواجهة ازمتنا. فالعقل السياسي اللبناني لم يتفق على خطة انقاذ سوى اعتماد وسائل السطو المقونن على مدخرات اللبنانيين وكأن هذه المدخرات تحققت من نهب الثروات في لبنان، والواقع ان ثروات الناهبين اصبحت في الخارج وليس من السهل استعادتها حتى من البلدان التي عانت عام 2008 مصاعب مالية واقتصادية مثل سويسرا وانكلترا. وسويسرا استعادت ثقة العالم بسياساتها ونظامها المصرفي ووضوح قوانينها بحيث صارت تحتوي على ثلث الثروة النقدية والذهبية العالمية.

تقدير “الايكونوميست” ان استمرار ازمة الوباء شهرين او ثلاثة سيؤدي الى انتقاص الدخل القومي في البلدان الصناعية بأكثر من 20 في المئة والى ضخ 18-20 تريليون دولار في العمليات الانقاذية للعمالة والخدمات العامة والصناعات الاساسية كصناعات الادوية، والطائرات، والسيارات والعناية بشؤون البيئة.

بالطبع السياسيون اللبنانيون بعيدون عن تلمّس فرص النجاح التكنولوجي عبر الانخراط في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد صدر كتاب حول تطورات الذكاء الاصطناعي وضعته اختصاصية اميركية شابة اسمها Amy Webb وهي متمرسة في علوم برامج الذكاء الاصطناعي، وقد اعطت الكتاب الواقع في 320 صفحة تسمية تعبّر عن محتواه، اي العمالقة التسعة The Big Nine. وبحسب تحليل المؤلفة هنالك تسع شركات مندمجة في برامج تطوير الذكاء الاصطناعي للانتقال من البرامج الاولية التي تمحورت على تطوير ادوات التحليل الرقمي التكنولوجي الذي يطاول عشرات آلاف المعطيات للوصول الى آلات التحليل التي يمكنها ان تتجاوز البرامج الموضوعة من الاختصاصيين، والتي ترتكز على التحليل الذاتي، اي الانتقال من الذكاء الاصطناعي الاولي، الى الذكاء الاصطناعي الواسع واخيراً الى الذكاء الاصطناعي العلمي، وهي تعتبر ان المرحلة الاخيرة، اي تطوير ادوات التفكير الذاتي ووضع البرامج المتقدمة، سيستغرق 70 سنة على الاقل.

كي لا يتفاجأ القارىء بتصورات المؤلفة فهي تعتبر ان بداية الذكاء الاصطناعي كانت في الستينات مع تطوير القدرات الرقمية والتحليلية للمنتجات الالكترونية. وكان ذلك عبر جمع 60 من علماء الادمغة الالكترونية في جامعة Dartmouth في الولايات المتحدة، وبعد تحقيق خطوات في تطوير ما يسمى الـ Algorithm توقف التطوير.

العودة الى محاولة توسيع قدرات ادوات الذكاء الاصطناعي بدأت من جديد بعد فوز جهاز مصنّع من شركة IBM بمسابقة مع بطل العالم في لعبة الشطرنج عام 1996، وكانت هنالك محاولات سابقة للتغلب على اصول لعبة مشابهة ألّفها الصينيون منذ 3000 سنة، وهذه الرياضة الفكرية كانت تستدعي التركيز على مختلف اوجهها لسنوات، ولم يتم التغلب على اختصاصي اللعبة الصينية المسماة Go إلا في اواخر التسعينات حين استطاع جهاز متطور للذكاء الاصطناعي يشمل مرونة التفكير بعدد من الحلول في الوقت ذاته واختيار الحل التلقائي، ومذذاك اصبح هناك شركات صينية ثلاث تنافس الشركات الاميركية. والشركات الاميركية المنصبة جهودها على تطوير الذكاء الاصطناعي هي: IBM, Microsoft, Google, Apple, Amazon, Facebook. في المقابل الشركات الصينية الثلاث هي Tencent, Baidu, AliBaba. وجدير بالذكر ان شركة AliBaba الصينية هي التي ساهمت في اطلاق شركة Google ولا زالت تحتفظ بـ22 في المئة من اسهمها، وهي الشركة المساهمة الاساسية.

يمكننا الخوض بمعلومات كثيرة نطلع عليها في الكتاب، ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض استخلاصات الكتاب وعدد من معلوماته الرئيسية.

بحسب المؤلفة ان فريق الشركات الصينية سيربح معركة التنافس وسيحتل المركز الاول بين الشركات التسع عام 2030 وذلك لان الحكومة الصينية توفر الدعم المعنوي والمالي، واقرت برنامجا لاستقبال العلماء الصينيين من مختلف بلدان العالم وخصوصا من الولايات المتحدة، وهم يوفرون معاشا سنويا لكل عالم على مستوى 150 الف دولار، والسكن وتوفير العمل لزوجته إن كان متأهلاً، وميزانية لابحاث كل عالم تراوح ما بين 440 الف دولار و800 الف دولار. وقد اعلن الرئيس الصيني في خطاب عام 2017 ان الصين تخطط لاحتلال الموقع الرقم 1 في جميع مجالات عمل الذكاء الاصطناعي، وربما يهم اللبنانيين معرفة الامر التالي الا وهو كيفية استعادة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي عبر نشاط ثلاثة افراد احدهم استاذ لعلوم الكومبيوتر في جامعة تورونتو، والثاني خبير في علوم الذكاء الاصطناعي يعمل لدى شركة IBM، والثالث شاب من اصل سوري اسمه مصطفى سليمان، والده كان سائق تاكسي في لندن ووالدته تعمل في النظام الصحي البريطاني.

وُلد مصطفى سليمان عام 1984. درس في Mansfield College في اوكسفورد وترك الكلية قبل التخرج ومن ثم تشارك مع الخبيرين المذكورين في تأسيسس شركة اسمها Deep Mind تعمل في برامج الذكاء الاصطناعي، وقد توصلت الى انجاز اتفاق خدماتي موسع مع نظام التغطية الصحية في بريطانيا، ولفت هذا العقد شركة Alpha Bet الصينية التي ابتاعت الشركة بـ 400 مليون جنيه استرليني.

قبل الانتهاء من هذا السرد نلخص ما تتوقعه مؤلفة الكتاب من مراجعتها للبرامج الاميركية والصينية في مجالات الذكاء الاصطناعي.

تقول المؤلفة ان مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي تتماشى مع مساعي الصين الحثيثة لاحتلال موقع الصدارة في هذا المضمار عالميا. تحاول الصين تجاوز مشاكل العلاقات التجارية والحصول على مركز الصدارة في النجاح الاقتصادي بتجاوز الاميركيين، وتطوير قدرات التصنيع واحتلال موقع رئيسي في الخريطة الجيوسياسية في العالم سواء بالنجاح الكبير او القوة العسكرية، او اعطاء مثال اجتماعي وتكريس الجهود لانجاح مساعي الحفاظ على البيئة عالميا.

نقرأ كل هذا في مجلة “الايكونوميست” وفي كتاب Amy Webb ولا نحرك مساعي التواصل والتفاهم مع الصينيين في مجالات تسيير المرافىء، بناء المصافي، امدادات الكهرباء، جعل بيروت المركز المالي لتجارة الصين مع المنطقة وبناء حقل كبير مع مصرف لبنان لانتاج الكهرباء من الالواح الزجاجية في البقاع.

هل مَن يقرأ…هل مَن يسمع؟!

مروان اسكندر

الشرق الأوسط ورؤوس الأموال الأجنبية

تحتل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مساحة شاسعة في قلب العالم، بعدد سكان يفوق ٤٠٠ مليون نسمة بمعدل أعمار منخفض نسبيا يتحدثون لغات عدة ويملكون ثقافات متعددة وتحتوي بلدانهم من الإرث التاريخي العريق ما قد يوازي ما تملكه بقية دول العالم. ويضاف إلى ذلك كله كم هائل من الموارد الطبيعية من النفط والمعادن والأراضي الزراعية والأنهار الجارية. ولكن مع كل هذه المؤهلات الاقتصادية، لا تبدو الأرقام عاكسة لها.

فاقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تشكل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد العالمي، فمن حجم الناتج الإجمالي العالمي الذي يتجاوز ٨٦ تريليون دولار، لا يشكل اقتصاد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من ٣.٦ تريليون دولار، أي ما يزيد بقليل على ٤ في المائة. ولعل البيئة التجارية وسهولة أداء الأعمال أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة. والمتأمل في مؤشر سهولة الأعمال الصادر مؤخرا يرى أن خمس دول فقط من دول الشرق الأوسط تحتل مركزا من المراكز السبعين الأولى، وذلك ضمن ١٩٠ دولة.

وقد يقول قائل إن حالة المنطقة هي السبب في هذه التصنيفات وذلك مع التقلبات السياسية الحاصلة فيها بما فيها من حروب مأساوية. والواقع أن هذا الرأي صحيح إلى حد ما، ولكنه ليس السبب الأهم في انخفاض التصنيف لدول الشرق الأوسط بحسب المؤشرات المتبعة فيه. فالمطلع على التصنيفات يجد مؤشرات يغلب على أكثرها الطابع التشريعي، بما في ذلك من سهولة استخراج تصاريح البناء والرخص التجارية وسرعة وصول التيار الكهربائي للمنشآت، إضافة إلى أنظمة وعوامل تجارية أخرى مثل نظام الإفلاس وسهولة الحصول على تمويل وتوفر اليد العاملة الماهرة وغيرها. وغالبية هذه المؤشرات لا ترتبط مباشرة بالتقلبات الحاصلة في المنطقة، بل هي أساسيات تشريعية، لا يستطيع المستثمرون دخول الأسواق دون معرفة تامة بتفاصيلها.

وبسبب غياب هذه المعرفة، يلاحظ انخفاض نسبة الاستثمارات الغربية في دول الشرق الأوسط، حتى مع الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول. فضمن استثمارات الشركات الأميركية المدرجة في سوق الأسهم، تشكل العوائد من دول الشرق الأوسط أقل من ٢.٤ في المائة، وتزيد هذه النسبة للشركات الأوروبية لتصل إلى ٥ في المائة، بينما تنخفض للشركات اليابانية إلى ١.٨ في المائة، وجميع هذه النسب تبدو متواضعة إذا ما قورنت بأهمية الشرق الأوسط. ومن ناحية مبيعات الشركات العالمية في السوق الشرق أوسطية، تبدو الأرقام موازية للضعف السابقة، فمبيعات السيارات في هذه الدول لا تزيد على ٢.٣ مليون سيارة مقارنة بـ٨٦ مليون سيارة في عام ٢٠١٨. أما القطاع المالي ورغم كونه قطاعا واعدا في الشرق الأوسط، إلا أن استثماراته الأجنبية ليست بما هو مأمول، فنشاطات المصارف الأميركية أقل من ٠.٥ في المائة من حجم أصولها. بل وحتى بعض الأسماء المعروفة في دول المنطقة مثل بنك (إتش إس بي سي)، لا تزيد استثماراتها على ٦٠ مليار دولار، من أصل موجوداتها التي تربو على ٢.٧ تريليون دولار. وينطبق هذا الأمر على عديد القطاعات، باستثناء قطاع الطاقة الذي تنتعش الاستثمارات الغربية فيه، فربع إنتاج شركة (توتال) الفرنسية يأتي من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وشركة (إكسون موبيل) استثمرت مؤخرا ما يقارب ٦.٥ مليار دولار في الإمارات، طامحة إلى أن يصل إنتاجها اليومي من الإمارات وحدها إلى مليون برميل يوميا بحلول ٢٠٢٤. وكذلك هو الأمر لكبرى شركات النفط مثل أرامكو السعودية وغيرها من الشركات.

إن غياب الوضوح في التشريعات التجارية والأعمال أثر وبشكل كبير على دخول الاستثمارات الأجنبية في دول الشرق الأوسط، وإن كان التجار المحليون لا يمانعون هذا الغياب بمعرفتهم بالقوانين المحلية، إلا أن رؤوس الأموال الأجنبية تمانع انعدام الشفافية لدرجة تجعلها تحجم عن دخول الأسواق. وقد تدخل هذه الشركات في حال كان العائد مرتفعا مثل ما هو الحال في الصين مع ضخامة السوق الصيني الذي أغرى الشركات الأجنبية بالدخول لأسواقها حتى مع صعوبة الأنظمة الصينية، وهذا ما دعاها كذلك للدخول في الاستثمارات في قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، أما في حال أرادت هذه الدول دخول الشركات الأجنبية في القطاعات الأخرى، ودون وسيط محلي يتحمل عنها الخطر، فالحل في تطوير التشريعات وتسهيلها على رؤوس الأموال، حتى تتمكن هذه الشركات من الدخول للأسواق، حاملة معها المنافع الاقتصادية مثل توفير الوظائف وغيرها، والمنافع السياسية مثل إيجاد مصالح تجارية للدول في المنطقة الشرق أوسطية.

د. عبدالله الردادي.

التغييرات في سوق النفط بسبب {كورونا}

حتى في أقصى تخيلاتي، لم أكن أتوقع أن أستمع إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يقول يوم الاثنين إنه يريد أن يرى أسعاراً أعلى للنفط، لأن السعر الحالي متدنٍ جداً!
هذا ليس إلا أحد التغييرات التي يشهدها سوق النفط اليوم، وهناك مزيد منها. لكن قبل الحديث عنها، أريد أن أوضح حقيقة، وهي أن الولايات المتحدة تاريخياً كانت تدافع عن أسعار نفط لا تضر بالمنتجين هناك، إلا أن الصورة الذهنية السائدة تاريخياً هي أن دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هي فقط من يدفع العالم للحصول على أسعار أعلى.
وفي حرب أسعار الثمانينات، تدخلت الولايات المتحدة حينها، وبذلت جهوداً لرفع أسعار النفط، لكن الإعلام يتجاهل ما تفعله الولايات المتحدة لحماية مصالح منتجيها، وفي الوقت ذاته لا يتهاونون عندما تبذل باقي الدول المنتجة في العالم جهداً لحماية مصالحها وشركاتها. وأنا سعيد أن العالم كله اليوم بدأ يفهم ماذا تعني أسعار نفط منخفضة. إن أسعار النفط المنخفضة التي قد يفرح بها المستهلكون اليوم، سوف تترجم إلى أسعار نفط أعلى في المستقبل، إذا توقفت الاستثمارات في الحفر والتنقيب والإنتاج. ولتشجيع الاستثمار في القطاع، يجب الحفاظ على استقرار السوق وضمان أسعار تشجع على الاستثمار.
وهذا يقودنا للحديث عن أول التغييرات، إذ إن الولايات المتحدة، التي تغير دورها الآن بسبب كورونا، وأصبحت تلعب دور دول «أوبك» في التنسيق العالمي مع المنتجين، والدفاع عن أسعار أعلى وعادلة تساعد على استمرار الإنتاج. ويوم الاثنين أجرى الرئيس الأميركي اتصالاً أراه تاريخياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحديث عن وضع الأسعار، واتفق الطرفان على أن أسعار النفط الحالية ليست في مصلحة البلدين، واتفقا على أن يُجري وزراء الطاقة في البلدين مشاورات حول السوق العالمية، بحسب ما ذكره المتحدث الرسمي للكرملين بالأمس.
التغير الثاني المهم، أن دول «أوبك» ذاتها بدأت تتحول إلى دور الولايات المتحدة من حيث التقيد بمبادئ السوق الحرة، وها هي السعودية وغيرها تنافس على حصص سوقية بطريقة عادلة، من خلال إعطاء تخفيضات واضحة على أسعار نفطها. لقد دعا كثير من الدول سابقاً أن تتبنى «أوبك» هذه السياسة، وأن تحرر سوق النفط، وينتهي دورها في الحفاظ على استقرار السوق، ويبدو أن القدر استجاب لمطالبهم، وانعكست الآية. وأتمنى أن يكون الجميع قد بدأ الآن في فهم أهمية دور «أوبك» للحفاظ على استقرار السوق، إذ لا تمتلك دولة أو مجموعة منتجين في العالم القدرة على إعادة الاستقرار للسوق، مثل ما تفعله «أوبك»، ولهذا من يقول بموت «أوبك» لا يفهم عمق دورها.
ولا أتصور أن هناك دولاً تقدر التنافس مع «أوبك» إذا تحول الجميع لاقتصاد السوق الحرة. ونحن نرى جدية السعودية في اتخاذ قرار الدفاع عن حصتها السوقية، بل تعظيمها كذلك، في ظل الانخفاض الكبير للطلب على النفط، الذي من المتوقع أن يصل إلى 20 مليون برميل يومياً خلال أسابيع قليلة، مع توقف حركة النقل عالمياً، إذا يستهلك قطاع النقل نحو 60 في المائة من الاستهلاك العالمي من النفط.
وسيتغير توزيع الحصص في السوق، ما يشهد الآن على جدية الأمر بالنسبة للسعودية، إذ إن بيانات الناقلات والشحن البحري تظهر أن المملكة صدّرت نحو 7 ملايين برميل يومياً خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر مارس (آذار)، وارتفع الرقم إلى 9 ملايين برميل يومياً في الأسبوع الأخير من مارس. وهناك الآن نحو 16 ناقلة عملاقة في رأس تنورة وينبع جاهزة لتحميل 32 مليون برميل، إضافة إلى 4 ناقلات عملاقة متجهة إلى الولايات المتحدة. وملأت السعودية صهاريج التخزين في سيدي كرير في مصر بنحو 1.3 مليون برميل لتجهيزها لسوق أوروبا. وعلى الأرجح، سوف تقدم «أرامكو السعودية» تخفيضات إضافية الأسبوع المقبل على النفط الذي ستبيعه في شهر مايو (أيار)، بحسب توقعات السوق.
هذا يقود للتغيير الثالث، وهو أن المخزونات النفطية بعد كورونا سوف ترتفع إلى مستويات أعلى من المستويات السابقة في 2016. والتي عانت «أوبك» وحلفاؤها في «أوبك+» لتقليصها على مدى 3 سنوات من الخفض الشاق والمؤلم. ولا يوجد مكان اليوم لتخزين النفط، حيث تبلغ الطاقة التخزينية العالمية 1.6 مليار برميل، وستشهد السوق ضخّ 1.8 مليار خلال النصف الأول. ولو أراد المنتجون الوصول إلى اتفاق جديد بعد كورونا، فإن الخفض الذي سيتم تقديمه أعلى بكثير من التخفيضات السابقة، وأشد صعوبة من حيث الالتزام، وسيتطلب هذا مشاركة لمجموعة دول أوسع من قبل.
وأخيراً، هل وعى كل المنتجون، بما فيهم روسيا، الذين عارضوا قرار «أوبك» والسعودية بطلب تخفيض إضافي قدره 1.5 مليون برميل يومياً، كل هذا؟ سيحتاج المنتجون إلى بذل جهد أكبر بعد كورونا لإعادة الاستقرار للسوق، في انتظار ميلاد نظام عالمي جديد للنفط، أم ستعود الأمور إلى سابق عهدها، ويُلقي الجميع الحمل على «أوبك» وحدها.

وائل مهدي

خطأ حسابات موسكو والرياض يجعل من انهيار النفط اختبار صعب لتحالف أوبك+

يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا تتضمن تخفيضات كاسحة على إنتاج النفط. الرياض دعت إلى محادثات طارئة، وموسكو تقول إنها لم تعدد تخطط لزيادة الإنتاج في معركة على الحصة السوقية.

لكن يبقى السؤال: حتى إذا توصل أكبر ثلاثة منتجين في العالم إلى اتفاق غير مسبوق لكبح إنتاج النفط، هل يمكن لأي صفقة أن تحجب ما يكفي منه في الوقت الذي قضى فيه فيروس كورونا على ثلث الطلب العالمي على الخام؟

غير أن شيئا واحدا أضحى واضحا: بعد أن أخذت أسعار النفط في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعض أشد انحناءاتها في التاريخ، فإن التحرك في مواجهة ذلك سيكون اختبارا صعبا، إن لم يكن مستحيلا، لتحالف أوبك+، التجمع غير الرسمي الذي دعم أسعار الخام لثلاث سنوات إلى أن انهار اتفاقه في مارس آذار.

يقول مصدر في أوبك أحيط علما بسياسة النفط السعودية إن حجم التراجع في الطلب قد يتطلب تحركا يتجاوز المدى الذي يمكن لمجموعة أوبك+ أن تمضي إليه منفردة. وقال ”هذا وضع استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية.“

تراجع الطلب على النفط بما يصل إلى 30 مليون برميل يوميا، بما يقارب إنتاج السعودية وروسيا والولايات المتحدة معا.

يتجاوز التراجع أيضا إجمالي إنتاج جميع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي ظلت لعقود اللاعب الأكثر نفوذا في سوق النفط.

وكتب مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية هذا الأسبوع ”حجم الاضطراب الحالي يفوق قدرة أوبك على إعادة توازن الأسواق بمفردها.“

وتابع ”هناك حاجة ملحة إلى تعاون دولي أكبر،“ متوقعا أن تعاني الولايات المتحدة والمنتجون الآخرون من ذوي التكلفة المرتفعة.

لم تطلب السعودية ولا روسيا بشكل مباشر من الولايات المتحدة – التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بفضل ثروة النفط الصخري التي ساعدها دعم أوبك+ للأسعار – المشاركة في أي تخفيضات للإنتاج، وهو ما تحظره قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية.

لكن، في الواقع، قد تكون مشاركة أمريكية ما ضرورية في أي اتفاق إذا كان من المأمول له أن يحدث أثرا على مستوى العوامل الأساسية للسوق.

خطأ في الحسابات

يقول كيريل دميترييف، أحد كبار مفاوضي النفط الروس ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في تصريحات لرويترز ”إذا زاد عدد أعضاء أوبك+ وانضمت دول أخرى، ثمة إمكانية لاتفاق مشترك من أجل موازنة أسواق النفط.“

لكن طريقة الاستجابة تجدد سجالا مريرا اندلع أوائل مارس آذار في فيينا، حيث شبت الخصومة بين موسكو والرياض وانهار اتفاق أوبك+ لتقييد المعروض على نحو مفاجئ.

فقد دعت السعودية إلى تخفيضات إضافية عميقة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وإنها ترغب أن يتحمل الآخرون – مشيرة بوضوح إلى روسيا – حصة أكثر تناسبا.

وردت موسكو بأن تعميق التخفيضات لن يكون منطقيا لحين اتضاح المدى الكامل لتداييات فيروس كورونا، في ضوء أن إجراءات مكافحة الفيروس تكاد توقف النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لينحدر بشدة الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل.

وبدلا من إيجاد طريقة لتجاوز خلافاتهما، أخطأ كلاهما في قراءة مدى عزم الأخر التمسك بموقفه. وحتى في ظل العواقب السلبية على الأوضاع المالية للبلدين، غادرا الاجتماع متعهدين بفتح الصنابير واقتناص الحصص السوقية مما أسفر في النهاية عن انهيار أسعار النفط.

وقال مصدر نفطي روسي محنك ”أخطأت روسيا حساب رد الفعل السعودي.. لم تعتقد موسكو قط أن السعوديين قد يهددون بزيادة الإنتاج لهذه الدرجة الكبيرة. ظننا أنهم سيواصلون فحسب العمل بالتخفيضات القائمة.“

أما السعودية فأخطأت تقدير مدى انهيار الطلب على النفط والذي دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من 20 عاما.

أدركت الرياض سريعا أنه، في سوق مترعة بالخام، حتى المشترون الذين يمكن التعويل عليهم لا يرغبون في المزيد وأن تخفيضات الأسعار الكبيرة لن تغير هذا الوضع. فقد نأت شركات النفط الرئيسية وكبرى الدول المستهلكة عن شراء الشحنات الإضافية.

ادعاء النصر

قد يكون أمام كلا الطرفين الآن فرصة لإعادة النظر – وربما سبيل لادعاء أن كلا منهما كان على صواب. ففي حالة التوصل إلى اتفاق، تستطيع الرياض أن تقول إن ضخ مزيد من الخام أجبر روسيا على العودة إلى الطاولة. وبوسع موسكو، إذا انضم آخرون، أن تقول إن أثر الفيروس تجاوز ما يمكن لمجموعة أوبك+ أن تتعامل معه بمفردها.

أحدث ترامب، الذي قال إن موسكو والرياض ”جن جنونهما“ بضخ المزيد بعد انهيار اتفاقهما بشأن المعروض، صدمة في السوق يوم الخميس بقوله إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا.

وكتب ترامب على تويتر ”أتوقع وآمل أن يخفضان الإنتاج حوالي عشرة ملايين برميل، وربما أكثر بكثير وهو، إذا حدث، سيكون شيئا عظيما لصناعة النفط والغاز!“ ذاكرا رقما للتخفيضات يعادل عشرة بالمئة من المعروض العالمي.

ومن المقرر أن يجتمع ترامب بالمدراء التنفيذيين لشركات النفط الأمريكية يوم الجمعة، غير أن مسؤولا رفيعا بالإدارة قال إنه لن يطلب من المنتجين المحليين المشاركة في التخفيضات.

لكن حتى إذا لم يشارك المنتجون الأمريكيون طوعا، فقد يجدون أنفسهم مجبرين إلى ذلك. ففي ظل التدني الحالي للأسعار، قد يضطرون إلى إغلاق جانب كبير من الإنتاج النفطي عالي التكلفة — أو طلب المال من الحكومة تجنبا للإفلاس.

وسيكون أي اتفاق رسمي للتعاون مع أوبك معقدا بسبب قوانين مكافحة الاحتكار. لكن بعض منتجي النفط الصخري الأمريكيين في تكساس طلبوا من الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة هناك فرض تخفيضات للمرة الأولى في 50 عاما – وقال أحد ثلاثة مفوضين بالهيئة التنظيمية الأمريكية إنه قد يكون من المنطقي إجراء ذلك.

وأجرى المفوض، رايان سيتون، اتصالا هاتفيا بالأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركندو الشهر الماضي.

وقال ترامب عقب حديث مع بوتين ”يوجد الكثير من النفط وهو في بعض الحالات أقل قيمة من الماء على الأرجح… لم نر قط شيئا كهذا.“

وبحث المسؤولون الأمريكيون عددا من الأفكار بشأن الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تساهم بها في إدارة أسواق النفط العالمية.

لكن في بادرة تجاه موسكو، عرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع الشروع في رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا إذا اتفقت المعارضة وأعضاء بالحكومة على تشكيل حكومة انتقالية، في تحول عن سياسة تصفها موسكو بغير العادلة.

وقال المصدر في أوبك إن من غير الواضح ما الذي يمكن أن تقترحه واشنطن على الرياض لتخفيف الأزمة.

ومن غير الواضح أيضا إن كان بوسع المنتجين التحرك بالسرعة الكافية لإحداث تغيير سريع في مثل هذه الأوقات المضطربة.

 

العالم بين «كورونا» وإنقاذ الاقتصاد

ربما تشهد الأسابيع القليلة المقبلة ارتفاعاً في معدلات الإصابة بفيروس «كورونا» الذي يصيب الرئتين، ثم يبدأ في التراجع إثر جهود الاحتواء المبذولة والأجواء المناخية الأكثر دفئاً في نصف الكرة الشمالي. بيد أنه من غير المحتمل حدوث ذلك، مما يعني أنه بالإضافة إلى المخاوف الإنسانية، ينبغي على المستثمرين التفكير في تأثير المرض على محافظهم الاستثمارية.
ولقد تسببت المخاوف من الإصابة بالعدوى في إلغاء كثير من الفعاليات حول العالم، مع تعطل سلاسل التوريد المختلفة. ومن شأن ذلك أن يرجع بتأثير كبير على أرباح الربع الأول من العام الحالي وعلى الاقتصاد العالمي حتى مع نجاح احتواء الفيروس قريباً.
وتعتبر الآثار طويلة الأجل للفيروس متعارضة في بعض النواحي مع الآثار قصيرة الأجل. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن معدل انتقال الفيروس أعلى بكثير مما كان معتقداً في البداية، وأن عدداً أكبر بكثير من الأشخاص قد أصيبوا فعلاً بالعدوى مما هو متوقع. وهذا من الأنباء السيئة على جهود الاحتواء، ويزيد من المخاوف على المدى القصير.
وهناك ثلاثة سيناريوهات معتبرة عند هذه النقطة. أولاً، إمكانية احتواء الفيروس ثم القضاء عليه باعتباره تهديداً للصحة العامة، تماماً كما كان الحال مع وباء سارس في عام 2003، وفي هذه الحالة، ليس هناك من سبب يدعو إلى توقع التأثيرات طويلة الأجل على الاستثمارات.
السيناريو الثاني يفيد بأن يحول الفيروس إلى وباء متوطن. وهذا السيناريو لا يدعو إلى الفزع بحال. فهناك أربع سلالات من فيروس كورونا بالفعل، وهي تسبب في مجموعها نسبة 25 في المائة من الإصابة بنزلات البرد. ووجود فيروس خامس منها لن يُحدث فارقاً كبيراً. بل في واقع الأمر، يؤدي استحداث فيروس جديد إلى ظهور آثار معقدة على الصحة العامة؛ نظراً لإمكانية تغيير أنماط الإصابة بجميع الأمراض الشائعة الأخرى. لذلك، وفي حين أن هذا قد يكون من الأنباء السيئة، مع محاولات احتواء كوفيد – 19 الجارية، فإنه قد يعني ارتفاعاً في عدد الإصابات وربما اشتداد نزلات البرد على الناس. وعلى النقيض من ذلك يقف التحسين المستمر في المعارف الطبية المعنية بالحد من حدوث المرض وشدة الإصابة به.
أما السيناريو الثالث، وهو الأسوأ، فيتعلق بتحول الفيروس إلى وباء عالمي واسع النطاق، وربما يكون سيئاً أو هو أسوأ من وباء الإنفلونزا لعام 1918.
ولا ينبغي علينا النظر فقط في إمكانية حدوث وباء كورونا عالمياً، حيث إن هناك العديد من الأمراض الأخرى المرشحة لأن تتحول إلى أوبئة عالمية هي الأخرى (الإنفلونزا، والفيروسات الخيطية، وحمى لاسا، وحمى الوادي المتصدع، وحمى القرم كونغو، هي من بين الأمراض المعروفة، فضلاً عن ظهور أمراض أخرى مجهولة). بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الكوارث الأخرى المحتملة أيضاً: القراد أو غيرها من الحشرات، والأمراض مثل داء الكلب المنتشر بين الحيوانات، ودمار المحاصيل الزراعية، والبراكين، والزلازل، والتغيرات المناخية، وآثار الكويكبات، وما إلى ذلك. وقبل تغيير استراتيجية الأجل الطويل، ينبغي على المستثمرين السؤال عما إذا كانت المعلومات الواردة بشأن فيروس كورونا قد غيرت بصورة كبيرة من احتمال وقوع حادثة الوفاة الجماعية على مدى العقود القليلة المقبلة.
ولإلحاق بعض الأرقام بالأمر، اتخذت نموذجاً جرى تطويره في عام 2017، ونشرته منظمة الصحة العالمية من أجل الآثار الصحية والاقتصادية للأوبئة المحتملة. ويتعلق هذا النموذج بمخاطر فيروس كورونا ومرض الإنفلونزا. لا يظهر من النموذج شيوع أي أوبئة خلال 84 عاماً من أصل 100 عام، ويتوقع وصول الوفيات العالمية الناجمة عن كورونا والإنفلونزا إلى 200 ألف حالة وفاة، مع انخفاض الدخل العالمي الإجمالي بنسبة 0.2 نقطة مئوية.
أما بالنسبة لما يتعلق بالأسواق، فما زلنا في مرحلة السيناريو الأول، إمكانية احتواء الفيروس. وفي هذه الحالة، يمكننا التوقع لإجمالي الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا ومرض الإنفلونزا في عام 2020 أن يدور حول المتوسط.

الكورونا يغيّر وجه العالم

للكورونا تأثيرات كبرى تغيّر وجه العالم. لن ينعكس التأثير على المواضيع الصحية فقط بل سيمتد الى كافة الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية.  كشفت الكورونا عجز الأنظمة الصحية العالمية التي كانت دون شك مقصرة وغير جاهزة لتحديات جدية حتى أقل من الكورونا.  تبين التقصير والفساد في الانفاق الهائل على الصحة الذي لم يصمد لأسابيع قليلة. ليس فقط أهدرت ضرائب المواطنين وأموالهم من قبل الحكومات والجمعيات والمنظمات، بل نوعية الخدمات المقدمة ليست بمستوى طموحات المواطنين وآمالهم. أنفقت المجتمعات على الحاجات الصحية التي ربما لا يحتاج اليها المواطن بل تحتاج لها الشركات المستثمرة التي جنت الملايين بل المليارات من الأرباح.  لا بد من مراجعة ما أنفق على الصحة لأن النتيجة ليست بمستوى الطموحات والحاجات.  ما هو الحل الذي تقدمه الحكومات والمنظمات اليوم للمواطن؟  الحجر أو العزل ليس فقط لحمايته وانما لحماية المستشفيات والمستوصفات التي لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من المرضى وبالتالي وجب حمايتها.  فعلا، التقصير يفوق الوصف بل يدعو الى الخجل.

البؤس يولد الكراهية وهذا ما يحصل عالمياً، اذ نتج عنه وصول قيادات سياسية تعبر عن هذه الكراهية ليس فقط في أميركا بل في أوروبا والبرازيل وغيرها. ماذا يقصد الرئيس ترامب عندما يصف الكورونا بـ«الفيروس الصيني»؟ يسعى الى شد عصب المؤيدين له قبل الانتخابات أي عموما الرجال البيض الذين ما زالوا يشعرون بالحرمان والغضب من السياسات السابقة التي عززت بقية الأعراق كما الجنس الآخر.  لم تكن المشكلة في الآخرين لو استطاع الاقتصاد توفير فرص العمل للجميع، لكن الضحية كان الرجل الأبيض في رأيه فانتفض.  تشير الدراسات الى أن العمر المرتقب للرجل الأبيض في الولايات المتحدة ينحدر منذ أواخر التسعينات بسبب اليأس مما دفعه الى معاقبة الطبقة السياسية عبر ايجاد «ترامب» وارساله الى البيت الأبيض.  في الاحصائيات أعطى الرجل الأبيض ترامب 67 مقابل 28 لهيلاري كلينتون.

الخطر الأكبر على استمرارية الأنظمة الديموقراطية يأتي اليوم عجباً في الدول الغربية ومنها.  قال أرسطو «أن المجتمعات المؤلفة من أقلية أغنياء كبار وأكثرية فقراء لا يمكن أن تكون حرة.  فهي مجتمعات مؤلفة من أسياد وأزلام وبالتالي لن تكون مستقرة». قال كارل بولانيي «أن انتصار المجموعات المتطرفة انتخابيا يعود الى رفض الأحزاب الديموقراطية تنفيذ الاصلاحات المرتكزة على التخطيط والرقابة والمحاسبة.  يتابع أن ترك أنظمة السوق تعمل دون رقيب أو حسيب يؤدي الى قتل حرية الأسواق وشفافيتها». أتت الكورونا لتثبت للعالم أجمع أن ما بنته الحكومات كل الحكومات لم يكن كافيا بل هشا، وهذا ما تثبته اليوم التحديات الخطيرة التي نعيشها.

هنالك تغيرات كبرى في مجتمعات اليوم تؤثر كثيرا على السياسات الاقتصادية منها ما يحصل بشأن الكورونا.  شباب اليوم أي الذين أعمارهم بين  24 و39 يرغبون في التقاعد باكرا وبالتالي يرغبون في الادخار وليس الاستهلاك تحضيرا للتقاعد. يؤثر هذا الواقع على نسب النمو التي هي أقل من الماضي حيث كان الاستهلاك سيد الموقف.  هذا يعني أن تخفيض الفوائد كما يحصل من قبل المصارف المركزية لن يشجعهم على الاستهلاك لأنهم لا يريدونه.  لذا السياسات النقدية غير فاعلة اليوم كما كانت في الماضي والمطلوب تحرك السياسات المالية كما فهمته ادارة الرئيس ترامب الذي سيرسل مباشرة أموالا الى الافراد الأميركيين.  الفوائد في أميركا تقارب الصفر ولا تأثير لها يذكر، لذا سيقدم المصرف المركزي على شراء سندات الخزينة من الأسواق وضخ النقد.  كذلك سيفعل المصرف المركزي الأوروبي للأسباب نفسها.  السياسات المالية في أوروبا ما زالت وطنية وبالتالي تحركها المصالح الداخلية وليس الاقليمية.

ما هي التأثيرات المباشرة للكورونا عالميا، اذ أثبتت التطورات الأخيرة مدى ترابط العالم بعضه ببعض. يدخل العالم في فترة ركود قاسية ستدوم طويلا خاصة وأن أسلحة المعالجة المناسبة غير متوافرة.  سقوط الأسواق المالية بالسرعة التي نشهدها يؤشر الى عمق المشكلة وصعوبة المعالجة.  نحن نعيش في قرية صغيرة تعاني نفس المشاكل ومقصرة بالمواضيع نفسها:

أولا:  تبين للعالم أن الأنظمة الصحية غير جاهزة لمواجهة المخاطر وبالتالي نتج عنه خوف كبير من قبل المواطن على صحته ومستقبله.  الخوف يوتر الأعصاب ويدفع الانسان الى التصرف بعنف ويفقده ثقته بدولته ومستقبله. ما شهدناه في ايطاليا خاصة هو عدم قدرة المصاب على رؤية عائلته قبل الموت خوفا من نقله الفيروس لهم. هذا في غاية الظلم والأسى والحزن.

ثانيا: تبين للعالم أهمية الصين في الاقتصاد العالمي.  اصابة الصين من الكورونا أضعف نموها وطلبها على السلع والخدمات.  أهم الاصابات كانت السوق النفطية حيث انحدر سعر البرميل الى حدود منخفضة جدا. هذا مفيد للمستهلك والمنتج عموما لكنه مسيء الى الدول النفطية وفي مقدمها دول الأوبيك وروسيا حيث النزاع على أشده بينهما.  من غير المتوقع أن يتعزز الاستهلاك كما الانتاج بسبب الخوف أي العامل النفسي.  لذا تسقط الأسواق خوفا وليس بسبب العوامل العادية التي تؤثر على الاستهلاك أو الاستثمار.

ثالثا: تبين للعالم عدم جهوزيته لمواجهة أزمات جدية. الحكومات غير جاهزة بمالياتها واداراتها لمعالجة الكارثة الصحية. الشركات العملاقة عموما غير جاهزة بسبب الديون الكبيرة الباهظة التي تحملها والتي تحتاج الى سنوات جديدة للمعالجة.  التعليم غير جاهز للانتقال الى التنفيذ عبر شبكات الاتصالات والانترنت.  الطلاب في المنازل يهدرون الوقت والأهل غير مجهزين عموما للتدريس. لذا القلق الكبير على المستقبل.

رابعا:  أكبر الخاسرين من الكورونا هي السياحة والطيران والفنادق والمطاعم وغيرها والتي تعاني جميعها من الاقفال وربما تضطر لخسارة عمالها وموظفيها.  ستسعى الماليات العامة للمساعدة، لكن موازنات الدول هي مهترئة وبالتالي من يساعد من ومن ينصح من؟

خامسا: هل هنالك جوانب ايجابية للكورونا بالرغم من سوء التناسب مع السلبيات.  من الايجابيات تخفيف حجم التلوث الذي كانت تصدره الطائرات والسيارات والمصانع وغيرها. انحدار الحركة الاقتصادية عموما سيؤثر ايجابا على نظافة البيئة ويساعد الانسان على تحسين نوعية الحياة المستقبلية.

سادسا:  هنالك شركات عدة استفادت من انحدار الحركة لتنظف أو تصحح نفسها من الداخل. فقامت بترشيد الإنفاق كتخفيف نفقات السفر وتحسين الانتاجية عبر الإنفاق أكثر على الاتصالات والالكترونيات والذكاء الاصطناعي وتقنيات المعلومات وغيرها، وبالتالي تحضر نفسها للمنافسة القادمة بعد الكورونا.  ظروف اليوم الصعبة تساعد الأذكياء على التحضير الجدي والصامت للمنافسة الكبيرة الآتية بعد المصيبة.

سابعا:  هنالك قطاعات لا بد وأن تستفيد مما يحصل اليوم فتنتج ما يحتاج اليه الانسان.  هذا هو حال شركة «أمازون» التي ستوظف مئة ألف شخص يقومون بتوصيل السلع الى المنازل لصعوبة انتقال المواطن بسبب الكورونا. مَن يخسر وظيفته اليوم في قطاع السياحة مثلا ربما يجد فرصة عمل له في أمازون وهذا مفيد جدا.

تبقى الصحة أهم شيء في حياة الانسان، ومن دونها لا معنى للمزايا الاخرى التي تبقى دون جدوى أو حتى مضرة في بعض الأحيان.  يتبين للعالم اليوم ان صحته غير مضمونة وبالتالي كل ما قام ببنائه في العقود الماضية غير كاف أو ناقص أو هش وبالتالي وجب اعادة البناء.  هذا الشعور المنطقي مؤذ ويحطم معنويات الانسان لكن في نفس الوقت يعطيه أملاً بمستقبل أفضل للأجيال القادمة التي نأمل أنها ستؤسس بشكل أفضل.​

د. لويس حبيقة.