خريطة طريق عالمية لتنسيق العمل بالعملات المشفرة

ناقشت قمة العشرين بالهند (9 و10 سبتمبر/ أيلول 2023) مواصلة مراقبة مخاطر التطورات السريعة في النظام البيئي للأصول المشفرة، إذ وضع المنظمون الماليون العالميون، وصندوق النقد الدولي خارطة طريق لتنسيق الإجراءات التي تمنع الأصول المشفرة من تقويض استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي، إذ إن الأصول المشفرة هي مصطلح يشير إلى العملات الرقمية الافتراضية التي يتم التداول عليها إلكترونياً، فهي عملات لا وجود لها على أرض الواقع، ولكنها عُرفت من خلال الشبكة العنكبوتية، ويتم تداولها عليها، وقد استطاعت أن تجذب أنظار فئة من الناس إليها، وأصبحت من العملات التي تتمتع بقابلية محدودة من قبل الجمهور.

ما يميز هذه العملات ويجعلها قابلة للتداول المحدود والحذر، هو أنها تخضع لعمليات تشفير صعبة، ومربوطة بخوارزميات يصعب اختراقها، حيث يُمنع فيها تزوير القيمة، فمالك العملة لا يستطيع إرسال العملة نفسها لأكثر من شخص، وهذا جعلها محط اهتمام الجميع، خصوصاً أن محاولة اختراع عملات مشفرة بدأت قبل ذلك بكثير في عام 1998، وإمكانية خضوع العملات لعمليات تشفير واختراق، هي التي جعلت الفكرة بعيدة المنال.

وباتت الأصول المشفرة اليوم واحدة من أهم آليات التداول للسلع والخدمات، كما يتم التداول بها في السوق المالية العالمية، وأصبحت العديد من دول العالم تقبلها بوصفها آلية دفع، مقابل الخدمات التي تقدمها مؤسساتها، وليس من المستبعد يوماً أن نجدها هي الأساس الذي يتم به التداول العالمي للخدمات، خصوصاً أنها قدمت إمكانيات أفضل بكثير من النقود العادية إذا نجحت في وظائفها، كونها غير قابلة للتلف ولا السرقة ولا إرهاق نفسك في حملها. محفظة إلكترونية فقط على هاتفك الجوال يمكنك فيها حفظ ملايين الأصول المشفرة، واستخدامها في عديد من عمليات التداول.

وفيما يتعلق بالأصول المشفرة: السياسة والتنظيم، أكدت «قمة العشرين» في الهند 2023، القرار الرفيع المستوى لمجلس الاستقرار المالي، والتوصيات لتنظيم الأصول المشفرة والإشراف عليها، والإشراف على الأنشطة والأسواق وترتيبات العملات المستقرة العالمية، إذ طلبت القمة من مجلس الاستقرار المالي وضع المعايير التي تعزز التنفيذ الفعال في الوقت المناسب لهذه التوصيات بطريقة متسقة على مستوى العالم لتجنب المرابحة التنظيمية.

وقالت هيئة مراقبة المخاطر بـ«مجموعة العشرين» ومجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد الدولي، إن هذه المخاطر تتفاقم بسبب عدم الامتثال للقوانين الحالية في بعض الحالات، وإن عديداً من الفوائد المزعومة من الأصول المشفرة، مثل المدفوعات الأرخص والأسرع عبر الحدود وزيادة الشمول المالي، لم تتحقق بعد. وإن الاعتماد على الأصول المشفرة على نطاق واسع يمكن أن يقوّض فاعلية السياسة النقدية، ويتحايل على تدابير إدارة تدفق رأس المال، ويؤدي إلى تفاقم المخاطر المالية، وتحويل الموارد المتاحة لتمويل الاقتصاد الحقيقي، وتهديد الاستقرار المالي العالمي.

وقد حدد تقرير هيئة مراقبة المخاطر، الجداول الزمنية لأعضاء صندوق النقد الدولي و«مجموعة العشرين» لتنفيذ التوصيات الأخيرة لتنظيم العملات المشفرة الصادرة عن مجلس الاستقرار المالي والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية، وهي مجموعة عالمية من منظمي الأوراق المالية، وإن التقرير الذي سيتم تقديمه إلى قادة مجموعة العشرين في القمة أوضح أن الاستجابة السياسية والتنظيمية الشاملة للأصول المشفرة ضرورية لمعالجة مخاطر الأصول المشفرة على الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي، وأن العناصر الأخرى تشمل تجنّب الحكومات العجز الذي يمكن أن يؤدي إلى التضخم الذي يؤثر في العملات الورقية، ويشجع البدائل مثل الأصول المشفرة، وينبغي أيضاً توضيح المعاملة الضريبية للأصول المشفرة، إلى جانب كيفية تطبيق القوانين الحالية على هذا القطاع.

وقد رحبت القمة بخطة العمل المشتركة لأصول التشفير لكل من مجلس الاستقرار المالي وهيئات وضع المعايير المشتركة لأصول التشفير، وبالورقة التجميعية لصندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي، بما في ذلك خارطة الطريق التي من شأنها أن تدعم سياسة منسقة وشاملة الإطار التنظيمي، مع الأخذ في الاعتبار المجموعة الكاملة للمخاطر والمخاطر الخاصة باقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية والتنفيذ العالمي المستمر لسياسات صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي لتطبيق معايير مجموعة العمل المالي (FATF) للتصدي لغسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب. كما رحبت القمة بتقرير بنك التسويات الدولية عن النظام البيئي للعملات المشفرة: العناصر والمخاطر الرئيسية. يشار إلى أن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، سيناقشون مسألة اتخاذ قرار تقديم خارطة الطريق في اجتماعهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وفي الختام، ما زالت العملات المشفرة والرقمية في إطار الدراسة في صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي.

 

د. ثامر محمود العاني

ما سبب الالتباس في موقف صندوق النقد حيال الودائع؟

بعد أربع سنوات على الانهيار، وبعد تقارير محاسبية وتدقيقية، ووقائع غير قابلة للانكار، في شأن الاسباب والطرق التي أدّت الى الوضع الافلاسي القائم حالياً، حان الوقت للانتقال الى مرحلة الواقعية والبدء في إقرار معالجات وتنفيذها على وجه السرعة للخروج من الحفرة التي لا تزال تزداد عمقاً يوماً بعد يوم.

السياسة التي تتّبعها حاكمية مصرف لبنان حتى الآن، لا غبار عليها، وهي مطلوبة بدليل الاشادة التي حظيت بها هذه الاجراءات في البيان الختامي للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت. لكن هذه السياسة ينبغي ان تتماهى مع اجراءات وخطوات ينبغي ان تتخذها الدولة (السلطتان التنفيذية والتشريعية) لكي تكون مثمرة على مستوى الخروج التدريجي من الأزمة. والمفارقة في هذا الوضع، انه اذا امتنعت الدولة عن مواكبة النهج الجديد في المركزي، سينعكس ذلك ضغوطاً اضافية على الوضع المعيشي للمواطن. وهذا يعني ان اللبناني في هذه الحالة، سيعاني تراجعاً اضافياً في قدراته الشرائية، وقد تتعمّق دائرة الفقر، على اعتبار ان السياسة السابقة للمركزي كانت تستند، وبموافقة ودعم من الدولة، على مبدأ انفاق اموال المودعين المتوفرة في مصرف لبنان، لتخفيف وطأة الأزمة المعيشية على الناس. وعندما يتم اغلاق هذه الحنفية غير الشرعية، والتي هي أشبه بسرقة اموال الناس وتوزيعها على آخرين لإسكاتهم، من دون تأمين مصدر تمويل بديل يمكن خلقه عبر خطوات اصلاحية، واجراءات تنفيذية تباشرها الدولة، فمن البديهي انّ المواطن سيعاني ضغوطات معيشية اضافية، وستصبح الأزمة موجعة اكثر لغالبية اللبنانيين.

انطلاقاً من هذا الواقع، لا بد من الانتقال بسرعة الى مرحلة جديدة على مستوى الدولة. ومن خلال زيارة وفد صندوق النقد، تأكد المؤكد، وهو ان المشكلة الاساسية التي تعيق هذا الانتقال، الى جانب اللامسؤولية وغياب الوعي لدى كل المسؤولين، ترتبط بكيفية اعادة الودائع. ونحن نتحدث هنا، عن اموال لم تعد موجودة، وبقي منها فعلياً حوالى 10 مليارات دولار، من اصل حوالى 90 مليار دولار مُسجّلة في قيود المصارف. فمن اين سنأتي بـ80 مليار دولار لحل مشكلة الودائع؟

في البداية، ينبغي ان نعرف انّ صندوق النقد الدولي لا يعترض على مبدأ اعادة الودائع، بل يرفض ان يتم تمويل اي صندوق لإعادة هذه الودائع من ايرادات الدولة. والسبب في ذلك انّ الصندوق وضع خطة، ورسم تقديرات لأداء الاقتصاد اللبناني في السنوات المقبلة، ولنسب النمو المتوقع، ولقدرة لبنان على اعادة القرض الذي سيقدمه الصندوق له وقيمته 3 مليارات دولار. وبالتالي، يرفض الصندوق ان يتم المَس بإيرادات الدولة او اصولها، حرصاً على بقاء تقديراته صحيحة، وعدم حصول ما قد يعرقل اعادة اموال القرض.

انطلاقاً من ذلك، ولأن خيار التخلي عن الصندوق هو خيار انتحاري، خصوصا مع دولة من هذا النوع، لا تؤتمن على اي اصلاح او التزام، وتكتفي بشعار قدسية الودائع، التي طار اكثر من نصفها، منذ إطلاق هذا الشعار في بداية الانهيار، لا بد من التفكير في حلولٍ تكون عادلة قدر الامكان لأصحاب الحقوق، ويمكن ان يوافق عليها صندوق النقد. هذا النهج في التفكير، يقود الى طرح مجموعة افكار، تستند جميعها الى مبدأ تأسيس صندوق لإعادة الودائع، لفصل هذه الأزمة التي قد يستغرق حلها نهائياً سنوات طويلة، عن مسار التعافي الذي قد يبدأ فور المباشرة في تنفيذ خطة الانقاذ بالاتفاق مع صندوق النقد. وتبقى المسألة الاساسية متعلقة بتمويل هذا الصندوق، من دون اثارة اعتراض صندوق النقد. وهنا تظهر مجموعة افكار منطقية، من أهمها:

اولاً – إنجاز شراكة كاملة بين القطاعين العام والخاص، والاتفاق مع صندوق النقد على تخصيص نسبة من الايرادات لتمويل صندوق الودائع مربوطة بالنمو. بمعنى انه عندما تتجاوز نسبة النمو التقديرات التي وضعها صندوق النقد للسنوات الخمس التي تلي بدء تنفيذ خطة الانقاذ، يمكن تحويل هذا الفائض الى الصندوق. هذا الاقتراح ورد بروحيته في ورقة الهيئات الاقتصادية ويحتاج الى بلورة اضافية، لإقناع صندوق النقد بعدم رفضه.

ثانياً – اعادة جزء من الاموال التي ضاعت بسبب اعادة القروض الدولارية بالليرة او باللولار. والمقصود هنا، القروض الضخمة التي تتجاوز قيمة الواحد منها المليون دولار. وهناك اثرياء وشركات ومسؤولون استفادوا من هذا الوضع وحققوا ارباحا طائلة في ظروف استثنائية. وهم بذلك اخذوا جزءا من اموال المودعين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاعت شركة مثل سوليدير ان تُعيد قروضها التي اقتربت قبل الانهيار من مليار دولار، بمبالغ زهيدة. وكذلك فعلت شركات اخرى كثيرة ومتموّلون كبار. ومن العدل ايجاد قانون يسمح باعادة جزء من هذه الاموال (ضريبة استثنائية) الى صندوق الودائع.

ثالثا – إيجاد صندوق لاعادة الودائع يتم تمويله من عائدات الغاز المستقبلية. هذه العائدات غير واردة في حسابات صندوق النقد عندما وضع تقديراته للنمو والايرادات في السنوات الخمس المقبلة. وبالتالي، لا مبرر لديه لرفض مثل هذا الاقتراح. والمفيد في هذا المشروع انّ اصحاب الحقوق (المودعون) يستطيعون ان يبيعوا حصصهم منذ انطلاق الصندوق، كما في امكانهم الانتظار للحصول على مبالغ اكبر، وربما تحقيق ارباح، قد تتجاوز قيمة الوديعة التي يريدون استردادها. وهذا الامر حصل في دول كثيرة، منها النروج التي يحاول لبنان ان يقلّدها في موضوع الصندوق السيادي. طبعاً اصحاب الحقوق في النروج لم يكونوا مودعين، بل كانوا مستثمرين استفادوا من الاستثمار قبل انطلاق عملية التنقيب عن النفط، وحققوا ارباحا طائلة عندما جاءت نتائج التنقيب ايجابية. من هنا يبدو اقتراح هذا الصندوق هو الاكثر واقعية وجدوى.

طبعاً، تبقى مسألة تشريح الودائع، ودراستها لضمان العدالة في اعادتها، او اعادة جزء كبير منها. والموضوع هنا لا يتعلق بودائع مؤهلة وغير مؤهلة، بل بعدالة لا بد منها. وعلى سبيل المثال، مَن اشترى وديعة بشيك ودفع 13 الى 15% من قيمتها الاسمية، ليس من العدل ان يأخذها كاملة تماماً مثل مُدّخر قضى عمره في الادخار، او باع أملاكه وسَيّلها. او حتى مثل نقابة تضع اموال رواتب التقاعد والتعويضات لكل اعضاء النقابة في المصرف. وبالتالي، لا بد من تشريح مفصّل للودائع، ودراستها لجهة تاريخ تكوينها وحجم الفوائد التي أُضيفت اليها، لاتخاذ قرار تصنيفها لكي يأتي قرار اعادة الوديعة عادلاً للجميع.

فهل سيتحرّك المسؤولون في اتجاه معالجات عملية، ام سيكتفون بمواصلة الانكار والتهرّب والاختباء وراء مواقف شعبوية لن تُنقذ الاقتصاد، كما لن تُعيد أي فلسٍ الى المودعين؟

 

أنطوان فرح

الدائنون الأجانب يراكمون “أسلحتهم” القانونيّة ضد لبنان

يومًا بعد يوم، تتزايد الأسلحة القانونيّة التي يجمعها الدائنون الأجانب -من حملة سندات اليوروبوند- ضد الدولة اللبنانيّة، قبل بدء التفاوض معها على إعادة هيكلة الديون. وهذا الواقع، هو تحديدًا ما يفسّر استمرار صبر هذه الفئة من الدائنين، وتأخّرهم في التحرّك قضائيًا في الخارج ضد الدولة اللبنانيّة، بالرغم من مضي ثلاث سنوات وستّة أشهر على تخلّف الدولة عن سداد سنداتها، من دون بدء التفاوض الجدّي بين الطرفين بعد.

أسلحة الدائنين التي تتراكم، هي الخطايا والارتكابات التي مازالت الدولة اللبنانيّة تقوم بها اليوم، والتي ستمثّل أوراق ضغط قانونيّة ضدها في محاكم نيويورك. وهذا ما سيفرض على لبنان لاحقًا القبول بشروط مجحفة لمصلحة الدائنين، عند التفاوض معهم لإعادة هيكلة الديون. وفي واقع الأمر، ثمّة الكثير من المتابعين الذين يشككون بأن ما يجري يتجاوز حدود الهفوات الناتجة عن قلّة معرفة، ما يعني أنّ هناك تآمرًا صريحًا من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين على حساب اللبنانيين، لمصلحة الجهات الأجنبيّة النافذة ماليًا، التي تملك سندات اليوروبوند.

ومن المهم جدًا الإشارة إلى أنّ كل ما سيرد ذكره في هذا المقال، على حساسيّته المفرطة، لا يهدف حتمًا لإعطاء الدائنين الأجانب حجج قانونيّة إضافيّة في وجه الدولة اللبنانيّة، بل إلى تصويب الأخطاء الكارثيّة التي ترتكبها الدولة اللبنانيّة في إدارة هذا الملف، وهذا ممكن جدًا ومتاح اليوم. وكاتب هذه السطور لم يكن ليستطرد في شرح التداعيات القانونيّة الخطرة لهذه الأخطاء، والتي سيستفيد منها الدائنون الأجانب، لولا تيقنه –من مصادر موثوقة- من تتبّع كبار الدائنين لهذه الوقائع ومعرفتهم بنتائجها القانونيّة، بمعزل عن نشرنا لهذا التحليل.

الخطيئة الكبرى: التلاعب بأرقام الدين العام
كما بات معلومًا اليوم، قرّر حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في الربع الأوّل من هذه السنة، وقبل مغادرة منصبه، إضافة بند في ميزانيّة المصرف المركزي، يرتّب على الدولة اللبنانيّة دينًا جديدًا بقيمة 16.5 مليار دولار أميركي. ما فعله سلامة كان احتساب كل عمليّات القطع منذ العام 2007، أي عمليّات بيع الدولارات لمصلحة الدولة، كديون على الدولة اللبنانيّة، لمصلحة المصرف المركزي نفسه.

وبهذا الشكل، كان سلامة يحاول رمي جزء من الخسائر المتراكمة في ميزانيّة المصرف المركزي والقطاع المصرفي، على كاهل الدولة اللبنانيّة والمال العام. وكان سلامة قد تذرّع بوجود “تفاهمات شفهيّة سابقة” (؟) مع وزارة الماليّة منذ العام 2007، لتسجيل هذه الديون خارج الميزانيّة، قبل الكشف عنها فجأة هذه السنة، أي بعد 16 سنة.

وكما بات معلومًا أيضًا، لايوجد حتّى اللحظة وثيقة واحدة تؤكّد تفاهم المصرف المركزي ووزارة الماليّة، منذ العام 2007، على احتساب عمليّات القطع كدين على الدولة. بل لم يخرج وزير ماليّة سابق واحد، من الوزراء المتعاقبين منذ ذلك الوقت، ليؤكّد وجود تفاهم من هذا النوع.

وحتّى لو توفّر تفاهم ضمني أو شفهي من هذا النوع، لم يكن سلامة أو مجلس الوزراء يملكان صلاحيّة قيد الديون العامّة بهذا الشكل، لتعارض ذلك مع آليّات الاقتراض المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف، ولتعارضه مع دور المصرف المركزي كمصرف للدولة، الذي يفرض عليه بديهيًا بيع الدولارات للقطاع العام لا قيد عمليّات القطع كديون عامّة.

في جميع الحالات، باتت المشكلة الأساسيّة اليوم عدم مبادرة وزير الماليّة الحالي، يوسف الخليل، لتوضيح هذه المسألة أو تصحيحها، وعدم مبادرة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لمعالجة الخطيئة المميتة والقاتلة التي ارتكابها الحاكم السابق رياض سلامة، عبر إلغاء هذا البند في ميزانيّة مصرف لبنان. وهذا التملّص من المسؤوليّة، من جانب منصوري والخليل، سيحمّل الدولة أكلافًا وتداعيات خطيرة خلال الفترة المقبلة.

فحملة سندات اليوروبوند، قاموا بشراء السندات في الماضي وفقًا لنصوص مفصّلة تحدد حجم مخاطر الدولة اللبنانيّة، عند إصدار السندات، بما يشمل التصريح عن حجم الدين العام الإجمالي. وفي جميع تلك النصوص، لم يكن هناك أي ذكر لدين الـ 16.5 مليار دولار، الذي قرّر فجأة رياض سلامة إضافته إلى ميزانيّة مصرف لبنان في الربع الأوّل من العام 2023، على أساس أنّها ديون تراكمت منذ ال2007.

بمعنى أوضح: سيكون بإمكان حملة سندات اليوروبوند توجيه تهمة الغش والاحتيال، للدولة اللبنانيّة، على خلفيّة إخفاء ذلك الدين وتقليص الحجم المُعلن لمخاطر الدولة اللبنانيّة، عند إصدار سندات اليوروبوند. ولعلّ صمت وزارة الماليّة ومصرف لبنان في الوقت الراهن يمثّل دلالة إضافيّة على وجود تواطؤ متعمّد، أو على الأقل غض نظر، من جانب السلطتين التنفيذيّة والنقديّة الحاليّة، تجاه هذه العمليّة التي قام بها الحاكم السابق لمصرف لبنان.

الهدف الأخير لحملة سندات اليوروبوند أمام محاكم نيويورك، سيكون إثبات “سوء نيّة” الدولة اللبنانيّة، باعتبارها ورّطت حملة سندات اليوروبوند في ديون ذات مخاطر مرتفعة، من دون كشف الأوراق التي تشير إلى هذه المخاطر (أي دين مصرف لبنان). ثم سيشير حملة السندات إلى أنّ الكشف عن هذه المخاطر لم يجرِ إلّا بعد التعثّر وتوقّف الدولة عن سداد، ما ضخّم من حصّة مصرف لبنان في الدين السيادي، وهو ما يشير –مجددًا- إلى تلاعب مقصود وخبيث من جانب الدولة.

في خلاصة الأمر، ستكون الدولة اللبنانيّة في موقع قانوني ضعيف أمام الدائنين الأجانب، ما سيفرض عليها تخفيض سقفها التفاوضي في وجههم. وحين نتحدّث عن خفض السقف التفاوضي، فهذا يتعلّق بنتائج ماليّة حسّاسة، مثل قيمة السندات التي ستتم إعادة جدولتها، والفوائد التي ستسددها الدولة لحملة السندات في المستقبل.

بحسب مصادر قانونيّة، الحل الوحيد المتاح أمام الدولة اللبنانيّة لمعالجة هذه الثغرة هو التراجع عن الخطيئة الأساسيّة، المتمثّلة في إضافة دين الـ 16.5 مليار دولار إلى مصرف لبنان. فإضافة هذا الدين المشبوه، الذي لا يستند إلى أي مسوّغ قانوني، لا تخدم سوى هدفين: تحميل الدولة عبء إعادة رسملة القطاع المصرفي عبر تسديد هذا الدين الجائر لمصرف لبنان (ومن ثم المصارف)، وإعطاء الدائنين الأجانب قوّة تفاوضيّة أقوى أمام الدولة اللبنانية في مرحلة إعادة هيكلة الدين العام.

المطالبة بأصول الدولة ومصرف لبنان
الخطيئة المميتة الثانية، هي طريقة تعامل الدولة مع ملف توزيع خسائر القطاع المصرفي، وتحديدًا من جهة الإصرار على فكرة تحميل المال العام كلفة إعادة رسملة المصارف ومعالجة فجوة ميزانيّتها. وهذه الخطيئة تجري اليوم على مستويين:

– على المستوى الأوّل، تصرّ الغالبيّة الساحقة من الكتل المؤثّرة في البرلمان اللبناني على ربط تسديد الودائع بعائدات صندوق مخصص لاستيعاب المرافق والأصول العامّة واستثمارها، ما يعني تسديد خسائر القطاع المصرفي من رسوم هذه المرافق. وهذه الفكرة، ستدفع الدائنين الأجانب للمطالبة بحصّة في هذا المسار، أي في صندوق استثمار المرافق العامّة نفسه. فإذا كانت الدولة ستخصص إيرادات واستثمارات أصولها لتسديد خسائر القطاع المصرفي، فالأولى من زاوية قانونيّة أن تُستعمل هذه الإيرادات -التي كان يفترض أن تصب في الخزينة العامّة- لتسديد الدين الحكومي، لا خسائر المصارف. وهكذا، سيحل مبدأ وضع اليد على الأصول العامّة، مكان فكرة إعادة هيكلة الدين العام.

– على المستوى الثاني، لا يمكن تحقيق فكرة تحميل الدولة خسائر القطاع المصرفي، التي تتبناها معظم الكتل الوازنة في المجلس النيابي، من دون الربط ما بين فجوة مصرف لبنان وماليّة الدولة. وهذا الربط، سيعطي الدائنين الأجانب ورقة ضغط قانونيّة تمكّنهم من الطعن بالاستقلاليّة الماليّة للمصرف المركزي، طالما أنّ خسائره باتت عبئًا على الدولة المدينة أصلًا لحملة سندات اليوروبوند. وهذا ما سيسمح للدائنين الأجانب بمحاولة ملاحقة أصول المصرف المركزي في الخارج، وبالأخص الذهب والاحتياطات الموجودة في المصارف المراسلة.

لكل هذه الأسباب، هناك ما يكفي من معطيات للتوجّس من مستقبل مفاوضات لبنان مع الدائنين الأجانب، ومن نتائج الهفوات القاتلة التي ارتكبتها الدولة اللبنانيّة خلال المرحلة الماضية. ولهذا السبب، ثمّة ضرورة اليوم لمراجعة هذا المسار وتصحيح تلك الأخطاء، عبر التراجع عن التعديلات المحاسبيّة التي قام بها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، والتخلّي عن الأفكار التي تصر على فكرة تحميل الدولة الخسائر المصرفيّة. فتحميل الدولة هذه الخسائر هو مجحف أولًا بحق دافعي الضرائب، وهو خطر ثانيًا على مستقبل التفاوض مع الدائنين الخارجيين، وعلى مستقبل تفاهم لبنان مع صندوق النقد الدولي.

 

علي نور الدين

أوبك ترد بقوة

في سلسلة أفلام حرب النجوم، القوة هي كل شيء، ولهذا يودع كل شخص من محاربي الجيداي الآخر بقوله «لتكن القوة معك».

ويبدو أن القوة أصبحت حاضرة في المواجهات الإعلامية بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ووكالة الطاقة الدولية.

وكما في حرب النجوم، هناك محاربو جيداي انقلبوا على القوة وتركوا الجانب الطيب فيهم لينتقلوا إلى الجانب المظلم من القوة. وهنا يظهر الجيداي الطيبون لإقناع الأشرار بالعودة إلى جانبهم واستخدام القوة في الخير بدلا من الدمار والشر.

هذا الوصف يكاد ينطبق تماماً على فاتح بيرول الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، الذي كان يوماً ما في صف محاربي الجيداي في أوبك، ثم انقلب عليهم وعلى النفط وأصبح ينادي العالم بالاستيقاظ لحقيقة أن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته قبل نهاية العقد الحالي.

أمين عام أوبك هيثم الغيص لم يعد يترك المجال لبيرول لكي يروج فكرة ذروة الطلب على النفط خلال السنوات السبع القادمة أو غيرها.

ويوم الخميس أصدر الغيص بياناً للرد على نظريات بيرول (التي لا تدعمها الحقائق بحسب تعبير البيان). وتطرق الغيص إلى معلومة مفادها أن الوقود الأحفوري اليوم يشكل 80 في المائة من مزيج الطاقة العالمي، وهي النسبة نفسها قبل 30 عاماً رغم كل ما استثمرته الدول الغربية في الطاقات البديلة.

أوبك كان بيانها متزناً ولدى كل من فيها الوعي بأن العالم يحتاج إلى كل أنواع الطاقة. ولكن ما يزعج أوبك هو أن بعض الشركات تأخذ توقعات بيرول والوكالة على محمل جاد، ولهذا تتوقف عن الاستثمار في التنقيب عن المزيد من النفط والغاز والتوسع في إنتاجها.

في الحقيقة هناك مليارات من المواطنين في العالم، لا تهمهم الجدالات الإعلامية بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية، لأنهم لا يجدون أي نوع من أنواع الطاقة سواء أحفورية أو شمسية.

العالم يحتاج إلى الطاقة وبشكل رخيص، ولا يهم أحدا مصدرها بل سعرها وتكلفتها. والحقيقة التي يجب أن نستيقظ لها جميعاً أن السعر هو ما يحدد كل شيء.

اللؤلؤ الصناعي قضى على اللؤلؤ الطبيعي بالسعر، والآن هناك ألماس صناعي ينتج في المختبرات ينافس الطبيعي لأن سعره نصف سعر الطبيعي.

والسعر ليس كل شيء بل كذلك الكميات، ولهذا فإن الوقود الأحفوري سيبقى هو السيد لأن سعره تنافسي ورخيص وكمياته أعلى ويلبي الطلب من كل القطاعات.

وائل مهدي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات