متابعة قراءة التضخم قد يدفع الاقتصاد الأميركي نحو الركود العام المقبل
الاتحاد الدولي للنقل الجوي يتوقع عودة شركات الطيران للربحية في 2023
وول ستريت تنخفض مع عودة المخاوف بشأن سياسة رفع الفائدة الأميركية
الذهب يتراجع مع انتعاش الدولار بفعل بيانات أميركية قوية
تراجع أسعار النفط بفعل مخاوف بشأن احتمال رفع أسعار الفائدة
الدولار يرتفع مقابل الإسترليني والين بعد بيانات أمريكية متفائلة
تراجع أسهم أوروبا وسط مخاوف من الركود والتفاؤل إزاء الصين يحد من الخسائر
انخفاض وول ستريت بفعل زيادة المخاوف من استمرار تشديد السياسة النقدية لفترة أطول
الادعاء الفرنسي يشتبه في أوكرانية في إطار تحقيق مصرف لبنان
أخطاء معرفية مضرّة بالاقتصاد اللبناني
الأزمة التي يمر بها #لبنان لم يشهد ما يماثلها في تاريخه منذ الاستقلال حتى اليوم، والتعليقات الكثيرة من معلقين سياسيين واختصاصيين اقتصاديين تضيف الى مناخ اللاقرار أبعاداً مخيفة.
نريد أن نعرض في هذا المقال أخطاءً شائعة أصبحت تمثل قناعات اللبنانيين العاديين غير الملمّين بالشأن الاقتصادي.
أولى هذه الشائعات وأسوأها أن الدخل القومي أصبح على مستوى 22 مليار دولار أي ما يساوي 40% من مستوى الدخل القومي المقدَّر عام 2018 بـ55 مليار دولار.
سبب الخطأ في التقدير يعود الى أن دراسة الإحصاءات الحيوية لا يجريها معلقون سياسيون كما لا يحتسب الاقتصاديون حجم الاقتصاد غير الرسمي وتأثيره على مستويات الدخل وعلى مستويات الكفاية وكيف يمكن حقيقةً إنجاز تقدير للاقتصاد غير الرسمي، ونحن نقدّره بنسبة 30% من الدخل القومي لأن هذا الاقتصاد يشمل اقتصاد إنتاج وتجارة المخدرات، يشمل استيراد وتصدير #المشتقات النفطية على مدى سنتين أو ثلاث ودعم هذه المستوردات ومن ثم تصديرها الى سوريا، وقد أعطينا في مقال سابق عن تقدير حجم تسريب المشتقات استناداً الى الإحصاءات العامة غير القابلة للتلاعب الرقمي. فمستوردات لبنان من المشتقات بلغت عام 2013 حوالى 4.8 مليارات دولار، وعام 2014 بلغت 8.8 مليارات دولار، ولم يكن هناك مبرّر لارتفاع أسعار المشتقات في ذلك التاريخ يفسّر هذه الارقام، وقد أشرنا إليه في جلسة مع خبراء البنك الدولي وتمنينا على ممثلهم في السنتين المذكورتين أن يستوحي من كبار تجار المشتقات أسباب التفاوت، وحينما استعلم خبراء البنك الدولي عن السبب بلغهم الجواب بأن الفارق في الأسعار يعود الى استمرار استيراد الكميات ذاتها ومن ثم تصدير 35-40% منها الى سوريا.
إضافة الى تسريب المشتقات المدعومة حينذاك الى سوريا، الضغط على ميزان المدفوعات اللبناني كان كبيراً لاستيراد الكمّيات ذاتها لكن العائد من بيع نسبة 30-40% لم يتوافر للبنان وإن كان جزء منه توافر لأن أحد كبار تجار النفط في سوريا كان يملك 20% من أسهم بنك في لبنان كان يتفاخر كل سنة بأنه البنك الذي يفتح أكبر الاعتمادات لاستيراد النفط.
اليوم نشاهد مظاهر التلاعب في الأرقام عبر برامج مخصصة لبحث الشأن الاقتصادي. معلوم أن محطة MTV أصبحت بتنوّع برامجها الأولى على صعيد الإعلام المرئي والمسموع، وأصحاب المحطة يبادرون الى مساندة الشأن العام بحملات التبرّع للمصابين بأمراض تستوجب العلاج في الخارج ويسهمون مع وزارة الاشغال بطمر الحفر التي تضر بالسيارات وتعوق حركة السير.
لقد أدخلت الـMTV برنامجاً اقتصادياً تقدّمه لفترة 5 دقائق كل يوم سيدة محتشمة أنيقة الثياب وحركة اليدين تحاول تبيان أسباب تردي الاقتصاد، وهي لا تعلم عن الاقتصاد سوى ما يسطره لها موظفو المحطة وبالتالي تقع في أخطاء تضر بالسامعين وصاحبة البرنامج. فعلى سبيل المثال قبل فترة قريبة أوردت أرقاماً عن المستوردات وأرقاماً عن الصادرات والتفاوت بينهما، ومن هنا استنتجت أن الدخل القومي انحسر بقوة، وكأن المستوردات والصادرات تشكلان عناصر تحديد الدخل القومي، وهي تجاوزت تأثير نفقات القطاع العام التي توازي 70% من الرقم الذي وفرته للدخلالقومي. وفي الوقت ذاته لم تتذكر أو هي تجاوزت ذكر تأثير التحويلات المالية والاستثمارية التي كانت دائماً السند الاساسي للاقتصاد اللبناني.
مؤخراً تناولت أرقام صندوق الضمان الاجتماعي وقد بادرت الى القول إن موارد الصندوق تتحصّل من الاشتراكات التي يدفعها أرباب العمل عن عمالهم، والجزء الذي يتوافر من العمال، ولم تشر الى أن الدولة مجبرة على تغطية نسبة ملحوظة من أكلاف فرع المرض والامومة الذي هو الفرع الاكبر في عدد المنتسبين إليه، كل ما قالته أنه يستحق على الدولة 5000 مليار ل.ل دون أن تذكر أن هذه اشتراكات أساسية من نظام الضمان ودون أن تذكر أن فرع المرض والامومة يغطي حوالى 1.5 مليون لبناني ولبنانية فيما تعويضات نهاية الخدمة لا تغطي أكثر من 150 ألف لبناني ولبنانية.
إن تعليقات من النوع المشار إليه بالغة الضرورة لأنها لا تبيّن حقيقة الالتزامات المالية ونسبة المستفيدين منها، والأمر المثير للعجب إدخال البرنامج وكأنه طُوّر لتغطية نقص في الإعلام الاقتصادي علماً بأن محطة MTV لديها أفضل مقدمة للشؤون الاقتصادية في لبنان وكانت حصلت على خبرة كبيرة في العمل في تلفزيونات #الخليج العربي.
ولا ننسى أن برنامج مارسيل غانم يطرح أحياناً القضايا الاقتصادية الاساسية ويحوز عدداً من المعلقين، بعضهم يستحق السماع إليه والبعض الآخر يستحق المعاقبة بالإرسال الى كليات لتعليم شؤون الاقتصاد والاعمال… واللبناني المستمع يتحمّل شظايا أغلاط اللااقتصاديين.
مروان اسكندر
العراق: “أوبك+” قررت الإبقاء على سياسة الإنتاج بلا تغيير
عيون الغرب على إندونيسيا
مع نمو الطلب على البطاريات حول العالم، لاستخدامها لتخزين الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة أو في السيارات الكهربائية، زاد الطلب على المعادن المستخدمة في تصنيع هذه البطاريات، ومنها الليثيوم والنيكل والكوبالت. الارتفاع في الطلب أعطى أهمية استراتيجية إضافية للدول ذات الموارد الطبيعية من المعادن. ومن هذه الدول إندونيسيا التي ينظر لها العالم الغربي نظرة مختلفة الآن لأهميتها الشديدة في إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية في العالم، وهي السيارات الكهربائية، والتي يدخل النيكل كأحد أهم العناصر المكوّنة لبطارياتها.
وإندونيسيا هي الدولة الخامسة عالميا في احتياطي النيكل، وهي أكبر مورد لهذا المعدن عالميا، حيث تملك 32 في المائة من السعة التعدينية في العالم. وتبلغ الحصة السوقية العالمية لإندونيسيا من النيكل المعالج نحو 12 في المائة، ولكن الحكومة ترغب في زيادة هذه النسبة، وذلك لزيادة القيمة المضافة لمواردها الطبيعية، ولذلك فقد أصدرت الحكومة قرارا جريئا في عام 2020، منعت بموجبه تصدير النيكل الخام غير المعالج، وذلك لدعم القدرات المحلية لمعالج النيكل، وجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في إندونيسيا بدل تصدير المعدن الخام ومعالجته والاستفادة منه خارج إندونيسيا. ويتوقع بعد هذا القرار أن تزيد حصة البلاد من النيكل المعالج لتصير 23 في المائة بحلول عام 2025. وقد بدأت العديد من الشركات الاستثمار بالفعل في إندونيسيا، فتم تأمين استثمارات بقيمة 20 مليار دولار، منها 6 مليارات دولار من شركة كاتل الصينية، كما أعلن عدد من الشركات مثل (فوكسكون) و(إل جي) عن خطط لبناء مصانع بطاريات في إندونيسيا.
واهتمام العالم الغربي بإندونيسيا يأتي لعدة أسباب، أولها أن إندونيسيا دولة محايدة سياسياً، فرئيس إندونيسيا قد يكون هو الوحيد الذي قابل رؤساء أمريكا وروسيا وأوكرانيا والصين هذا العام! وعلى الرغم من استنكار إندونيسيا للعقوبات المفروضة على روسيا، فإنها لم تتصادم مع دول الغرب بهذا الشأن. كما أن موقع إندونيسيا الجغرافي المتميز يدعم موقفها كلاعب قوي في سلاسل إمداد السيارات الكهربائية، وذلك لقربها من الصين واليابان، وسهولة شحن المنتجات منها إلى الولايات المتحدة عبر المحيط. إضافة إلى ذلك، فإن إندونيسيا تبدو كذلك بديلاً مناسباً للغرب عن الصين التي تحتكر صناعة البطاريات بنسبة تبلغ 44 في المائة، ويتوقع أن تزيد خلال السنوات القادمة إلى 52 في المائة، مع انخفاض لحصص بريطانيا واليابان وفنلندا السوقية.
إذن فالغرب يريد أن تتفوق إندونيسيا في صناعات البطاريات حتى لا تكون الصين اللاعب الوحيد في صناعة تبلغ نسبة نموها السنوي 25 في المائة! ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فالنيكل الموجود في إندونيسيا ليس عالي النقاوة، ولذلك فهو بحاجة إلى معالجة أكثر، هذه المعالجة تأتي من طاقة مولّدة من الفحم، عدو المناخ من وجهة النظر الغربية على الأقل. وعلى الرغم من أن نصف إنتاج النيكل المعالج عالمياً يأتي من هذا النوع من الطاقة، فإن العالم الغربي لا يريد دعم هذا التوجه بطريقة مباشرة، وهذا ما يجعل الشركات والحكومات الغربية مترددة في الاستثمار في البطاريات في إندونيسيا.
على الجانب المقابل فإن الصين تضخ الاستثمارات بشكل مستمر في إندونيسيا دون الدخول في التفاصيل التي تهم الغرب، وتشير الإحصاءات إلى أنه مقابل كل دولار تضخّه الشركات الأمريكية في السوق الإندونيسية، تضخ الشركات الصينية أربعة دولارات! وهذا يعني أن الصين بالفعل بدأت السباق نحو الثروة المعدنية الإندونيسية، بينما لا يزال الغرب متردداً بهذا الشأن محاولا دعم الطاقة النظيفة في إندونيسيا، ثالث أكبر منتج للفحم على مستوى العالم!
إن معرفة إندونيسيا بأهمية مواردها الطبيعية يعطيها قوة لا يستهان بها، فلا غنى للعالم عن النيكل إذا أراد الاعتماد على السيارات الكهربائية في المستقبل، ولذلك اتخذت القرار بمنع تصدير النيكل الخام، على الرغم من اتهام هذا القرار بالشعوبية. ولو استمرت إندونيسيا بهذه الاستراتيجية فإن الاستثمارات الأجنبية ستنهال عليها بكل تأكيد، مما قد يجعلها أحد أكبر عشر اقتصادات بالعالم. أما العالم الغربي فإنه يواجه معضلة في الوقت الحالي بشأن الاستثمار فيها، فهو إن استثمر اتهم بازدواجية المعايير لتصنيع بطاريات للسيارات الكهربائية الصديقة للبيئة باستخدام الفحم الملوث لها، وإن لم يستثمر فإن الصين ستسبقه بلا شك لهذه الصناعة الاستراتيجية، وقد تتضح نتيجة هذا القرار في المستقبل القريب، بعد أن أظهرت الحكومة الإندونيسية رغبتها في أن تنشئ شركة (تيسلا) الأمريكية مصنعا للبطاريات في البلاد.
د. عبد الله الردادي
عقوبات «كسر القواعد» تطيح الاقتصاد الدولي
بين يومٍ وآخر، تتراكم علاماتُ تغير النظام الدولي، بطيئاً نعم، ولكنَّه يحدث فعلاً. قد يبدو هيكل القوة الراهن مستقراً بعض الوقت، في حين تتبدَّل القواعد الحاكمة له. مثل هذا الانفصال من شأنه أن يُنشئ هيكلَ قوة جديداً، يدفع إلى وضع قواعد مختلفة عن التي اعتاد عليها النظام الدولي في العقود السبعة الماضية. سياسة العقوبات الغربية المفرطة التي صارت عبئاً كبيراً على العالم بأسره، وعملية كسر القواعد والانفلات من مبادئ تحقق مصالح جماعية كبرى، والتعامل بأنانية مع قضايا ذات صلة مباشرة باستقرار الاقتصاد الدولي، تؤدي جميعها إلى إنهاء تدريجي للنظام الدولي الراهن.
في 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيتم تطبيق خطة مجموعة الدول السبع الأغنى بفرض سقف سعري محدد لصادرات النفط والغاز الروسيين، مع استثناءات محدودة لدول معينة. الخطة مُكون مهم من حزمة ثامنة من العقوبات الغربية ضد روسيا. التبرير المعلن هو التأثير على قدرات روسيا الاقتصادية التي تساعدها على الاستمرار في الحرب الأوكرانية. التبرير على هذا النحو سياسي بالدرجة الأولى. إخضاع النفط والغاز، سواء أكانا روسيين أم من أي مصدر آخر ذي صلة مباشرة باستقرار الاقتصاد الدولي كله، لدوافع انتقامية، يتناقض مع الأسس الذي تُبنى عليها التجارة الدولية.
تحديد الأسعار للنفط والغاز مرتبط بعوامل تقنية واقتصادية متداخلة، أهمها حالة العرض والطلب، والاستثمارات الجاري تنفيذها والاكتشافات الجديدة، وبدائل الطاقة من مصادر أخرى متجددة وغيرها، وكلها عوامل تخضع لحسابات معقدة بحيث يتحدد سعر مناسب لكل من المنتجين والمستهلكين، ومعهما استقرار الاقتصاد الدولي وإبعاده عن الهزات الكبرى.
حين يتم تجاهل كل تلك العوامل يصبح أي قرار بخلفياته السياسية، ولا سيما الانتقامية والمفرطة في العداء، لغرض التأثير على سعر المنتج النفطي أو الغازي لأحد أكبر منتجي الغاز والنفط العالميين، هو نوع من العبث الاستراتيجي بكل المقاييس. قد يقوم قائل إن هذا الأمر خاص بوضع استثنائي وحرب شرسة وهمجية، حسب أوصاف مسؤولي الاتحاد الأوروبي، كسرت القواعد المعمول بها في النظام الدولي، كما كرر ذلك الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن، ما يوفر مبررات كثيرة لاستخدام كل الوسائل للتأثير على الخصم الروسي ومنعه من تحقيق أي انتصار، ومساعدة الطرف الآخر على الانتصار. التبرير قد يبدو مقبولاً شكلاً لمن يضع نفسه في خضم الحرب كما هو حال الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة وكندا وشركاء الغرب الآسيويين كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، لكنه غير مقبول بالنسبة لباقي الدول، وهي الأكثر عدداً، التي تدرك الحرب بمنظور مختلف، وأنها حرب بالوكالة، لأغراض خاصة، بصراعات القوى الكبرى، ولا شأن لباقي العالم بالحرب وتكاليفها المدمرة.
مبدأ الاستثناء والضرورة، الذي يبرر به الغرب موقفه ينطوي عملياً على مخاطر كبرى اقتصادية وغير اقتصادية، فالتاريخ يعلمنا أن كثيراً من الاستثناءات تحولت مع مرور الزمن إلى سوابق قابلة للتكرار في مناسبات عادية مع أطراف أخرى، خاصة إن حقق التطبيق الأول أهدافه، وهو هنا إخضاع روسيا وإجبارها على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية، الذي يبدو عملياً متعذراً حتى وفق التقييمات العسكرية الأميركية. وهكذا يتحول الاستثناء إلى قواعد جديدة يفرضها تكتل معين في مواجهة باقي العالم.
صناعة النفط والغاز تقوم بالأساس على تكتلات للمنتجين تراقب احتياجات السوق ومستويات الطلب المتوقعة، استناداً إلى احتياجات القوى الصناعية الكبرى على المدى المتوسط. فضلاً عن قدر مهم ورئيس من الشعور بالمسؤولية تجاه الاقتصاد الدولي واستقرار السوق بشكل عام، ومراعاة تحقيق فوائد متبادلة بين المنتج والمستهلك.
في المقابل، هناك تكتلات للمستهلكين، ولا سيما الكبار، تحرص على تطبيق مبدأ العرض والطلب من جانب، والتأثير على الأسعار، ولو نسبياً، من خلال الاحتفاظ بكميات كبيرة من الاحتياطيات يتم اللجوء إليها في حال ارتفعت الأسعار من قبل المنتجين، وبالتالي ينخفض الطلب ومعه ينخفض السعر. هذه العملية تتم بصورة تكاملية ومن ثم تقلل من حدوث الانقلابات السعرية الحادة وتؤدي إلى حالة من الاستقرار لفترات مناسبة.
لجوء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفائهما عبر القارات المختلفة إلى تحديد سقف سعري للنفط والغاز الروسي، يعني ببساطة كسراً لمعاملات سوقي النفط والغاز الدوليين كافة، وليس ما يتعلق بروسيا فقط. التبريرات التي تقال بشأن التأثير على العوائد، التي تحصلها موسكو، لا علاقة لها بقواعد منظمة التجارة العالمية. هي شكل آخر من أشكال الاحتكار في صنع قرار يمس استقرار العالم بأسره. وسابقة يمكن تطبيقها على السلع الاستراتيجية كافة، سواء في الغذاء أو في الطاقة أو في المعادن أو في منتجات التكنولوجيا المختلفة، وبما سيخل بمنظومة الاقتصاد العالمي كلها.
حين تكسر القواعد التي يرتضيها الجميع لتحقيق مكاسب لطرف بعينه، فأنت تفتح الباب أمام قواعد جديدة ليست محل توافق، ما يثير الفوضى والتوترات. ردود الأفعال لن تكون تحت السيطرة، هذا باب يقود لانقلابات كبرى في الاقتصاد الدولي. الإفراط في العقوبات بلا نهاية يقود بالضرورة إلى ردود أفعال غير متوقعة، قرار روسيا الرئاسي بمنع النفط الروسي على من يفرض سقفاً سعرياً، بداية لتقلبات كبرى، ستصيب الدول الأوروبية بالدرجة الأولى. العقوبات المتتالية لا تقود بالضرورة إلى تحقيق أهدافها التي طبّقت من أجلها. إيران وفنزويلا وكوبا نماذج شهيرة استمرت لسنوات، تكيفت معها النظم الحاكمة وأصابت الشعوب وحدها. العقوبات على الصين لم تلفح في تغيير الصين ولم تؤدِ إلى تراجع اقتصادها أو انصياعها التام للمطالب الأميركية. المستهلكون الأميركيون أصيبوا بالعقوبات التجارية، وليس المنتجون الصينيون فقط.
العقوبات على روسيا لم تصبها وحدها، بل أصابت الذين فرضوها، وأصابت العالم بأسره غذائياً على الأقل. هناك معاناة وانكماش اقتصادي في روسيا بمعدل يدور حول 3 في المائة، ومحتمل أن يرتفع قليلاً، لكن تأثيره على قرار الحرب لن يؤدي إلى وقفها أو استسلام روسيا في القريب العاجل. الانكماش في أوروبا وأميركا قائم بالفعل، الحديث عن ركود بات أقرب إلى واقع يصعب صده. الغضب في بلدان أوروبا وصل إلى العنان، وهناك صراخ وعويل في أميركا وكثير من دول العالم نظراً لارتفاع فاتورة الطاقة، إنجلترا 16 ملياراً، ألمانيا 25 ملياراً، وفرنسا 12 ملياراً، وهكذا دواليك، تغير نمط الصناعات والحياة اليومية تكلفة أخرى أبعد كثيراً من مجرد تعويضات فاتورة الكهرباء للمنازل التي أقرتها بعض الحكومات الأوروبية كدعم اجتماعي. والمنتظر أن ترتفع الفاتورة أكثر وأكثر إذا ما انخفضت صادرات النفط الروسي.
من يكسر القواعد عليه أن يدفع الثمن حالياً ومستقبلاً. إدارة الاقتصاد الدولي وفق منطق المشاعر الغاضبة ستزيد الأمور تعقيداً، وستُفقد الجميع ثقتهم بما يقال عن احترام القواعد، التي لم تحترم من قِبل الأكثر حديثاً عنها!
د. حسن أبو طالب
هيركات على «الدولار البلدي» من 73 إلى 50%
رقم الـ15 سيكون طاغياً على المستوى المالي في المرحلة المقبلة. الدولار الجمركي أصبح مُسعّراً على 15 الف ليرة. وكذلك سعر صرف الدولار الرسمي سيصبح 15 الف ليرة بدءاً من اول شباط 2023. وفي التوقيت ذاته، سيتمّ رفع السحب من الودائع الدولارية المحلية على التعميم 151 من 8 آلاف الى 15 ألفاً. والأمر نفسه سيجري تطبيقه على التعميم 158، حيث سيرتفع سعر السحب باللبناني من 12 الفاً الى 15 الفاً.
هل يعني ذلك انّ الاول من شباط سيكون محطة مهمّة في الطريق نحو توحيد اسعار الصرف، وهو من الامور التي يطالب بها صندوق النقد الدولي؟
«تسعيرة» الـ15 الفاً، ستعطي الانطباع بأنّ عملية توحيد سعر الصرف قد اقتربت. لكن الاسئلة المطروحة كثيرة ومتشعبة بانتظار هذا الموعد، ومنها:
اولاً- ما المستوى الذي سيبلغه سعر الصرف في السوق السوداء من الآن، وحتى شباط؟ حالياً، واذا افترضنا انّ سعر دولار منصة صيرفة هو حوالى 30 الف ليرة، والمودع يسحب على سعر 8 آلاف ليرة، فهذا يعني انّ نسبة الهيركات على الدولار «البلدي» تصل الى 73%. وفي حال بقي الدولار على سعره الحالي، فإنّ نسبة الهيركات سوف تنخفض إلى حوالى 50%. فهل هذا الامر وارد، ام انّ الدولار سيواصل ارتفاعه إلى مستويات يعود معها الهيركات إلى نسبته القائمة اليوم؟
ثانياً- كيف سيتمّ التعاطي مع مسألة القروض الدولارية التي كان يتمّ تسديدها على الـ1500 ليرة؟ وفي هذا السياق، هناك مروحة واسعة من هذه القروض، منها الشخصية او السكنية وصولاً إلى القروض الاستثمارية.
ثالثاً- ما هي الانعكاسات المتوقعة على ميزانيات الشركات التي كانت لا تزال تعتمد تسعيرة الـ1500 في قيودها المحاسبية؟ وهل من تأثيرات استثنائية على ملف إعادة هيكلة المصارف؟
لا شك في انّ سعر الـ15 الف ليرة للدولار محطة في طريق توحيد سعر الصرف. هذه المحطة لا ينبغي ان تستمر لفترة طويلة، لأنّ إطالتها يعني انّه لم يتمّ الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وانّ الانهيار مستمر. ولن يطول الامر قبل ان يصبح هذا الرقم شبيهاً بمفاعيله بالرقم 1500 ليرة، سواء بالنسبة إلى التعاملات الرسمية، او للقيود المحاسبية في موازنات الشركات. وسيؤدّي ذلك إلى تسريع وتيرة التضخّم، بحيث انّ سعر العملة الوطنية سينهار دراماتيكياً، مقابل الاستمرار بزيادة الاجور وتكبير الكتلة النقدية في التداول.
بالنسبة إلى سعر الدولار من الآن وحتى شباط، ورغم صعوبة اعطاء تقديرات دقيقة، بسبب احتمال تدخّل مصرف لبنان في أية لحظة لدعم الليرة، وهذا ما أعلنه حاكم المركزي بصراحة في حديثه التلفزيوني الأخير، إلّا أنّ ذلك لا يمنع انّ الدولار سيواصل الارتفاع تدريجياً. وقياساً بالمنحنى القائم منذ سنة حتى اليوم، يمكن القول انّ احتمال وصول الدولار إلى فوق مستوى الـ50 الفاً في الاول من شباط، مرجّح حتى الآن.
في موضوع القروض، لا بدّ من تدخّل مصرف لبنان لتنظيم هذا الملف. ومن المرجّح أن يصدر تعميم او قرار عن المركزي قبل نهاية العام الجاري، يحدّد كيفية التعاطي مع القروض الدولارية. والترجيحات تفيد بأنّه سيتمّ تقسيم القروض إلى شرائح. ومن المؤكّد انّ شريحة القروض السكنية سيحظى اصحابها بوضعية خاصة في تسديد هذه القروض.
في موضوع الانعكاسات على وضعية ميزانيات المصارف، هناك اكثر من احتمال. وسبق لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان اعلن، بعد صدور تصريح وزير المالية المفاجئ في شأن تغيير سعر الصرف الرسمي، انّ التغيير لن يشمل رساميل المصارف، في اشارة إلى هذه الرساميل سيتواصل احتسابها على 1500 ليرة. لكن الأجواء السائدة اليوم، لا توحي بأنّ ما قاله ميقاتي سيبقى قائماً، ربما لأنّ صندوق النقد الدولي لن يوافق على هذا الاستثناء، ولو كان مؤقتاً بانتظار البدء في تنفيذ مشروع إعادة هيكلة المصارف. وبالتالي، ستكون هناك ورشة محاسبية لإعادة تقييم الملاءة في القطاع المصرفي، في ضوء الارقام الجديدة الناتجة من سعر الصرف الرسمي.
ويبقى سؤال أخير يتعلق بنهائية البدء في تنفيذ قرار رفع سعر الصرف في الاول من شباط. وفي هذا السياق، اصبح من الصعب تأجيل البدء في تنفيذ القرار، طالما انّ حاكم المركزي اعلن ذلك على الملأ، لكن القرار الرسمي لم يصدر بعد، وطالما انّه لم يصدر، فإنّ احتمالات التغيير تبقى قائمة ربطاً بالتطورات التي قد تفرض مثل هذا الأمر.
أنطوان فرح