متابعة قراءة تراجع الأسهم الأميركية في ختام أولى جلسات أغسطس
المحلل الاقتصادي في Equiti Group لـCNBC عربية: نتوقع أن يتجه الفدرالي لرفع الفائدة 50 نقطة أساس خلال اجتماع سبتمبر
بيانات القطاع الصناعي لا تبشر بالخير حول مستقبل نمو اقتصادات في أبرز الدول الآسيوية
الذهب قرب ذروة 3 أسابيع والأنظار على مؤشرات اقتصادية جديدة
استقرار أسهم أوروبا وسط مخاوف من الركود برغم نتائج إيجابية
الأسهم اليابانية تسجل أكبر مكاسب في نحو أسبوعين مدفوعة بالنتائج الإيجابية
أسعار النفط تتراجع مع ترقب اجتماع لأوبك+
أداء شهري إيجابي لمؤشرات الأسواق الأميركية والأوروبية
عن غسل أخضر وإفصاح مضلل وعلاج مؤذٍ
أفردت مجلة الإيكونيميست البريطانية غلاف عددها الأخير وموضوعها الرئيسي وصفحات لملف خاص لثلاثة حروف باللغة الإنجليزية ESG (إي إس جي) ملخصة للاستثمار الذي ازداد شيوعاً وفقاً لمؤشرات، غير مالية، تخضع للاعتبارات البيئية والاجتماعية، فضلاً على الحوكمة. وتندرج تحت الاعتبارات البيئية موضوعات تغيرات المناخ والانبعاثات الضارة به، وتلوث المياه والهواء والتنوع البيئي وكفاءة إدارة المخلفات، وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة. وتضم الاعتبارات الاجتماعية معايير العمل وإدماج النوع الاجتماعي في سياسات التعيين وتنوع قوة العمل في الشركة وحقوقها وتكافؤ الفرص بين العاملين والعاملات ورضا المتعاملين مع الشركة وخصوصية معلوماتهم. أما حوكمة الشركة فتشمل تمثيل مجلس الإدارة وفاعليته ولجان الرقابة والمراجعة الداخلية والخارجية وكفاءتها، فضلاً على معايير إثابة ومكافأة الإدارة العليا، وممارساتها بشأن الضغوط السياسية للترويج لأعمال الشركة والمساهمات في الحملات الانتخابية والإفصاح عنها وفقاً للقوانين المعمول بها، وقواعد تعارض المصالح ومنع الرشوة والفساد.
وتذهب مجلة الإيكونيميست إلى أن الاستثمار وفقاً للاعتبارات البيئية والاجتماعية، وما يتعلق بالحوكمة على النحو المتقدم يعاني من ثلاث مشكلات جوهرية:
أولاً، إنها تحمل في طياتها أهدافاً متعارضة عملياً فقد تخفق الشركة في اعتبارات الحوكمة، بينما تحقق إنجازاً في مجال حماية البيئة والمناخ فإلى أيهما يجنح المستثمر في تفضيله؟
ثانياً، إن هناك افتراضاً قد لا تسانده الممارسة العملية من أنَّ الاستثمار وفقاً للحوكمة والأبعاد البيئية والاجتماعية يأتي مصاحباً بعوائد مالية عالية للمستثمرين؛ وهو ما يفترض أن النظم الرقابية والمجتمعية تجبر الشركات كافة على إدراج مخرجاتها السلبية أو ما يطلق عليه الاقتصاديون الوفورات السلبية في نشاط الشركة الداخلي، بدلاً من تحميله على المجتمع. فكم من شركة حملت المجتمع بمخلفاتها الضارة من ملوثات للهواء والمياه أو مواد تغليف مدمرة للبيئة كالبلاستيك؟
ثالثاً، تعاني الاستثمارات وفقاً للمؤشرات البيئية والاجتماعية والحوكمة أو «إي إس جي» من معضلة قياس تسهم في ظاهرة الغسل الأخضر التي تضلل الأسواق والمستثمرين بتشتت المقاييس، وعدم اتساقها من حيث المفهوم ومكونات المقارنة. ففي حين تتسم مؤشرات التصنيف الائتماني، مثل فيتش وستاندارد أند بورز وموديز، بمعامل ارتباط إحصائي قوي بين تصنيفاتها للشركات يبلغ 99 في المائة، إلا أن التصنيف وفقاً لمؤشرات البيئة وأخواتها لا يحقق معامل ارتباط يتجاوز 50 في المائة في أفضل الأحوال.
ووفقاً لهذا توصي مجلة الإيكونيميست بالتركيز على مؤشر واحد. وهي لا تكتفي بالتوصية باستبعاد الاعتبارات الاجتماعية وحوكمة الشركات أيضاً معها، ولكن توصي بالتركيز على مكون واحد للاعتبارات البيئية وهو الانبعاثات الضارة بالمناخ وحدها دون غيرها، وهي بالمصادفة تختصر بحرف «إي» أيضاً باللغة الإنجليزية. أي أن التوصية تستبعد الاسترشاد الاستثماري وفقاً لاعتبارات بيئية واجتماعية ومعها الحوكمة، وأن يُختزل الأمر كله في بعد واحد هو البيئة أو المناخ وبمؤشر وحيد لهما لرصد التطور المأمول وهو الانبعاثات الضارة وبتركيز فقط على الانبعاثات الكربونية. وفي هذا الاختزال ضرر بالغ ينبغي توضيحه بقدر من التفصيل:
في البداية أشير إلى ما كتبته في هذه الصحيفة الغراء في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، تحت عنوان «عن مسؤولية الشركات» متسائلاً: هل تهدف فقط إلى تحقيق الربح أم أن لها، أو بالأحرى عليها، التزامات اجتماعية؟ وأوردت رأي الاقتصادي الأشهر ميلتون فريدمان، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، في مقاله الصادر في عام 1970؛ ويذهب فيه إلى أن هدف وجود الشركة هو تحقيق الربح فقط، وأن مديري الشركات لم يمنحهم ملاك أسهمها صلاحية لينفقوا من مواردها على خدمات اجتماعية، وأن هذا من شأن الحكومة التي تحصل ضرائب من أرباح الشركات لتنفقها على هذه الأغراض. ويستند أنصار هذا الرأي لافتراضات عن اقتصاد تحكمه قواعد السوق التي تنظمها رقابة فاعلة حصيفة ومنافسة عادلة، وفي هذا الاقتصاد تختص الشركات بشؤونها وتنفرد الحكومات بمسؤولياتها. وقد أشرت إلى أن العلاقة بين الشركات والمجتمعات التي تعمل فيها قد مرت بثلاث مراحل للتطور، وفقاً لمايكل بورتر أستاذ استراتيجيات الشركات بجامعة هارفارد، تراوحت بين تبرع الشركة لبعض الأنشطة الخيرية أو فرض نوع من الالتزامات المالية الإجبارية عليها، بخلاف الضرائب، توجه لأنشطة تحددها السلطات، ثم أتت المسؤولية الاجتماعية للشركات متزامنة مع إعلان الأمم المتحدة في مطلع القرن الحالي لتطبيق الأهداف الألفية للتنمية، التي انتهت في عام 2015. وقد حلت محلها أجندة التنمية المستدامة، والتي توافقت الآراء على أهمية مشاركة القطاع الخاص في تحقيق أهدافها الطموحة والتي ينبغي الانتهاء منها مع حلول عام 2030. هذه الأهداف الجديدة تستوجب إدماج عناصر الاستدامة، المتمثلة في تحقيق النمو الشامل، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة والمناخ، والحوكمة، في النشاط الأساسي للشركات وليس مجرد وجودها كواجهة تعبر عن حسن النوايا تجاه المجتمع. ومع ذلك تبقى أهمية مضمون ما ذهب إليه فريدمان من ضرورة تحقيق الشركة للربح، فبدونه ستزول الشركة من الوجود، ولو بعد حين، إفلاساً أو إدماجاً، ولكن تأتي المعايير الجديدة للاستدامة لترسخ «كيفية» حصول الشركة على هذا الربح.
وكثيراً ما يتجاوز مديرو الشركات فيقولون إن من أهداف شركاتهم تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ووجه التجاوز في تقديري هو أن أهداف التنمية المستدامة قد صيغت أصلاً لتقع تحت مسؤولية الدول وحكوماتها، وأن الشركات ومؤسسات الإنتاج بصياغات ملكيتها المختلفة عليها أن تسهم فقط في تحقيقها، وفقاً لمجالات عملها وأن الشركات ستجد لزاماً عليها التوافق مع معايير بيئية واجتماعية، فضلاً على الحوكمة ليس تفضلاً منها، ولكن وفقاً لقواعد العمل بالسوق المراقبة بفاعلية ومحفزاتها وألخصها في أربعة:
أولاً، قواعد رقابية ملزمة تتجاوز التزام البديهيات مثل دفع الضرائب ورسوم الجمارك والتزام مواصفات جودة السلع وتحري السلوك الأمثل في السوق كمنع الممارسات الاحتكارية، إلى ضوابط العمل اللائق وفقاً لمنظمة العمل الدولية والاعتبارات البيئية وأحكام العمل وفقاً لقوانين الشركات.
ثانياً، تستلزم قواعد المنافسة غير السعرية بين الشركات تسويق نفسها وفقاً لمعايير مساندة المجتمع وقيمه، للحفاظ على مكانتها وسمعتها كشركة لا تنتج سلعاً عالية الجودة ومتنافسة السعر فحسب، ولكنها تساند المجتمع في تحقيق مساعيه.
ثالثاً، هناك شركات أنشأها مؤسسوها وفقاً لقناعات تتوافق في عقيدتهم السلوكية بأن تحقيق الربح لا يتعارض مع فعل الخير للمجتمع المحيط بها. كما أن من نماذج الشركات ما أخذ كياناً تعاونياً لا يوزع صافي الإيراد على المساهمين بل يراكم ليزيد من نشاطها، ومنها ما يوجه جانبا من الإيراد للمجتمع في شكل وقف أو إسهام في مؤسساته الاجتماعية كدور العلم والرعاية الصحية. بل إن من صناديق الثروة السيادية ما جعل إنفاق جانب من أرباحها لضرورة أو بنسبة محدودة، وأن يظل جل الفائض لحماية الأجيال القادمة.
رابعاً، إن من الشركات الحصيفة ما تحسب لما هو قادم فجعلت من أولوياتها إيجاد مخصصات تتوقى من تغيرات في القوانين والقواعد الرقابية ولوائح الإفصاح مستقبلاً، وفقاً لضغوط مجتمعية مبررة للحفاظ على المناخ الذي تؤكد التقارير العملية مزيداً من تدهوره رغم كثرة الوعود والتعهدات المتكررة بالحفاظ عليه.
وقد أشرت من قبل إلى أن الشركات في اليابان، على سبيل المثال، تقدم نموذجاً جديراً بالتدبر والانتفاع به، إذ تقود اتحادات الشركات منافسة فيما بينها في إطار التزام عقدته على احترام صارم للقوانين المنظمة لأعمالها، واتفقت الشركات من خلال اتحاداتها ومنظماتها المركزية والإقليمية على مبادئ للعمل والتنافس تتبنى مسلكاً جديداً نحو الاستدامة وسلوكاً مختلفاً في الإدارة يهدف إلى: تطوير منتجات وخدمات مفيدة اجتماعياً وذات نوعية عالية من خلال الابتكار مع حماية خصوصية البيانات؛ واحترام قواعد المنافسة الحرة والعادلة؛ والإفصاح عن نشاط الشركات وفقاً للمعايير الملزمة؛ وتسيير العمل في نشاط الشركات في الداخل والخارج بما يتوافق مع حقوق الإنسان ومواثيقها؛ وتقديم معلومات تفصيلية واضحة للمستهلكين تسمح لهم بالاختيار؛ وتوفير بيئة عمل صالحة لكافة العاملين مراعية أسس عدالة الفرص والأجور، واعتبارات السلامة والصحة؛ وتطبيق إجراءات حماية البيئة، ومنع التلوث، وتخفيض انبعاثات الكربون الضارة؛ وتدوير المخلفات والتعاون مع السلطات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني في تطوير المجتمع المحلي من خلال أنشطة ذات نفع حقيقي ومتوافقة مع النشاط الرئيسي للشركة؛ وإعداد نظام متكامل لإدارة الأزمات بالتعاون مع جهات الاختصاص للتصدي لأخطار الإرهاب والجريمة المنظمة وتهديد نظم المعلومات والكوارث البيئية.
وتتعهد الشركات بقيام الإدارة العليا بالشركات بمتابعة تنفيذ الإجراءات والمعايير السابقة، باعتبارها مسؤولية تقع على عاتق الإدارة العليا تحديداً، مع الإدراك التام بأن أي تهاون بشأنها، يضر بالشركة وبالثقة بها، بما يستدعي فوراً إعلان الشركة عن تحمل المسؤولية واتخاذ التدابير المناسبة للتعرف على سبب المشكلة وحلها ومنع تكرارها.
وفي التعهدات السابقة تجد ترجمة تفصيلية وتفعيل الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة التي يجري الاستثمار في الشركات وفقاً لها؛ فأي نصيحة تلك التي تسديها مجلة الإيكونيميست لمجتمعات الأعمال؟ وما فائدة أن تختزل المعايير غير المالية واجبة الاتباع في واحدة تتعلق بالانبعاثات الكربونية مهدرة لمقومات أخرى لا تقل أهمية للعمل البيئي والمناخي، ومستبعدة أبعاداً حيوية للأثر الاجتماعي ومقللة من شأن الحوكمة التي ما زالت تصارع من أجل ترسيخ مبادئها؟ ومن عجب أنها تدفع بتغليب عنصر واحد وهو تسعير الكربون وما زالت نظم تسعيره المتباينة لا تشمل أكثر من 23 في المائة من إجمالي الانبعاثات الضارة عالمياً وفقاً لما أوردته.
حقاً لا يحتمل هذا العالم استمراءً في ممارسات الغسل الأخضر بتضليل في التقارير أو تضارباً في المعايير، ولكنه لا يحتمل أيضاً اختزال الاستدامة في معيار واحد مهما بلغت أهميته. والدعوة الأجدى نفعاً أن تكون بالتوافق على المعايير الأساسية الحرجة للأبعاد البيئية والمناخية والاجتماعية فضلاً على الحوكمة وتفنيدها والالتزام بها تطبيقاً وإفصاحاً على النحو المعمول به في المؤشرات المالية المعتمدة لمحاسبة الشركات ومراجعتها وتصنيفها، وهي ذاتها محل تقييم وتطوير مستمرين.
د. محمود محيي الدين
اقتصادي مصري
لبنان أسرع من اليونان في التعافي
نقاط كثيرة وردت في التقرير الذي نشره معهد التمويل الدولي (IIF) حول توقعاته لتطور الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان. لكن النقطة الأهم تكمن في الإشارة الواضحة إلى القدرات الخاصة والاستثنائية التي يتمتع بها البلد للتعافي بسرعة، في حال توفرت الظروف المناسبة لذلك. ما هي هذه القدرات بالتحديد؟ وهل ستتغيّر الظروف القائمة، بحيث يتمّ السماح بالإفادة من هذه القدرات لإنقاذ البلد من الاندثار؟
بعد مرور حوالى ثلاث سنوات على ظهور مؤشرات الانهيار الواضحة، بدءاً من النصف الثاني من العام 2019، عندما بدأت عملية التقنين في تسليم الدولارات النقدية عبر ماكينات الصرف الآلي (ATM)، وبعد حوالى خمس سنوات على ظهور مؤشرات مُقنّعة للانهيار، تمثلت في عدم قدرة الدولة على الاقتراض من الاسواق لتمويل عجزها المتفاقم في الموازنة، لم يعد جائزاً النقاش في توصيف أسباب الأزمة، وكأنّها لغزٌ عصّيٌ على الحل. يُفترض انّ الصورة واضحة منذ العام 2015 /2016، عندما بدأ مصرف لبنان ما سُمّي الهندسات المالية، وكان ذلك بمثابة الخرطوشة الأخيرة التي رفعت كلفة الانقاذ إلى مستويات غير مسبوقة، بانتظار تغيير المشهد وتجاوز القطوع. لكن المشهد لم يتغيّر، واستمر الإنفاق غير المحسوب وصولاً إلى اكتشاف انّ الدولة أفلست، وانّ قسماً من اموال الناس لم يعد موجوداً. وبعد ذلك، كرّت سبحة الانهيارات، ومن ضمنها انهيار الليرة.
حتى ذلك الوقت، كان البعض يعتقد انّ الوصول إلى الافلاس سيفرض على السلطة تغيير نهجها، وبالتالي، وصل اليأس بالبعض إلى استعجال الانهيار، على اعتبار انّه قد يشكّل نقطة تحوّل في اتجاه بدء الإنقاذ. لكن، وبدلاً من ذلك، استمر الهبوط الحر نحو الأعماق المُظلمة، وتبيّن انّ كلفة إدارة الأزمة تفوّقت على كلفة الفساد والاهمال وقلة الضمير.
ومع ذلك، يمكن القول انّ المستوى الذي وصل اليه الانهيار، كان سيكون اسوأ بكثير لولا نقاط القوة التي يتمتّع بها لبنان، والتي ترتكز في جانب اساسي على الكادرات البشرية. ماذا يعني ذلك؟
في خلال سنتين ونصف السنة، أنفقت السلطات ومصرف لبنان حوالى 25 مليار دولار. وفي المقابل، دخل إلى البلد ما يقارب الـ20 مليار دولار. هذا الواقع ساهم في تخفيف حدّة الأزمة، لا سيما لجهة انهيار سعر الصرف والتضخّم. ولولا هذا الدفق المالي من خارج الحدود، لكانت الليرة في مكان آخر اليوم، أصعب بكثير من واقع انّ الدولار ارتفع 20 ضعفاً حتى الآن، جراء الانهيار.
إلى ذلك، فإنّ قدرة البلد على الجذب السياحي رغم كل الظروف غير المؤاتية، والتي تجلّت بتدفق لبنانيي الخارج، والسياح الجدد (من العراق، الاردن ومصر…) هذا الصيف، تشكّل نقطة قوة اخرى قادرة على جذب الدولارات بسلاسة وكميات مقبولة.
كذلك فإنّ عصر العمل عن بُعد (اون لاين)، استغلّه اللبنانيون بشكل جيد، وباتت نسبة الكادرات البشرية العاملة عن بُعد، وتتقاضى فريش دولار مرتفعة.
إذا أضفنا إلى هذه العوامل، حقيقة انّ الوضع المالي للدولة، في حال باشرت خطة الانقاذ، اي الاصلاحات والسير في الاتجاه الصحيح، سيكون أفضل مما كان عليه عشية الانهيار، سواء لجهة حجم الدين على الناتج، او نسبة الانفاق على الناتج ايضاً، بفضل انهيار سعر الليرة، وتراجع حجم كتلة الاجور في القطاع العام، يمكن الاستنتاج انّ البلد سيحتاج إلى فترة قصيرة نسبياً للتعافي والعودة إلى مسار النمو الاقتصادي المقبول.
وللتذكير، وفي وضعه الحالي، يمتلك البلد احتياطياً من الذهب تبلغ قيمته حالياً حوالى 15 مليار دولار، وهو رقم ضخم قياساً بحجم الاقتصاد الحالي. بالإضافة إلى كل، الممتلكات والاراضي والمؤسسات. لكن هذه الثروة قد تتبخّر تباعاً، إذا ما استمر الانهيار في مساره الحالي لفترة طويلة.
بضعة سنوات ستكون كافية لإعادة البلد إلى وضع جيد. وربما من المفاجئ انّ لبنان قد يحتاج إلى أقل من اليونان للعودة إلى مكان مقبول مالياً واقتصادياً، اذا تغيّر المشهد السياسي القائم.
لكن، وفي حال الاستمرار في النهج الحالي، لن يكون الذهب في منأى عن الضياع. والمشكلة هنا ليست في قرار بيع الذهب او لا، بل في الهدف من تسييله، والفارق شاسع بين تسييل الذهب لتنفيذ خطة يمكن ان تنهض بالبلد الى مستويات مرموقة، وبين بيعه لتأمين الطحين لشعب جائع.
أنطوان فرح
الصين وأزمة الدين العالمي
عندما أطلقت الصين مبادرة طريق الحرير أو ما يسمى بـ(الحزام والطريق) عام 2013 كانت أهدافها واضحة، وهي الارتقاء بالبنى التحتية لعدد كبير من الدول، بما يخدم أهداف هذه الدول، دون إغفال أهداف ومصالح الصين. وهذا المشروع هو أكبر مشروع أطلقته الصين على الإطلاق، وهو أكبر مشروع تطلقه دولة واحدة للارتقاء بالبنى التحتية على مستوى العالم. ولا تستغرب زيادة المخاطر في هذا النوع من المشاريع العملاقة، خاصة مع مشاركة العديد من الدول النامية التي لا تملك تصنيفا ائتمانيا عاليا، ولكي تدعم الصين هذه المبادرة، توجب عليها توفير الأدوات لهذه الدول، مدركة أن أي احتمالية بعدم سداد القروض ترتفع فيها مقارنة بغيرها من الدول. ولكن الصين مولت هذه الدول بقروض مختلفة، بهدف المضي قدما في هذه المشاريع، ولم تشتك هذه الدول ولا غيرها آنذاك، ولكن الآن ومع أزمة الديون العالمية، بدأت أصابع الاتهام تتوجه إلى الصين، بما يسمى بـ(توريطها) للدول النامية والفقيرة بديون لا تستطيع سدادها.
بداية يجب توضيح مصالح الصين في تمويلها للدول النامية في مبادرة طريق الحرير، وهي مصالح متعددة وتختلف باختلاف الدول والقروض ولم يسبق للصين أو لأي دولة أخرى إنكارها. أولى هذه المصالح هي نجاح مبادرة طريق الحرير، وهو الذي يهدف إلى ربط الصين بدول العالم، سواء كانت هذه الدول سوقا للمنتجات الصينية، أو مصدرا للمواد الخام للصناعات الصينية. الفائدة الثانية هي أن العديد من المشاريع الممولة قامت بها شركات صينية، في وقت تشبعت فيه السوق الصينية ولم تجد هذه الشركات مشاريع تمكنها من العمل، فأوجدت الحكومة الصينية بهذه المبادرة مشاريع شغلت شركاتها وأضافت لاقتصادها بطريق غير مباشر. الثالثة هي الفوائد من القروض التي تعطيها الحكومة الصينية لهذه الدول، والصين متضررة بلا شك من تعثر الدول في السداد. هذه النقطة مهمة جدا، لأن البعض يروج إلى أن الصين ورطت الدول في قروض لا تستطيع سدادها، وذلك لكي تتمكن من الاستحواذ على منشآتها كالمطارات والموانئ وغيرها، والواقع أن فائدة الصين أكبر في حال سددت هذه الدول قروضها، بدلا من الاستحواذ على أصول قد تكلف الكثير لإدارتها بشكل فعال.
والمشكلة التي حدثت مؤخرا، هي عدم قدرة العديد من هذه الدول على سداد قروضها، لأسباب لا تخفى على الجميع، ومنها الجائحة وارتفاع مستوى التضخم مؤخرا. وهناك أسباب أخرى تتعلق بارتفاع معدل الفساد في بعض الدول، وغياب الحكمة في اتخاذ القرارات حول بعض الاستثمارات، والمثل المتداول في هذا حاليا هو سريلانكا التي مولتها الصين بـ12 مليار دولار في العقدين الأخيرين، وحيث بُنيت أبراج وملاعب دون وجود عوائد ذات قيمة مضافة للبلد. هذه المشكلة لا تنفي وجود مشاريع ذات جدوى في مبادرة طريق الحرير، لعل أبرزها هو خط سكة الحديد بين إثيوبيا وجيبوتي، والذي يمتد لـ750 كيلومترا، مختصرا الوقت المستغرق بين المحطتين من 3 أيام إلى 12 ساعة.
ويتضح من بعض الحالات، أن المشكلة تكمن في عدم تأكد الصين من جودة المشاريع أو جدواها قبل منح القروض، بل قامت بإعطاء قروض دون التأكد بشكل كامل من إمكانية السداد أو العوائد التي تساهم في السداد. ولذلك فإن العديد من الدول اليوم تواجه مشاكل في الإيفاء بديونها، مما قد يتسبب في أزمة ديون في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ووصلت قيمة القروض التي يتم التفاوض فيها لعامي 2020 و2021 إلى 52 مليار دولار، وهو ثلاثة أضعاف الرقم في العامين اللذين سبقاهما (16 مليار دولار). وهذا مثال على التدهور في القروض الصينية الخارجية التي وصلت إلى 118 مليار دولار في القروض الصينية منذ عام 2001.
لقد استخدمت الصين قوتها الاقتصادية في تمويل العديد من الدول، بالنظر إلى مصلحتها الشخصية أولا، وتوجهت إلى دول في حاجة لهذا التمويل وإلى مشاريع البنى التحتية، ولكنها الآن في مأزق قد يؤثر كثيرا على الاقتصاد العالمي. فهي تطالب هذه الدول بسداد ديونها، ولكنها قد تواجه مصاعب تماما كما حدث مع سريلانكا. والمثال الأقرب والذي سيتابع عن كثب في الأيام القادمة هو زامبيا، حيث تزيد القروض الصينية على ثلث الديون الخارجية للبلد. وسوف تتابع الدول النامية كيف ستتعامل الصين مع زامبيا لأنها قد تكون مثالا لما قد تفعله مع بقية الدول النامية. فهل ستتمكن الصين من معالجة هذه الأزمة بنفس الأسلوب الذي اتبعته حين قدمت هذه القروض؟ أم ستتمسك بحقها في السداد، معرضة العالم بأسره لأزمة ديون لم يواجهها منذ الثمانينات الميلادية؟
د. عبد الله الردادي
باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية
مثل كل شيء في لبنان… Haircut مُبطّن
موضوع الـ Haircut ليس جديداً على لبنان، ونحن نسمع صدى هذه الكلمة والمشروع المخيف، منذ مؤتمرات «باريس 1 و2 و3». وقد ورد هذا الإقتراح في السابق من قبل المنظمات الدولية والبلدان المانحة لإعادة الهيكلية المالية والنقدية. هذا الكابوس أصبح اليوم حقيقة، لكن مثل كل شيء في لبنان، ليس رسمياً، إنما يُطبّق عملياً بطريقة مُبطّنة.
بالأرقام، نشهد اليوم بالنسبة الى ما يتعلق بالودائع، أكانت بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، تطبيق الـ Haircut المبطّن، على كل الودائع منذ العام 2019 وحتى تاريخه. وقد بدأ تطبيق هذا المشروع المبطّن غير الرسمي من خلال التعميم 151 الذي سَعّر الصرف بحسب الدولار بـ 3900 ليرة، فيما كان سعر السوق السوداء حينئذ يزيد عن الـ 8 آلاف ليرة. فكان في هذا الوقت الـ Haircut المبطّن يبلغ نحو 50 % أو 60 % من الودائع بالدولار المصرفي. لكن وفق قيَم محددة. ثم تواصل ارتفاع سعر صرف السوق السوداء إلى قيَم مخيفة: بنحو 30 ألف ليرة اليوم، والتعميم 151 حُدّد بـ 8 آلاف ليرة. هذا يعني أن الـ Haircut أصبح حسب هذا التعميم 73 % من الخسائر المصرفية المباشرة على الأموال المسموح تحويلها.
ثم صدر التعميم 161 الذي يسمح بشراء الدولار بالليرة اللبنانية نقداً بحسب سوق منصة «صيرفة»، وبمبالغ محددة أيضاً. فهنا أيضاً يُطبّق الـ Haircut المبطّن بنحو 70 % من الخسائر. أما التعميم 158 فهنا أيضاً يُعطي مبالغ محددة بالكاش (بالدولار والليرة)، وبخسائر تُراوح بالنسَب المباشرة عينها (بين 70 % و75 %).
أما الـ Haircut الثاني الذي حصل على الودائع بالليرة اللبنانية، فهنا الخسارة الأولى تبدأ بقيمة الودائع بالعملة الوطنية التي خسرت أكثر من 95 % من قيمتها ومن قوة شرائها، وهذه الحقيقة المُرّة التي علينا أن نواجهها ونقبلها، فيما الخسارة الثانية من هذه الودائع بالليرة اللبنانية تحصل بصَرف هذه الودائع المصرفية بالكاش. هنا أيضاً يخسر المودع من جديد بقيمة 35 % ما تبقّى من هذه الودائع المتهالكة.
أما الـ Haircut الثالث فيتعلق ببيع الشيكات، وهنا الخسارة المباشرة والتي تقارب الـ 87 % من قيمة الشيك والوديعة. والسؤال الكبير هو: مَن يشتري هذه الشيكات المفقودة قيمتها واستعمالها؟ ولأيّ غاية؟
لا شك في أنه ما قبل الأزمة، ثمّة 50 مليار دولار من الديون في السوق في المصارف التجارية، لذا فإنّ حاملي هذه الديون لهم مصلحة بشراء بعض هذه الشيكات لإقفال ديونهم بأقل من 87 % من قيمتها الأساسية. لكن هناك أيضاً جهات عدة ومجموعات منظمة مجهولة وغامضة تشتري هذه الشيكات بطريقة هائلة، بهدف مبطّن وهو وضع اليد على القطاع المصرفي والمصارف بعد إعادة هيكلتها، لأنه برأيهم سيتملّكون أسهماً ضخمة ووازِنة للقطاع المصرفي الجديد من خلال مشروع الـ Bail-in أو استبدالها بحصص وازنة.
في النهاية، نذكّر بحزن أنّ الـ Haircut المبطّن يُطبق يومياً على كل الودائع والمودعين. فالخسائر تُراوح بين 70 % و95 %. أما الكلفة المعيشية فقد ازدادتبأكثر من 20 ضعفاً، حيث سُرقت وهُدرت أموال وجنى عمر اللبنانيين، واستفادت الأيادي السود مرة أخرى والإقتصاد الأسود.
د. فؤاد زمكحل