النفط والطاقات البديلة

ارتكز الاقتصاد العالمي في القرن العشرين على النفط، وكان الاهتمام السياسي والاقتصادي مرتبطا بكميات النفط المتوافرة وسعر البرميل.  كلما تأزم الانتاج النفطي لأي سبب، تأزم الاقتصاد العالمي وتوجه الناس الى الشارع للاحتجاج والمطالبة بالحلول.  تغير العالم كثيرا في القرن الواحد والعشرين ولم يعد النفط مهما كما في السابق.  أتت الكوروونا لتضيف الى الموضوع أي لتخفض الطلب على النفط وبالتالي تخفض الأسعار مما أحدث خللا كبيرا في ميزانيات الدول المنتجة واضطرارها لتسريع التنويع الانتاجي حماية للمستقبل. فرضت الكورونا على المواطنين العمل من المنزل أي عدم استهلاك النفط للانتقال أو السفر. العمل من المنزل يظهر أنه رفع انتاجية العمل، وبالتالي لن تعود طرق العمل الى ما كانت عليه قبل الكورونا.

تقوم الأمم المتحدة عبر مؤسساتها بجهد كبير لتخفيف التلوث البيئي وتحقيق التنمية النظيفة أو المستدامة.  تهتم الأمم المتحدة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمواضيع البيئية كالفقر والصحة. تهتم بالموارد الطبيعية والحفاظ على استمراريتها للتنمية ولنوعية الحياة كالغابات والمحيطات والبحور. تهتم بتقوية دور المجموعات المهتمة بالبيئة كالنساء والشباب والأعمال.  تهتم أيضا بكيفية تنفيذ هذه الاصلاحات كي لا تكون حبرا على ورق أي التمويل والتكونولوجيا والتعليم والتدريب كما القوانين والوعي الشعبي لأهمية البيئة وتأثيرها. في الحقيقة ما زال العالم ينفق على استهلاك الكماليات أكثر بكثير من انفاقه على ضروريات الحياة والمستقبل.

تضرر كثيرا قطاعا السيارات والنقل الجوي كما تتعثر السياحة العالمية بسبب الكورونا وبالتالي ينهار الاستهلاك النفطي. من الصعب توقع عودة النفط الى أهميته السابقة لأن فترة السماح الحالية تعطي العالم المنتج فرصة لتطوير الطاقات البديلة وهذا ما يحدث.  يؤكد مستوى أسعار أسهم الشركات المنتجة للنفط مقارنة بأسعار الشركات المنتجة للطاقات البديلة على هذا التغيير الكبير في مصادر الطاقة.  الأولى تنخفض والثانية ترتفع.

تراجع الاقتصاد العالمي واستمرار الفوائد منخفضة الى حدود الصفر سمح للشركات المنتجة بالاقتراض لتطوير الطاقات البديلة.  ينتقل العالم بسرعة من الطاقات الملوثة الى الأخرى النظيفة، أي يطور البنية التحتية الخضراء كما لم يحصل سابقا.  استمرار الفوائد منخفضة كما ضخ النقد والمال من قبل الدولة لتخفيف الأوجاع سمحا للمواطن أيضا بالاقتراض لتوسيع المنزل أو للانتقال الى منازل أكبر لأن العمل من المنزل أصبح النظام المعتمد.  هذا رفع أسعار المنازل في عز زمن الكورونا.

يتنبه العالم أكثر فأكثر الى محاربة التلوث البيئي الآتي من مصادر مختلفة.  أصبح العالم واعياً للضرر الذي يحدثه تلوث البيئة على الصحة والنمو بل على نوعية الحياة. لم يأتِ التلوث فقط من الصناعات المختلفة، بل أتى أيضا من اهمال المواطنين في استهلاكهم. أتى من عدم اهتمامهم بكميات ونوعيات وفرز النفايات التي تصدر عنهم مما يؤثر سلبا على النظافة البيئية ويلوث ركائز الحياة من هواء وماء وأرض.  يعي العالم اليوم أنه لا يمكن الاستمرار بتلويث البيئة وبالتالي يجب معالجة الأسباب والمصادر بطريقة جدية ومستدامة.

في حملته الانتخابية، وعد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بانفاق ألفي مليار دولار على تنظيف البيئة الأميركية، أي عمليا العودة الى اتفاقية باريس للمناخ التي أخرجها منها الرئيس ترامب.  ستنفق الوحدة الأوروبية 30% من برنامجها الانقاذي المقدر بـ880 مليار دولار على المناخ والسياسات الكفيلة بالتنظيف البيئي.  الحقيقة أنه لا رجوع الى الوراء فيما يخص البيئة بالرغم من الانتكاسات الزمنية القليلة المحدودة.  هنالك نوع من الاجماع العالمي على أن القرن الواحد والعشرين سيكون أنظف بيئيا وأفضل لصحة الانسان، مما ينعكس ايجابا على الاستقرارين السياسي والاقتصادي.  هذا يعني ان حصة الطاقات النظيفة من المجموع العالمي سترتفع من 5% حاليا الى 25% في سنة 2035 والى 50% في سنة 2050 تبعا لوكالة الطاقة العالمية.

ستكون الدول المستوردة للنفط المستفيدة الأولى من هذا الانتقال الكبير وفي طليعتها الصين التي تلوث كثيرا لكنها مهتمة بتغيير عاداتها والتحول أكثر الى النظافة في الاستهلاك والانتاج.  يقول الرئيس شي أن الصين ستتوقف عن الاساءة الى البيئة بدءاً من سنة 2060 وبالتالي لن تضيف بعدها الى حجم الكاربون العالمي.

من أهم أسباب التلوث هي نوعية الطاقة التي نستهلكها في حياتنا والتي في معظمها تصدر الغازات الفحمية المؤثرة سلبا على تنفس الانسان وحياته وعمره المرتقب.  يحاول العالم الانتقال بهدؤ من الطاقة الملوثة الى الأخرى النظيفة من شمس وهواء ومياه وغيرها علما ان العالم لا يستطيع الاستغناء كليا عن أي نوع من الطاقات المستعملة حاليا بما فيها الطاقة النووية.  ينجح العالم في هذا الانتقال الذي بدأ لكنه يواجه تحديات كبيرة للاستمرار والنجاح:

أولا: ارتفاع تكلفة الطاقات النظيفة البديلة وخاصة الانتاج الكهربائي والتسعيرة المطلوبة من المواطنين.  حاليا يستعمل العالم أكثر فأكثر السيارات الكهربائية أو الأخرى العجينة، لكن معظم الدول النامية لا يملك الكهرباء الكافية للانتقال الكلي الى السيارات الكهربائية بالاضافة الى أن أسعارها ما زالت فوق قدرة المواطن العادي.  تكلفة الانتاج الكهربائي غير المدعومة ما زالت مرتفعة مما يشير الى أن تكنولوجيا الانتاج الكهربائي ما زالت غير متطورة ومكلفة وبالتالي يحتاج العالم الى تكنولوجيات حديثة تخفض التكلفة الحقيقية.

ثانيا:  هنالك دول طبقت الضريبة على الكربون لدفع المواطنين الى استعمال مصادر أخرى للطاقة أي عمليا الكهرباء النظيفة.  هذه الضريبة صعبة التطبيق بالاضافة الى أن مواطني الدول النامية عاجزون عن دفع ضرائب اضافية حتى لو كانت مبررة.  هنالك في نفس الوقت ضرورة للانتقال الى الطاقات النظيفة في التدفئة والنقل وخاصة في الزراعة التي هي أساس الحياة النوعية.  في الاحصائيات الحديثة وفي الولايات المتحدة مثلا، نسبة الكهرباء المنتجة من الفحم تدنت من 50% في سنة 2005 الى 21% اليوم.  في بريطانيا، تدنت النسبة نفسها من 30% في سنة 2014 الى 5% في سنة 2018 وهذا لا شك تقدم هائل في التكنولوجيا وحسن الاستعمال.

أخيرا تواجه الدول العربية العدو الكوروني بكافة الطرق والوسائل المتاحة.  هنلك دول تنجح بفضل السياسات والقدرات المالية وأخرى تتعثر بسبب المال وعدم احترام المواطنين للتوجيهات العامة.  القدرات المالية للدول العربية حتى النفطية متعثرة عموما اليوم، لكن لا يمكنها اهمال الخطر الصحي وضرورة الاقفال مع احترام القدرات المعيشية للمواطن.  التحديات التي نواجهها عربيا أتت في وقت لسنا فيه أقوياء وبالتالي ترشيد استعمال القدرات المالية والانسانية والطبية وغيرها هو في أقصى درجات الأهمية.

د. لويس حبيقة.

أزمة لبنان المالية: ماذا يريد سلامة؟ ولماذا قال ما قاله؟

كثيرون اعتبروا أنّ ما نُسب الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن انتهاء زمن تثبيت سعر صرف الليرة، أمرٌ صادم. لكن الصدمة الحقيقية تكمن في ردود الفعل على ما قيل، وليس في مضمون الكلام نفسه.

ليس مُستبعداً ان يكون حاكم البنك المركزي قد اضطر الى تصحيح كلامه الى «فرانس 24»، بعدما فوجئ بردود الفعل الصاخبة على قوله انّ سعر الليرة سيكون في المرحلة المقبلة مُعوّماً، بحيث أنّ السوق سيقرّر هذا السعر.

بصرف النظر عمّا اذا كان الكلام قد فُهم على غير مقصده من خلال عدم وضعه في الاطار التسلسلي الدقيق، تبدو المشكلة في مكان آخر، وتكمن تحديداً في عدم الوعي الى المرحلة التي بلغها الوضع المالي والاقتصادي حتى الآن.

ويمكن تقسيم ما جرى الى قسمين: الاول يتعلّق بردود الفعل الشعبية على مسألة وقف تثبيت سعر الصرف، والثانية ترتبط بموقف سلامة حيال موضوع الليرة.

في الشق المتعلّق بتفاعل الناس مع مسألة سعر الصرف، يمكن الاستنتاج، انّ المواقف التي برزت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف الحقائق التالية:

اولاً- وجود حالة إنكار لدى قسم من اللبنانيين تشبه الى حدٍ ما حالة الإنكار القائمة لدى اركان المنظومة السياسية حيال الدَرك الذي بلغته الأزمة. وهم يؤمنون حتى اليوم بإمكانية اعادة الليرة الى سعر صرفها الرسمي والاسمي القائم حالياً، أي 1515 ليرة للدولار. وهؤلاء ينتمون الى الشريحة المؤمنة بنظرية المؤامرة، ويعتقد اتباعها انّ كل ما يحصل مُصطنع، وستعود الامور الى طبيعتها فور انتفاء اسباب الحصار المفروض على البلد.

ثانياً- يعتقد البعض الآخر انّ نمط تثبيت سعر صرف العملة الوطنية على سعر لا يتماهى وسعرها الحقيقي الذي يحدّده السوق، لا يزال مُتاحاً، ولا يريدون أن يصدّقوا انّ العودة الى سياسة دعم الليرة أصبحت من الماضي ولن تحصل، على الأقل في المستقبل القريب، وبالتزامن مع بدء تنفيذ أي خطة للإنقاذ.

ثالثاً- تبيّن من بعض ردود الفعل، انّ قسماً من الناس يتسلّى بالمأساة، ويريد ان يلعب لعبة تسجيل النقاط، من خلال التصويب على حاكم المركزي في موضوع سعر الصرف، على اعتبار انّ سلامة هو «أب الليرة»- وهذا اللقب هو من باب التهكّم- وكان يرفض تحريك سعر صرفها، وبقي يعد بالحفاظ على قيمتها، حتى انهار الوضع المالي برمته.

في الشق المتعلق بتفسير مضمون كلام سلامة، يمكن استنتاج ما يلي:

اولاً- رغبة الرجل بإرسال اشارة اولى الى تخلّيه عن مبدأ تثبيت سعر الصرف. وقد يكون ذلك بمثابة اعتراف ضمني بأنّ سياسة دعم الليرة شكّلت أحد العوامل التي ساهمت مع عوامل أخرى كثيرة في انهيار الوضع المالي. وهذا الامر لا يعني انّ السياسة النقدية كانت خاطئة بشكل عام، لكنه يعني انّ سياسة التثبيت التي شكّلت مرتكزاً للاستقرار وساهمت لحقبة طويلة في تأمين مستوى معيشي لائق للبنانيين، وفي تشجيع الاسثمار من خلال الاستقرار النقدي، استنفدت فرصها منذ العام 2017، وكان يُستحسن في حينه التفكير في تعويم الليرة، لوقف دعمها واستنزاف العملة الصعبة بلا جدوى.

ثانياً- أراد سلامة من خلال موقفه ان يردّ، ولو بطريقة غير مباشرة، على الاقتراحات والاصوات التي ارتفعت في الفترة الأخيرة بشكل لافت، للمطالبة باعتماد سياسة نقدية قائمة على مبدأ إنشاء مجلسٍ للنقد بهدف تثبيت سعر صرف الليرة من خلال ربطها بعملة أجنبية أخرى. وهو بذلك، أراد أن يسلّط الضوء على تعذّر تثبيت سعر الصرف من خلال الربط الكلي بالدولار أو سواه. وقد تكون هناك أسباب عدة لهذا الرفض، من ضمنها الصعوبات التي تعترض هذا الربط لجهة تأمين كتلة ثابتة من العملات الصعبة، بالإضافة الى الضرر الذي قد يلحقه الربط بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي، عندما تبدأ مرحلة التعافي والخروج من الأزمة. بالإضافة أيضاً، الى انّ اعتماد سعرٍ ثابت منخفض يستند الى حجم الكتلة النقدية القائمة حالياً في السوق (M1+M2) سيؤدّي الى شطب عامودي للودائع في البنوك، والتي يتمّ السحب منها حالياً بواسطة الليرة، وعلى سعر صرف 3900 للدولار.

في المقابل، واذا أسقطنا من الحسبان التحفظات المتعلقة بصراع الافكار الاقتصادية حول الحلول الأفضل التي ينبغي اعتمادها للخروج من الأزمة، نستطيع ان نلاحظ انّ حاكم مصرف لبنان لا يمكن ان يكون متحمساً لفكرة مجلس النقد، على اعتبار انّ المجلس يسلب البنك المركزي القسم الأهم من وظيفته المتعلقة بالسياسة النقدية. ومن البديهي، أنّ أي حاكم لمصرفٍ مركزي في العالم، لا يميل الى دعم أي فكرة يمكن ان تقلّص من مهام المركزي، خصوصاً انّ مجالس النقد غير موجودة سوى في الدول المأزومة وشبه المتخلفة، في حين انّ الدول الصناعية والدول المتطورة تعتمد على مصارف مركزية في ادارة السياسة النقدية.

في النتيجة، ما قاله سلامة، وبصرف النظر عمّا اذا كان صادراً عن حُسن أو سوء نية، يمثّل حقيقة لا يمكن الهروب منها، مفادها انّ سعر صرف الليرة في المستقبل، وعندما يبدأ تنفيذ خطة للتعافي، سيحدّده السوق، ولا شيء غير ذلك.

انطوان فرح.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات