الذهب يقفز أكثر من 2% مع هبوط الدولار في أول جلسة تداول في 2021

بدأت أسعار الذهب العام الجديد بقفزة تزيد على 2% الاثنين 4 يناير لتصل إلى أعلى مستوى في حوالي شهرين بدعم من هبوط الدولار قبل انتخابات إعادة لشغل مقعدي ولاية جورجيا في مجلس الشيوخ الأميركي بينما دفعت مخاوف بشأن المعروض البلاتين إلى أعلى مستوى منذ أغسطس آب 2016 .

وفي أواخر جلسة التداول، كان الذهب في السوق الفورية مرتفعا 2.04% عند 1936.80 دولار للأونصة، بعد أن قفز في وقت سابق إلى 1944.11 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ التاسع من نوفمبر تشرين الثاني.

وقفزت العقود الآجلة الأميركية للذهب 2.4% إلى 1940.70 دولار للأونصة بعد أن سجلت عند أعلى مستوى لها في الجلسة 1948.70 دولار.

وثارت الشكوك حيال تعافي الاقتصاد العالمي سريعا بعد أن أظهر مسح لقطاع الأعمال أن وتيرة النمو في القطاع الصناعي في الصين تباطأت في ديسمبر كانون الأول.

وهبط الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في عامين ونصف، وهو ما يجعل الذهب أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى.

ويترقبت المستثمرون انتخابات الإعادة في جورجيا التي ستجرى غدا الثلاثاء وستقرر أي الحزبين سيسيطر على مجلس الشيوخ الأميركي.

ومن بين المعادن النفيسة الأخرى، سجل البلاتين أعلى مستوى له منذ أغسطس آب 2016 عند 1127.82 دولار للأونصة قبل أن يتراجع عن مكاسبه وينخفض 1.1 بالمئة إلى 1056.00 دولارا.

وصعدت الفضة 2.5% إلى 27.04 دولار للأونصة بعد أن لامست أعلى مستوى لها منذ الخامس عشر من سبتمبر أيلول عند 27.55 دولار.

وهبط البلاديوم 3.06% إلى 2373.30 دولار للأونصة.

عالم ما بعد 2020

انطوت صفحات سنة الجائحة العاتية والركود العالمي وزيادة الفقر والجوع والبطالة وتفاقم الديون. ولما تضمنته هذه السنة المنصرمة من لحظات فارقة ستبقى في الذاكرة يؤرخ بها لما كان قبلها وما سيأتي بعدها، فقد جرى فيها في بضعة أيام وأسابيع ما كان معتاداً أن يستغرق سنوات من التغيرات والحوادث المؤثرة في حياة عموم الناس وأسباب معيشتهم.
وقد جاءت الأزمات  بتيارات كاشفة ومعجلة ومنشئة. ففي تياراتها الكاشفة ما أظهر قدرات المجتمعات ونظمها واقتصاداتها على التعامل مع الصدمات واحتوائها فارتبكت دول غنية في تعاملها مع الوباء، وقد كان ينظر لها على أنها من ذات البأس الاقتصادي والقدرة المؤسسية، في حين صمدت دول أخرى بعضها أقل دخلاً وثراءً، ولكنها كانت أكثر تنظيماً والتزاماً، وحظاً أيضاً. وفي تياراتها المعجلة برزت أنشطة تكنولوجيا المعلومات والرقمنة وحملت لشركاتها أرباحاً غير مسبوقة ونمواً كان من المفترض أن تمر سنوات قبل تحقيقه، كما انزوت أنشطة أخرى عجّلت الأزمة بنهايتها، التي كانت آتية حتماً؛ إذ كانت تصارع من أجل البقاء في العصر الرقمي رغم افتقادها لمقومات الصمود والمنافسة فيه مع بدائل أقل تكلفة وأعلى كفاءة من خلال المنصات الرقمية، خاصة في مجالات تجارة السلع الاستهلاكية والمنزلية، مع تسارع في معدلات زيادة التجارة الإلكترونية المستعينة بقواعد البيانات الكبرى والذكاء الصناعي، مع تحول تدريجي من تجارة اعتمدت على الحاويات إلى الاستعانة بالطرود على النحو الذي تسير عليه شركة «أمازون» الأميركية ونظيرتها الصينية «علي بابا»؛ وهو ما دفع شركات أخرى مثل «وول مارت»، عملاق تجارة التجزئة التي بلغت إيراداتها العام الماضي نصف تريليون دولار، للدخول بقوة في مضمار التجارة عبر الإنترنت بعد عهود من النمو تقليدياً من خلال فروعها المنتشرة في أميركا وحول العالم. ينبغي بطبيعة الحال التفرقة بين أنشطة تتعرض لمشكلات سيولة عارضة بسبب الأزمة وأخرى تعترضها أزمات هيكلية معوقة لاستمرارها.
أما وأن الأزمات التي شهدها عام 2020 منشئة أوضاعاً جديدة، فهو ما ستسفر عنه الأشهر المقبلة من العام الجديد؛ ومن ملامحها المبكرة ما يجعلنا متطلعين إليها باستبشار لا يغفل ضرورة التحوط والحذر في عالم شديد التغير. وجدير بنا النظر إلى المستجدات الخمسة التالية وتطوراتها ونحن نتحسس الخطى الأولى في عام 2021:
1 – نشر اللقاح وعوارضه الجانبية: أحدث الإعلان عن تطوير لقاحات من جهات أميركية وصينية وأوروبية وروسية عدة اطمئناناً لإمكانية السيطرة على الوباء المستشري. وتشير الأرقام إلى أن من إجمالي ما سيُنتج العام المقبل من جرعات اللقاح حجزت الدول المتقدمة منها 3.5 مليار جرعة لتلقيح مواطنيها، في حين لم تقم آلية «كوفاكس» التي تديرها منظمة الصحة العالمية لإتاحة اللقاح في الدول الأقل دخلاً بتدبير أكثر من 200 مليون جرعة، وتتفاوض للتعاقد مع 500 مليون أخرى، وهو ما لا يكفي بحال لتوفير اللقاح في الدول النامية، خاصة أن هذه الآلية تعاني عجزاً يقترب من 85 في المائة من إجمالي احتياجاتها التمويلية المقدرة بنحو 38 مليار دولار. وفضلاً عن مشكلة التمويل فهناك مخاوف تتعلق «بتسييس اللقاحات» بما يحد من سهولة انتقالها عبر الحدود. وفي تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» تتوقع ألا يصل اللقاح لمواطني الدول النامية كافة قبل عام 2024. وهذا هو ما يقصد هنا بالآثار الجانبية للقاح، فيما يتجاوز الأبعاد الطبية على متلقيه، حيث سيتسبب هذا التفاوت في مدى إتاحة اللقاح إلى مزيد من عدم العدالة في توزيع الفرص والدخول حول العالم بتأثيرات سلبية على قطاعات الإنتاج والنمو والتشغيل وقيود متباينة على حركة السفر والسياحة وانتقال العمالة بين الدول.
2 – إعادة تشكيل معالم العولمة: لن تندثر العولمة الاقتصادية بسبب صدمة «كورونا» وتعطيلها خطوط الإمداد، ولكنها ستعيد النظر في مساراتها؛ فالعولمة بمكوناتها الأساسية المتمثلة في حركة التجارة ورؤوس الأموال والعمالة وتبادل المعارف والتكنولوجيا ستستمر، ولكن بمزيد من الاعتبار لدور متنامٍ للأقاليم الجغرافية الاقتصادية. ففي استقصاء إحصائي لشركة الاستشارات «ماكينزي» أجرته على عدد من المديرين التنفيذيين لشركات عالمية في شهر مايو (أيار) الماضي، أعلن 93 في المائة منهم عن عزمهم على تأمين مدخلات إنتاجهم وسلعهم الوسيطة بجعلها أكثر قرباً من مراكز التوزيع ومقراتهم الرئيسية، وذكروا من مخاوفهم تأثير الحروب التجارية، وكذلك الأبعاد الخاصة بالبيئة ومعايير تشغيل العمالة. وقد شهد العالم من قبل نزوعاً لترتيبات إقليمية كلما تعثرت العولمة. وقد نرى أمثلة لهذه التوجهات الإقليمية للاتحاد الأوروبي بعد «بريكست»، وأيضاً الاتفاق الإقليمي الأكبر في شرق العالم بين دول الآسيان والصين وكوريا واليابان وأستراليا ونيوزيلاندا، وكذلك اجتهادات أفريقية لتيسير التجارة بين دول القارة. ومع زيادة حركة التجارة الإقليمية تترافق حركة رؤوس الأموال وربما انتقال العمالة أيضاً إذا تيسرت شروط الهجرة التي لطالما تعرضت لقيود أكبر نسبياً من تلك المفروضة على التجارة ورؤوس الأموال. وفي كل الأحوال سيتزايد الوزن النسبي لشرق العالم الآسيوي، وسيزداد نزوح مركز الجاذبية الاقتصادية تجاهه، رغم محاولات ستبذل لتعويق هذا النزوح.
3 – تعافٍ غير متوازن للاقتصاد العالمي: بعدما انكمش الاقتصاد العالمي بنحو 4.4 في المائة جراء الجائحة وما صاحبها من مربكات للأنشطة الإنتاجية، فمع السيطرة على الوباء ونتيجة لضخ حزم التمويل المساندة سيعود الاقتصاد العالمي لنمو في حدود 5 في المائة في المتوسط. ولكن هذا النمو سيكون أكبر في الصين والهند بمعدلات تقترب من 8 في المائة، ونصف هذا الرقم في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي حدود 3 في المائة في الدول العربية والأفريقية؛ وسيتباين أداء القطاعات الاقتصادية التي سيتأخر بعضها في معاودة نشاطه لحساسيته للأبعاد الصحية والتخوف من العدوى.
4 – استثمارات ذكية مستدامة: تراجعت الانبعاثات الضارة بالبيئة والمناخ بنحو 7 في المائة، ولكن كأثر جانبي لتعطل جزئي في النشاط الاقتصادي وحركة النقل والسفر. ومع عودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس مع الإدارة الجديدة وضخها لتمويل ضخم يبلغ تريليونَي دولار في مشروعات للبنية الأساسية متوافقة مع هذه الاتفاقية. وقيام الاتحاد الأوروبي بربط تمويل إفاقة الاقتصاد البالغ 750 مليار يورو بشروط الاستدامة وتدعيم البنية الرقمية، وتبني دول مثل كوريا واليابان برامج مماثلة ترتكز على التحول الرقمي ومقاومة تغيرات المناخ؛ مع هذا كله ستكون الاستدامة والتحول الرقمي فرسَي انطلاق للاستثمارات العامة والخاصة. ويستلزم هذا منظومة متكاملة لمعايير الإفصاح للتحقق من مدى الالتزام بالتعهدات.
5 – بورصات مالية صاعدة بشروط: من المتوقع أن تستمر أسعار الفائدة على العملات الرئيسية في مستوياتها المنخفضة لفترة لتعين التعافي الاقتصادي من حالة الركود الراهنة بما سيؤثر إيجاباً على البورصات العالمية، والتي ستستمر في الاستفادة أيضاً من حزم التمويل الممنوحة للشركات والأفراد من الموازنات العامة. كما سيقبل المستثمرون على أسهم الأنشطة المستفيدة من الأزمة كشركات التقنية واللقاحات وغيرها. ولكن ينبغي التحوط ضد مخاطر مؤثرة على الأسواق المالية كالتوترات الجيوسياسية، وما يعرف بالأمن السيبراني وتأثيره على شبكات المعلومات، وكذلك تأثيرات تقلب أسعار السلع الأولوية وأوضاع الديون، خاصة في الدول النامية والأسواق الناشئة.
وفي كل الأحوال، مع الإقبال على عام جديد يحسن بنا التفاؤل بما فيه الخير والاستعداد الدائم لعالم شديد التغير، أما عن التوقعات ومساراتها وما يتحقق منها فكما قال نيلز بوهر عالم الفيزياء الدنماركي الحائز جائزة نوبل «إن التوقع أمر في غاية الصعوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل!».

د. محمود محي الدين.

تخفيض الدينار العراقي ليس الحل… بل حزمة إصلاحات متكاملة

أقدمت الحكومة العراقية على تخفيض قيمة العملة المحلية الدينار مقابل الدولار؛ إذ وصل سعر الصرف بحدود 1460 ديناراً لكل دولار تقريباً. إن تخفيض قيمة العملة المحلية هو خفض سعر الصرف الرسمي لتلك العملة مقابل عملة دولية مرجعية، حيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة من العملة الوطنية، وهو يختلف عن انخفاض سعر الصرف الخاضع لآلية العرض والطلب في السوق.
إن العلاقة بين تخفيض قيمة العملة والحد من عجز الميزان التجاري وتحفيز الاقتصاد الوطني ليست علاقة آلية، وإنما علاقة مشروطة بعوامل ومحددات عديدة، فإن تخفيض العملة ينطلق من محاولة تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة بسبب تنامي النفقات، وإن العوامل والمحددات في هذه الحالة تكون أكثر وأوسع، وتختلف طبيعة ومحتوى آثارها؛ فقد يكون لهذا التخفيض تأثيرات عكسية وسلبية، وقد تقود إلى الانكماش بسبب الضغوط التضخمية التي تنتج من ارتفاع أسعار الموارد الأولية والمستوردة، وفي ظروف ضعف المؤسساتية، واضطراب الأوضاع العامة، فإن تخفيض قيمة العملة يكون له تداعيات سلبية، وهذا ما سيحصل مستقبلاً في الاقتصاد العراقي.
إن هدف التخفيض في حالة العراق يأتي لتخفيف عجز الموازنة العامة من خلال شراء الدولار من وزارة المالية بسعر صرف أعلى، وهو أمر تتم معالجته أولاً من خلال إصلاحات هيكلية تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة والسيطرة على النفقات غير المنتجة ومعالجة العديد من أوجه الخلل والقصور في السياسات العامة الاقتصادية، التجارية، المالية والاستثمارية قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار العراقي. ترتبط عملية تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية على جملة من العوامل، أهمها، حالة ميزان المدفوعات، وتأثير التخفيض على أسعار المستهلك، وتأثير التخفيض في زيادة النمو الاقتصادي والتجارة، وتأثير التخفيض على الدين العام، تأثير التخفيض على الثقة بالعملة المحلية، وقدرة السياستين المالية والنقدية على مواجهة الآثار والتضخم.
إن تخفيض قيمة الدينار العراقي في الوقت الحاضر لا يبدو ضرورة ملحة؛ إذ إن السياستين النقدية والمالية غير قادرتين على اتخاذ الإجراءات الكافية لكبح الضغوط التضخمية الناتجة من تخفيض سعر صرف العملة المحلية بسبب عدم فاعلية أدوات السياستين لأسباب سياسية واقتصادية ومالية؛ ما يسبب حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بسبب طبيعة سلوك السوق المالية والمصرفية والقطاع الأهلي، كما أن قرار تخفيض قيمة العملة الوطنية في الظروف غير المستقرة قرار ذو آثار سلبية مضاعفة ويخلق توقعات لمزيد من التخفيض؛ ما يربك أوضاع السوق وزيادة الطلب على العملة الأجنبية مع ضعف الثقة بالعملة الوطنية، كما يؤدي تخفيض قيمة العملة المحلية إلى ضغوط تضخمية، يتحمل معظم المواطنين آثارها السلبية نتيجة لخفض القدرة الشرائية للمواطنين، علماً بأن استقرار سعر الصرف يلعب دوراً مهماً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية، ويعطي خيار اللجوء إلى تعديل سعر الصرف إشارة سلبية للمستثمرين.
يعتمد غالبية المواطنين على تقاضي رواتبهم وأجورهم من الحكومة، وتخفيض قيمة العملة يكون بمثابة ضريبة تستقطع من دخولهم بنسبة التضخم، إلا إذا قامت الحكومة بزيادة الرواتب والأجور لمواجهة التضخم، أي تعويضهم مقدار الانخفاض في قدراتهم الشرائية، وعندها تكون الحكومة قد خصصت نسبة كبيرة مما حصلت عليه من فرق سعر الصرف لتعويض الموظفين والمتقاعدين. تكمن دواعي التوجه نحو تخفيض سعر صرف الدينار العراقي في محاولة تغطية عجز الموازنة العامة للدولة بسبب ضعف السيطرة على النفقات العامة والإخفاق في تعظيم الإيرادات غير النفطية، وهو خيار يجدونه سهلاً، في الوقت الذي ينبغي معالجة الخلل وضعف الانضباط المالي وإعادة بناء الموازنة العامة للدولة في إطار متطلبات الاقتصاد الكلي، وفي ضوء متطلبات السياسة المالية والسياسة النقدية، وفي ضوء الفرص الواسعة والمتاحة لتعظيم إيرادات الدولة (من غير النفط)، وفي ضوء ضرورات إعادة النظر بهيكل مؤسسات الدولة التي تعاني من الترهل الخطير والفساد.
يلجأ العراق إلى تخفيض العملة من أجل سد عجز الموازنة العامة بسبب تزايد النفقات، ومع ذلك فإن هدف تحسين الميزان التجاري إذا كان مستهدفاً، فإن تخفيض سعر صرف الدينار لا يحقق هذا الهدف بالمستوى المطلوب؛ إذ إن القطاعات الحقيقية، الصناعة والصناعات التحولية والزراعة والخدمات في أدنى مستوياتها، ونسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي منخفضة، وإن صادرات العراق غير النفطية قليلة جداً، ولا تشكل أي نسبة في الميزان التجاري، والقطاع الخاص غير فاعل أيضاً، والنهوض بهذه القطاعات سيستغرق سنوات طويلة مع وجود خطط وسياسات فعالة، وعادة يجري تخفيض قيمة العملة المحلية في الدول التي لها قدرات تصديرية عالية، كما أن السياسة الجمركية غير فاعلة في الوقت الحاضر، وهي تمثل الأساس لحماية المنتوج المحلي لتحفيز الإنتاج.
إن فوضى الاستيرادات وفقدان السيطرة والرقابة على المنافذ الحدودية وحجم التزييف والفساد والتهريب، تتسبب في استباحة السوق العراقية وإغراقها بالسلع الرخيصة التي تكبح محاولات الارتقاء بالإنتاج المحلي، وينبغي قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار تصحيح تلك الأوضاع بما يؤمّن تطبيق القوانين الجمركية وحماية المنتج المحلي ومكافحة الإغراق، وحماية المستهلك.
إن الهدف من التخفيض يستهدف تحسين المركز المالي للحكومة، وسد عجز الموازنة العامة بسبب الزيادة المستمرة في نفقات الموازنة؛ إذ ينبغي قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار، استنفاد الحلول الأخرى، وقد تبين من خلال دراسات عديدة أن التخفيض لا يحقق هدف سد العجز في الموازنة إلا بقدر قليل جداً لا يقارن بالتأثيرات السلبية العديدة التي يمكن أن تحصل من تخفيض العملة، وإن الإصلاح الشامل يحقق أهدافاً تصحيحية، هيكلية توفر استدامة مالية، وتكون له آثار إيجابية، اقتصادية ومالية واجتماعية.

د. ثامر العاني.
* أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد – مدير إدارة العلاقات الاقتصادية السابق بجامعة الدول العربية

تثبيت الليرة على 5500 مشروع قابل للتنفيذ؟

بعد رواج مصطلحات التدقيق الجنائي، ومن ثمّ الدعم، دخل مصطلح جديد الى «الساحة» المفتوحة على التجارب اللفظية، اسمه «مجلس النقد». وهو مصطلح بدأ يسمع به اللبنانيون بقوة في الأيام القليلة الماضية، ويتمّ تصويره وكأنه الحل السحري الذي سيُعيد الى الليرة رونقها، ويحمي البلد من «جهنم» الموعود.

فيما يستمر المشهد السياسي على مساره المعقّد، وتمضي الامور على رتابتها القاتلة، وتبقى البلاد بلا حكومة رغم دقة الوضع الذي وصل الى مرحلة بات يُسمح معها بالقول انّ لبنان يواجه خطر الزوال، يتمّ ملء الفراغ باقتراحات وأفكار لا ترتقي الى مستويات المرحلة. هذه الأفكار، على أهميتها أحياناً، تأتي في سياق منفصل عن الحل الشامل الذي باتت خارطة طريقه معروفة، وهي ترتكز على حكومة مستقلة تتولى وضع خطة إنقاذ شاملة، تتماهى ومتطلبات المجتمع المحلي والدولي، وتمرّ حُكماً في صندوق النقد الدولي.

خارج هذا الاطار، يَجهَد البعض في تقديم أفكار واقتراحات، يتلقّفها المجتمع المحلي المُتعطّش الى خشبة خلاص يمكن أن تنشله من حال الغرق المستمر منذ أشهر طويلة. آخر وأحدث الاقتراحات التي يجري التداول بها تتعلق بتشكيل مجلس للنقد (currency board) يتولى عملية انتشال الليرة من انهيارها، ويُثبّت سعر صرفها منعاً لمزيد من التراجع في قيمتها في المستقبل. ويعطي المتحمّسون للفكرة أرقاماً مُسبقة عن السعر الذي يمكن اعتماده لتثبيت الليرة، وهو بين 5000 أو خمسة 5500 ليرة للدولار الواحد. (سعر الصرف حالياً في السوق السوداء حوالى 8300).

ما قصّة مجلس النقد هذا، القادِر على اجتراح العجائب، وهل صحيح انه المَمر الآمن نحو سعر صرف ثابت في هذه الظروف الصعبة، التي يخشى معها اللبناني ان يستمر تدهور سعر صرف عملته الوطنية في المرحلة المقبلة، وصولاً الى أرقام تضخمية خطيرة تشبه تلك التي بلغتها دول تعرّضت للانهيار المالي والحصار الاقتصادي؟

قبل الوصول الى الحكم النهائي على دور وأهمية مجلس النقد الذي يتمّ الترويج له، لا بد من تقديم لمحة ولو موجزة عن ماهية هذه المؤسسة، كيف تعمل؟ أين عملت؟ وما كانت النتائج؟ وعليه، يمكن إيراد الملاحظات والحقائق التالية:

اولاً – عبر التاريخ، كانت مجالس النقد قائمة فقط في الدول المُستَعمَرة. وانتشرت بصورة خاصة في دولٍ استعمرتها بريطانيا، وبقيت تابعة لسلطتها. وفي كل مرة حصلت فيها دولة على استقلالها، كانت تتخلى عن مجلس النقد، وتؤسّس مصرفاً مركزياً. وهكذا تحوّل وجود مصرف مركزي الى مؤشّر لاستقلالية الدولة من الوجهة المالية والاقتصادية. وعليه، لا يمكن تقييم نتائج تجارب هذه المجالس ومقارنتها بالوضع الراهن للدول، بعد زوال حقبة الاستعمار في العالم.

ثانياً – في العصر الحديث، توجد تجارب عدة في موضوع مجلس النقد، منها ما اعتُبر فاشلاً مثل التجربة الارجنتينية التي بدأت في العام 1991 وانتهت في 2002. وبعضها يعتبره البعض ناجحاً، ولو انه يحتاج الى مزيد من التدقيق مثل التجربة البلغارية. كذلك خاضت تجربة مجلس النقد كل من ليتوانيا واستونيا والبوسنة. وكل هذه التجارب لا تزال تخضع لعملية تقييم لمعرفة نتائجها الحقيقية على الاقتصاد، خصوصاً انّ هذا النوع من السياسات النقدية يحتاج فترة زمنية طويلة للحُكم على نتائجه.

ثالثاً – لا توجد دول متطورة ومستقرة تعتمد في سياستها على مجلسٍ للنقد، بل ينحصر وجود هذه المجالس في دول تعاني أزمات وأوضاعاً استثنائية، ولذلك يُستخدم مصطلح CBA currency board arrangement للدلالة على الطابع الاستثنائي والتسيوي لإنشاء هذا النوع من المؤسسات.

في المحصّلة، ينبغي أن يكون معروفاً انّ الدور الحصري تقريباً لمجلس النقد هو المحافظة على سعر صرفٍ ثابت من خلال ربط عملة البلد المُستهدف بعملةِ بلد آخر متطور. ويستند هذا المبدأ على فكرة الربط الكامل بين عملتين: واحدة تابعة وأخرى مَتبوعة. ولا يمكن تطبيق هذا المبدأ من دون الاستناد الى تغطية بالعملة التي يختارها أي مجلس نقد لتشكّل الاحتياطي الذي يمكن الاستناد اليه لطباعة العملة وتحديد حجم الكتلة النقدية. والمبدأ بسيط، ويقضي بعدم طباعة أي ورقة نقدية لا تُؤمَّن تغطيتها بالعملة الصعبة. ويبقى الهدف من هذا الاجراء وقف نمو التضخّم، وتحديد سعر منخفض للفوائد.

لكن هذا المبدأ على بساطته لا يمكن تطبيقه بالبساطة نفسها، ويكاد يكون نجاح تجربة مجالس النقد أو فشلها شبيهاً بتجارب النجاح والفشل في تعاون الدول مع صندوق النقد. البعض ينجح والبعض الآخر يفشل، والمعيار هنا في الاجمال، التطبيق الدقيق للخطط والقوانين، ووضعية كل دولة.

هل تنطبق معايير نجاح تجربة مجلس النقد على الوضع اللبناني؟

اسئلة كثيرة ينبغي أن تتأمّن الاجابة عنها لمعرفة الجواب، منها:

أولاً – ما الفرق بين تجربة تثبيت سعر صرف الليرة التي قد يتولاها مجلس النقد، وتجربة التثبيت التي قام بها مصرف لبنان على مدى عشرين عاماً؟

ثانياً – ما هو الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة التي سيستند اليها مجلس النقد لتحديد سعر صرف الليرة، وهل انّ الاحتياطي الالزامي الباقي في المركزي ثابت لاعتماده، ام انه متحرّك وبتصرّف السلطة التي تفكر في استخدامه لاستكمال الدعم ولو تحت مُسمّى الترشيد؟

ثالثاً – ما تأثير وجود مجلس للنقد على القطاع المصرفي الذي سيتم الاعتماد عليه، رغم فقدان الثقة به حالياً، للنهوض بالبلد مجدداً عندما يحين موعد تنفيذ خطة للانقاذ؟

رابعاً – ما رأي صندوق النقد الدولي بهذا الموضوع، وهل يمكن اعتماد هذا الخيار من دون موافقته؟

هناك اسئلة اضافية ينبغي أن تُطرح قبل إبداء الحماسة لإنشاء مجلس للنقد، والأمر يحتاج الى دراسة مُعمّقة وهادئة، وليس الى مزايدات في طرح الاقتراحات، على طريقة «أنا اقترح إذن أنا موجود».

انطوان فرح.

احتكار الشركات التقنية

«غوغل»، «آبل»، «أمازون»، «فيسبوك»، «مايكروسوفت».. هذه الشركات الخمس هي قائدة الشركات التقنية بالعالم، وتبلغ القيمة السوقية لها نحو 4 تريليونات دولار، وهي تسيطر بشكل كبير على العالم الرقمي، إما بالبرمجيات مثل «مايكروسوفت»، أو بالتجارة الإلكترونية مثل «أمازون»، أو بمحركات البحث وتطبيقات الهواتف الذكية مثل «غوغل»، أو بتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، أو بالأجهزة الذكية مثل «آبل». وقد يندر ألا يستخدم شخص في العالم تطبيقات هذه الشركات الخمس، فاستخدام الهاتف الذكي يعني استخدام «آيفون» أو «آندرويد»، ودخول مواقع التواصل الاجتماعي قد يعني استخدام «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتساب»، وجميعها مملوكة لشركة «فيسبوك»، واستخدام الأجهزة المكتبية يعني وجود «مايكروسوفت». هذه القوة المفرطة والانتشار الواسع أعطيا الشركات التقنية القدرة على احتكار الأسواق، والتحكم في تنافسية السوق، بشكل أدى إلى صعوبة التنافس معهم، بل واستحالته، وهو ما أدى إلى رفع كثير من قضايا الاحتكار ضد الممارسات غير العادلة لبعض هذه الشركات.
والبداية مع أكثر هذه الشركات مواجهة لقضايا الاحتكار، وهي «مايكروسوفت»، التي واجهت عشرات الاتهامات بالاحتكار منذ التسعينيات الميلادية، وكادت حينها أن تتعرض للفصل إلى شركتين مختلفتين بسبب هذه القضايا. وكانت آخر الاتهامات ممارساتها الاحتكارية مع تطبيق «تيمز» الذي استخدم بكثرة مع التباعد الاجتماعي في أثناء الجائحة، حيث اتهمت شركات مثل «زووم» و«سلاك» شركة «مايكروسوفت» بالتسويق لبرنامج «تيمز» من خلال شبكتها الواسعة من العملاء الذين يشملون مستخدمي بريد «آوتلوك» والبرامج المكتبية الأخرى، وهو ما أعطاها ميزة تنافسية لا تستطيع بقية الشركات الحصول عليها.
أما «فيسبوك»، عملاق مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اتهمت كثيراً بالممارسات الاحتكارية. وكان أبرز هذه الممارسات استحواذ «فيسبوك» على «إنستغرام» في عام 2012 بمليار دولار، وكانت «إنستغرام» حينها مكونة من 13 موظفاً فقط. وقد اتهمت «فيسبوك» بقمعها لأي منافس مستقبلي بهذا الشراء. أما القضية الثانية، فكانت في 2014 بشراء «واتساب» ذات الـ55 موظفاً بمبلغ زاد على 19 مليار دولار. ويتطلع عدد من المدعين العامين الآن إلى إعادة فتح ملفات هذين الاستحواذين، بينما تتحجج «فيسبوك» بأن عمليات الاستحواذ هذه تمت بشكل شفاف قانوني حينها.
أما «غوغل»، فممارستها الاحتكارية تنقسم إلى قسمين: الأول منهما يتمثل في توجيه نتائج محركات البحث بحسب سياستها غير المعلنة (وفق الاتهام)؛ وتزيد حصة «غوغل» السوقية من محركات البحث على 90 في المائة. كما تتهم كذلك -بصفتها مالك نظام «آندرويد» التشغيلي- بتوجيه نتائج البحث في متجر التطبيقات إلى التطبيقات الخاصة بها، مما يعطي تطبيقاتها ميزة تنافسية على التطبيقات الأخرى. وهذا الاتهام يوجه كذلك لشركة «آبل» التي قد تعطي ميزات أكبر للتطبيقات الخاصة بها، علاوة على وجود كثير من هذه التطبيقات بشكل تلقائي عند بيع الأجهزة.
أما «أمازون»، فقد اتهمت كثيراً بالممارسات الاحتكارية، سواء في السيطرة على بيع الكتب سابقاً، أو الضغط على دور النشر من خلال إبعادهم عن نتائج البحث بالكتب. والآن، تواجه اتهامات بتفضيل منتجاتها على منتجات البائعين في موقعها الإلكتروني. كما وجهت اتهامات عدة لـ«أمازون» في السابق عن شرائها لشركات قد تنافسها في المستقبل، ومن ثم إنهاء نشاط هذه الشركات بعد شرائها، وذلك لقمع المنافسة بشكل نهائي.
إن القوى المتزايدة لدى الشركات التقنية مصدر قلق مستمر للحكومات، فهذه الشركات هي صانعة التقنيات الحديثة، ولها الفضل الكبير في تغيير العالم إلى ما هو عليه اليوم، إلا أن هذه القوى لا بد أن تحكم بالقوانين. وهذه الشركات لديها من الأذرع الممتدة ما يجعل السيطرة عليها أمراً شديد الصعوبة، فهي تتحكم بالمحتوى الرقمي في العالم، وهي أكبر سوق للإعلانات، وهي تستطيع التأثير على الشركات الأخرى والأسواق بما لديها من وصول إلى المستخدمين في جميع أنحاء العالم. وفي حال استمرت هذه السيطرة، فإن الابتكار في خطر، وقمع الشركات الناشئة بسبب احتمالية منافستها للشركات الضخمة هو دحض واضح للابتكار، وحرمان للمستهلك من المنافع التي يحصل عليها بسبب التنافسية بين الشركات. فالشركات الضخمة تستطيع إبعاد المستخدمين عن الشركات المنافسة لها بإخفاء نتائج البحث عنها، أو بامتناعها عن الإعلان لها في قنواتها الاجتماعية، أو بالاستحواذ عليها ومن ثم إنهائها. ولذلك، فإن حماية للشركات الناشئة، ووجود سيطرة قانونية على الشركات الضخمة، هي مسؤولية تقع على حكومات الدول التي يقع دورها في التأكد من أن هذه الشركات لا تخرج عن دورها بصفتها شركات، إلى ما هو أكبر من ذلك.

د. عبدالله الردادي.

عن ازمة لبنان المالية: المستثمرون في الأسهم يقبضون بـ”اللولار”.. ويدفعون الثمن الأكبر

شركات التداول تُجبر المساهمين على بيع أسهمهم بـ”اللولار”
نقمة الدفع بـ”اللولار” بدلاً من الدولار بنسبة تقل، اليوم، 50 في المئة عن السعر الحقيقي.. تحولت إلى فرصة لقلة قليلة من المضاربين. فبين السعرين هامش كبير من الإستفادة ممكن ان “تقطفه” شركات تداول الأسهم بجرة قلم إغلاق الحسابات، وتصفية الاستثمارات وإرجاعها بـ… “اللولار” طبعاً.

بكثير من الدهشة والإستغراب تلقّى المستثمرون مع شركة Royal Financials المتخصصة في تجارة الأسهم والسندات، كتاب إغلاق جميع حسابات الأسهم والعقود الآجلة. وذلك “بسبب التغييرات غير المتوقعة التي طرأت على الأنظمة المصرفية اللبنانية والأسواق المالية بشكل عام”، بحسب نص الكتاب. الخبر يبدو لغاية الآن عادياً. وهو يحصل مع الكثير من الشركات التي توظف وتستثمر أموال العملاء في الأسواق المالية وتجارة الأسهم والعملات والسندات وخلافه.. إنما المفاجأة كانت ان الشركة التي طلبت من العملاء إغلاق جميع مراكزهم في غضون 30 يوماً من تاريخ تلقي الكتاب وعدم اتخاذ أي مراكز جديدة، حددت بما لا لبس فيه ان العملاء سيتمكنون من سحب أموالهم أو استرجاعها عبر شيك أو حوالة مصرفية إلى أيٍ من المصارف اللبنانية. بعبارة أخرى، فان المستثمرين سيخسرون نصف المبالغ المدفوعة بالدولار عند الاستثمار بفعل الفارق الكبير بين الدولار الطازج والدولار المحلي أو اللولار.

الأسهم موظفة في الخارج
قد يكون مفهوماً أن تلجأ شركة ما توظف أو تستثمر في اسهم الشركات اللبنانية، على قلتها، اللجوء إلى مثل هذا التدبير. إنما وبحسب أحد العملاء فان الشركة توظف الأموال في الخارج، وهي تشتري باسمها لصالحهم أسهماً تتداول في الأسواق العالمية. لذا من واجبها إرجاع الأموال بالدولار النقدي “الطازج” كما ستقبضه من الخارج.
إصرار الشركة على ضرورة إقفال العملاء لحساباتهم فوراً لانها “مباشرة” ستقفل جميع الحسابات، قوبل برفض حاملي الأسهم التوقيع على الكتاب في الوقت المحدد وإبراء ذمة الشركة.. مما اضطرها، بما يناقض إدعاءاتها السابقة، إلى تمديد فترة الإغلاق شهرين إضافيين بشرط قبول العملاء تقاضي أموالهم بشيك مصرفي، وهذا ما أثار أيضاً العديد من التساؤلات.

العملاء مجبرون على البيع بـ”اللولار”
عادة في مثل هذه الحالات التي تضطر فيها شركات التداول إلى الإقفال أو وقف التداول بالأسهم والسندات لمختلف الأسباب، تُترك الحرية متاحة أمام العملاء الذين لا يرغبون في بيع أسهمهم، نقلها إلى شركة أخرى. وهذا ما لم توفره شركة “رويال فاينانشل”، بحسب العملاء. فهي تجبر العملاء على البيع وقبض الثمن بشيك أو حوالة، بحجة أنهم (المستثمرون) اشتروا الأسهم بنفس الطريقة منذ نحو 3 سنوات. ولكن من وجهة نظر العملاء فانه “عند الشراء لم يكن هناك من فرق بين شيك الدولار أو الحوالة، والدولار الفعلي، هذا أولاً. أما ثانياً فان حجة الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وأبقت أموال المستثمرين في لبنان، تنافي المنطق”.

الاستدانة على الأسهم!
أحد الخبراء في الأسواق المالية يلفت إلى انه “من المستحيل لمن يملك سهماً يُتداول خارج لبنان أن يتقاضى ثمنه بغير الدولار الطازج. وذلك لأن أرباح الأسهم في الخارج او عائد بيعها يسدد في الخارج. وأي عملية دفع لحاملي الأسهم بغير هذه الطريقة تعتبر سرقة موصوفة، لان قيمة الدولار الداخلي تقل بنحو 50 في المئة أو حتى أكثر عن قيمة الدولار الخارجي. وبالتالي فان الفارق بين الدولار المحلي والدولار الطازج يذهب لصالح الشركة في حين يخسر المستثمر ما لا يقل عن نصف أمواله”.
هناك الكثير من الحالات المشابهة تحصل مؤخراً في لبنان بشكل كبير. لكن ما حصل ان الكثير من شركات التداول استدانت على أسهم عملائها، ووظفت الأموال في لبنان وتحديداً في المصارف للاستفادة من الفوائد الخيالية على الدولار التي كانت تعطيها البنوك. في هذه الحالة لا يعود للشركة من مفر إلا الدفع بـ”اللولار”. انما هذا يعتبر بحسب احد المصادر “إساءة أمانة”. لان الأسهم تعتبر “أمانة” بحسب قانون الوساطة المالية، ولا يحق للشركة الاستدانة على أسهم الزبون أو العميل لصالح الشركة. فالاخيرة ملزمة بالاستدانة لصالح الزبون وليس العكس”. وبحسب المصدر ليس من المستبعد ان يكون حصل الأمر نفسه مع “رويال”.
أمّا في ما خص إدعاء الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وليس بأموال العميل فهي مخالفة واضحة للقانون. إذ انه يمنع منعاً باتاً الخلط بين الحسابات الخاصة للشركة وحسابات عملائها، بحسب قوانين تنظيم الأسواق المالية في لبنان ومختلف الدول.

إساءة أمانة
من الملاحظ إرتفاع وتيرة التهرب والإحتيال في تجارة الأسهم والسندات بشكل كبير في الآونة الأخيرة، توضح مصادر قانونية قائلة: “صرلنا سنة عم نعاني من هالموضوع”. “فهناك الكثير من الدعاوى وخصوصاً على إحدى الشركات التابعة لمصرف كبير، حيث استدانت على أسهم عملائها وعجزت عن السداد لهم ثمن الأسهم في حالة البيع أو حتى تسديد الأرباح بالدولار “الطازج”. لكن المشكلة برأيه ان “بعض القضاة لا يفرّقون بين دعاوى تسديد الودائع بالدولار الطازج ودعاوى الأسهم. والفرق بينهما كبير جداً. فالوديعة تعتبر حساباً دائناً بامكان المصرف إعادتها بالليرة الوطنية التي تملك قوة إبراء، أو بـ”الدولار المحلي”، كما يقول حاكم “المركزي”. وفي حال التخلف عن سداد الودائع بامكان المودعين رفع دعوى إفلاس في وجه المصرف. أما في ما خص القيم المنقولة من أسهم وسندات فهي تعتبر أمانة، وليست حساباً دائناً والمصرف أو الشركة مجبران على اعادتها بقيمتها الفعلية كما هي وإلا يتهمان بالجرم الجزائي.
المشكلة ان مثل هذه الدعاوى تتطلب سنوات طويلة بحسب الحقوقيين وقليلة جداً القضايا التي رفعت ووصلت إلى خواتيمها السعيدة. وذلك على الرغم من انه يفترض إعطاء الحق الى حامل السهم، وتجريم الشركة بتهمة إساءة الامانة.

خالد ابو شقرا.

عن توقعات العام الجديد

مع اقتراب كل عام جديد تظهر توقعات جديدة مبشرة ومنذرة عن ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات مؤثرة في أحوال الناس. ومن أكثر من يقوم بهذه التوقعات بجدية المتخصصون في مجال حسابات المخاطر والتأمين عليها؛ فعملهم يرتبط بتوقع الأحداث واحتمالات تحققها وفقاً لسيناريوهات متعددة، بغرض تسعير المخاطر وطرح أدوات للتأمين ضد حدوثها. وأصدرت مؤخراً إحدى كبرى شركات التأمين – أكسا – بالتعاون مع مجموعة يوراسيا للبحوث، التي يرأسها إيان بريمر، المحلل السياسي المعروف، توقعاتها المبنية على بحث ميداني أجرته خلال الأشهر الماضية شارك فيه 2600 خبير من 53 دولة حول العالم، فضلاً عن استطلاع رأي شارك فيه نحو 19000 شخص من 15 دولة. وجاءت التوقعات للمخاطر في عام 2021 على النحو التالي:
1 – الأوبئة والأمراض المعدية.
2 – تغيرات المناخ.
3 – أمن نظم البيانات والمعلومات.
4 – توترات إقليمية وجيوسياسية.
5 – صراعات واضطرابات محلية.
6 – تهديدات جديدة للأمن (بعضها مرتبط بمستحدثات تكنولوجية).
7 – مخاطر اقتصادية.
8 – مخاطر في الموارد الطبيعية والتنوع البيئي.
9 – مخاطر مالية.
10 – التلوث البيئي.
بمقارنة هذه النتائج عن التوقعات لعام 2021 مقارنة بعام 2020 تجد أن مخاطر الأوبئة قفزت 7 درجات لتحتل المرتبة الأولى بعدما كانت في المرتبة الثامنة في توقعات العام الماضي؛ وجدير بالذكر أن كثيراً من مراكز استطلاع الرأي لم تدرج أصلاً مخاطر التهديدات الوبائية في قائمة أولوياتها، وإن وضعها البعض في مراكز متأخرة في المخاطر المحتملة رغم تحذير الدوائر الطبية المتخصصة من تهديدات وبائية شاملة على النحو الذي ورد في تقرير «عالم في خطر» الصادر عن لجنة دولية مستقلة لتقييم الاستعداد الوبائي، التي أكدت أن العالم حيال الأوبئة يتراوح بين الإهمال والهلع من دون استيعاب دروس أوبئة سابقة أو اعتبار مما خلفته من ضحايا في الأنفس ونقص في الأموال والأرزاق.
وقد ارتفعت المخاطر الاقتصادية المتوقعة للعام المقبل مع زيادة البطالة المرتبطة بالركود الذي سببته الجائحة، وكذلك ارتفاع المخاطر المالية بسبب زيادة ارتفاع الديون، المتضخمة أصلاً قبل انتشار الوباء.
تلاحظ أيضاً استمرار ارتفاع مخاطر تغيرات المناخ رغم أنها أفسحت المرتبة الأولى التي احتلتها العام الماضي للوباء وتداعياته. ويزيد من أهميتها تكرار الإشارة لمخاطر بيئية متنوعة مرتبطة بها.
ويبدو أن موضوع المناخ سيحتل أهمية كبيرة في العام المقبل مستفيداً من قوة الدفع بعودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس لتغيرات المناخ واستعداد الإدارة الجديدة لإنفاق تريليوني دولار في مشروعات البنية الأساسية المتوافقة مع الاعتبارات المناخية والبيئية. كما تجد برامج الإصلاح والتعافي في أوروبا ودول آسيوية تعتمد نهج الاستدامة بإدراج النمو الأخضر في قواعد منح التمويل وتوجيه الاستثمارات بما يساند جهود السعي نحو تخفيض الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة.
كما تتكرر الإشارة في التوقعات إلى تزايد المخاطر الأمنية التقليدية في صورة صراعات ونزاعات داخل حدود الدول أو عبرها بشكل مباشر أو من خلال حروب الوكالة والإرهاب. وتتزايد مخاطر الاحتقان مع تزايد تفاوت الدخول؛ ويبدو أن أكثر حروف الهجاء الإنجليزية تعبيراً عن مسار التغير الاقتصادي من الوضع المتدني الحالي في كثير من البلدان هو حرف K، الذي يعبر عن صعود فئات وانخفاض أخرى بعد نقطة الافتراق. فبعد صدمة الجائحة تجد أن هناك قطاعات وشركات ازدادت إيراداً وربحاً ومشروعات أخرى خسرت وأفلست مخلفة أعداداً هائلة من المتعطلين بلغت في القطاع الرسمي نصف مليار إنسان وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
وقد أتت هذه التغيرات السلبية بعد عقد من زيادة تفاوت الدخول وتركزها، تأثراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية بما أجج من صعود التيارات الشعبوية والحركات المنتسبة لليمين السياسي المتطرف.
ولا ينبغي النظر إلى هذه التوقعات على أنها حتميات واقعة، فهي تخضع لافتراضات تصيب وتخطئ، وانطباعات أسيرة ما ترى، واحتمالات متسعة المدى. ولكن أهميتها تعكس ما يفكر فيه خبراء ونفر من عموم الناس، تعين في تحديد الأولويات وتوجيه الموارد.
وحري بنا ونحن نعيش في ظروف سياسية يغلب عليها حالة من اللانظام عالمياً واتساع فجوة الثقة بين الدول إقليمياً، فضلاً عن تزايد حالة اللايقين اقتصادياً، أن نستمسك بقواعد مبدئية للتعاون في التعامل مع تبعات جائحة كورونا. فليس من الصالح مثلاً أن يتم تسييس اللقاح إنتاجاً أو توزيعاً – فهذا يستحسن اللقاح الشرقي ويروّج له، وذاك يزكي اللقاح الغربي ويسوّق له، مع افتقار لتمويل لا يتجاوز 30 مليار دولار مطلوبة لتوفير اللقاح للدول الأفقر في عام 2021، وهو مبلغ زهيد مقابل ما يخسره العالم يومياً من جراء الجائحة تُستنقذ به أنفس زكية.
ولشدة ارتباط هذه المخاطر المتوقعة بما أطلقت عليه من قبل مسمى «المربكات الكبرى»، وشرحت أمثلها لها في مقالات سابقة في هذه الصحيفة الغراء، عن صدمات مباغتة وتغيرات متسارعة في سبيل مسارات التنمية، يلزم أن نستدعي لها ما يواجهها بالاستثمار في رأس المال البشري تعليماً وتثقيفاً ورعاية صحية، وبالاستثمار في رأس المال المادي تدعيماً للبنية الأساسية والرقمية، وبالاستثمار في رأس المال الاجتماعي مساندة لتماسك المجتمع بنظم للضمان الاجتماعي.
ولعلي أؤكد ونحن في استقبال عالم جديد على ثلاثة أمور في شأن إدارة السياسات العامة: أولاً، الاعتماد على الأدلة والبيانات المحدثة في تحديد أولويات الاستثمار وتوجيه التمويل له، خاصة في ظل مخاطر زيادة الديون العالمية التي تستدعي حصافة في إدارة ملفاتها.
والأمر الثاني، هو أهمية الدفع بتنافسية الاقتصاد في عالم شديد التغير ينتقل مركز جاذبيته الاقتصادية شرقاً باطراد، بما يستدعيه ذلك من اتباع منهج يتسم بالبراغماتية المبدئية، أي بسياسات وإجراءات مرنة مستندة إلى دعائم دولة قوية محددة الأهداف.
والأمر الثالث، أنه في سبيل تحقيق التقدم والاستمرار في مضماره يلزم العمل وفقاً لقواعد ممكنة للكافة من الترقي والحراك اجتماعياً إلى أعلى مع مساندة الفئات التي استضعفت على مر أجيال بحرمانها من فرص التعليم الراقي والتدريب الملائم والعمل اللائق.
فمجرد التعلق بشعارات الجدارة والأهلية في اختيار من يفوز بالفرص الأفضل في مجتمع يفتقد فرص المنافسة العادلة قد يتضمن بين طياته تجاهلاً للحيثيات الحقيقية لحاملي صفات الجدارة على النحو الذي حذر منه الفيلسوف السياسي مايكل ساندل، الأستاذ بجامعة هارفارد في كتابه الجديد؛ فإذا ما تركز المؤهلون المتميزون الجديرون هؤلاء في فئات متميزة أصلاً وورثت ومنحت فرص التميز لذويها فالتحقوا بأفضل المدارس والجامعات والوظائف بدعوى الجدارة، والآخرون من حولهم لا يعينهم جهد يبذلونه ولا يساندهم اجتهاد على تخطي عقبات اجتماعية واقتصادية حائلة دون الاستفادة من الفرص المتاحة فسنكون بصدد حالة بائسة من «طغيان الجدارة» لا ينبغي أن نستقبل بها العام الجديد من العقد الثالث لهذا القرن.

د. محمود محي الدين.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات