ذهب وبورصات وأفيال في الحجرات

يعكس ارتفاع سعر الذهب عبر التاريخ، توقعات عموم الناس بشأن التضخم وزيادة الأسعار، أما إذا كان الارتفاع شديداً، كما رأينا مؤخراً، فهذا يشير إلى أمر آخر أكثر خطورة، ألا وهو تردي الثقة بالعملات الدولية السائدة. إذ يلجأ الناس إلى الذهب، كما فعلوا من قبل في أزمنة الحروب، وتزايد مظاهر اللايقين والقلق من المستقبل وغموض احتمالاته. فالذهب ليس استثماراً جيداً في الظروف العادية التي تتوفر فيها بدائل الاستثمار في أصول وأوعية مالية وأنشطة اقتصادية مختلفة. فهو لا يمنح حامله عائداً كالسهم أو سعر فائدة كالوديعة أو السند. ولكنه يحقق لحامليه قيمة مكتنزة، إذا كان سعره غداً لن يقل عن سعره اليوم، ليحتفظ بقيمة المال في وقت التقلبات والأزمات.
ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، فنصف الطلب المستمر على الذهب يأتي من استخداماته في صنع الحلي والمجوهرات، وتمثل الصين والهند نصف السوق العالمية. والرافد الثاني للطلب يقوده المستثمرون الذين زاد طلبهم على الذهب بمقدار 235 في المائة، خلال العقود الثلاثة الماضية. أما الرافد الثالث للطلب على الذهب، فقادته البنوك المركزية، خصوصاً المنتمية للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية؛ حيث اشترت هذه البنوك 550 طناً في المتوسط سنوياً بعد الأزمة المالية العالمية. أما الرافد الرابع المتنامي منذ فترة هو استخدام الذهب في الصناعات الإلكترونية، ثم فتحت تكنولوجيا النانو آفاقاً لاستخدامات أوسع في الصناعات الهندسية المتقدمة ولاحتياجات الطب والطاقة المتجددة. لكن المحددات الأهم لسعر الذهب وتغيراته يدفعها الطلب عليه لأغراض المضاربة على سعره، في ظل عرض مقيد بحدود إمكانات استخراجه والتحكم في المعروض منه. أما التغيرات الحادة في سعره كالتي نشهدها اليوم، فتدفعها ظروف عدم الثقة واللايقين.
في الماضي القريب، تعرض سعر الذهب لموجات ارتفاع حادة إبان انخفاض التوقعات في قيمة الدولار، بسبب التضخم المدفوع بأسعار البترول في أواخر السبعينيات بعد الثورة على حكم الشاه في إيران، بما هدَّد استقرار الدولار كعملة دولية. وجاءت الموجة الثانية الكبيرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وما صاحبها من تبعات سياسية واقتصادية التي وصلت ذروتها في عام 2011، بالخلاف في الكونغرس حول مستقبل الدين العام وسقفه، متزامناً ذلك مع الأزمة في نطاق اليورو التي هدَّدت استمرار الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الأثناء ثارت تساؤلات حول مستقبل العملتين، الدولار واليورو، كعملتين دوليتين تشكلان حوالي 60 في المائة و20 في المائة تقريباً من الاحتياطي النقدي الدولي على الترتيب.
كان اللجوء للذهب مدفوعاً بأغراض التحوط والمضاربة، ففي الفترة التي شهدت فيها البورصات انخفاضاً بحوالي 57 في المائة من أكتوبر (تشرين الأول) 2007 حتى مارس (آذار) 2009، ارتفع سعره بحوالي 26 في المائة، وواصل ارتفاعه بعد تقلب في أسعاره حتى تجاوز سعره 1920 دولاراً، ثم بدأ في التراجع حتى وصل سعره إلى 1200 دولار، مع إعلان الفيدرالي الأميركي في عام 2013 نهاية سياسات التيسير النقدي.
وفي مطلع هذا العام، كان سعر أوقية الذهب 1520 دولاراً تقريباً، وبعد أزمة «كورونا» وتداعياتها تجاوز سعره 2000 دولار للأوقية الواحدة. حدث ذلك مع ما شهده الدولار من تراجع أمام العملات الرئيسية بسبب انكماش الاقتصاد الأميركي، والإخفاقات في التصدي لجائحة «كورونا»، واستمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية، وشدة الاختلافات المحلية حول السياسات العامة، قبل أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية.
وتتصاعد التساؤلات مجدداً حول مدى قيام الدولار بدوره كعملة دولية، ومستقبله كعملة احتياطي للبنوك المركزية حول العالم. وتُبرز تعليقات الدوريات المالية والاقتصادية تزايد تخلي بعض الدول في صادراتها عن الدولار في تسوية معاملاتها. فروسيا الاتحادية، على سبيل المثال، زادت نسبة متحصلاتها باليورو عن صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي من 38 في المائة إلى 43 في المائة، خلال الستة أشهر الماضية، كما لجأت دول آسيوية لتسوية تجارتها البينية بعملاتها المحلية، مع تزايد استخدام اليوان الصيني في المعاملات الدولية، حيث أصبح خامس عملة في التداول، سابقاً الفرنك السويسري، وإن كانت نسبته لم تتجاوز بعد 2 في المائة من إجمالي التداول الدولي؛ ولكنها في تقديري مسألة وقت، كما اعتدنا في العقود الأخيرة بشأن نمط تطور الأداء الاقتصاد الصيني ومنافسته عالمياً.
ورغم ارتفاع سعر الذهب، فإنه لم يستطع الاحتفاظ بسعر 2000 دولار، كما تأرجح سعره بفعل المضاربة ودخول مستثمري التجزئة، وكثير من المغامرين، فبعد ارتفاع إلى 2080 انخفاض بمقدار 200 دولار، حتى وصل إلى 1880 دولاراً بين 6 أغسطس (آب) حتى 11 أغسطس، ووصل سعره اليوم وأنا أكتب هذا المقال إلى 1940 دولاراً بنسبة زيادة بلغت 28 في المائة منذ بداية العام، لعلك تقارنها بسعر فائدة يقترب من الصفر على الودائع الدولارية، ولكن الأمر لن يخلو مستقبلاً من موجات تصحيح في أسواق الذهب والبورصات أيضاً.
فبعد ارتفاع قياسي العام الماضي في البورصات العالمية بلغ 29 في المائة، تعرضت البورصات لانخفاض شديد، وتقلب في أسعارها، بعد اندلاع أزمة «كورونا» استمر لأسابيع، ثم اتخذت اتجاهاً صعودياً عوضت به خسائرها. تتكاثر التبريرات حول صعود البورصات، رغم الأزمات الصحية والاقتصادية الراهنة. كذكرهم أن المتعاملين في البورصات يتطلعون للمستقبل على مدى 12 إلى 18 شهراً، وليس الأوضاع الراهنة التعيسة للاقتصاد؛ وأن البورصات مدفوعة بشركات التكنولوجيا الكبيرة، «أمازون» و«أبل» و«مايكروسوفت» التي ارتفعت أسهمها بنسب 80 في المائة و60 في المائة و35 في المائة على الترتيب؛ وأن هناك من يراهن على وجود عقار ناجع لـ«كورونا» في وقت قريب؛ وأن الأموال السائلة التي ضختها البنوك المركزية لم تجد لها وعاءً أفضل من الأسهم؛ وأن مزيداً من هذه الأموال السائلة في الطريق بما يزيد من الطلب على الأسهم. فبمثل هذه التفسيرات يبرر البعض ازدهار البورصة، رغم ركود في الاقتصاد يقترب به من حافة الكساد!
وفي هذا الصدد يطرأ بإلحاح ذكر تعبير يعبر عن حالة يكون الناس فيها مدركين لوجود مشكلات كبرى، ولكنهم ينزعون إلى تجاهلها عمداً، فيما يعرف مجازاً «بالفيل في الحجرة». وهو تعبير جاء على لسان الشاعر الروسي إيفان كريلوف في القرن التاسع عشر، الذي وصف به زائراً لمتحف لاحظ وعاين كل مقتنياته الصغيرة، وتاه عنه ذكر الفيل الكبير الذي يتصدر أروقته. ولا يمكن بحال، الادعاء بعدم رؤية أفيال من التداعيات الكبرى للأزمات الراهنة، وتأثيرها على حياة الناس، ومعيشتهم، مع ارتفاع أرقام البطالة والفقر والديون.
يبدو أن الأزمات المتزامنة التي حلت بالعالم أربكت أولويات التعامل معها، وقد تكون باعثة على الضجر من إجراءات التصدي لها. ومع الاعتياد على وجودها تنتشر مظاهر للتهاون في احتوائها، ويتزايد الركون إلى الظنون والتخرصات على الاحتكام إلى الحقائق والاستعانة بالعلم. فمع تفشي وباء كورونا، واقتراب عدد ضحاياه من مليون إنسان من إجمالي يتجه نحو رقم 25 مليون مصاب في 188 دولة حول العالم، لا يمكن تجاهل أولوية الرعاية الصحية الأولوية، وتدبير وسائل الحصول على العقار المضاد لـ«كورونا» في الإنفاق العام، لكي يصل لكل شخص من دون استثناء. ومع عدم وجود للقاح معتمد دولياً ضد الفيروس، سيظل الأثر الاقتصادي السلبي مرتفعاً بتكلفة يتحملها اليوم أكثر من 400 مليون متعطل، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، واقتراب رقم من يعانون من الفقر المدقع من مليار إنسان. وفي هذه الأثناء ترتفع المديونات العامة مع احتمالات لتزايد حالات التعثر للدول والإفلاس للشركات.
هذه التحديات الكبرى لن يحتويها زيادة الذهب لمعاناً وسعراً، أو ارتفاع سعر صرف عملة مقابل أخرى، أو أن تحطم البورصات المالية أرقاماً غير مسبوقة؛ بل يسهم في التصدي لها سياسات محكمة الأولويات، تتصدى للأزمات الطارئة من دون إهدار لقواعد التعافي المستدام فتحقق نمواً في الاقتصاد يخفض من البطالة والفقر، ويتجه بها إلى تمويل التنمية، حيث يجب أن يكون مستثمراً في قطاعات الصحة والتعليم والمرافق الأساسية، بما في ذلك ممكنات التحول الرقمي والتنافسية في عالم شديد التغير.

د. محمود محيي الدين

توقعات بتوازن أسواق النفط

توالت توقعات كبرى مؤسسات الطاقة العالمية خلال الأسبوع الماضي حول إمكانية استقرار أسواق النفط، بعد الانتكاسة في الصناعة إثر جائحة (كوفيد – 19) وقد استهل وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان هذه التوقعات، في كلمته للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لمجموعة «أوبك بلس» في اجتماعها عبر «الفيديو كونفرنس» الأسبوع الماضي، بقوله إن «الأشهر الثلاثة الأخيرة الماضية شهدت تحسنا كبيرا في أساسيات أسواق النفط العالمية، مما يؤكد أننا على الطريق الصحيح». وتابع: «استنادا إلى توقعات المؤسسات المختلفة، بما في ذلك منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية، فإن التقديرات تشير إلى أن العالم سيصل إلى نحو 97 في المائة من الطلب على النفط من مستويات الطلب ما قبل انتشار الوباء خلال الربع الرابع من العام الحالي».
كما أشار الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى علامات أخرى إيجابية، مثل استمرار هبوط معدلات التخزين ومستوى مخزون النفط الخام البري أو العائم في الناقلات، وصولا إلى التعافي السريع في الطلب على المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل في عدد كبير من دول العالم.
من جانبها، عزت وكالة الطاقة الدولية احتمال توازن الأسواق إلى استقرار تسجيل حالات «كوفيد – 19» المؤكدة حول العالم بمعدل 280 ألف حالة يوميا. وتضيف الوكالة أنه رغم أن هذا المعدل العالي من الحالات المؤكدة يفوق ما تم تسجيله في بداية تفشي الوباء، فإن استقرار هذا المعدل قد شجع العودة في كثير من دول العالم إلى الحياة الاعتيادية والانخراط في الأعمال اليومية، مع اتخاذ التدابير الوقائية الاحتياطية بقدر الإمكان من استعمال كمامات الوجه والتباعد الاجتماعي والفحوص الطبية اللازمة. كما أشارت الوكالة إلى الانخفاض الحاصل في الإمدادات، حيث سجل الإنتاج الأميركي في شهر مايو (أيار) الماضي نحو 10 ملايين برميل يوميا، مما يدل على انخفاض بنحو 3 ملايين برميل يوميا عنه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وأشارت إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية في الأسبوع الماضي إلى أن المخزون النفطي التجاري الأميركي قد انخفض قبل أسبوعين حوالي 1.63 مليون برميل ليسجل 512.45 مليون برميل، ليصبح فائض المخزون الأميركي 15 بالمائة أكثر من معدله للسنوات الخمس الماضية. وأشارت المعلومات الصادرة عن الشركات النفطية اليابانية، إلى أن اليابان قد استعادت 71.8 في المائة من طلب البلاد على النفط في منتصف شهر أغسطس (آب)، وأن هذا هو أعلى معدل للطلب الياباني منذ 16 أسبوعا.
وتدل معلومات دائرة أبحاث بنك ستاندرد تشارترد على أن «سوق النفط العالمية قريبة جدا من توازن العرض والطلب»، وأن الطلب في شهر أغسطس، ولأول مرة منذ 11 شهرا، قد فاق العرض بنحو 355 ألف برميل يوميا.
من الواضح مع عودة الأسواق إلى توازنها في هذه الفترة المبكرة، حيث لا تزال جائحة «كورونا» متفشية، أن هذا التطور لم يحدث بالصدفة. فهناك عوامل ثلاثة لعبت دورا أساسيا في سرعة التوصل إلى استقرار الأسواق. أولا: اتفاق منظمة أوبك مع دول مصدرة أخرى لتأسيس مجموعة «أوبك بلس»، حيث توسعت رقعة الدول المخفضة للإنتاج إلى 24 دولة بدلا من أقطار أوبك فقط. ثانيا: الالتزام الواسع بتعهدات التخفيض من قبل هذه الدول. ومحادثات رئيس منظمة أوبك مع الدول التي أنتجت أكثر من حصتها في بادئ الأمر، العراق ونيجيريا، والتوصل إلى حلول وسطى بأن تخفض هاتين الدولتين إنتاجهما في أشهر لاحقة لتعويض زيادتهما للإنتاج. ومن اللافت للنظر أن وسائل الإعلام التي تراقب جهود الدول المصدرة حول محاولات تخفيض الإنتاج لم تشكك بالأرقام الصادرة عن مجموعة «أوبك بلس»، الأمر الذي وفر مصداقية غير مسبوقة لمنظمة أوبك وحلفائها في «أوبك بلس». أخيرا: شكل تعاون السعودية وروسيا الوثيق، في الوصول إلى اتفاق تخفيض إنتاج مجموعة «أوبك بلس»، الدعامة الأساسية لنجاح الدول المصدرة. ومن المعروف أن هاتين الدولتين هما في نادي كبار المنتجين، لذا فإن تأثيرهما على الأسواق الدولية وعلى بقية المصدرين كبير ومهم لنجاح الاتفاق.
ورغم جميع هذا النجاح الذي تحقق حتى الآن، تبقى هناك تحديات مهمة خلال الأشهر المقبلة. والتحدي الأول: ما مدى انتشار (كوفيد – 19) والحاجة للانكفاء المنزلي ثانية؟ وما هو تأثير العودة إلى المدارس والجامعات خلال الشهرين المقبلين؟ وما هي سرعة إعادة آبار النفط الصخري الأميركي للإنتاج ثانية؟ وهل ستعود إلى طاقتها القصوى في القريب العاجل؟ ستلعب الأجوبة عن هذه الأسئلة دورا مهما في التأثير على الأسوأ. كما يجب توقع تغييرات في معدلات الأسعار لأسباب أخرى، جيوسياسية أو اقتصادية – صناعية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ ارتفاع الأسعار أو حتى تراجعها عن مستواها الحالي الذي يتراوح ما بين 40 إلى 45 دولارا لبرميل نفط برنت.

وليد خدوري

تحليل-“طلاء جديد فوق بناية متداعية” .. شكوك حيال جهود لتنظيف بنوك لبنان

يبدي مصرفيون ومحللون شكوكا حيال محاولات من مصرف لبنان المركزي لتنظيف بنوك البلاد، محذرين من أن ذلك يجب أن يكون في إطار خطة إنقاذ أوسع نطاقا لإصلاح النظامين المالي والاقتصادي المتداعيين.

ففي سلسلة تعميمات صدرت يوم الخميس، أبلغ البنك المركزي البنوك المحلية بأن تجمع سيولة جديدة وأن تحث كبار المودعين لديها على إعادة الأموال من الخارج وأن تُجنب مخصصات لتغطية خسارة تبلغ 45 بالمئة في حيازاتها من السندات الدولية.

جاء ذلك عقب تدهور جديد في أوضاع لبنان إثر انفجار مرفأ بيروت في وقت سابق من الشهر الحالي. لكن حتى من قبل الإنفجار، الذي أفضى إلى استقالة الحكومة، كانت بيروت تكابد أزمتها المالية الأسوأ إثر احتجاجات وتخلف عن سداد الديون بالعملة الصعبة في مارس آذار.

تقول علياء المبيض، العضو المنتدب في جيفريز، ”تلك القرارات الجزئية ستزيد مشاكل الائتمان والبنوك في لبنان وقد تقوض التقدم الضئيل الذي تحقق في محادثات صندوق النقد،“ مشيرة إلى المفاوضات المتوقفة بالفعل مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة.

وتابعت ”ولا هي قائمة على رؤية اقتصادية مالية معدلة أو على خطة لإعادة هيكلة الدين تأخذ في الحسبان السياق الاجتماعي الاقتصادي الآخذ بالتدهور والوضع الأسوأ لديناميات الدين عقب الانفجار.“

تأتي خطوة البنك المركزي قبيل زيارة يقوم بها الأسبوع القادم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يضغط على الزعماء اللبنانيين لإجراء إصلاحات سياسية ومالية ستتيح تقديم مساعدات أجنبية وتخفف الأزمة الاقتصادية، تتضمن تدقيقا شاملا لمالية الدولة والبنك المركزي.

والبنوك اللبنانية في قلب العاصفة بسبب حيازاتها الضخمة من الدين الحكومي، وقد طلب منها البنك المركزي زيادة رأس المال 20 بالمئة بنهاية فبراير شباط 2021 أو الخروج من السوق.

إصلاحات

أبلغ رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي رويترز عندما سُئل عن الغرض من التعميمات ”من الضروري تنظيف البنوك بعد التخلف عن سداد الدين لأننا نريد منها أن تستأنف دورها ونشاطها.“

وأضاف أن البنوك لن تستطيع استئناف النشاط دون أموال كافية لدى بنوك المراسلة.

لكن عدة محللين تعاملوا بحذر مع تلك التصريحات.

يقول راهول شاه، مدير أبحاث الأسهم المالية في تليمر، ”من الصعب معرفة لماذا قد يبادر القطاع الخاص إلى ضخ سيولة جديدة في النظام المصرفي ما لم يسبق ذلك إجراء تنظيف كامل للأصول أولا.“

تساءل المحللون أيضا كيف تنسجم مطالبة البنوك بتحمل خسارة 45 بالمئة على حيازات السندات الدولية مع خطة إنقاذ طرحتها في وقت سابق من العام حكومة تصريف الأعمال الحالية وتضمنت خفضا بنسبة 75 بالمئة على الدين الخارجي و40 بالمئة على الدين الداخلي.

ولا تتماشى خسارة تبلغ 45 بالمئة مع القيمة السوقية الحالية للسندات، التي هوت لما دون 20 سنتا في الدولار يوم الخميس، عقب صدور التعميمات وتصريحات من مسؤولين بالحكومة الفرنسية قالوا إنه لا مساعدات دون إصلاحات.

وقال سلامة ”لا نعرف كيف ستكون نتيجة المفاوضات بين لبنان والدائنين لكننا اتخذنا الاحتياطات المعتادة التي تعقب مثل هذا التعثر،“ مضيفا أنه يمكن تعديل المستوى من 45 بالمئة ”بالزيادة أو النقصان“، بناء على سير المفاوضات.

وقال باترك كوران، الخبير الاقتصادي في تليمر، إن مستوى المخصصات قد ينبئ عن رغبة في تخفيضات قيمة أقل أو معاملة حيازات البنوك معاملة مختلفة عن حيازات الأجانب من السندات الدولية.

وأُخطرت البنوك أنه ينبغي تجنيب المخصصات، التي تشمل أيضا خسارة 1.89 بالمئة على ودائعها من العملة الصعبة لدى البنك المركزي، في غضون خمس سنوات، قابلة للتمديد إلى عشر بشرط موافقة البنك المركزي.

ورجح المحللون أن يكون الهدف من المهلة الزمنية ألا تنتهك البنوك، التي تكابد الأمرين لصيانة الملاءة المالية، القواعد التنظيمية الدولية لمعدلات السيولة.

يقول مسؤول كبير سابق بالبنك المركزي ”هذا تمويه.. يحاولون تجميل الوضع، طبقة طلاء جديدة فوق بناية متداعية.“

ثمة بواعث قلق أيضا حيال محاولات البنك المركزي لإلزام كبار المودعين بإعادة بعض أموالهم من الخارج، وهو ما يرى فيه بعض المحللين مقدمة لتحميل بعض المودعين جزءا من الخسائر المالية.

حوافز

أُبلغت البنوك بأن تحث المودعين الذين حولوا أكثر من 500 ألف دولار إلى الخارج من أول يوليو تموز 2017 على إيداع أموال في حساب خاص داخل لبنان مُجمد لخمس سنوات وبما يعادل 15 بالمئة من القيمة المحولة. وتزيد النسبة إلى 30 بالمئة في حالة ”عملاء المصارف من الأشخاص المعرضين سياسيا“.

أثار التوجيه الجديد حالة من الفزع في أوساط بعض عملاء البنوك ممن لهم حيازات كبيرة في الخارج، حسبما ذكر مصدر يعمل في الخدمات المالية، في حين تساءلت مصادر أخرى بالقطاع عن الحوافز الممكن تقديمها لإقناع الناس بإعادة الأموال.

وقال مصدر قطاع الخدمات المالية ”ما هكذا تدار الأمور.. الحكومة، لا البنك المركزي، هي التي ينبغي أن تبت في الأمر لأنها مسألة قانونية.

”ليس من العدل أن نطلب من المواطنين إعادة بعض أموالهم من الخارج، وإذا كانت هناك بواعث قلق حيال الأشخاص المنكشفين سياسيا فينبغي أولا إجراء تدقيق على حساباتهم لمعرفة إن كانوا قد استفادوا من الهندسة المالية.“

كان المصدر يشير إلى ممارسة كان ينتهجها البنك المركزي تتضمن اقتراض الدولار من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة من أجل صيانة الملاءة المالية للحكومة.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات