عن قيادة الاقتصاد ومؤشرات الأزمة والمرايا المضللة

تقود سيارتك وتطالع لوحة القيادة والتحكم فتفاجأ بأن كل مؤشر يُفترض ارتفاعه في نقصان، وكل دليل يجب الحرص على انخفاضه في ازدياد. هذا هو وضع الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا: فالنمو الذي كان يتباكى مقدروه على انخفاضه في أول العام لأنه سيقل عن 3 في المائة، لن يقل تراجعه عن 8 نقاط مئوية عما كان مقدراً له ليصل إلى سالب 5 في المائة، وفقاً لأفضل تقدير من المؤسسات الدولية الثلاث التي تحدث تقديراتها بانتظام وهي صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي. وقد خفضت كل هذه المؤسسات تقديراتها في شهر يونيو (حزيران) عما قدرته منذ أسابيع معدودة في شهر أبريل (نيسان). وتشير منظمة العمل الدولية إلى خسارة سوق العمل لما يعادل 300 مليون فرصة عمل حول العالم، من العمالة المنتظمة، وهو أكثر بخمس عشرة مرة لخسائر البطالة عما سببته الأزمة المالية العالمية.
وقدرت منظمة التجارة العالمية تراجع التجارة العالمية بما قد يتجاوز 30 في المائة عما كانت عليه في العام الماضي. وذهبت منظمة الأنكتاد التابعة للأمم المتحدة إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر سينخفض بنسبة لن تقل عن 40 في المائة ليقل رقمه عن تريليون دولار لينحدر لما كان عليه منذ خمسة عشر عاماً في عام 2005. وفي هذه الأثناء تتراجع تحويلات العاملين بالخارج بأكثر من 20 في المائة مقارنة بالعام الماضي. أي أنه لم تسلم قناة من القنوات الثلاث للعولمة الاقتصادية، المتمثلة في التجارة والاستثمار وعوائد هجرة العمالة من ضرر بالغ.
وفي ظل هذه الأوضاع تتزايد أرقام الفقر المدقع ليضاف إلى من يعانون منه ما يقدر بحوالي 70 مليونا و100 مليون إنسان، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، بما يجعل الرقم الكلي للفقراء وفقاً لهذا المعيار يقترب من مليار إنسان. ويحذر برنامج الغذاء العالمي في الوقت نفسه من تفاقم مشكلة شح موارد الغذاء لتطول 265 مليون من البشر.
وفي هذه الأثناء تطالعك أرقام البورصات المالية العالمية وهي في ارتفاع متراقص غير مبالية بركود أو بتهديد بكساد، فتعوض خسائر شهري فبراير (شباط) ومارس التي تكبدتها مع أنباء الوباء، وتتجاوزها ارتفاعاً. وفي حين يرى البعض أن مستثمري البورصات يرون في المستقبل ما لا يرى عموم الناس، فالواقع يدل على أن مرتادي شارع وول ستريت، حيث تقع بورصة نيويورك، قد انفصلوا عن شوارع أسواق الاقتصاد الحقيقي المصدومة، طلباً وعرضاً، والمواجهة لضغوط إعادة جدولة المديونيات والصلح الواقي من الإفلاس، لمن لم يفلس بالفعل، إذ لم يكونوا من المشمولين بحزم الدعم المعلنة.
فلا توجد هناك أدلة دامغة على أن البورصة مرآة للاقتصاد الحقيقي حتى في الأحوال العادية بعيداً عن الأزمات. فالبورصة سوق لتداول الأوراق المالية ومجال للاستثمار وللتمويل، وكذلك التوسع والتخارج لشركات مسجلة. وفي حالة البورصات العالمية قد تكون الشركات غير متواجدة أصلاً في الاقتصاد الحقيقي للدولة، أو أن أغلب نشاطها خارجها مثل حالة الشركات الأجنبية المسجلة في بورصتي لندن ووول ستريت. كما أن هناك أنشطة اقتصادية هادفة للربح غير ممثلة في البورصات. وفي الدول النامية ينشط القطاع غير الرسمي في الاقتصاد لا علاقة بينه وبين البورصات فهو غائب عن أي سجل معتمد أو تعداد.
فالقول إذن بأن البورصة مرآة للاقتصاد ومؤشراتها تعبر عن أدائه الكلي لا يستند إلى دليل إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن من المرايا أنواعا غير مستوية مقعرة ومحدبة، وهناك أخرى مكسورة ومشوهة. وتظل العلاقة بين الشارع المالي والشارع الاقتصادي أكثر تعقيداً واختلافاً عما يصوره أصحاب المرايا. فما يجب أن تعكسه البورصات هو أداء الشركات المسجلة وتوقعات نشاطها وهذا هو المطلوب من مؤشراتها؛ لكن في الأزمة العالمية الحالية تضطرب المعايير، خاصة مع وجود تمويل رخيص متاح لبعض المستثمرين وضخ غير مسبوق للنقد من البنوك المركزية التي مدد أكبرها قوائمها لتشتري أصولاً تجاوزت 6 تريليونات دولار بما في ذلك من أصول مالية عالية المخاطرة. ويتزايد مع التمويل الرخيص نشاط المقامرين، وليس المضاربين فقط، وأنماط شرحتها، في مقال سابق في هذه الصحيفة الغراء، عن «بونزي وشركائه» ونماذج التمويل الهرمي يفوز فيها من يدخل السوق ويخرج منها مبكراً قبل موجات الانخفاض الحاد أو انفجار الفقاعات المالية مثلما حدث مراراً من قبل في أزمات مالية سابقة. لكن ذاكرة الأسواق تتبدد مع سيطرة سلوكيات الأزمة بين جشع لمحترف قديم وطمع لمستجد غشيم.
والواجب هو الدفع بتطوير سوق المال بالعمل على تنويع محافظ شركاتها المدرجة مع تدعيم الرقابة وإتاحة المعلومات المدققة عن أوراقها المتداولة وتبصير المستثمرين بالمخاطر والعوائد، وحبذا لو اتخذت هذه الإجراءات قبل وقوع الأزمة لا أن تأتي في شكل عظات بعد اندلاعها.
أما الاقتصاد الحقيقي فله محدداته ومؤشراته التي ظهر مدى تأثرها بالأزمة ولا تحسن لها إلا باستكمال إجراءات التصدي لأزمة الوباء الصحية وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية:
وفي هذا أميز بين ستة مجالات للسياسات العامة وتنفيذها بالمشاركة مع قطاع الأعمال والمجتمع المدني:
أولاً، اتخاذ تدابير التعايش مع فيروس كورونا وتكاليف توفير وسائل الوقاية وتدابير التباعد الاجتماعي وتوفير العلاج ومستلزماته، خاصة مع غياب وجود لقاح ضد الفيروس.
ثانياً، مكافحة الركود ومنع تحوله لكساد من خلال الإنفاق الاستثماري في تطوير رأس المال البشري من خلال الرعاية الصحية والتعليم، وتدعيم البنية الأساسية والتكنولوجية، الاستثمار في التوقي من آثار تغيرات المناخ وتمتين قدرة المجتمع على احتواء الصدمات؛ ولا يوجد تناقض بين هذه الاستثمارات وأولوياتها فهي متكاملة يمسك بعضها من أجل التنمية بعضاً.
ثالثا، التصدي لمشكلات زيادة الديون خاصة في شقها الخارجي قبل تحولها لأزمة كتلك التي شهدتها بلدان أميركا اللاتينية في الثمانينات وجنوب شرقي آسيا في أواخر التسعينيات.
رابعاً، تبني التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها كأسلوب حياة وإنتاج وتطور وليس مجرد قطاع منفصل.
خامساً، توطين التنمية المستدامة بدفع الاستثمارات المحلية في أركان اقتصاد الدولة بدأ من الأقل دخلاً ورفاهاً.
سادساً، التعامل المتوازن بين أدوار مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة وتلك المرتبطة بالمجتمع، فلكل مجاله وشأنه لا يجب الافتئات عليه، مع ضرورة مواكبة القواعد الرقابية لمستلزمات العصر وشدة تغير معطياته.
وعلى صناع السياسات في المجالات الستة المذكورة مراعاة تأثر إجراءاتها وكفاءة تطبيقها بفعل عاملين من عوامل أزمة الجائحة يدفعان بعضهما دفعاً. فبعدما جاءت الأزمة كاشفة لمواطن القوة والوهن في الاقتصاد والمجتمع ومؤسسات الدولة، ترى العامل الأول كمعجل لحدوث ما كان ينتظر وقوعه في سنوات فيصير حدوثه في أشهر معدودة. أما العامل الثاني فيرجع لتأثير القصور الذاتي يدفع الأمور لمسارها القديم، ويتصدى للتغيير كأن أزمة لم تقع. ويدفع العاملان بعضهما بعضاً حتى يصير الأمر لواقع جديد في عالم شديد التغير.

د. محمود محي الدين.

لهذه الأسباب يجب الكشف عن عقد «لازارد»

قفز اسم «لازارد» الى الواجهة في الايام القليلة الماضية، بعدما تبيّن أنّ دور الشركة أساسي في تقرير مصير اللبنانيين، طالما أنّها صاحبة الربط والحل في ملف الخطة الإنقاذية الموحّدة التي يُعمل عليها للعودة الى طاولة المفاوضات مع صندوق النقد. لكن اسئلة كثيرة بدأت ترتسم في الاجواء، تتمحور حول مصلحة البلد في وضع مصيره بين أيدي شركة مالية.

يمكن القول، انّ الاسبوع الماضي كان اسبوع «لازارد»(Lazard) بامتياز. وقد أصبح اسم هذه الشركة المالية يتردّد على كل لسان، ودخل في قاموس المصطلحات الجديدة الى جانب مصطلحات اخرى اقتحمت حياة اللبنانيين ولم تكن مألوفة قبل الأزمة، مثل هيركات (Haircut)، بيل إن (Bail in) ، بيل أوت (Bail out)، وفورنسيك أوديت (Forensic audit) التي يستخدمها المسؤولون في مواقع القرار، تماماً كما يردّدها الناس في الشارع.

وبصرف النظر عن المواقف المتضاربة من «لازارد»، والانقسام الداخلي في شأن تقييم أعمالها، واذا ما كانت تخدم المصلحة اللبنانية، كما يصرّ مسؤولون ومستشارون حكوميون على التأكيد، ام تحوّلت عنصراً مُعرقلاً للإنقاذ، كما تقول المصارف، ويدعمها في هذا الرأي ضمناً فريق كبير في المجلس النيابي اللبناني ومصرف لبنان، فقد بات واضحاً، انّ «لازارد» أعاقت التوصّل الى تفاهم مشترك بين الاطراف اللبنانية المعنية (الحكومة، المجلس النيابي، مصرف لبنان، المصارف)، للخروج بخطة موحّدة تُعرض على صندوق النقد للتفاوض.

رداً على سؤال لماذا ترفض «لازارد» اقتراحات تعديل ارقام الخسائر، ومقاربات أقل حدّة في معالجة هذه الخسائر، وتصرّ على الـ«هيركات»، يقول المتحمسون في لبنان للشركة، انّ الرفض نابع من حرفيتها (professionalism) وقناعتها بأنّها الطريقة الأفضل للتعافي وعدم المماطلة في اطالة أمد الأزمة.

في المقابل، يستدعي موقف «لازارد» التدقيق أيضاً، لأننا لا نتحدث هنا عن مجرد صفقة قد نخرج منها رابحين أو خاسرين، بل يتعلّق الأمر بمصير شعب وبلد. وبالتالي، يستحق الوضع، المزيد من التعمّق والتمحيص للتأكّد من الخيارات المثلى للإنقاذ.

وعليه، هناك مجموعة من الاسئلة تحتاج اجابات واضحة ليُبنى على الشيء مقتضاه، لكنها تنطلق في مجملها من سؤال أساسي واحد: لماذا تمّ تغيير طبيعة مهمة «لازارد» من مستشار مالي في المفاوضات مع حاملي «اليوروبوند»، الى مستشار مسؤول عن وضع خطة التعافي للدولة؟ وقد بدأ يتبيّن، انّ الحكومة غير قادرة على تجاوز رأي «لازارد» في الخطة، بمعنى انّه لو توافقت الحكومة مع المجلس النيابي والمصارف، لا تستطيع ان تفرض خطتها لأنّ «لازارد» تمتلك حق الفيتو!

من أين حصلت «لازارد» على هذا الحق؟

هنا، تبرز أهمية الكشف على طبيعة العقد الذي وقّعته الحكومة اللبنانية مع هذه الشركة. هذا العقد لا يزال سرّياً، ولم يتمّ الكشف عن تفاصيله، وهذا الغموض يثير الريبة والشكوك. والامر لا يتعلق هنا بحجم المبلغ الذي ستدفعه الحكومة مقابل خدمات «لازارد»، بل بنوعية العقد وتشعباته التي قد تجعل من الدولة اللبنانية في موقف ضعيف.

من المعروف انّ العقود مع شركات مالية عالمية متخصصة تتمّ وفق اتفاقات مختلفة. بعضها يتضمّن بدلاً مالياً محدّداً لمهمة محدّدة. عقود أخرى تشمل الدفع المُقسَّط المسبق (retainer fee) مع الحصول على عمولة بعد انجاز العمل. وهناك عقود تتضمّن العمولة فقط.

في العادة، تختار الدول نوعية العقد استناداً الى المهمة التي تريد من شركة مالية انجازها.

على سبيل المثال، اذا كان الامر يتعلق بإعادة هيكلة دين لمبلغ محدّد، كما هي حال «اليوروبوند» في لبنان، يمكن دفع مستحقات ثابتة مع عمولة، على اعتبار انّ حجم العمولة تكون معروفة مسبقاً. لكن عندما يكون المبلغ غير مُحدّد مسبقاً، ويمكن ان يكبر أو يصغر وفق الظروف، من باب الأجدى في هذا الوضع أن يتمّ تحاشي العمولة، والاتجاه نحو مبلغ محدّد ولو كان مرتفعاً، لكي لا تكون هناك مفاجآت لاحقاً، ولكي لا يكون هناك تضارب مصالح (intrest confict)، بحيث أنّ من مصلحة الشركة المالية تكبير حجم الخسائر التي تحتاج اعادة هيكلة بهدف تكبير ارباحها في العملية.

في الحالة اللبنانية، من غير المعروف بعد، ما هي نوعية العقد المُبرم مع «لازارد». لكن تماهى الى سمع البعض، انّ العقد لا يتضمّن مبلغاً محدّداً، بل يرتكز فقط على العمولة. ومن المعروف انّ الشركات في حجم «لازارد» تتقاضى نسبة 5 نقاط اساس (Basis points) من مجموع المبلغ الذي تتقرّر إعادة هيكلته. وهذا يعني وفق الخطة الحكومية التي تبيّن أنّ «لازارد» شاركت بفعالية في صوغها، والتي تقدّر الخسائر التي تحتاج إعادة هيكلة بحوالى 95 مليار دولار، ستتقاضى من الحكومة اللبنانية حوالى 50 مليون دولار! هذا، من دون ذكر العمولة على المساهمة في تأمين التمويل ( financing fees). بمعنى، اذا كان عقد «لازارد» ينصّ على مساعدة الحكومة في تأمين تمويل خطة التعافي من صندوق النقد، أو من أي مصدر آخر، سوف تتقاضى «لازارد» عمولة اكبر بكثير من 5 نقاط أساس، على المبلغ الذي سيتمّ تأمينه لتمويل الخطة. كذلك من غير المعروف ما هي البنود الجزائية الواردة في العقد، في حال قرّرت الحكومة فك ارتباطها بالشركة. وهناك قلق حيال هذه النقطة بسبب تمسّك الحكومة بعدم إغضاب «لازارد»، بما يفسّره البعض بأنّ البند الجزائي للتراجع عن العقد مُكلف جداً، أو أنّ الحماسة نابعة من سبب آخر، يرتبط بعمولة يأمل البعض الحصول عليها لاحقاً.

هذا الغموض الذي يحوط بطبيعة عقد «لازارد» لم يعد غموضاً بنّاءً، وحان الوقت لكشف الحقائق امام الرأي العام، لإزالة أي شبهة أو التباس، خصوصا انّ قانون الحق في الوصول الى المعلومات قائم، وسيكون من المفيد افتتاح تطبيقه بهذا الموضوع الحيوي والحساس.

انطوان فرح.

الجانب الإيجابي من الحرب الباردة الجديدة مع الصين

اعتقد الآباء المؤسسون للولايات المتحدة أن المنافسات والصراعات الخارجية الطويلة الأمد قد تسفر في خاتمة المطاف عن تقويض وتدهور الديمقراطية في داخل البلاد. وصار العديد من أقوى التحذيرات الصادرة اليوم في الولايات المتحدة تتخذ منهجاً مماثلاً في الترهيب من اندلاع حرب باردة جديدة مع الصين.
وانطلقت صحف مرموقة من شاكلة «نيويورك تايمز» و«الإيكونوميست»، فضلاً عن بعض الكتّاب والنقاد السياسيين البارزين يحذرون من انطلاق «الرعب الشيوعي الأحمر الجديد». وتنطوي تلك التحذيرات في مجملها على أن المخاطر الجيوسياسية الجديدة من شأنها أن تسفر عن تضييق على حرية التعبير السياسي، والملاحقات المحمومة عن الأعداء في الداخل، مع تآكل لازم في الحريات الفردية والمدنية التي من المفترض أن السياسات الخارجية الأميركية تناصرها وتدافع عنها لدى مختلف المحافل الدولية.
ويتسم هذا الخوف بقدر معتبر من المعقولية: إذ برهنت الحرب الباردة السابقة على أن البلدان الديمقراطية الكبرى ليست منيعة تماماً ضد إلحاق الأذى بالنفس تحت أسماء حفظ الأمن. غير أن تاريخ هذا الصراع بالتحديد يعلمنا درساً أكثر أملاً وتفاؤلاً، وهو أن المنافسة والصراع يمكن أن يخلقا قدراً من الضغوط «الفاضلة» للأمة الأميركية كي تخرج بنسخة أفضل كثيراً مما كانت عليه.
تضرب الفرضية القائلة إن المنافسات الاستراتيجية تقوض أركان الديمقراطية بجذورها العميقة في التاريخ. ففي أثناء حرب البيلوبونيز الإغريقية القديمة، أسفر الإجهاد الكبير الناشئ عن طول أمد الصراع ضد إسبرطة عن تقويض أسس السياسات الليبرالية في أثينا القديمة بصورة نسبية. وعند تأسيس الجمهورية الأميركية الحديثة، حذر ألكسندر هاميلتون من أن «حالة الخطر المستمرة قد تقنع المواطنين الأميركيين بالإقدام على مجازفة العزوف عن الحريات الفردية العادية».
وتؤدي الحرب والمنافسة، كما يقول المفكرون، إلى اتخاذ إجراءات منعدمة الليبرالية بطبيعة الحال. ويهيئ الخوف الأجواء للغوغاء والدهماء وأنصار الفوضى الذين يروق لهم تحويل حالة انعدام الأمن إلى مكاسب سياسية آنية.
وكما ظهر من الحرب الباردة السابقة، فإن هذه المخاطر ليست متوهمة، حيث صار الطعم الشيوعي الأحمر من الاستراتيجيات الانتخابية الناجعة. ويستغل أنصار الانتهازية السياسية شعارات معاداة الشيوعية بصورة جد ساخرة كسلاح ماض في المناقشات والجدالات الداخلية بشأن حقوق العمل وغيرها من القضايا المهمة الأخرى. ونجحت النزعة الماكارثية في تضفير كل تلك الخيوط معا كي تميط اللثام عن أسوأ ما تمخضت عنه سياسات الحرب الباردة.
وتركزت هذه الظاهرة حول شخصية سياسية رعناء برزت من خلف الكواليس إلى بقعة الضوء من خلال المزاعم الفاضحة حول الخيانة الوطنية والتخريب الداخلي. ولكنها ما حازت الزخم الكبير الذي عايشته إلا لأنها استغلت الحركة الشعبية الموازية لها أيما استغلال. وكانت تلك الحركة قد استجابت راغمة للمخاوف الحقيقية من انتشار جواسيس الشيوعية، وتداعيات ذلك من ملاحقات الحملة العقابية التي وأدت الحياة، وعصفت بالحريات المدنية، ودفعت العديد من حلفاء الولايات المتحدة آنذاك إلى التساؤل عما إذا كانت واشنطن تؤمن حقاً بالقيم والمبادئ التي تزعم الدفاع عنها ومناصرتها.
ومن حسن الحظ، أن هذا الخط لا يمثل سوى جزء يسير من مجمل تاريخ الولايات المتحدة إبان حقبة الحرب الباردة. وكانت حمى المكارثية قد نشطت في البلاد بحلول منتصف خمسينات القرن الماضي، وبرهنت المؤسسات الوطنية الأميركية على رسوخها وثبات أركانها وأنها كانت أقوى من التحديات التي فرضتها عليها تلك الحركة. وإجمالاً للقول، كان صراع القوى العظمى وقتذاك بمثابة القوة الدافعة من أجل التغيير البنّاء في الداخل الوطني الأميركي.
وعلى نحو محدد، ونظراً لأن الحرب الباردة كانت تعكس المنافسات الآيديولوجية الشرسة بشأن شكل ونوع النظام الذي يمكن أن يلبي تطلعات الجنس البشري على وجهها الأفضل، خلق ذلك الصراع المحتدم حتمية ضرورية للولايات المتحدة لأن ترقى إلى مستوى تلك الصورة الراقية التي صورها لها العالم. كذلك، ولأن المنافسة الشديدة كانت تستلزم من الولايات المتحدة التعبئة والاحتشاد على جميع المستويات من أجل مواكبة الصراع طويل الأمد، فلقد دفعت البلاد دفعا إلى الاستثمار في تحسين وتطوير الذات.
وبإمعان النظر في حركة الحقوق المدنية الأميركية، شكلت بعض النجاحات الكبرى ضد التمييز الذي ترعاه الدولة، وحالات الإقصاء السياسية، ومظاهر العنف العنصري، قدراً من أهم المنجزات المحلية في الولايات المتحدة لا سيما في فترة ما بعد حقبة تلك الحرب الباردة، وكانت ذات ارتباط وصلة وثيقة بهذه الحرب.
أجل، استغل أنصار الفصل العنصري ومكتب التحقيقات الفيدرالية ثيمة معاداة الشيوعية في شن الهجمات الضارية على مارتن لوثر كينغ الابن وعلى غيره من دعاة وزعماء الحقوق والحريات المدنية. لكن وبصفة عامة، كانت الحرب الباردة تمثل قوة من قوى المساواة نظراً لواقع العلاقات العرقية داخل المجتمع الأميركي وغير المتوافقة مع جهود الحكومة الأميركية في كسب تأييد ومناصرة القلوب والعقول في بلدان العالم الثالث.
وصرح الرئيس الأسبق هاري ترومان في عام 1947 قائلا: «لا بد من كسب مناصرة وتأييد شعوب البلدان البائسة التي مزقتها الحروب من أجل أسلوب الحياة الحرة. ولم يعد بإمكاننا تحمل رفاهية شن الهجمات الفارغة ضد التحيز والتمييز العنصري».
وأقرت وزارة العدل الأميركية، في عهد الرئيس الأسبق دوايت آيزنهاور في عام 1954 أن التمييز العنصري يغذي نهم الدعاية الشيوعية في البلاد. وصرح وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك جون فوستر دالاس في عام 1957 قائلا بلهجة واضحة وقاسية: «إن التمييز العنصري المؤسسي في البلاد يهدد سياساتنا الخارجية تهديدا شديدا».
ومن واقع قرار الرئيس ترومان بإلغاء الفصل العنصري داخل القوات المسلحة الأميركية، إلى التدخل الفيدرالي لوقف الفصل العنصري في المدارس منذ خمسينات القرن الماضي، وحتى تمرير قوانين الحقوق المدنية التاريخية، والتشريعات التي تضمن حقوق الناخبين في الستينات، كانت ضرورة الدفاع عن النظام الأميركي العام في الخارج تشكل قوة دفع قوية للعمل على تحسين هذا النظام ومجرياته في الداخل الأميركي.
ولنطرح على أنفسنا سؤالاً مهماً: لماذا تملك الولايات المتحدة أفضل وأحسن نظم التعليم العالي على مستوى العالم؟ لقد أسفرت تداعيات الحرب الباردة السابقة عن توفير دعم غير مسبوق للجامعات الأميركية في وقت السلم، ولا سيما في أعقاب مفاجأة الاتحاد السوفياتي للعالم بإطلاقه للقمر الصناعي «سبوتنيك» في عام 1957، الأمر الذي دفع الحكومة الفيدرالية الأميركية إلى ضخ المزيد من الأموال فيما نطلق عليه اليوم اسم تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي كانت ذات ضرورة كبيرة في المنافسات العلمية في عصر صواريخ الفضاء.
ومن بين الأمور التي كانت أقل معرفة وإنما أكثر حيوية وحسما كانت رعاية الحكومة الفيدرالية لبرامج التدريب اللغوي وبرامج الدراسات المتخصصة، والعلوم الاجتماعية، وسواها من التخصصات التي تعد ضرورية في بسط التأثير والنفوذ على الصعيد العالمي. وبحلول عام 1961 كان 77 قسماً من أصل 90 قسماً أكاديمياً في جامعة ويسكونسن منخرطة ضمن برامج مسددة التكاليف من جانب الحكومة الفيدرالية. وصارت جامعة هارفارد المرموقة، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبعض المؤسسات الأكاديمية الخاصة الأخرى، من بين أفضل المؤسسات التعليمية والجامعية على مستوى العالم. وكانت حقبة الحرب الباردة بمثابة العصر الذهبي للجامعات الأميركية، نظرا لأنها نجحت في إقناع قادة البلاد بحتمية أن تظل البلاد قوة عظمى على الصعيد الفكري والعلمي والتعليمي حتى تبقى قوة عظمى كذلك على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
وباتت العديد من الجوانب الأخرى للازدهار في الولايات المتحدة تدين بالفضل الواضح والكبير لحقبة الحرب الباردة. فلقد أقيمت مشاريع كثيرة للبنية التحتية في البلاد، فضلا عن نظم الطرق السريعة بين الولايات الأميركية، كانت لها أسبابها وتداعياتها الجيوسياسية الواضحة. كما ضمنت النفقات الفيدرالية السخية على جهود البحث والتطوير في ظهور أشباه الموصلات، وشبكة الإنترنت، والتقانات الأخرى الكثيرة التي نجحت في نقل الولايات المتحدة إلى عصر المعلومات. ومن دون الحرب الباردة لم نكن لنعرف معنى «وادي السليكون» في ولاية كاليفورنيا.
وعلى نطاق أكبر، وفر الإنفاق العسكري الهائل إبان حقبة الحرب الباردة محفزات شبه دائمة فضلا عن ملايين الوظائف الجيدة للأفراد في مختلف أفرع القوات المسلحة وقطاع الصناعات الدفاعية في البلاد. وفي خاتمة المطاف، انتصرت الولايات المتحدة في الحرب الباردة؛ نظراً لأن نظامها المعتمد برهن على أنه أكثر ثباتاً وجاذبية من نظام الاتحاد السوفياتي. ومن بين أبرز أسباب جاذبية النظام الأميركي أن الحرب الباردة استمرت في دفع الولايات المتحدة لمواصلة الاستثمار في ديناميات حياتها ونظامها الخاص.

هال برندز.

الدولار انتعش ولكن هل تكون الحركة مؤقتة. وماذا عن اليورو؟

حتى ولو ان الدولار حقق بعض الانتعاش اليوم الخميس الا ان التوقعات بالنسبة له لا تزال هبوطية بشكل أساسي على المدى الطويل، وذلك  بسبب تجدد التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي وإجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي المتكيفة للغاية.
عندما يتعافى الاقتصاد العالمي من الركود الشديد ، كان التجار دوما يميلون إلى التحول من عملات الملاذ الآمن إلى اليورو والدولار الكندي والدولار الأسترالي في الأشهر التالية.
هل يحدث هذا هذه المرةايضا؟ وهل ان التعافي الموعود سيتحقق ام تراه سيصطدم بمعوقات قادمة؟
في الواقع لا احد يمكنه ان يعطي الجواب اليفين على هذا السؤال الذي يحتاجه  كل عامل في السوق يريد ان يتموضع بناء على معطيات اساسية موثوقة. حتى رئيس الفدرالي الاميركي بالامس كانت نظرته لا تزال رمادية وهو لم يجرؤ على اعطاء وعود تفاؤلية قاطعة بالنسبة للاقتصاد الاميركي في المرحلة القادمة.
البيانات الاقتصادية من جهتها لا تزال ايضا في خانة التشكك سواء تعلق الامر بالاقتصاد الاوروبي او الاميركي. وسواءتعلق الامر بارقام سوق العمل او النمو.

في الواقع ، ارتداد الدولار اعاده الى مستويات الدعم الرئيسية مقابل معظم العملات الأخرى (انضم اليورو / دولار إلى انحدار هبوطي لعدة سنوات ، عاد الباوند / دولار لاختبار 1.30 ، الدولار / يني اباني دعمه عند 105 والدولار / كندي أدنى سعر له في يونيو عند 1.33) ، يمكن للمتداولين الاستفادة من هذه العتبات لإعادة تموضعهم في الدولار ، على الأقل في المدى القصير.

هل تدعم أرقام البطالة الأسبوعية الأمريكية  الفصلية الصادرة اليوم الدولار من خلال الخروج أسوأ من المتوقع. والواقع أن الإحصائيات الأمريكية السيئة ستعزز (من قبيل المفارقة) العملة الأمريكية بفضل وضعها كملاذ آمن. بينما تضر به البيانات الجيدة على خلفية الاستغناء عنه كعملة ملاذ والبحث عن اصول المخاطرات.

 

وماذا عن اليورو مقابل الدولار؟

ارتفع ال يورو / دولار ضمنقناة صعودية تبدو حدودها على مستويات ال 1.1815 التي لم يكن من السهل على الزوج اختراقها حتى الان وهذا  يدعو الى التشكك بامكانية متابعة الزحف الصعودية ويعزز رهانات الحاجة الى التصحيح التراجعي مجددا.   قد يؤدي ذلك إلى إعادة اختبار الترند الصاعد حول ال 1.1500..!

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات