متابعة قراءة تراجع أرباح بنك أوف أمريكا مع فتور نشاط الخدمات المصرفية الاستهلاكية
مقاومات و دفاعات: يورو + داكس +
اوبشن تشتحق ال 15:00 جمت
اليورو: أين يصير تراجعه خطرا؟
استبيان لمؤسسة E-trade financial: سوق الأسهم الأميركية يغلب عليه طابع الفقاعة أو على وشك ذلك
مديرة صندوق النقد: “درجة كبيرة من الغموض” تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي
مقاومات و دفاعات : يورو + داكس + ذهب
اوبشن تستحق ال 15:00 جمت
الاقتصاد والثروة البشرية
يعد رأس المال البشري أحد عناصر الإنتاج الأربعة، برفقة الأرض ورأس المال وإدارة الأعمال. وخلال العقود الأخيرة بدأ رأس المال البشري يكتسب أهمية أكبر في الإنتاج بشكل خاص وفي الاقتصاد بشكل عام. ومعرفة تأثير هذا العنصر مهم للغاية لأثره المباشر في النمو الاقتصادي، ولأن الشواهد تظهر أن دولاً تقدمت اقتصادياً بسبب تطور رأس مالها البشري، بينما لم تستثمر دول أخرى كثافتها السكانية من الناحية الاقتصادية، بل على العكس شكلت هذه الكثافة عبئاً اقتصادياً عليها.
وتعرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رأس المال البشري بـ«المعارف والمهارات والكفاءات وما يتصف به الأشخاص ويمكن من خلاله خلق الرفاه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي». ويلاحظ من خلال هذا التعريف أن عدد السكان ليس العامل الجوهري في رأس المال البشري، ولعل أوضح مثال على ذلك ما تعاني منه الهند اليوم، وهي الدولة ذات المليار وثلاثمائة مليون نسمة. فالهند هي إحدى أكثر الدول تقدماً في الخدمات المعلوماتية، ويبلغ عدد العاملين في قطاع تقنية المعلومات بالهند أكثر من 20 مليون موظف، ومع ذلك فلا يزال نقص رأس المال البشري في الهند عاملاً مؤثراً في نمو هذا القطاع.
ومع التوجه نحو الاقتصاد المعرفي، تزيد أهمية العنصر البشري في النمو الاقتصادي، حتى أصبحت مؤشرات رأس المال البشري أحد المقاييس الاقتصادية لتقييم الدول. ويمكن قياس هذا العنصر بعدد من المؤشرات التي تنقسم إلى قسمين؛ القسم الأول يعنى بالتعليم، مثل عدد سنوات التعليم، ونسبة الأميّة، وجودة التعليم، ومتوسط سنوات الخبرة لدى العاملين. أما القسم الثاني فيعنى بالصحة، مثل الوعي الصحي، والتغذية ومتوسط الأعمار، وغيرها. والواقع أن تقييم رأس المال البشري (المؤثر بالاقتصاد الوطني) من خلال الصحة والتعليم هو أمر مثير للاهتمام، فلطالما اعتبر الكثيرون أن هذين القطاعين يستنزفان ميزانيات الدول، بينما تظهر الدراسات أن النمو الاقتصادي من خلال رأس المال البشري يتأثر وبشكل مباشر من مهارات العاملين (التعليم) ومن قدرتهم على العمل (الصحة).
وفي عصر يلعب فيه الابتكار دوراً مفصليّاً في الاقتصاد، يأتي هذا الابتكار من العقول المفكرة التي تستند بشكل رئيسي على جودة التعليم. وتشير الدراسات إلى أن النمو الاقتصادي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة التعليم. كما تشير الدراسات إلى أن اعتماد النظام الدراسي الحالي في دول العالم كان له أثر كبير في النمو الاقتصادي الحالي، ودللت على ذلك بدول مثل كوريا الجنوبية التي يبلغ معدل نموها الاقتصادي السنوي نحو 7.4 في المائة منذ السبعينات الميلادية حتى 2015، وهو معدل ضخم مقارنة بدولة ليست بغنى غيرها من ناحية الموارد الطبيعية، ولا تنافس الدول المجاورة لها بضخامة عدد السكان.
ولذلك فإن الدول تتفاوت فيما بينها في مدى ثرائها برأس المال البشري، وغالباً ما يقترن مستوى هذا الثراء بالحالة الاقتصادية للدولة، ويمكن القول إن العلاقة بين رأس المال البشري والناتج القومي هي علاقة سببية، فقد تكون الدولة فقيرة بسبب ضعف جودة التعليم فيها، وقد تكون جودة التعليم منخفضة بسبب فقر الدولة. إلا أن المؤكد أن نهوض الدول اقتصادياً لا يكون إلا بنضوج رأس مالها البشري.
ويشكل العنصر البشري رافداً مهماً للاستثمارات، فأول ما تنظر له الشركات قبل إقبالها على الاستثمار في دولة ما، هو مدى توفر المهارات والكفاءات، فإن توفرت هذه الكفاءات كانت الفائدة للطرفين (الدولة المستثمر فيها والشركة)، وقد لا تستثمر الشركة إن لم تجد الكفاءات اللازمة لها، حتى وإن استثمرت، فقد تكون هي الرابح الوحيد من الاستثمار في دولة لم تستفد إلا من الوجود المكاني للشركة في أراضيها، دون تشغيل لمواطنيها أو تخفيض لمستويات البطالة. ولذلك يلاحظ على كثير من الدول الآسيوية التفاتها إلى تطوير مواردها البشرية لاجتذاب الشركات الأجنبية، ولا يقف الأمر على انخفاض تكلفة اليد العاملة فحسب، وإلا فإن أواسط أفريقيا قد تكون خياراً مناسباً بدلاً عن آسيا.
وحين بحثت الشركات الأميركية عن بدائل للصين خلال الحرب الاقتصادية في السنوات القليلة الماضية، لم تخرج ببديل يملك الميزات نفسها التي تملكها الصين، على الرغم من أن اليد العاملة دول محيطة مثل فيتنام أقل تكلفة من الصين. ولكن امتلاك المعارف والمهارات هو ما تميزت فيه الصين عن غيرها، ويمكن القول إن هذه المهارات هي ما تتميز به الصين عن بقية دول العالم، بل إن إنجاز الصين الأكبر خلال العقود الأخيرة كان تحويل عائقها الأكبر وهو كثرة السكان، إلا ميزة تنافسية لا تستطيع دولة في العالم مجاراتها فيها، أما النمو الاقتصادي فلم يكن إلا نتيجة لهذا التحوّل.
د. عبدالله الردادي.
أي اتجاه للدولرة الجزئية في لبنان؟ بين التعميم والإلغاء…
من المعروف أنّ الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، هي نتيجة عمليات التضخم المرتفع أو التضخم المفرط، خصوصاً خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي المرتبط بالعوامل المؤسساتية (التحكّم في حيازة الأصول بالدولار مع التدابير التي تحدّ أو تشجع مثل هذه الحيازة، وتحرير الأسواق المالية النقدية…) ومع ذلك، فإنّ الدولرة الجزئية التي تكون في الوقت نفسه عالية، يجب أن تكون إما وسيلة لتجنّب عيوب عدم استقرار العملة الوطنية في فترة معينة، وملجأ وسيطاً للعملاء الاقتصاديين، في انتظار استعادة الصدقية في العملة الوطنية، التي يجب أن تؤدي تلقائيًا الى التحرّر التدريجي من الدولرة والعودة التدريجية للعملة الوطنية، وإما أن تؤدي إلى تعميم دولرة شاملة في حالة صعوبة استعادة الثقة في العملة الوطنية والاستقرار النقدي المنشود، من خلال سياسة الاستقرار التي تتلاءم مع خصوصيات الاقتصاد الوطني. فما هي خصوصيات ومحاذير كل من هذين الخيارين والاتجاه نحوها؟
بعد سنوات من تثبيت سعر الصرف في لبنان، مع تطبيق سياسة نقدية متشدّدة منذ العام 1993 بمتوسط 1507.5 دولارات أميركية / ليرة لبنانية، ومنذ العام 1997، وعلى الرغم من الأزمات والتوترات السياسية التي مرّت بها البلاد، لم تُظهر فترات الاستقرار السياسي والاقتصادي توجّهاً فعّالاً نحو فك الدولرة، مما يدلّ الى الحاجة للسعي إلى سياسة استقرار نقدي فعلي في البلاد، أكثر فعالية في استعادة الثقة بالعملة الوطنية وصدقية السياسة النقدية التي من شأنها الغاء الدولرة وتحرير الاقتصاد الوطني من قيود السياسة الحالية.
إذا كانت الدولرة الجزئية، على الرغم من ارتفاعها كما هي الحال في لبنان، تشكّل «ملجأ» للعملاء الاقتصاديين من عدم استقرار القوة الشرائية لليرة اللبنانية، بعد تجربة تضخمية شديدة وانخفاض حاد في سعر الصرف للعملة الوطنية والاستقرار النقدي، وخصوصاً استقرار سعر الصرف لسنوات عدة، يجب أن يوفّر البيئة المناسبة للتراجع التدريجي عن الدولار المصاحب لعودة الثقة في العملة الوطنية. ومع ذلك، قد يكون من الصعب إزالة الدولار، حتى لو استمرت الدولة في استخدام عملتها الخاصة بالتوازي واستقرت قيمتها. ويتبيّن أنّه في حين أنّ الدولار يمكن أن يؤدي إلى مقدار أكبر من الاستقرار الاقتصادي الكلي، فإنّه يمكن أن يجعل النظام المالي أكثر عرضة للخطر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاستقرار الذي تعد به الدولرة نسبي في حدّ ذاته، لأنّ الدولار الأميركي (مثل أي عملة أخرى تختارها الدولة كمرجع وعملة بديلة أو موازية لعملتها الوطنية) يمكن أن يشهد تقلّباً في قيمته، مقارنة بسائر العملات الأجنبية.
في لبنان، وبدءاً من العام 1992، اتجّه نحو برنامج التثبيت التدريجي لسعر الصرف الاسمي، حتى اعتماد الهامش الضيّق 1501-1514 مع معدّل وسطي 1507.5 عام 1997، مما شجّع عودة الثقة النسبية، ومعدلات الفائدة المرتفعة على سندات الخزينة والتوقعات الإيجابية للقطاعات الاقتصادية، ولا سيما منها قطاع البناء، وازدياد صافي تدفق رأس المال الذي بلغ إجماله نحو 25 مليار دولار بين 1993 و 1997. وسمحت هذه التدفقات الرأسمالية للدولة بالحفاظ على سعر الصرف الإسمي وتقويته، والمساعدة في تحقيق معدل نمو سنوي خلال السنوات الأولى من إعادة الإعمار بنحو 40% من الإنفاق. ومع ذلك، فقد وصلت نِسَب العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 20% و 90% على التوالي، ولم يتمّ حينها الشروع في إزالة الدولرة تلقائيًا (من دون إجراءات إلزامية ولكن بنتيجة استقرار العملة الوطنية). ولكن من أجل ذلك، كان من الضروري اختيار مرحلة عالية من الدورة الاقتصادية لإحراز تقدّم في خفض الدولرة، إن في الدين العام أو التعامل الاقتصادي في القطاع الخاص. إنّ الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مقترنًا بعودة الثقة في العملة الوطنية يخلق الظروف اللازمة لتعزيز هذا الانقطاع عن الدولار، ومنع مخاطر عدم التوافق بين العملات، من أن يكون له تأثير سلبي على الملاءة المالية والسيولة للدولة والعملاء الاقتصاديين.
في الواقع، تتطلب الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان من الاقتصاد اللبناني، أن يحرّر نفسه أقلّه من إحدى القيود الرئيسية الثلاثة للسياسة النقدية التي سبق ذكرها: تثبيت سعر الصرف والدولرة والدين العام.
من ناحية، كان ولا يزال من الصعب فرض الخروج من مظلة دولرة الاقتصاد والتكامل المالي الدولي للبنان مع العالم. علماً أنّ إلغاء دولرة الاقتصاد إجبارياً يتضمن فرض تحويل الأصول والديون الى العملة الوطنية، بما يمكن إعتباره اعتداء على ملكية العملاء الاقتصادية وخياراتهم، مما يمكن أن يشجع النشاط الاقتصادي الموازي وغير المعلن، للاحتفاظ بالتعامل بالعملات الأجنبية، كما يمكن أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي في ظلّ حرية حركة الرساميل التي كانت سائدة حتى انفجار الأزمة أواخر العام 2019. أما بالنسبة الى دين الدولة، فلا يمكن تحويله أحادياً الى العملة الوطنية، خصوصاً وان كان على شكل سندات «يوروبوند» يتمّ تداولها عالمياً بالعملة الأجنبية للإصدار، وهي غالباً الدولار الأميركي، أما العجز عن تأمين الدولار للدائنين عند استحقاق هذه السندات، فيُعتبر ذلك تخلّفاً عن السداد مثلما حصل أخيراً في آذار 2020.
من ناحية أخرى، فإنّ التخلّي عن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وبالتالي السماح بتعويم الليرة اللبنانية بعد تحويل ما قد يكون أصولًا مالية محلية، من المحتمل أن يؤدي إلى انخفاض قيمتها، وجعل ثقل الدين العام غير قابل للضبط. فيما يبقى من ناحية هاجس الدين العام بالدولار الأميركي للدولة، ومن ناحية هواجس الجهاز المصرفي إزاء الدولة غير القادرة على السداد، مثلما هي حال من جهة مصرف لبنان، الذي يحمل سندات «يوروبوند» بأكثر من 5 مليارات دولار على الدولة اللبنانية العاجزة عن السداد منذ آذار 2020، والمصارف اللبنانية التي كانت تحمل «يوروبوند» بأكثر من 14 مليار دولار على الدولة اللبنانية، فضلاً عن توظيف أكثر من 70 مليار دولار لدى المصرف المركزي، بين 17.5 مليار دولار إحتياطي الزامي، يمثّل 15% من الودائع بالدولار الأميركي في المصارف التجارية (والتي تفوق 76% من مجموع الودائع، وهي تمثّل معدّل الدولرة مثلما هو متعارف عليه)، وأكثر من 52.5 مليار دولار كشهادات إيداع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان.
أما في ميزات ومحاذير تقنيات الخروج من الدولرة التي اعتُمدت عالمياً فنذكر:
• التحويل الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية (الودائع بالعملات الأجنبية) من العملات الأجنبية إلى العملة الوطنية. وقد أدّت هذه الإجراءات في كثير من الأحيان إلى زيادة هروب رأس المال وعدم الوساطة (بوليفيا والمكسيك في عام 1982 وبيرو في عام 1985). وفي بعض الحالات، اضطرت السلطات إلى عكس ذلك (بوليفيا وبيرو).
• تعليق استخدام الودائع بالعملات الأجنبية، يمنع هذا الإجراء المودعين من سحب ودائعهم بالدولار وتحويلها من المصارف لفترة معينة (لا يتمّ تحديد المدة دائمًا مسبقًا). يمكن ربط الودائع بالعملات الأجنبية المجمدة بمستوى التضخم (الأرجنتين)، أو جعلها قابلة للاسترداد بالعملة المحلية (باكستان). تقوّض هذه الإجراءات الثقة في النظام المصرفي الوطني، وغالباً ما تؤدي إلى عدم الوساطة وهروب رأس المال.
أما الإجراءات التي تحقق النتائج المتوقعة في كثير من الأحيان، فيمكن اختصارها بـ:
• فترة الاحتفاظ (الحجب) الإلزامية للودائع بالعملات الأجنبية. وقد يرتبط هذا الإجراء بإدخال أدوات للعملة الوطنية مربوطة بسعر الصرف… الجانب السلبي المحتمل لهذا الإجراء هو أنّه سيشجع العملاء الاقتصاديين على تفضيل الاحتفاظ بالأوراق النقدية بالعملة الأجنبية بدلاً من إيداعها في حساباتهم المصرفية.
• الاستخدام الإلزامي للعملة المحلية في المعاملات الوطنية ولقائمة أسعار السلع والخدمات: يرتبط الالتزام بإدراج الالتزام بإجراء المعاملات والمدفوعات بالعملة الوطنية حصرياً. يُعد حظر استخدام العملات الأجنبية في المعاملات الداخلية إجراءً شائعًا (أنغولا وبيرو وغيرهما الكثير). ومع ذلك حتى إذا استمرت المدفوعات بالعملة الأجنبية، فإنّ عرض الأسعار بالعملة المحلية يمكن أن يعطي زخمًا إضافيًا لإلغاء الدولرة قسرياً وليس نتيجة استعادة الثقة بالعملة الوطنية.
• الإجراءات الاستنسابية ضدّ استخدام العملات الأجنبية ، قد تشمل فرض قيود على الاقتراض أو الإقراض بالعملة الأجنبية (أنغولا والأرجنتين وفيتنام) وباستثناء الودائع بالدولار من نظام ضمان الودائع، وما لم يكن الجمهور على دراية جيدة باستبعاد الودائع بالعملات الأجنبية من نظام ضمان الودائع، قد تشجع هذه الخطوات المصارف على استقطاب مزيد من الودائع بالعملات الأجنبية.
• ضوابط على أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية، التي تحدّد الحدّ الأقصى للفائدة التي يمكن أن تقدّمها المصارف المحلية على الودائع بالعملات الأجنبية، لتشجيع إزالة الدولرة عن الالتزامات.
• ضوابط على حركة الرساميل – يمكن أن يؤدي الفرض المؤقت للالتزامات لإعادة شراء منتجات العملات الأجنبية من المقيمين إلى انخفاض تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية بنحو سريع.
قد يقتصر الوصول إلى الودائع بالعملات الأجنبية على وكلاء اقتصاديين معينين (مثلما جرى في المكسيك) أو على مصارف عابرة للحدود، وقد يتمّ حظر عمليات الائتمان أو ربطها بموافقة مسبقة.
وبذلك يتبيّن، انّ الدولرة الجزئية المرتفعة المتزامنة مع تثبيت سعر الصرف ليست خياراً دائما بل مرحلة إنتقالية نحو، إما تعميم الدولرة الشاملة واستبدال العملة الوطنية كلياً بالعملة الأجنبية، مع ما يعني ذلك من فقدان للسيادة النقدية ودور المصرف المركزي كـ»ملاذ أخير» لتمويل المصارف، وإما سبيلاً لإلغاء الدولرة والعودة كلياً الى العملة الوطنية.
ويبقى أنّ الخروج من الدولرة السليم يحتاج الى استعادة الثقة بالعملة الوطنية كخيار تلقائي للعملاء الاقتصاديين وليس كقرار إلزامي قسري تفرضه الدولة عليهم، حتى لا يؤدي ذلك الى افتقاد الثقة الأشمل بالنظام المصرفي ككل وتفلّته من الضوابط… فهل يشكلّ هول الأزمة الحالية صحوة في اتجاه خيار العودة الى اعتماد العملة الوطنية فرضاً، أم باستعادة الثقة بها، ضمن خطة إصلاحية متكاملة مالياً-نقدياً-مصرفياً-اقتصادياً؟
د. سهام رزق الله.
النفط والطاقات البديلة
ارتكز الاقتصاد العالمي في القرن العشرين على النفط، وكان الاهتمام السياسي والاقتصادي مرتبطا بكميات النفط المتوافرة وسعر البرميل. كلما تأزم الانتاج النفطي لأي سبب، تأزم الاقتصاد العالمي وتوجه الناس الى الشارع للاحتجاج والمطالبة بالحلول. تغير العالم كثيرا في القرن الواحد والعشرين ولم يعد النفط مهما كما في السابق. أتت الكوروونا لتضيف الى الموضوع أي لتخفض الطلب على النفط وبالتالي تخفض الأسعار مما أحدث خللا كبيرا في ميزانيات الدول المنتجة واضطرارها لتسريع التنويع الانتاجي حماية للمستقبل. فرضت الكورونا على المواطنين العمل من المنزل أي عدم استهلاك النفط للانتقال أو السفر. العمل من المنزل يظهر أنه رفع انتاجية العمل، وبالتالي لن تعود طرق العمل الى ما كانت عليه قبل الكورونا.
تقوم الأمم المتحدة عبر مؤسساتها بجهد كبير لتخفيف التلوث البيئي وتحقيق التنمية النظيفة أو المستدامة. تهتم الأمم المتحدة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمواضيع البيئية كالفقر والصحة. تهتم بالموارد الطبيعية والحفاظ على استمراريتها للتنمية ولنوعية الحياة كالغابات والمحيطات والبحور. تهتم بتقوية دور المجموعات المهتمة بالبيئة كالنساء والشباب والأعمال. تهتم أيضا بكيفية تنفيذ هذه الاصلاحات كي لا تكون حبرا على ورق أي التمويل والتكونولوجيا والتعليم والتدريب كما القوانين والوعي الشعبي لأهمية البيئة وتأثيرها. في الحقيقة ما زال العالم ينفق على استهلاك الكماليات أكثر بكثير من انفاقه على ضروريات الحياة والمستقبل.
تضرر كثيرا قطاعا السيارات والنقل الجوي كما تتعثر السياحة العالمية بسبب الكورونا وبالتالي ينهار الاستهلاك النفطي. من الصعب توقع عودة النفط الى أهميته السابقة لأن فترة السماح الحالية تعطي العالم المنتج فرصة لتطوير الطاقات البديلة وهذا ما يحدث. يؤكد مستوى أسعار أسهم الشركات المنتجة للنفط مقارنة بأسعار الشركات المنتجة للطاقات البديلة على هذا التغيير الكبير في مصادر الطاقة. الأولى تنخفض والثانية ترتفع.
تراجع الاقتصاد العالمي واستمرار الفوائد منخفضة الى حدود الصفر سمح للشركات المنتجة بالاقتراض لتطوير الطاقات البديلة. ينتقل العالم بسرعة من الطاقات الملوثة الى الأخرى النظيفة، أي يطور البنية التحتية الخضراء كما لم يحصل سابقا. استمرار الفوائد منخفضة كما ضخ النقد والمال من قبل الدولة لتخفيف الأوجاع سمحا للمواطن أيضا بالاقتراض لتوسيع المنزل أو للانتقال الى منازل أكبر لأن العمل من المنزل أصبح النظام المعتمد. هذا رفع أسعار المنازل في عز زمن الكورونا.
يتنبه العالم أكثر فأكثر الى محاربة التلوث البيئي الآتي من مصادر مختلفة. أصبح العالم واعياً للضرر الذي يحدثه تلوث البيئة على الصحة والنمو بل على نوعية الحياة. لم يأتِ التلوث فقط من الصناعات المختلفة، بل أتى أيضا من اهمال المواطنين في استهلاكهم. أتى من عدم اهتمامهم بكميات ونوعيات وفرز النفايات التي تصدر عنهم مما يؤثر سلبا على النظافة البيئية ويلوث ركائز الحياة من هواء وماء وأرض. يعي العالم اليوم أنه لا يمكن الاستمرار بتلويث البيئة وبالتالي يجب معالجة الأسباب والمصادر بطريقة جدية ومستدامة.
في حملته الانتخابية، وعد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بانفاق ألفي مليار دولار على تنظيف البيئة الأميركية، أي عمليا العودة الى اتفاقية باريس للمناخ التي أخرجها منها الرئيس ترامب. ستنفق الوحدة الأوروبية 30% من برنامجها الانقاذي المقدر بـ880 مليار دولار على المناخ والسياسات الكفيلة بالتنظيف البيئي. الحقيقة أنه لا رجوع الى الوراء فيما يخص البيئة بالرغم من الانتكاسات الزمنية القليلة المحدودة. هنالك نوع من الاجماع العالمي على أن القرن الواحد والعشرين سيكون أنظف بيئيا وأفضل لصحة الانسان، مما ينعكس ايجابا على الاستقرارين السياسي والاقتصادي. هذا يعني ان حصة الطاقات النظيفة من المجموع العالمي سترتفع من 5% حاليا الى 25% في سنة 2035 والى 50% في سنة 2050 تبعا لوكالة الطاقة العالمية.
ستكون الدول المستوردة للنفط المستفيدة الأولى من هذا الانتقال الكبير وفي طليعتها الصين التي تلوث كثيرا لكنها مهتمة بتغيير عاداتها والتحول أكثر الى النظافة في الاستهلاك والانتاج. يقول الرئيس شي أن الصين ستتوقف عن الاساءة الى البيئة بدءاً من سنة 2060 وبالتالي لن تضيف بعدها الى حجم الكاربون العالمي.
من أهم أسباب التلوث هي نوعية الطاقة التي نستهلكها في حياتنا والتي في معظمها تصدر الغازات الفحمية المؤثرة سلبا على تنفس الانسان وحياته وعمره المرتقب. يحاول العالم الانتقال بهدؤ من الطاقة الملوثة الى الأخرى النظيفة من شمس وهواء ومياه وغيرها علما ان العالم لا يستطيع الاستغناء كليا عن أي نوع من الطاقات المستعملة حاليا بما فيها الطاقة النووية. ينجح العالم في هذا الانتقال الذي بدأ لكنه يواجه تحديات كبيرة للاستمرار والنجاح:
أولا: ارتفاع تكلفة الطاقات النظيفة البديلة وخاصة الانتاج الكهربائي والتسعيرة المطلوبة من المواطنين. حاليا يستعمل العالم أكثر فأكثر السيارات الكهربائية أو الأخرى العجينة، لكن معظم الدول النامية لا يملك الكهرباء الكافية للانتقال الكلي الى السيارات الكهربائية بالاضافة الى أن أسعارها ما زالت فوق قدرة المواطن العادي. تكلفة الانتاج الكهربائي غير المدعومة ما زالت مرتفعة مما يشير الى أن تكنولوجيا الانتاج الكهربائي ما زالت غير متطورة ومكلفة وبالتالي يحتاج العالم الى تكنولوجيات حديثة تخفض التكلفة الحقيقية.
ثانيا: هنالك دول طبقت الضريبة على الكربون لدفع المواطنين الى استعمال مصادر أخرى للطاقة أي عمليا الكهرباء النظيفة. هذه الضريبة صعبة التطبيق بالاضافة الى أن مواطني الدول النامية عاجزون عن دفع ضرائب اضافية حتى لو كانت مبررة. هنالك في نفس الوقت ضرورة للانتقال الى الطاقات النظيفة في التدفئة والنقل وخاصة في الزراعة التي هي أساس الحياة النوعية. في الاحصائيات الحديثة وفي الولايات المتحدة مثلا، نسبة الكهرباء المنتجة من الفحم تدنت من 50% في سنة 2005 الى 21% اليوم. في بريطانيا، تدنت النسبة نفسها من 30% في سنة 2014 الى 5% في سنة 2018 وهذا لا شك تقدم هائل في التكنولوجيا وحسن الاستعمال.
أخيرا تواجه الدول العربية العدو الكوروني بكافة الطرق والوسائل المتاحة. هنلك دول تنجح بفضل السياسات والقدرات المالية وأخرى تتعثر بسبب المال وعدم احترام المواطنين للتوجيهات العامة. القدرات المالية للدول العربية حتى النفطية متعثرة عموما اليوم، لكن لا يمكنها اهمال الخطر الصحي وضرورة الاقفال مع احترام القدرات المعيشية للمواطن. التحديات التي نواجهها عربيا أتت في وقت لسنا فيه أقوياء وبالتالي ترشيد استعمال القدرات المالية والانسانية والطبية وغيرها هو في أقصى درجات الأهمية.
د. لويس حبيقة.
أزمة لبنان المالية: ماذا يريد سلامة؟ ولماذا قال ما قاله؟
كثيرون اعتبروا أنّ ما نُسب الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن انتهاء زمن تثبيت سعر صرف الليرة، أمرٌ صادم. لكن الصدمة الحقيقية تكمن في ردود الفعل على ما قيل، وليس في مضمون الكلام نفسه.
ليس مُستبعداً ان يكون حاكم البنك المركزي قد اضطر الى تصحيح كلامه الى «فرانس 24»، بعدما فوجئ بردود الفعل الصاخبة على قوله انّ سعر الليرة سيكون في المرحلة المقبلة مُعوّماً، بحيث أنّ السوق سيقرّر هذا السعر.
بصرف النظر عمّا اذا كان الكلام قد فُهم على غير مقصده من خلال عدم وضعه في الاطار التسلسلي الدقيق، تبدو المشكلة في مكان آخر، وتكمن تحديداً في عدم الوعي الى المرحلة التي بلغها الوضع المالي والاقتصادي حتى الآن.
ويمكن تقسيم ما جرى الى قسمين: الاول يتعلّق بردود الفعل الشعبية على مسألة وقف تثبيت سعر الصرف، والثانية ترتبط بموقف سلامة حيال موضوع الليرة.
في الشق المتعلّق بتفاعل الناس مع مسألة سعر الصرف، يمكن الاستنتاج، انّ المواقف التي برزت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف الحقائق التالية:
اولاً- وجود حالة إنكار لدى قسم من اللبنانيين تشبه الى حدٍ ما حالة الإنكار القائمة لدى اركان المنظومة السياسية حيال الدَرك الذي بلغته الأزمة. وهم يؤمنون حتى اليوم بإمكانية اعادة الليرة الى سعر صرفها الرسمي والاسمي القائم حالياً، أي 1515 ليرة للدولار. وهؤلاء ينتمون الى الشريحة المؤمنة بنظرية المؤامرة، ويعتقد اتباعها انّ كل ما يحصل مُصطنع، وستعود الامور الى طبيعتها فور انتفاء اسباب الحصار المفروض على البلد.
ثانياً- يعتقد البعض الآخر انّ نمط تثبيت سعر صرف العملة الوطنية على سعر لا يتماهى وسعرها الحقيقي الذي يحدّده السوق، لا يزال مُتاحاً، ولا يريدون أن يصدّقوا انّ العودة الى سياسة دعم الليرة أصبحت من الماضي ولن تحصل، على الأقل في المستقبل القريب، وبالتزامن مع بدء تنفيذ أي خطة للإنقاذ.
ثالثاً- تبيّن من بعض ردود الفعل، انّ قسماً من الناس يتسلّى بالمأساة، ويريد ان يلعب لعبة تسجيل النقاط، من خلال التصويب على حاكم المركزي في موضوع سعر الصرف، على اعتبار انّ سلامة هو «أب الليرة»- وهذا اللقب هو من باب التهكّم- وكان يرفض تحريك سعر صرفها، وبقي يعد بالحفاظ على قيمتها، حتى انهار الوضع المالي برمته.
في الشق المتعلق بتفسير مضمون كلام سلامة، يمكن استنتاج ما يلي:
اولاً- رغبة الرجل بإرسال اشارة اولى الى تخلّيه عن مبدأ تثبيت سعر الصرف. وقد يكون ذلك بمثابة اعتراف ضمني بأنّ سياسة دعم الليرة شكّلت أحد العوامل التي ساهمت مع عوامل أخرى كثيرة في انهيار الوضع المالي. وهذا الامر لا يعني انّ السياسة النقدية كانت خاطئة بشكل عام، لكنه يعني انّ سياسة التثبيت التي شكّلت مرتكزاً للاستقرار وساهمت لحقبة طويلة في تأمين مستوى معيشي لائق للبنانيين، وفي تشجيع الاسثمار من خلال الاستقرار النقدي، استنفدت فرصها منذ العام 2017، وكان يُستحسن في حينه التفكير في تعويم الليرة، لوقف دعمها واستنزاف العملة الصعبة بلا جدوى.
ثانياً- أراد سلامة من خلال موقفه ان يردّ، ولو بطريقة غير مباشرة، على الاقتراحات والاصوات التي ارتفعت في الفترة الأخيرة بشكل لافت، للمطالبة باعتماد سياسة نقدية قائمة على مبدأ إنشاء مجلسٍ للنقد بهدف تثبيت سعر صرف الليرة من خلال ربطها بعملة أجنبية أخرى. وهو بذلك، أراد أن يسلّط الضوء على تعذّر تثبيت سعر الصرف من خلال الربط الكلي بالدولار أو سواه. وقد تكون هناك أسباب عدة لهذا الرفض، من ضمنها الصعوبات التي تعترض هذا الربط لجهة تأمين كتلة ثابتة من العملات الصعبة، بالإضافة الى الضرر الذي قد يلحقه الربط بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي، عندما تبدأ مرحلة التعافي والخروج من الأزمة. بالإضافة أيضاً، الى انّ اعتماد سعرٍ ثابت منخفض يستند الى حجم الكتلة النقدية القائمة حالياً في السوق (M1+M2) سيؤدّي الى شطب عامودي للودائع في البنوك، والتي يتمّ السحب منها حالياً بواسطة الليرة، وعلى سعر صرف 3900 للدولار.
في المقابل، واذا أسقطنا من الحسبان التحفظات المتعلقة بصراع الافكار الاقتصادية حول الحلول الأفضل التي ينبغي اعتمادها للخروج من الأزمة، نستطيع ان نلاحظ انّ حاكم مصرف لبنان لا يمكن ان يكون متحمساً لفكرة مجلس النقد، على اعتبار انّ المجلس يسلب البنك المركزي القسم الأهم من وظيفته المتعلقة بالسياسة النقدية. ومن البديهي، أنّ أي حاكم لمصرفٍ مركزي في العالم، لا يميل الى دعم أي فكرة يمكن ان تقلّص من مهام المركزي، خصوصاً انّ مجالس النقد غير موجودة سوى في الدول المأزومة وشبه المتخلفة، في حين انّ الدول الصناعية والدول المتطورة تعتمد على مصارف مركزية في ادارة السياسة النقدية.
في النتيجة، ما قاله سلامة، وبصرف النظر عمّا اذا كان صادراً عن حُسن أو سوء نية، يمثّل حقيقة لا يمكن الهروب منها، مفادها انّ سعر صرف الليرة في المستقبل، وعندما يبدأ تنفيذ خطة للتعافي، سيحدّده السوق، ولا شيء غير ذلك.
انطوان فرح.