حيرة «أبل»

لعل الشهر المنصرم هو أحد أكثر الأشهر صعوبة لشركة «أبل»؛ الشركة الأكبر تقييماً في العالم بقيمة سوقية تصل إلى 2.8 تريليون دولار. وشهر سبتمبر (أيلول) في العادة هو ذروة السنة لشركة «أبل»، ففيه تصدر النسخ الجديدة من هواتفها الذكية، وتجذب الأنظار بمؤتمر إطلاق هذه النسخ، وتحتفي بمطوريها وإنجازاتها السنوية. ولكن الشهر الماضي شهد حدثين لـ«أبل»، آخرهما ما انتشر عن ارتفاع درجة حرارة هاتفها الجديد، وأهمهما هو القرار الذي أصدرته الصين بخصوص هواتف «الآيفون».

فحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فرضت الحكومة الصينية على موظفيها عدم إحضار هواتف «الآيفون» لمقرات العمل، أو حتى استخدامها لهذه الأغراض. وأضافت «بلومبرغ» في اليوم التالي لهذا التقرير، أن الحكومة الصينية تعتزم كذلك تطبيق هذا النظام على جميع الشركات المملوكة للحكومة، والتي يزيد عددها على 150 ألف شركة، ويعمل فيها أكثر من 56 مليون مواطن صيني.

والصين هي أحد أهم الدول لشركة «أبل»، فهي تقع في المركز الثالث من ناحية حجم المبيعات بنحو 20 في المائة من مبيعات «أبل». والسوق الصينية نفسها ليست هي سبب أهمية الصين، فنحو 80 في المائة من مبيعات شركة «أبل» من الأجهزة، والسواد الأعظم من هذه الأجهزة يصنع في الصين. وللدقة، فإن 90 في المائة من أجهزة «أبل» تصنع في الصين. وهنا تكمن أهمية الصين لـ«أبل»، فهي مصنع الشركة الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

وتعد شركة «فوكسكون» من أكبر شركاء «أبل» منذ أكثر من عقدين، ففي عام 2000، وقبل ازدهار علاقتها مع «أبل»، كانت عوائد «فوكسكون» السنوية لا تتجاوز 3 مليارات دولار، وفي 10 سنوات فقط، ومع ازدهار أجهزة «أبل» بأنواعها، وصلت عوائد الشركة إلى نحو 100 مليار دولار، وفي عام 2022 وصلت عوائدها إلى أكثر من 200 مليار! ويعمل في هذه الشركة نحو 1.2 مليون موظف، وهي من أكثر الشركات من ناحية عدد الموظفين في العالم.

ويمكن اختصار صعوبة استبدال دولة ثانية بالصين في نقطتين: أولاهما هي الإجراءات الحكومية، فالحكومة الصينية سهلت لـ«أبل» العمل في الصين على مدى سنوات طويلة. فلم تكن الإجراءات الحكومية أو التوظيف يوماً عائقاً في سبيل توسع شركة «أبل» في الصين، ولا يمكن لـ«أبل» أن تجد مثل هذه التسهيلات في الدول التي يُقترح أن تكون بديلة للصين، كالهند مثلاً. ولطالما كانت العلاقة بين الحكومة الصينية و«أبل» علاقة يسودها الاحترام المتبادل، فالحكومة الصينية تتجاوب مع متطلبات الشركة الأميركية، وفي المقابل فإن «أبل» تمتثل لرغبات الحكومة الصينية؛ سواء بحذف بعض التطبيقات من متجر التطبيقات الصيني، أو بعدم التصريح علناً ضد الحكومة الصينية.

وقد انتشر سابقاً مقطع لصحافية تحاول اللحاق بالرئيس التنفيذي لشركة «أبل» وانتزاع تصريح منه بذم الحكومة الصينية واستنكار مواقفها ضد حقوق الإنسان، ولكن محاولاتها لم تسفر إلا عن صمت مطبق من الرئيس التنفيذي تيم كوك.

والنقطة الثانية هي القوى البشرية، فاليد العاملة الماهرة التي تعمل في المصانع الصينية أكثر من سكان فيتنام كلها، التي يقترح كذلك أن تكون بديلة للصين. ويجدر بالذكر أن الجزء الأنشط في فيتنام هو الجزء الشمالي منها القريب من الصين، وأحد أسباب نهضته هو قربه الجغرافي من سلاسل التوريد الصينية. وقد درّبت «أبل» منذ 2008 أكثر من 24 مليون صيني للعمل في مصانعها، وهناك من الموظفين العاملين حالياً من سبق له العمل على النسخة الأولى من «الآيفون» التي صدرت منذ نحو 15 عاماً.

هذا التراكم المعرفي والثقافة المؤسسية التي تملكها مصانع «أبل» في الصين ليست سهلة النقل إلى دولة أخرى. ولا يمكن كذلك إغفال حجم استثمارات «أبل» في الصين والتي تتمثل في الأجهزة والمكائن الصناعية التي صُنعت وصُممت خصيصاً لإنتاج الهواتف الذكية، والتي تملكها شركة «أبل»، حتى لو وُجدت في مصانع شريكة لها.

إن شركة «أبل» اليوم في موقف حرج بسبب الحرب التقنية بين الولايات المتحدة والصين، فالأولى قاطعت الصين تقنياً بحرمانها من الرقائق الإلكترونية المتقدمة؛ بل وتحفز حلفاءها كاليابان وهولندا لفعل المثل. والصين ترد بإجراءات انتقامية مشابهة بمنع المواد الأساسية المستخدمة في تصنيع هذه الرقائق، وباستثمارات مليارية تزيد على 40 مليار دولار لإنتاج رقائق متقدمة. ولا يبدو أن هذه الحرب على وشك نهايتها، فحتى المستبشرين سابقاً بقدوم الرئيس بايدن أصيبوا بخيبة أمل، من استمراره في سياسة ترمب نفسها بمحاربة الصين، ولو فاز ترمب بالانتخابات الرئاسية فلا يمكن التنبؤ بما سيقوم به حيال الصين.

وفي وسط ذلك كله تقف الشركة الأعلى تقييماً في العالم حائرة فيما تفعل، فلا يمكن لها على المدى القريب نقل عملياتها الصناعية خارج الصين، ولا تستطيع كذلك الاستمرار على حالة عدم الاستقرار التي يبدو أنها في حالة تصاعد مستمرة.

د. عبد الله الردادي

«الثالوث المستحيل» نسف إستقلالية مصرف لبنان: الدولرة الزاحفة تتحكّم بمساره…

من المهمّ معرفة مبدأ «الثالوث المستحيل» في الأدبيات الاقتصادية، حيث قدّم كل من الاقتصاديين جون ماركوس فليمنغ وروبرت مونديل في مقالات عدة مختلفة بين عامي 1960 و 1963 طرحهما عمّا يُسمّى بالمعضلة الثلاثية الشهيرة أيضًا باسم Trilemma، وهو مفهوم في الاقتصاد يستحيل بموجبه على المصارف المركزية الجمع – في الوقت نفسه- بين الثلاثة الأقانيم التالية:

• سعر صرف أجنبي ثابت.

• حرّية حركة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.

• سياسة نقدية مستقلة، وتعني قدرة البنك المركزي على تحديد أسعار الفائدة بشكل مستقل.

وقد تمّت ملاحظة فشل كل الاقتصادات التي حاولت تحقيق الأهداف الثلاثة معاً.

وفقًا لـ «الثالوث المستحيل»، يمكن للبنك المركزي أن يتبع سياستين فقط من السياسات الثلاث المذكورة في وقت واحد، مع استحالة تحقّق الثالثة. مما سيضطره إلى التخلّي عن أحد الأهداف الثلاثة. لذلك لدى البنك المركزي ثلاثة خيارات لتطبيق السياسات هي:

إذا اختار البنك المركزي تطبيق سعر صرف ثابت وحرّية تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، لن يستطيع تطبيق سياسة نقدية مستقلة، لأنّ تحديد سعر فائدة محلي يختلف عن سعر الفائدة العالمي، من شأنه أن يقوّض سعر الصرف المستقر… وكيف إذا كان المصرف المركزي في البلد المعني أيضاً يعاني من قلّة استقلالية عملياً بسبب انغماسه في تمويل عجز الدولة وديونها بالعملة المحلية والأجنبية؟ وأكثر من ذلك، كيف الحال إذا كان المصرف المركزي هو لاعب وحيد في اقتصاد بلد يغيب فيه التصويت على الموازنات طيلة 12 عاماً!؟ ويتمّ فيه اعتماد القاعدة الاثني عشرية طيلة هذه الفترة، مع اللجوء إلى مجلس النواب للتصويت على تخطّي سقوف الإنفاق وإمداد الدولة بسلفات خزينة متواصلة، ومن ثم جرّ الجهاز المصرفي كله للانغماس بتمويل الدولة، عبر الاكتتاب بسندات خزينتها بالعملتين المحلية والأجنبية، وثم عبر هندسات مالية لشراء الوقت، بغية تحقيق إصلاحات لم تتحقّق يوماً؟ وأبعد من ذلك، كيف يكون الوضع إذا أضفنا لكل هذه العناصر، أنّ البلد المعني هو بلد جداً جداً مدولر، وسلفات الخزينة والتمويل من المصرف المركزي يتمّ تحويلها عبره إلى الدولار الأميركي لتغطية مصاريف الدولة التي معظمها بالدولار، في بلد مدولر منذ أكثر من 40 عاماً، وبشكل متزايد من أزمة نقدية الى أخرى؟

إذا حدّدت الحكومة سعر صرف ثابتًا، وسمحت بحرّية حركة رؤوس الأموال، فسيتعيّن عليها تغيير أسعار الفائدة إستجابة للضغوط الخارجية. ستحتاج الحكومة إلى زيادة أسعار الفائدة (وجذب تدفقات الأموال الساخنة) من أجل الحفاظ على قيمة العملة المحلية وتثبيت سعر الصرف الثابت. كما يعني هذا أنّه في فترات الركود، قد لا تستطيع الحكومة خفض أسعار الفائدة، لأنّها إذا فعلت ذلك فسوف تتدهور العملة الوطنية.

وإذا اختار البنك المركزي تطبيق سياسة نقدية مستقلة وحرّية تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، لن يستطيع تطبيق سعر صرف ثابت. كيف ذلك؟ إذا كانت الحكومة ترغب في الحفاظ على الاستقلال النقدي وسمحت بحرّية تنقل رؤوس الأموال، فستحتاج إلى السماح بسعر صرف معوّم. على سبيل المثال، إذا كانت الحكومة في مواجهة مع التضخّم يمكنها زيادة أسعار الفائدة. لكن أسعار الفائدة المرتفعة هذه قد تؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة. البلدان التي ترغب في تعزيز النمو ستخفّض أسعار الفائدة، لكن أسعار الفائدة المخفّضة من شأنها أن تتسبّب في تدفق الأموال الساخنة إلى خارج البلاد، ومن ثم انخفاض سعر الصرف.

أما إذا اختار البنك المركزي تطبيق سعر صرف ثابت وسياسة نقدية مستقلة، لن يمكن للحكومة أن تتوقّع تدفقات رؤوس الأموال ، بل على العكس يتعيّن فرض ضوابط للتحكّم في تدفقات رؤوس الأموال. فإذا كانت الحكومة ترغب في تطبيق سعر صرف ثابت، وأيضًا تغيير أسعار الفائدة وفقًا لتفضيلاتها الخاصة، فستحتاج إلى التحكّم في تدفق الأموال إلى الخارج (فرض سقوف على شراء وبيع الأصول المالية، فرض ضرائب على المضاربات على العملة ، تحديد فترات استبقاء الأموال بالبلاد…) وقد تصل إلى ضبط حركة الاستيراد للتحكّم بنزف العملات الأجنبية الى الخارج…

فالمعروف أنّه في ظلّ حرّية حركة الرساميل التي كان يضمنها نظام الاقتصاد الحر المنفتح في لبنان، من الضروري الاختيار بين التضحية بثبات سعر الصرف والإبقاء على مرونته، لترك هامش تحرّك للمصرف المركزي لاعتماد الاستقلالية في تحديد وتنفيذ سياسته النقدية الهادفة إلى المحافظة على القدرة الشرائية للعملة الوطنية ومكافحة التضخّم وإدارة السيولة في السوق، أو القيام بالعكس تماماً، أي التضحية باسقلالية المصرف المركزي عبر توجيه خياراته للحفاظ على تثبيت سعر الصرف عبر ربط سعر صرف العملة الوطنية بالعملة الأجنبية الأكثر تداولاً واستقراراً وتعاملاً دولياً، وهي الدولار الأميركي، خصوصاً بعد اعتماده كعملة ثانية إلى جانب الليرة اللبنانية منذ الأزمة النقدية التي عرفها لبنان في الثمانينات، والتي أطلق على أثرها مسار دولرة مرتفعة غير رسمية، ولكنها «مفروضة» من قِبل القطاع الخاص كأمر واقع منذ ذلك الحين، بغرض الهروب من خطر تقلّبات سعر الصرف وافتقاد العملة الوطنية لمهامها الأساسية في الثمانينات، كأداة تسعير وتسديد للعمليات الشرائية الكبرى والمحافظة على القدرة الشرائية على المدى البعيد وصعوبة استعادة الثقة منذ ذلك الحين، على الرغم من جهود وكلفة تثبيت سعر الصرف على مدى 22 عاماً. علماً أنّه الخيار الأكثر فعالية لتحقيق الاستقرار النقدي في ظل اقتصاد مدولر كما هي الحال في لبنان، حيث لا نفع من الاكتفاء بإدارة السيولة بالليرة اللبنانية، طالما الحّصة الأكبر من السيولة المتداولة في السوق هي بالدولار الأميركي.

إلّا أنّ التحسينات التي كانت ممكنة ومطلوبة، كانت تكمن في معدّل سعر الصرف المناسب لعملية الربط بين العملتين، وفق تطوّر المؤشرات الماكرو-إقتصادية، خصوصاً منها ميزان المدفوعات، الذي يُظهّر رصيد دخول وخروج العملات الأجنبية لمختلف الأسباب بين لبنان والخارج، فضلاً عن سعر هامش تحرّك سعر الصرف ومرونة تدخّل المصرف المركزي في المحافظة عليه، بما يُبقيه ضمن مستوى مقبول من دون استنزاف كبير متواصل للاحتياطي بالعملات الأجنبية.

إنّ تدفق رأس المال، عن طريق خلق طلب زائد على النقد الوطني، يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية، ما لم يخزّن البنك المركزي جميع التدفقات الواردة في احتياطياته بالعملات الأجنبية. لبعض الوقت، إنّ المبالغة في تقييم العملة تحافظ على أسعار السلع المستوردة منخفضة، بينما في ارتفاع الأسعار يتمّ تعويض سلع التصدير من الاستثمارات المموّلة من القروض الخارجية.

قبل زيادة إنتاجية البلاد وقدرتها على التصدير واستقطاب الاستثمار والتوظيفات الخارجية، غالباً ما يظهر سعر الصرف مبالغاً فيه، تماماً كما شهده لبنان، لا سيما مع تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ العام 2011 في لبنان، باستثناء سنوات الهندسات المالية عامي 2016 و2017 التي استقطبت بعض الرساميل من الخارج لشراء اليوروبوند وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية، أي لإقراض القطاع العام (بين خزينة الدولة ومصرفها المركزي). الأمر الذي يؤدي تلقائياً الى ارتفاع الدين الخارجي الصافي بالعملات الأجنبية بالنسبة للاقتصاد المحلي (الناتج المحلي الإجمالي).

وبالتالي، إنّ لحظة حدوث أي خطأ في السياسات، والتوجّه المفرط لرأس المال المقترض نحو السلع غير القابلة للتداول، والمبالغة في التقييم المفرط للعملة والعجز الكبير في الحساب الجاري، في سياق ضعف في الاحتياطيات بالنسبة للديون الخارجية قصيرة الأجل، لا بدّ أن يُترجم ذلك بخطر إثارة أزمة ثقة في البلاد، وخروج جماعي مفاجئ وهائل للرساميل وانهيار سعر الصرف.

كما أنّ المصطلح العام للأزمة المالية يجمع هذه الأنواع الثلاثة للأزمات: أزمة ميزان المدفوعات، وأزمة السيولة ومعدل سعر صرف العملة، والأزمة المصرفية المحلية.

من هنا، ولتجنّب الأزمات المالية والنقدية، فإنّ حرية التنقّل الدولي المجاني لرأس المال، تتطلب نظرياً ظروف استقرار مماثلة لتلك الموجودة داخل البلدان التي تعتمدها.

أما أبرز الهواجس التي يعكسها العملاء الاقتصاديون اليوم إزاء مشروع قانون «تنظيم وضع ضوابط استثنائية وموقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية»، فهو أنّه لا يأتي من ضمن خطة استراتيجية متكاملة، في الوقت الذي يفترض أن يكون ضبط حركة الرساميل مجرد إجراء ظرفي ضمن خطة نهوض بنيوية للاقتصاد. وإن كان القرار هو ضبط السيولة المتبقية بالعملات الأجنبية، فمن الملحّ وضع خطة استراتيجية من جهة أولى لشرح سُبل ترشيد استعمال السيولة المتبقية بالدولار الأميركي، ومن جهة ثانية لكيفية تأمين استمرارية استيراد المواد الضرورية من الخارج، مما يتطلّب جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان، وتقييماً للحاجات الأساسية من قِبل الوزارات المعنية. وتوفّر هذه الخطة الإطار الصحيح الذي يُبنى على أساسه مشروع قانون القيود المالية، ويتمّ تضمينه في الأسباب الموجبة للقانون. ومن جهة ثالثة اتخاذ القرار بشأن نظام القطع، حيث لم يعد من مفرّ من اللجوء إلى نظام الربط الصارم Hard Peg لليرة اللبنانية، وسط الارتفاع الهائل لمعدّل الدولرة الذي لا يسمح بالإبقاء على نظام الربط المرن الحالي، ولا باللجوء الى النظام الحرّ العائم، فلا يبقى سوى مجلس النقد/الدولرة الشاملة. وهذا يتطلّب اعتماد سعر صرف يتمّ على أساسه الذهاب الى الربط الصارم، مما يحتاج أيضاً كمية معيّنة من الاحتياطي بالعملات الأجنبية…

يبقى القول لمن يسأل عن فائض بميزان المدفوعات قبل البحث بإمكانية الدولرة الشاملة، انّه لو كان لدينا فوائض في ميزان المدفوعات لما كنا أساساً دخلنا في أشدّ أزمة نقدية – مالية – مصرفية – إقتصادية شاملة مع دولرة مزمنة منذ 40 عاماً، وباتت اليوم تفوق الـ 90 % !!! لا بل انّ الانتقال الى الدولرة الشاملة الرسمية هو الذي ساهم في الاكوادور مثلاً بتحسين ميزان المدفوعات وانتقاله من حالة العجز الى الفائض. وقد أثبتت الأدبيات الاقتصادية، أنّ من إيجابيات الدولرة الشاملة الرسمية، تفادي أزمات ميزان المدفوعات واستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني مع ثبات عملته، مما يسهّل انخراطه بالاقتصاد والتجارة العالمية، وإعادة استقطاب الرساميل والاستثمارات الأجنبية والحركة السياحية، بخاصة اذا كان تاريخياً مهيأً لاستقطاب الرساميل والاستثمارات الأجنبية والإنفاق السياحي…

إنّ الاجراءات الظرفية لا يمكن تنفيذها بمعزل عن الرؤيا البنيوية التي تتطلّب بدورها جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان، وتقييماً للحاجات الأساسية من قِبل الادارات العامة المولجة. من لا ينظر لبعيد يخاطر بالوقوع مجدداً عن قريب، بل يخاطر في إمكانية النهوض عمّا قريب…

د. سهام رزق الله

رسائل نفطية مفتوحة حول سلة الطاقة المستقبلية

تدل مؤتمرات الطاقة المنعقدة مؤخراً على توصيل رسائل مفتوحة من الأقطار النفطية إلى مؤتمرات الطاقة، تحضيراً لمؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغيير المناخ (كوب- 28) الذي سيعقد في دبي ابتداء من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

تعتمد الأقطار النفطية في رسائلها المفتوحة و«سياستها الجديدة» على عدة عوامل: تجربة الأسواق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومبادرات الأقطار النفطية في تشييد طاقات مستدامة، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه في تطوير صناعاتها البترولية لملاقاة الزيادة المستمرة للطلب العالمي، والتنسيق القائم بين الأقطار النفطية ضمن مجموعة «أوبك بلس» لاستقرار الأسواق.

برزت مؤشرات هذه السياسة -أولاً- خلال الاجتماع السنوي الدولي لجمعيات اقتصاد الطاقة الذي عقد في الرياض، الربيع الماضي، ثم مؤتمر «أوبك» السنوي في فيينا أوائل الصيف الماضي. وبرزت هذه المواقف مؤخراً في اجتماع «ورلد بتروليوم كونغرس» الذي انعقد في كالغري بكندا، نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأبرزت الدوريات ووكالات الأنباء المتخصصة في الطاقة الرسائل النفطية المفتوحة في مؤتمر كالغري. فذكرت الدورية الأسبوعية «بتروليوم أرغس» في صفحتها الأولى: «تميز مؤتمر (ورلد بتروليوم كونغرس) في كالغري بالثقة لدى مسؤولي الصناعة النفطية، من خلال كلامهم ومواقفهم بخصوص دور النفط والغاز المستقبلي. ساندتهم في حججهم ووجهات نظرهم إنجازات دولهم في تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم الدور الذي يستطيعون لعبه في مرحلة تحول الطاقة».

وأضافت: «بتروليوم أرغس» أن «هناك تغييراً في لهجة الخطاب، مما شكل إطاراً ملحوظاً للتعامل الجديد مع سلة الطاقة المستقبلية، خلافاً عن الماضي… ففي العقد الماضي، وقبيل جائحة (كوفيد-19) والحرب في أوكرانيا، كان هناك نمط ملحوظ للخطاب حول كيفية التعامل مع مكافحة تغيير المناخ التي سادت بعيد اتفاقية باريس عام 2015، وكان الخطاب عندئذ موجهاً مباشرة على الوجود المستقبلي لصناعات الوقود الأحفوري، وكان على الصناعة النفطية الإجابة بمصداقية. وقد تخطت الصناعة النفطية هذه العقبة الآن، بالتركيز على الانبعاثات من مختلف مصادرها، وليس الوقود الأحفوري فقط، بالإضافة إلى التأكد من أن هناك مرحلة تحول (عادلة)، وإلى العقلانية والبراغماتية لما يمكن تحقيقه فعلياً».

وتابعت: «أدى التركيز السابق إلى بروز تحديات صعبة جداً للصناعة النفطية، في مواجهة الزخم النقدي الذي يواجهها. والأهم كيفية المحافظة على مصداقيتها في المناقشات التي كانت تهدف إلى تشريع القوانين وسن الأنظمة الهادفة إلى إنهاء صناعة النفط. أما الآن، فالشعور السائد هو أن قطاع النفط مسيطر، ويربح النقاش بطرق لم تكن متصورة سابقاً. على سبيل المثال، كان هدف شركات النفط قبل سنوات معدودة الدفاع عن وضع الغاز المستقبلي، باعتباره «جسراً» للوقود المنخفض الانبعاثات في المستقبل. أما الآن، فإن رسالة قطاع النفط هي التكلم بثقة عن الدور الضروري للنفط والغاز، في مرحلة تحول «عادلة» تأخذ بنظر الاعتبار مختلف التقنيات المنخفضة الانبعاثات، بمعنى تحويل النقاش إلى مجمل الانبعاثات، وليس التركيز فقط على تلك التي من الوقود الأحفوري».

وأشارت «بتروليوم أرغس» إلى أن «ما يقوم به قطاع النفط الآن هو التعامل مع الحقائق العالمية وواقع صناعة الطاقة الحالي، كما اضطر القطاع للتعامل مع واقع الطاقة السابق قبل تفشي جائحة (كورونا) ونشوب حرب أوكرانيا. اضطر القطاع النفطي قبل جائحة (كورونا) إلى الانطلاق من وضع صعب أمام الانتقادات الموجهة له حول الأضرار البيئية والمناخية، دون التطرق إلى أهمية دور النفط والغاز سواسية مع الطاقات المستدامة في سلة طاقة مستقبلية متكاملة ووافية، لتلبية الطلب العالمي على الطاقة مستقبلاً. واضطر القطاع عندئذ إلى عدم إبراز دور النفط المستقبلي بشكل ملحوظ، نظراً للاهتمام بالوصول إلى تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن».

وأضافت: «أما الآن، فقد تغير الحوار. وسبب التغير مرده تقلبات الأسواق خلال السنوات الخمس الماضية من (كورونا) وأوكرانيا، وكذلك من بروز حقيقة ما رددته الدول النفطية سابقاً، ولسنوات عدة، من أن تحول الطاقة عملية مكلفة وباهظة الثمن، وأنه من دون مساعدات مالية ضخمة من الدول الصناعية، المسؤولة الكبرى عن الاحتباس الحراري منذ الثورة الصناعية، فلا يمكن للدول النفطية لعب دور كبير في تحول الطاقة خلال هذا القرن، ومن ثم لن تكون مسؤولة عن الاحتباس الحراري حينه».

من جهتها، نشرت وكالة «بلومبرغ» تقريراً، ذكرت فيه أن «المنتجين النفطيين يخططون للبقاء في قطاع الطاقة لفترة أطول بكثير مما يرغبه معارضوهم. وأشار مسؤولون في قطاع الطاقة إلى أن السبب في ذلك هو الازدياد المستمر في الطلب على النفط العالمي، بالذات في دول العالم الثالث، كما أن هناك المخاطر الكامنة في الاعتماد الكلي على الطاقات المستدامة».

واستنتجت وكالة «بلومبرغ» أنه «كان هناك إجماع واضح تقريباً في مؤتمر كالغري على الأهمية المستقبلية لصناعة النفط وتخزين الانبعاثات الكربونية. فهذه الصناعة تسمح بإنتاج النفط والغاز لمستواهما الحالي تقريباً، مع تقليص ضخم للانبعاثات».

وليد خدوري

“قصة” القرار السياسي بــوقف المضاربة على الليرة

لن يكون الاختبار الذي سيتعرّض له اللبنانيون في الاسابيع المقبلة سهلاً، في حال صحّت «التنبؤات» في شأن استمرار الفراغ الرئاسي الى ما بعد نهاية العام 2023. وهناك تساؤلات متعددة في شأن مصير الليرة، والوسائل التي يمكن اعتمادها للحفاظ على الاستقرار النقدي الذي وعد به حاكم المركزي بالانابة.

حتى الآن، أنجزت ادارة مصرف لبنان بإشراف الحاكم بالانابة وسيم منصوري، «واجباتها» على اكمل وجه لجهة وقف تمويل الدولة من اموال الناس المتبقية، والتنسيق مع وزارة المالية للحفاظ على حجم الكتلة النقدية بالليرة مضبوطة في الاسواق. وقد أدّى ذلك الى استقرار سعر الصرف، بما انعكس ايجابا على الوضع المعيشي للمواطن. لكن الاستقرار النقدي القائم لن يساهم لوحده في تحسين ظروف الحياة، ولا في اعادة الاقتصاد الى سكة التعافي. هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، سيكون من الصعب جداً الحفاظ على هذا الاستقرار لفترة طويلة. وبالمناسبة، هناك من يطرح تساؤلات في شأن الاستقرار النقدي القائم. بمعنى انه قد لا يكون مستغرباً ان يحظى سوق الصرف بفترة استقرار نسبي، عندما يتوفر الدولار لتلبية الطلب، في موازاة تصغير الكتلة النقدية بالليرة، لحجب ادوات المضاربة عن السوق. ومع ذلك، فإنّ سعر الصرف ليس مستقراً فحسب، بل شبه ثابت بما يشبه فترة التثبيت، ايام كانت الليرة مدعومة من قبل مصرف لبنان. فهل صحيح ما يهمس به بعض المشككين، لجهة انّ ثبات الليرة على سعرها، يرتبط، بالاضافة الى عامل تَوفُّر الدولارات بعد موسم سياحي ناشط، وبعد ضخ كميات كبيرة في تموز الماضي، بعامل توقّف المضاربة بقرار سياسي؟ وهل يوجد فعلاً طرف سياسي قادر على اطلاق كلمة سر، يمنع بموجبها عمليات المضاربة التي كانت تجري في مرحلة عمل منصة «صيرفة»؟

السؤال مطروح من دون ان يعني ذلك وجود معطيات ملموسة تسمح بدعم هذه الشكوك. لكن، البعض يعتبر ان الثقة التي تحدث بها وسيم منصوري حيال مَنع انهيار الليرة مجدداً، في معرض ردّه على سؤال في شأن احتمال ارتفاع الدولار مع بدء بلومبرغ في عملها في لبنان كمنصة تداول، دفعت المشككين الى اعتبار هذا الموقف بمثابة دليل اضافي على وجود قرار سياسي بوقف المضاربة. وعندما يقول منصوري انه لن يسمح بعودة الدولار الى الارتفاع، فهذا الموقف لا يمكن تفسيره، وفق المشككين، سوى بنقطتين:

اولاً – وجود قرار سياسي بوقف المضاربة، مع الاخذ في الاعتبار ان عنصر المضاربة هو العامل الرئيسي في ارتفاع الدولار.

ثانياً – وجود قرار غير مُعلن لدى مصرف لبنان بالتدخّل والدعم اذا اقتضى الامر، لمنع عودة الدولار الى الارتفاع.

في القراءة المنطقية لهذه الاجواء، وسواء كانت مسألة القرار السياسي بمنع المضاربة صحيحة ام لا، ينبغي التأكيد ان المضاربة لا يمكن ان تكون المسؤولة عن انهيار الليرة. وما جرى منذ نهاية العام 2019 حتى اليوم، لا يمكن سوى أن ينعكس على سعر العملة الوطنية وقدرتها الشرائية. اما المضاربة، فإنها تأتي كعنصر اضافي يساهم في اضطرابات سوق الصرف، ليس إلا.

كذلك فإنّ القول بوجود قرار ضمني لدى المركزي بدعم الليرة اذا اقتضى الامر، لا يبدو بدوره منطقياً، بعد المواقف الواضحة والصريحة لمنصوري بالامتناع عن صرف اي دولار من اموال المودعين المتبقية في المركزي. وفي الاساس، فإنّ الاستعانة بمنصة بلومبرغ انما يهدف الى تحرير سعر الصرف، وليس العكس.

أما لماذا يقول منصوري انه لن يسمح، مع زملائه في حاكمية مصرف لبنان، بعودة الدولار الى الارتفاع، فالجواب يكمن في وجود تصميم لدى حاكمية المركزي بمنع نمو الكتلة النقدية بالليرة. كما يستند الى تفهّم وتجاوب وزارة المالية في التنسيق مع المركزي حول هذه المسألة.

ومع ذلك، لن تكون وعود منصوري كافية، لأن استقرار الليرة لا يمكن ان يستمر اذا استمر الوضع الاقتصادي بالتراجع، واذا استمر العقم على مستوى القرارات السياسية لإقرار القوانين الضرورية لتمهيد الطريق امام مسيرة الانقاذ، واذا استمر الفراغ على المستوى رئاسة الجمهورية. ومع الاسف، كل الجهود التي تُبذل في الادارة النقدية، لن تجدي نفعاً. وهذا الواقع يعترف به مصرف لبنان يومياً، ويؤكد لمن يسأل ان المسألة عند الدولة، وليست لدى المركزي. وهذا يعني ان كل التأكيدات ليست سوى اعلان نيات، لا يمكن ترجمتها على ارض الواقع، اذا لم يتغيّر المشهد السياسي العام، وتبدأ مرحلة جديدة تتحمّل فيها الدولة (بشقيها التنفيذي والتشريعي) مسؤولياتها لإخراج البلد من أزمة سوف تتفاقم وتصبح أشدّ تعقيداً، كلما مرّ وقت اضافي من دون معالجات وحلول شاملة.

 

أنطوان فرح

استقرار نقدي غير ثابت… إلى أين يتّجه الدولار؟

فيما يشهد سعر صرف الدولار في لبنان استقراراً في الأشهر الماضية على سعر حوالي 89 ألف ليرة، تزامن مع الموسم السياحي وما رافقه من أموال ضخمة دخلت لبنان، تتّجه موازنة 2024 إلى توحيد سعر الصرف، وهو شرط من شروط صندوق النقد الدولي لمنح قرض بحوالي 3 مليارات دولار للبنان. وبينما كان الخبراء يؤكدون أنّ اتجاه الدولار سيكون صعودياً بعد انتهاء موسم الصيف، يظهر الدولار استقراراً في سعره، على عكس هذه التوقعات. ما السبب؟

في حديث سابق له، أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري أنّ “الوقت اليوم هو المناسب لتحرير وتوحيد سعر الصرف، لمعطيات عديدة أبرزها انخفاض الكتلة النقدية من 80 تريليون ليرة إلى 60 تريليون ليرة، وارتفاع الجباية لدى الدولة إلى حدود 20 تريليون ليرة شهرياً، وجزء منها نقدي، وهذا ما يؤدي إلى سحب الليرة أيضاً من السوق. وتحرير سعر الصرف وتوحيده يعني أنّ سعر الدولار المقوَّم على الليرة اللبنانية يُحدَّد بحسب عمليات السوق دون تدخّل من المصرف المركزي”. بالتالي، بمجرد اتخاذ قرار توحيد سعر الصرف، تُلغى جميع أسعار الصرف المتعددة التي فرضتها التعاميم 151 و157 و158 و161.

في هذا الإطار، ترى المتخصّصة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور في حديثها لـ”النهار” أنّ “الاستقرار النقدي الحالي ناتج عن تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع عبر شراء العملات الأجنبية، إلى جانب عامل آخر له دوره في الاستقرار النقدي وهو الدولرة، فكلّما زادت، تراجع طبع الليرة إذ لم تعد تُستعمل إلا لتمويل القطاع العام”.

أيضاً، مع وجود المغتربين صيفاً وإدخالهم الدولارات، أسهموا في الاستقرار النقدي دون الحاجة الكبرى إلى تدخل مصرف لبنان بنسبة كبيرة لدعم هذا الاستقرار وبالتالي دون تكبّده تكلفة كبرى، لكن طبعاً عادة، تكون هذه التكلفة على حساب توفير الأموال هذه لاستيراد المحروقات والكهرباء وصيانة الطرقات وغيرها. فالاستقرار النقدي يكلّف الدولة كثيراً وتكلفته تراوح بين 500 مليون دولار ومليار دولار شهرياً.

وحتى في بلد غير منهار اقتصادياً وغنيّ، توضح منصور أنّه دائماً ما يكون تثبيت سعر صرف معيّن واستقرار النقد مكلفاً. وتنفي أن يكون لاستقرار النقد حالياً سبب سياسي، وتعطي مثالاً عن عملة الدينار الكويتي الأقوى في العالم، التي تتكبّد الكويت كلفة كبيرة لتثبيتها واستقرارها.

أمّا عن توحيد سعر الصرف وتداعياته، فهو يبدأ من تحرير العملة، أي تعريضها للعرض والطلب، وبذلك، تُلغى جميع أسعار الصرف الأخرى. وتحريرها يعني غياب تدخّل المركزي لتثبيتها واستقرارها. وبرأي منصور، “إقرار أي بند في الموازنة لا يعني وجوباً أنه سيُلتزم به في لبنان، وأصبح موضوع توحيد سعر الصرف في لبنان أمراً على المسؤولين تنفيذه ولو نظرياً لأنّه مطلوب من صندوق النقد الدولي. بالتالي، تداعيات موازنة 2024 محدودة جداً على العملة في بلد كلبنان، ولن تؤدي إلّا إلى بلبلة شفهية”.

فالليرة منهارة أصلاً وليس هناك أية عوامل قد تؤثر سلباً بشكل إضافي على العملة بعد، وفق منصور. فتوحيد سعر الصرف يجعل من سعر الدولار قابلاً لأن يرتفع أو ينخفض، لكنّه يبقى بسعر موحَّد غير متعدّد. لذلك، مع الدولرة الحالية، سيكون تأثير هذا الأمر ضئيلاً جداً.

ولأنّ لبنان أصبح مدولراً بامتياز، قد يكون توحيد سعر الصرف عاملاً إيجابياً، إلّا أنّ منصور لا ترى هذه الإيجابية و”الليرة لن تعود إلى الوراء”. لذا، تصرّ منصور على أنّ “مسار الدولار صعودي بمجرّد وقف تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع”.

على عكس رأي منصور، من جهته، يورد الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة في حديثه لـ”النهار”، أنّ “الاستقرار النقدي في لبنان هو نتيجة ضغوط سياسية أدّت إلى لجم المضاربين”. وحتى شركات الصيرفة المرخصة لم تعد تشتري الدولار في السوق، أي إنّ المضاربين والشركات توقفوا عن شراء الدولار.

فما عظّم الأزمة على شكلها الحالي، برأي عجاقة، هو المضاربة في السوق السوداء وهذا ما يبرّر استقرار سعر الصرف مع ذهاب هذا العنصر. لكن الأسباب الأساسية التي أدّت إلى الأزمة النقدية لا تزال موجودة، وهي غياب الدولارات الكافية لدى الحكومة لتسديد جميع نفقاتها. فهي بحاجة إلى الدولار لصرف رواتب القطاع العام واستيراد المحروقات وتسديد اشتراكاتها السنوية في المؤسسات الدولية وتسديد الأجور للسلك الديبلوماسي والسفارات والقنصليات. لذلك، بحسب عجاقة، “ما لم تُطبَّق الإصلاحات، فالاستقرار النقدي هذا هو استقرار غير ثابت، ونتوقّع أن تتّجه ضغوط سعر الصرف نحو الارتفاع”.

وبرأيه، “الأزمة ستتعاظم أكثر عندما سنصل إلى آخر السنة دون تمكّن مصرف لبنان من تمويل العجز المقدَّر بـ40 تريليون ليرة، هنا السؤال: ماذا ستفعل الحكومة؟”، يسأل عجاقة.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات