الطلب على الذهب ما زال ضعيفًا

 إن انخفاض حيازات صناديق الذهب المتداولة في البورصة عالميًا (ETF) يظهر أن الطلب على الاستثمار في الذهب لا يزال ضعيفًا. الفائدة المرتفعة ستضغط على المعدن الثمين.

وقال SPDR Gold Trust، أكبر صندوق متداول في البورصة مدعوم بالذهب في العالم، إن ممتلكاته تراجعت يوم الجمعة إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2020.

حذر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الجمعة من زيادة أسعار الفائدة حتى بعد التصويت لإبقاء سعر الفائدة القياسي ثابتًا الأسبوع الماضي، حيث قال ثلاثة من صانعي السياسة إنهم ما زالوا غير متأكدين مما إذا كانت معركة التضخم قد انتهت.

وقالت ” سوزان كولينز” رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن: “أتوقع أن تظل أسعار الفائدة أعلى، ولفترة أطول، من التوقعات السابقة، وليس مستبعدًا اللجوء لمزيد من التشديد”. كما أشارت المحافظة بالبنك المركزي، ميشيل بومان، إلى احتمال وجود حاجة لإقرار زيادة أكثر من مرة واحدة بالفائدة، مما يدعم موقفها باعتبارها أحد أكثر أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تشدداً.

ويتوقع بنك “جولدمان ساكس (NYSE:GS)” أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة خلال الربع الرابع من العام المقبل، بدلًا من التوقعات السابقة ببدء التيسير النقدي خلال الربع الثاني من نفس العام.

تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تثبيط مشتريات السبائك غير المدرة للفائدة، والتي يتم تسعيرها بالدولار.

كان الدولار يحوم حول أعلى مستوى في أكثر من ستة أشهر، بينما كانت عوائد سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات قريبة من ذروتها في 16 عامًا.

أظهر استطلاع نُشر يوم الجمعة أن النشاط التجاري الأمريكي أظهر تغيرًا طفيفًا في سبتمبر، بينما أظهر مسح منفصل أن اقتصاد منطقة اليورو من المرجح أن ينكمش هذا الربع ولن يعود إلى النمو في أي وقت قريب.

فيما حافظ بنك اليابان على أسعار فائدة منخفضة للغاية يوم الجمعة وتعهد بجعل التضخم مستدامًا إلى هدفه البالغ 2٪.

ينتظر المستثمرون مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي والذي سيصدر في 29 سبتمبر.

وفي غضون ذلك، يحاول المشرعون الأمريكيون التفاوض حول مشروع قانون الإنفاق قبل حلول 30 سبتمبر، وهو الموعد النهائي لتجنب إغلاق الحكومة المحتمل. حيث لم تظهر الأطراف المتنازعة في صفوف الجمهوريين بالكونغرس الأميركي أي علامة على التوصل إلى اتفاق لإقرار مشروع قانون للتمويل المؤقت، مع بقاء أسبوع واحد فقط على نفاد أموال الحكومة الاتحادية، ما سيؤدي إلى إغلاقها.

الديون الأميركية تدق نواقيس الخطر

بلغت الديون الأميركية الأسبوع الماضي أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 33 تريليون دولار وسط تضخم العجز الفدرالي وموجة هائلة من سندات الخزانة.

ومن المؤكد أن ارتفاع الديون في حد ذاته لا يشكل تلقائيا سببا للقلق، لأنه من غير المألوف أن تقوم الدول بسداد أرصدة كبيرة بالكامل. وبدلا من ذلك، قد يكون المقياس الأكثر أهمية هو القدرة على مواكبة مدفوعات خدمة الديون.

وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين لشبكة CNBC إن المقياس الذي تنظر إليه في أغلب الأحيان للحكم على الصحة المالية للولايات المتحدة هو “صافي الفائدة” كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتبلغ هذه النسبة حاليا حوالي 1%، ولكن مكتب الميزانية في الكونغرس يتوقع أن تشكل أقساط الفائدة 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2053. وبهذا المقياس، ستصبح مدفوعات فوائد الديون الأميركية أكبر بند إنفاق فدرالي بحلول عام 2051، عندما تتفوق على الضمان الاجتماعي.

وقالت مايا ماكجينياس، رئيسة لجنة الميزانية الفدرالية المسؤولة، لـ Insider:”من الواضح أن الاستقرار الحالي ليس مستدامًا… طريقة تقييم الأمور تتلخص في نقطتين، أولا إذا كان الدين ينمو بشكل أسرع من الاقتصاد، وهذا هو حال اقتصادنا. وثانيا إذا ما كانت مدفوعات الفائدة تسير بشكل أسرع من مؤشر ما، مثل الدخل أو الاقتصاد أو حزمة من الأشياء؛ هذه هي كل العلامات التحذيرية الضخمة. وجميعها تنطلق الآن.”

وفي الواقع، تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن ديون الولايات المتحدة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي سوف تسجل رقماً قياسياً جديداً هذا العقد، حيث ترتفع من نحو 100% الآن إلى 107% في عام 2029، متجاوزة بذلك الذروة التي بلغتها في عام 1946 (عقب الحرب العالمية الثانية) والتي بلغت 106%… وهي في طريقها للوصول إلى 181% بحلول عام 2053.

ولا تزال الولايات المتحدة تتباهى بكونها سوق السندات الأكثر سيولة في العالم، ويمكنها بيع ديون جديدة للمستثمرين حسب الحاجة.

وقالت ماكجينياس إن المشكلة تكمن في أن مدفوعات الديون يجب أن تأتي قبل أي شيء آخر عندما تتخذ الحكومة قرارات تتعلق بالميزانية. والفشل في رد المدفوعات من شأنه أن يخاطر بإعلان تخلف البلاد عن السداد، كما حدث تقريباً في يونيو (حزيران) الماضي.

وعلى مستوى اليوم، فإن مدفوعات الفائدة تتجاوز بالفعل الإنفاق الفدرالي على تعليم الشباب، وفي غضون أربع سنوات، سوف تتجاوز الإنفاق الدفاعي. وأضافت: “إن الأمر يحظى باهتمام كبير من أعضاء الكونغرس عندما يعلمون بوجود إشارات تحذير شديدة الخطورة.”

وأضافت أنه إذا كانت تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس صحيحة، فلن يقتصر الأمر على ارتباك البرامج الفيدرالية… بل سيعني ذلك اقتصاداً راكداً، وضعف القدرة على الاستثمار في أشياء مثل الأمن القومي.

وبدأت وول ستريت في دق ناقوس الخطر أيضًا. ومؤخراً، حذر كبار المحللين في سوق السندات من أن أسعار الفائدة لابد أن تستمر في الارتفاع حتى تتمكن وزارة الخزانة من الاستمرار في اجتذاب الأموال الكافية لخدمة الديون المتزايدة. وهذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم تكاليف الاقتراض.

وقالت ماكجينياس إنه لخفض الديون، يجب زيادة الضرائب على الأميركيين الأثرياء ومتوسطي الدخل. ومن ناحية أخرى، لا بد أيضاً من تنفيذ تخفيضات الإنفاق، بما في ذلك الإنفاق على الدفاع والاستحقاقات الاجتماعية، إذا لزم الأمر.

وقالت: “نحن نعرف (كإدارة) كيف نفعل ذلك، وهناك العديد من الخطط المعقولة… لكن ليس لدينا الإرادة السياسية”.

نادي باريس للديون

لعقود طويلة كانت الدول الغربية هي الدائن الرئيس في العالم، واستخدم كثير من الدول الغربية سلاح الديون كوسيلة للضغط على الدول النامية في مواقف متعددة. ومنذ منتصف القرن الماضي، أدركت الدول الغربية ضرورة وجود مظلة للدائنين تمكنهم من التنسيق فيما بينهم في حال تعثر دولة عن السداد، وتعطيهم الفرصة لتبادل المعلومات حول المستحقات لكل دولة. ومن هنا نشأ نادي باريس للديون، الذي تأسس سنة 1956.

في ذلك العام، أرادت الأرجنتين مقابلة دائنيها لدراسة كيفية الإيفاء بالديون المتراكمة عليها. كان هذا اللقاء في باريس (بداية نادي باريس)، الذي يهدف إلى إيجاد حلول مستدامة لتخفيف عبء الديون على البلدان غير القادرة على سداد قروضها الثنائية. ويوفر النادي قناة اتصال بين الدول المدينة مع مقرضيها بوجود وسطاء، وبالتنسيق مع المنظمات العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويتكون النادي من 22 دولة، معظمها من الدول الغربية، وهي الدول الدائنة، وتجتمع هذه الدول 10 مرات في باريس، برئاسة مسؤول ذي مستوى عالٍ من الخزانة الفرنسية. كما أن هناك عدداً من الجهات المراقبة للنادي، مثل الهند، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمفوضية الأوروبية، والبنوك التنموية، مثل بنك التنمية الآسيوي. وقد لعب نادي باريس دوراً مهيمناً في الإقراض الثنائي، فقد كان الجهة الرئيسية التي تقصدها الدول النامية لإعادة جدولة سداد ديونها. ومنذ تأسيسه حتى الآن، أسهم النادي في أكثر من 470 اتفاقية، ضمت 102 دولة، وبلغت الديون المعالجة نحو 600 مليار دولار.

لكن دور النادي تضاءل خلال العقدين الماضيين، والسبب الأكبر لذلك هو بروز الصين كأحد أكبر المقرضين للدول النامية في العالم، والصين ليست عضواً في النادي، وقد رفضت مسبقاً الانضمام إليه. وما يلخص تأثير الصين في انحسار دور نادي باريس هو قصة الأزمة السريلانكية بداية هذا العام. حيث تواصلت سريلانكا مع النادي للحصول على خطة إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار للخروج من أزمة اقتصادية عصفت بها. وفي العادة، يجتمع أعضاء النادي بالتنسيق مع البنك الدولي للنظر في استحقاقات الدول الدائنة لسريلانكا ومحاولة إيجاد سبل لإعادة جدولة الديون حتى الإعفاء من بعضها. لكن 52 في المائة من الديون على سريلانكا كانت من 3 دول، هي الهند واليابان والصين. واليابان عضو في النادي فلم تتسبب ديونها في أي مشكلات، إلا أن الهند والصين ليستا كذلك. أما الهند فرفضت الدخول في مفاوضات مع سريلانكا من خلال النادي، وفضّلت إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة بينها وبين سريلانكا. في المقابل، كان إجراء الصين أن أجّلت السداد لمدة سنتين، دون الدخول في أي محادثات مع نادي باريس.

بعد هذه الحادثة، اتُهمت الصين من الدول الغربية علناً بإدخال الدول النامية في دوامات ديون لا تستطيع الخروج منها، تحت مظلة مبادرة «الحزام والطريق»، التي ترى الدول الغربية أنها إحدى المساعي الصينية لزيادة نفوذها الدولي. وتعثر الدول النامية في نظر الدول الغربية يعطي الصين قوة على هذه الدول النامية، ويمكنها من فرض شروط جديدة تزيد من نفوذها. وفي حين أن نادي باريس، بحسب مبادئه المعلنة، لا يفرض أي أجندات سياسية لإعادة هيكلة ديون الدول النامية، تُتهم الصين أن عمليات إعادة الهيكلة غير شفافة وذات شروط خفية.

في المقابل، فإن الصين تؤمن أن نادي باريس ليست لديه الصلاحية في فرض شروط على الصين، لأنه لا يمتلك صفة دولية، وتنظر الصين إلى مبادرات دولية أخرى، تخدم نفس الهدف، مثل مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، التي أطلقتها مجموعة العشرين. وتعتقد الصين أن نادي باريس والبنك الدولي يحاولان الضغط على الصين من خلال التأثير على الدول المستدينة حتى لا تقبل عروض الصينيين لإعادة هيكلة الديون.

إن الوصول إلى آلية دولية لإعادة هيكلة الديون تحت مظلة دولية، مثل مجموعة العشرين، أو بريكس، أو غيرهما، هو أمر ضروري، في وقت أصبحت فيه الديون أداة أساسية لنمو الدول. إلا أن تنوع الشروط المفروضة عند منح هذه الديون يصعب الاتفاق الدولي على إعادة جدولتها، خاصة في حالة الصين. فالصين ترى أن النموذج التي تتعامل به مع الدول النامية يساعدها في النمو والاستثمار دون فرض شروط تعجيزية على الدول النامية، بينما ترى الدول الغربية مع البنك الدولي وصندوق النقد أن الخطط الحكومية التي عادة ما تكون تقشفية هي أحد الشروط الأساسية لمنح القروض أو إعادة جدولتها. وفي وسط هذه الاختلافات بين الدول الدائنة، تبقى الدول النامية تنتظر الوصول إلى حلول سريعة، تمكنها من الخروج من أزماتها الاقتصادية.

 

د. عبد الله الردادي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات