أبرز البيانات الاقتصادية التي ستؤثر على الأسواق العالمية هذا الأسبوع

مع اقتراب نهاية العام، تراقب الأسواق أسبوع حافل باجتماعات البنوك المركزية والتي يتصدرها الاحتياطي الفدرالي والمركزي الأوروبي إضافة إلى بنك إنكلترا والبنك الوطني السويسري، الاجتماعات تعتبر الأخيرة للبنوك خلال هذا العام وبحسب التوقعات فإن رفع الفائدة سيكون حاضراً بشكل كبير في أغلبية هذه الاجتماعات. بيانات التضخم أيضا سيكون لها تركيز خاص في أميركا وخاصة لمدى ارتباطها في قرار الفدرالي المستقبلي إضافة إلى البيانات المرتقبة في ألمانيا أيضاً. أما في نهاية الأسبوع فسيكون التركيز على بيانات مؤشر مديري المشتريات والتي ما زالت تظهر انكماش في القراءات لمعظم الاقتصادات المتقدمة.

الفدرالي الأميركي و معدلات التضخم في أميركا

ينطلق الثلاثاء 13 ديسمبر الاجتماع الأخير للفدرالي الأميركي خلال العام والذي سيمتد ليومين، ومن المنتظر أن يوافق من خلاله صانعو السياسة النقدية الأربعاء على رفع الفائدة للمرة السابعة على التوالي وهذه المرة بمقدار 50 نقطة أساس لتصل المعدلات إلى 4.50%. فبعد أربع اجتماعات تم إقرار رفع الفائدة خلالها 75 نقطة أساس تتوقع الأسواق أن يكون اجتماع ديسمبر نقطة تحول في سياسة الفدرالي في رفع الفائدة وذلك بناء على تصريحا رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الأخير والذي أشار من خلالها أن سيكون مناسباً إبطاء وتيرة رفع الفائدة بدءاً من ديسمبر الحالي. وما زالت الضبابية تسيطر على الأسواق خاصة أن “باول” في آخر اجتماع للسياسة النقدية أشار إلى أن معدلات الفائدة ستكون أعلى مما كان متوقعا في وقت سابق مما يشير إلى أن ذروة معدلات الفائدة لن تستقر في مارس. أما معدلات التضخم فمن المنتظر الثلاثاء صدور الأرقام والتي من المتوقع أن تظهر تباطؤ في القراءة إلى مستويات 7.3% في نوفمبر من 7.7% لتكون بذلك وتيرة التراجعات للشهر الخامس على التوالي مما قد يؤكد أن التضخم في أميركا وصل إلى ذروته، ولكن الحذر يبقى مهم خاصة بعد أن أظهرت أرقام مؤشر أسعار المنتجين تباطؤ خلال نوفمبر إلى 7.4% إلا أن الأرقام فاقت توقعات السوق مما أثر على أسواق الأسهم.

 

قرار بنك إنكلترا

من المنتظر الخميس 15 ديسمبر صدور العديد من قرارات البنوك المركزية في أوروبا من ضمنها البنك الوطني السويسري والمركزي الأوروبي إضافة إلى بنك إنكلترا. ومن المتوقع أن يرفع البنك البريطاني الفائدة 50 نقطة أساس لتصل المعدلات إلى 3.50% وذلك لمكافحة معدلات التضخم والتي وصلت إلى مستويات 11.1% في نوفمبر، حيث من المرتقب أيضا أن تشهد الأسواق الأربعاء وقبل يوم واحد من قرار البنك صدور بيانات التضخم لشهر نوفمبر والتي تشير إلى تباطؤ القراءة إلى 10.9% مما قد يشير إلى أن معدلات التضخم وصلت إلى ذروتها. وكان بنك إنكلترا خلال اجتماعه الأخير قد رفع الفائدة 75 نقطة أساس بأكبر وتيرة منذ 1989 لتصل المعدلات إلى قمة 2008 بهدف السيطرة على التضخم.

 

قرار المركزي الأوروبي

أما المركزي الأوروبي فمن المقرر أن يعلن البنك عن رفع الفائدة 50 نقطة أساس في آخر اجتماعاته للعام إلى مستويات 2% من 1.50% بهدف مكافحة معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وكان البنك قد أعلن خلال اجتماعاته السابقة عزمه الاستمرار في رفع الفائدة رغم مخاوف الركود التي تسيطر على اقتصاد المنطقة. ووصلت معدلات الفائدة في أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ 2009 مع رفع المركزي الفائدة في الاجتماع الأخير. وما زال طريق المركزي الأوروبي الأكثر ضبابية خاصة مع عدم جزم اللجنة حول توجهاتها المستقبلية حول قرار الفائدة على المدى البعيد مما يعطي مزيد من التركيز لكلمة رئيسة البنك كريستين لاغارد والتي ستقوم بالتعليق على قرار رفع الفائدة من خلال مؤتمر صحفي.

 

التقرير الشهري لأوبك ووكالة الطاقة الدولية

بعد أن سجلت أسواق النفط تراجعات أسبوعية حادة وصلت إلى انخفاض خام برنت بأكثر من 10%، يراقب المحللون الأسبوع الحالي تقرير أوبك ووكالة الطاقة حول توقعات السوق للطلب على النفط خلال الأعوام القادمة، وتعاني أسواق النفط من تقلبات حادة مؤخراً خاصة مع دخول قرار الاتحاد الأوروبي بفرض سقف على أسعار النفط الروسي عند 60 دولار للبرميل إضافة إلى ارتفاع إصابات كورونا في الصين واستمرار الدولة في اتباع إجراءات متشددة للتصدي إلى انتشار الوباء مما أُر على توقعات الطلب على الرغم من تخفيف القيود المتحفظ. فما زالت أسواق النفط تنتظر مزيد من الإشارات من الصين ومستوردي النفط خلال الأشهر القادمة من أجل تحديد مستويات الأسعار العادلة.

بيانات مؤشر مديري المشتريات في أوروبا وأميركا

مع اقتراب نهاية العام، يراقب المحللون البيانات الاقتصادية الأخيرة على أجندة العام، فمن المتوقع صدور بيانات مؤشر مديري المشتريات في كل من أوروبا وأميركا يوم الجمعة 16 ديسمبر، وتشير التقديرات إلى أن أرقام القطاع الصناعي والخدمي لن تظهر أي مفاجأت إنما ستستمر في إعطاء إشارات على أن الركود حاضر مما يؤكد توقعات العديد من المؤسسات الكبرى إلا أن الاقتصادات المتقدمة خلال 2023 ستشهد حالة من الركود والذي قد يتباين حدته بين أميركا وأوروبا حيث من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة ركود طفيف فيما ستشهد أوروبا ركود أطول بحسب تقديرات المحللين.

سند عليا

كيف يمكن الاستثمار في السوق الصاعدة والهابطة؟

 

من حين لآخر، يسمع المستثمرون لمصطلحات مثل السوق الهابطة والسوق ‏الصاعدة تعبيراً عن تحركات معينة بأسواق الأسهم.‏

يمكن تعريف المصطلحين باختصار على النحو أن السوق الهابطة تحدث عندما ‏تتراجع الأسهم، والصاعدة عندما ترتفع الأسهم، لكن الأمر لا يخلو من بعض ‏التفاصيل.‏
خلال السوق الهابطة، يحدث تراجع حاد في أسعار الأسهم وتنهار ثقة المستثمرين ‏وتسود المخاطرة، بينما في السوق الصاعدة، تشهد الأسهم ارتفاعات متوالية وثقة ‏متزايدة لدى المستثمرين تعكسها بيئة اقتصادية قوية.‏

وبشكل أدق، توصف السوق الهابطة بأنها انخفاض في مؤشر الأسهم بنسبة 20% ‏أو أكثر من أحدث ذروة بلغها.‏

على الجانب الآخر، فإن السوق الصاعدة تتجسد في ارتفاع بنسبة 20% في سوق ‏الأسهم من انخفاضات حديثة.‏

كيف يمكن الاستثمار في السوق الهابطة والصاعدة؟

كمستثمر، يجب فهم كلا السيناريوهين في السوق الهابطة والصاعدة من أجل تحديد ‏ما سيفعله بأمواله.‏

يميل المستثمرون في السوق الهابطة إلى تصفية استثماراتهم خلال هذا الوقت لعدم ‏التعرض لمخاطر خسارة المزيد من الأموال.‏

من ناحية أخرى، قد يبيع المستثمرون في السوق الصاعدة بعض ما يملكونه من ‏أسهمهم لتحقيق ربح مناسب أو ربما الانتظار على أمل ارتفاع الأسهم لمستويات ‏أعلى في المستقبل.‏

وفي الوقت الذي من السهل فيه على المستثمرين معرفة ما يحدث في السوق، ينصح ‏الخبراء عموماً بترك الاستثمارات لفترة أطول وعدم النظر إلى المحفظة من أجل ‏تجنب التقلبات في السوق.‏

بالطبع، يكون لدى المستثمر غريزة طبيعية بالرغبة في الاستجابة لما يجري في ‏السوق بشكل فوري ومحاولة تقليل الخسارة أو جني الربح، لكن من الأفضل (كما ‏ينصح الخبراء) تجنب أي ردة فعل مفاجئة قدر الإمكان.‏

بين السعودية والصين… رؤية وحزام وطريق

أنظار العالم تتجه إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث يحل الرئيس الصيني شي جينبينغ ضيفاً على السعوديين، في زيارة رسمية تستمر 3 أيام يعقد خلالها 3 قمم وليست قمة واحدة، بمشاركة 30 رئيس دولة ومنظمة، فما هو سر كل هذا الاهتمام؟ هل ذلك يعود إلى أهمية الضيف أو أهمية المضيف أو كليهما معاً؛ أم أن له أسباباً أخرى؟
الكثير من التحليلات صاحبت هذه الزيارة حتى قبل أن تبدأ بأسابيع. هناك من نظر إليها على أنها من باب المناكفة السياسية، وهناك من يراها على أنها هرولة من دول المنطقة تجاه الشرق على حساب الغرب، وهناك من يعتقد بأن السعوديين يريدون إعادة ضبط علاقاتهم مع الأميركيين عبر التقارب مع الصين.
وبين كل ذلك يبدو أن جميع من يقف خلف تلك التحليلات لديه إما نظرة قاصرة أو نوع من اللاعقلانية؛ فالعلاقات بين الدول تحكمها المصالح المشتركة فقط، مهما كان حجم التباين كبيراً في المواقف السياسية.
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية في عهد إدارة بايدن أشاحت بوجهها عن المنطقة، وتراجع الاهتمام بها بدرجات متفاوتة، ولكن ذلك لا يعني الكثير، لكون أن أي فراغ قد يملأه الآخرون.
وهنا من المفيد إعادة التذكير بما ذكره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مجلة ذا أتلانتيك الأميركية حينما سئل عن العلاقة مع الصين، حيث قال ما نصه: «إن السعودية واحدة من أسرع البلدان نموًا في المنطقة، وستصبح قريباً جدًا البلد الأسرع نموًا في العالم.
لدينا اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم، والمملكة تمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم، والسعودية لديها القدرة على تلبية 12 في المائة من الطلب على البترول في العالم، والسعودية تقع بين ثلاثة مضائق بحرية: مضيق السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي، ويمر من خلالها 27 في المائة تقريباً من التجارة العالمية، وإجمالي الاستثمارات السعودية في أميركا هو 800 مليار دولار، وفي الصين، حتى هذا الوقت، استثمرنا أقل من 100 مليار دولار، ولكن يبدو أنها تنمو هناك بسرعة كبيرة، كما أن لدى الشركات الأميركية تركيزا كبيرا على المملكة العربية السعودية إذ لدينا أكثر من 300 ألف أميركي في السعودية، وبعضهم يحملون كلتا الجنسيتين، ويقيمون فيها، والعدد يزداد كل يوم، لذا فالمصالح واضحة، والأمر يعود لكم سواء كنت تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة».
العلاقة السعودية الصينية اليوم تشهد تطوراً كبيراً في جميع جوانبها، فالبلدان عضوان فإعلان في إطار مجموعة العشرين التي تضم أقوى وأضخم اقتصادات العالم، وبكين تعتبر أكبر عميل للنفط السعودي حيث تستورد ربع الصادرات النفطية السعودية، وتجمع البلدين رؤيتان اقتصاديتان متماثلتان في الطموح (رؤية 2030 السعودية ومبادرة الحزام والطريق الصينية)، كما تعمل الدولتان من خلال لجنة مشتركة رفيعة المستوى على زيادة التنسيق في الشأنين السياسي والأمني، وتعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية، والطاقة، والثقافة، والتقنية، فضلاً عما شهدته القمة السعودية الصينية على هامشها من توقيع على أكثر 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال، وتوقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، وكل ذلك يدشن مرحلة جديدة وهامة من هذا التحالف الاستراتيجي الوثيق.
عالم اليوم، تحكمه المصالح فقط؛ والأكيد والثابت في السياسة السعودية أنها تنأى بنفسها عن معارك المحاور والاستقطابات أو تقوية تحالفات على حساب أخرى. ولكن قدرها دوماً بما تمتلكه من مكانة استراتيجية في العالمين العربي والإسلامي وثقل اقتصادي في المنطقة والعالم أن تكون البوابة الرئيسية لمد جسور التعاون مع الشرق كما الغرب. ومثلما ساهمت بالأمس بفتح صفحة مهمة في تصحيح العلاقة بين أميركا ودول العالم الإسلامي في وقت مرت فيه العلاقات بين الجانبين بأدنى مستوياتها، فها هي اليوم تفعل الأمر نفسه بين الصين والمنطقة العربية.

سلمان الدوسري

أزمة أرقام بين مصرف لبنان والبنك الدولي

يلاحظ المراقبون انّ الحركة الاقتصادية في البلد شهدت تغييرات في خلال العام 2022، بحيث انّ الوضع بات يختلف عمّا كان عليه في العام 2021. فهل هناك فعلاً حركة نمو، أم انّه وهم مرتبط بعوامل نفسية، وعوامل ظرفية، توحي بذلك، في حين انّ الأزمة تتجّه نحو مزيد من التعقيدات والبؤس والمخاطر في المرحلة المقبلة؟

يستند الناس في حكمهم على الحركة الاقتصادية على ما يشهدونه من ملاحظات في حياتهم اليومية. هذه الملاحظات توحي للبعض بأنّ «البلد ماشي»، رغم الأزمة: حركة المبيعات في بعض الاسواق ناشطة، المطاعم مفوّلة، حركة السير كثيفة رغم الارتفاع الجنوني في اسعار المحروقات، الكثير من الاعمال الحرفية والمهنية باتت مُسعّرة بالدولار، ومع ذلك جدول العمل لدى هؤلاء مليء بالمواعيد…

 

في المقابل، تستند الدوائر الاقتصادية والمالية المتخصصة إلى الارقام والمعايير الثابتة في تقييم نسب النمو، وترصد المؤشرات في قراءة الاتجاهات التي قد يسلكها الاقتصاد في المستقبل. لكن المفارقة، انّ لغة الارقام لم تكن موحّدة بالنسبة إلى هذه المؤسسات. ولعلّ التناقض النافر ظهر بين تقديرات البنك الدولي الذي تحدث عن نمو سلبي (انكماش) في العام 2022 سيصل إلى ناقص 5,4%، وبين إحصاءات وتقديرات مصرف لبنان التي تتحدث عن نمو نسبته 2%. وهذا ما أكّده حاكم المركزي في إطلالته التلفزيونية الأخيرة مع قناة «الحرة».

 

هل بدأ الاقتصاد فعلاً يتأقلم مع الوضع القائم، إلى حدّ الانتقال من الانكماش إلى النمو قبل البدء في خطة للتعافي، وقبل معالجة أزمة التوقف عن الدفع (الافلاس)، ومعالجة الوضع المصرفي ليعود إلى دوره الطبيعي؟

 

لا شك في انّ الاختلاف في التقديرات بين مصرف لبنان والبنك الدولي نافر، لأنّ الاختلاف في الرأي بالنسبة إلى النمو تحديداً كان يحصل في الماضي، قبل أزمة الانهيار، لكن الفارق لم يكن يتجاوز الـ1 أو2 في المئة في الحالات الاستثنائية. في حين انّ فارق التقديرات اليوم وصل إلى 7,4%.

 

من الواضح انّ مصرف لبنان يستند في إحصاءاته على وقائع قائمة، لكنها لا تعكس المسار الذي سيسلكه الاقتصاد لاحقاً، ولا تعكس في بعض الجوانب النمو الحقيقي الذي غالباً ما ينعكس على الحركة الاقتصادية، ويلمسه المواطن، ولو بنسبة ضئيلة. ومن هذه الظواهر والحقائق ما يلي:

اولاً- انّ حجم تدفق الدولارات إلى لبنان لم يحافظ على وتيرته المرتفعة قياساً بحجم الاقتصاد فحسب، بل انّه ارتفع.

ثانياً- انّ حجم الاستيراد زاد بما لا يقل عن نسبة 20% عمّا كان عليه في العام 2021.

ثالثاً- نشطت الحركة السياحية في الصيف، وسجّلت المطاعم والمقاهي حركة عمل ناشطة، وحتى بعد انتهاء موسم السياحة، استمرت الحركة وفق وتيرة جيدة.

رابعاً- رغم الارتفاع الهائل في اسعار المحروقات الناتج من تراجع قيمة الليرة، ووقف كل انواع الدعم على المادة، وارتفاع الاسعار عالمياً، وارتفاع اسعار الشحن والنقل، إلّا انّ الكميات المستوردة لم تنخفض سوى بنسبة تُعتبر ضئيلة قياساً بالأسباب الآنفة الذكر، بما يوحي بأنّ اللبناني لا يزال يتمتّع بقدرة شرائية مقبولة.

خامساً- ارتفعت الرواتب في القطاع الخاص بنسب متفاوتة. وهناك عدد كبير من المؤسسات باتت تدفع الرواتب بالدولار او تقسّم الراتب إلى دولار وليرة. وهذا الامر اتضح بسبب الضجة التي أُثيرت في شأن مشروع ضرائب الدخل الجديدة، بما يوحي بوجود نسبة لا بأس بها من اللبنانيين العاملين في القطاع الخاص باتوا يتقاضون رواتبهم بالدولار.

 

هل كل هذه المؤشرات كافية للقول انّ إحصاءات المركزي أكثر دقة من البنك الدولي، وانّ النمو موجود فعلاً، بصرف النظر عن نسبته؟

 

اللافت في هذا الموضوع، انّ تقديرات صندوق النقد الدولي للنمو في اقتصادات العالم جرى خفضها أخيراً بعد آخر تحديث للإحصاءات، بحيث تبين انّ معدل النمو في العالم قد ينخفض إلى ما دون الـ2%. وهذا يعني انّ الاقتصاد اللبناني المفلس حقق نمواً يعادل معدل النمو العالمي!

 

لا شك في انّ مظاهر التأقلم مع الأزمة في لبنان قائمة وحقيقية. لكن التأقلم لا يعني انّ الاقتصاد خرج من الأزمة وبدأ مسيرة الانتعاش. وكل الوقائع التي يستند اليها إحصاء النمو الحالي، إن وجد، مموهة او مؤقتة. الاستيراد ارتفع استباقاً للدولار الجمركي، انخفاض استيراد المحروقات بنسبة ضئيلة واستمرار حركة السير ناشطة سببهما انعدام وسائل النقل البديلة للمواطن للذهاب إلى مقر عمله. ارتفاع تدفق الدولارات قد يعكس زيادة حالات البؤس بما يضطر اللبنانيين العاملين في الخارج إلى إرسال المساعدات.

 

إلى ذلك، ينبغي الأخذ في الاعتبار الدولارات التي سُحبت من المصارف بناءً على التعميم 158، والتي بلغت حتى الآن حوالى 600 مليون دولار. جزء من هذه الدولارات جرى ضخه مجدّداً في السوق، لكن ذلك يعني ايضاً انّ المواطن يستنفد مدخراته ليؤمّن معيشته اليومية في هذه الأزمة.

 

خلاصة الامر، وبصرف النظر عن وجود نمو ايجابي كما يقول مصرف لبنان، ام انكماش كما يؤكّد البنك الدولي، ما هو اكيد انّ الاقتصاد مكربج، والاستثمارات الخارجية غير موجودة، والاستثمارات الداخلية الضئيلة، لا تبقي على أرباحها في الداخل، بل تعمل على إخراجها، والتفاوت الطبقي ينمو بشكل خطير يهدّد بالانفجار الاجتماعي. كل ذلك يعني انّ استمرار التأخير في البدء بالحل يزيد الأزمة صعوبة، ويزيد الكلفة على الجميع. ولا خلاص سوى بالاعتراف بالحقائق واستعجال المعالجة، قبل الوصول إلى وضع أسوأ بكثير من الوضع الحالي.

انطوان فرح

الوعود باسترجاع الودائع حلم أم حقيقة؟

مشروع استرجاع الودائع، والوعود الوهمية التي تتردّد، بات «سمفونية يومية»، من دون أي نتيجة عملية تُذكر. هذه الوعود الكاذبة والشعارات الفارغة تذكّرنا بوعود محاربة الفساد، حيث الذين يتبارون ويتنافسون على المنابر، ويُنادون بمحاربة الفساد هم اكبر الفاسدين، وهم أيضاً الذين يعدون باسترجاع الودائع المصرفية، وهم أنفسهم الذين أهدروها.

يبلغ مجموع قيمة الودائع المصرفية اليوم، تقنياً وبكل موضوعية، بين 15% و17%، لعملية صرف أي وديعة، بحسب سعر صرف السوق السوداء، وتحصيل ما تعادله بالـ»الفريش كاش».

 

الحقيقة المرة، التي علينا أن نقتنع بها في الوقت الحالي، أن الودائع المصرفية ليست لسوء الحظ مختبئة، في صناديق ما أو دهاليز، لكنها أُهدرت، وصُرفت وسُرقت. والمعنيّ الأول والمسؤول الأساسي باسترجاعها هو الدولة اللبنانية، التي صرفت وهدرت هذه الأموال. لكن لو توافرت النيات، كنا شاهدنا في هذه السنوات الثلاث الأخيرة، خطة إستراتيجية لبيع بعض العقارات، وإعادة هيكلة بعض المؤسسات، وبناء صناديق سيادية، لهذا الهدف.

 

لكن بعد ثلاث سنوات، من أكبر أزمة إقتصادية، وإجتماعية، ومالية ونقدية في العالم، لم تجرؤ الدولة على إتخاذ أي خطوة، أو مبادرة لتسديد الديون المتراكمة على عاتقها.

 

فالعملية الجارية عبر أمطار من التعاميم، (تعميم 151، 158، 161) التي بموجبها تُدفع بعض الودائع بـ»الملاليم» بخسارة أو «هيركات» يُراوح بين 75% و80%.

 

هذا يعني أن ليس هناك أي نية جدية من قبل الدولة لإسترجاع الودائع، وهدفها المبطّن هو دفعها بالليرة اللبنانية بالتقسيط، وبعد تراكم خسائر فادحة.

 

إضافة إلى ذلك، حتى قانون «الكابيتال كونترول»، الذي يتباحثون به منذ ثلاث سنوات، بدلاً من إقراره بعد أيام من الأزمة، يُبرهن أن لا نية جادة للتعامل مع هذه الكارثة وعملية النهب التي تتكامل، حيث لا يوجد بعدئذ أي «كابيتال» ولا نية أو قدرة على «الكونترول».

 

على صعيد المصارف، فهي تحت المقصلة، يربط حبل السكين الدولة التي لا تريد إصلاحها ولا إعادة هيكليتها، ولا حتى إفلاسها. فمصيرها معلّق بالهواء، مع مصير المودعين المفجوعين والمنهوبين. وحتى لو باعت المصارف بعض أصولها لن تستطيع استرجاع الودائع المتراكمة في المصرف المركزي، وقد أصبحت حبراً على ورق. وبعض المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، تطلب شطبها من سجلات المصرف المركزي.

 

ولو ذهبنا إلى أقصى الحدود، وأُفلست المصارف، مثلما البعض يطالب ويُراهن، فلن يُحصّل المودعون أكثر من 10% من الودائع، وبعد حروب ودعاوى ومحاكم طويلة الأمد.

 

أما في موضوع المردود من الغاز والبترول، الذي يعد السياسيون به، فعلينا أن نكون واقعيين، وندرك تماماً أننا لن نحصل على سنت واحد من المردود من هذه الموارد الطبيعية، سوى بعد سنوات بعيدة وطويلة، وإذا حصلت بأعجوبة، فستُهدرها الدولة، ويتقاسمها السياسيون، مثل عاداتهم التي باتت معروفة منذ عقود. ولن يرى المودعون المنهوبون منها سنتاً واحداً.

 

الحلّ الوحيد لإسترجاع الودائع تقنياً اليوم، هو فقط باستعادة الدولة الدورة الإقتصادية، وجذب الإستثمارات الخارجية، واستقطاب الدولار «الفريش» إلى السوق المحلية، وتنشيط الحركة والتبادل التجاري، وخصوصاً التصدير. فهذا هو الحل الوحيد لإسترجاع الودائع بالدولار وبالتقسيط، حسب الأرباح الجديدة التي سيتقاضاها الإقتصاد.

 

في الخلاصة، إننا نقفز من أزمة إلى أخرى، والجمود سيّد الموقف، وفقدان الثقة يزداد يوماً بعد يوم، بين اللبنانيين لبعضهم البعض، وأكثر مع الدولة، وأكثر بين المجتمع الدولي والدولة الفاسدة، ولا يوجد حتى الساعة أي نية حقيقية لمشروع إنقاذي، لا بل ثمة مشاريع تخريبية تتواصل، والتدمير يستمر، والشعب يدفع الثمن، ويُنهب يوماً بعد يوم.

د. فؤاد زمكحل

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات