كيف سيتمّ تحديد سعر الدولار عبر المنصّة؟

 

تنطلق المنصّة الالكترونية في اجواء لا يمكن البناء عليها للقول انّها ستحقّق الفرق الذي كان يأمل البعض حصوله لجهة تأمين نوع من الاستقرار المرِن في اسعار الصرف في السوق الحرة. وبانتظار ما ستؤول اليه مبادرة مصرف لبنان لإراحة اللبنانيين، لا يبدو انّ الراحة ستعرف طريقها الى الناس في المرحلة المقبلة.

من خلال التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان لاعلان آلية عمل المنصة الالكترونية، يتبيّن انّ بعض النقاط التي كان يشوبها الغموض جرى توضيحها، في حين بقيت نقاط أخرى غامضة الى حدٍ ما، وهو غموض مقصود وليس بالصدفة.

من أهم الامور التي توضحت، تلك المتعلقة بهوية من يحق له الحصول على الدولارات أو الليرات من المنصّة الالكترونية. وفي حين كان الاعتقاد السائد أنّ عمل المنصّة سينحصر بالمستوردين وبعض الجهات التي لديها مبررات مُقنعة لشراء الدولار، أوضح مصرف لبنان في تعميمه، انّ المصارف تستطيع عبر المنصّة «تأمين الحاجات التجارية والشخصية لعملائها، أياً تكن صفتهم، وفقاً للعرض والطلب في السوق». وهذا يضع حداً لأي التباس. في المقابل، يحدّد التعميم طريقة البيع والشراء، بحيث انّ المودع لا يستطيع، على سبيل المثال، تحويل جزء من وديعته الدولارية (لولار) الى دولار حقيقي من خلال عملية تحويل مباشرة تنصّ على احتساب سعر الدولار على المنصّة القديمة (Sayrafa) على 3900 ليرة، وشراء دولارات بالمبلغ. بل المطلوب ان يسحب المال بالليرة، ومن ثم يشتري نقداً الدولار الحقيقي من المنصة. في تبسيط للموضوع، لا يمكن البيع والشراء دفترياً بشكل مباشر عبر الحسابات المصرفية، بل ينبغي حصر العمليات بالاموال النقدية الورقية بالليرة وبالدولار.

النقطة التي بقيت غامضة عن قصد، هي تلك المتعلقة بثلاثة أمور:

اولاً- كيف سيتمّ تأمين المال لانطلاق العملية في كل مصرف على حدة؟ هل انّ مصرف لبنان سيخصّص مبلغاً مقطوعاً بالدولار للمصارف، ام انّ المصارف ستتعهد بذلك؟

ثانياً- ما هو السعر الذي سيجري تحديده لانطلاق العمل في اليوم الاول؟ هل سيتمّ اعتماد سعر السوق السوداء، ام سيتمّ تحديد سعر اكثر انخفاضاً؟ وفي هذه الحالة، كيف ستتأمّن الدولارات لتغطية المرحلة الاولى التي ستكون محصورة في الشراء بانتظار ان يتبرمج السعر الموازي في السوق السوداء، ويصبح مساوياً لسعر المنصة، وينتفي بذلك مبرر وجوده؟

ثالثاً- هل من كوتا يومية لحجم التبادل، خصوصاً لجهة بيع الدولار، ما دامت المشكلة تكمن في حجم الطلب على الدولار وليس في حجم الطلب على الليرة؟ وعندما تنفد الدولارات المخصّصة لعمل المنصّة من المصرف هل يتوقف عن البيع، ام انّ مصرف لبنان سيتدخّل عندها لضخ دولارات تلبّي الطلب؟ ومن أين سيموّل المركزي الصندوق الذي سينشئه للمنصة؟

رابعاً- اذا توقف الدعم في هذه الفترة بالتزامن مع انطلاق المنصّة، سيزيد الطلب على الدولار لزوم تأمين الاستيراد، وهو طلب كبير نسبياً يُقدّر حجمه مع احتساب التراجع المتوقع في الاستيراد بحوالى 500 الى 600 مليون دولار شهرياً. كيف سيتمّ امتصاص هذا الطلب؟

في المقابل، ستؤمّن المنصة الالكترونية شفافية كبيرة لانسياب الدولار في السوق الحرة، وسيصبح في مقدور مصرف لبنان مراقبة السوق بدقة، ومعرفة تحركات سوق الصرف بيعاً وشراءً، ومعرفة هوية من يشتري ويبيع، وبالتالي، سيكون في مقدور المركزي ان يعرف عندما تحصل مضاربات مشبوهة لأسباب تجارية أو سياسية. وهذا تطور ايجابي، خصوصاً في ظل التوجّس الموجود لدى البعض، من وجود مؤامرات دائمة تهدف الى رفع سعر الدولار اصطناعياً. وقد شهدنا هذا النوع من الشكوك عندما ارتفع الدولار الى 15 الف ليرة، واستدعى رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان وسأله عن اسباب هذا الارتفاع غير المبرّر. بوجود المنصّة يستطيع الحاكم ان يجيب بالتفصيل الممل ماذا يجري في السوق الحرة، ويبيّن اذا ما كان هناك من يشتري الدولار لمجرد زيادة الطلب ورفع السعر، وممارسة ضغوطات سياسية على هذا أو ذاك.

في المحصلة، ومن خلال مضمون التعاميم التي صدرت، ومن خلال الوقائع المعروفة سواء لجهة القدرات المالية لمصرف لبنان، أو لجهة السيولة الدولارية التي تستطيع ان تؤمّنها المصارف لسوق الصرف، يمكن التأكيد انّ سعر الليرة لن يكون ثابتاً بعد المنصّة، بل سيبقى عرضة لأهواء السوق المرتبطة بدورها بالحاجة والواقع. وبالتالي، واذا لم يطرأ جديد يخفّف من منسوب التشاؤم القائم، ومن الحاجة المتزايدة الى دولار غير متوفر، ينبغي ان نتوقّع استمرار انهيار الليرة في المرحلة المقبلة، ولن تكون المنصة اكثر من وسيلة لتشريع سوق الصرف الحرة، بدلاً من تركها في الشارع تحت مُسمّى السوق السوداء.

انطوان فرح.

الذهب: الدفع الصعودي مستمر . ماذا عن هذا الاسبوع

يظل سعر الذهب في اتجاه صعودي على المدى القريب من منظور تقني طبعا. يبدو أن الدعم المتزايد من أواخر مارس له منحى تصاعدي مستمر حتى الان . ومع ذلك ، يمكن أن يضعف سعر الذهب كحركة تصحيحية في اي وقت. يتوجي مراقبة المتوسط ​​المتحرك البسيط لـ 50 يومًا (SMA). استمرار  هذا الأمر ، اعاد سعر الذهب الى  اختبار منطقة المقاومة الرئيسية بين 1838 و 1845. أعلاه هس منطقة المقاومة من أغسطس. عند هذه المستوبات لا بد من التحسب لحالة تصحيح تراجعية…

اتجهت أسعار الذهب المضادة للعملة إلى الأعلى بحذر يوم الخميس ، لتعويض بعض خسائر اليوم السابق. في ذلك الوقت ، عزز تقرير أعلى بكثير من المتوقع لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي من التوقعات بإلغاء  الفيدرالي التدريجي لبرنامج الدعم  الاقتصادي  ، مما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية والدولار.
في العادة يكون هذا ضارًا بالمعدن الأصفر ، ولكن ليس هذه المرة اذ حركة السعر يوم الخميس لم تكن بمثابة إعادة معايرة لتوقعات السياسة النقدية.
في حديثه خلال الاسبوع الماضي ، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس جيمس بولارد إنه “من السابق لأوانه الحديث عن خفض مشتريات السندات. وردد لهجة البنك المركزي المتشائمة حول أسواق السندات.” انخفاض أسعار السلع الأساسية ، من النفط الخام إلى قد يكون النحاس قد خفف من معنويات السوق أكثر.
خلال الـ 24 ساعة المتبقية من الاسبوع الماضي، اتجهت كل الأنظار إلى مبيعات التجزئة الأمريكية وبيانات المعنويات من جامعة ميشيغان. لم تؤدّ النتائج إلى دفع أسعار السندات إلى الارتفاع مرة أخرى وتعرض او الى تعرض الذهب للخطر. 

هذا الاسبوع يبقى الاتجاه صعوديا مع الخشية من تصحيح  تراجعي او تحصين افقي  محدود باتت الحاجة اليه واضحة خاصة مع غياب المواعيد المهمة التي يعوَّل عليها عادة لدعم الاسعار.

أزمة الرقائق الإلكترونية

ما زال وباء «كورونا» يلقي بظلاله على الأسواق العالمية، ولكن هذه المرة على الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، تلك القطع التي لا يمكن الاستغناء عنها في صناعات كثيرة وجوهرية مثل السيارات والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية؛ ابتداء من محمّصات الخبز حتى غسالات الملابس. وتعاني هذه الصناعات من النقص الحالي في كميات الشرائح الإلكترونية، مما أربك عملياتها الصناعية وأثر حتى على توقعات أرباحها.
وتأثر عرض الرقائق الإلكترونية بثلاثة أسباب: أولها اختلال ميزان الطلب أثناء وباء «كورونا»، حيث توقفت مصانع السيارات عن العمل أثناء وباء «كورونا»، بينما نشطت الصناعات التقنية، مثل الأجهزة الذكية والكومبيوترات وأجهزة الألعاب بسبب زيادة الطلب عليها أثناء إجراءات الحجر الاحترازية. إلا إن الطلب عاد مرة أخرى لمصانع السيارات وبشكل أسرع من المتوقع، وهو ما لم تأخذه مصانع الرقائق الإلكترونية في الحسبان. وسبق لشركة «سامسونغ»؛ وهي من كبرى 3 شركات في تصنيع الرقائق الإلكترونية، التحذير من هذا النقص قبل نحو شهرين. كما أن هذه الصناعة تأثرت وبشكل كبير بالعقوبات الأميركية على الشركات الصينية، والتي أثرت على سلاسل الإمداد للرقائق الإلكترونية؛ مما أضعف قدراتها الإنتاجية. أما السبب الثالث فهو احتكار هذه الصناعة ضمن عدد قليل من المصانع، حيث تشكل شركات «سامسونغ» الكورية، و«إنتل» الأميركية، و«تي إس إم سي» التايوانية، النصيب الأكبر من هذه الصناعة، وعندما تأثرت هذه الشركات الثلاث تأثرت سوق الرقائق الإلكترونية بالكامل، ويتضح تأثير هذه الشركات الثلاث من معرفة أن 80 في المائة من مصانع السيارات تستورد الرقائق الإلكترونية من الشركة التايوانية «تي إس إم سي».
يذكر أن السيارة الواحدة في المتوسط تحتوي على ما بين 50 و150 من هذه الرقائق.
وبناء على هذا النقص الحاصل، فقد تتأثر مبيعات وأرباح كثير من الشركات في هذا العام، فعلى سبيل المثال، تشير التوقعات إلى أن إنتاج «فورد» للسيارات سوف يقل بنحو 1.1 مليون سيارة، مما قد يعني انخفاض أرباح الشركة بنحو 2.5 مليار دولار. كما أن مصنع «بي إم دبليو» للسيارات في بريطانيا توقف عن العمل لمدة 3 أيام بسبب هذا النقص. أما شركة «فولكس فاغن» الألمانية؛ فقد أعلنت أنها قد توقف بعض خطوط الإنتاج في المكسيك الشهر المقبل. وفي الهواتف الذكية، يُتوقع أن تنخفض مبيعات شركة «أبل» في الربع الثاني من 3 إلى 4 مليارات دولار بسبب تأثر الإنتاج في الأجهزة اللوحية والكومبيوترات.
أما بالنسبة للأفراد، فقد يكون هذا التأثر على نوعين: النوع الأول هم المستهلكون، الذين قد ترتفع عليهم تكلفة السيارات والأجهزة بسبب ارتفاع تكلفة الرقائق الإلكترونية، وبسبب نقص الإنتاج والعرض في السوق، ويتوقع أن تزيد أسعار بعض السيارات في هذه السنة مقارنة بالعام الماضي بنسبة 8.4 في المائة، وفي المتوسط قد تزيد أسعار السيارات والأجهزة بنسبة 5 في المائة. والنوع الثاني هم المستثمرون، فانخفاض الأرباح قد يؤثر بشكل واضح على أسعار الأسهم، لا سيما أن الأسواق العالمية شهدت ارتفاعاً عاماً خلال الأشهر القليلة الماضية بدعم من التفاؤل بتجاوز الوباء.
ويبدو الأمر المهم الآن هو كيفية إيجاد حل لهذا النقص في الأسواق، فالرقائق الإلكترونية ليست باهظة الثمن، وليست معقدة التصنيع، إلا إنه لا يمكن الاستغناء عنها في كثير من الصناعات، ومع ذلك؛ فإن استثمار الشركات فيها لا يتناسب مع العرض الحالي في الأسواق، ولذلك فقد أعلنت شركة «إنتل» أنها مستعدة لاستثمار ملياري دولار لبناء مصانع للرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، مستندة إلى قرار الحكومة الأميركية الذي يدعم هذه الصناعات من ناحية حوافز البحث والتطوير وكذلك الحوافز الصناعية. كما أعلنت كذلك شركة «تي إس إم سي» أنها سوف تستثمر أكثر من 100 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة في تطوير مصانعها وزيادة إنتاجيتها.
لقد كشّف الوباء جوانب قصور كثيرة في الأنظمة العالمية، وبعد أن اتضحت جوانب القصور في القطاعات الصحية، تتضح الآن آثار الوباء على سلاسل الإمداد العالمية، والتي لطالما حذر الخبراء منها، فمصنع السيارات في الولايات المتحدة يعتمد على رقائق إلكترونية من كوريا وتايلاند، وحينما اختل ميزان العرض والطلب لمدة قصيرة، اختلت معه الأسواق لفترة قد لا تكون قصيرة، وقد تمتد حتى ما بعد هذا العام إلى العام المقبل. وهو يوضح أن العالم، رغم تقدمه، ما زال ضعيفاً في كثير من جوانبه، والدليل أن صناعة جوهرية واستراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية، تعتمد بشكل أساسي على 3 شركات فقط!

تقلص عدد سكان الصين يؤكد التوقعات المناخية

لا يزال يتعين على العالم أن يدرك التحول التكتوني (تحول تدريجي في قشرة الكرة الأرضية) الذي سيحدث عندما يبدأ عدد سكان الصين في التقلص. صحيح أن هذا الأمر الذي طال انتظاره لم يحدث في عام 2020، وفقاً للبيانات الرسمية، لكن من المحتمل أن يحدث قريباً. من المنظور المناخي، يعد انخفاض عدد السكان خبراً ساراً لأن قلة أعداد الناس تعني انخفاض الانبعاثات. وكما هو الحال مع العديد من حالات عدم اليقين المحيطة بمستقبل الكوكب، من الصعب توقع بدقة تأثير الكربون جراء انخفاض عدد السكان.
يشيخ سكان الصين بسرعة والسبب هو سياسة الطفل الواحد، لكنّ صانعي السياسة هناك يأملون في أن يؤدي إنهاء سياسة الطفل الواحد في عام 2016 إلى تشجيع المزيد من الولادات. ومع ذلك، لم يرتفع معدل المواليد في البلاد ولا يزال أقل بكثير من المستوى المطلوب لزيادة عدد السكان – ربما لأن قاعدة الطفل الواحد استمرت لفترة طويلة بات من الصعب تغيير النمط السكاني بعدها، ولأن الدخل في البلاد آخذ في الارتفاع. وقد يكون الوباء الذي تفشى خلال عام 2020 قد أدى أيضاً إلى انخفاض معدلات الخصوبة.
وستؤدي معدلات الخصوبة المنخفضة حتماً إلى انخفاض تعداد سكان الصين. ففي عام 2017، توقع مجلس الدولة الصيني أن يبلغ عدد سكان البلاد ذروته في عام 2030، وفي العام الماضي، أصدرت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دراسة توقعت أن الانخفاض سيبدأ في عام 2027. وتشير التقارير الإخبارية التي يُفترض أنها تستند إلى بيانات التعداد الصيني، إلى أن عدد السكان قد بدأ بالفعل في الانخفاض في عام 2020. لكن الحكومة الصينية أكدت خطأ هذه التقارير، حيث تظهر البيانات الرسمية زيادة طفيفة للغاية، من 1.40 مليار في عام 2019 إلى 1.41 مليار العام الماضي. لكن من الواضح لمعظم المراقبين أن عدد السكان الصينيين سيبدأ في التقلص قريباً، إن لم يكن قد بدأ بالفعل.
يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة لقضية المناخ، لأن الصين هي أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، والمزيد من الناس يعني المزيد من الانبعاثات وزيادة عدد السكان المعرضين لخطر تغير المناخ. وبحسب ما ورد في ورقة بحثية حديثة نشرتها مجلة «وقائع أكاديمية العلوم الوطنية الأميركية»، فإن «حجم السكان، على المدى القريب والبعيد، هو المحدد الرئيسي لسياسة المناخ: فعدد السكان الكبير يتبعه المزيد من الانبعاثات وبالتالي هناك حاجة إلى المزيد من التخفيف لتحقيق هدف مناخي معين، وهذا يعني أيضاً أن المزيد من الأشخاص في المستقبل سيكونون عرضة للتأثيرات المتعلقة بالمناخ».
إلى أي مدى نستطيع الجزم بصحة هذه الصلة؟ إن تأثير السكان على انبعاثات الكربون بلا أي سياسة أو تغييرات تكنولوجية ليس ثابتاً تماماً لجميع الأشخاص، وذلك نظراً لبعض التفاصيل المهمة؛ منها الفئة العمرية وأنماط الاستهلاك. لكن بصفة عامة، فإن تراجع عدد الناس يعني تراجع الانبعاثات نسبياً. ضع في اعتبارك مقارنات «المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة»، وهي تقديرات تُستخدم دولياً لتقييم السكان في المستقبل كما يلي: يُظهر «مسار 1» المنخفض عدد سكان العالم 8.5 مليار بحلول عام 2050، في حين أن توقعات خط الأساس «مسار 2» لتلك السنة هي 9.2 مليار، بفارق نحو 8 في المائة. وبالمثل، من المتوقع أن تنخفض انبعاثات مكافئ الكربون بنسبة 5 في المائة إلى 10 في المائة تقريباً في عام 2050، بحسب سيناريو «مسار 1» مقارنة بخط الأساس «مسار 2».
من الجدير بالملاحظة أن تأثيرات الخيارات السكانية غالباً ما يتم تقييمها على أنها أكبر من الناحية المادية من التغييرات الأخرى المنطقية التي يمكن إجراؤها للتخفيف من تغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى ثلاثة محاذير لهذا الجانب المشرق: أولاً، تفترض التوقعات المناخية بالفعل أن عدد سكان الصين سيتقلص؛ القصد هنا هو أن التراجع يبدو أنه يحدث بسرعة أكبر مما أشارت إليه معظم التوقعات الرسمية.
يعتمد تأثير التغير السكاني البطيء أو الأسرع على اتخاذ إجراءات أخرى لحماية المناخ. ضع في اعتبارك، على سبيل المثال، سيناريو يعتمد فيه بلد ما حدوداً ملزمة للانبعاثات، ويتطلب تصريحاً قابلاً للتداول لكل وحدة من وحدات الانبعاثات. قد يمارس المزيد من الأشخاص في هذا البلد ضغطاً تصاعدياً على سعر التصاريح، لكن لن يؤثر ذلك على المستوى الإجمالي للانبعاثات، لأن ذلك سيظل مقيداً بالحدود القصوى.
وتُظهر الأمثلة الأقل تطرفاً ظاهرة مشابهة؛ إذ تتفاعل التأثيرات السكانية وتخفيف المناخ مع بعضها البعض، ما يجعل تقييم تأثير السكان وحده أكثر صعوبة. ومع ذلك، في معظم السيناريوهات، تقلص أعداد الناس يعني انبعاثات أقل.
أخيراً، ستكون هناك حاجة إلى ابتكارات تكنولوجية ضخمة لتغيير مسار الانبعاثات المناخية. ففي ظل التقنيات الحالية، وما لم نكن مستعدين لدفع أقساط بيئية عالية بشكل غير معقول في بعض الأحيان لتقليل الانبعاثات، فإن العديد من الأنشطة اليومية – ليس فقط السفر الجوي ولكن أيضاً إنتاج الصلب وشحن الحاويات – ستستمر في إخراج انبعاثات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري. وبالتالي سيكون الابتكار ضرورياً لمستقبل مناخي أفضل. لكن مع وجود عدد أقل من الناس، كما أكدت مجلة «الإيكونوميست» وغيرها، قد يكون لدينا أفكار جيدة أقل حول كيفية الابتكار. لذا فإن قلة الناس ليست بالضرورة النعمة المناخية الواضحة التي يجري طرحها غالباً.
قد تتطلب منا معالجة تغير المناخ الخوض في موضوعات محرجة محتملة، بما في ذلك الطاقة النووية والهندسة الجيولوجية. ورغم أن تأثير التركيبة السكانية قد لا يكون على رأس جدول أعمال مؤتمر غلاسكو للمناخ في وقت لاحق من العام الجاري، فإن الحقيقة القاسية هي أن الانخفاض السكاني الوشيك في الصين وفي وقت أقرب من المتوقع سيحمل لا ريب بين طياته فوائد مناخية.

 

الانفراج بين أزمة جيدة وأزمة تعيسة

مع توالي الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية تتردَّد على مسامعك مقولة متكررة منسوبة لحكمة من الصين تعني في لغتها «أن الأزمة نعمة ونقمة في آن واحد»، فتتعجب، ما بال أقوام لا يصيبهم من الأزمات إلا نقماتها، وأين تذهب هذه النعم؟ وقد تتذكر أن حكم وأمثال الأزمات ليست قاصرة على أهل الشرق؛ فمن المنسوب لونستون تشرشل الزعيم البريطاني، الذي لم تخل مسيرة حياته السياسية من أزمات وكوارث، وانتصارات أيضاً، أنه قال «إياك أن تضيع أزمة جيدة». وأصول الحكمة التشرشلية، شائعة الاستخدام في يومنا هذا، ترجع لأستاذ مدرسة انتهاز الفرص، السياسي الإيطالي الأشهر نيكولو ميكافيلي صاحب كتاب «الأمير» الصادر في عام 1532، حيث أوضح ما قد تجود به الأزمات الجيدة من فرص. وتجد عموم الناس أمام الأزمات في قلق وارتياب، وترى الساسة وصناع القرار حيال الأزمات بين منكر ومؤكد، ومستسلم ومصارع، ومدمر ومنقذ.
في أواخر الثمانينات من العقد الماضي تابعت حديثاً طريفاً كان طرفاه أستاذين من جيل الرواد الأكاديميين في الاقتصاد والعلوم السياسية، الأول هو أستاذ التخطيط الدكتور عبد الفتاح قنديل، والآخر هو الدكتور إبراهيم صقر، أستاذ العلاقات الدولية. وكان الاستماع إليهما، رحمهما الله، ممتعاً ومفيداً. وكان محور حوارهما هو طبعة جديدة من كتاب شهير صدر في أواخر الأربعينات للكاتب والروائي الأميركي تشارلز هاريسون تحت عنوان «شكراً لله لإصابتي بأزمة قلبية». وطفقا يعددان الدروس والخبرات التي جاءت في الكتاب التي كان ينشد بها الكاتب إعلام قرائه بنظام حياة أكثر انضباطاً في مراعاة الإرشادات الصحية والغذائية، وبدا لي من سياق الحديث أن أحد الأستاذين قد بدأ يشكو من علة بالقلب وأن الأزمة نذير وتوجيه لبداية طريق جديدة. ثم انتقل الحديث من الخاص إلى العام، بحكم تخصصهما، عن ضرورة الانتفاع المبكر من شرور الأزمات في صياغة السياسات العامة في إطار أن «رُبَّ ضارة نافعة». وتمر السنوات منذئذ بأزماتها الضارة والنافعة لا يفرق بين نتائجها إلا القدرة المبكرة على التعامل مع الأزمات بحسم وفاعلية.
ولم نعدم خلال العامين الماضيين من أزمات شتى سببتها جائحة كورونا وتوابعها الاقتصادية والا%D

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات