استثمارات ما بعد «كورونا»

بعد تجاوز عديد من الدول مرحلة الذروة بإصابات فيروس كورونا، بما في ذلك دول أوروبا بمجملها، وإعلان بعض الدول إعادة النشاط الاقتصادي، ولو بشكل جزئي. بدأ التفكير في استثمار التغييرات الممكنة بعد «كورونا»، وبعض هذه التغييرات جلي مثل التغير في منهجيات وتشريعات البحث العلمي في كثير من الدول، وما يصاحبها من تغيير في الاستثمارات، ومثل سياسات الاكتفاء الذاتي في الكثير من الصناعات والقطاعات الاستراتيجية كالأغذية والأدوية والمستلزمات الأساسية، وما يصاحبها من أنشطة اقتصادية. كذلك سيشمل الكثير من القطاعات التي لم تخف أهميتها قبل الأزمة، ولكن التغييرات التي قد تطرأ عليها قد تكون جذرية، مثل القطاعات اللوجستية والمالية والأجهزة الطبية الوقائية والتجارة الإلكترونية وقطاع التجزئة. وأهمية معرفة هذه القطاعات تكمن في التوجه الاستثماري المحتمل لها حال انتهاء الأزمة، وعدم ارتباط استمراريتها بالأزمة.
فالقطاع اللوجستي سوف يواجه الكثير من التحديات في مرحلة ما بعد «كورونا»، وأول هذه التحديات هو تعقيم البضائع الذي قد يستمر لفترة طويلة بعد «كورونا»، فلا وجود لتقنيات تجارية حالية بإمكانها تعقيم البضائع. وإن وجدت هذه التقنية، فيجب أن تعقم البضائع دون إفسادها، وفي ذلك تحدٍ كبير كون السلع المشحونة تختلف من الأغذية المعلبة إلى الورقيات التي قد تفسد من السوائل المستخدمة في التعقيم، وغيرها من البضائع. وهذا يعني أن صناعة جديدة سوف تظهر، صناعة لم تكن موجودة قبل «كورونا». أما على المستويات المحلية، فكل دول العالم الآن أدركت أهمية تنمية القطاع اللوجستي داخلها، وهو ما يعني أن الخدمات اللوجستية المحلية بكل الأطراف الداعمة لها سوف تشهد ثورة في الدول ذات البنية التحتية الضعيفة، يقابل هذه الثورة عدم يقين بمستقبل قطاع التجزئة لم يسبق له تاريخياً أن واجه شللاً، كما يواجه الآن. وحجم قطاع التجزئة يزيد على 25 ترليون دولار عالمياً، وهو قطاع مملوك من شركات كبرى قد لا تسمح أن تواجه موقفاً مشابهاً في المستقبل، ولذلك فمن المتوقع أن يشهد هذا القطاع تغيراً يمكنه من الحفاظ على مكانته. وبالتأكيد فإن التجارة الإلكترونية هي إحدى أكبر الرابحين في هذه الأزمة، ولعل أوضح مثال على ذلك ارتفاع أسهم شركة «أمازون»، بما يزيد على 30 في المائة.
أما بالنسبة للقطاع المالي، فإن لم يكن تفكير الحكومات جاداً في العملات الإلكترونية قبل «كورونا»، فقد يكون كذلك بعد هذه الأزمة، والملاحظ أن الكثير من الدول قللت من التعامل بالعملات الورقية، واستبدلتها بالتعاملات الإلكترونية والمدفوعات عن طريق البطاقات الائتمانية، وذلك لمنع انتشار الفيروس عن طريق تداول العملات النقدية. والعملات الإلكترونية – إن فعلا بالآلية المناسبة – ستكون أقل تكلفة على الحكومات من العملات المحسوسة. وفي الوقت الحالي، لا توجد حكومة مستعدة لإطلاق عملة إلكترونية حكومية باستثناء الصين التي بدأت هذا المشروع منذ 5 سنوات تقريباً، وفيما عداها عملات تابعة لشركات، كان آخرها عملة «فيسبوك» التي قد لا ترى النور بسبب المشكلات التي واجهتها مؤخراً.
إن التركيز في الوقت الحالي ينصب على التقنيات التي تساعد في تجاوز الأزمة، ولكن التقنيات التي ستطور لضمان عدم حدوث الكارثة مرة أخرى قد تفوقها، كمّاً وانتشاراً، خصوصاً مع ارتفاع القيمة الاقتصادية لهذه التقنيات، كون الحكومات ستتسابق لشراء هذه المنتجات بهدف الوقاية من انتشار الفيروس. وإن كان الأطباء وعلماء العلوم الحياتية الآن يسعون للبحث عن لقاح للفيروس، فهناك جانب آخر من البحث العلمي يعمل على إيجاد الفرص الاستثمارية والتقنيات الواعدة لمرحلة ما بعد الفيروس. فالسوق متغيرة لا محالة، وصناعات عدة سوف تظهر لم تكن موجودة من قبل، وأخرى كانت مهددة بالانهيار، وزادتها الأزمة ضعفاً مثل قطاع التجزئة. والمؤكد أن عديداً من الشركات سوف تصبح من كبريات الشركات بعد انتهاء الأزمة، سواء لحسن التخطيط واستثمار الفرص، أو لمجرد الحظ والتوفيق، كما هو الحال لبرنامج «زووم»، الذي زاد مشتركوه بنسبة 700 في المائة في أقل من شهرين. والشركات، وإن لم تمارس نشاطها التجاري، في هذه الأوقات الصعبة، يجب ألا يقف نشاطها التخطيطي وعصفها الذهني للبحث عن فرص الاستثمار لما بعد هذه المرحلة.

د. عبدالله الردادي.

عودة بطيئة للنمو الاقتصادي

من المحتمل، مع اقتراب شهر مايو (أيار)، أن نشهد عودة بطيئة للنمو الاقتصادي في بعض أنواع الأنشطة الاقتصادية التي مُحيت آثارها تماما بسبب إغلاقات فيروس «كورونا» في مارس (آذار) الماضي وأبريل (نيسان) الجاري. وهذا من قبيل الأنباء السارة. أما الأنباء السيئة، وكما شهدنا في قطاع النفط خلال الأسبوع الجاري، لا يزال جانب كبير من الاقتصاد يعاني من فائض كبير في العرض، لقاء مستويات الطلب المحتملة في المستقبل المنظور. ومن المرجح لمجريات الشد والجذب، والتداعيات المتعاقبة المحتملة، أن تحدد المسار القادم للاقتصاد خلال الشهور القليلة المقبلة.
ومن السهل التيقن إلى درجة ما أن بعض أوجه النشاط الاقتصادي قد وصلت بالفعل إلى القاع. وبعد كل شيء، لا يمكن للنشاط الاقتصادي أن يجاوز ما دون الحد الصفري على الإطلاق. وتشير بيانات مؤسسة «أوبن تيبل» البحثية إلى أن حجوزات المطاعم عبر الإنترنت قد انخفضت بنسبة 100 في المائة بسبب قرارات الإغلاق الإلزامية لمختلف المطاعم والمقاهي. ومن شأن ذلك أن يمثل «مُنْخَفَضاً» لأجزاء معتبرة من حياتنا اليومية الأكثر تأثرا – وربما تضررا – من قرارات الإغلاق. وربما لمتاجر البقالة ومنافذ الوجبات السريعة – على سبيل المثال، أن تشهد ارتفاعا طفيفا في حركة الطلب والمرور مع تطبيق التغييرات ذات الصلة بالسلامة التي تبعث على ارتياح العملاء مع ارتداء الأقنعة الواقية والالتزام بإرشادات التباعد الاجتماعي المعروفة.
وحتى قبل رفع القرارات الإلزامية بالبقاء في المنازل، فهناك علامات مؤقتة على التحسن البطيء للغاية في بعض المجالات الاقتصادية. فلقد ازداد الطلب على وقود السيارات للمرة الأولى في الأسبوع الماضي منذ بدء تنفيذ قرارات الإغلاق، مع تطلع الناس الشديد للخروج من المنازل ولو قليلا، حتى مع استمرار الشركات والأعمال غير الضرورية قيد الإغلاق الإلزامي. وتعكس البيانات اليومية الصادرة عن إدارة أمن النقل ارتفاعا طفيفا في عدد المسافرين بالطائرات الذين يمرون عبر بوابات التفتيش الأمنية.
ولقد شهد إجمالي الإنفاق في المطاعم انخفاضا بصورة أقل على أساس سنوي خلال الأسابيع القليلة الماضية، ربما مع شعور العملاء بارتياح أكبر مع خيارات طلبات الطعام الجاهزة، والتوصيل إلى المنازل. وأظهر مسح لبناء المنازل لدى مؤسسة «جون بيرنز للاستشارات العقارية» أسبوعين متتاليين من تحسن معنويات العملاء. كما أظهرت بيانات الأسبوع الجاري لدى «رابطة مصرفيي الرهن العقاري» أول زيادة متتالية في طلبات شراء الرهن العقاري منذ بدء قرارات الإغلاق. ومع التباطؤ الذي شهده النشاط الاقتصادي حتى قبل تطبيق الولايات لقرارات الإغلاق، فليس من المستغرب أن يتعافى النشاط الاقتصادي بصورة طفيفة قبل وقف العمل بهذه القرارات.
ومع التخفيف التدريجي لقرارات لزوم المنازل خلال الشهر المقبل، من المنتظر أن تشهد العديد من أنواع الأعمال التجارية القليل من التحسن. وسوف يقضي الناس المزيد من الوقت في قيادة السيارات واستهلاك الوقود في مايو مقارنة بما جرى في أبريل. ومن شأن السفر الجوي أن يرتفع الشيء القليل أيضا. مع توقعات باستهلاك المزيد من وجبات المطاعم، إما داخل المطاعم نفسها أو عبر خدمات التوصيل إلى المنازل. ومن المتوقع إعادة افتتاح أماكن في لاس فيغاس من منتصف حتى أواخر مايو، مما يعني ارتفاع معدلات الإشغال الفندقي هناك أكثر من شهر أبريل.
وهناك رياح معاكسة قادمة من محيط التحفيز المالي، مع عشرات الملايين من المواطنين الأميركيين الذين يحصلون على شيكات الإغاثة المالية خلال الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من استمرار معالجة الأعمال المتراكمة المتأخرة، فإن الملايين من العمال المسرحين من وظائفهم، وغيرهم من العمالة بالأجرة، صاروا يحصلون على منافع البطالة المحسنة التي ترجع إلى تواريخ توقفهم عن ممارسة أعمالهم. كما تحصل الشركات المختلفة أيضا على مئات المليارات من الدولارات عبر برنامج حماية الرواتب.
وهذا أيضا من قبيل الأنباء السارة. ولكن هناك أيضا أنباء سيئة، فعلى النحو المشاهد بصورة بارزة في أسواق النفط العالمية خلال الأسبوع الجاري، فإن العديد من المجالات الاقتصادية لديها قدرات زائدة بشكل مذهل، حتى مع ارتفاع الطلب خلال الشهور القليلة المقبلة. ومن شأن إغلاق السعة المفرطة مع تعديل هياكل التكاليف لقاعدة الإيرادات المنخفضة أنه سوف يرجع بآثار سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي الإجمالي.
ومن السهل تصور مقدار الانكماش الكبير في النشاط والاستثمار في إنتاج النفط والغاز الأميركي. فمن واقع بيانات الربع الأخير من عام 2014 وحتى الربع الثاني من عام 2016، انخفضت الاستثمارات الثابتة في عمليات الاستكشاف، وحفر الآبار والأعمدة بنسبة 65 في المائة، الأمر الذي أدى إلى الكثير من الأوجاع الاقتصادية المركزة في ولايات مثل تكساس ونورث داكوتا… ويمكن أن نشهد مثل هذه الأوجاع لعدة أرباع فصلية أخرى أو أكثر مما يماثل ذلك.
وفي الأثناء ذاتها، وعلى صعيد الطيران، فمن المرجح لشركات الطيران أن تعمل على تقليص طاقتها خلال شهور الصيف. وإن لم يشهد هذا القطاع المهم انتعاشا سريعا في الطلب على السفر الجوي بأكثر مما هو متوقع، فسوف تحتاج الشركات في خاتمة المطاف إلى الإقلال من عدد الموظفين أو زيادة رؤوس الأموال.
وتعتبر الآفاق مريعة كذلك بالنسبة لحكومات الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة، والتي تعاني من انخفاض كبير في إيرادات الضرائب، مما يتعين عليها اتخاذ خيارات عسيرة فيما يتعلق بالميزانيات المالية لعام 2021، وباستثناء تمرير تشريع جديد للمساعدة المالية من قبل الكونغرس، فمن شأن ذلك التأثير بشدة على النمو الاقتصادي في الربعين الثاني والثالث من العام على أقل تقدير.
لكن على الأقل بعد مرور شهر من الأنباء التي كانت سلبية بصورة مستمرة، فمن شأن الصورة الاقتصادية العامة في شهر مايو المقبلة أن تكون مختلطة. بعض المناطق والصناعات سوف تفيق من الغيبوبة في حين تعاني مناطق وصناعات أخرى من صدمات جديدة بسبب انقطاع القدرات. ولن تكون إعادة فتح النشاط الاقتصادي وحدها كافية لإعفاء صناع السياسات من مسؤولياتهم في الاضطلاع بالمزيد من المهام، لا سيما فيما يتصل بميزانيات البلدات والمحليات المتضررة للغاية. وتحديد مقدار المطلوب يتوقف على مدى تقدم وباء «كورونا» وشكل الانتعاش الاقتصادي المنتظر. ربما يكون أسوأ مراحل العاصفة قد انقضى ولا تزال أمامنا العملية الشاقة لإعادة البناء.

كونور سين

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات