اليورو الى المزيد من الخسائر؟

المؤتمر الذي عقده اعضاء المجلس الاوروبي نهاية الاسبوع الماضي عبر الفيديو  لم يفعل الا فعلا سلبيا جديدا في السوق نتيجة للانطباع الذي تعزز حول التباطؤ المستمر في اتخاذ قرارات لا بد ان تكون سريعة وحاسمة لمواجهة وباء كورونا الذي يعصف بالاقتصاد الاوروبي بعنف شديد.

إلى ذلك فان  الانهيار في مؤشر مديري المشتريات المركب لمنطقة اليورو في أبريل والذي تنظمه شركة  Markit  إلى 13.5 ، وهو أدنى مستوى قراءة له منذ بدء المسح في منتصف عام 1998 ، هذا الانهيار الحاد يجعل من الصعب رؤية أي شيء آخر سوى المزيد من الانخفاض في اليورو.
أنه “مؤشر على انكماش اقتصاد منطقة اليورو بمعدل ربع سنوي بنسبة 7.5٪ تقريبًا” ومن المرجح ان “الربع الثاني يبدو على وشك تسجيل أعنف تراجع شهدته المنطقة في التاريخ الحديث “.

سعر اليورو في خطر المزيد من الخسائر؟

الى ذلك تجدر ايضا الاشارة الى مرشر GfK لثقة المستهلك الألماني ، والذي انخفض إلى ناقص 23.4 – من + 2.3 إيجابية في الشهر السابق ؛ وهذه نتيجة اشد تراجعا من التوقعات على -1.7نقطة.

على هذه الخلفية ، لم يكن من المفاجئ أن يستمر اليورو / دولار  في الانخفاض ، مع غياب اية  إشارات حتى الآن على أن هذا الاسوع سيشهد انعكاسًا في الاتجاه، ما لم يكن هناك تفجر تفاؤلي مستجدوغير متوقع في  سوق يشهد هروبًا الى الأمان النسبي ويشتري الدولار كعملة ملاذ مفضلة ترافقا مع الهروب من عملات أكثر خطورة ومنها اليورو.

في الوقت نفسه ، تم التركيز على الوتيرة البطيئة لصنع القرار في منطقة اليورو مرة أخرى الأسبوع الماضي حيث اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي مرة أخرى ، عبر مؤتمر فيديو ، لاتخاذ قرار بشأن رد الاتحاد الأوروبي على تفشي مرض Covid-19. كان هذا الاجتماع الرابع من نوعه عبر الفيديو ، وكان يهدف إلى الاتفاق على عمل مشترك ، مع التركيز على السوق الموحدة ، وجهود الاستثمار ، والعمل العالمي وعلى الحوكمة الأفضل والمرونة.

وهذا يتناقض مع الإجراءات الأكثر سرعة لمكافحة التأثير الاقتصادي للوباء والتي نشهدها بقوة في  دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، وقدم سببًا آخر للتشاؤم بشأن التوقعات بالنسبة لليورو.

الأسبوع الحالي يجب الانتباه الى موعد  اجتماع البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس. وحيث يكاد يكون من المؤكد الإبقاء على جميع أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير ، ولكن ، كما كان الحال دائمًا ، سيكون المؤتمر الصحافي لرئيسة المركزي والذي يعقب الاجتماع هو الذي يمكن أن يحرك الأسواق.
ايضا اجتماع الفدرالي الاميركي ينتهي يوم الاربعاء ومن شانه ايضا التأثير على الدولار نسبيا ان حمل مفاجآت غير متوقعة.

أما بالنسبة للبيانات الاقتصادية ، فهناك الكثير من الأرقام التي من شأنها أن تؤثر عادة على أسعار الصرف ، ولكن في هذه الأوقات الاستثنائية ، من غير المحتمل أن تفعل ذلك بقوة حيث ان مؤثرات الازمة الحالية وتطوراتها ستبقى هي المؤثر الاول والابرز.
تشمل هذه الأرقام مبيعات التجزئة الألمانية يوم الاثنين ، وثقة منطقة اليورو والتضخم الألماني يوم الأربعاء ، ومجموعة من الإحصاءات يوم الخميس بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي والإيطالي في الربع الأول ، والبطالة الألمانية ومنطقة اليورو ، والتضخم في منطقة اليورو.

النفط : أسبوع من الاضطراب للخام ومزيد من الألم في الطريق

تجلى الحجم الكامل للضرر الذي لحق بصناعة الطاقة في 20 أبريل نيسان عندما انخفض السعر المرجعي للعقود الآجلة للخام الأمريكي إلى مستوى لم يكن ليخطر على البال، وهو سالب 38 دولارا للبرميل.

ولم ينخفض السعر قط إلى ما دون العشرة دولارات للبرميل على مدى 40 عاما تقريبا هي عمر العقد.

وفي غضون بضعة أشهر فقط، وفي ظل توقف مليارات الأشخاص عن السفر، دمرت جائحة فيروس كورونا الطلب على الوقود على نحو عجزت عنه الانهيارات المالية والركود والحروب – إذ صار لدى الولايات المتحدة من النفط ما لا تجد مكانا لتخزينه.

وفي حين أن الظروف غير المعتادة لأسعار النفط السالبة قد لا تتكرر، فإن كثيرين في الصناعة يقولون إنها نذير مزيد من الأيام الصعبة وإن سنوات الاستثمار المفرط في النفط لن تُصحح في غضون أسابيع أو حتى شهور.

وقال فريدريك لورنس نائب الرئيس للاقتصاديات و الشؤون الدولية في رابطة البترول الأمريكية المستقلة ”ما حدث في العقد الآجل ذلك اليوم أشار إلى أن الأمور بدأت تسوء أسرع من المتوقع“.

وأضاف ”شركات خطوط الأنابيب ترسل إشعارات بأنها لا تستطيع أخذ مزيد من النفط الخام. يعني ذلك إغلاق البئر ولو بأثر رجعي“.

الأدلة على تآكل القيمة لمنتج عالمي لا غنى عنه منذ أواخر القرن التاسع عشر تواترت في أنحاء العالم الأسبوع الماضي.

ففي روسيا، وهي من أكبر المنتجين في العالم، يدرس القطاع اللجوء إلى حرق النفط لحجبه عن السوق، حسبا ذكرته مصادر لرويترز.

وخفضت شركة النفط النرويجية العملاقة إكوينور توزيعات أرباحها الفصلية بمقدار الثلثين. وتصدر الأسبوع المقبل تقارير نتائج أكبر شركات النفط في العالم بما في ذلك إكسون موبيل وبي.بي ورويال داتش شل. ومن المتوقع أن تعلن جميعها تفاصيل تخفيضات إنفاق جديدة، وسيراقب المستثمرون عن كثب خطط هذه الشركات لتوزيعات الأرباح.

وأرسلت شركة كونتيننتال ريسورسيز المملوكة للملياردير الأمريكي هارولد هام أطقما فنية إلى حقول في أوكلاهوما ونورث داكوتا منتصف الأسبوع لإغلاق آبار بشكل مفاجئ، وأعلنت الشركة أنها لا تستطيع تسليم شحنات خام للعملاء بسبب الجدوى الاقتصادية الضعيفة.

أحدث قرار كونتيننتال إعلان حالة القوة القاهرة – الذي يقتصر عادة على ظروف الحرب أو الحوادث أو الكوارث الطبيعية – صدمة، وأثار انتقادات حادة من اتحاد صناعة التكرير الرئيسي. لكن البعض يقول إن هناك منطقا وراء ذلك، حتى لو لم يكن مقبولا.

وقال أنس الحاجي خبير سوق الطاقة المقيم في دالاس ”توقيع العقود يكون على أساس الأوضاع العادية للمجتمع على مدى المئة عام الأخيرة. إذا جد جديد خارج عن هذه الأوضاع العادية، فإنه يستدعي حالة القوة القاهرة. هذا ما يقوله هارولد هام وآخرون – هذه ظروف غير عادية“.

حتى قرار البيت الأبيض الذي ترددت عنه الشائعات لفترة طويلة بأنه لم يعد بوسع شيفرون العمل في فنزويلا، حيث لها حضور منذ ما يقرب من 100 عام، قوبل بلا مبالاة.

وقال شخص مقرب من شركة نفط غربية في فنزويلا ”المناخ العالمي رهيب.. لم تعد الرخصة مهمة“.

وتفرض السوق كلمتها على جميع المنتجين. وفي جميع أنحاء العالم، تستعد الحكومات والشركات لإيقاف الإنتاج، وربما بدأ الكثير منها بالفعل.

والتزمت منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها بالفعل بتخفيضات غير مسبوقة قدرها عشرة ملايين برميل من الإمدادات اليومية لم تدخل حيز التنفيذ بشكل كامل بعد. لكن لم يكن هذا الالتزام كافيا لمنع هبوط النفط إلى ما دون الصفر.

وقالت السعودية إنها وأعضاء أوبك الآخرين على استعداد لاتخاذ مزيد من الإجراءات، لكنها لم تقدم أي التزامات جديدة. ومما يدل على مدى عمق انهيار الطلب أنه حتى إذا توقفت أوبك عن الإنتاج تماما، فإن المعروض قد يظل متجاوزا للطلب.

وأُعلن بالفعل عن تخفيضات في الإنتاج بالولايات المتحدة تزيد على 600 ألف برميل يوميا، فضلا عن 300 ألف برميل يوميا جراء عمليات الإغلاق في كندا. وخفضت شركة النفط الوطنية البرازيلية بتروبراس إنتاجها 200 ألف برميل يوميا.

وتجبر أذربيجان، وهي جزء من المجموعة المعروفة باسم أوبك+، تحالفا بقيادة بي.بي على خفض الإنتاج للمرة الأولى على الإطلاق. وبشكل عام، كان يجري في السابق استبعاد شركات النفط الكبرى في تلك البلدان من التخفيضات التي تفرضها الحكومات.

وقال مسؤول أذربيجاني كبير لرويترز ”لم نقم بذلك من قبل قط منذ قدومهم للبلاد في 1994 وتوقيعهم عقد القرن“.

ولم يعد من الممكن التكيف مع نفاد مساحات تخزين النفط في العالم. وقالت كبلر لبيانات الطاقة إن طاقة التخزين البري في جميع أنحاء العالم بلغت يوم الخميس 85 بالمئة تقريبا.

وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن من المتوقع أن ينخفض ​​الطلب 29 مليون برميل يوميا في أبريل نيسان وأن يرتفع الاستهلاك في مايو أيار، لكن الباحثين حذروا من أن توقعها انخفاضا قدره 12 مليون برميل يوميا فقط في الطلب على أساس سنوي قد يكون مفرطا في التفاؤل.

وقال جين مكجيليان المحلل لدى ترادشن إنرجي والذي كان يعمل في بورصة نيويورك التجارية عند إطلاق العقود الآجلة للخام الأمريكي في 1983 ”أنا متأكد من سماع نفس الأرقام عن انهيار الطلب 20 إلى 30 مليون برميل يوميا.. وإلى أن نرى تحسنا في الوضع، للمرء أن يسأل ماذا يخبئ المستقبل“.

الإغلاق العالمي الكبير وتجاوز التحديات

وضع «كورونا» العالم على مشارف أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، والكساد الكبير (1929 – 1939). فالإغلاق العالمي الكبير الذي شهدته الكرة الأرضية من حجْر منزلي، وحظر تنقل، وتباعد اجتماعي، أدَّى لتوقف قطاعات وأنشطة اقتصادية عديدة، مثل الطيران والفنادق والمطاعم والمتاجر وكثير من الصناعات، واختلالات بأسواق الأسهم والطاقة والتجارة الدولية. وتسبب في تداعيات اقتصادية سلبية على الاستهلاك والادخار والاستثمار وتشغيل اليد العاملة؛ بل إنَّه أصبح ينذر بدخول الاقتصاد العالمي مرحلة ركود سيستغرق سنوات ليتعافى منه، كما أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد أشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في 9 أبريل (نيسان)، بتوقع تسجيل معدلات نمو سلبية لدخل الفرد في أكثر من 170 دولة خلال عام 2020، وأنَّ نصف دول العالم طلبت من الصندوق خطة للإنقاذ.
وأورد تقرير الصندوق لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر في 14 أبريل، توقعاته بأن يشهد الاقتصاد العالمي انكماشاً حاداً بواقع 3 في المائة خلال العام الحالي. وقدر انخفاضات إجمالي الناتج المحلي بالاقتصادات المتقدمة بنسبة 6.1 في المائة (أعلاها في منطقة اليورو بنسبة 7.5 في المائة)، وبمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة 2.8 في المائة، وأميركا اللاتينية بنسبة 5.2 في المائة. وتوقعت منظمة التجارة العالمية ببيانها الصحافي في 8 أبريل انخفاض التجارة الدولية بنسب بين 13 في المائة – 32 في المائة هذا العام. كما أظهر البيان الصحافي الصادر عن منظمة العمل الدولية بتاريخ 7 أبريل، أن الجائحة سوف تؤدي إلى إلغاء 6.7 في المائة من إجمالي ساعات العمل بالعالم بالنصف الثاني من هذا العام، أي ما يقارب 195 مليون وظيفة بدوام كامل، وأنَّ ما يقارب 81 في المائة من القوى العاملة العالمية التي يبلغ عددها 3.3 مليار شخص، تأثرت بسبب الإغلاق العالمي الكبير. ومن الجدير بالتنويه هنا أنَّ عدد الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم خلال الأسابيع الأربعة الماضية بلغ أكثر من 22 مليون فرد، وهذا العدد يقارب مجموع العاطلين الأميركيين في ذروة الكساد الكبير عام 1932 الذي بلغ 30 مليون شخص.
وأظهرت تداعيات هذه الأزمة الدولية غير المسبوقة، أنه لا يمكن لدولة أياً كانت أن تقدر على مواجهتها بمفردها، مما يحتم حشد التعاون الدولي. وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في مستهل أعمال قمة مجموعة العشرين الاستثنائية التي عقدت افتراضياً برئاسة المملكة العربية السعودية في 26 مارس (آذار) الماضي؛ حيث قال: «إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية، وإن العالم يعوّل علينا للتكاتف والعمل معاً لمواجهتها، ويجب أن نأخذ على عاتقنا جميعاً مسؤولية تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث والتطوير، سعياً للتوصل إلى لقاح لفيروس (كورونا)، وضمان توفر الإمدادات والمعدات الطبية». وأكد بيان القمة هذا الأمر، فتضمن: «إن جائحة (كورونا) غير المسبوقة تعد رسالة تذكير قوية بمدى الترابط بين دولنا ومواطن الضعف لدينا، فهذا الفيروس لا يعترف بأي حدود. وتتطلب عملية التعامل معه استجابة دولية قوية منسقة واسعة المدى، مبنية على الدلائل العلمية ومبدأ التضامن الدولي».
واستجابة لذلك، بادرت المملكة بالإعلان عن مساهمتها بمبلغ 500 مليون دولار لمساندة الجهود الدولية الرامية للتصدي لجائحة فيروس «كورونا» المستجد. وسوف يسهم هذا التبرع للمنظمات الدولية المختصة في تعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة، وتطوير أدوات تشخيصية وعلاجات ولقاحات جديدة وتوزيعها، وتلبية الاحتياجات غير الملباة فيما يتعلق بالرصد والتنسيق الدولي، وضمان توفر ما يكفي من إمدادات المعدات الوقائية للعاملين في القطاع الصحي. وانطلقت المملكة في تقديم هذا التبرع غير المشروط من إدراكها لدورها الإنساني. ولم تنغلق على نفسها كبعض الدول التي تتشدق جزافاً بحقوق الإنسان، وتربط دعمها للمنظمات الدولية بفرض إملاءاتها وشروطها عليها.
والمجتمع الدولي اليوم بأمسّ الحاجة لقيادات سياسية واعية حكيمة ذات مبادئ راسخة، تعي أهمية هذه المرحلة، ولا تهدر جهودها في تبادل الاتهامات والتنصل من تعهداتها، وتعي تجارب التاريخ. فقد ساهم انشغال الدول بمعالجة أزماتها الاقتصادية فرادى إبان فترة الكساد الكبير، إلى عدم التنبه لخطورة ما كان يجري على الصعيد العالمي من فورة العنصرية والشعبوية وانتهاك للمعاهدات الدولية، مما أشعل فتيل الحرب العالمية الثانية.
ولا يعني القول أعلاه أن تركنَ الدول فقط للتعاون الدولي، وتغفلَ عن الاهتمام بمسؤولياتها الوطنية؛ بل يتوجب عليها بلورة وتنفيذ السياسات والبرامج المحلية لاحتواء الوباء، وانتشال اقتصاداتها للتعافي من تبعاته. وأبرز توصيات المنظمات المتخصصة وخبراء الاقتصاد في هذا الشأن، ما يلي:
أولاً: السعي لتعزيز قدراتها الوطنية بتشخيص وعلاج الوباء، والرفع من كفاءة أنظمتها الصحية، وتوفير الغذاء وتوزيعه، وتبني إجراءات مشددة لضبط الأسعار، ودعم تجهيزاتها وخدماتها الأساسية، من كهرباء وماء واتصالات وأمن وخدمات بلدية. كما من المهم عليها توفير الدعم للأسر المحتاجة والأفراد الذين يفقدون دخولهم نتيجة للإجراءات الاحترازية المطبقة. فقد كان أول تشريع اقتصادي يصدره الكونغرس الأميركي في عهد الرئيس روزفلت لمواجهة أزمة الكساد الكبير، يتضمن إيصال المساعدة للشباب العاطلين عن العمل، من خلال انخراطهم في مخيمات للمشاركة في الأنشطة والمشروعات الاجتماعية، مقابل 30 دولاراً للشهر الواحد.
ثانياً: البدء في بلورة وتنفيذ الخطط والبرامج الكفيلة بالأخذ بيد الاقتصاد الوطني، للانتعاش والتعافي سريعاً والنماء.
ويتطلب ذلك تشكيل فريق من المتخصصين الوطنيين المتمرسين بالخبرات الثرية، في مجالات المالية والاقتصاد وإدارة الأعمال، وبرئاسة السلطة العليا بالدولة، لتولي الإشراف على تخطيط وإدارة القضايا الآتية:
1- ترتيب أولويات الإنفاق العام، وضمان الحوكمة والشفافية فيما يتم إنفاقه خلال هذه المرحلة.
2- مراجعة سياسات البنوك المركزية، ومتابعة أداء الصناديق السيادية لضمان جدوى استثماراتها، وتوجيه حجم أكبر من نشاطها نحو الاقتصاد الوطني.
3- دعم الصناعة الوطنية المتصلة بمجالات الغذاء والدواء والمستلزمات والخدمات الصحية، ورفع كفاءة الخزن الاستراتيجي.
4- احتواء المخاطر المالية جراء الزيادة المحتملة في الديْن العام، والسعي لضمان سلامة القطاع المالي الوطني من الاضطرابات.
5- العمل على دعم الطلب بالاقتصاد المحلي، وتحفيز التشغيل بالقطاع الخاص ومعالجة الخلل في ميزانياته.
6- تمديد آجال القروض على مؤسسات القطاع الخاص، وشراء أسهم الشركات الفاعلة ذات القدرة على الاستمرار والمنافسة.
7- دعم الأجور بمؤسسات القطاع الخاص، ووضع قيود على المكافآت وتوزيعات الأرباح لأعضاء مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين.
ختاماً: أصعب تحدٍّ سوف يواجه الدول في المرحلة القادمة، يتمثل في إعادة الثقة للمستهلك والمستثمر. وهذا الأمر يتأثر بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية وإدارية عديدة، ولا بد من التنبه لها جميعاً، والتعامل معها بحذر شديد، لضمان تحقيق الهدف المنشود.

د. يوسف السعدون

أزمة لبنان المالية: صراع الحكومة والمركزي يزيد الطين بلّة..

تتابع الأسواق المالية اللبنانية بتوتر استثنائي شديد التطورات المتصلة باندلاع الصراع المعلن غير المسبوق بين السلطة التنفيذية، ممثلة بالحكومة ورئيسها حسان دياب، والسلطة النقدية، الممثلة حصرياً في حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، تبعاً للشغور المتسع في مكوناتها الذي يشمل نواب الحاكم الأربعة، ومفوض الحكومة لدى البنك المركزي، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وأعضاءها الخمسة، وهيئة الأسواق المالية.

وفيما سربت مصادر مقربة من سلامة استبعاد خيار الاستقالة الطوعية، وعزمه الرد بالتفاصيل على الاتهامات المباشرة التي وجهها إليه رئيس الحكومة، والتحرر من قيود «التحفظ» التي تحكم غالباً تصريحات محافظي البنوك المركزية حول العالم، بدت الأوساط المصرفية متأهبة من ما قد تؤول إليه هذه المواجهة، وتأثيرها على الأوضاع المالية والنقدية المتردية أصلاً، خصوصاً فيما يتصل بحاجة لبنان الملحة إلى تدفقات من مصادر خارجية تخفف من خطورة ندرة السيولة بالعملات الأجنبية.

ويؤكد مصدر مسؤول كبير في القطاع المصرفي ل “الشرق الاوسط”  أن «تبادل قذف كرة الأزمة المالية العاتية، بين ثلاثي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، حرف البوصلة الإنقاذية عن الاتجاه المنشود، ويشي بتبديد أي جهود هادفة لانتشال الاقتصاد الوطني من القعر العميق، بعدما أدخلت الأزمة المتدحرجة كامل الثروة الوطنية، من مدخرات المواطنين وموارد الخزينة ودورة الإنتاج والتشغيل، في دوامة خسائر دراماتيكية تواصلية، لتنتج بدورها تدهوراً خطيراً على المستويين المعيشي والاجتماعي، مع تلاشي قدرات أصحاب المداخيل المتوسطة، وانضمامهم إلى خط الفقر الذي يحاصر نصف الشعب اللبناني، ويتمدد سريعاً إلى فئات جديدة».

ويقر المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته لحساسية الموقف، بأن معادلة الاستقرار النقدي، وهي العنوان الأبرز للسياسة النقدية التي انتهجها سلامة منذ تسلمه منصبه في عام 1993، وحظيت تباعاً بدعم سياسي واقتصادي واسع يقارب الإجماع، سقطت واقعياً في دوامة الفوضى والتسعير المتفلت للدولار بين حدي 1520 ليرة المعتمد حصراً للمستوردات من حساب احتياطي العملات الصعبة لدى مصرف لبنان، وعتبة 4 آلاف ليرة التي بلغها، ثم تعداها، في تداولات نهاية الأسبوع لدى الصرافين، وبينهما سعر 1800 ليرة لإقراض المصارف من قبل المركزي، و2600 للسحب من الودائع المحررة بالدولار، و3625 لسداد التحويلات الواردة من الخارج عبر المؤسسات المالية غير المصرفية.

ولم ينفع الإجماع المحلي والخارجي على حاجة لبنان الملحة لدعم مالي خارجي وفوري، يقدر حده الأدنى بنحو 15 مليار دولار، للحد من سرعة الانهيارات والتطلع إلى الخيارات الإنقاذية المعقدة، في فرض موجباته، وحيازة أولوية الاهتمام لدى المرجعيات المحلية المعنية، وفقاً للمسؤول المصرفي، بل «بدأنا نستشعر مخاطر تشمل مجمل الأوضاع الداخلية، بفعل اتساع مسافات التباعد والاختلاف، وتشتيت الجهود، والمس بهوية البلاد الاقتصادية والملكية الخاصة».

ويعترف المصدر بأن ودائع الزبائن لدى البنوك، البالغة نحو 147 مليار دولار، ليست في مأمن تام عن حلبة الأزمة وصراعاتها المستجدة. فالسيولة تدنت إلى حدود أجبرت المصارف على وقف الصرف بالدولار النقدي، إلا في حالات محدودة للغاية، تعود حصراً للتحويلات الجديدة الواردة من الخارج، وعمليات الاقتطاع التي أوصى الاستشاري الدولي للحكومة (شركة لازارد) باعتمادها ضمن الخطة الإنقاذية؛ ويرجح أيضاً أن تطال أصحاب الحسابات التي تفوق 500 ألف دولار، تتم فعلياً من خلال إخضاع السحوبات لسقف لا يتجاوز 5 آلاف دولار شهرياً، بسعر 2600 ليرة، أي ما يقل 1400 ليرة عن سعر السوق الواقعية.

وتشير مسودة برنامج الإصلاح الحكومي إلى أن الاحتياجات التمويلية الخارجيّة هي ضرورية للحد من حجم الانكماش الاقتصادي، ولاستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، وأن تأخر الخطوات الإجرائية يأتي لفتح قناة حوار رسمية مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على برنامج إصلاحي معزز ببرنامج دعم مالي.

وترمي الخطة إلى تخفيض الدين العام الذي تجاوز 92 مليار دولار تدريجياً، من 176 في المائة كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي في نهاية العام الماضي إلى 103.1 في المائة في عام 2024. كما تركز خطة الحكومة على إعادة رسملة المصرف المركزي، والقطاع المصرفي بأكمله، علماً بأن الفجوة المالية لدى الطرفين تتركز في تمويلاتهما للدولة التي يفوق مجموعها 75 مليار دولار من إجمالي ديون الدولة بالليرة وبالدولار.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات