الغموض في أرقام خفض معروض النفط تربك الأسواق وتحيّرها

يبدو أن الجميع أدرك أن تخفيض اوبك للانتاج مستحيل ان يكون هو الدواء لدعم الاسعار  سواء فنيا أو حسابيا. رغم كل محاولاتها  لإقناع السوق بقوتها وعزيمتها، فان اوبك  لم تنجح حتى الآن.
هذا وأبلغ متعامل في العقود الآجلة للخام رويترز ”كلما حاك المنتجون رقما أعلى، قلّت مصداقيته. واقعيا أعتقد أن الخفض الفعلي سيكون أقرب إلى ثلث ذلك، حوالي سبعة إلى ثمانية ملايين برميل يوميا.“

بعد أيام من توصل أوبك+ إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط بضخامة غير مسبوقة في محاولة لدعم السوق المترنحة تحت مطارق أزمة فيروس كورونا، تبدو حسابات المجموعة محل شك.

تحالفت منظمة البلدان المصدرة للبترول وروسيا ومنتجون آخرون – فيما يعرف بمجموعة أوبك+ – مع دول أخرى تضخ النفط من بينها الولايات المتحدة لخفض المعروض حوالي 20 مليون برميل يوميا.

يعادل ذلك نحو 20 بالمئة من الطلب العالمي قبيل جائحة فيروس كورونا، مما يجعلها خطوة غير مسبوقة لمعالجة تراجع استثنائي في الأسعار خلال الربع الأول من العام دفعها في مارس آذار لتسجيل أدنى مستوياتها في 18 عاما.

وفي صفقتها المبرمة مطلع الأسبوع، اتفقت أوبك+ على خفض الإنتاج 9.7 مليون برميل يوميا في مايو أيار ويونيو حزيران. أما باقي التخفيضات، من الولايات المتحدة وكندا وآخرين، فأقل تبلورا ومن المنتظر أن تنتج عن انخفاض الأسعار وأن تحدث تدريجيا.

وأضاف البنك أن السوق كانت قد استوعبت بالفعل في حساب الأسعار إبرام اتفاق بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن من المتوقع حدوثه خلال أوائل ابريل نيسان.

وقال وزير الطاقة السعودي إن التخفيضات الفعلية ستصل إلى 19.5 مليون برميل يوميا عند حساب تخفيضات قدرها 3.7 مليون برميل يوميا تعهد بها منتجو مجموعة العشرين ومشتريات لملء الاحتياطيات الاستراتيجية بنحو 200 مليون برميل على مدى الشهرين المقبلين.

وكالة الطاقة ”مازالت تنتظر“

لكن وكالة الطاقة الدولية، مستشار الطاقة للاقتصادات الصناعية، لم تذكر خططا كهذه في تقريرها اليوم الأربعاء، قائلة إنها ”مازالت تنتظر مزيدا من التفاصيل بشأن بعض تخفيضات الإنتاج المزمعة ومقترحات لاستخدام المخزون الاستراتيجي.“

وقالت وكالة الطاقة إن تحويل كميات من النفط إلى المخزونات الاستراتيجية قد يعادل سحب حوالي مليوني برميل يوميا من السوق.

لكن هذا لا يصل بنا إلى إجمالي العشرين مليون برميل.

قالت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إنها قد تشتري النفط لإعادة ملء الاحتياطيات.

وتعتزم الهند ملء احتياطيها البترولي الاستراتيجي عن أخره بحلول الأسبوع الثالث من مايو أيار عن طريق نقل نحو 19 مليون برميل إلى المواقع بحلول ذلك الحين.

وفي تكساس، لم تسفر محادثات مطولة بين المسؤولين التنظيميين لقطاع الطاقة وكبار المسؤولين التنفيذيين للشركات حتى الآن عن نتيجة فيما يتعلق بخطوة لخفض الإنتاج مليون برميل يوميا.

وتذهب مسودة بيان ختامي من أوبك+ اطلعت عليها رويترز، تضمنت أن التخفيضات العالمية ستتجاوز 20 مليون برميل يوميا، إلى إدراج حتى تراجعات الإنتاج غير الطوعية في إيران وليبيا وفنزويلا – دول أوبك غير المشمولة بالتخفيضات بسبب عقوبات أمريكية أو صراعات داخلية.

أخذت أوبك+ في الحسبان أيضا الفرق بين الإنتاج الحالي وخط الأساس المستخدم لحساب التخفيضات، وهو أقل بكثير لمنتجين مثل السعودية والإمارات اللتين قالتا إنهما رفعتا الإنتاج في الأسابيع الأخيرة.

لكن البيان المنشور حذف أي ذكر لرقم العشرين مليون برميل يوميا أو طريقة حسابه.

أزمة لبنان المالية: خطة دياب في مرمى النيران الصديقة

سوف تفرض الخطة الانقاذية نفسها على التطورات في الايام المقبلة، وستتعرّض للتشريح بالطول والعرض، وسيُقال فيها الكثير مدحاً وذماً، لكن أخطر ما قد يحصل هو ان ينتهي الأمر الى إسقاطها من دون إيجاد البديل.

تقع الخطة الانقاذية في مسودتها الانكليزية في 34 صفحة، وهي من حيث الشكل صيغت بأسلوب احترافي، لا يختلف كثيراً عن الخطط التي تضعها حكومات الدول التي تعرّضت لحالات إفلاس وتوقُّف عن الدفع، وسَعت الى التفاوض لإعادة هيكلة ديونها. وفي مثل هذه الاوضاع، تصبح الخطط الانقاذية بمثابة أوراق اعتماد تقدّمها الحكومات الى الدائنين لإقناعهم بالتفاوض والقبول بشروط جديدة للدين. وبقدر ما تكون هذه الخطط واقعية ومُقنعة، بقدر ما تكون المفاوضات أسهل وأسرع في التوصّل الى اتفاقات.

بصرف النظر عن الملاحظات الايجابية والسلبية التي يمكن إيرادها حول نقاط كثيرة في مضمون الخطة المقترحة، تجدر الاشارة الى انّ الحكومة تقارب مسألة الاستعانة بصندوق النقد الدولي بذهنية منفتحة تعكس قناعتها بأهمية هذا التعاون، لا سيما لجهة عامل الثقة الذي يؤمّنه هذا التعاون لإنجاح أي خطة انقاذية، بالاضافة الى اعتراف الحكومة بأنّ وجود صندوق النقد ضمانة كبيرة لنجاح مفاوضات اعادة هيكلة وجدولة الدين العام. ومع ذلك، تستخدم الخطة الانقاذية في الصفحة السابعة لغة المواربة لإبراز أهمية الشراكة مع صندوق النقد، من خلال الاختباء وراء من تسمّيهم الخبراء والمستثمرين او ممثلي دول مجموعة الدعم، الذين يدعون جميعاً الى طلب المساعدة من الصندوق. في كل الاحوال، تُعتبر هذه المقاربة، رغم المواربة، بمثابة خطوة مهمة نحو التعاون مع صندوق النقد.

لكن، وبصرف النظر عن الملاحظات المتعلقة بمضمون الخطة، لجهة واقعيتها في تقديم رسم بياني لتطوّر الارقام في السنوات الممتدة بين 2021 و2024، وعدالتها في توزيع الاضرار على المؤسسات، مصرف لبنان، القطاع المصرفي، المستثمرين والمواطنين، قدرتها على تنفيذ الشق المتعلق بالوعود الاصلاحية، هناك نقطتان بارزتان تستقطبان الانتباه:

النقطة الاولى تتعلق بالمقاربة المعتمدة في التعاطي مع القطاع المصرفي (ص 16)، تحت عنوان «إعادة هيكلة القطاع المالي» اذ تستبعد الورقة الاصلاحية اية عملية إنقاذ (bail-out) مستندة في تقييمها الى ما يجري في العالم منذ 2008 لجهة استبعاد خيار إنقاذ أي نظام مالي يُصاب بالانهيار من أموال دافعي الضرائب (المكلفين). وتبرّر الورقة هذا الموقف بأنه لا يمكن تأمين دعم مالي خارجي لتعويض خسائر تَسبّب بها انهيار قطاع مالي داخلي في اي دولة. ولا يمكن لأي حكومة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تحميل الاجيال المقبلة تسديد خسائر ضخمة من الماضي، مع الاشارة الى انّ خيار الـbail-out غير مُتاح أيضاً، بسبب ضخامة الخسائر المتراكمة في القطاع المالي.

هذا التوصيف المستند الى تجارب عالمية مُستغرب بعض الشيء، لأنّ التشبيه هنا غير منطقي. وما يُحكى عن تجربة الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 2008، لا علاقة له بالتجربة اللبنانية الفريدة، اذ إنّ المصارف التي اهتزّت في خلال تلك الأزمة، وفي مقدمها المصارف الأميركية، كانت تعاني خللاً ناتجاً عن خروج على المعايير، وتجاوزاً لأصول المخاطرة في التعاطي مع السوق، وتحديداً في موضوع الرهونات العقارية المرتبطة بقروض الزبائن، وطريقة التوسّع في «تركيب» الاوراق والمحافظ والمنتجات.

لكن في الحالة اللبنانية الفريدة، ما تشكو منه الحكومة وتعتبره انهياراً للقطاع المالي، هو نفسه ما يشكو منه القطاع المالي نفسه، ويعتبره انهياراً للمالية العامة. وفي هذا السياق، تبدو المعادلة عجيبة غريبة، إذ تلوم الحكومة المصارف على سوء التصرّف من خلال إقراض الاموال الى الدولة، أو حتى الى مصرف لبنان الذي بدوره أقرضَ المال الى الدولة. وتعتبر الحكومة التي تمثّل الدولة انها لم تكن زبوناً موثوقاً ينبغي إقراضه! وعليه، لدينا دولة ابتلعت حوالى 100 مليار دولار من اموال الناس في المصارف ومصرف لبنان، وهي عاجزة عن دفع ديونها، وهذا هو لب الأزمة، وكل ما عدا ذلك توصيفات تضليلية لا تقدّم ولا تؤخّر.

في الموازاة، تبقى مسألة إقرار هذه الخطة وواقعية الاعتقاد انها ستمرّ في المجلس النيابي، ومن ثم في صندوق النقد. في الواقع، المجلس النيابي رفض ان يناقش قانون الكابيتال كونترول، لأنه لا يريد أن يعطي الانطباع لدى الرأي العام انه يقف وراء تجميد ودائعهم في المصارف، رغم معرفته انّ الكابيتال كونترول قائم ويُطبّق، وأحياناً بعشوائية. فهل نتوقّع من هذا المجلس أن يقر خطة اقتصادية فيها بنود ضرائبية جديدة، وفيها مبدأ تحميل المودعين، ولو الكبار منهم مسؤولية تحمّل خسائر مالية باهظة، وفيها بنود إصلاحية تقضي بخفض عدد المتعاقدين في الدولة 5 %، وتجميد التوظيف والرواتب لـ5 سنوات، ورفع سعر الدولار الرسمي تدريجاً الى حوالى 3 آلاف دولار، مع إبقاء خانة السعر الموازي مفتوحاً على كل الاحتمالات، ورفع سعر صفيحة البنزين 2000 ليرة عمّا هو عليه حالياً وتثبيته على 25 الف ليرة، وإضافة ألف ليرة على صفيحة المازوت، ورفع الـTVA على السلع الفاخرة (من دون تحديدها) من 11 الى 15 في المئة؟

اذا اعتبرنا انّ الخطة اجتازت المجلس النيابي بعد تهذيبها وتشذيبها على طريقة السياسيين لإرضاء الرأي العام بأسلوب شعبوي كما هي العادة، فهل يمكن لخطة تعرّضت لهذا النوع من التعديل أن تمر في صندوق النقد، وتحظى بموافقته ورعايته؟

قبل الوصول الى المجلس النيابي، هناك من يسأل: هل انّ مسودة هذه الخطة تعكس إجماعاً حكومياً مبدئياً عليها، أم انها خطة رئيس الحكومة حسّان دياب وفريق عمله، وهي ستخضع لمشرحة مجلس الوزراء. وبالتالي، قبل الوصول الى ساحة النجمة، ستتعرّض للنيران الصديقة في داخل الحكومة نفسها، وقد لا تنجح في اجتياز معمودية النار؟

ما هو أكيد انّ رحلة مسودة الخطة الاصلاحية، وبصرف النظر عن شوائبها من حيث المضمون، لا تزال طويلة، وهناك قلق مُبرّر من أن ينتهي بها الأمر مثل قانون الكابيتال كونترول، مجرد مشروع في البال.

انطوان فرح.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات