اتفاق «أوبك+» تاريخي… لكن قد لا يرضي السوق

كلنا يعلم أن اتفاق تحالف «أوبك+» لتخفيض إنتاج النفط حتى أبريل (نيسان) 2022، الذي تم التوصل إليه يوم الخميس، لن يعجب سوق النفط، حتى إن انضمت إليه دول مجموعة العشرين (بتخفيضات ليست في الحقيقة تخفيضات)، والسبب بسيط هو أن الطلب سينخفض خلال أسابيع قليلة بصورة لم يسبق أن رآها أحد من وزارء الطاقة الذين شاركوا في الاجتماع في حياته، فيما كان مقدار الخفض الذي تمكن التحالف من الاتفاق عليه هو نصف الكمية التي تحتاجها السوق للتوازن.
لقد عرضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على وزراء طاقة مجموعة العشرين في اجتماعهم بالأمس، توقعاتها للطلب هذا العام، وكلها أرقام غير مشجعة ولا تظهر أن الاتفاق سوف يؤدي إلى أي توازن للسوق، وفي أفضل الحالات سوف يؤدي هذا الاتفاق إلى إبطاء عملية تراكم المخزونات النفطية التجارية في العالم، التي سوف تمتلئ خلال شهر من الآن إذا لم يكن هناك اتفاق. وبحسب أرقام «أوبك»، فإن الطلب سينخفض بنحو 20 مليون برميل يومياً هذا الشهر، و12 مليون برميل يومياً في الربع الثاني، وبنحو 7 ملايين برميل يومياً لكل عام 2020. في الناحية المقابلة اتفق التحالف الذي يضم 23 دولة بينها السعودية وروسيا على تخفيض 10 ملايين برميل يومياً خلال مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، و8 ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري. وابتداءً من أول أيام 2021 وحتى أبريل 2022 سوف يستمر التحالف في تخفيض 6 ملايين برميل يومياً.
وفي الوقت الذي يحتاج العالم فيه إلى تخفيض 20 مليون برميل يومياً، سيتمكن التحالف من توفير النصف، وفي أفضل الحالات إقناع باقي مجموعة العشرين لخصم 5 ملايين برميل يومياً، لتتبقى 5 ملايين أخرى على أقل تقدير، إذ إن بعض تقديرات السوق تقول إن الهبوط في الطلب خلال الربع الثاني سيكون في حدود من 20 إلى 35 مليون برميل يومياً.
وللأسف شاهدت بالأمس التصريحات غير المسؤولة من دول عديدة في مجموعة العشرين، مثل البرازيل التي قال وزيرها في الاجتماع الافتراضي لوزراء طاقة المجموعة، إن بلاده لا تملك أي سلطة قانونية على شركة «بتروبراس»، التي يتوقع هو أن إنتاجها سيهبط بنحو 200 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل 20 في المائة من صادرات البرازيل.
أما خيبة الأمل الكبرى فكانت من المكسيك التي عطلت اتفاق «أوبك+»، إذ إنها عضو في التحالف وفي مجموعة العشرين. وأوضح الرئيس المكسيكي أندريس أوبرادور أن بلاده لا تستطيع المساهمة في التخفيض المطلوب منها في الاتفاق والمقدر بنحو 400 ألف برميل، وأشار إلى أن «هذا رقم كبير، لأن بلاده احتاجت لمشقة كبيرة حتى يصل إنتاجها إلى قرابة 1.8 مليون برميل يومياً». والمكسيك وضعها معقد نوعاً ما، فإنتاج حقولها يهبط منذ سنوات بشكل كبير نظراً لقدم هذه الحقول، وبالتالي تكلفة الإنتاج عالية، وهي من الدول التي تبيع أغلب إنتاجها بطريقة التحوط؛ أي تبيع إنتاج العام المقبل بسعر تتفق عليه هذا العام لضمان عدم تأثرها من أي هبوط في الأسعار.
واتفقت 22 دولة في التحالف على تخفيض إنتاجها بنسبة 23 في المائة من مستوى أكتوبر (تشرين الأول) 2018 (باستثناء السعودية وروسيا اللتين احتسبتا مستوى الإنتاج من 11 مليون برميل يومياً)، فيما رفضت المكسيك هذا وتمسكت بتخفيض إنتاجها بنحو 100 ألف برميل يومياً فقط. وفاجأ الرئيس المكسيكي الجميع بالأمس، قائلاً إن بلاده اتفقت مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على خفض بنحو 100 ألف برميل، فيما ستتحمل الولايات المتحدة باقي حصة المكسيك حسب المفاهمة.
هذا الاتفاق لا أحد يعلم شرعيته نظراً لأن الإعلان كان من طرف واحد، الأمر الآخر هو أن الولايات المتحدة نفسها لا يوجد لديها أي إعلان بخفض متفق عليه مع «أوبك+»، ويريدون أن يعتبر التحالف التخفيض الطبيعي الناجم عن خفض الأسعار حالياً كتخفيض طوعي ضمن الاتفاق. وبحسب تقديرات وزير الطاقة الأميركي دان برويليت التي عرضها على الوزراء بالأمس، فإن إنتاج بلاده سينخفض بنحو 2 أو 3 ملايين برميل يومياً بنهاية هذا العام. وكلنا يعلم أن هذه الكمية قد لا تكون حقيقية؛ لأن الأسعار لو تحسنت فإن بعض الشركات ستواصل إنتاجها.
عموماً فإن وضع الولايات المتحدة الآن سيئ، فالحفارات هبطت الأسبوع الماضي بصورة لم تشهدها البلاد منذ عام 2016… وبنظرة على أسعار بيع النفط الأميركي، فإن سعر نفط خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة وصل إلى 22.76 دولار للبرميل بنهاية يوم الخميس. أما الخامات الأخرى مثل الباكن (9 دولارات) وغرب تكساس الوسيط ميدلاند (18.26 دولار) وخليط مارس (22.76 دولار) ولويزيانا الحلو والخفيف (20.76 دولار)، وهذه الأسعار لا تكفي منتجي النفط الصخري هناك لمواصلة الإنتاج.
أما المصافي، فحتى الآن أقفلت مصفاة تابعة لشركة ماراثون عملياتها، وهناك العديد من المصافي مهددة. هذا كله يضع ضغطاً على الرئيس الأميركي ترمب لفعل شيء لو أراد الفوز بالانتخابات في ولاية تكساس النفطية، التي تعتبر إلى جانب كاليفورنيا أهم ولايتين في سباق الانتخابات.
وقد يسأل سائل لماذا لا تتحمل المملكة الجزء الأكبر من التخفيضات وتنهي كل هذا؟ المسألة ليست بهذه السهولة، فحتى لو افترضنا أن المملكة تنازلت عن حصتها السوقية، فهناك مستوى معين من الإنتاج لا تستطيع المملكة النزول تحته لأسباب فنية، مرتبطة بكمية الغاز المصاحب للنفط الذي يدخل في إنتاج أكثر من نصف الكهرباء في المملكة وسوائل الغاز الطبيعي الناتجة التي تذهب لمصانع البتروكماويات. وهناك شبكة مصافٍ عالمياً لأرامكو السعودية طاقتها قرابة 5 ملايين برميل يومياً قائمة على النفط السعودي.
إن مشكلة هذا الاتفاق من الأساس هو أن طول مدته (حتى 2022) يجعله صعباً على النفوس وصغار المنتجين الذين ينتظرون تحسن الأسعار للعودة لزيادة الإنتاج. كما أن مراقبة ومتابعة كل هذه الدول جهد كبير، ولو انضمت مجموعة العشرين إليه فهذا سيتطلب مجموعة عمل خاصة لمتابعته. ولهذا فإن أي اتفاق لتخفيض الإنتاج من الأفضل أن يكون قصيراً.
على كال حال، ستحتفل «أوبك» هذا العام بمرور 60 عاماً على تأسيسها، وحتى الآن لم تستطع أزمة واحدة أن تهز «أوبك» أو تقضي على مستقبلها أو مصيرها، بل إن «أوبك» تظهر وقت الأزمات كما حدث يوم الخميس. وتحالف «أوبك+» كان في الأساس مؤقتاً، ولكن الظروف جعلته شبه دائم. والذي لا أفهمه هو أن الدول في مواجهة أزمة مثل كورونا تعلن حالات طوارئ تعطل فيها العديد من الأنظمة والتشريعات؛ إلا عند الحديث عن النفط، يبدأ الكل خارج «أوبك» في تذكر القانون. العالم يحتاج إلى تفهم أن أزمة نفطية بهذا الحجم تستوجب حالة طوارئ؛ إلا إذا كانت الكراهية لـ«أوبك» في أوروبا والولايات المتحدة أعمق مما نظن.

وائل مهدي

اليورو يحقق مكاسب مهمة ولكن الانظار الى كلمة ماكرون

 

الخبر الابرز كان بداية الاسبوع توصل اوبك + الى اتفاق حول تخفيض الانتاج. رد فعل السوق الفوري كان ان ارتفعت أسعار النفط الخام والعقود الآجلة للأسهم الأمريكية بشكل ملحوظ . ومع ذلك ، فإن ما بدا وكأنه وميض من التفاؤل سرعان ما تدهور إلى ميل بعيد عن المخاطرة حيث تحولت الأصول الموجهة نحو النمو إلى انخفاض. كانت الأسهم في آسيا والمحيط الهادئ مختلطة بشكل عام بينما ارتفع الين الياباني مقابل نظرائه G10. ارتفاع الين الياباني ضغط كالعادة على الاسهم الايرانية وبالتالي على الاسيوية العاملة اذ ان بعض الاسواق لا تزال في عطلة.

وعلى الصعيد الاوروبي:

الحدث البارز في بداية الاسبوع والذي قد يؤثر على اليورو اكثر من سواه هو الحديث الذي سيوجهه الرئيس الفرنسي الى الامة.
ما يمكن تقديره الان هو ان  اليورو قد ينخفض إذا ألمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تمديد فترة الاغلاق العام للحد من انتشار الفيروس .
إن احتمالية فترة طويلة من الاستهلاك الضعيف والبطالة المرتفعة بسبب الطلبات المحمية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو يمكن أن يبعث برسالة سلبية تعيد الشعورالعام الى التشاؤم وتضغط على العملة الموحدة في جميع أنحاء المنطقة.

هذا وقد تتبع دول أخرى بدافع القلق من أن الافتتاح المبكر يمكن أن يتسبب بخطر  موجة ثانية من العدوى. بينما كان وزراء مالية منطقة اليورو قادرين على إحراز بعض التقدم في اتفاقية موحدة للتحفيز ، قد تكون هناك حاجة إلى المزيد إذا تم تمديد فترة الاغلاق. وتشمل العناصر الرئيسية لحزمة الطوارئ خطوط ائتمان منقحة، وسياسة تأمين جديدة ضد البطالة بقيمة  مليار يورو.

لكن الجدل حول كيفية التعامل مع الإنفاق والمسائل الهيكلية بعد التعامل مع أزمة الفيروس لا يزال ماثلا في الاذهان وكذلك الخطر من عدم كفاية مثل هذه الاجراءات…

وماذا عن اليورو تقنيا؟

تجاوز اليورو دولار منطقة مقاومة مهمة وتحرر من ضغوط كبيرة مستفيدا في الاسبوع الماضي من الارتفاع الهائل في اعداد طلبات البطالة الاميركية ولكن القدرة على تحصين هذا الارتفاع تبقى موضع الشك. . حيث ان الارتفاع يواجه تحدي الدعم السابق الذي تحول إلى مقاومة بين 1.0981 و 1.0989. هذا قبل المقاومة النفسية على ال 1.1000 والتي لا يجوز التهاون بتاثيرها ايضا..
إذا استسلم اليورو امام هذه المقاومة وعاد الى التراجع، فقد يتقدم الشعور بالإحباط ويسيطر الضغط على العملة الاوروبية لإعادة اختبار الدعم عند 1.0783.

اما اذا تم اختراق هذا المستوى بدعم من مستجدات ايجابية اوروبيا او سلبية اميركيا ضاغطة على الدولار فان الارتفاع قد يستهدف ال 1.1150 بمحطة تالية.

تجدر الاشارة اخيرا الى ان الاسواق الاوروبية تبقى مقفلة في اليوم الاول من الاسبوع.
بيانات مبيعات التجزئة الاميركية تصدريوم الاربعاء ولا شك بانها ستكون على منحى سلبي قد يتجاوز ال -8% المقدرة لها بالقيمة الاساسية وال 5% بالقيمة النواتية.
بنك كندا يجتمع يوم الاربعاء ايضا.
بيانات الناتج المحلي الاجمالي الصينية تصدر يوم الجمعة.

الاقتصاد مع «كورونا» ركود أم كساد؟

توقع تقرير البطالة في الولايات المتحدة لشهر مارس (آذار)، بالأرقام السيئة القادمة، إذ إن التوقف المفاجئ للاقتصاد تسبب في تهميش قطاعات كاملة. ويثير احتمال معدلات البطالة المكونة من رقمين أن يصبح ما يعرف الآن بـ«الركود العظيم» هو الكساد الكبير التالي. ويطرح هذا سؤالاً مهماً للمشاركين في السوق: ما الذي يفصل الركود عن الكساد؟ نقطة البداية هي النظر في ثلاثة أمور للركود وهي: العمق والمدة والانكماش.
ومن المؤكد أن عمق الانكماش خلال الربع الثاني سيحدد ملمحاً واحداً للركود. وتم إيقاف تشغيل الأضواء حرفياً في أجزاء كبيرة من الاقتصاد. وقد ينخفض الناتج بنسبة تصل إلى 33% وقد ترتفع البطالة فوق 30%، وفقاً لتقديرات بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس. وفي حين أن الأرقام الدقيقة لن يتم الكشف عنها إلا بعد إدراك الأمر متأخراً، إلا أنه كان هناك انهيار في النشاط الاقتصادي بدون شك.
والعمق، مع ذلك، ليس سوى جزء واحد من قصة الركود. والمدة هي شأن آخر. ونحن لا نصنف عمليات الإغلاق على المستوى المحلي الناتجة عن الكوارث الطبيعية على أنها كساد، أو حتى ركود، لأن النشاط يمكن أن ينتعش بسرعة إلى حد ما. ولا ينبغي لنا ذلك على المستوى الوطني أيضاً. ولا يمكننا التنبؤ بدقة بمدة الانكماش لأنها تعتمد على مسار الفيروس. دعنا نَقُلْ، بتفاؤل، إننا إذا امتلكنا تحكماً كافياً في الفيروس وانتشاره سنبدأ في رفع القيود على النشاط الاقتصادي. في هذه الحالة، يمكننا أن نتوقع انتعاشاً للنشاط بدءاً من الربع الثالث.
ومع ذلك، لن يكون أي تعافٍ اقتصادي مشابهاً ببساطة لقلب مفتاح الضوء مرة أخرى إلى الوضع «تشغيل». وسيكون الأمر أشبه بتشغيل قرص ربما بسرعة في البداية ولكن ببطء أكثر بعد ذلك. ومقدار السرعة التي سنتمكن من تحقيقها بادئ الأمر ستحدد بعد ذلك فترة التعافي. وقد تتعافى أجزاء معينة من الاقتصاد بسرعة، وقد توفر إعادة بناء المخزون دفعة للمصنعين، على سبيل المثال. وقد يساعد الطلب المتفجر في مسح السلع من على الرفوف لدى تجار التجزئة. ويجب بوجه عام أن نتوقع تعافياً عند رفع القيود.
ومع ذلك، لن يكون هذا التعافي بمثابة انتعاش كامل. فهناك عائقان واسعان أمام الانتعاش الحقيقي. أولاً، توقع بعض الضرر المستمر للاقتصاد نتيجة إفلاس الشركات وانقطاع العلاقات بين صاحب العمل والموظف. ويساعد قانون CARES، مع إعانات البطالة المعززة ومساعدة الأعمال، على تقليل هذا الضرر إلى الحد الأدنى، لكنه لا يزال غير كافٍ لوقف النزيف تماماً.
وثانياً، إلى أن يكون هناك علاج أو لقاح للفيروس، فإن بعض قطاعات الاقتصاد ستتضرر لفترة طويلة في المستقبل. وستظل التجمعات لأكثر من 50 شخصاً، سواء مؤتمرات أو أحداثاً رياضية أو عروضاً فنية… إلخ، محدودة لفترة طويلة. وسوف تكافح صناعات الترفيه والضيافة في عالم يتحول فجأة إلى مكان أصغر للجميع. وحتى بعد تطوير لقاح، فإن الاستخدام الواسع النطاق لمؤتمرات الفيديو ستكون له آثار طويلة الأمد على أعمال السفر.
وأخيراً، من المحتمل أن يتطلب الكساد انكماشاً لتوليد انهيار ذاتي قابل للتحمل في الطلب، حيث يصبح دعم الديون الحالية أصعب مع انخفاض الدخل الاسمي. وتعتمد قدرة الانكماش على توطيد وجوده على نجاح الدعم المالي والنقدي للاقتصاد. ولحسن حظه، فقد تبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة استراتيجية «كل ما يتطلبه الأمر» للحفاظ على القطاع المالي سليماً، وبالتالي تجنب بالفعل كارثة واحدة ساهمت في الكساد الكبير. ونأمل أن نواصل نجاحنا في تجنب هذا المأزق.
وبالمثل، تحولت السياسة المالية إلى إجراءات لدعم الطلب مع إعانات البطالة المعززة، والتي ستوفر في بعض الحالات دخلاً بديلاً للعمال. والنتيجة الإيجابية غير المقصودة لهذه الفوائد العالية هي منع انكماش الأجور، ونأمل في تعزيز التوقعات الإيجابية لتحديد الأجور خلال مرحلة التعافي.
ولا يزال الانتعاش الناجح يتطلب المزيد من الدعم المالي. على سبيل المثال، برامج التأمين ضد البطالة على مستوى الولايات غير قادرة على التعامل مع حجم المطالبات، ما يؤدي إلى تأخير المساعدة. وعليه، يحتاج الكونغرس إلى تزويد الولايات كاملة بحزمة مالية ضخمة لمنع موجة أخرى من عمليات التسريح من العمل.
إن نتائج سيئة خلال ربع واحد لا تسبب الركود. وفي الواقع، تعتمد صحة الاقتصاد على المدى الطويل على السيطرة على الفيروس. وما إذا كان هذا الانهيار الاقتصادي سيتحول إلى كساد أم لا، لا يزال يعتمد على تصرفات صانعي السياسة في الأشهر المقبلة.

الدول ما زالت قادرة على الثراء من خلال التصنيع

منذ أن بدأت الثورة الصناعية، أصبحت كل الدول، التي لم يحالفها الحظ في امتلاك احتياطيات نفطية ضخمة، ثرية من خلال طريقة واحدة هي الاستفادة من التصنيع، حيث أصبحت دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية جميعها من الشركات المصنّعة العالمية قبل وقت طويل من بدء اقتصاداتها في التحول نحو تقديم الخدمات. وفي الآونة الأخيرة، قام عدد جديد من البلدان التي تعد إلى حد كبير متقدمة، بما في ذلك ماليزيا وبولندا والصين ورومانيا وتايلند والمكسيك، أيضاً بتعزيز قدراتها التصنيعية.
وقد جادل خبراء اقتصاديون مثل هاهون تشانغ وداني رودريك، وكتَّاب مثل جو ستادويل، بأن الترويج للصادرات الصناعية هو أمر حاسم لهذا النوع من التنمية، وفي ورقة بحثية في 2008، تحدث رودريك عن الكثير من الحالات التجريبية والنظرية التي تصب في صالح السياسات الصناعية، وقال، في الورقة، إن «التنمية تتعلق بشكل أساسي بالتغيير الهيكلي نحو إنتاج منتجات عالية القيمة قابلة للتصدير، والتي يميل معظمها إلى أن يكون سلعاً مصنَّعة»، كما أن المنافسة في أسواق التصدير تُجبر منتجي البلاد على زيادة الإنتاجية، وتمكّنهم من اعتماد تكنولوجيات أجنبية متقدمة.
ويحاول عدد من الدول الفقيرة وضع هذه الفكرة في حيز التنفيذ، وهناك مثالان بارزان هما فيتنام وبنغلاديش اللتان شهدتا نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث يبدو وضعهما الصناعي مناسباً تماماً للبلدان الموجودة في الدرجة الأولى من سلم التصنيع، وأهم صادرات فيتنام هي الإلكترونيات والملابس، في حين أن أهم الصادرات في بنغلاديش هي الملابس والمنسوجات.
ولكن ما يثير القلق هو أن رودريك ظل يجادل منذ عدة سنوات بأن فرص التنمية الناجحة المدفوعة بالتصنيع قد انتهت. وفي ورقة في 2016 بعنوان «هل انتهى عصر معجزات النمو؟»، قال رودريك إن دولاً مثل الصين وماليزيا ستكون آخر من استخدم التصنيع للقفز من الفقر إلى الثراء.
ولاحظ رودريك أنه في الوقت الذي تحول فيه معظم البلدان في نهاية المطاف من التصنيع إلى تقديم الخدمات بعد أن أصبحت دولاً غنية، فإنه في العقود الأخيرة، كان هذا التحول يحدث في وقت أبكر بكثير، حيث إن العديد من البلدان الآن قد بدأت في التحول بالفعل بعيداً عن التصنيع قبل أن تصبح دولاً صناعية بشكل كامل.
ويبدو أن هناك أبحاثاً أخرى قد وثّقت ظواهر مماثلة، فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أعدها الاقتصاديون دوغلاس غولين، وريمي جداب، وديتريش فولراث، في 2015، أن التحضر في كثير من البلدان النامية يعني انتقال الفقراء من العمل في المزارع للعمل في الخدمات المحلية لا في المصانع.
وبالنسبة إلى دول مثل فيتنام وبنغلاديش، فهذه تعد أخباراً سيئة، ففي حال كان رودريك على حق، فإنه قد يتبخر التفوق البارز في مجال التصنيع الموجود لديهما في الوقت الحالي، كما أنهما ستجدان نفسيهما على خطى بلدان مثل إندونيسيا ونيجيريا والبرازيل، والتي تتراجع فيها نسبة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن ما سبب هذا التراجع في الصناعة؟ هناك تفسير واحد واضح وهو الأتمتة (أي استخدام الكومبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات والبرمجيات في مختلف القطاعات)، فإذا حلّت الروبوتات محل الطرف الأخير من سلسلة التوريد، فإن العمال الفقراء وغير المهرة الذين عادةً ما يشغّلون الصناعات البسيطة، مثل صناعة الملابس والألعاب وتجميع الإلكترونيات، لم يعد لديهم ميزة نسبية في التصنيع، ولذا فإن البلدان الفقيرة قد باتت تهتم بتصدير الموارد الطبيعية والخدمات المنخفضة القيمة مثل مراكز خدمة العملاء، تاركةً للبلدان المتقدمة التي لديها الأدوات والآلات والروبوتات عملية تصنيع المنتجات.
ولكن هناك أسباب وجيهة للتشكيك في حقيقة حدوث ذلك، فالصلة بين الأتمتة والعمالة تبدو ضعيفة، حيث وجدت بعض الدراسات أنه صحيح أن الروبوتات الصناعية يمكنها أن تحل محل العمال البشر، ولكن ترى دراسات أخرى أن هذه الروبوتات تزيد من فرص العمل أيضاً، بما في ذلك بين العمال من ذوي المهارات المنخفضة.
والأهم من ذلك، فإنه بالنظر إلى توقيت تراجع الصناعة فإننا ندرك أن فكرة رجوع هذا التراجع في بعض البلدان إلى التكنولوجيا هو أمر خاطئ، وذلك لأنه قد حدث الكثير من حالات تراجع التصنيع المبكرة، والتي سجّلها رودريك، بما في ذلك في نيجيريا والبرازيل، في الثمانينات والتسعينات، ولكن في نفس الوقت بالضبط، كانت الصين تزيد من قدراتها التصنيعية في الصناعات الكثيفة العمالة، كما كانت تبدأ معجزة النمو الخاصة بها، ولذلك فإنه يبدو من المرجح أن هناك أسباباً أخرى في البلدان التي انخفض فيها التصنيع.
وقد يكون لدى كثير من هذه البلدان ببساطة تصنيع مختلّ وظيفياً أو غير مكتمل، ففي أفريقيا، على سبيل المثال، استخدم عدد من البلدان سياسة الاعتماد على الواردات، حيث قامت بالاعتماد على التجارة ومحاولة تصنيع سلعها الخاصة فقط، وغالباً ما تستخدم المصانع غير الفعالة المملوكة للدولة في ذلك، وقد استخدمت البرازيل نهجاً مماثلاً، ولكنّ هذا يختلف تماماً عن نوع السياسة الصناعية التي تركز على الصادرات، والتي تدعم الإنتاجية، والتي يوصي بها رودريك أو تشانغ أو ستودويل، فعندما تخلت البلدان الفقيرة عن العوامل الدافعة للتصنيع، فإنها قد فتحت حدودها أمام الواردات، مما أهلك الصناعة المحلية غير الفعالة.
وبالإضافة إلى الأخطاء السياسية، فإنه ربما تكون الصناعة في الصين قد لعبت دوراً في ذلك، حيث إنه ربما تسببت هذه الصناعة الضخمة في هذا البلد الضخم في تحول الشركات متعددة الجنسيات بعيداً عن المنافسين الأبطأ مثل إندونيسيا، مما أدى إلى خنق صناعاتها الناشئة، حيث وجد رودريك أنه في المتوسط، لم تشهد دول شرق آسيا تجربة تراجع التصنيع بشكل مبكر مثل نظيراتها في مناطق أخرى من العالم.
وقد تكون النظرية الاقتصادية التي ابتكرها ماسيسا فوغيتا وأنتوني فينابلز، هي المفتاح لفهم سبب حدوث ذلك، حيث توقعا أنه مع تطور الاقتصاد العالمي، فإن المناطق المختلفة تتجه إلى التصنيع، واحدة تلو الأخرى، وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه لن يكون لدى الدول الأخرى أي خيار سوى الانتظار حتى تنتهي الصين من معجزة النمو الخاصة بها قبل بدء معجزتها الخاصة.
واليوم بفضل الارتفاع السريع في تكاليف الصناعات الصينية، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ورغبة الشركات المتعددة الجنسيات في التنويع في مواجهة تهديدات مثل فيروس «كورونا»، فإنه قد حان الوقت لبلدان مثل فيتنام وبنغلاديش لتبني الكثير من الصناعات كثيفة العمالة، وحتى البلدان التي تم تراجع التصنيع فيها، مثل إندونيسيا، فقد تحصل الآن على فرصة ثانية، فحتى اليوم يجب على الدول الفقيرة ألا تتخلى عن حلمها في التنمية القائمة على التصنيع.

أزمة لبنان المالية: 63 مصرفاً ليس أمامها إلا الدمج أو التصفية الذاتية

في أواخر العام الماضي، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة عشرة بالمئة ففعلت. وبموجب التعميم ذاته كان يفترض أن تزيد المصارف عشرة بالمئة ثانية قبل حزيران المقبل، لكن الحاكم وفق بعض المصادر جمّد مفعول التعميم بعدما تبيّن أن المصارف لن تستطيع تلبية طلب الحاكم، لعجزها عن تأمين مستثمرين جدد لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

مشكلة المصــارف لا تقتصــر على عدم قدرتها على استقــطاب مستــثمرين جـــدد، بعدما دخلـت منذ السابع عشر من تشرين الأول الفائت مرحلة جديدة من تاريخها. القطاع المصرفي الذي كان مصدراً لـ”ثقة الخارج في لبنان”، وتغنى طويلاً بقدراته على جلب الودائع والاستثمارات، صار متهماً من قبل الكثيرين. ساءت علاقته بالمودعين بعدما حجر على أموالهم وصار يقنّن مصروف يومهم من حسابهم بوسائل وصلت إلى حد الإهانة. يكفي استطلاع آراء العشرات كي نعرف كيف تحول موقف المواطنين من المصارف، وصار أي فرد منهم يفضل اللجوء الى أساليب أجداده القديمة للإدخار على أن يؤمن على أمواله في مصرف. ولم يكن مصرف لبنان أسلم وضعاً وقد صارت مصداقيته على المحك.

إزاء هذا الواقع، يواجه القطاع المصرفي معضلتين عليه معالجتهما، تتعلق الأولى بإعادة الهيكلة الشاملة التي بات الحديث عنها جدياً وضرورياً، والثانية إعادة ترميم ثقة المواطنين بالمصارف بعد كلّ الذي حصل.

أظهرت الوقائع في الآونة الاخيرة وجود نحو 63 مصرفاً (بينها 3 مصارف لا تعمل) يملك معظمها نحو عشرين متمولاً. وبيّنت الأزمة عجز المصارف عن الاستمرار، وحاجتهـــا إلى الدمج بنـاء على قانون. هـذه المصارف لم تعد قادرة على جلب مستثمرين جدد فصار الاندماج المصرفي إجراء لا بد منه. ومن هنا يتوقع أن تلجأ بعض المصارف غير القادرة على الاستمرار ضمن المستويات المطلوبة من الرسملة، إلى القيام بتصفية ذاتية أوالتوجه نحو خيار الدمج مع مصارف أخرى. غير ذلك لا ملامح واضحة بعد لخطة إعادة هيكلة المصارف وإعادة هيكلة مصرف لبنان التي تحدثت عنها خطة الحكومة أخيراً، علماً أن إعادة الهيكلة باتت ضرورة ملحة ولكنها محاطة بجملة من الأسئلة: من سيكون قيماً على ورشة إعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان التي اوصلتنا الى الخسائر الفادحة التي منينا بها؟ بالاضافة الى السياسات المالية والنقدية عبر سنوات ومن يعوض على الناس حقوقهم البديهية والتي نصت عليها مقدمة الدستور؟ يسأل وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش.

الهيكلة لا تكفي

أي نقاش بالموضوع يفرض ان يذكر الوزير بطيش بالمستحقات المترتبة على الدولة، بدءاً من أرقام الدين العام الذي بلغ 92 مليار دولار لغاية 31 كانون الأول 2019، تضاف إليه الإلتزامات المترتبة على الدولة، غير المدفوعة، لصالح الضمان الاجتماعي (ما يعادل حوالى 2,2 مليار دولار)، ولصالح مؤسسة ضمان الودائع ولصالح المتعهدين والمستشفيات، وغيرها والمقدّرة كلها بنحو 5 مليارات دولار. كما تضاف خدمة الدين العام للفصل الأول من العام 2020 بما فيها الكوبونات (فوائد نصف سنويّة) على محفظة اليوروبوندز. استناداً الى كل ذلك، يقدّر بطيش “إجمالي الدين العام حاليّاً بحدود 150 مليار دولار، بما فيها فجوة مصرف لبنان التي لم يكن احد في وارد الحديث عنها سابقاً، والتي أشرت اليها قبل عام”.

من يتحمّل مسؤولية كل تلك الخسائر؟ ومن استفاد من كل هذا الواقع غير بعض السياسيين والمصارف وكبار المودعين ومنهم مودعون غير مقيمين؟ ومن يتحمل تلك الخسائر الناجمة عن العجز المتراكم في الميزان التجاري، نتيجة النموذج القائم منذ التسعينات وعجز الكهرباء والهندسات المالية، التي طمست الحقائق والفوائد العالية التي دفعت بالدولار لا سيما لغير المقيمين، الذين قبضوها عملياً من ودائع الناس وحولوها الى الخارج.

لا تُحسد الحكومة على وضعها، “تبذل جهدها في مواجهة أزمة إقتصادية مالية نقدية مصرفية، نتج عنها ازمة اجتماعية وكلها على مستوى الخطـــــورة ذاتهــا لوبــــاء الكورونا”. أرقـام بالجملة ورواتب ومخصصــات خيالية يسردها بطيش، لينتهي منها الى وجوب إعادة النظر بالواقع الحالي من أساسه لكل من المصارف ومصرف لبنان.

ينتقد وجود أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان بينما لحاكم مصرف فرنسا المركزي نائبان، يتقاضى كل منهما راتباً سنوياً يبلغ نصف الراتب الحالي لنائب حاكم مصرف لبنان! ويتساءل عن الاعداد المرتفعة لكبار المسؤولين في مصرف لبنان وفي هيئة الاسواق المالية؟

ويكشف بطيش أن راتب نائب حاكم مصرف لبنان 33 مليون ليرة شهرياً مضروبة بـ16 شهراً مع بدل سفر يبلغ 2000 دولار يومياً، بينما يتقاضى الحاكم 3000 دولار يومياً عن بدل سفر!

لا يوافق بطيش قول حاكم مصرف لبنان في ما يتعلق بوجود إحتياط “لأن هذا الاحتياط غير موجود في مصرف لبنان، وهو سلبي لانه جرى التصرف بحدود الخمسين مليار دولار من ايداعات المصارف لديه، والتي هي جزء من ودائع الناس في المصارف وقد تبخر”.

ويوضح ان “ودائع الناس في المصارف بالدولار كانت تقارب 118 ملياراً حتى نهاية العام الماضي، يضاف اليها ما يعادل 40 مليار دولار بالليرة اللبنانية (على اساس 1500 ليرة سعر صرف الدولار). وصرح وزير المال والحاكم انه لم يعد هناك الا 22 مليار دولار، فأين ذهب الاحتياط إذاً وقد اصبح سلبياً، وأين أموال الناس؟ من شروط إعادة الهيكلة ان يكون هناك هبوط آمن ورؤية مستقبلية واضحة، ينفذها رجالات دولة بعيداً من المناكفات السياسية، وفي إطار قانون النقد والتسليف”. وفي حال حصل ذلك بعيداً من المناكفات السياسية، هل من مفاعيل لإعادة الهيكلة؟

تنظير ولا خطط

يستذكر خبير مصرفي التجربة الأميركية التي حصلت العام 1930، حين أعادت الولايات المتحدة هيكلة مصارفها، لكن بناء على إجراءات سليمة وسياسة نقدية للسلطات المعنية لم تؤثر سلباً على المودعين. “لكن الحاصل اليوم أن مسألة اعادة الهيكلة خاضعة للتنظير، فيما الكل ينتظر البرنامج الاصلاحي الكامل المتكامل للحكومة”.

برأيه، لا يستند الحديث عن إعادة الهيكلة إلى دراسة علمية، هي أفكار ومواقف سياسية “بدليل المذكرة التي أرسلها وزير المال غازي وزني الى الحاكم يسأله فيها عن موضوع تخفيض الرواتب”. ويقول المعنيون بشؤون مصرف لبنان إن الحاكم ليست لدية صلاحية البت في مثل هذا الطلب، وإذا تم تطبيقه فستكون له تبعات على رواتب سائر الموظفين نظراً لسلسلة النسب التي تخضع لها الرواتب في الفرق بين راتب وآخر.

“التنظير” يصف به الخبير أيضاً الكلام عن رفض وجود أربعة نواب للحاكم، مبدياً خشيته من ان يكون الهدف من إثارة الموضوع تقليص صلاحيات الحاكم، “كما ان بقاء الحاكم من دون نواب يجعل صلاحيته منقوصة ويفقده القدرة على اتخاذ القرارات”.

لكن بطيش “الضنين بالمصارف” يرفض ما يحصل اليوم، مبدياً حرصه على إعادة هيكلة المصارف وتحديثها لتكون في خدمة إقتصاد الريع، وتعود الى لعب دور في تطوير اقتصاد الانتاج وليس خادماً لاقتصاد الريع. يقول: “ما يهمني ان تلعب الدولة دورها في إطار نظام اقتصادي حر قائم على المنافسة الحقيقية، ولا تسيطر عليه الاحتكارات من اي نوع كانت”.​

غادة حلاوي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات