كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 4) ا

كيف يكون اتخاذ القرار ؟  ( 4)   –  4th October 2005

السفر في القطار والاتجاه  الخطأ .

ويعود محدثي الى سرد وقائع جولة جديدة من جولاته  مع السوق . يقول :

بعد هذه الحادثة ، أو بعد حادثة مشابهة ، آخذ على نفسي ألا أقفل صفقة إلا في الوقت والمكان المحددين لها ، وأن لا أدع الستوب اللعين من الإيقاع بي . أتحين فرصة أراها مناسبة . ألأخبار اليوم تشير الى امكانية تفوق اليورو على الدولار ، بيانات اميركا لا يرى المحللون لها تأثيرا إيجابيا على الدولار . أفتح صفقة شراء على اليورو ، أزيد عقودها أكثر من صفقة الأمس ، أحدد كعادتي للصفقة هدفا ، أتردد في تحديد الستوب ، أعود فأقرر تحديده تحسبا لطارئ كارثي .

أديت عملي ، وما عليّ الان إلا الإنتظار . أترقب السوق وفي نفسي رغبة بالإنتقام من السوق على فعلته السابقة بي ، أنوي مسبقا عدم السماح له بسرقة صفقتي مني بأي ثمن .

في البدء تسير صفقتي بحسب ما اشتهيت ، أحقق منها عشرين نقطة في دقائق قلائل ، أقرر ألا أقع في ما وقعت به بالأمس من خطأ ، أقول لن أقفل صفقتي قبل بلوغ الهدف .

في هذا الوقت يصدر تصريح عن عضو في المركزي الاوروبي ، هو يحذر من تباطؤ في النمو بحيث يكون قاصرا عن بلوغ الهدف المحدد له . بعد دقائق يرد نبأ فشل المحادثات بين الحزبين الكبيرين في ألمانيا لتأليف الحكومة الجديدة . يرتد السوق في الاتجاه المعاكس . أعرف انه من الافضل أن أعمد الى منع الخسارة عن صفقتي . أحاول التحرر من الأجواء التي كنت أعيشها لحظة فتح الصفقة ، أحاول التخلص من دغدغات الأمل  في إمكانية ردّ الخسارة التي تكبدتها بالأمس ، من الثقة الراسخة في كون هذه الصفقة مميزة ، وهي كفيلة بالتعويض لي ان انا صمدت فيها حتى النهاية . لا اقوى على ذلك !

أتعلق إذن بصفقتي ضاربا عرض الحائط مرة جديدة بقاعدة ذهبية كنت قد تعلمتها ، وهي تقضي بضرورة تغيير رأيي في اللحظة التي ترد فيها أخبار مستجدة ، أو تبدو على الشارت مؤشرات جديدة ، تحتم عليّ أن أعدل المخطط الذي أكون قد انطلقت منه .

أتعلق إذن بصفقتي مستعيضا عن الحكمة بالرغبة ، وعن الحنكة بالأمل ، وعن الاقتناع بالعناد ، وعن الموضوعية بالهوس . وكيف لي أن أحقق ربحا إن كانت هذه حالتي !

ويعود السوق الى المستوى الذي فتحت فيه صفقتي ، ويشتد أملي بان الإرتداد سيكون قريبا . أقول في نفسي : لن أضيع الصفقة ، سأصمد ولن أكرر غلطة الأمس .

ولا يفلح محيط فتح الصفقة على وقف التراجع الذي يتتابع . تحقق صفقتي خسارة عشرين نقطة . ألوم نفسي أشد اللوم . أقول : لو انني جنيت عشرين نقطة ربحا ، أما كان أجدى لي وأفيد ؟

ومن اللحظة التي أطرح فيها هذا السؤال ، تسوء أحوالي ، وتزداد كلّ لحظة سوءا .

السعر يقترب من الستوب الذي أكون قد حددته . أقول : ألغي هذا الستوب ، لا بد للسوق أن يرتد في الاتجاه المعاكس ، لن أدعه يسرق صفقتي مني .

ألغي الستوب على أمل ان يتم ما أرغب فيه ، وليس على ثقة أن يتم ما رسمت له .

ألغي الستوب اذا ، ألستوب الذي أكون قد حددته في لحظة وعي سليم مخطط ، ألغيه في لحظة إنفعال شعوري مستسلم .

أعرف في عقلي المفكر أنني أرتكب خطأ لا يُغتفر ، أعرف أنني أهمّ في ولوج النفق المظلم . رغم ذلك فأنا لا أقوى على التحرر من قوة الجذب العاطفي الشعوري الذي يشلّ قدرتي على تحويل يقيني الى فعل ، وصهر عمق معرفتي وقوة إرادتي ، بحيث أكون قادرا على تحويل المشيئة الى قرار،  والقرار الى واقع نافذ .

يجتاز السوق حاجز الستوب .  يتابع اليورو جريه ، وتتابع صفقتي جريها ، في الخسارة طبعا . لقد وقعت في فخ جديد ، أشد قساوة وأدهى .

مئة نقطة خسارة . أقول : لن أقفل صفقتي بالخسارة ، سوف أنتظر ان يعيد لي السوق ما سرقه مني . أقرر الانتظار ، ويطول انتظاري .

السوق لا يعود ، أنا لم يعد بمقدوري إقفال صفقتي الآن . العقود كثيرة ، الخسارة كبيرة . ما تبقى في حسابي لا يمكنه تغطية تراجع جديد للسوق إن حصل .

أنا ، صرت عاجزا عن التدخل في السوق لانقاذ شيء ما . صار دوري مقتصرا على التأمل ، والمراقبة ، والدعاء . ألآن كل شيء بات بيد القدر . الحظ هو الذي سيقرر النتيجة .

ويفعل الحظ فعلته بي . يقرر عني ما كان عليّ أنا تقريره . يتراجع السوق بعض النقاط القليلة . تسقط صفقتي في ما يسمى ال ” مارجن كولل ” ، أي نفاد الإحتياط اللازم في حسابي لتغطية خسارة اضافية .

صفقة جديدة فتحتها !

حماقة جديدة ارتكبتها  !

خسارة جديدة حققتها !

لو اني اكتفيت بالربح القليل لحصلت ربحا عوضا عن الخسارة .

لو اني منعت الخسارة عند مستوى فتح الصفقة ، لكنت قد منعت الخسارة .

لو اني اقفلت الصفقة على مستوى الستوب ، لكنت وفرت على نفسي هذه الخسارة .

لو ، لو ، لو !

كلمة لا يرددها الا الحمقى ، وها أنا أبرهن مرة جديدة على انتسابي الى ناديهم .

 

أصغيت لمحدثي في هذه المرة كما لم أصغي إليه في المرات الماضية . أخذتني بعضٌ من رحمة . رثيت لحاله .

رأيت بمواجهتي نفسا حائرة متألمة ، تبحث عن النجاح ولا تجده ، رغم كونها قد اجتازت مسافة غير قليلة إليه .

أحسست ولأول مرة رغبة عميقة بمحاورته ، لعلها رغبة مدفوعة بشعور خفي ينبئني عادة بوجود إمكانية للمساعدة . الحالة ليست من الحالات الميئوسة .

شعر هو أيضا بهذا التحول المفاجئ في موقفي . رأيت في عينيه بريقا لم أعهده في ساعات السرد .

أيكون قد استبشر بنجاحه في فك الخواتم عن لساني ؟ 

أيكون قد استبشر بسماع ما قد يفتح له أبوابا تعينه في تلمس الطريق ؟

 

لا اعرف إن كنت قد نجحت ، أو إن كنت سأنجح في مساعدة محدثي للخروج من النفق الذي أدخل نفسه فيه .

أنا أعرف بحق أنني سألته وأخبرته ، نبهته و حذرته ، خففت عنه وأشرت اليه ، نهيته عن أمور ووافقته على أخرى .

 

لا اعرف حتى الآن إن كنت قد نجحت في إقناع محدثي بصوابية مذهبي وأحقية آرائي .

لا أعرف إن كنت قد بلغت مرادي في خنق شخصية المضارب فيه وخلق شخصية التاجر .

 

لكنني اعرفُ !

 

أعرف أنني ما ضننت عليه بالحقيقة التي أعرف .

أعرف أنني ما اخفيت عنه سرا كان خفيا عنه . 

أعرف أنني حاورته .

 

وحواري مع محدثي سيكون له سرد قادم في مقال قادم ، إن أذن الله وأعان .

 

 

 

كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 3) ا

كيف يكون اتخاذ القرار ؟  ( 3)   –  19th September  2005

 

 
الحرامي بالمرصاد .

 
كنت قد تركت صديقي في الجلسة السابقة واقعا في فخ صفقات الحظ ، عارفا ان الربح الممكن منها نادر وقليل ، متوقعا تعليقا مني على ما سرد ، غير ظافر بما توقعه .
وعُدت فالتقيته في هذه الجلسة على ما تركته فيه من همّ ، وبما هو عليه من غمّ . ان شيئا لم يفلح بعد في جعله على الدرب السليم ، ولا هو نفع في حمله الى الهدف القويم .
أكمل محدثي سرده قال :
سمعت في الأسبوع الفائت خبرا ينبئ بان الدولار يتعرض لضغط هائل بفعل إعصار ” كاترينا ” الذي ضرب ولاية ” لويزيانا ” . أدركت انه من الصواب ان أكون في السوق بائعا للدولار . أسرعت الى حسابي . أمرت ببيع عشرة عقود دفعة واحدة . حددت 50 نقطة وقفا لها . مفضلا عدم المخاطرة بما قد يفاجئني من أمور .
شعرت بكوني قد أديت واجبي بكل أمانة . جلست هادئا ، منتظرا ما سيكون .
الدولار يرتفع ببطء . أقول : دقائق وتنقلب الصورة . لا بد من تحقق ما رسمت له .
الدولار يتابع الزحف ارتفاعا . أقول : أتركُ الجهاز لفترة ، رحمة باعصابي .
أحددُ هدفا لصفقتي . أغيب ساعة . أعود . أجد الدولار وقد انخفض أكثر مما رجوت له أن ينخفض .يأخذني الطمعُ . أندم لتحديد هدف لصفقتي . أقول : ليتني أبعدت الهدف أكثر مما فعلت .
أتلهف لرؤية ربحي المحقق . أبحث عنه في خانة الصفقات المقفولة . أتحضر للخبر السار . أصاب بصدمة .
يا لخيبتي ! لقد سرقها السوق مني قبل ان يتراجع . لقد سقط الستوب وضاع كل شيء .
أرمي محدثي بنظرة . اريدها مواساة ، ويظنها شماتة . يأخذه الغيظ  . يثور ، يصيح .
 أهدئ من روعه  . أقول : كان تحصل معي في أول عهدي بالتجارة ، يوم كنت أحتمي وراء حليف خائن ، إسمه الستوب . كنت أثور وأشتم وأهدد وأسعى الى الثأر . ألمؤكد أني لم افلح مرة في الثأر من السوق . الغلبة دوما له . يعطيك راضيا . ولا يعطيك مطلقا مرغما .
 
 
 
النزول في المحطة الخطأ . 
 
صمت محدثي مرة جديدة . بدت علائم القهر على محيّاه . رأيت ان استفزه ليكمل السرد . فعلت . اتهمته بالفشل . قلت : دع ما ليس لك ، أعط خبزك للخباز .
لعل محدثي أصيب في كبريائه . عاد فورا الى السرد . نجحت في ما رميت اليه . بلغت مقصدي . قال :
مضى علي وقت غير يسير مع السوق ، صرت أحسّ غالبا انه مني ، واني منه . بتت أشعر بقدرة على فك رموز كانت تعصي علي في ما مضى .
أنا اراقب تحركات بعينها . انتظرها . أشعر بنبض في السوق اعتدت عليه . أعرف أن هذا وقت شراء . أسمع هاتفا داخليا يهمس اليّ : الآن ، الآن ، علامَ تنتظر ؟
هو يدفعني ، يزرع الثقة في نفسي ، ينزع كلّ شكّ منها .
أراني مقداما . أعملُ ما يجب عمله . انتظرُ . لا يخيب ظني . تسير صفقتي في الربح المرتجى . أحقق نقاط عشرة ،  ثم خمس عشرة نقطة . تزداد دقات قلبي . يملأني شعور بالخشية والرغبة . خشية من فقد ما تحقق ، والرغبة بالحفاظ على برهان نجاحي .
بلا شعور مني ، وبحركة تنطلق من لاوعيي ، وبقرار متسرع ارتجالي أكسر به كل ما أكون قد رسمت من خطط ، أعمد الى اقفال الصفقة ، مهللا للخمس عشرة نقطة المحققة ، مفضلا إياها على النقاط المئة التي أشعر انها آتية . أقول : عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة . أما كها علمونا في المدرسة الابتدائية ؟
ومن يحقق نقاط عشرة ، ألا يستحق كأسا من الشاي ؟
وما ان ارشف الرشفة الاولى حتى يبدأ السوق بالجري ، نقاطي العشرة كانت ستكون خمسين ، لو انني لا ازال صامدا ، وبعد لحظات ، كانت ستكون مئة ، ومئة وخمسين ، يا لحظي التعس .
أغضب وأثور . أقفل الجهاز . أخرج من البيت الى حيث لا سوق ولا تجار في سوق .
يتوقف محدثي عن الكلام . أتقصد ألا أؤذي مشاعره . أحاول أن أخفي عنه ابتسامة . أخشى أن يسيء فهمي . لا أستطيع !
أحول الابتسامة الى ضحكة مدوية . استدرك قائلا : وانا ايضا في اول عهدي كنت اعيش هذه اللحظات .
 
 
الصعود في القطار الخطأ .
 
وهذه غلطة الغلطات ، قد تكون مدمرة ،  سردها لي محدثي ، وساسردها لمن يحب الاتعاظ في الحلقة التالية .
 
 

 

 

كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 2)ا

كيف يكون اتخاذ القرار ؟  ( 2)   –  15th August  2005

صفقات المتعة .
وما هي إلا لحظات حتى فعل جوابي في نفس محدثي ما شئتُ له أن يفعلَ ، فبان الارتياح على محياه ، وأشرق وجهُهُ ،  وعلت الابتسامة ثغرَه ، وعاودته الرغبة في معاودة السرد ، قال :

أعرف لحظاتٍ تتحكم بي فيها رغبة جامحة في دخول السوق ، وتتملكني احاسيس غريبة لا يسهلُ علي التفلتُ منها . أحاسيس تملأ علي مشاعري ، وتشل أفكاري ، وتعطل كل قدرة فيّ على التحليل . احاسيس تستحيل صوتا ، بل أصواتا ، تطن في اذني : ألآن ، ألآن ، إشترِ ، علامَ تنتظر ؟

ودون إرادة مني ، ودون شعور واعٍ ، –  وهنا تكمن المشكلةُ –  أجدُ نفسي قد ضغطت على حيث يرسَلُ أمرُ الشراء الى السوق ، وتتم لي العملية . وما إن تتمّ لي العمليةُ ، حتى أبدأ بالخوف منها ، وأشرعُ في كرهها . وما من عملية مكروهة يمكنها أن تحقق الربحَ ، هي ساقطة لا مهربَ من ذلك .

ألأحاسيس هذه تحملني إلى طفولتي ، إلى الفرحة التي كانت تمتلكني إن فزتُ بلعبة جديدة ألهو بها ، هي تذكرني بالنشوة التي كانت تتحكمُ بي عندما كنت أركب دراجتي الصغيرة ساعيا لإظهار مقدرتي  . هي تذكرني بفترة شبابي ، في أول عهدي بالقيادة ، بالمتعة التي كنت ابحث عنها وراء مقود السيارة ، فخورا بقدرتي على توجيهها حيث أشاء ، مزهوا بتميزي عن أقراني وتقدمي على رفاقي .

هذه اللذة ذاتها ، وهذه المتعة ذاتها ، وهذه النشوة ذاتها ، وهذه الفرحة ذاتها ، هي التي أبحث عنها الآن دون وعي مني ، في بحثي عن صفقة أفتحها . هي لذة التغلب على شيء ما ، هي متعة التميز عن شيء ما ، هي نشوة امتلاك شيء ما ، هي رغبة تحقيق الغلبة والنصر والإمتلاك .

هذه اللذة ، وهذه المتعة ، وهذه الفرحة التي أبحث عنها ، كلما كانت هي السبب في فتحي لصفقة ، كانت الصفقة خاسرة لا مُحال !!

نعم ، أنا اعرفُ بيتَ الداء ، ولا اجدُ له الدواء !

أنا اعرفُ أن الصفقات التي أفتحها إرضاء للذة ، وإشباعا لرغبة ، وتحقيقا لنشوة ، إنما هي كلها صفقات خاسرة . أنا اعرفُ ذلك ، ولا أستطيعُ للبلية ردا .

  

صفقات الحظ .

أنهى محدثي السرد ، مال الى فنجان كان قد نسيه على طاولة مجاورة ، ارتشف منه شيئا من القهوة ، صمت برهة ، ثم قال :

أقرأ احيانا تقارير الصحف الاقتصادية ، أبحث فيها عن المؤثرات التي يمكن ان توجه السوق أو تتحكم فيه ، أدقق في كل خبر وكل نبأ ، فلا يلفت ناظري شيئا بعينه ، ولا يرجح في تقديري رأي على رأي . أعمد الى التحليل الفني وأبحث فيه عن ضالتي . أريد صفقة تقنعني وأضمن الربح فيها . أدقق في كل المؤشرات . أرسم الخطوط وأحدد مناطق الدفاع والمقاومة . لا يلفت ناظري وجود حالة تستحق الوقوف عندها . حالة يصعب علي وصفها ، لكنني أعرفها، أعرفها جيدا ، فيما لو رأيتها   . حالة أصر على العثور عليها الآن ، ولكنها تعصي علي . أستنفذ صبري . أقول : هذه مقاومة تبدو لي جيدة . أجرب البيع عليها . وأفتح بيعا عليها .

أفتح عملية البيع بعد أن أكونَ قد أدنتُ نفسي من فمي ،  دون شعورٍ مني  .

أما قلت : أجرب البيع عليها . أليست التجربة ضربا من ضروب الحظ ؟ أليس الإتكال على الحظ أسوأ أبواب التعامل وأشدها خطرا ؟

بلى هو كذلك . أنا أعرف ذلك . ورغم معرفتي ، لا أقوى على التملك برغبتي ، فأقع في الفخ .

 صفقتي حظها في الربح قليل . هي صفقة حظ .

توقف محدثي عن الكلام ، ونظر الي كأنه يطلب رأيي في ما سمعت ،  لم يأنس في  رغبة في التعليق ، عاودته الرغبة في الحديث . قال :

 

وما قاله ، وما قلته يتبع سرده في الاسبوع القادم بإذن الله وعونه .

 

 

كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 1) ا

كيف يكون اتخاذ القرار ؟  ( 1)   –  8th August  2005

 

 
” إجعل لحظة اتخاذ القرار نتيجة تحليل وتدقيق ، إجعلها خلاصة تشوّف وتكشف ، لا دُفعة شهوة جامحة لتحقيق ربح  ، أو شُحنة رغبة متمكنة لممارسة لعبة البوكر . “
 
حادثني أحد معارفي ، قال :
ما فتحت عملية بيع أو شراء إلا وتحكم بي فور فتحها شعورٌ غريبٌ ، يكون أحيانا دغدغة ناعمة واثقة مريحة واعدة ، فيدخل ُ الأمل ُ الى نفسي ، والراحة الى أعصابي ، وأجدُني مستلقيا أراقب السوق بكل هدوء ، وهو يجري كمياه سبيل صافٍ في الاتجاه المُراد . وإذا الربح يتحقق بسهولة ، ويزداد بمرونة . يا لها من لحظات !
ويكون هذا الشعورُ أحيانا في اللحظة التي أفتحُ فيها العملية شعورَ تشككٍ وترددٍ وتخوفٍ ، يكون شعورا تشوبُه الضبابيةُ ويغلفه التشويش ُ ، أسمع صوتا من أعمق اعماقي  يناديني : لا ! لا تفتح هذه العملية . هو صوت تشوّفي وتكشّفي . أعرفه جيدا . أكرهه ، لانه لا ينصاع لي . أمقته ، لانه يعاندني دوما ، ويقف حائلا دون تنفيذ ما أخطط له .  أسارعُ الى إسكاته . أقتله في أعماقي . أخنقه في مهده . أفتح العملية رغما عن أنفه . أزرع  في غرفتي خطوات تخايل وشغف .
وتمرّ لحظات .
وتدقّ لحظة الحقيقة . يتسرب الندم الى نفسي . أدرك أنني أخطأت . لقد فعلت ما لم يكن عليّ فعله . لقد فتحت الصفقة إشباعا لرغبة ، وإطفاء لنارطمع ، وإخمادا للهيب شهوة .هذه هي الحقيقة .
تدقّ لحظة الحقيقة بعد دقائق على فتحي العملية ، وأحيانا بعد ثوانٍ . ولكن بعد أن يكون الأوانُ قد فات .
 لقد فتحت العملية لأنني انتظرت طويلا . انتظرت منذ الصباح ، إنتظرت اللحظة التي يجب عليّ أن أنقضّ فيها على السوق ، اللحظة التي أعرفها جيدا ، اللحظة التي طالما حققت لي الارباح ، ألكثيرالكثير من الارباح .
ولكن انتظاري طال . اللحظة لم تأت . غلبني طمعي . نسيت كلّ ما كنت قد رسمت لنفسي من حدود . أهملت مبادئ تشوفي وتكشفي . دخلت المعركة دون سلاح . انا أعرف اني خاسر . وهكذا يكون . صفقتي خاسرة ، لا أملَ منها يُرتجى .
أنهى محدثي كلامه . صعّد نفسا كان قد احتبسه صدرُهُ .  طأطأ رأسا كان قد رفعه في سردِهِ . تحسّرعلى علّة لا يجد لها دواء .
رأيت من واجبي مواساة محدثي ، قلتُ :
وأنا أيضا ينتابني هذا الشعور ، وكلّ عامل في هذا السوق ينتابه هذا الشعور . أنا أيضا أعيش هذه اللحظات ، وكل عامل في هذا السوق يعيش هذه اللحظات . أنا ايضا أبلغ نفس المبلغ ، وكلّ عامل في هذا السوق يبلغ هذا المبلغ .
أنا ايضا أدخل السوق ، وسرعان ما أدرك بعد دخولي ، إن كان من الصفقة ربحٌ يُرتجى ، أم ان كان منها خسارة لا بدّ من تاديتها . أدرك ذلك غالبا لحظات بعد فتحي العملية .أدركُ ذلك في اللحظة التي يكون فيها الفكر قد تحرر كليا  من وسوسات شيطان الطمع ، وتفلّت نهائيا من هلوسات غليان الجشع .
قلت ذلك لمحدثي مواساة له ، وتخفيفا عنه ، ورفقا به .
ولو وُهِبَت لي الحِدّةُ الواجبة في الكلمة ِ ، ولو قدّرَت لي القسوة اللازمة في الموقفِ ،  ، ولو رُميتُ باللامبالاة تجاه مشاعر محدثي .
لو كان لي كلّ هذا ، لكنت صَدَقتُ محدثي القولَ ، ولكنت أضفتُ :
كان ذلك يحدثُ لي في أوّل عهدي بهذه التجارة ، أما اليومَ فهو نادرا ما يحدثُ لي .
ولو اني قلت هذا ، لكان عليّ أن أضيف غير ممالق :
وأنت أيضا بعد فترة من التمرّس والدُربَةِ والدراية ، ستكونُ متحررا من هذه الآفة ، بإذن الله وعونه .
 
وللجلسة مع محدثي تابع في الاسبوع المقبل .
 

 

 

أدب التشوّف والكشف ، أو فن اتخاذ القرار

أدب التشوّف والكشف ، أو فن اتخاذ القرار    11th June  2005

 

 

التجارة شطارة !
قبل تعريف التجارة ، أما وجب تحديد الشطارة ؟
الشطارة نبالة ، أم نذالة ؟
الشطارة تشوفٌ وكشفٌ ، وكل ما سوى ذلك فانتهازية وحقارة !
التشوف والكشف يُفرَض أن يكونا أشرف آداب التجارة على الإطلاق ، لأن كل نتيجة متحققة ، سلبية كانت أم إيجابية ، إنما هي بلوغ لرسم تمّ تخطيطه ، وخلاصة لتدبير تمّ اعتماده .
التشوف والكشف يُفرَض أن يحملا أبعاد كل حقيقة ، وأن يكشفا كل مستور ، وأن يبلغا بمن نجح في إدراك مرماهما مبلغا هو الى نواة الامور لأدنى بل الى  الرؤيا لأقرب .
إن كل من امتلك أدب التشوف والكشف ، إنما هو قد امتلك أدبا يجرد التجارة ( وبخاصة تجارة سوق المال ) عن مفاهيم خاطئة التصقت بها في عصرنا التصاقا جعلها الى الانتهازية والشعوذة أقرب منها إلى الذكاء الصافي والفهم النقي والبلوغ الفكري الصادق .
إن كل من امتلك أدب التشوف والكشف ، إنما هو قد اختبر بعد معاناةٍ ، وأوقن بعد شكٍ ، وأدرك بعد اختبارٍ ، أن التجارة ( وبخاصة تجارة سوق المال ) ليست شطارة ، وليست لباقة ، وليست لعبا على الحبال ، كما يحلو للبعض ان يصورها .
التجارة ليست شطارة ، ولو أن الشطارة النبيلة المهذبة الايجابية الراقية الشريفة هي خيط من خيوطٍ مكونةٍ لنسيج شخصيةِ كلِ من عمل في التجارة .
 
التجارة في سوق المال تشوفُ أبعادٍ ، وكشفُ أسرارٍ ، وسبرُ أغوارٍ ، وبُعدُ رؤىً .
التجارة في سوق المال سياسة وسلوك وتدبير .
التجارة في سوق المال تشوف وتكشف .
التجارة في سوق المال خطة طريق .
نعم ، هي خطة طريق !!
 
التجارة في سوق المال فنٌ .
هو فن اتخاذ القرار .
هنيئا لمن بلغ  فن اتخاذ القرار .
اذ به ، وبه فقط ، بلوغ المُراد ! 
————————————
 كيف يكون اتخاذ القرار ؟
كيف أحدد ان كنت ناجحا أم فاشلا ؟
كم يجب علي أن أحقق من الربح حتى أصنف من الناجحين ؟
هل هناك استراتيجية محددة يجب ان أتبعها حتى ابلغ النجاح ؟
ما دور توصيات الخبراء في ذلك ؟
اين تكمن خطورتها ؟
اين هي ايجابياتها ؟
الباب الضيق الذي يوصل الى النجاح . اين هو ؟
كيف تكون تجارة أسواق المال مقامرة ؟
كيف تكون تجارة أسواق المال أرقى المهن  ؟
هل تجارة أسواق المال هي للعامة أم للنخبة ؟
من هي النخبة ؟
ان كانت للنخبة هل أستطيع أن أكون من النخبة ؟
هذه وغيرها من الاسئلة التي تدور في خلد كل راغب في دخول هذا العالم سيصار الى مقاربتها وبحثها في مقالات متتابعة إن شاء الله وأذن .
 
 
 

 

 

أدب الجلوس إلى الخوان ، أو فنّ اللا ” يوفوريا ” ا

أدب الجلوس إلى الخوان ، أو فنّ اللا ” يوفوريا ” –   27th May  2005

 

 

أدبُ تناول الطعام . أدبُ ترتيب المائدة والجلوس اليها . أدبُ الدخول في السوق . أدبُ الاشتراك في واحدة من أرقى التجارات .
أوجهُ الشبه عديدة ، ألمقاربة بين الحالتين قد تبسط الامور وتجعلها أكثر جلاء ووضوحا ، نظرا لاشتراك العوام من الناس في الوجه الأول ، وتوقِ البعض من نُخبهم إلى امتلاك فنون الوجه الثاني .
 
كنت منذ فترة غير وجيزة قد عقدت العزمَ على كتابة هذا الفصل والعمل على مقاربة فن دخول السوق من أدب الجلوس الى المائدة . وكأن الصدفة شاءت أن تضع قبالة نظري مشهدا تلفزيونيا يؤدي فيه واحدٌ من كبار نجوم السينما المصرية دور واحد من الباشوات الأكولين أمام مائدة امتدت عليها أطباقٌ حوت كل ما لذ وطاب .
كان الباشا يوشك أن يباشرَ بتناول الطعام ، وكانت عيناه قد جحظتا ، أو كادتا . كان ينظرُ إلى الفراخ المحمرة وقد تملكت وعيَه شهوةٌ جارفة ، وأخذت من جوارحه لذةٌ جامحة ، بحيث إن كل ملمح من ملامح وجهه عكس خشيته العارمة من أن ينبتَ الريش في هذه الفراخ المشوية ، وتعودَ لها الحياة ، ، فتهبّ من الطبق مصفقة بجناحيها ، ناجية بنفسها ، مفوتة عليه ما كان قد منى النفسَ به من شعور بالتلذذ والتنعم والشبع .
 
إستوقفني المشهدُ – وقد برع الممثل في تأديته خير براعة – فخفت ألا تتركَ عينا الرجل من الأطباق لفمِهِ نصيبا . قررت أن أتابع ما تبقى فكان العجبُ .
 
يدان تحملان ما قُدر لهما أن تحملاه ، ثم تعملان على إفراغ حمولتيهما في فم يصعب عليه استيعاب ما أُلقي فيه ، فاذا به يمضغ مقدارا ويبتلع مقدارا ، وهو بين المضغة والمضغة يرمي بقية الأطباق بنظرات تفضحُ كل ما يجول في نفسه من بقية لاحاسيس شهوانية فارغة من كل ما هو غير الطمع والشراهة والنهم والفجع .
أطلت عليك صديقي القارئ في أمر قد تراه غير ذي علاقة بما يفيدنا هنا في موضوعنا ، وأراه غير بعيد عما يشغَل بالك ويشغل بالي على وجه سواء . أطلتُ عليك ولكني لأصدقك القول أني ما فعلت إلا لكون أهمية هذا المشهد بالنسبة لي ليست قائمة بذاتها ، ولكنها كائنة بما يمثل من إقبال مفرط على الشيء ، وشراهة متطرفة في امتلاكه ، ونهم طريف في التهامه ، حتى ولو قارب ذلك حد الضرر ، وانعكاس النتيجة المرجوة  توعكا أو مرضا أو علة أو خسارة أو دمارا . إن أهمية هذه المقاربة تكمن أيضا في ما يمثل الأمرُ من مشابهة حية ظريفة كوميدية ، لحالة من حالات التصرف المحظورة في إدارة شؤون المحافظ التجارية في سوق المال الذي نحن من صلبه وهو هدفنا ومنانا .
 
ثق صديقي القارئ ، وأنا ما توجهت اليك إلا وقد صدقتك القول ، ثق إن آداب تجارتنا لا تقل أهمية عن آداب حياتنا في مختلف وجوهها . فكما أن هذه كفيلة بتمييز عضو إجتماعي عن أعضاء آخرين ، ورفعه الى درجة تفوقهم قيمة وعزة ، وقدرة على التاثير ، إن هو ألم بكل تفاصيل هذه الآداب ، وعمل على احترام كل دقائقها ، وتطبيق كل أوامرها ، وتحاشي كل نواهيها ؛ فكذلك إن آداب السوق كفيلة أيضا ، إن هي أُوليت ما تستحق من الاهتمام والإحترام ، كفيلة بتمييزه عن غيره من جمهرة المتعاملين العاديين ، المتعثرين في خطوات طمعهم ، المتدثرين بعباءات فشلهم .
 
وكما للجلوس الى الخوان آداب كفيلة برفع الجالس الى مصاف المختارين من الحضر ، أو بخفضه الى درك الهمج المتخلفين عن امتلاك أصولَ اللياقة والذوق السليم ؛ فإن للدخول في السوق آدابا كفيلة برفع الداخل الى مصاف الفالحين الناجحين الواصلين ، أو بخفضه الى مصاف الفاشلين الخائبين اليائسين .
وكما أن عينَ الآكل لا يجوز لها أن تلتهم الطعام قبل فمه . وكما ان تناولَ الطعام ومضغَ الادام يختلف عن الافتراس والإلتهام . فكذلك لا يجوز لعين المتعامل أن تقبل على السوق ملتهمة كل ما فيه ، مهللة للربح قبل حصوله ، محولة الأمنية حقيقة قبل تحققها ، بانية الأمجاد قبل الشروع فيها ، محتلة مكانا مخصصا لغيرها ، عارفة بكل شيء الا بذاتها ، سليمة من كل آفة إلا من أشدها خطرا : عنيت ال ” يوفوريا ” .
 
وكما أن يدَ الآكل يجب أن تكونَ رفيقة بمعدته رحيمة لها ، تحملها ما بوسعها ، وتوفر عليها عبء الضار من الاحمال ، فلا تدفع الى جوفها ما لا تتسع اليه ، وما ليس للجسم حاجة به ؛ فكذلك ترى المتعاملَ الحضاريَ مضطرا لأن يقيس بمقياس العقل ما يمكن أن يكون هو محتاجا اليه ، قادرا عليه ، وان يزين بميزان الحكمة ذلك الحد الفاصل بين ما يكفيه ، وبين ما تتسبب به قرارات جشعه  ونبؤات طمعه ، من أحمال ،لا وسع لأعصابه ولا حيلة لحسابه على تحمل تبعاتها . إن على كل داخل في هذا السوق أن يُحسن التفريق بين ما هو له ، وما هو لسواه  ؛ بين ما يمكن أن يكون له مفيدا ، وما يمكن أن يكون به ضارا ؛ بين حِمل يمكنه القيام به والسير فيه بتؤدة الى الهدف ، وحملٍ يتحول عبئا عليه ، فيَحُول بينه وبين ما خطط له . إن على كل داخل الى هذا العالم التجاري الفائق الأهمية أن يحسنَ تحاشي ال ” يوفوريا ” وكل ما تستتبعه من كوارث ، وأن يتمكن من فن اللا ” يوفوريا ” فيستوعبه كلية، ويجعل منه بندا أساسيا من بنود دستوره ، وقانونا رئيسيا في شرائع سياسته .
 
وكما أن آداب الجلوس الى المائدة تحتم على الآكل أن يأكل بموجب الحكمة الذهبية القائلة ” علي أن آكل لأعيش لا أن أعيش لآكل ” ؛ فإن آداب الدخول الى السوق ، وفن اللا ” يوفوريا ” يحتمان على كل متعامل أن يعمل بهدي مقولة مماثلة ، أراها من الأهمية بحيث انها تستحق أن تكتب بغير حبر ، وعلى غير ورق ، وأن تعلق حيث لا يغيب نظر . عنيت : ” إن قانون اللا  يوفوريا يحتم علي أن أتاجر لأعيش ، لا أن أعيش لأتاجر ” . والفارق شاسع بين الحالتين ، ولا أظنه يغيب عن كل لبيب . ومَن غير اللبيب من الإشارة يفهم .
 
 
وكما أن آداب المائدة تفرض على الآكل ، أو المشارك في الطعام ، إن هو اخطأ في المضغ لتعجلٍ أو ارتباكٍ ، فعض طرف لسانه ، ألا يثور ويغضب ، فيقلب الطاولة على الجالسين بمعيته ،  أو يعكر صفو الجلسة بولولة وشتم وتهديد . فإن فن اللا ” يوفوريا ” تفرض على المتعامل ألا يغذي مشاعر الحقد على السوق إن هو اُصيب بخسارة ، أو وقع في مأزق ، وأن لا يسعى بأية حال الى الإنتقام  منه في محاولة يائسة تهدف الى استرداد ما يعتبره حقا سليبا . وإن هو انزلق الى هذا الدرك فانما يعرض نفسه الى هزيمة نكراء مزدوجة ، والى خسارة شوهاء مضاعفة لن تكون له من السهل القيامة منها ، لان معاداة السوق لا تورث الى الخسارة ، ولان المندفع وراء إرادة الانتقام والثأر فإنما هو قد حكم على عقله بالتجمد ، وعلى أعصابه بالشلل ، وعلى إرادته بالتوقف ، وعلى مصيره بالفشل .
 
وكما أن آداب المائدة تفرض على الآكل ، أو المشارك في الطعام ، أن لا يجلسَ على المائدة إلا بعد أن يكونَ قد اهتم بنظافة يديه وفمه وكل ما يدخل اليه من غذاء ، حرصا على سلامة جسمه ومكونات بدنه ؛ فإن آداب دخول السوق تفرض على المتعامل أن لا يقاربَ جهاز عمله وأن لا يباشرَ نشاطه – حتى ولو كان يمارس عمله من جهاز في غرفة نومه – إلا إن هو عمد الى ايفاء جسده حقه ، وإن هو لبس رداء العمل النظيف ، نظرا الى كون النظافة الخارجية تعطي صاحبها شعورا خفيا بالنظافة الداخلية ، و لما في ذلك من إضفاء لحيوية وإدخال لفرح وإفاضة لبهجة  على النفس والروح ، ومن تيقظ للعقل ومن توقد للفكر ومن تحفيز لشدة الانتباه ودقة الملاحظة وقدرة المقارنة وصوابية الحكم ، من خلال ما يوفر للاعضاء من راحة ومناخ .
 
وكما ان آداب الاكل أن لا يُدخل الآكلُ طعاما على طعام فلا يأكلُ إلا عند إحساسه بالجوع ، ولا يشربُ إلا عند إحساسه بالعطش ، كي لا يُفسدَ نظام جسده ، السائر وفق وتيرة تأليف مبدع في سمفونية موسيقية تنسجم فيها كل اعضاء الجسد مؤدية لوظائف محددة . فإن آداب الدخول في السوق تقضي كذلك عدم الأفراط في الهجوم على السوق ، بصفقات قد تصيب المتعامل بتخمة ترهق اعصابه ، وتتعب فكره ، فيضل في غياهب لا يجد لنفسه منها نجاة . ومن هنا فالوصية هي إعطاء النفس فترة من الراحة بعد كل صفقة سواء كانت صفقة ربح أو خسارة ، لتهدأ الأعصاب وتستقيم دورة الدم ويصير الفكر مهيئا لمعاودة التخطيط والتحليل . هذا هو النظام الطبيعي السليم ، وكل ما سواه إنما يصنف ضمن قانون ال ” يوفوريا ” البغيض .
 
وإذا كانت النباتات والأزهار  ، بما تفوح به من روائح زكية ومناظر مريحة ، تُدخل على المائدة جوا مؤنسا لطيفا يساعد النفس على الانشراح ، ويساهم في تسهيل عملية الافادة مما يتناوله الجسم من طعام كثيف بتمرير جزيئياته الى ألطف اللطيف من الاعضاء ؛ كما أن ذلك صحيحا ، فإن تزيين مكان العمل بلوحات فنية مشرقة ، وتخصيصه بزهيرات وردية وأخرى سماوية أو بيضاء نقية ، يُدخل الفرحَ الى النفس ، والمرحَ الى الطباع ، فيتم التغلب على آفة ال ” يوفوريا ”  ويحضر روح الخير مرفرفا على المكان ساكنا فيه .  ولا يخفى ما لروح الخير من أثر في جعل البركة تحل والنعمة تُطل ، فتفتح أبوابُ الرزق ، وتُشرع نوافذُ الخير .
 
ولا يستهينن أحدٌ بما تقدم ، فإن مداواة العلة غالبا ما تكون بلمسة تحمل الشفاء ، أو بهمسة تطرد البلاء ، أو ببسمة تستدرج قبسا من النور المحيي . ومَن غيرُ النور المحيي قاهرٌ لظلمات النفس التائهة ، وملقنٌ لفنٍ اسمُهُ : فن ال ” لا ي و ف و ر ي ا ” .
 
 
 
 
 
 
 

 

 

أدب الرفق بالأعصاب (3) أو فن منع الخسارة

أدب الرفق بالأعصاب (3) أو فن منع الخسارة .   11th April  2005

 

 
حتى ولو سعى الكلّ لتضليلك ، بإخفاء ما دسُم وسما ، وإبراز ما وَضُع وتفه ، فأنا لن أفعل .
حتى ولو راوغ الجمعُ في ما ينصحون ، وكُذِبَ الكلّ في ما يصرّحون ، فصدّقني .
أنا لم أصرّح إلا بما خبرت ، ولن أبلّغ إلا بما عملت .
هذا السوق يبدوللكثيرين – إن لم أقل للجميع – غامضة حقائقه ، مبهمة تفاسيره  ، مشفرة مفاتيحه ، مرصودة أبوابه ، عميقة لججه ، خطرة مراكبه .
هذا السوق يبدو لي – وللكثيرين غيري – جليّة صفحاته ، بهيّة طلعاته ، حريريّة لمساته ، ورديّة بسماته ، محمولة عثراته ، مقبولة صفعاته ، مأمونة مواعيده ،  مأمومة موارده .
أنت وهو ، أنتم وهم ، الكلّ قادرون على أن يكونوا حيث أنا ، ليس في الأمر استحالة ، إن في الأمر لدقة .
المتعاملون في هذا السوق – من حيث الهدف الذي يسعَون اليه –  فريقان ، لا ثالث لهما .
يسعى الفريق الأول ، ومنذ يومه الأول ، وفي خطوته الاولى ، إلى التعجيل في إجراء ضربة العمر ، ضربة تنيله المبتغى كلّ المبتغى ، وتميزه عن أقرانه  كلّ أقرانه ، وتحمله الى النعيم ، والغنى ، والثروة ، والجّاه ، والعزّة ، والنفوذ ، والسّلطان .
 ضربة العمرِ ، ويا لها من كذبةٍ مُخمليّةٍ ندّاها إبليسُ بعطورٍ جناها من بستانٍ مَكرِه ، وحبكها بشِباكٍ حاكها من أحابيل مُغرياته .
ويسعى الفريق الثاني ، إمّا منذ يومه الأول ، أو، بعدَ أن يكون قد استخفّ بالنصيحة ، وتلقى الصفعة ، وتلقن الدرس ، وفهم السرّ ، وفكّك الرموز ،  وأدرك الأحجية ، وأشرك العقل ، وعطّل الجنون .
يسعى الفريق الثاني هذا الى تحويل العمل من مراهنة الى تجارة ، يسعى الى اتخاذ هذه التجارة مهنة أساسية ، يمتهنها ، يتقنها ، يمارسها ، يكسب رزقه منها . 
يسعى الفريق الثاني هذا الى رزقه كلّ يوم ، راضيا بما قسمه الله له من رزق ، مُوسّعا كان أو مُقترا عليه به ، فترى الواحد راضيا بالدينار ، وممتنا للقنطار ،قانعا بالقليل  ، راغبا بالكثير .
الى الفريق الثاني أتوجّه بحديثي ، واليه أسِرّ خفايا قلبي .
ألفريق الأول لا أعرفه ، أنا براء مما يفعل . أمقت غنى الظروف والمناسبات . أحِبّ جَنى فكري . أستلذ رغيفا دوّرته يداي .
 
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني نجاحَك في أن تؤمن دخلا ثابتا لك منها ، دخلا يكون ثمنا لمجهود فردي فكري وروحي في آن ، دخلا يتراوح بين القلة والكثرة بحسب ما منّ الله عليك من رصيد مادي ، وما وسّع عليك به من حنكة ودراية وذكاء .
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني بكل بساطة أن تكسب منها رزقا . ولتكسب منها رزقا ، لا بد أن تحقق منها ربحا . ولتحقق منها ربحا ، لا بد أن تمنع عن نفسك الخسارة .
 
نعم أخي المتعامل . لكي تنجح في تحقيق الربح في هذا السوق الهائل العجيب ، يجب أن تبدأ من حيث انتهى غيرك – قصدت من حيث فشل – ، يجب أن تهتمّ في الدرجة الأولى بمنع الخسارة . كلّ خسارة ، كبيرة كانت أو صغيرة . فإن نجحت في ذلك ، فقد نجحتَ في المرحلة التالية ، عنيتُ تحقيق الربح .
 
نعم أخي المتعامل . إليك سرّي :” إنّ تحقيق الربح يبدأ من النقطة التي لا يجوز أن تصل إليها ، وليس من النقطة التي يجب أن تصل إليها .”
 
إنّ السواد الأعظم من المتعاملين يبدأون عهدهم مع هذا السوق بالبحث عن الوسيلة المثلى التي تحقق لهم الربح . انهم يسعون الى دراسة كل المؤشرات المتوفرة ، الكل يبدأ بالبحث عن وسيلة تؤمن له فهم أسرار الدفاع والمقاومة السحرية . ألكل يريد ان يشترك بسباق باريس داكار . ألسواد الأعظم من المتسابقين يسعون الى امتلاك أفضل سيارة توصل الى الهدف . ألسواد الأعظم يسعى الى ال IBM او ال APPLE . ألسواد الأعظم  يفخر بال WINDOWS XP او ال NT . ألسواد الأعظم يفضل اليوم الشاشة المسطحة FLAT DISPLAY . ألسواد الأعظم ينطلق من باريس ويريد بلوغ داكار قبل غيره . ألقلة تهتم بكل المعوقات التي يمكن أن تحول دون الوصول الى الهدف . ألقلة انكبت قبل ساعة الصفر على هذه المعوقات وأوجدت حلا لكل منها . هذه القلة هي المؤهلة بالوصول الى الهدف . هذه القلة هي التي وصلت فعلا . هذه القلة بوسعها ان تصير هي الكثرة .
 يصل الى الهدف من أدرك موقع المنعطف ولم تنحرف سيارته عن الطريق . من استبق وجود حفرة ولم ينزل فيها متسببا بعطل يحتاج الى ساعات من التأخير . من لم يتجاهل عن قصد وعورة مسافة يعرف مخاطرها . من لم يركب مراكب هوسه وسار على رمال متحركة .
في السوق سباق ولا أمرّ . ليس بالضرورة أن يكون النصرُ من نصيب الأسرع . النصرُ هو غالبا من صنع الاذكى ، ألأدهى ، . ألحظ يمكن أن يكون من نصيبك مرّة لكنّ عقلك وفطنتك معك دوما . 
اخي المتعامل . إن روحَ نخوتنا العربية ، وأعرافَ فروسيتنا العربية ، وذهنية بطلنا عنترة ، لا فائدة لها في هذا المكان . نصحت واحدا من محدثيّ مرة بشعر عربي شاع واشتهر الى أن صار مثلا ، قلتُ :
ألعقل قبل شجاعة الشجعان ———  هو أوّل ٌ وهي المحلّ الثاني .
أعجبه كلامي كقول ، أثنى عليه ، أيدني في ما أرى ، هنأني على مبدأي . مضت دقائق خمس ، خاطبني بقوله : راهنت على صفقة كبيرة ضد الدولار ، في الصباح اكون قد خسرت كلّ ما في حسابي ، أو اكون قد ضاعفته . سألته : هل راهنت ضد الدولار ؟ أم تراك بعت الدولار ؟ أدرك صاحبي ما رميت اليه . لم يجبني . خفت عليه .
 عاد في الصباح  ليقول : ليتني عملت بما أشرت عليّ . لم أفاجأ بما أسرّ إليّ . واسيته . أمِلت أن يفلح في التغلّب على هَوَسِهِ .
 
مُحدّثي كنت قد حدّثته بمشهد قلّ من لم يشاهده على شاشة التلفاز . غزال يرعى في مرج أخضر ، هو يتلذذ عشبا طريا ساهيا عن كلّ ما سواه . على مسافة غير بعيدة أسدٌ يتربص اللحظة المناسبة للإنقضاض ، هو يمني النفس بلحم طري منصرفا عن كلّ ما سواه . في السماء جماعة من الكواسر تبحث عن حصّة في رزق قد يكون المولى ادخّرهُ لها في جعبة كرمه وإحسانه .
اللحظة دنت . ألأسد ينقضّ . الغزال ينهار . جماعة الاسود تشارك . جماعة الطير تنزل إلى الأرض . تتجمع على بعد امتار قليلة . هي تعرف قدرها . تعرف انها غير مدعوة . تقدّر الخطر .
البعض منها يغلبها طمعها ،  تسيطر عليها شهوة غريزية ، تندفع الى المغامرة ، تحبّ المخاطرة ، تقترب من الفريسة مستغفلة شبلا ، تلتقط حينا ما تستطيعه من رزق ناجية من شرّ انتقام  ، وتقع حينا في وزر جنونها فما تصيب إلا جروحا في عنق أو جناح عوضا عن نصيب في وليمة .
ألطيور المجرّبة تتصبر وتنتظر . هي تعرف أن ساعتها لم تأتِ بعد . هي تراقب بدقة العالم الفهيم . هي تدرك أنها ستصيب من الغذاء ما تحتاج اليه . هي لا تطمع بأكثر مما تحتاج اليه .
دقّت الساعة . شبعت الأسود . انصرفت عن المكان . تسابقت الكواسر الى الفريسة . نالت كلها ما تحتاج اليه ، كل بحسب قدرته وحاجته .
 
أخي المتعامل . إن شئت أن تلقى نصيبك في هذا السوق ، عليك :
1 – بالدرجة الاولى أن تسعى بكل ما أوتيت من حيلة وقدرة وحنكة ، حتى لا تكون الغزال .
2 – بالدرجة الثانية أن تقتنع بكل جوارحك ، وتدرك بكل مداركك ، أنّه ليس باستطاعتك أن تكون الأسد ، هذا دور غيرك من اللاعبين .
3 – بالدرجة الثالثة أن تعرف أنه قدّر لك أن تكون الطير الكاسر في هذا السوق ، فتشكرَ الله على نعمته ، وتراقبَ بدقة جماعة الطيرفي هذا المشهد التلفازي ، وتركزَ على كل حركة من حركاتها ، وتعملَ على التمثل بها ، وتقليد كل تصرّفاتها .
إن غامرت فكن طائرا سريع الحركة ، يحسنُ الإستعانة بجناحيه إن خانته قدماه ، كن حريصا على منع الخسارة ، أو  في أسوأ الأحوال على تقليلها . وإن لم تغامر فانتظر ساعتك ، إذ لن يفيدك بشيء أن تلبس جلد أسد . ألأسود تعرف بعضها .
أخي المتعامل . إن كنت مبتدئا في السوق فاعلم !
إنّ اول شرط لتحقيق الربح في هذا السوق هو تحاشي الخسارة ، التقليلُ منها ، منعُها كليا إن أمكن . وكن على ثقة ، إن نجحت في ذلك ، فإن نصيبك من الربح لا بد ان يكون محفوظا .
أخي المتعامل .
أخبرني أحدُ معارفي قال : لقد سمعت نشرة الأحوال الجويّة في الصباح ، كانت تبشر بيوم ربيعي مشمس . بعد ساعتين رأيت الغيوم الدكناء تغطي صفحة السماء . هي تتكاثر بحيث انها حجبت كلّ نورٍ من الشمس . ظللت واثقا بأن خطر العاصفة بعيد . ألم يؤكد مذيعُ الأخبار في الصباح إن النهارَ سيكون ربيعيا بامتياز ؟  لقد كنت أحمقا ، وما عرفت ذلك إلا بعد أن تبللت ثيابي ، وعدت الى منزلي في منظر جُرَّذٍ يخرج لتوّه من بركة ماء آسنة .
كُن  شديدا في التنبّه ، سريعا في القرار ، حازما في التنفيذ . إيّاك والعناد ! . إيّاك وبلادة الذهن !
 
أخي المتعامل .
إن مصير صفقتك يتحدّد فور فتحها ، بل قبلَ فتحِها . إعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن فتحت صفقة ودخلت بها السوق دون أن تكون قد حدّدت كل ما يحيط بالصفقة من مخاطر، ومن حظوظ ، فانت قد ارتكبت أشدّ الأخطاء ، ووقعت في أخطر المحظورات .
 إعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن قدرتك الذهنية تكون حرّة من كلّ قيد ، متحرّرة من كل ضغط ، قادرة على كل قرار ، عارفة بكل قاعدة ، واعية لكل خطر قبل أن تفتحَ الصفقة وتصيرَ داخل اللعبة . فإن فعلت ، فاعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن قدراتك العقلية هذه يختلف مردودُها ، فهي لا تلبث أن تصيرَ أسيرة المشاعر المدمّرة ، ولا يمكن لها أن تلبيَ النداء ، إن انت شعرت بحاجة ماسة لعونها .
خطّط لصفقتك قبل فتحها ، حدّد مسالكَ الكرّ ، أرسم مخارجَ الفرّ ، واحرص على ان يكون هدفك الأول في كلّ ذلك : منعَ الخسارة بأي ثمن .
 
أخي المتعامل .
هذا غيضٌ من فيضٍ . ولنا في الأمر كلامٌ وفير . أرجو لك التوفيق كلّه والخيركلّه . 
 
 
 

 

 

أدب الرفق بالأعصاب . ( 2 ) أو فن تحقيق الربح

أدب الرفق بالأعصاب . ( 2 ) أو فن تحقيق الربح . 

   14th March 2005

 

ألأعصاب ! وما أدراك ما الأعصاب !

إن نحن بحثنا في المكونات البشرية البيولوجية والشعورية ، وسعينا الى كشف المستور من أبواب التمييز، وفصل المرئي من عناصر التمازج بينهما ، فلقد يتبين لنا أن الأعصاب من أقرب الكثيف الى اللطيف ، في ما يكوّن هذا المخلوق البديع الذي نسميه إنسانا . بل هي أقربها على الإطلاق .

والمتعامل في أسواق المال ، هو أشدّ الممتهنين لأية تجارة أخرى  حاجة لإدراك هذه الحقيقة ، والغوص في أعماقها ، والعمل على تدريب طباعه ، لتكون أكثر تناغما مع حقائقها ، واستفادة من مسلّماتها .

ما من شكّ على الإطلاق ، في كون كل متعامل في هذا السوق  يسعى من خلال تجارته الى تحقيق ربح ، وتسجيل نصر ، وإدراك فوز . ولا يختلف امرؤ مع امرئ على كون الربح مبعثا للّذة ، ومصدرا للفرح ، ومنبعا للسعادة ، يستلذه كل من حققه ، ويفرح به ، ويسعد لامتلاكه . ومن لم يظفر بتحقيق مراده ، فما نصيبه الا النقيض : ألم ومرارة وشعور بالإنخداع .

هنا بدأت لعبة الأعصاب ، وإن هي بدأت ، فلن يكون لنهايتها من مجال . 

 

وإن بدأت لعبة الأعصاب ، فلن يكون من السهل بلوغ المراد ، ولن يكون من المستساغ تذوق لذة الإنتصار .

وكيف يمكن منع لعبة الأعصاب ، والحؤول دون انطلاقتها ؟ وهل لهذا من سبيل ؟

أنا ، علمتني الأيام انه ما من سبيل الى تحقيق أي ربح في هذا السوق ، إلا بعد إقفال كل الأبواب ، أو معظمها ، على لعبة الأعصاب المؤذية ، وكرّة الإنفعالات المدمرة .

أنا ، علمتني الأيام ألا أنخدع باللذة الخارجية ، معتقدا إنها قائمة في الأشياء المحيطة بي ، بما فيها الربح .

أنا ، علّمتني الأيام أن لا أنجذب إلى لذّة  ممتطيا جواد جهلي ، متمثلا بحشرة تمّ وضع قطعة صغيرة من الزبدة فوق أنفها ، فتندفع في كل اتجاه ، باحثة عن مصدر هذه الرائحة ، مفترضة وجودها في كلّ مكان ، في كلّ مكان ، إلا حيث هي .

أنا ، علمتني الأيام أن ابحث عن اللذة في كلّ مكان إلا خارج ذاتي ، وبعيدا عن نفسي . اللذة في داخلي ، والسعادة في وجداني ، والفرح في قلبي .

أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن ادركت كلّ بارقة فكر في أنوار مفكرتي ، واقتنعت كلّ نبضة حياة في نسيج وجودي ،  بأنه لا جدوى ، لا جدوى على الإطلاق من البحث عن الفرح ، واللذة ، والسعادة ، والنشوة ، والنصر ، والتميز ، في الربح الذي أسعى لتحقيقه .

أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن تمّت لي الحقيقة كاملة : أن إفرح بالخسارة ، وأقبلها ، وهلّل لها ، ورحّب بها ، وأوسع لها مكانا في صدرك ، بالتمام ، كما أنت فاعل بالربح !

نعم أيها الأكارم . أنا ، ما إن تمّت لي هذه الحقيقة ، حتى بدأت أحقق الربح ، وراء الربح ، دون أن أستشعر فيه  لذة ، ودون أن انجذب إليه باشتهاء .

نعم أيّها الأكارم . أنا ، ما إن تمت لي هذه الحقيقة ، حتى زالت لعبة الأعصاب عن مسرح عملي ، وسقطت من مفردات علمي ؛ فاذا بحلبة المصارعة مع السوق التي كنت أعيش عليها ، تتحول من تلقاء ذاتها الى فضاء فسيح  تتناغم  فيه الأصوات والألحان ، بحيث لا يمكن ان يكون مصدرا للفرح  ، أو ينبوعا للسعادة ، لأنه هو الفرح عينه ، والسعادة عينها .

نعم أيها الأكارم . أنا ، ما ان تمت لي هذه الحقيقة ، حتى أمسيت محققا للربح في الغالب ، وللخسارة في النادر ؛ دون أن أفرح به ، أو أحزن لها .

نعم أيها الاكارم .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان ساوينا بين الربح والخسارة وقبلناهما على أرض سوية ، وتحت سقف سويّ  .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان عملنا من أجل العمل ، ومن أجل العمل فقط ، عنيت : ليس من أجل الربح . 

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان عملنا من أجل الربح ، أو – أقول أو – من أجل الخسارة على السواء .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان امتلكنا آدابا جليلة رفيعة سامية ، أسّها أدب الرفق بالأعصاب .

 

 

 

أدب الرفق بالاعصاب

أدب الرفق بالاعصاب .  

   14th February 2005

 
مقالتي اليوم هي وليدة صدفة نتجت عنها زحطة لسان في حديث جمعني مع عزيز .
قلت : عليك ان تمتلك وأن تتشبث بفنٍ ، إسمه فن التعامل مع الأعصاب ، فتحافظَ بذلك على كلّ فلس تحققه في تجارة البورصة وتزيد عليه .
ما ظننت أن كلمتي ستفعل في نفسه ما فعلت ، ولا ستقع منها حيثما وقعت ، إذ طالعني في اليوم التالي بقول حرّك في نفسي رغبة بالكتابة .
قال : كلمتك بالإمس أنبتت فيّ بذرة كانت لا تزال غافية ، وهي تتنامى ، وأنا أتنعم بفيئها .
طربت لما سمعت من العزيز ، كعادتي عندما أسمع من عزيز قولا يوحي بانه نجح ، بطريقة ما ، في زيادة لبنة ولو واحدة على ما يبني .
أدركت أهمية الكلمة ، واستشعرت إهمالا مني بعدم تفصيلها حتى اليوم . غفرت لنفسي الإهمال وسمّيته تأخيرا ، لكوني كنت قد نويت كتابة سلسلة مقالات عنوانها  ” أدب البورصة ” ، وكان هذا المقال ليحتلّ مكانه في السلسلة المذكورة دونما شك . وها أنا ، ولأن الحادثة حرّكت فيّ رغبة بالتقاط قلمي ، والبحث عن ورقة ، أراني قد بدأت بالحديث عن واحد من فصول ” أدب البورصة ” قبل أوانه ، إيفاء بوعدي ، وإرضاء لأنانية الرغبة في الكتابة ، وإفادة لمن يهمه هذا الامر .
وعدت العزيز بكتابة مقال أعنونه ” فن التعامل مع الاعصاب ” ، وها أنا أشعر برغبة في تعديل العنوان ليكون ” أدب الرفق بالأعصاب ” ، ظناً مني بأهليته في نقل أبعاد وأعماق ، وفي غرس بذور لأحاسيس ونبضات ، ما كان ليستطيعَها العنوان الأول .
هدفي كان ، وسيبقى ، شيئا من التنوير في درب مَن هدف الى اتخاذ العمل بالبورصة مهنة له . وما انحرافي الآن الى بعض اللقطات المعبّرة المقتبَسة من المسرحية السياسية التي يجري تمثيلها حاليا على المسرح السياسي اللبناني ، إلا رغبة في إلقاء الضوء على كيفية تحاشي الأخطاء ، توفيرا لتحمّل عبئا لا بد أن تورثنا اياه .
اقتبس لقطات من المسرحية السياسية لشدة قربها من حياتنا ، نحن العرب . نحن سياسيون بالفطرة . كلنا سياسيون . نهتم بالسياسة ونعمل بها ونتلهّف لها ، بطريقة تختلف كليا عن عمل وتلهف أهل الغرب ، هي خبز يومي لنا .
نحن كلنا سياسيون ، فإلى إيضاحاتنا التي لا أرمي منها إلى انتقاد ، ولا إلى نصرة فئة على أخرى ، من الفئتين المتصارعتين على مسرح الساحة اللبنانية الحالية ، مع تقديري ومحبتي لهم جميعا ، ومع إعجابي وذهولي بهم جميعا ، لما يتمتعون به من لياقة ، في الأبدان  بتحويلهم المسرح الى حلبة ، وفي الأذواق بامتلاكهم كلّ آداب السياسة وفنون الحكم الراقي والمعارضة الخلاقة .
اقتباسي لمشاهد من المسرحية اللبنانية هذه ، ليست انتقاصا من المسرحيات الأخرى التي يقوم بها ممثلون آخرون في أمكنة أخرى من عالمنا العربي . أرجو التكرم بالنظر اليها من زاوية الأهمية البالغة لما يجري اليوم على المسرح اللبناني ، واختصاره المعبّر لما يجري على المسرح العربي عامة . افتباسي هذا له علاقة ايضا بقناعة كون لبنان في قلب كل مواطن عربي ووجدانه .
أطلنا ، ولنعد الى صلب ما نحن فيه . ألأعصاب وفن التعامل معها ، مسجلين الآتي :
في السجال الدائر منذ فترة حول الأكثرية والأقلية في تكوين نسيج المجتمع اللبناني ، أسجل دعوة أحد الاقطاب الفاعلين في السياسة اللبنانية الى إجراء استفتاء عام حول القضايا المختلف عليها . أسجل أن هذه الدعوة بحد ذاتها كانت إنفعالية الى حدّ ما لكونها غير متناسبة مع الواقع اللبناني الطوائفي .
في رد على الدعوة المذكورة ، إنبرى إبن أحد الاقطاب المعارضين الكبار ، وهو ورث السياسة عن جدّه ، وسار على خطاه ، ويتدرب حاليا على يد أبيه . إنبرى ليقول :  “الكلمة ليست للأكثرية الكميّة ، بل للأكثرية النوعيّة “.
الكلمة هذه خير مثال على عدم إتقان الرجل فنّ التعامل مع الأعصاب واللطف بها ، ممّا أثار في وجهه عواصف من الردود والإتهامات ، إضطرته أخيرا الى محاولة التوضيح لما قصد من كلامه ، دون أن ينجح في ذلك . الكل فهم أن مقاصده هي نفسها ما كان جده يعمل بموجبه ، ويُختصر بالقول أن المسحيين متفوقون على المسلمين في لبنان بامتلاكهم الثقافة الغربية ، رغم تفوق المسلمين بعددهم حاليا . صاحبنا لم يسمع بعد بحقيقة التحولات الأخيرة والتي جعلت من المسلمين في العقود الثلاثة الماضية ، قوّة ثقافية وعلميّة شمولية لا تقلّ عن قوّة المسيحيين الفاعلة . يبدو انه لم يستطع التخلص من المعادلة التي كانت سائدة في السبعينات والتي سمعها من جدّه في طفولته ، وهو في لحظة فلتان لغرائز معينة ، وفي ظل غياب ” فن الرفق بالاعصاب وأدب التعامل معها ” ، أوقع نفسه في مأزق كبير وخسارة كبرى ، أظن أنها ستلازمه تعييرا طيلة حياته السياسية . هذه الحالة من الفلتان لغرائز معينة ولغياب لحالة  ” الرفق بالاعصاب وفن التعامل معها ” ، هي ذاتها التي توقع التاجر في البورصة في مآزق تسبب له الكثير من الإحراج والأسف والندم . وما كان كلامنا عن السياسة ، إلا توسلا للوصول الى النتيجة التي تهمنا في تجارتنا .
 
رئيس حكومة لبنان الحالي عمر كرامي ، وبعد اشتداد الضغوط عليه من طرف المعارضة ، بان عليه التوتر والإنفعال ، قال في تصريح مقتضب : ” باليومين القادمين منفرجيهم ” يقصد المعارضة . الصحف تندرت كلها على دولة الرئيس – الديمقراطية وحريّة الرأي في لبنان تسمحان بذلك – الكلّ انتظر نهاية اليومين ، دولة الرئيس نسي تهديده عندما هدأت أعصابه .  الرأي العام لا يرحم  . لم ينس تصريح دولة الرئيس . الصحف تذكره به بين الحين والحين ، هي تعرف انه لن يجيب ، هو يعرف انها لا تريد جوابا . المسرحية تجري  ، نحن في الصالة نضحك ، إضحكوا معنا . ما يهمني من الأمر هو أن دولة الرئيس في لحظة مهمة من لحظات حياته السياسية ، غابت عنه لفتة الى فصل أساسي من فصول قاموس آداب السياسة ، ما كانت لتغيب عن أخيه الرشيد رحمة الله عليه . هذا الفصل له عنوان متكرّر : ” أدب الرفق بالأعصاب ” . صفقة رئيس حكومة لبنان كانت خاسرة .
 
وزير الداخلية وفي مواقف عديدة ، خرج عن المألوف في الحديث ، ووصل الى حد الشتم بكلام غير لائق . ألكل أجمع على كون معاليه متوتر الاعصاب ، والبعض استرسل في نصحه بوصفات طبية شعبية مختلفة . رئيس طائفته أنبه ناعما . معاليه افتقد في تلك اللحظات ” فن التعامل مع الأعصاب ”  . أخطأ وكان خطأه كبيرا . هذا أمر سيعيره به الكثيرون ، وسيستغله أخصامه ، إن هو ترشح آجلا أو عاجلا الى رئاسة الجمهورية . صفقته كانت خاسرة .
 
زعيم معارض كبير في معرض اندفاعه اتهم حزبا ذا نفوذ مميز بقتل والده قبل ثماني وعشرين سنة ، دون أن يملك برهانا على ذلك . ألأمر ورّطه بدعاوى قضائية  أقامتها عليه الجهة المُتهَمَة . الزعيم المشهود له بالحنكة أخلّ في عمله هذا بقانون أساسي يقضي بالتناغم الدائم مع ميزان الاعصاب الشديد الحساسية . صفقته كانت خاسرة  .
 
كفانا انتقادا ، وللقوم حسناتهم أيضا ، هيا بنا اليها .
 
في قراءتي اليوم لاخبار أمس السبت الموافق ل 12 فبراير 2005 ، لحظت موقفا إيجابيا يستحق رئيس الحكومة التهنئة عليه  .
الخبر التالي قرأته في إحدى الصحف : ” السلطة أقدمت أمس على احتجاز أربعة ناشطين من جمعيات خيرية في العاصمة من الصباح لتفرج عنهم في التاسعة ليلاً، بححة التحقيق معهم في قضية إقدام “جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية” على توزيع صفائح من الزيت على العائلات المحتاجة”.
والمجهود القضائي الذي تبذله النيابة العامة التمييزية وقسم المباحث الجنائية المركزية على هذه القضية لم يتوقف عند هذا الحد، بل تمّ استدعاء الناشطين الأربعة الى التحقيق مجدداً، غداً الاثنين.” انتهى الخبر .
التوقيف كان بتهمة رشوة الناس لاغراض انتخابية . اي اطعام الناس زيتا ليصوتوا في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري بعد شهرين مع الجهة التي تطعمهم اليوم وهي جمعية خيرية تابعة لمؤسسات الرئيس رفيق الحريري .
ليس هذا ما يهمني بالخبر وهو لا علاقة له ببحثنا .
المهم أن القضية تطورت ، نواب جبهة الرئيس الحريري قصدوا قصر العدل لمقابلة المحتجزين . تمّ منعهم من ذلك .  مما دفع بمفتي الجمهورية اللبنانية للاتصال برئيس الحكومة تعبيرا عن رفضه لمنع ايصال الزكاة الى مستحقيها تحت أي ذريعة .
سماحة المفتي اتصل مرة ومثنى وثلاث ورُباع وخُماس ، ورئيس الحكومة لا يجيب . في المرة السادسة وُفق في ذلك . حصل على وعد بالتدخل وإجراء اللازم . 
أيضا ليس هذا ما يعنيني في الأمر . ما يعنيني أنا فيه هو أن الرئيس كرامي قد نجح هذه المرة بامتلاك ” فنّ التعامل مع الاعصاب ”  فأعطى نفسه المهلة الكافية بتأخير المحادثة وتاجيلها والمماطلة بها ، ريثما تكوّنت لديه القدرة النفسيّة الإيجابية ، وريثما تجمّع عنده المخزون الفكري اللازم ، لمواجهة صاحب السماحة بما يمليه عليه الأمر من توازن في الحديث ورصانة في التعبير ، فوفّر على نفسه ردّة فعل متسرعة من نوع : ” منفرجيهم باليومين القادمين ” . رئيس الحكومة أجرى بتصرفه هذا صفقة رابحة .
مع تسجيلي للرئيس عمر كرامي حكمته وحسن امتلاكه هذه المرة – وبايحاء من روحية أخيه المرحوم رشيد – ل ” أدب الرفق بالأعصاب ، وفن التعامل معها ” ، أدعو أعزائي المتعاملين في تجارة البورصة الى التشبه به ، بتأجيل الهواتف التي تأتي في أوقات غير مناسبة داعية بفتح صفقة معينة ، إن سيطر على المتعامل جوّ من انعدام الشفافية ، وكثافة الضبابية في الرؤية ، وبالأخص ان كان الهاتف الداخلي ملحاحا على القول : ” ماذا تنتظر يا هذا ، إشترِ ! ها قد بلغ النهار نصفه ، وأنت لم تعقد صفقة واحدة الى الآن . “
وطالما إني قد سجلت لرئيس حكومة لبنان الحالي هذه الحكمة ، وأقريت له بهذا الأدب السياسي الملتزم ، فلا بدّ من الإتيان على ذكر ما طالما أُعجبت به من مواقف للرئيس السابق لحكومة لبنان . مواقف توحي بأن الرجل يمتلك أدب الرفق بالأعصاب وفنّ التعامل معها بامتياز .
لقد حاولت أن أسجل عليه موقفا أو زلة تساويه هو بغيره ، وتجعلني انا بعيدا عن الانحياز في بحث موضوعي  ، فما استطعت . ما وجدت هذه الزلات على الأقل في المسرحية السياسية التي تدور رحاها الآن على المسرح اللبناني ، والتي بدأت بفصل تعديل الدستور في سبتمبر الماضي .
فن الرفق بالأعصاب الذي يمتلكه رفيق الحريري قد يكون عنصرا مهما وأساسيا من عناصر نجاحه الفائق سياسيا وماليا واقتصاديا . وهو الراوي عن نفسه : ” كانت أمي تجري لنا – أنا وأخوتي – حمامنا الأسبوعي في اللكن المعدني ، وفي نفس الغرفة التي نجلس وننام فيها . وفي صباي عملت صانع دكان يبيع الحلوى ، وهو ما زال موجودا الى الآن ويثير فيّ ذكريات طيبة “. “
أنا على ثقة بأن امتلاك الرجل أدب الرفق بالأعصاب كان ولا يزال من أهم العوامل التي حققت له هذه النقلة النوعية على جميع المستويات .
أخي المتعامل ، لقد أطلت في أمثلة أرجو أن تكون على شيء من التعبير الكافي لتجعلك مستعدا لتفادي مخاطر الاستخفاف بما يجب ان أن يُجَلّ في مهنتنا هذه . وعدي أن نُتبع بحث اليوم بآخر يوسع ما يعنينا نحن في السوق من هذا الموضوع . رجائي من الله أن يفتح ما قد يكون موصدا في وجهك من أبواب تقود الى المزيد من النجاح . ولا نجاح بدون معرفة .
 
 
 

 

 

بائعو التوصيات استنادا الى تحليلات خاصة

2

  –  بائعو التوصيات استنادا الى تحليلات خاصة .    30th January 2005

 
وما أكثرهم !
وما أشق التفريق بين الغثّ والثمين منهم !
وما أصعب من إصدار حكم لهم ، أو عليهم !
كلّهم يتوخون الربح ، كما كلّ واحد في هذا السوق الهائل . فماذا تُراهم يكونون ؟  طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟
ألاتهامات لهم كثيرة كثيرة ، وقد تختصر في واحدة يرددها الكثيرون : لو كان هؤلاء فعلا طهاة مهرة ، فعلام يلجأون الى بيع توصياتهم ؟ ألا يكفيهم أن يطبقوها بيعا وشراء ، فيحققوا بذلك ثروات طائلة ؟
تهمة سمعتها من أكثر من مصدر ، وفي أكثر من مناسبة ، فلنحاول التأني والتبصروالتدقيق ، ثم نعمد الى إصدار المناسب من الأحكام .
 
في بادئ الأمر ، وقبل كلّ طرح لإشكال ، وقبل كل تعميم لتساؤل ، وقبل كلّ تدقيق بأمر ،  وقبل كل إصدار لحكم ؛ لا يجب الأغراق ، ولا يجوز الغوص في غياهب الشك الذي إن تكاثرت خيوطه بدون رادع علمي منهجي موضوعي ، تحولت الى حبال خشنة تلتف حول أعناقنا وتحوّلنا الى دمى مؤتمرة لكل ما هو ضلال وضياع .  ، إلى ذلك لا يسمح الإنصراف أيضا ، ولا يصحّ الإغراق أيضا في نظرية المؤامرة الغريبة الدائمة التي تحاك ضدنا ، من خصوم نعرفهم حينا ، ونجهلهم أحيانا ، فنحارب ضدهم ،حتى ولو كانت معركتنا ضد طواحين الهواء . الشكّ المتطرف هو مدخل الى سراديب الضلال ، والدخول الى غياهب الضلال خسارة لا منجاة منها ، ولا منقذ من تشعباتها .
 
انا لا اريد ان أتخذ موقفا مسبقا من الأمر قبل الشروع ببحثه ، فيكون مَثلي مَثلُ الطبيب الذي وصف الدواء ، ثم عاد للكشف على المريض وارسال عينات دمه الى المختبر . أنا لا أريد أن أعمل ما أكره ، وأن أسلك مسالك التعصب لرأي في سعي للبحث عن الحقيقة ؛ لكنني لا أخفي سرا إن أنا صرحت بحقيقة تملك عليّ نفسي ، وتشغل كل ذرة في كياني . أنا لا أستطيع أن أرمي الإتهامات جزافا ، أنا أكره الظلم موجها إليّ وأمقته موجها لغيري . فلنسلك دروب الحقّ في بحثنا الدؤوب عن الحقيقة ، ولنا في ذلك من الله العون والتوفيق ، إن هو شاء وأذن .
 
أن يكون بين بائعي التوصيات المنتشرة بين البنوك والمؤسسات والأفراد أناس متطفلين على هذه المهنة ، أو حديثي الوجود فيها ، او أصحاب مصلحة في توجيه القراء من خلال تبليغهم لتوصيات معينة ، لهو أمر من المسلمات الأكيدة التي لا يمكن لصاحب عقل راجح ان ينكر وجوده أو أن يدافع عن نقيضه ، دون أن يكون كلامه موضع شكّ وريبة . إننا نشهد كلّ يوم ، ونتعرف كلّ أسبوع على محلّل جديد  للسوق ، أو مقدم حديث  لخدمة التوصيات أو غيرها ، ثمّ لا يكاد وقت ينقضي ، فنتعرف بطريقة ما على الشخص المذكور ، فنعرف أنّه حديث العهد بهذه المهنة ، وقليل الخبرة فيها ، فهو في الأمس القريب كان لا يزال يسأل عن معاني كلمات من أمثال : ” ترند ”  و ” دفاع ”  و  ” مقاومة ” و ” مؤشر” . وهو في الامس القريب كان لا يزال يستفسر عن الفارق بين كلمتي  ” ترايدر ”  و ” بروكر”  ، وعن الفارق بين هاتين الكلمتين وكلمة  ” ترند “.
نعم يا سادة ، إنّ هؤلاء الأخوة موجودون على كثير من المواقع المستحدثة ، يصولون ويجولون ، يتحفون القراء بنصائح لا تحصى ، يهاجمون من طاب لهم مهاجمتهم ، ويثنون على من طاب لهم الثناء عليه ، وكل ذلك في إطار مصلحتهم الخاصة ، فهم إما قد قرروا ان يصيروا مقدمي مساعدة في الفوركس ، او إنهم قد نظموا أمورهم ، وتمكنوا بكلفة لا تزيد عن الألف من الدولارات ، أن يفتحوا لانفسهم موقعا على الانترنت ، وأن يصيروا مستضيفين لجملة من المهتمين في هذه الأمور . وها هم الآن يتبارون في إصدار الفتاوى ، ويتسابقون في التحريم والتحليل ،  فهذا بنظرهم صليبي متآمر لا يجوز السماع له أو التحدث إليه ، وذاك بنظرهم يصدر توصيات خدمة لبروكر معين وليس مساعدة للمتعاملين ، وذانك برأيهم فاشل عديم الفائدة ، لأنهم لم يسمعوا بعد أن أحدا قد نجح في تحقيق ثروة من توصياته المزعومة .
نعم يا سادة ، إن سيئي السمعة ، حديثي العهد ، قليلي الحظ هؤلاء قد جربوا في بادئ الامر حظهم في التداول وفشلوا  – أقول جربوا حظهم ، وأنا اعني ما اقول ، وما من داخل لهذا المجال تجربة لحظ إلا وقد لاقى الفشل  –  جربوا حظهم ففشلوا ، وها هم يتحولون الآن الى عمل آخر ، ومهنة أخرى ، لقد صاروا صيادي عملاء . إنهم يرمون  شباكهم على كل ماء ، وينصبون فخوخهم على كلّ برّ ، لا همّ لهم  سوى اصطياد عميل  دسم ، ويا للحظّ إن كان العميل غرّا ، كبير الثروة ، كثير المال ، وفير الخير ،  قليل الخبرة ، نادرالتجربة ، لم يفقه الكثير بعد من أسرار هذه المهنة وخفاياها ، فهو سريع في تصديقه ، قليل في سؤاله ، سهل إغراؤه ، متيسر إغواؤه  .
وهذه الفورة المستجدة في نشر المواقع على شبكة النت ، هذا الكمّ الهائل من البائعين والموصين والخادمين ، يستأهل وجودهم حالة من التيقظ والتنبه ، لا أنكر ذلك .
أذكر في هذا المجال رجلا تعرّف على العمل بالفوركس من فترة لا تزيد على السنة ، وهو قد اتصل بي منذ أيام متفاخرا . قال : أنا أملك اليوم أربع مواقع على النت ، وأقدم عليها خدمة الفوركس للمتعاملين . دعائي له : زاده الله من خيره ، وفتح له كنوز الأرض وأبواب المجد .
صاحبنا هذا ، لن يحتاج في حال سقوطه إلى أكثر من إلغاء مواقعه هذه إن اصيب بخيبة ، ثم المبادرة الى فتح مواقع جديدة ، بأسماء جديدة ، وحلية جديدة .
تصل الى مسامعي في كل يوم أخبار مستجدين من الذين ينشرون توصيات على منتديات عربية وأجنبية ، تُطرح علي الأسئلة حول ما اقول فيهم وفي توصياتهم . رأيي واحد : قد يكون بينهم الغثّ ، وقد يكون بينهم الثمين . إن من يفشل بينهم ، لن يكون مضطرا لأكثر من تغيير اسمه ، والاشتراك مجددا بإسم مستحدث ، وإطلاق موجة من التوصيات والتحاليل جديدة ، مجربا لحظه ، ومغامرا على حساب غيره .  
نعم يا سادة ، أمام واقع من هذا النوع لا بد من التحفّظ والتيقظ ، لا بد من التنبه والتفقه ، ولكن حذار من التعميم وإلا بتنا مرضى أوهام تكبّلنا ولا نقدر على الإفلات منها .
وإن نحن عدنا الى صلب موضوعنا ، ودققنا النظر في القول القائل : لو كان بائعو التوصيات طهاة مهرة ، فعلام يبيعون توصياتهم ؟ إن تطبيقها على السوق لكفيل بتوفير الثروة لهم . فماذا ترانا نقول ؟
نقول إنه كلام خطير ، واتهام جائر ، إن هو عُمّم بشكل قطعي .
إذا نحن عممنا القول بأن مقدم التوصيات ، أو بائعها ، لا يرمي من فعلته هذه إلا الكسب  والربح المادي فقط ، فهذا بدء الخطأ ورأس الضلال .
أحبائي !
هل يصحّ أن ننظر الى العتيق المجَرّب الذي حقق نجاحا واضحا في هذا السوق وكوّن خبرة عميقة عبر سنوات طويلة ، هل يصحّ أن ننظر اليه ونحاول الحكم على دوافع تصرفه بعين المبتدئ الباحث عن وسيلة للربح أو الإثراء ؟
هل يصحّ الظن أن نفس الأحاسيس التي تتملك الثاني في تعامله اليومي مع السوق ، هي نفسها وعينها الاحاسيس والدوافع والاهداف التي تملأ وجدان الأول ، فتكوّن مبررات اتصاله بالعالم المحيط به والمتكوّن من متعاملين قديمي العهد او حديثي الدخول في هذا السوق ؟
هل يصحّ الاعتقاد بأن هدف كلّ من نجح في رسم الدرب المؤدي الى النجاح ، وفاز في ترجمة هذا السبيل الى مال تحقق بصورة ربح مادي حقيقي ، هل يصحّ الأعتقاد بأن هدفه مقتصر ، أو يجب أن يكون مقتصرا على تحقيق الربح فقط ؟
 ألا يمكن تصوّر وجود أناس يرغبون في مدّ يد العون لغيرهم من المبتدئين ، لا طمعا باستفادة مادية يحققونها ، بل خضوعا لأنوار شمس أشرقت في نفوسهم ، وتجاوبا مع أحاسيس خير ملأت عليهم قلوبهم ،  فقللت نسبة الأنانية فيها  بقتل سوسة الأنا المسيطرة على النفس البشرية ، وأحلّت محلها رغبة لذيذة  في نشر المعرفة وتعميم العلم وزرع بذور الخير ؟
هل يصحّ الظنّ انّ هذه الفئة من البشر غير موجودة ، لمجرّد كوني أنا ، أو ربما أنت ، أخي القارئ ، غير منتمين لها ؟
أحبائي !
لنعد قليلا الى الوراء ونتبصر في حقائق الامور ، انطلاقا من تساؤلات قد تفتح لفكرنا آفاق علم جديد ، وتزرع فيه بذور قناعات خيّرة .
ماذا لو أنّ أبقراط أو ابن سينا أو غيرهم من آباء الطبّ الاوائل قد قرروا يومها الاحتفاظ بعلمهم لانفسهم ، وحملوا ما حققوه من نجاحات واكتشافات معهم الى القبر ؟
 ماذا لو ان هؤلاء قرروا ألا يختاروا نخبة من المميزين ليكونوا تلامذة لهم يحملون الراية بعدهم ويكملون الطريق ؟  لو أنّ هؤلاء العظماء قرروا الإصغاء الى صوت الأنا دون غيره ، هل كنا لنعيش اليوم ما نعيشه من إنجازات في عالم الطبّ الحديث ؟
ماذا عن بيتاغور وعلومه في الرياضيات ؟ ماذا عن جابر بن حيان ؟ ماذا عن الخوارزمي ؟ ماذا عن مريديهم ومساعديهم وتلامذتهم ؟ ماذا لو أنّ هؤلاء العمالقة قد بخلوا على الانسانية بما علموا ؟
إخواني !
أعذروا تبسطي في ما قد يكون مملا لمن يريد ان يلقى جوابا مختصرا ، جوابي : حذار من الوقوع في فخوخ المدّعين للعلم وهم فيه هواة . هؤلاء كانوا موجودين منذ القدم وسيبقون موجودين الى الازل . هم يعممون ما يعرفون ، ولا يعرفون إلا القليل .
ولكن هل يجوز أن نطلب من كلّ مُصدر لتوصيات ، أو كلّ مُحلل لسوق ، أن يكون قادرا على تحقيق ثروة من توصياته ؟
جوابي على الامر واضح ومختصر : لا يمكن أن نطلب منه ذلك بشكل تعميمي مطلق . قد يستطيع وقد يصطدم بمعوقات تمنعه من ذلك .
ان محلّل السوق قد يكون ناجحا في جمع المعلومات اللازمة لاصدار الحكم الصحيح ، وإصابة الهدف بدقة كاملة ؛ ولكنه لسبب من الاسباب ، نفسيّ أو عصبيّ أو ماديّ ، قد لا يستطيع النجاح في تنفيذ مايراه ، وتحويل علمه ومعرفته وتحليله الى نجاح مادي مترجم بربح مال من صفقات يعقدها بشكل يومي .
 إن محلل السوق هذا قد لا يمكنه وضعه المادي من تأمين المال الكافي للمتاجرة وتحويل علمه الى ربح . ومن أمثال هؤلاء أعرف الكثيرين .
 إن محلل السوق هذا قد لا يمكنه وضعه النفسي من المتاجرة الفعلية ، فهو يعرف ولا يستطيع . ومن أمثال هؤلاء أعرف الكثيرين .
وكما هو الحال في ساحة المعركة ، قد يفشل القائد إن هو تحوّل الى جنديّ  فلا يستطيع تنفيذ الخطة التي كان قد وضعها ، ويستحيل طبعا على الجنديّ أن يضع الخطة اللازمة لتحقيق النصر . هنا ايضا ، لا أشترط على المنفذ ان يكون قادرا على إصابة العمق في التحليل والدراسة كما يستطيعه الخبير المجرّب . ولا أشترط على الخبير المحنّك أن يكون قادرا ، وبكلّ حذاقة ، أن ينفذ كلّ خطة وضعها بنفسه ، كما قد يستطيعه مساعد له ، او تلميذ عنده ، أو متعامل واثق بعلمه ومتلق لرأيه .
والخبير المُحلّل والمُجَرّب ، هل أطلب منه أن يقدم لي كمتعامل ما أراه أنا في السوق ؟
لا طبعا ، هو سيقدم ما يراه هو من أمور .
والخبير المحلل والمُجَرّب ، هل عليّ أن التزم بما يراه بشكل أعمى ، وأنفذ دون اعتراض ؟
هذا يعود لي كمتعامل ، ولنسبة الخبرة التي تكونت عندي ، ولنسبة الثقة التي أوليه إياها . قد أنفذ ما يقول ، وقد أستنير فقط  بما يقول .
والخبير المُحلل والمُجَرّب ، هل أطلب منه أن يقدم لي كمتعامل توصية مصيبة في كل يوم وفي كل ساعة ؟
لا طبعا ، هو سيصيب في آن ، وسيخطئ في آن . المهم أن يصيب في كثير من الأحيان .
إخواني !
إن كلّ هذه الأمثلة التي ورد ذكرها ، إنما هي متواجدة على كل ساحة ، وفي كل بلد ، وفي كل لغة ، ولا يقتصر وجودها على لغتنا العربية أو مواقعنا العربية . بائعو التوصيات ومصدروها ، بينهم الطهاة المهرة ، وبينهم الرماة المكرة ، نرجو الله أن يمنّ علينا كلنا بنعمة البحث والتدقيق ، منجاة من الفخوخ ، ووصولا الى ما تصبو اليه النفس ويتمناه الفؤاد . 
 
 

 

تساؤلات اضافية مشروعة لا يقصد منها الا التنوير

ج – تساؤلات اضافية مشروعة لا يقصد منها الا التنوير

!!!   17th January 2005

 
وبعد كل ما تقدم ، فقد وقفت مليا أمام آحصاء بلغني من قبل أحد المهتمين بواحد من البرامج التي اسهبنا في الحديث عنها في المقالتين السابقتين ، ودققت النظر في النتائج التي حققها هذا البرنامج والتي تشمل سنتين اثنتين من العمل ، فلفتت نظري أمور عديدة لا بدّ من التوقف عندها .
1 – ان واحدا من هذه البرامج – وهو يعتبر من أشهرها ويصح أخذه نموذجا عنها كلها – قد حقق على اليورو دولار :
 في العام 2003  نتيجة قاربت ال 3000 نقطة .
 في العام 2004 نتيجة قاربت ال 2000 نقطة .
 بينما حقق على اليورو  ين نتيجة :
 في العام 2003 بلغت ال 2000 نقطة .
 في العام 2004 نتيجة بلغت 1800 نقطة .
نعم ،أخي المهتم بهذا  الآلي العبقري . ان أخذت نتيجة السنتين لليورو دولار تجد انها بلغت 5000 نقطة . وان انت حولتها الى عملة تكون 50.000 دولارا بعقد واحد فقط يحتاج للانطلاق به حسابا يمكن ان يقتصر على 2000  دولار فقط .
لا شك أنها مغريات هائلة ، وهي قد تصح . ولكن !
ان انت حوّلت هذه النتيجة الى نتيجة شهرية يتبين لك ان ما تحقق في الشهر وبالحساب النسبي كان 200 نقطة فقط .
وان انت عدت الى اليورو ين ، لوجدت ان النتيجة الشهرية كانت 150 نقطة فقط .
150  او حتى 200 نقطة في الشهر ، لفظة أقل لمعانا ، وأخف تأثيرا ، وأضعف آغراء من لفظ ال 5000 . هذا لا شك فيه على الاطلاق .
والنقاط المذكورة هذه  ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، هي أقصى ما يمكن لهذا البرنامج تحقيقه . هذا ما لا يجب أن ننساه أبدا . إن انت نجحت ، أخي المتعامل ، في فتح كل الصفقات التي حدّدها خلال الشهر ، وبالتالي خلال السنتين . أي بمعنى آخر : قد تحقق نتيجة أقلّ من هذه المعلنة بكثير ، ولا يمكن لك باية حال أن تحقق نتيجة أفضل من هذه المذكورة .
والنقاط هذه ، أخي المتعامل ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، يسهل عليك أنت ، كما يسهل على كل واحد أن يحققها  ، إن هوعمل على صقل قدراته الذاتية ،  وتنمية امكاناته الفكرية ، وتطبيق قناعاته المنطقية ، واحترام معطياته الموضوعية ، وترويض انفعالاته العاطفية ، ولجم اندفاعاته المتسرعة .
والنقاط هذه ، أخي المتعامل ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، يسهل عليك أنت ، كما يسهل على كل واحد أن يحققها  ، إن هو ابتكر لنفسه برنامجا ميكانيكيا بسيطا ، مرتكزا على أي مؤشر من المؤشرات التقنية كمثل :
التقاطع بين خطين متوسطين انسيابيين كخط ال 10 وال 50 وحدة  ، او كخط ال 20 وال 100 وحدة  ايضا ، على سبيل المثال لا الحصر .
الاعتماد على مؤشر ال RSI  مثلا في حالات انخفاضه الى قيمة تتجاوز ال 30 ، أو في حالة ارتفاعه الى قيمة تتجاوز ال 70 . أو في حالات التعاكس في الاتجاه بينه وبين وجهة السوق لزوج من الازواج المذكورة سواء كان اليورو دولار او غيره .
الاعتماد على تقنية التحليل المرتكز على أشكال الشموع اليابانية الشهيرة ، واختيار مواضع يصح اعتبارها اشارات شراء او بيع مشجعة .
الاتكال على ال MACD  في حالات التقاطع بين خطيه من الاسفل الى الاعلى ، او من الاعلى الى الاسفل .
أخي المتعامل !
ان تحقيق 150 نقطة شهريا من الوجهة النظرية ، هو أمر يسير حدوثه الى درجة السلاسة ، بالاستناد على أية طريقة من طرق التحليل ، كما بالاستناد على أية طريقة لم يسبقك أحد غيرك على ابتكارها .
ولكن تحقيق ال 150 نقطة بموجب طريقة نظرية ، لا تعني تحقيق 1500 دولارا في الشهر بطريقة تلقائية تطبيقية .
ان ال 150 نقطة قد تتحول الى 1500 دولارا ، هذا أمر ممكن ، ولكن !
عليك أن تشتري كل الصفقات ( ليلا  نهارا ) . كل الصفقات التي أوحى لك بها البرنامج  – الذي ابتكرته انت او الذي اشتريته من مبتكره –  ، عليك ان تنفذها دون أي تردد ، ودون أي شك ، ودون أي خوف ، ودون أية خشية ، ودون أي طمع ،  ودون أية رجفة يد ، ودون أية رفة جفن ، ودون أية دقة قلب .
 دون أي تشاطر على البرنامج ، ودون أي تدخل في عمله ، ودون أي عطل للانترنت ، ودون أي توقف للجهاز ،  ودون أي انقطاع للتيار .
 دون أي تأخر في تنفيذ صفقة من قبل البرنامج ، ودون أي امتناع عن إجراء طلب من قبل الشركة ( خاصة في وقت صدور البيانات الحساسة ) .
أخي المتعامل !
هل لاحظت معي دقة الموقف ؟
 
في تأملي لنتيجة حققها واحد من هذه البرامج في شهر واحد كمثال على عمله ، تبين  لي انه حقق النتائج التالية :
0 / +40 / + 5 / +165 / + 135 / – 100 / 0 / + 55 / + 85 / -10 / +40 / +10 / – 100 / 0 / +15 /+ 45 / +75 / +181 /  – 110 / 0 / 35 +/ +159 .
ان ما يهمني من هذه النتيجة هي الارقام التالية :
165 / 135 / 181 / 159 .
والسؤال هنا هو :
ماذا لو ان واحدة من هذه الصفقات الاربع فاتتك لسبب من الاسباب ؟
الجواب هو واضح  وأكيد :
لقد تحولت نتيجة الشهر الى الصفر .
وان فاتت هذه الصفقة لسبب ما ، فقد اختلّ اتزانك الفكري ، وتعطلت ثقتك الراسخة ، وشككت بكل شيء سبق واعتمدته كواجب لوجود أكيد . وها أنت تتراجع عن إجراء ما تبقى من صفقات ، فتترك البرنامج . وان انت لم تتمالك اعصابك ، فسترى نفسك منجرا تحت تأثير الصدمة النفسية الى لعن البرنامج  وصاحبه ومعرفك عليه في آن .
 
وقد يقول قائل :
ولكن هناك ال -100 / -100 / -110 / .
فقد يفوتني منها ايضا شيْ  واكون من الرابحين بتوفير الخسارة . وتزداد ثقتي ، وتتقوى قناعتي ، وأبلغ أفضل مما خططتت  له .
الجواب هو واضح وأكيد :
نعم هذا ممكن  . ولكنه نادر الحدوث .
وان هو حدث ، فان تاثيره الايجابي على النفس يبقى قاصرا عن تعويض صدمة سببتها عرقلة في تنفيذ صفقة كان ربحها وفيرا . إن كل تفويت لصفقة رابحة ، تحتاج الى تفويت لاجراء 3 صفقات خاسرة أو اكثر ، لتترسخ الثقة ، ويصفو الوجدان ، وتشتد العزيمة ، وتتزن النفس ،  وتشعر بالاطمئنان الى حسن سير العمل في مثل هذه البرامج .
 
وفي آخر المطاف ، وفي سؤال بدا لي ساذجا ، فضحكت كثيرا له ، وسخرت من نفسي لمجرد التفكير به . ولكنني رغم ذلك لم أقو على طرده من مخيلتي ، فهو لا يزال يراودني ، ويضحكني  .
ماذا لو أن واحدا من هذه البرامج أثبت عبقريته الفائقة ؟
ماذا لو أن اعتماده تم عالميا ؟
ماذا لو ذاع صيت هذا  العبقري  ووصل الى أسماع القيمين على البنوك ؟
ماذا لو قرر هؤلاء الاستغناء عن مئات وألوف الترايدرز المحنكين عندهم ، واستبدالهم بالسيد عبقر ؟
ماذا لو وقع مسؤولو البنوك المركزية في غرام السيد عبقر ، والكل يعرف انهم تجار اساسيون في سوقنا هذا ؟
ماذا لو حصل كل هذا ، اخي المتعامل ؟
هل تعرف ماذا سيحصل إذذاك في سوق العملات العالمي ؟
أنا سأقول لك :
كل المتعاملين سيكونون من الرابحين ، كلهم على السواء ، كبارا وصغارا ، لن يكون هناك خاسرين .
وستنصرف مطابع البنوك المركزية الى طبع العملات  ( ورقا ملونا مزخرفا )  وضخها في السوق ، لتغطية ارباح المتعاملين .
وحدهم سيكونون متضررين : مزورو العملات . فقد سلبتهم الان البنوك المركزية كل حقوقهم ، وها هي تمارس المهنة نيابة عنهم .
وسيعمّ الخير ، وتنتشر النعمة ، ويسيطر السلام على المعمورة .
وستبلغ معضلة فلسطين نهايتها السعيدة ، وكذلك معضلة العراق ، فلا يبقى مبرر للصراع على آبار النفط فالمال أهم من النفط ، والمال بات متوفرا فعلامَ الصراع .
وستتساوى البلدان العربية المنتجة للنفط والمنتجة للفقر .
ولن  يبقى شيئا يستحق الصراع من اجله .
 
ليتك تتساذج معي أخي المتعامل ، ونتضاحك سوية لبرهة .
على ماذا ؟
على كل شيء ، وعلى لا شيء .
على سذاجتي ، وعلى سذاجتك .
 
أخي المتعامل ، تعالى نتضاحك ، ونتساذج ، ونتمازح ، وان شئت تعالى نتساخف !
لا بأس في ذلك ، ولكن !
إياك أن تستخف في الامور المصيرية !
هل تريد تحقيق ربح في هذا السوق ؟
أنت من سيحقق هذا الربح .
لا أحد غيرك .
أنت وهو وأنا .
نحن .
 
 
 

 

 

تساؤلات تثير الشك في امكانية تحقيق المعلن عنه من نتائج

2 – –

تساؤلات تثير الشك في امكانية تحقيق المعلن عنه من نتائج  !!!   10th January 2005

 

غالبا ما نقف في مثل هذه البرامج الميكانيكية التي يروج لها أصحابها على كونها آلة سحرية كفيلة لوحدها بانتاج ما لا يمكن تصوره من ربح  ، غالبا ما نقف في مثلها أمام نتيجة مفصلة تغطي مساحة زمنية تتراوح بين السنة والسنتين ، تمكن البرنامج خلالها من تحقيق ربح لا يقل باية حال عن الاربعة آلاف نقطة في زوج واحد من الازواج المتعددة .
نعم ، في زوج واحد فقط . وأي زوج من الازواج هو ؟
ان كل هذه البرامج تعطينا ربحا قد تحقق على بعض من الازواج الرئيسية الاربعة : اليورو  دولار ، او السترليني دولار ، او الدولار فرنك ، او اليورو ين ياباني ، او الدولار ين ياباني . لماذا يا ترى ؟ وأين تكمن المخاطر في مثل هذا الاختيار ؟
انه من البديهي القول ان الازواج الرئيسية المذكورة تعرف تبادلات يومية عالية بحيث يجعلها مؤهلة اكثر من غيرها لتامين تحركات بالغة الاهمية تكفل تحقيق ربح محترم ان أصاب المتعامل أو البرنامج الميكانيكي في اختيار اللحظة المناسبة لفتح صفقته . ومن البديهي القول بان الفارق بين العرض والطلب على هذه الازواج يكون منخفضا قياسا على الازواج الاخرى مما يشكل عنصرا ايجابيا يصب في مصلحة المتعامل وزيادة نسبة ربحه . كل هذا يعتبر صحيحا ، ولكن أسئلة محددة تبقى مشروعة ، وتبقى الاجابة عليها وحدها كفيلة بازالة التشكك ، أو إثبات أحقية المخاطر المحدقة بالامل المنشود في صورة تحقيق ربح على المدى الطويل اتكالا على هذه البرامج .
السؤال الاول المطروح هو : لماذا اختار مبرمج هذا البرنامج اليورو دولار والدولار فرنك لتطبيق برنامجه عليه ؟
لا يخفى على اي لبيب تابع العمل في هذا السوق ، بان هذين الزوجين متلازمين في حركتيهما تلازما عكسيا  شديدا يبلغ أحيانا حد التطابق . فان نحن اخذنا الرسم البياني للزوج الاول وقلبناه راسا على عقب ، وقارنناه برسم الزوج الاخر ، لوجدنا ان الخلاف بينهما يكاد يكون معدوما الى حد كبير .
ماذا يمكن لهذا الامر ان يعني ؟
بكل بساطة سيعني هذا الامر تقاربا شديدا بالنتيجة المحققة على الزوجين ، تقاربا يسمح بالتقدير بان شراء عقدين اثنين على زوج واحد منهما يمكن أن يحقق نفس النتيجة التي تحققت من خلال شراء عقد واحد على كل منهما .
وبكل بساطة ايضا سيعني هذا الامر ان اختلالا معينا في فترة زمنية ما ، ولسبب مجهول ما ، على نتيجة زوج من هذين الزوجين سيكون مرشحا ايضا للظهور على نتيجة الزوج الاخر وستكون الخسارة مزدوجة ايضا .
السؤال الثاني المطروح هو : لماذا لم يقدم مبرمج البرنامج المذكور لنا النتيجة التي حققها برنامجه على بقية العملات المتداولة في السوق ؟ وهل ان تطبيق البرنامج المذكور عليها كفيل بان يحقق نتيجة ايجابية ايضا ؟
هنا ايضا لا يمكن أن يخفى على اي لبيب بان حركة زوج مثل اليورو فرنك سويسري ، او اليورو جنيه سترليني ، او الدولار استرالي دولار اميركي ، تختلف اختلافا كليا عن حركة العملات المختارة لتطبيق البرنامج عليها واعلان نتائجه . حتى الدولار ين ياباني يعتبر ذا خاصية محددة في الحركة ، أكاد أقول انه يحتاج الى برنامج خاص به ليتمكن من تحقيق الربح المنشود ، رغم كونه واحدا من العملات الرئيسية التي تتمتع بسيولة عالية في التعامل تؤهله لان يصنف بين العملات الرئيسية المثلى .
 ولعل هذا الاختلاف في الحركة هذه ، وفي نسبة الترند المحقق ، تنعكس ولا شك على النتيجة المحققة من قبل البرنامج ربحا أو خسارة ، ولعل هذا الاختلاف هو السبب الكامن وراء اختيار عملات محددة وصرف النظر عن عملات اخرى ، كون الاولى تحقق ربحا بينما لا تحقق الاخرى سوى خسارة .
وهنا قد يقول قائل : وما همنا في ذلك ؟ ان كان البرنامج قد حقق ربحا على زوج محدد ، فعلام لا نطبقه على هذا الزوج ونجني الربح الطائل منه ؟
رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
اذا كان البرنامج المذكور قد حقق الربح الوفير على زوج اليورو مقابل الدولار ، ولم يحقق الا الخسارة على زوج الدولار مقابل الين مثلا ، فهل يمكن لمخلوق أن يضمن استمرار اليورو دولار على نفس الوتيرة حركة ونبضا وسرعة وتقلبا ؟
هل يمكن لمخلوق أن يضمن رسما بيانيا لهذا الزوج شبيها لرسمه في السنتين الماضيتين ؟
هل يمكن لنا الحصول على نفس النتيجة على رسم بياني قد يتراوح خلال السنتين القادمتين بين سعرين هما 1.3500 وال 1.2500 مثلا ، كما حصلنا على نتيجة لرسم بياني ارتفع في السنتين الماضيتين من ال 0.8000 الى ال 1.3500 ؟
هل يمكن لاي مبرمج ان يضمن بان لا يتحول اليورو دولار مستقبلا الى حركة شبيهة بما هو عليه اليوم اليورو فرنك مثلا ، او اليورو دولار استرالي مثلا ؟
وقد يقول قائل : ان حصل هذا التحول ننتقل ببرنامجنا الى عملة أخرى .
 رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
كيف سيمكنك تحديد الوقت الذي سياتي به هذا التحول ؟  من هي الجهة التي ستنبئك به ؟ هل من برنامج ميكانيكي آخر يمكنه ايضا القيام بهذه المهمة ؟
ان حصل هذا التحول ستكون انت ضحيته الكبرى . في بدايته ستظن أن المرحلة هي مرحلة خسارة مؤقتة لا بد ان تتلوها محطات ربح تعوض فيها ما خسرته ، وستتلو مرحلة الخسارة الاولى مراحل اخرى ، وستزداد الخسارة ، وستزداد معها الحيرة والارتباك ، ولن تجد نفسك الا وقد وقعت في فخ زمن عاد السوق ليسرق منك فيه ما قدمه لك في زمن آخر . ولن تستطيع الا ضرب كف بكف ، والعياذ بالله من الشيطان الرجيم .
وقد يقول قائل : يكفيني ان احقق ربح مرحلة قادمة لفترة سنة او سنتين ثم أحجم عن التعامل حفاظا على ما حققته .
رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
ومن هي الجهة التي ستضمن لك ان المرحلة السوداء لن تبدأ الان ؟ أو انها قد بدأت لتوها مع بداية هذا الشهر ، أو هذا الاسبوع ، أو هذا اليوم ؟ وان صح هذا فانت لن تحقق ربحا ولكنك ستبدأ مباشرة بالخسارة . وان طالت مرحلة الخسارة فلن يكون للداء من دواء .
أخي المتعامل !
ان العامل الذي قد يخفف من هذه المخاطر ، يكمن في اطلاعك على ما حققه البرنامج الميكانيكي من نتائج على كل ازواج العملات المتداولة في السوق ، وليس على أزواج معينة ،  ولفترة لا تقل عن سنوات ثلاث . فان كان قد حقق نتيجة جيدة عليها كلها ، وفي نفس الفترة الزمنية ،  فان نسبة التخوف من مطبات قادمة وفخوخ مجهولة تخف ولا شك ، ويكون بالامكان في هذه الحالة الاقدام على هذا العمل بثقة نسبية ، تجعل أحقية الامل راجحة على كفة الخوف والتشكك .
أخي المتعامل !
ان كنت قد عقدت العزم على البدء بالتعامل معتمدا على برنامج من هذه البرامج المطروحة في التداول ، ان كنت قد بلغت هذه المرحلة واتخذت هذا القرار ، فانا لا اسعى لادخال الشك الى نفسك بنسف كل القناعات التي تكونت عندك ، أو إذابة كل الآمال التي بنيتها في نفسك من خلال اتخاذك لهذا القرار . انا أرمي فقط الى التنوير القائم على معطيات موضوعية واحتمالات منطقية ، والتنبيه الى أحداث مستجدة  قد تطرأ في الفترة التي تتعامل انت بها بواسطة هذا البرنامج فتقع انت ضحية مفترضة مع من يقع من المتعاملين . وقد لا تطرأ هذه الاحداث ، فتنجو انت منها مع الناجين ، وتحقق قسما او كلا من الربح الذي أمّلت النفس بها .
أخي المتعامل !
ان نجوت من الفخوخ التي تم شرحها ، وصار الى التنوير عليها في القسم الاول من هذا البحث ، وان نجوت من الفخوخ التي شرحنا أبعادها وفصلنا احتمالات وقوعها في هذا القسم ، وان نجوت من الفخوخ التي سيتم شرحها وتبيان مخاطرها ايضا في القسم القادم ؛ ان حصل كل ذلك ، فأنت ستبلغ مرادك ، ولا شك ، وستحقق الربح المنشود ، أو شيئا منه .
نعم ان ذلك لحاصل .
ولكن ! 
بعد اجتياز الكثير من الحواجز ، وتذليل الكثير من العقبات .
واعلم أنّ لعامل الحظ القسط الوافر في رؤيتك المنارة وبلوغك الميناء . 
أخي المتعامل !
نحن نحقق ارباحنا  في هذا السوق . نحن ، أنت وأنا نستطيع ذلك . ومن أراد استطاع .
لنعمل على تهذيب طباعنا ، وتدريب أنفسنا ، وترويض انفعالاتنا ، والتحكم بقراراتنا . لنعمل على خلق شخصية التاجر المؤهل على الصمود في الساحة هذه . لنسعى الى برمجة شخصيتنا وفكرنا وأعصابنا برمجة موضوعية علمية هادفة .
لنفعل كل ذلك ،  فننجح .
ننجح في ابتكار أفضل برنامج تداول .
هذا البرنامج سيكون اسمه : أنت وأنا .
 
ج – وفي البحث القادم تساؤلات اخرى مشروعة ، قد تلقي المزيد من الضوء على الموضوع المطروح .
 
 

 

 

 

بائعو التوصيات استنادا الى برامج ميكانيكية

1 — بائعو التوصيات استنادا الى برامج ميكانيكية ؟

  – 22th December  2004

 
يكثر الحديث في الوقت الراهن عن البرامج الميكانيكية التي يروج لها البعض بكونها تتمتع بمقدرة فائقة على تحقيق الربح الطائل ، دون ان يكلف المتعامل نفسه اي مشقة ولا حتى مشقة البيع والشراء ، ذلك ان البعض منها يصار الى ربطه ببرنامج التداول بحيث يكون بامكانه ان يجري العمليات فتحا واقفالا دون الحاجة لاي تدخل من قبل العنصر البشري الذي تقتصر مهماته على إحصاء ارباحه بحسب زعم المبرمجين والمسوقين . . .
كثرت الاتصالات بنا مؤخرا ، استفسارا واستمزاجا ، حبا بالاستنارة قبل الاشتراك ، ورغبة بالاستنصاح قبل الوقوع في خطأ برامج مجهولة خفاياها على الكثيرين من حديثي المعرفة بهذا الباب . لذلك راينا المباشرة في التدقيق بهذا النوع من التوصيات ، وتقديم بحثه على غيره ، آملين التوفيق من المولى الى ما فيه الحقيقة والصواب .
 
ا – ان أول حجة يلجأ اليها المروجون لهذه البرامج ، هي كونه يوفر للمتعامل حظ التخلص من الانفعالات النفسية ، فلا يلجأ الى اقفال صفقة قبل موعدها ، أو الى فتح صفقة في غير موضعها ، تحت ضغط عامل الطمع بربح أو الخوف من خسارة . فما مدى صحة هذا الزعم ؟
من حيث المبدأ ، ومن الوجهة النظرية الصرفة ، أجد ان الكلام الوارد في هذه الحجة من الصحة بحيث يصعب نكرانه على صاحب القول . فالبرنامج لا أحاسيس له لتتأثر ، ولا مشاعر له ليخاف ويطمع ، بل هو قد لقّم بمعلومات محددة ، يقوم بالاعتماد عليها باتخاذ القرارات وتنفيذها ، بصرف النظر عن الحركة الحاصلة في السوق ، أسبابا ونتائجا ممكنة . وبهذا لا يخفى على احد تميّزه عن الكائن البشري الذي يجد نفسه فريسة لكثير من التجاذبات النفسية التي تعيق عليه دربه وتمنعه من تنفيذ ما خطط له في كثير من الحالات ، سيما ان كان في طور تعامله الاول . البرنامج لا يتردد امام قرار . هو لا يطمع بربح اضافي ، هو لا يعمد الى آغلاق صفقة قبل موعدها ، هو لا يراقب مواعيد البانات ولا يحلل نتائجها ، وهو قبل كل شيء لا يحتاج لقرار مبني على معطيات موضوعية مقنعة ومتخذ بعد تدقيق مبني على خبرة سنوات في هذا العمل الشاق .
رجل آلي بكل ما للكلمة من معنى ، يعمل لك وعنك ، حتى الارباح هو يحصيها ويسلمها لك مكدسة في حسابك . فهل هذا صحيح ؟
نعم ، قد يكون صحيحا ، هو يسلمك الارباح مكدسة في حسابك ، ولكن ، ان هو تمكن من تحقيقها .
وما المعوقات التي قد تمنعه من التغلب على الانفعالات النفسية التي توقع بك انت وتدفعك الى الخسارة ؟
انت هو المعوق الاكبر ، صديقي المتعامل ، واليك الدليل المبني على مثل بسيط :
لقد اشترى البرنامج المذكور صفقة يورو دولار على ال 1.3300 ، ووفق في شرائها بحيث ان السعر بلغ بحركة سريعة غير منتظرة حدود ال 1.3450 ، محققا بذلك ربحا محترما . وانت ّ اين انت في هذه الفترة ؟
انت تجلس أمام الجهاز ، تراقب الوضع بكل امتنان ، تكاد تصفق لهذا العبقري النادر الوجود ، تزيد نبضات قلبك مع كل ارتفاع ، تتناقص الى حد الانعدام مع كل تراجع تصحيحي ، توشك ان تتدخل في عمل العبقري المذكور ، تمسك انفاسك ،  تودّ لو كان باستطاعتك ان تكلمه ، ان تسدي له النصح ، أن تقول له اقفل الصفقة ارجوك . يبلغ الربح القمة التي كنت لتحلم به لو انك تتعامل أنت بنفسك . 150 نقطة . تحولها الى دولارات . هي 1500 دولارا بعقد واحد . وان كانت عقودك 100 فالربح 150.000 دولارا . ربحت 150.000 دولارا ، تريد ان تجني ربحك ، تريد ان تغتنم الفرصة ، وكلك يقين من ان السوق في مثل هذه الحالات قد يرتد على اعقابه ، فيضيع منك ما تحقق . تبدأ بالتكلم مع البرنامج الاصم : اقفل الصفقة ايها المعتوه ، ما تراك تنتظر ؟  انت تريد ان تتدخل ، توشك ان تمدّ يدك لاقفال الصفقة ، ولكن صوتا داخليا يقول لك : دعه هو يعرف عمله . اما هكذا اوصاني بائع البرنامج ؟ اذن لانتظر ، العبقري يعرف ما عليه فعله .
والمعتوه لا يجيب ، هو أصمّ أخرس ، لا يأكل ألا من لون واحد ، ولا يفقه الا لغة واحدة ، لغة لقنه اياها مبرمجه ، وهو لن بتعلم غيرها على الاطلاق .
وما هي الا لحظات ، حتى يرتد السوق متراجعا ، فتضيع النقاط كما تحققت ،  وتوشك ان تضيع ال 150.000 من الدولارات كانت منذ لحظات في يدك ، ها هي تتحول الى ربح هزيل لا يتجاوز ال 5000 آلاف دولارا بدقائق خمس . هنا يفيق الرجل الآلي من ثباته ويقرر اقفال الصفقة . لعنه الله ، غبيّ ابن اغبياء .
وتنتظر الصفقة الثانية فتاتي . انت في حسرة لا يسهل على امرئ تجاوزها ، وفي نقمة لا يمكن لمخلوق تخطيها . يقرر الآلي الشراء . تسير الصفقة في الربح . تبلغ ال 50 نقطة . يتملكك شعور غريب ، يملأ عليك نفسك ، يتحكم بكل خليّة من خلاياك ، يوجه كلّ ذرّة من كيانك . يتحول هذا الشعور الى صوت عميق يقول : لا تدع هذا المعتوه يتحكم بربحك وجنى عمرك ، هيا اقفل الصفقة الان ، وعاود الدخول فيها في التصحيح الاتي ، فتعوض ما سبق له ان ضيعه عليك .
وبحركة لا شعورية ، وبقرار غير متعمد ، تمتدّ يدك الى الجهاز وتقفل الصفقة . ولكن السوق يكمل دربه ، انه لا يصحح ، وتضيع عليك فرصة تحقيق 200 نقطة من الربح كانت لتساوي 200.000 دولارا لو انك لا تزال موجودا في السوق .
وتتملكك الحسرة ، ويملأك الحزن ، ولكن ما قدّر قد كان .
نعم صديقي المتعامل ، برنامجك هذا لا يتاثر بالانفعالات العاطفية والمعوقات النفسية الي تتعرض لها انت . نعم هذا صحيح ، ولكنك انت ستكون انفعالاته ، وستنقل العدوى اليه بتدخلك بين الحين والحين بقراراته . وبهذا ستنتفي حجة المسوقين للبرنامج ، فهو لم ولن يقوى على التغلب على الانفعالات النفسية ، وستكون انت عائقا اساسيا يمنعه واقعيا من تحقيق الربح الذي حققه من الوجهة النظرية ، هذا ان لم تكن انت قادرا على التغلب على انفعالاتك .
نعم صديقي المتعامل ، لا تعول على هذه النقطة ، ولا تصنفها في مصاف الايجابيات ، الا ان بتّ على يقين تام بقدرتك على امتلاك اعصابك ، وامتناعك عن التدخل في عمل عبقريك هذا . وان انت استطعت ، فيجب ان تكون قادرا ايضا على توجيه انفعالاتك النفسية حتى في الصفقات التي تبرمجها انت وفقا لاستراتيجية عمل ترسمها بنفسك . اما ان لم تستطع فعل ذلك ،  فتكون الحجة الاولى والاهم قد تعرضت لازمة ثقة كبيرة ، تجعل الفرق بين الموعود وبين التطبيق شاسعا ، وهي بذلك تشكل عاملا مهما من العوامل التي ستحول دون قدرتك على تحقيق الربح الذي حققه – او يدعي انه حققه – مسوق البرنامج المذكور .
 
ب – 
 
 وفي الاجزاء القادمة للبحث معوقات اخرى سنعمد الى بحثها تفصيلا ، ان شاء الله وأذن .  
 
 
 
 
 

 

 

بائعو التوصيات : طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟ا

بائعو التوصيات : طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟

  – 11th December  2004

 

إن كان بائع التوصيات عبقريا ، كما يدعي ، فلماذا يعمد الى بيع توصياته ؟ أفلا يكفيه أن يطبقها ويجني منها ربحا هائلا ؟

سؤال يطرحه المهتمون في هذا النوع  من العمل ، منذ ان كان هذا العمل ، وسيستمرون في طرحه الى ما شاء الله .  

رويدك اخي ! لا تتعجل في الحكم ، إنّ لبعض الظنّ إثمٌ .

رويدك أخي ! لا تتعجل في التصديق ، إن لفي التدقيق خير من التسرع .

الجملة الاولى في ما تقدم ، تتضمن الكثير الكثير . سنعمد – بحكمة الحكيم ، ودقة العالم ، وذمة القانوني ، والتزام المؤمن – الى بحثها ، والتدقيق فيها ، وتحليل ما يختبئ بين كلماتها ، في محاولة للخروج من كل ذلك بنتيجة ترضي العقل والضمير في آن .

البحث الموعود سياتي على مراحل متتابعة ، والجزء الاول سيكون بمتناول من يهمه هذا الامر قريبا جدا باذن الله .  

 

 

 

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات