أسئلة طالما سمعناها من الراغبين في الانخراط في هذا السلك ، او من المتشوقين الى ممارسة تجارة طالما حيرت الكثيرين بتعقيداتها ، واستهوت الالاف ممن يملكون الثروات وممن لا يملكون شيئا منها .
ماذا يجب على العامل في مجال البورصة ان يدرس ؟
ما هي المواد الاكاديمية التي تفيده في عمله ؟
أية شهادة يتوجب عليه ان يحصّل ؟
وجوابنا على مثل هذه الاسئلة سنورده استنادا الى خبرتنا في هذا الحقل آملين الافادة بما قدره الله لنا من قدرة
. علم السياسة ، علم الاجتماع ، علم النفس ، الى شيء من الفلسفة ، هي المواد التي لا بد للمضارب في البورصة ان يدرسها ويمتلك الكثير من خفاياها ليستطيع فهم ما يجري في هذا المكان ولينجح في العبور بسلام بين آلاف الفخوخ التي تنتظره في عمله اليومي .
ان من درس علم التجارة او علم ادارة الشركات والبنوك ، لا شأن له البتة في علم البورصة كما لا قدرة له على فهم ما يجري بين جدرانها وعلى شاشات اجهزتها الالكترونية . ان حامل الدكتوراه في التجارة قد يحقق نجاحا بارعا في ادارة شركته ان كان حذقا شديد الذكاء والحيلة . هو يستطيع بسهولة ان يقدر ما توفره الالات من مدخول او ما تحتاجه الاسواق من انتاج . هو يستطيع ان يجد حلولا ناجعة للمضاربة التي تهدد منتجاته في سوق الاستهلاك . لكن رايه في تطور سهم شركته ليس من الاهمية بشيء . وهو قلما استطاع ان يؤثر على سعر السهم في البورصة . اذ وحدها البورصة ومنطقها الخاص المحكوم بعوامل غالبا ما تكون غريبة هي التي تستطيع التحكم بالدفة وتوجيهها كما تراه مناسبا .
وعلى المضارب ان يلم بفهم تطور سعر سهم شركة ما من الوجهة التقنية ، وينكب على دراسته اكثر من المامه او دراسته لصافي ارباحها او مدخولها او ميزانيتها السنوية . فهذه الاخيرة لا يجب ان تشكل بالنسبة له مركز الثقل في اصدار احكامه .
مهمة المضارب تقارب الى حد كبير مهمة القاضي . فهذا الاخير لم يكن شاهدا على وقوع الجريمة ، وليس بخبير سلاح . لكنه يستمع الى اقوال الشهود ويتلقى تقارير الخبراء ثم يصدر حكمه . المضارب ليس اختصاصيا في الالكترونيات او الطيران او النفط كما وليس عالما بخفايا اجهزة الكمبيوتر او السيارات او الكيمياء ولا يطلب منه ان يكون كذلك . لكنه يتلقى التقارير من هؤلاء الاختصاصيين في كل من هذه المجالات ، يلقي نظرة عليها ونظرة على السياسة الدولية وعلى تطور اسعار الفائدة ثم يصدر حكمه على السهم شراء او بيعا . انه كما يقول الفرنسيون ” الآخذ من كل علم بطرف ” . ان كل ما قرأه ” عبودي ” وكل ما درسه ، وسمع به ، ورآه ، وعايشه ، يفيد ” عبدالله ” في عمله كمضارب .
يتبع في جزء ثان
الفائدة تنخفض الدولار يرتفع
تخفيض الفائدة على الدولار لم تكن هي المفاجأة .ذلك ان الحديث عن هذا الامر يجري منذ فترة غير قصيرة ، بحيث ان هذا القرار بات مؤكدا ومنتظرا من قبل كل المعنيين .الشيء الذي لم يكن معروفا بعد ، هو النسبة التي سيعمد الين غرينسبن الى اعتمادها في تخفيض الفائدة
من الناحية المنطقية . وكما توحي به طبيعة الامور ، فان تخفيض الفائدة على عملة ما ، لا بد ان تعني ان عملة هذا البلد قد تراجعت قيمتها لسبب بسيط الا وهو ، ان قلة من المستثمرين سيعمدون الى اعتماد هذه العملة لندرة العائد منها .
ومن الطبيعي ايضا ان العملة المنافسة لهذه العملة المذكورة ، والتي بقيت الفائدة عليها دون تغيير – وهي اليورو في مثلنا – لا بد لها ان تتحسن قيمتها لان عددا متزايدا من الناس سيعمدون الى شرائها طمعا بفائدة متزايدة عليها .
واليوم يحصل بالتمام عكس ما توحي به هذه التحاليل الذكية . الدولار تخفض عليه الفائدة فيشتد . اليورو تبقى فائدته على حالها ، يتراجع .ما السبب في ذلك ؟
السبب جد بسيط وهو ايضا يندمج مع طبيعة الامور اندماجا منطقيا . ان المستثمرين لا يخافون في الوقت الحاضر من وقوع الاقتصاد الاميركي في الانكماش . الين غرينسبن صرح مرارا بهذا الامر . وبدا مطمئنا فيما يخص ذلك . لذلك يستبشر المستثمرون ويعولون كثيرا على نهوض الاقتصاد الاميركي . بينما يتسرب الخوف شيئا فشيئا الى مستقبل الاقتصاد الاوروبي .لا بد ان يواجه فترة من الركود الاقتصاديلا بد ان يزيدها ارتفاع اليورو سوءا .
هذا هو الواضح الان . هناك اطمئنان اكبر الى الاقتصاد الاميركي . وهناك ثقة متنامية به . الى متى سيدوم هذا الاتجاه ؟ هذا ما نجهله في الوقت الراهن ولا بد ان يتكشف قريبا .قد ينقلب الاتجاه فجأة وبشكل لم يتوقعه احد . كما حصل منذ فترة بالنسبة لارتفاع اليورو وتراجع الدولار .
على المدى البعيد لا نستبعد ، كما توحي به الامور الان ، ان يستعيد الدولار مجده الذي اكتسبه بين العامين 1995/2002 .لان النمو في الاقتصاد الاميركي ان ارتفع فلا بد ان يقارب ارتفاعه النسبة التي كان عليها في السنوات العشر السابقة ، وهي ال 3% . بينما ان ارتفع النمو الاقتصادي الاوروبي بمثل ذلك فهو لن يتجاوز ال 1 او ال 1.5 % لان النسبة للسنوات العشر السابقة لم تتعدى هذا الحد
ماذا يعني كل هذا للمستثمر الذي يريد ان ينظر الى امد متوسط وبعيد ؟
يعني ان يتوجه الى اسهم تعتمد على دولار قوي لترتفع . وهنا نسمي اسهم السيارات .وبشكل خاص دايملر كرايزلر ، وبورش .
كلاهما موجودان الان في اخفض مستوى بلغاه منذ فترة غير وجيزة . وكلاهما لا بد ان يربحا من تحسن الدولار رغم المشاكل التي تواجهها صناعة السيارات العالمية .
حامل الاسهم والدولار عليه بالانتباه
التحليل التقني والتحليل الموضوعي للاسهم
يعتمد التحليل التقني لسهم او لتحركات سوق من الاسواق على ال ” غرافيك ” او ” الرسم ” الذي يخطه هذا السهم او تخطه هذه السوق خلال تحركاتها اليومية او الاسبوعية او الشهرية ..واليوم اذ تحول هذا التحليل كليا الى الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر فقد تطورت اساليبه وتشعبت وكثرت المذاهب والمدارس والنظريات بحيث صار يصعب على كل مبتدئ ان يميز بينها او يختارما يناسب عمله او منهجه ٠
هذه الاساليب والفنون سنعود اليها في تحليل لاحق لتبسيط بعضا من طرقها وسنكتفي اليوم بمقرنة سريعة
بينها وبين التحليل الموضوعي الذي يرتكز على البيانات الاقتصادية الصادرة عن شركة معينة والتي توضح مستويات الربح او الخسارة كما تشير الى التطلعات المستقبلية والتقديريات المتعلقة بها ٠
ومن المعروف ان التحليل التقني ينظر اليه من قبل الكثيرين من المحللين الموضوعيين او علماﺀ الاقتصاد بعين الشك وعدم الثقة . فهم يعتبرون هذه الطريقة قائمة على الصدفة وغير مرتكزة على اسس علمية واضحة . رغم ذلك فقد اكتسب هذا المذهب في الفترة الاخيرة الكثيرين من المؤيدين الذين اعتمدوا عليه في عملهم دون التحليل الموضوعي. والسبب في ذلك انما يعود الى فشل التحليل الموضوعي في توقع التراجعات الحادة التي منيت بها اسواق الاسهم العالمية في الفترة الاخيرة ، كما يعود الى عمليات التزوير التي اكتشفت مؤخرا في دفاتر العديد من الشركات العالمية الكبرى من امثال ” انرون ، وورلدكوم ، تايم وورنر ” .اذ اية قيمة او اية مصداقية تبقى لتحليل مرتكز على دفاتر حسابات شركة من الشركات اذا كانت هذه الشركة قد زورت دفاترها وعبثت في أرقامها ؟ ومحللو الكثيرين من البنوك ليسوا كذلك بمعزل عن الاتهام فهم لا يتورعون عن التصريح في العلن بغير ما يعتمدونه هم في تحليلاتهم المصرفية الخاصة . فقد ينصحون بشراﺀ سهم ما ثم يعمدون فورا الى بيعه مستغلين تحسن السهم نتيجة اقبال المستثمرين عليه ٠
بالاضافة الى ذلك فان المضاربين الذين يعتمدون على الصفقات السريعة في اعمالهم لا يمكن لهم الا ان يعتمدوا على التحليل التقني وحده . فحسابات الشركة لا تعني بالنسبة لهم الشيﺀ الكثير بل ما يعنيهم هي تلك التحركات المؤية السريعة التي تحمل لهم الجديد ربحا او خسارة ٠
ولا يعتقدن احد ان التحليل التقني علم بسيط يكتسبه المرﺀ دونما جهد او عناﺀ . ولا يعتقدن احد ان تعلم هذا العلم امر كاف للشروع في الاعتماد عليه في عملية البيع او الشراﺀ . ذلك ان هذا الفن انما يعتمد على الخبرة اعتماده على المعرفة ، والخبرة تعني ان تمارس العمل فعلا . وان تمارس العمل يعني ان تكون مستعدا للمخاطرة بمبالغ مالية غير قليلة لكي تتمكن من اكتساب الخبرة اللازمة . ذلك ان الخسارة امر مكتوب على كل مبتدئ في هذا العمل وعليه ان يتقبلها كجزﺀ لا مفر منه وكمرحلة لا بد منها ان هو شاﺀ سلوك هذا الطريق ٠
رؤية في الاسواق
في نهاية التسعينيات ، يوم كان الجميع يهلل لارتفاع اسواق الاسهم الجنوني . يوم كان الكثيرون يشترون اسهما ولو بواسطة قروض منخفضة الفائدة . يوم كان المحللون الاقتصاديون يبشرون بان الداوجونز لا بد ان يدق عتبة العشرين الف نقطة .يومها كان رولاند لويشل يحذر . كان يحذر من فقع فقاعة الصابون . وبواقعية تامة. وهذا ما حصل بالفعل
اليوم كيف ينظر ” رولاند لويشل ” الى مستقبل الوضع والى حاضره . هو يعتقد ان السباق الذي عشناه من آب وحتى تشرين الاول من هذا العام . وصل الى نهايته . كما يرى ان العودة الى اسفل السلم باتت مؤكدة وقريبة ولا مهرب منها . في تقديره اننا نقف امام عرض بيع نهائي للاسهم وبابخث الاثمان . وعندما يتم هذا نكون قد وصلنا الى عتبة السباق الجديد الى أعلى
اما على المدى البعيد فهو يرى ان التراجع في اسواق البورصة العالمية سيدوم فترة لن تقل باية حال عن السنوات العشر . ذلك ان اعادة التطبيع في عالم البورصة يحتاج الى وقته
برأيه ان العالم يقف امام مخاطر ازمة اقتصادية عالمية . هي موجودة حاليا . ولكن كي تظهر بشكلها المفزع فهي تحتاج الى انفحار فقاعة العقارات في اميركا او في بريطانيا . واذ ذاك يكون الانهيار . وستتبع اوروبا اميركا في نفق الكساد المعتم والطويل .
لكل ذلك يوصي ” لويشل ” برفع نسبة النقد في حافطة الاسهم الى 75% . من هذه النسبة يوصي بايداع ال 70 % يورو و 30 % دولار . اما حصة الاسهم فيرى الا تتجاوز ال 30 % . ولا يجب ان ننسى اضافة عدة كيلوات من الذهب الى الحافطة . اذ ان البنوك المركزية الكبرى لا بد ان تتوقف في وقت ما عن بيع الذهب لا لسبب سوى لانها لم تعد تملك منه شيئا
الصين ستقف امام مشكلة توطيف احتياطياتها النقدية . الين لا رغبة لهم باقتنائه . الدولار في خطر . اليورو يتقلب . فقط الذهب هو الملاذ الاكيد بالنسبة لهم . فلن يكون امامهم سوى السعي بكل الوسائل لاعادته الى امبراطوريتهم .
اذا ونتمنى جميعا الا يحصل هذا . ففي خلال سنتين من الزمن سيقف اثنان امام عتبة الرقم 4500 ، الداو جونز ، واونصة الذهب الصافي
تاجر الاسهم آخذ من كل علم بطرف
أسئلة طالما سمعناها من الراغبين في الانخراط في هذا السلك ، او من المتشوقين الى ممارسة تجارة طالما حيرت الكثيرين بتعقيداتها ، واستهوت الالاف ممن يملكون الثروات وممن لا يملكون شيئا منها .
ماذا يجب على العامل في مجال البورصة ان يدرس ؟
ما هي المواد الاكاديمية التي تفيده في عمله ؟
أية شهادة يتوجب عليه ان يحصّل ؟
وجوابنا على مثل هذه الاسئلة سنورده استنادا الى خبرتنا في هذا الحقل آملين الافادة بما قدره الله لنا من قدرة
. علم السياسة ، علم الاجتماع ، علم النفس ، الى شيء من الفلسفة ، هي المواد التي لا بد للمضارب في البورصة ان يدرسها ويمتلك الكثير من خفاياها ليستطيع فهم ما يجري في هذا المكان ولينجح في العبور بسلام بين آلاف الفخوخ التي تنتظره في عمله اليومي .
ان من درس علم التجارة او علم ادارة الشركات والبنوك ، لا شأن له البتة في علم البورصة كما لا قدرة له على فهم ما يجري بين جدرانها وعلى شاشات اجهزتها الالكترونية . ان حامل الدكتوراه في التجارة قد يحقق نجاحا بارعا في ادارة شركته ان كان حذقا شديد الذكاء والحيلة . هو يستطيع بسهولة ان يقدر ما توفره الالات من مدخول او ما تحتاجه الاسواق من انتاج . هو يستطيع ان يجد حلولا ناجعة للمضاربة التي تهدد منتجاته في سوق الاستهلاك . لكن رايه في تطور سهم شركته ليس من الاهمية بشيء . وهو قلما استطاع ان يؤثر على سعر السهم في البورصة . اذ وحدها البورصة ومنطقها الخاص المحكوم بعوامل غالبا ما تكون غريبة هي التي تستطيع التحكم بالدفة وتوجيهها كما تراه مناسبا .
وعلى المضارب ان يلم بفهم تطور سعر سهم شركة ما من الوجهة التقنية ، وينكب على دراسته اكثر من المامه او دراسته لصافي ارباحها او مدخولها او ميزانيتها السنوية . فهذه الاخيرة لا يجب ان تشكل بالنسبة له مركز الثقل في اصدار احكامه .
مهمة المضارب تقارب الى حد كبير مهمة القاضي . فهذا الاخير لم يكن شاهدا على وقوع الجريمة ، وليس بخبير سلاح . لكنه يستمع الى اقوال الشهود ويتلقى تقارير الخبراء ثم يصدر حكمه . المضارب ليس اختصاصيا في الالكترونيات او الطيران او النفط كما وليس عالما بخفايا اجهزة الكمبيوتر او السيارات او الكيمياء ولا يطلب منه ان يكون كذلك . لكنه يتلقى التقارير من هؤلاء الاختصاصيين في كل من هذه المجالات ، يلقي نظرة عليها ونظرة على السياسة الدولية وعلى تطور اسعار الفائدة ثم يصدر حكمه على السهم شراء او بيعا . انه كما يقول الفرنسيون ” الآخذ من كل علم بطرف ” . ان كل ما قرأه ” عبودي ” وكل ما درسه ، وسمع به ، ورآه ، وعايشه ، يفيد ” عبدالله ” في عمله كمضارب .
يتبع في جزء ثان
تاجر الأسهم وفاءاته الخمسة
حساب في مصرف .. مراقبة لسعر الأسهم .. إقتناص سهم لمٌح المحللون الى حسن أدائه.. شراؤه.. إنتظاره فترة من الزمن.. سعر السهم يكون قد ارتفع
بيع .. جني أرباح.. بحث عن سهم آخر.. معاودة الكرة.. جني أرباح.. جني أرباح.. جني أرباح…. وَ.. وَ.. وَ
ولا أحد يحسب في بادئ الأمر لجني الخسارة حساباً ؛ وهذا هو لبٌ الخطأ
تجارة الأسهم ربحّ وخسارة . لا يلبث السوق ان يعطيَ المتعامل ربحا حتى يعود ليظهر له أنيابه، فيستعيد منه ما أعطاه له ـ أو يستعيد منه أضعاف ما أعطاه ـ ولا يفلح واحد في تغليب جولات الكرٌ على جولات الفرٌ، إلا إذا نجح في امتلاك ” فاءات” خمسة (جمع لحرف الفاء) منها ما هو هبة سماوية لمختارين من العباد ؛ ومنها ما يكتسبه المرء اكتسابا في سعيه الدؤوب الى تثقيف نفسه وتهذيب طباعه.. فإلى هذه الفاءات ومفاعيلها
فهم يعطى من المولى لسعيدي الحظ ، فيقدّر بعضهم النعمة ويستغلون الهبة ، ويهمل بعضهم قيمتها ؛ فتسقط منهم ويسقطون معها. فهم يؤهل صاحبه للخوض في مجاهل الحياة، وسلوك دروبها الخطرة، دونما وجل أو تشكك. فهم يولّد عزماً مريداً لا يوهنه الهمّ ، وإرادة عازمة يتوّجها الأقدام ؛ فلا يخرج صاحب الفهم من نجاح حتى يدخل في نجاح
فكر ’يكسب قدرة على تحليل المعطيات، وقدرة على المقارنة والتشبيه ، وقدرة على التمييز، وقدرة على اتخاذ القرار الموضوعي ، وقدرة على الإبتعاد عن المؤثرات الإنفعالية المنبثقة من مشاعر الطمع بثراء سريع ، أو من أحاسيس الخوف من خسارة غير مرغوب فيها
فطنة تجعل المتعامل يسمع صوت العشب إن نما العشب’، ويبصر صورة الريح إن هبّت الريح
فراسة تجعل حكمه على المستجدات صائبا لا مصيبياً، وسريعاً لا متسرّعا. فراسة تؤهل رأيه لأن يكون نادر الخيبة ، كثير الصوابية، مبنياً على محسوسات عقلية ووقائع واقعية ؛ إذ لا مكان في هذا المجال من الأعمال للمعطيات المجرّدة أو الأحكام السوريالية
وتبقى أخيرا لتاجر الأسهم فاء الفلوس التي لا بدّ من امتلاكها أو امتلاك شيئا منها ليكون بمقدوره ممارسة تجارته. بنجاح إن هو ر’زق ، أو حّصل لنفسه، وحصن وجوده بكل ما سبق من فاءات؛ أو بفشل إن هو أسرف في تقييم قدراته ، وتحميل نفسه ثقلا لم تؤهّل له فلا تلبث ان ترزح تحته ؛ فتتعب’ و’تتعب
منطق البورصة
أستطيع ان أؤكد ان الدور الذي تلعبه السيكولوجيا في حياة البورصة وأهلها لا يجوز ان ينظر اليه بعين الأستخفاف، بل على كل مهتم في هذا المجال ان يقيم له ما يستحقه من الوزن ويعيره ما هو أهل له من الأهتمام. اجل يبدو لي علم النفس من الأهمية بحيث يحتفظ لنفسه بما يزيد على تسعين بالمئة من التأثير على
تطورات الأحداث في الأمدين المتوسط والقريب . اجل ان سيكولوجيا البورصة هو من الأهمية بحيث انه يبدو لي علما يجب النظر اليه بكثير من الجدية ، والتعامل معه بكثير من الصدق ، او فنا يجب امتلاكه على هدي احساس مرهف ، وشعور شفاف ؛ يوحي ولا يقول ، يلمّح ولا يصرّح ، يدلّ ولا يبٌّن ، يومئ ولا يوضّح
ان معظم الكلمات التي يستعملها اهل هذه البيوت ـ عنيت العاملين في البورصةــ هي من نوع : ربما ، نرجو ذلك ، هذا ممكن ، قد يكون ، رغم ان ، أعتقد ، أرجح ، أقصد ، لكن ، يبدو لي . أما حرف ان فلا مكان له البتة في هذا المكان ؛ كما لا مجال لوجود لكل ما يحمل معناه من الكلمات ، من أمثال : أؤكد ، ثبت لي ٌ من الواضح ان ، مما لا شك فيه ، لا ريب في ذلك . ان كل ما يستعمل في هذا المكان من كلمات ، وكل ما ’يلجأ اليه من تعابير هو مشروط بأمر ما ، مربوط برابط ما ،متعلق بفعل ما ، هو على الدوام جواب لشرط ما ، لشرط هو من الغموض والخفاء بحيث يمكن له ان ’يرى على شكل مخالف للشكل الذي يظهر به ، او ’يفسّر على وجه مخالف للتفسير الذي أعطي له
ان أرخص الأسهم واضعفها في الأرض قاطبة ، هي أسهم شركة ” منطق وشركاؤه” . ذلك ان أسعارها لا تتبع البتة اتجاها معينا … تراها تميل تارة يسارا ، وطورا يمينا ، عاكسة في ترنّحها ، فقط ، وعلى الدوام ، تحاليل عشرات الآلاف من الاختصاصيين ، او أنصاف الاختصاصيين ، في شؤون الاسهم ؛ الذين لا يجدون حرجا من تغيير آرائهم او تبديل تصريحاتهم من دقيقة الى دقيقة .. فالمنطق لا وجود له بالنسبة لهم ، وما من حدث يمكن ان يفسٌر تفسيرا منطقيا ، وما من مؤشر يمكن متابعته على هداية العقل او على مبادئ القياس
” اليوم كانت البورصة عديمة الشفافية ، غموضها متعب للقلب.” القول ليس غريبا فهو صحيح . لكن الغريب ان آلاف الألسنة تردد كل يوم هذا القول . والأكثر غرابة ان المرددين ينسون انهم رددوه بالامس ، وقبل الأمس.. أجل ان البورصة عديمة الشفافية ، ولهذا هي بورصة . لو هي فقدت صفتها هذه واكتسبت صفة الشفافية والوضوح لبطلت كونها بورصة ،وفقدت بالتالي مبرر وجودها . استمراريتها مرهونة بغموضها ، وحياتها قائمة على تلافيف أسرارها، ولو فقدت هذه الميزة لصارت طريقا ذا اتجاه واحد يربح كل من سار فيه او يخسر كل من اتبعه ، وهذا طبعا مستحيل اذ لا بد ان يكون هناك خاسرين ليكون هناك رابحين
ان العاملين في هذا المكان ليسوا سوى صيادين يصطادون في مياه عكرة ، مياه يزيدون هم من تعكيرها باطنان من العرق يقذفونها اليها كل يوم .. وتأتي وسائل الاعلام لتزيد بلٌة الطين ، بنشر ما تسميه هي “حكما” ، وهكذا تسيطر على الاخبار آ لاف التحليلات المتناقضة ، فتجعل الاسواق في اضطراب لا يدرك كنهه ولا يفسر سببه الا الراسخين في هذا العلم
نسمع اليوم : تتراجع في الوقت الحاضر أسعار الأسهم متأثرة بتراجع معدلات البطالة ، لان ذلك قد ينعكس تأثيرا حادا على التضخم ، مما يستدعي رفع معدلات الفائدة ، وهذا سمٌ زعاف ’يسقى لسوق الاسهم . . وتهبط الاسواق .. ويحدث الهلع .. ويخسر من يخسر ويربح من يربح
بعد مضي يومين او ثلاثة ترتفع معدلات البطالة ، فيدبٌ الذعر في الاسواق مجددا ، اذ يفسرها البعض كدليل قاطع على ضعف الاقتصاد ، ومبشر بتراجع أرباح الشركات ، فتنخفض أسعار الاسهم .. ويعود الهلع
مرٌة ’فسٌر العجز في الميزان التجاري ايجابيا . ومرة أخرى ’ينظر اليه بعين الشك والخوف ، لان تصديرا متناميا بسرعة ملحوظة لا بد ان ينعكس تضخما على البلد المصدر .
اليوم يفسّر ارتفاع الدولار بانه ايجابي ، بحجّة ان البنك المركزي الاميركي ليس ملزما برفع الفائدة . ثم بعد يومين يتخوف السوق من ارتفاع سعر الدولار لتأثير ذلك على الشركات المصدرة ومستوى أرباحها
والبورصة تسمع كل هذه الاخبار فتسخر منها ، وتصغي الى كل هذه التحليلات فتستخفّ بها . وهي تسعى .. تسعى مترنحة ، كما شارب الخمر ، يضحك ِلما ’يبكي ، ويبكي ِلما ’يضحك
البورصة والسياسة
من المتعارف عليه ان المستجدات السياسية والتطورات المفاجئة او المرتقبة تؤثر تأثيرا مباشرا في تطور الأسواق وتقلب اسعار الأسهم . ولكن الأمر الذي قد يبدو مستغربا بالنسبة لبعض المتعاطين بهذا الشأن ولاسيما المبتدئين منهم ، هو ان هذا المبدأ قد يعكس أحيانا فتملي البورصة على السياسة ارادتها ويبدو السياسيون في أكثر البلدان تقدما رهنا لمزاجيتها او لمنطقها
لعل أحدث مثل يشهد على ما تقدم هو ما جرى لأسهم شركة “التلكوم “الألمانية في المدة الأخيرة. فقد فقدت هذه الأسهم 90 بالمئة من قيمتها اذ تراجع سهمها من أكثر من 110 يورو الى ما يقارب 8 يورو فقط . ’حملت المسؤولية حقا أو ظلما لرئيس الشركة ” رون سوممر” ووقف ثلاثة ملايين مساهم من صغار المدخرين غاضبين أمام الحقيقة المرة ، لكونهم فقدوا كل مدخراتهم فطالبوا علنا وبقوة باقالة ” سوممر ” . ولكن المستشار الألماني ” غارهارد شرودر ” وقف بقوة الى جانبه ورفض تحميله مسؤولية ما جرى.
الآن تقف ألمانيا على أبواب الأنتخابات البرلمانية ويبدو أن ثلاثة ملايين ناخب خسروا أموالهم في أسهم التلكوم لا بد أن يحسب لهم حسابا كبيرا . فالمعارضة تبدو مستعدة لأستغلال الوضع وصغار المساهمين هم في الأصل من ناخبي الحزب الأشتراكي الحاكم الذي يشتد الضغط عليه الى حد جعله يلمح الى استعداده باقالة ” رون سوممر ” واستبداله برئيس شركة ” دايملر كرايزلر ” صاحب الصيت الحسن الذي قد يهدئ خواطر الغاضبين ويعيد لهم الأمل بامكانية ترميم ما تهدم وتعويض ما ’خسر
وهكذا فلا ’يستبعد أبدا أن يكون سهم “التلكوم” هو الناخب الأول والأقوى في الأنتخابات الألمانية القادمة
تجارة لا مضاربة
أصفحة جديدة تعنى بشؤون البورصة ؟ أبهذه الظروف الصعبة ؟ أليست هذه مغامرة لا تحمد عقباها ؟ أسئلة رددها على مسمعنا كثيرون من العاملين في هذا الحقل اذ طرحنا عليهم نيتنا بتقديم قدر ولو يسير من المعلومات الاقتصادية التي قد تسهل على قراء العربية ولوج مجال تجارة الاسهم العالمية متسلحين باحدث المعلومات واهمها , فيوفروا على أنفسهم خسارة أو يوفروا لها ربحا . نحن نقر ان المرحلة الحالية -ونرجو ألا تطول _ ليست هي المرحلة المثلى التي تسهل للمستثمر جني أرباحا طائلة عن طريق التوظيف في مجال الاسهم ،ولكننا مقتنعون في نفس الوقت ان المستثمر الحريص على تقصي أهم المعلومات وأحدثها ، والمعتمد على مناهج موضوعية تبعده عن التهور في اتخاذ قراراته ، انما يستطيع في هذه الظروف وفي كل ظرف آخر أن يقتنص فرصا, فيحقق لنفسه ربحا, شرط ان يرى في هذا العمل تجارة لا مضاربة
ولهذه التجارة ألف فن وفن
ولها ايضا ألف فخ وفخ
ولهذه التجارة أبواب وابواب ،ولها تعاريج وتعاريج ، قد تقود الى رفعة أو قد تدفع الى هاوية.
سمعنا تشكك المتشككين ، واصغينا الى نصح الناصحين , ولكن ذلك لم يثننا عن المضي في الدرب راجين المولى التوفيق،فنوفر للقارئ العربي من المعلومات ما قد يساعده في تأسيس تجارة افتتن بها الكثيرون , فثبت فيها بعضهم وجنوا أرباحا كبيرة , وزلت القدم بغيرهم فضيعوا مالا وانصرفوا عنها خائبين.