إلى متى ستصبر الصين؟

سبعة أشهر مرت منذ أن وقعت الولايات المتحدة والصين اتفاقية تعد المرحلة الأولى في إنهاء الحرب الاقتصادية فيما بينهما، سبعة أشهر انغمس فيها العالم بأسره في مكافحة جائحة فيروس «كورونا» حتى باتت الحرب الاقتصادية أمرا ثانويا تكاد لا تذكره وسائل الإعلام. لم يفتأ الرئيس الأميركي خلال هذه الفترة من التعريض بالصين في كل فرصة متاحة بإلقاء اللوم عليها بتفشي فيروس «كورونا»، إلا أنه لم يتخذ قرارا رسميا تجاه الصين بهذا الخصوص. والآن وبعد أن بدأ العالم يتعايش مع الفيروس إلى حد ما، استأنفت الولايات المتحدة حربها الاقتصادية ضد الصين، هذه المرة باستخدام أدوات جديدة وبقرارات رسمية.
ويبدو أن الرئيس الأميركي لم يعد يستهدف الشركات الصينية المستثمرة في الولايات المتحدة فقط كما كان بالسابق، فقد أعلن في السادس من هذا الشهر عن إمهال شركة (بايت دانس) الصينية المالكة للتطبيق الشهير (تيك توك) 45 يوما لبيع حقوق التطبيق في الولايات المتحدة لشركة أميركية. وصرح بعدها بأيام أن أمام الشركة 90 يوما فقط لإنهاء عملياتها في الولايات المتحدة في محاولة بيّنة للضغط على الشركة. وحتى هذا الوقت لا توجد شركة مؤهلة لشراء حقوق التطبيق إلا (مايكروسوفت) والتي سبق لها التفاوض مع (بايت دانس) في مايو (أيار) الماضي. وانتقاء تطبيق (تيك توك) لم يكن وليد اللحظة، فالهيئة الأميركية للاستثمارات الأجنبية بدأت تحقيقات بشأن التطبيق قبل عام تقريبا بعد استحواذ الشركة الأم على تطبيق (ميوزكلي) ودمجه مع (تيك توك) لتزيد بعد ذلك شعبية الأخير. وليست هذه هي الشركة الوحيدة التي استهدفتها الإدارة الأميركية، فقط استهدفت شركة (تينسنت) وهي ثاني أكبر شركة تقنية في الصين والمالكة للتطبيق الصيني الشهير (وي تشات) ذي المليار ومائتي مليون مستخدم وأمهلت الشركات الأميركية مدة 45 يوما فقط لإنهاء تعاملاتها مع الشركة الصينية.
والأمن الوطني هو العذر الأميركي، كما كان لكثير من الإجراءات السابقة، فالولايات المتحدة ترى أن امتلاك شركة صينية لبيانات مستخدمين أميركيين أمر يهدد أمنها الوطني. وقد يكون هذا التهديد صحيحا بالنظر إلى الأنظمة الصينية التي تعطي الحق للحكومة بالاطلاع على بيانات أي شركة صينية. ولذلك فإن الحكومة الصينية بإمكانها الاطلاع على جميع بيانات المستخدمين لهذه البرامج، ومع كون (وي تشات) أحد أكثر البرامج شيوعا بين الصينيين باستخداماته المتعددة مثل المحادثات النصية والصوتية والمرئية وتحويل الأموال، فإن الحكومة الصينية يمكنها الاطلاع على تفاصيل دقيقة لما يحدث لرعاياها، لا سيما أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وهو ما يقلق الولايات المتحدة تحديدا. وسواء كان هذا التهديد حقيقيا أم لا، إلا أن ما يتضح أن الرئيس الأميركي ماضٍ في حربه ضد الصين، وجعبته مليئة بالأدوات التي لا يتورع عن استخدامها، حتى أنه منع الشركات الأميركية من بيع منتجاتها لشركة (هواوي) دون الحصول على تصريح، وهو الذي سمح لها بذلك من قبل.
والسؤال المطروح هنا، إلى أي مدى ستستمر الولايات المتحدة باختبار صبر الصين؟ فالقرارات الأخيرة لم تكن عارضة، بل هي ضمن سلسلة مستمرة من ملف مواجهة أميركا للصين ومحاولاتها المستمرة لوقف تمدد الصين التقني ولكن هذه المرة عبر التطبيقات بدلا من الشركات. والمتأمل يرى أن الصين لديها مفاصل الكثير من الشركات الأميركية، فلو أرادت الصين تصعيد هذه المواجهة إلى حد (عليّ وعلى أعدائي)، لعطلت أعمال شركة (أبل) لديها وذلك قد يسبب خسائر لا يمكن حتى استيعابها للشركة الأميركية التي تملك مصانع ضخمة في الصين. و(أبل) نفسها متضررة حتى في الوضع الحالي، فإيقاف الولايات المتحدة تعامل الشركات الأميركية مع برنامج (وي تشات) يعني أن تحذف (أبل) هذا التطبيق من متجرها، وهو ما سيقلل شعبية (الآيفون) في الصين والذي تشكل مبيعاته هنالك أكثر من ثلاثة ملايين جهاز شهريا.
إن ردة فعل الصين لا تصل حتى هذه اللحظة إلى مستوى حدة وجرأة القرارات الأميركية، ويبدو أن السبب في ذلك هو عدم تعجل الصينيين لتحقيق مكاسب من وراء هذه الحرب، بينما تضغط الانتخابات الرئاسية على الإدارة الأميركية في تحقيق مكاسب قبل بدء الانتخابات. هذه النقطة تحديدا قد تبرر عدم اتخاذ الصين أي قرارات تصعيدية وانتقامية حادة حتى هذه اللحظة، ففي حال عدم ترشح الرئيس (ترمب) لولاية قادمة قد تنخفض حدة هذه الحرب وتعود المياه لمجاريها، ولكن لو بقي (ترمب) على كرسي الرئاسة لأربع سنوات إضافية، فقد يختلف سلوك الصينيين الذين قد لا يمكنهم الصبر لهذه الفترة بنفس ضغوطات السنوات الثلاث الماضية.

عبدالله الردادي

ارتفاع اسعار النفط بدعم من عوامل مؤقتة؟

يانات الطلب على النفط كانت إيجابية بدرجة كبيرة الأسبوع الماضي، إذ ارتفع الطلب الأمريكي المفترض على البنزين إلى مستوى يقل 3.5 بالمئة فقط عن مستويات ما قبل فيروس كورونا وبلغ رقم النفط الخام المعالج للصين مرتفعا قياسيا في يوليو تموز.
الطلب زاد ثمانية ملايين برميل يوميا على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة إلى 88 مليون برميل يوميا – لكنه يظل دون مستواه قبل عام بواقع 13 مليون برميل يوميا.

ارتفاع أسعار النفط يوم الاثنين جاءت اذاعقب أنباء بأن الصين تعتزم جلب كميات كبيرة من الخام الأمريكي في أغسطس آب وسبتمبر أيلول، مما أبطل أثر بواعث القلق حيال تباطؤ في تعافي الطلب بعد جائحة فيروس كورونا وزيادة في الإمدادات.
هذا وقد بدأت شركات نفط مملوكة للحكومة الصينية حجز ناقلات لجلب ما لا يقل عن 20 مليون برميل من الخام الأمريكي في أغسطس آب وسبتمبر أيلول، حسبما أوردته رويترز يوم الجمعة، لتزيد بكين مشتريات الطاقة والمنتجات الزراعية قبيل مراجعة لاتفاق التجارة المبرم مع واشنطن.

وماذا عن تأثير الفيروس؟
تدعم أسعار النفط بواردات خام غير مسبوقة لأكبر مشتر في العالم وتخفيف قيود مكافحة كوفيد-19 عالميا من الطبيعي ان تدعم الاسعار على المدى القريب ، لكن موجة جديدة من إصابات فيروس كورونا في عدة دول من المتوقع أن تكبح الاستهلاك مجددا.

مصير الاقتصاد والدولار بعـــد «فك الحصار»

لم تكن هناك عبارة أسهل لتبرير الافلاس المالي من عبارة انّ لبنان مُعرّض لحصار دولي. ولكثرة تَرداد هذه المقولة كاد البعض ان يصدّق أنّ الانهيار الاقتصادي تسبّب به هذا الحصار الجائر. واليوم، هناك من يروّج لنظرية فك الحصار بعد زلزال العنبر رقم 12، وتدمير بيروت، ويحاول أن يبيع الوهم بأنّ إنقاذ الاقتصاد قد ينبعث من قلب الفاجعة.

يراقب البعض بأمل ورجاء حركة التضامن الدولي والعربي التي يحظى بها لبنان في هذه الفترة، على اعتبار أنها قد تكون بداية رحلة الانفراج المالي والاقتصادي بعدما وصل الوضع الى حقبة متقدمة من الانهيار المستمر. ويظنّ البعض، أو يروّج لذلك على الأقل، انّ البلد كان مُحاصراً، وصدر اليوم قرار بإنهاء الحصار، وبدء مرحلة جديدة.

 

في الواقع، من كان مُحاصراً، ولا يزال، هي المنظومة السياسية الحاكمة. ومفهوم فك الحصار لا علاقة له بزيارة الرئيس الفرنسي، ولا باتصال الرئيس الأميركي بنظيره اللبناني. وهؤلاء المتفائلون قسراً، بعضهم يدرك، وبعضهم يتعمّد تَقمُّص دور المُغفّل، انّ التضامن الدولي بعد الكارثة التي تسبّب بها على الأرجح، الاهمال والفساد والغباء، لا علاقة له بملف فك الحصار عنهم. ولو راجَع هؤلاء ما يجري بعد كوارث بحجم كارثة مرفأ بيروت، لأدركوا أنّ كل الدول تحظى بهذا النوع من التعاطف الدولي في زمن الكوارث.

 

حتى ايران، التي كانت في حال عداء مع المجتمع الدولي، لا سيما مع الأميركيين، حظيت في العام 2003 عندما ضربها زلزال مُدمّر، بمساعدات دولية وعربية من كل حدب وصوب. ولو لم تعلن طهران في حينه انها تقبل المساعدة من كل دول العالم باستثناء اسرائيل، لكانت وصلت اليها ايضاً مساعدات اسرائيلية. وفي خلال تلك الكارثة، تجاوزت واشنطن قرار مقاطعة طهران، وأجرت اتصالات مباشرة معها لتنسيق المساعدات لدعم المتضررين من الزلزال، والمساهمة في بَلسمة جراح الناس. ولم يوصل هذا الانفتاح العالمي على ايران في زمن الكارثة الطبيعية الى تغيير النهج أو العلاقات لاحقاً بينها وبين المجتمع الدولي، ولا ساهَم هذا الانفتاح في إنقاذ الاقتصاد الايراني من الانكماش والصعوبات المستمرة حتى اليوم.

 

هذه الحقائق ينبغي أن تعيد الواهمين أو بائعي الوهم الى صوابهم. العالم قرّر بلسمة جراح اللبنانيين المفجوعين بالكارثة، لكنّ ذلك لن يساهم، لا من قريب أو من بعيد، في تغيير المشهد المالي والاقتصادي في البلد، لأنّ هذه الأزمة لا علاقة لها بحصار شبه وهمي حمّلوه بهدف التعمية مسؤولية الافلاس.

 

حتى الآن، لم تظهر مؤشرات على اتخاذ قرار بتغيير المشهد المالي، من خلال وقف الفساد. ومن دون هذا القرار، لن يخرج البلد من دائرة الافلاس الذي ستتفاقم تداعياته مع الوقت. ومن يشكّك في هذا الواقع، عليه أن يراجع ما جرى ويجري منذ سنوات حتى اليوم في بوتوريكو.

 

لدى بوتوريكو 4 قواسم مشتركة مع لبنان: عدد سكانها (حوالى 3,2 ملايين نسمة)، مساحتها (9 آلاف كلم2)، منظومتها السياسية فاسدة، والجزيرة مفلسة. وأخيراً، نستطيع أن نضيف انّ الاثنين لديهما درجة تصنيف واحدة (C حسب مقياس موديز)، وأصابتهما كارثة زادت في حجم الكارثة القائمة. (إعصار Mari عام 2017).

 

المفارقة هنا انّ بوتوريكو أرض أميركية أمّا مواطنوها فهم أميركيون، ولم يَحمها ذلك من الافلاس، لأنها غير مكتملة المواصفات لتكون ولاية من الولايات الأميركية. وبالتالي، إنّ نظامها لا يتمتع بالشفافية التي يفرضها النظام الفدرالي الأميركي، وقد تآكلها الفساد، ولم يحمها اقتصادها المنتج، الذي يستند الى الصناعة والزراعة والسياحة من الافلاس، لأن لا علاج للفساد، ولا مناص من الانهيار، سواء كان الاقتصاد منتجاً أم خدماتياً، النتيجة واحدة. مع الاشارة هنا الى انّ الناتج في بوتوريكو أهم وأكبر من الناتج اللبناني، إذ يبلغ حوالى 100 مليار دولار (مقابل 55 للبنان قبل الانهيار)، ويصل متوسط الدخل للفرد (GDP (PPP) per capita) حوالى 23 ألف دولار (مقابل حوالى 12 ألف دولار في لبنان قبل الانهيار).

 

إنطلاقاً من هذه الوقائع، لا يمكن الرهان على المساعدات الدولية التي ستصل لبنان لتغيير الواقع الاقتصادي. لا سعر الدولار سيتغيّر، ولا حجم الدين سيتراجع، ولا الماكينة الاقتصادية ستتحرّك. وفي أحسن الاحوال، سيتم فتح خطوط ائتمان ذي طابع إنساني، لن تنقُذ بطبيعة الحال الاقتصاد الوطني.

 

في بوتوريكو، وهي ليست دولة بل مجرد أرض أميركية لديها طابع خاص واستثنائي، يُمازح فيها الحاكم الفاسد المقرّبين منه بالقول: «ألا يوجد أي جثة متبقية بعد الاعصار لإطعام الغربان»؟ وفي لبنان، هناك من يقول للناس «رب ضارة نافعة».

انطوان فرح.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات