إستراتيجية عمل مبتَكَرة، لم يسبق أن وجدها أحد سواي، هو المبتغى والهدف إذا. هذا لسان حال كل داخل الى السوق وهدفه. يختطفه هذا الطموح، فيغرق شهورا، وقد أقول سنوات، في البحث والمقارنة والتركيب والتفكيك. ألإستناد هو إلى رسم بياني تاريخي يمتد إلى سنوات مضت. هي مهمة فائقة السهولة ولا يخفق أحدٌ في بلوغها. هذا من الوجهة النظرية.
من الوجهة العملية يختلف الأمر وتبدو الخروقات ونقاط الضعف. تكون النتيجة فورا الخيبة وتسرّب الشك الى النفس والتخلي عن الاستراتيجية والعودة للبحث عن غيرها، إن لم يكن الإستسلام والتخلي عن المشروع برمته. هذا هو قانون الضعف البشري الذي لا ينهزم بسهولة في معظم الأحيان، ويؤدي الى مهالك الطموحات الرخيصة في معظم الأحيان.
مهالك الطموحات الرخيصة مَنبَتُها الغرور والجهل. ألغرور والظن بقدرات فائقة واستثنائية وغير مسبوقة. الجهل بواقع الأمر وبكون الملايين ممن قد يفوقونك مقدرة – أو على الأقل يساوونك – مروا قبلك على هذا الشارت ( الرسم البياني ) وأشبعوه تقليبا وتحليلا. نتيجة هذا الجهل وهذا الغرور هو مهالك مضمونة. مهالك الخطط الصغيرة، الرخيصة، المبنية على قانون الصُدَف الذي يصح الآن ولا يصح بعد حين.
ألحلول تأتي عادة من عند أهل الخبرة والتجربة. نادرا ما تكون وليدة صدفة يوفق في إيجادها مبتدئ في العمل. ألسبب بسيط جدا: إن ملايين العيون رصدت هذا الرسم البياني وقلّبته وفتحت كلّ نوافذه ثم أقفلتها. أقفلتها على قناعة محسومة: قانون الصدفة لا مكان له هنا. “أخوت شانيه” ظاهرة – قد تكون فريدة – وقد يكون بولِغ في تصويرها – لا تتكرر كلّ يوم.
النظري غير العملي إذا في عالمنا هذا. لا بد من أخذ هذا الواقع بالإعتبار عند بناء كل خطة وتركيب كل استراتيجية عمل. ما تنجح برسم خطوطه على الورق قد لا تنجح – والأرجح انك ستلاقي صعوبات – في تطبيقه في السوق عملا وتحقيقا لربح.
أعذرني أخي القارئ على هذا الإسترسال، ولنعد الى خطة “رفيق بركة” نتفحصها سوية مرة جديدة.
قلت في المقالة السابقة إنه لا طائل من الإتكال على خطوط تلتقي على الشارت وتوفر لك إشارة شراء “مضمونة” عند كل التقاء ، او عند كل افتراق. هذا ما سميته خطة صغيرة فقيرة – وهي حتما غبية – لا توصل الا الى مهالك مضمونة.
ألخطوط هذه يمكن أن تساعدك في اتخاذ قرار . لا نكران لذلك . أنت من يتخذ القرار . تبنيه على معطيات منطقية علمية وقوانين موضوعية لا لبس فيها. هكذا ترتفع حظوظك بالصمود وبالتحول من مُقامر الى مُتاجر.
“رفيق بركة” يريد أن يضع على الرسم البياني عملتين متباعدتين في سعرهما الحالي. وإن التقيا فالربح مضمون. واضع الإستراتيجية صار عَلَمَا في الإبداع. سأله واحد من تبّاعه: ولكنني أخسر دوما. لم يجد جوابا سوى : أنا أربح.
حسنا، لنأخذ أخي القارئ عملتين هما السترليني ين، واليورو سترليني على سبيل المثال. لنضعهما على رسم بيانيّ واحد. العملة الأولى في أسفل الشارت والثانيةفي أعلاه. أمر طبيعي فالسترليني تحت الضغط.
بعنا اليورو مقابل السترليني واشترينا السترليني مقابل الين. ننتظر نزول الفوقى وارتفاع السفلى. هذا كل شيء.
من حيث القوانين النظرية هذا صحيح . إن ارتفع خط وانخفض آخر لا بد أن يلتقيا. ما فات واضع هذه الخطة أمر في غاية الأهمية.
ما فاته هو النسبة المئوية – او عدد النقاط – التي يجب أن يرتفعها السعر السفلي ليصل الى الحد المتواجد عليه السعر العلوي. ما فاته هو مقارنة هذه النسبة بنسبة النقاط – او النسبة المئوية -التي يجب أن ينخفضها السعر العلوي ليلتقي بالسفلي. لو هو فعل هذا لتكشّفت له أسرار الفشل ومكنونات المخاطر.
على السترليني ان يرتفع 300 نقطة ليبلغ حدا يتواجد عليه اليورو .
على اليورو ان ينخفض 100 نقطة ليبلغ حدا يتواجد عليه السترليني .
اذا لنتابع هذا السيناريو:
السترليني تراجع ولم يرتفع بنسبة 700 نقطة أضيفت الى ال 300 فاذا الفارق بينهما ألف نقطة.
اليورو ظل في مكانه في المرحلة الأولى ثم بدأ بالتراجع. سيكون عليه تحقيق تراجع بنسبة 100 نقطة ليلتقي بغريمه. الهدف إذا قد تحقق: إلتقاء السعران حقق خسارة بلغت 700 نقطة على السترليني ، إستعاد منها اليورو 100 نقطة ، فاذا صافي الخسارة 600 نقطة. نتيجة كارثية لاستراتيجية جهنمية.
إنتقام رفيق .
قرر رفيق الإنتقام لنفسه من ذاك الأفّاق الجاهل. قرر أيضا أن يلعبَ دورا في مهمة التنوير. دخل الى المنتدى المذكور. شرح ما اقتنع به من معطيات لا جدال في صوابيتها. فنّد للخاسر الأسباب التي لا يمكن إلا أن تؤدي الى الخسارة.
إختفى صاحب العقل المبدع منذ ذلك اليوم عن المنتدى. أو إنه غيّر جِلده على الأرجح بتغيير اسمه. وعاد في زاوية جديدة، وبإسم جديد، وباستراتيجية حمقاء جديدة، يجمّع حوله المريدين. هو يلقي مواعظ الصعاليك الفقيرة، وهم لا يبخلون عليه بعبارات الشكر والتبجيل.( ومن يدري – فقد يكون هو نفسه من يحاضر ومن يصفق – فالأسماء كثيرة والحظوظ مُباحة ومُتاحة…)
عزيزي القارئ.
هذا مثال واحد عن عشرات الخطط الغير موضوعية، والمنتشرة على مواقع يلتقي فيها غالبا قليلو الخبرة وكثيرو الإدعاء. حذارِ من الإستسلام لغرور هؤلاء وادعاءاتهم.
إن الشرط الرئيس الذي يجب ان يتحقق لتصنيف أية استراتيجية في خانة القبول او الرفض هو قيامها على معطيات منطقية ومُسلّمات علمية ثابتة.
اذا كنت لا تحسن الحكم علىى صوابية خطة قرأت عنها، فاستشر أولي العلم والتجربة والخبرة، قبل البدء باعتمادها.
إفعل ذلك حتى لا تستيقظ على بروق ورعود، فيكون نصيبك البَرْد، وترتعد، دون أن تعلمَ على ماذا تنام ولا على ماذا تقوم….