يحق لأي اقتصاد ينمو بمعدل 33 في المائة أن يزعم بكل ثقة أنه يحلق بطائرة نفاثة. فعندما يتعلق الأمر بالاقتصاد الأميركي، فإنك تتحدث عن قوة طاغية قوامها 20 تريليون دولار هي الأكبر في العالم. كما أن «مكتب التحليل الاقتصادي» الأميركي أعلن أن الاقتصاد الأميركي في الربع الثالث من العام كان الأكثر تفجراً منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل.
هي أخبار سارة للعمال وللعائلات الذين يكافحون للتنقل في ظل انتشار «كورونا»، وكذلك لمجتمع الأعمال. يعطي هذا الخبر فرصة للرئيس ترمب للترويج لأخبار اقتصادية رائعة وإعلان مسؤوليته عن توجيه كل شيء لهذا المسار السعيد.
في الواقع، أطلقت حملة ترمب بالفعل إعلانات توقعت إطلاق «مكتب التحليل الاقتصادي» لعبارة على شاكلة «أعلى ناتج محلي إجمالي في التاريخ الأميركي» و«بفضل الرئيس ترمب الاقتصاد الأميركي في تحسن»، ليصبحا شعارات الحملة الانتخابية لترمب.
لكن كل هذا ليس سوى مبالغات جامحة حتى بالنسبة لترمب وحتى بمعايير المبالغة في الحملة والسبب هو، أولاً، لم ينمُ الاقتصاد فعلياً بنسبة 33 %. فكما أوضح زميلنا الكاتب في «بلومبرغ» أوستن فوكس، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي هو معدل سنوي – ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنحو ربع المبلغ المعلن في الربع الثالث، أي بواقع أقرب إلى 7.4 %. لكن هذا الرقم يأتي عقب أكبر انخفاض على الإطلاق، بنسبة تتخطى 10 % في النصف الأول من العام الجاري. لذا، حتى بعد الربع الثالث المشجع، لا يزال الناتج المحلي الإجمالي منخفضاً بنسبة 3.6 % منذ أن بدأ الوباء في التفشى، وهو ما يمثل واحداً من أشد الانكماشات بعد الحرب.
لكن ما السبب وراء الأرقام المرتفعة مؤخراً؟ الإجابة هي أنه كان هناك بعض حسن الحظ والكثير من المساعدة من دافعي الضرائب والحكومة الفيدرالية.
فقد اجتمع الكونغرس والاحتياطي الفيدرالي معاً في مارس (آذار) لتصميم خطة إنقاذ بقيمة 7 تريليونات دولار أبقت ملايين العمال على كشوف المرتبات خلال فصل الصيف، والعديد من الأميركيين العاطلين عن العمل تم إسكانهم وإطعامهم. كما أنه سمح للأسواق المالية بالاستمرار في العمل بسلاسة. كذلك خفف «كوفيد – 19» هجومه قليلاً في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، ما قد يمنح المستهلكين مزيداً من الشجاعة للمغامرة.
ومع ذلك، فإن تلك الرياح الخلفية تتلاشى، إذ التزم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، فعل كل ما هو ممكن لدعم الاقتصاد، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يمكنه فعل الكثير، ولهذا السبب حث باول الكونغرس على تقديم مزيد من المساعدات الفيدرالية. وبدلاً من الرد على هذه المكالمة، فقد تردد الكونغرس لأسابيع حول حجم خطة الإنقاذ المقبلة، حيث رفض الجمهوريون وضع حزمة إغاثة كبيرة على الطاولة.
في غضون ذلك، أعاد كورونا تأكيد نفسه في جميع أنحاء البلاد، مهدداً الحياة والأسر والاقتصاد والوظائف مرة أخرى. كل هذا يشير إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي، وفي الواقع، الاقتصاد يسير في تباطؤ فعلي. يتمثل أحد عيوب حسابات الناتج المحلي الإجمالي في أنها تقاس كل ثلاثة أشهر ويتم الإبلاغ عنها بفارق شهر تقريباً، لذا فهي لا تقدم التقييم الأكثر دقة من ناحية الوقت. طريقة واحدة للتغلب على ذلك هي النظر إلى المقاييس الاقتصادية التي يتم تجميعها بشكل متكرر، وكثير منها يظهر الاقتصاد الذي تباطأ بشكل ملحوظ خلال الربع الثالث.
تحكي البيانات الشهرية الأخرى قصة مماثلة، فقد انتعش مؤشر «ونفرنس بورد» للمؤشرات الاقتصادية الرئيسية بشكل حاد في مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، لكنه نما ببطء أكثر كل شهر منذ ذلك الحين.
دعونا لا ننسى الوظائف، فبعد أن أضاف الاقتصاد 7.5 مليون وظيفة جديدة في مايو ويونيو، تباطأت وتيرة نمو الوظائف في كل شهر لاحق. إذا كان الاقتصاد سيعتمد على الوظائف التي تم استحداثها بمعدل سبتمبر، فسيتعين عليه الانتظار 16 شهراً أخرى لاستعادة جميع الوظائف التي فقدناها جراء الوباء.
توترت سوق الأسهم الأميركية أيضاً مؤخراً، حيث تراجعت بنسبة 6 % الأسبوع الماضي، ما قد يشير إلى أن فيروساً متجدداً ونقص المساعدة الفيدرالية قد يلحقان الضرر بأرباح الشركات التي صمدت بشكل مفاجئ حتى الآن.
يعلم ترمب شأن أي شخص أن الاقتصاد لا يزال يتأذى، على الرغم من صخبه بشأن العودة. لهذا السبب يطالب الكونغرس بإنفاق أكثر من 2.4 تريليون دولار التي يقترحها الديمقراطيون. إنه اعتراف ليس فقط بأن الاقتصاد هش، لكن أيضاً بأن للبيت الأبيض تأثيراً أقل عليه مما يعتقد كثير من الناس.
أدى هذا الوعي إلى تنشيط مفاوضات وزير الخزانة، ستيفن منوشين، مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، لكن الجمهوريين في مجلس الشيوخ يفتقرون إلى نفس الشعور بالإلحاح. وبعد أن حصلت إيمي كوني باريت على مقعد في المحكمة العليا، أجل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، انعقاد مجلس الشيوخ حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) بدون تصويت على إغاثة «كوفيد – 19».
على أي حال، دعونا نحتفل بربع عام رائع ثم نعود إلى منح الاقتصاد الأميركي الدعم الذي يحتاجه.
نير كايسار