تثبيت الليرة على 5500 مشروع قابل للتنفيذ؟

بعد رواج مصطلحات التدقيق الجنائي، ومن ثمّ الدعم، دخل مصطلح جديد الى «الساحة» المفتوحة على التجارب اللفظية، اسمه «مجلس النقد». وهو مصطلح بدأ يسمع به اللبنانيون بقوة في الأيام القليلة الماضية، ويتمّ تصويره وكأنه الحل السحري الذي سيُعيد الى الليرة رونقها، ويحمي البلد من «جهنم» الموعود.

فيما يستمر المشهد السياسي على مساره المعقّد، وتمضي الامور على رتابتها القاتلة، وتبقى البلاد بلا حكومة رغم دقة الوضع الذي وصل الى مرحلة بات يُسمح معها بالقول انّ لبنان يواجه خطر الزوال، يتمّ ملء الفراغ باقتراحات وأفكار لا ترتقي الى مستويات المرحلة. هذه الأفكار، على أهميتها أحياناً، تأتي في سياق منفصل عن الحل الشامل الذي باتت خارطة طريقه معروفة، وهي ترتكز على حكومة مستقلة تتولى وضع خطة إنقاذ شاملة، تتماهى ومتطلبات المجتمع المحلي والدولي، وتمرّ حُكماً في صندوق النقد الدولي.

خارج هذا الاطار، يَجهَد البعض في تقديم أفكار واقتراحات، يتلقّفها المجتمع المحلي المُتعطّش الى خشبة خلاص يمكن أن تنشله من حال الغرق المستمر منذ أشهر طويلة. آخر وأحدث الاقتراحات التي يجري التداول بها تتعلق بتشكيل مجلس للنقد (currency board) يتولى عملية انتشال الليرة من انهيارها، ويُثبّت سعر صرفها منعاً لمزيد من التراجع في قيمتها في المستقبل. ويعطي المتحمّسون للفكرة أرقاماً مُسبقة عن السعر الذي يمكن اعتماده لتثبيت الليرة، وهو بين 5000 أو خمسة 5500 ليرة للدولار الواحد. (سعر الصرف حالياً في السوق السوداء حوالى 8300).

ما قصّة مجلس النقد هذا، القادِر على اجتراح العجائب، وهل صحيح انه المَمر الآمن نحو سعر صرف ثابت في هذه الظروف الصعبة، التي يخشى معها اللبناني ان يستمر تدهور سعر صرف عملته الوطنية في المرحلة المقبلة، وصولاً الى أرقام تضخمية خطيرة تشبه تلك التي بلغتها دول تعرّضت للانهيار المالي والحصار الاقتصادي؟

قبل الوصول الى الحكم النهائي على دور وأهمية مجلس النقد الذي يتمّ الترويج له، لا بد من تقديم لمحة ولو موجزة عن ماهية هذه المؤسسة، كيف تعمل؟ أين عملت؟ وما كانت النتائج؟ وعليه، يمكن إيراد الملاحظات والحقائق التالية:

اولاً – عبر التاريخ، كانت مجالس النقد قائمة فقط في الدول المُستَعمَرة. وانتشرت بصورة خاصة في دولٍ استعمرتها بريطانيا، وبقيت تابعة لسلطتها. وفي كل مرة حصلت فيها دولة على استقلالها، كانت تتخلى عن مجلس النقد، وتؤسّس مصرفاً مركزياً. وهكذا تحوّل وجود مصرف مركزي الى مؤشّر لاستقلالية الدولة من الوجهة المالية والاقتصادية. وعليه، لا يمكن تقييم نتائج تجارب هذه المجالس ومقارنتها بالوضع الراهن للدول، بعد زوال حقبة الاستعمار في العالم.

ثانياً – في العصر الحديث، توجد تجارب عدة في موضوع مجلس النقد، منها ما اعتُبر فاشلاً مثل التجربة الارجنتينية التي بدأت في العام 1991 وانتهت في 2002. وبعضها يعتبره البعض ناجحاً، ولو انه يحتاج الى مزيد من التدقيق مثل التجربة البلغارية. كذلك خاضت تجربة مجلس النقد كل من ليتوانيا واستونيا والبوسنة. وكل هذه التجارب لا تزال تخضع لعملية تقييم لمعرفة نتائجها الحقيقية على الاقتصاد، خصوصاً انّ هذا النوع من السياسات النقدية يحتاج فترة زمنية طويلة للحُكم على نتائجه.

ثالثاً – لا توجد دول متطورة ومستقرة تعتمد في سياستها على مجلسٍ للنقد، بل ينحصر وجود هذه المجالس في دول تعاني أزمات وأوضاعاً استثنائية، ولذلك يُستخدم مصطلح CBA currency board arrangement للدلالة على الطابع الاستثنائي والتسيوي لإنشاء هذا النوع من المؤسسات.

في المحصّلة، ينبغي أن يكون معروفاً انّ الدور الحصري تقريباً لمجلس النقد هو المحافظة على سعر صرفٍ ثابت من خلال ربط عملة البلد المُستهدف بعملةِ بلد آخر متطور. ويستند هذا المبدأ على فكرة الربط الكامل بين عملتين: واحدة تابعة وأخرى مَتبوعة. ولا يمكن تطبيق هذا المبدأ من دون الاستناد الى تغطية بالعملة التي يختارها أي مجلس نقد لتشكّل الاحتياطي الذي يمكن الاستناد اليه لطباعة العملة وتحديد حجم الكتلة النقدية. والمبدأ بسيط، ويقضي بعدم طباعة أي ورقة نقدية لا تُؤمَّن تغطيتها بالعملة الصعبة. ويبقى الهدف من هذا الاجراء وقف نمو التضخّم، وتحديد سعر منخفض للفوائد.

لكن هذا المبدأ على بساطته لا يمكن تطبيقه بالبساطة نفسها، ويكاد يكون نجاح تجربة مجالس النقد أو فشلها شبيهاً بتجارب النجاح والفشل في تعاون الدول مع صندوق النقد. البعض ينجح والبعض الآخر يفشل، والمعيار هنا في الاجمال، التطبيق الدقيق للخطط والقوانين، ووضعية كل دولة.

هل تنطبق معايير نجاح تجربة مجلس النقد على الوضع اللبناني؟

اسئلة كثيرة ينبغي أن تتأمّن الاجابة عنها لمعرفة الجواب، منها:

أولاً – ما الفرق بين تجربة تثبيت سعر صرف الليرة التي قد يتولاها مجلس النقد، وتجربة التثبيت التي قام بها مصرف لبنان على مدى عشرين عاماً؟

ثانياً – ما هو الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة التي سيستند اليها مجلس النقد لتحديد سعر صرف الليرة، وهل انّ الاحتياطي الالزامي الباقي في المركزي ثابت لاعتماده، ام انه متحرّك وبتصرّف السلطة التي تفكر في استخدامه لاستكمال الدعم ولو تحت مُسمّى الترشيد؟

ثالثاً – ما تأثير وجود مجلس للنقد على القطاع المصرفي الذي سيتم الاعتماد عليه، رغم فقدان الثقة به حالياً، للنهوض بالبلد مجدداً عندما يحين موعد تنفيذ خطة للانقاذ؟

رابعاً – ما رأي صندوق النقد الدولي بهذا الموضوع، وهل يمكن اعتماد هذا الخيار من دون موافقته؟

هناك اسئلة اضافية ينبغي أن تُطرح قبل إبداء الحماسة لإنشاء مجلس للنقد، والأمر يحتاج الى دراسة مُعمّقة وهادئة، وليس الى مزايدات في طرح الاقتراحات، على طريقة «أنا اقترح إذن أنا موجود».

انطوان فرح.

احتكار الشركات التقنية

«غوغل»، «آبل»، «أمازون»، «فيسبوك»، «مايكروسوفت».. هذه الشركات الخمس هي قائدة الشركات التقنية بالعالم، وتبلغ القيمة السوقية لها نحو 4 تريليونات دولار، وهي تسيطر بشكل كبير على العالم الرقمي، إما بالبرمجيات مثل «مايكروسوفت»، أو بالتجارة الإلكترونية مثل «أمازون»، أو بمحركات البحث وتطبيقات الهواتف الذكية مثل «غوغل»، أو بتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، أو بالأجهزة الذكية مثل «آبل». وقد يندر ألا يستخدم شخص في العالم تطبيقات هذه الشركات الخمس، فاستخدام الهاتف الذكي يعني استخدام «آيفون» أو «آندرويد»، ودخول مواقع التواصل الاجتماعي قد يعني استخدام «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتساب»، وجميعها مملوكة لشركة «فيسبوك»، واستخدام الأجهزة المكتبية يعني وجود «مايكروسوفت». هذه القوة المفرطة والانتشار الواسع أعطيا الشركات التقنية القدرة على احتكار الأسواق، والتحكم في تنافسية السوق، بشكل أدى إلى صعوبة التنافس معهم، بل واستحالته، وهو ما أدى إلى رفع كثير من قضايا الاحتكار ضد الممارسات غير العادلة لبعض هذه الشركات.
والبداية مع أكثر هذه الشركات مواجهة لقضايا الاحتكار، وهي «مايكروسوفت»، التي واجهت عشرات الاتهامات بالاحتكار منذ التسعينيات الميلادية، وكادت حينها أن تتعرض للفصل إلى شركتين مختلفتين بسبب هذه القضايا. وكانت آخر الاتهامات ممارساتها الاحتكارية مع تطبيق «تيمز» الذي استخدم بكثرة مع التباعد الاجتماعي في أثناء الجائحة، حيث اتهمت شركات مثل «زووم» و«سلاك» شركة «مايكروسوفت» بالتسويق لبرنامج «تيمز» من خلال شبكتها الواسعة من العملاء الذين يشملون مستخدمي بريد «آوتلوك» والبرامج المكتبية الأخرى، وهو ما أعطاها ميزة تنافسية لا تستطيع بقية الشركات الحصول عليها.
أما «فيسبوك»، عملاق مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اتهمت كثيراً بالممارسات الاحتكارية. وكان أبرز هذه الممارسات استحواذ «فيسبوك» على «إنستغرام» في عام 2012 بمليار دولار، وكانت «إنستغرام» حينها مكونة من 13 موظفاً فقط. وقد اتهمت «فيسبوك» بقمعها لأي منافس مستقبلي بهذا الشراء. أما القضية الثانية، فكانت في 2014 بشراء «واتساب» ذات الـ55 موظفاً بمبلغ زاد على 19 مليار دولار. ويتطلع عدد من المدعين العامين الآن إلى إعادة فتح ملفات هذين الاستحواذين، بينما تتحجج «فيسبوك» بأن عمليات الاستحواذ هذه تمت بشكل شفاف قانوني حينها.
أما «غوغل»، فممارستها الاحتكارية تنقسم إلى قسمين: الأول منهما يتمثل في توجيه نتائج محركات البحث بحسب سياستها غير المعلنة (وفق الاتهام)؛ وتزيد حصة «غوغل» السوقية من محركات البحث على 90 في المائة. كما تتهم كذلك -بصفتها مالك نظام «آندرويد» التشغيلي- بتوجيه نتائج البحث في متجر التطبيقات إلى التطبيقات الخاصة بها، مما يعطي تطبيقاتها ميزة تنافسية على التطبيقات الأخرى. وهذا الاتهام يوجه كذلك لشركة «آبل» التي قد تعطي ميزات أكبر للتطبيقات الخاصة بها، علاوة على وجود كثير من هذه التطبيقات بشكل تلقائي عند بيع الأجهزة.
أما «أمازون»، فقد اتهمت كثيراً بالممارسات الاحتكارية، سواء في السيطرة على بيع الكتب سابقاً، أو الضغط على دور النشر من خلال إبعادهم عن نتائج البحث بالكتب. والآن، تواجه اتهامات بتفضيل منتجاتها على منتجات البائعين في موقعها الإلكتروني. كما وجهت اتهامات عدة لـ«أمازون» في السابق عن شرائها لشركات قد تنافسها في المستقبل، ومن ثم إنهاء نشاط هذه الشركات بعد شرائها، وذلك لقمع المنافسة بشكل نهائي.
إن القوى المتزايدة لدى الشركات التقنية مصدر قلق مستمر للحكومات، فهذه الشركات هي صانعة التقنيات الحديثة، ولها الفضل الكبير في تغيير العالم إلى ما هو عليه اليوم، إلا أن هذه القوى لا بد أن تحكم بالقوانين. وهذه الشركات لديها من الأذرع الممتدة ما يجعل السيطرة عليها أمراً شديد الصعوبة، فهي تتحكم بالمحتوى الرقمي في العالم، وهي أكبر سوق للإعلانات، وهي تستطيع التأثير على الشركات الأخرى والأسواق بما لديها من وصول إلى المستخدمين في جميع أنحاء العالم. وفي حال استمرت هذه السيطرة، فإن الابتكار في خطر، وقمع الشركات الناشئة بسبب احتمالية منافستها للشركات الضخمة هو دحض واضح للابتكار، وحرمان للمستهلك من المنافع التي يحصل عليها بسبب التنافسية بين الشركات. فالشركات الضخمة تستطيع إبعاد المستخدمين عن الشركات المنافسة لها بإخفاء نتائج البحث عنها، أو بامتناعها عن الإعلان لها في قنواتها الاجتماعية، أو بالاستحواذ عليها ومن ثم إنهائها. ولذلك، فإن حماية للشركات الناشئة، ووجود سيطرة قانونية على الشركات الضخمة، هي مسؤولية تقع على حكومات الدول التي يقع دورها في التأكد من أن هذه الشركات لا تخرج عن دورها بصفتها شركات، إلى ما هو أكبر من ذلك.

د. عبدالله الردادي.

عن ازمة لبنان المالية: المستثمرون في الأسهم يقبضون بـ”اللولار”.. ويدفعون الثمن الأكبر

شركات التداول تُجبر المساهمين على بيع أسهمهم بـ”اللولار”
نقمة الدفع بـ”اللولار” بدلاً من الدولار بنسبة تقل، اليوم، 50 في المئة عن السعر الحقيقي.. تحولت إلى فرصة لقلة قليلة من المضاربين. فبين السعرين هامش كبير من الإستفادة ممكن ان “تقطفه” شركات تداول الأسهم بجرة قلم إغلاق الحسابات، وتصفية الاستثمارات وإرجاعها بـ… “اللولار” طبعاً.

بكثير من الدهشة والإستغراب تلقّى المستثمرون مع شركة Royal Financials المتخصصة في تجارة الأسهم والسندات، كتاب إغلاق جميع حسابات الأسهم والعقود الآجلة. وذلك “بسبب التغييرات غير المتوقعة التي طرأت على الأنظمة المصرفية اللبنانية والأسواق المالية بشكل عام”، بحسب نص الكتاب. الخبر يبدو لغاية الآن عادياً. وهو يحصل مع الكثير من الشركات التي توظف وتستثمر أموال العملاء في الأسواق المالية وتجارة الأسهم والعملات والسندات وخلافه.. إنما المفاجأة كانت ان الشركة التي طلبت من العملاء إغلاق جميع مراكزهم في غضون 30 يوماً من تاريخ تلقي الكتاب وعدم اتخاذ أي مراكز جديدة، حددت بما لا لبس فيه ان العملاء سيتمكنون من سحب أموالهم أو استرجاعها عبر شيك أو حوالة مصرفية إلى أيٍ من المصارف اللبنانية. بعبارة أخرى، فان المستثمرين سيخسرون نصف المبالغ المدفوعة بالدولار عند الاستثمار بفعل الفارق الكبير بين الدولار الطازج والدولار المحلي أو اللولار.

الأسهم موظفة في الخارج
قد يكون مفهوماً أن تلجأ شركة ما توظف أو تستثمر في اسهم الشركات اللبنانية، على قلتها، اللجوء إلى مثل هذا التدبير. إنما وبحسب أحد العملاء فان الشركة توظف الأموال في الخارج، وهي تشتري باسمها لصالحهم أسهماً تتداول في الأسواق العالمية. لذا من واجبها إرجاع الأموال بالدولار النقدي “الطازج” كما ستقبضه من الخارج.
إصرار الشركة على ضرورة إقفال العملاء لحساباتهم فوراً لانها “مباشرة” ستقفل جميع الحسابات، قوبل برفض حاملي الأسهم التوقيع على الكتاب في الوقت المحدد وإبراء ذمة الشركة.. مما اضطرها، بما يناقض إدعاءاتها السابقة، إلى تمديد فترة الإغلاق شهرين إضافيين بشرط قبول العملاء تقاضي أموالهم بشيك مصرفي، وهذا ما أثار أيضاً العديد من التساؤلات.

العملاء مجبرون على البيع بـ”اللولار”
عادة في مثل هذه الحالات التي تضطر فيها شركات التداول إلى الإقفال أو وقف التداول بالأسهم والسندات لمختلف الأسباب، تُترك الحرية متاحة أمام العملاء الذين لا يرغبون في بيع أسهمهم، نقلها إلى شركة أخرى. وهذا ما لم توفره شركة “رويال فاينانشل”، بحسب العملاء. فهي تجبر العملاء على البيع وقبض الثمن بشيك أو حوالة، بحجة أنهم (المستثمرون) اشتروا الأسهم بنفس الطريقة منذ نحو 3 سنوات. ولكن من وجهة نظر العملاء فانه “عند الشراء لم يكن هناك من فرق بين شيك الدولار أو الحوالة، والدولار الفعلي، هذا أولاً. أما ثانياً فان حجة الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وأبقت أموال المستثمرين في لبنان، تنافي المنطق”.

الاستدانة على الأسهم!
أحد الخبراء في الأسواق المالية يلفت إلى انه “من المستحيل لمن يملك سهماً يُتداول خارج لبنان أن يتقاضى ثمنه بغير الدولار الطازج. وذلك لأن أرباح الأسهم في الخارج او عائد بيعها يسدد في الخارج. وأي عملية دفع لحاملي الأسهم بغير هذه الطريقة تعتبر سرقة موصوفة، لان قيمة الدولار الداخلي تقل بنحو 50 في المئة أو حتى أكثر عن قيمة الدولار الخارجي. وبالتالي فان الفارق بين الدولار المحلي والدولار الطازج يذهب لصالح الشركة في حين يخسر المستثمر ما لا يقل عن نصف أمواله”.
هناك الكثير من الحالات المشابهة تحصل مؤخراً في لبنان بشكل كبير. لكن ما حصل ان الكثير من شركات التداول استدانت على أسهم عملائها، ووظفت الأموال في لبنان وتحديداً في المصارف للاستفادة من الفوائد الخيالية على الدولار التي كانت تعطيها البنوك. في هذه الحالة لا يعود للشركة من مفر إلا الدفع بـ”اللولار”. انما هذا يعتبر بحسب احد المصادر “إساءة أمانة”. لان الأسهم تعتبر “أمانة” بحسب قانون الوساطة المالية، ولا يحق للشركة الاستدانة على أسهم الزبون أو العميل لصالح الشركة. فالاخيرة ملزمة بالاستدانة لصالح الزبون وليس العكس”. وبحسب المصدر ليس من المستبعد ان يكون حصل الأمر نفسه مع “رويال”.
أمّا في ما خص إدعاء الشركة أنها اشترت الأسهم بأموالها وليس بأموال العميل فهي مخالفة واضحة للقانون. إذ انه يمنع منعاً باتاً الخلط بين الحسابات الخاصة للشركة وحسابات عملائها، بحسب قوانين تنظيم الأسواق المالية في لبنان ومختلف الدول.

إساءة أمانة
من الملاحظ إرتفاع وتيرة التهرب والإحتيال في تجارة الأسهم والسندات بشكل كبير في الآونة الأخيرة، توضح مصادر قانونية قائلة: “صرلنا سنة عم نعاني من هالموضوع”. “فهناك الكثير من الدعاوى وخصوصاً على إحدى الشركات التابعة لمصرف كبير، حيث استدانت على أسهم عملائها وعجزت عن السداد لهم ثمن الأسهم في حالة البيع أو حتى تسديد الأرباح بالدولار “الطازج”. لكن المشكلة برأيه ان “بعض القضاة لا يفرّقون بين دعاوى تسديد الودائع بالدولار الطازج ودعاوى الأسهم. والفرق بينهما كبير جداً. فالوديعة تعتبر حساباً دائناً بامكان المصرف إعادتها بالليرة الوطنية التي تملك قوة إبراء، أو بـ”الدولار المحلي”، كما يقول حاكم “المركزي”. وفي حال التخلف عن سداد الودائع بامكان المودعين رفع دعوى إفلاس في وجه المصرف. أما في ما خص القيم المنقولة من أسهم وسندات فهي تعتبر أمانة، وليست حساباً دائناً والمصرف أو الشركة مجبران على اعادتها بقيمتها الفعلية كما هي وإلا يتهمان بالجرم الجزائي.
المشكلة ان مثل هذه الدعاوى تتطلب سنوات طويلة بحسب الحقوقيين وقليلة جداً القضايا التي رفعت ووصلت إلى خواتيمها السعيدة. وذلك على الرغم من انه يفترض إعطاء الحق الى حامل السهم، وتجريم الشركة بتهمة إساءة الامانة.

خالد ابو شقرا.

عن توقعات العام الجديد

مع اقتراب كل عام جديد تظهر توقعات جديدة مبشرة ومنذرة عن ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات مؤثرة في أحوال الناس. ومن أكثر من يقوم بهذه التوقعات بجدية المتخصصون في مجال حسابات المخاطر والتأمين عليها؛ فعملهم يرتبط بتوقع الأحداث واحتمالات تحققها وفقاً لسيناريوهات متعددة، بغرض تسعير المخاطر وطرح أدوات للتأمين ضد حدوثها. وأصدرت مؤخراً إحدى كبرى شركات التأمين – أكسا – بالتعاون مع مجموعة يوراسيا للبحوث، التي يرأسها إيان بريمر، المحلل السياسي المعروف، توقعاتها المبنية على بحث ميداني أجرته خلال الأشهر الماضية شارك فيه 2600 خبير من 53 دولة حول العالم، فضلاً عن استطلاع رأي شارك فيه نحو 19000 شخص من 15 دولة. وجاءت التوقعات للمخاطر في عام 2021 على النحو التالي:
1 – الأوبئة والأمراض المعدية.
2 – تغيرات المناخ.
3 – أمن نظم البيانات والمعلومات.
4 – توترات إقليمية وجيوسياسية.
5 – صراعات واضطرابات محلية.
6 – تهديدات جديدة للأمن (بعضها مرتبط بمستحدثات تكنولوجية).
7 – مخاطر اقتصادية.
8 – مخاطر في الموارد الطبيعية والتنوع البيئي.
9 – مخاطر مالية.
10 – التلوث البيئي.
بمقارنة هذه النتائج عن التوقعات لعام 2021 مقارنة بعام 2020 تجد أن مخاطر الأوبئة قفزت 7 درجات لتحتل المرتبة الأولى بعدما كانت في المرتبة الثامنة في توقعات العام الماضي؛ وجدير بالذكر أن كثيراً من مراكز استطلاع الرأي لم تدرج أصلاً مخاطر التهديدات الوبائية في قائمة أولوياتها، وإن وضعها البعض في مراكز متأخرة في المخاطر المحتملة رغم تحذير الدوائر الطبية المتخصصة من تهديدات وبائية شاملة على النحو الذي ورد في تقرير «عالم في خطر» الصادر عن لجنة دولية مستقلة لتقييم الاستعداد الوبائي، التي أكدت أن العالم حيال الأوبئة يتراوح بين الإهمال والهلع من دون استيعاب دروس أوبئة سابقة أو اعتبار مما خلفته من ضحايا في الأنفس ونقص في الأموال والأرزاق.
وقد ارتفعت المخاطر الاقتصادية المتوقعة للعام المقبل مع زيادة البطالة المرتبطة بالركود الذي سببته الجائحة، وكذلك ارتفاع المخاطر المالية بسبب زيادة ارتفاع الديون، المتضخمة أصلاً قبل انتشار الوباء.
تلاحظ أيضاً استمرار ارتفاع مخاطر تغيرات المناخ رغم أنها أفسحت المرتبة الأولى التي احتلتها العام الماضي للوباء وتداعياته. ويزيد من أهميتها تكرار الإشارة لمخاطر بيئية متنوعة مرتبطة بها.
ويبدو أن موضوع المناخ سيحتل أهمية كبيرة في العام المقبل مستفيداً من قوة الدفع بعودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس لتغيرات المناخ واستعداد الإدارة الجديدة لإنفاق تريليوني دولار في مشروعات البنية الأساسية المتوافقة مع الاعتبارات المناخية والبيئية. كما تجد برامج الإصلاح والتعافي في أوروبا ودول آسيوية تعتمد نهج الاستدامة بإدراج النمو الأخضر في قواعد منح التمويل وتوجيه الاستثمارات بما يساند جهود السعي نحو تخفيض الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة.
كما تتكرر الإشارة في التوقعات إلى تزايد المخاطر الأمنية التقليدية في صورة صراعات ونزاعات داخل حدود الدول أو عبرها بشكل مباشر أو من خلال حروب الوكالة والإرهاب. وتتزايد مخاطر الاحتقان مع تزايد تفاوت الدخول؛ ويبدو أن أكثر حروف الهجاء الإنجليزية تعبيراً عن مسار التغير الاقتصادي من الوضع المتدني الحالي في كثير من البلدان هو حرف K، الذي يعبر عن صعود فئات وانخفاض أخرى بعد نقطة الافتراق. فبعد صدمة الجائحة تجد أن هناك قطاعات وشركات ازدادت إيراداً وربحاً ومشروعات أخرى خسرت وأفلست مخلفة أعداداً هائلة من المتعطلين بلغت في القطاع الرسمي نصف مليار إنسان وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
وقد أتت هذه التغيرات السلبية بعد عقد من زيادة تفاوت الدخول وتركزها، تأثراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية بما أجج من صعود التيارات الشعبوية والحركات المنتسبة لليمين السياسي المتطرف.
ولا ينبغي النظر إلى هذه التوقعات على أنها حتميات واقعة، فهي تخضع لافتراضات تصيب وتخطئ، وانطباعات أسيرة ما ترى، واحتمالات متسعة المدى. ولكن أهميتها تعكس ما يفكر فيه خبراء ونفر من عموم الناس، تعين في تحديد الأولويات وتوجيه الموارد.
وحري بنا ونحن نعيش في ظروف سياسية يغلب عليها حالة من اللانظام عالمياً واتساع فجوة الثقة بين الدول إقليمياً، فضلاً عن تزايد حالة اللايقين اقتصادياً، أن نستمسك بقواعد مبدئية للتعاون في التعامل مع تبعات جائحة كورونا. فليس من الصالح مثلاً أن يتم تسييس اللقاح إنتاجاً أو توزيعاً – فهذا يستحسن اللقاح الشرقي ويروّج له، وذاك يزكي اللقاح الغربي ويسوّق له، مع افتقار لتمويل لا يتجاوز 30 مليار دولار مطلوبة لتوفير اللقاح للدول الأفقر في عام 2021، وهو مبلغ زهيد مقابل ما يخسره العالم يومياً من جراء الجائحة تُستنقذ به أنفس زكية.
ولشدة ارتباط هذه المخاطر المتوقعة بما أطلقت عليه من قبل مسمى «المربكات الكبرى»، وشرحت أمثلها لها في مقالات سابقة في هذه الصحيفة الغراء، عن صدمات مباغتة وتغيرات متسارعة في سبيل مسارات التنمية، يلزم أن نستدعي لها ما يواجهها بالاستثمار في رأس المال البشري تعليماً وتثقيفاً ورعاية صحية، وبالاستثمار في رأس المال المادي تدعيماً للبنية الأساسية والرقمية، وبالاستثمار في رأس المال الاجتماعي مساندة لتماسك المجتمع بنظم للضمان الاجتماعي.
ولعلي أؤكد ونحن في استقبال عالم جديد على ثلاثة أمور في شأن إدارة السياسات العامة: أولاً، الاعتماد على الأدلة والبيانات المحدثة في تحديد أولويات الاستثمار وتوجيه التمويل له، خاصة في ظل مخاطر زيادة الديون العالمية التي تستدعي حصافة في إدارة ملفاتها.
والأمر الثاني، هو أهمية الدفع بتنافسية الاقتصاد في عالم شديد التغير ينتقل مركز جاذبيته الاقتصادية شرقاً باطراد، بما يستدعيه ذلك من اتباع منهج يتسم بالبراغماتية المبدئية، أي بسياسات وإجراءات مرنة مستندة إلى دعائم دولة قوية محددة الأهداف.
والأمر الثالث، أنه في سبيل تحقيق التقدم والاستمرار في مضماره يلزم العمل وفقاً لقواعد ممكنة للكافة من الترقي والحراك اجتماعياً إلى أعلى مع مساندة الفئات التي استضعفت على مر أجيال بحرمانها من فرص التعليم الراقي والتدريب الملائم والعمل اللائق.
فمجرد التعلق بشعارات الجدارة والأهلية في اختيار من يفوز بالفرص الأفضل في مجتمع يفتقد فرص المنافسة العادلة قد يتضمن بين طياته تجاهلاً للحيثيات الحقيقية لحاملي صفات الجدارة على النحو الذي حذر منه الفيلسوف السياسي مايكل ساندل، الأستاذ بجامعة هارفارد في كتابه الجديد؛ فإذا ما تركز المؤهلون المتميزون الجديرون هؤلاء في فئات متميزة أصلاً وورثت ومنحت فرص التميز لذويها فالتحقوا بأفضل المدارس والجامعات والوظائف بدعوى الجدارة، والآخرون من حولهم لا يعينهم جهد يبذلونه ولا يساندهم اجتهاد على تخطي عقبات اجتماعية واقتصادية حائلة دون الاستفادة من الفرص المتاحة فسنكون بصدد حالة بائسة من «طغيان الجدارة» لا ينبغي أن نستقبل بها العام الجديد من العقد الثالث لهذا القرن.

د. محمود محي الدين.

أين تبخرت أموال اللبنانيين؟

يتساءل المرء: أين تبخرت أموال اللبنانيين أو ذهبت أو هُدرت؟ أين ودائعهم المصرفية التي بلغت نحو أكثر من 170 مليار دولار، والتي كنا نتباهى عالمياً بها؟ لا شك في أنّ قسماً كبيراً من هذه الودائع ذهب نحو كلفة الفساد، والتهريب والصفقات والمحاصصة، وتمويل المشاريع الوهمية وتبييض الأموال وغيرها، لكن تقنياً وواقعياً، كيف صُرفت هذه الاموال وهُدرت عبر الموازنات المتعاقبة؟

ندرك جميعاً أنّ جزءاً كبيراً من الموازنة العامة كان يذهب إلى تمويل شركة كهرباء لبنان، إذ ليس سراً على أحد أنّ نحو ملياري دولار سنوياً (في السنوات العشرين الأخيرة) كانا يذهبان إلى تمويل قطاع الكهرباء العام، والذي كان يتدهور يوماً بعد يوم من دون أي إصلاح أو تقدم. ومن بعد كل هذه الاستثمارات غير البنّاءة وغير المنتجة، لا يصل التيار الكهربائي إلى المواطنين في أحسن حالاته، سوى بنحو 50 %، فيما الشعب ملزَم بدفع الفواتير المزدوجة العائدة إلى المولدات الخاصة، حيث يخضع المواطنون إلى مافيات أصحاب المولدات المرتبطة بخيوط السياسة والسياسيين أيضاً.

وإذا حسبنا الملياري دولار التي تتكبّدها الدولة اللبنانية خلال نحو آخر 20 عاماً فقط، تُفيدنا النتيجة الواقعية بأنّ نحو ما بين 40 مليار دولار و45 ملياراً، صُرفت وأُهدرت من أجل إنشاء كهرباء وهمية غير متوافرة أصلاً للمواطنين.

إنّ تمويل الكهرباء يُشكل نحو أكثر من 43 % من الدين العام. وهذا ما حصر القسم الاكبر من العجز والدين العام، وهنا صُرف القسم الأكبر من أموال المودعين التي استُثمرت في الدولة وأموال البلدان المانحة التي استُثمرت في هذا القطاع المهترئ. هذه الاستثمارات استُعملت بالفساد والمحاصصة الموجودين في كل مراحل هذه الادارة: من التوظيف إلى الصيانة، إلى المعدّات، إلى شراء الفيول، إلى المعامل… والذي ستدفع ثمنه أيضاً الأجيال المقبلة، وهو ثمن الاستثمارات الوهمية التي موّلت الأحزاب والسياسيين منذ سنوات عدة.

من جهة أخرى، علينا ألّا ننسى ونتناسى أنه في كل الموازنات الاخيرة كان يتراكم سنوياً عجز مالي يفوق نحو 6 مليارات دولار تقريباً، ما يعني أنّ الدولة اللبنانية كانت تتكبّد سنوياً خسائر فادحة من دون أي إصلاح أو إعادة هيكلية لوقف هذا النزف، الذي كان يُغطى وهمياً وشكلياً باستبدال دين بدين آخر (سواب – SWAP)، وإعادة جدولة، ومن ثم ندور في الدوامة نفسها من سنة الى سنة، حتى تراكم الدين العام وتبخّرت مدّخرات اللبنانيين والبلدان المانحة، لتمويل العجز غير البنّاء وغير المنتج، حتى وصلنا الى دين عام تعدّى نحو 100 مليار دولار، وهُدرت معه أموال اللبنانيين.

كذلك الأمر بالنسبة إلى حجم الدولة وموظفي القطاع العام، فقد بلغت كلفتهم ثلث الموازنات الأخيرة. لا شك في أنّ هناك موظفين في القطاع العام شرفاء ونزيهون، ولا نريد أن نشمل الجميع ونضعهم في سلّة واحدة، لكن في المقابل ذهبت الدولة إلى مغامرة مشروع سلسلة الرتب والرواتب، وباتت ترمي كرة النار من منصّة إلى أخرى، ومن حزب إلى آخر، ومن مسؤول الى آخر، والكل كان يُدرك أنها “شيك من دون رصيد”، ولا تستطيع الدولة تحمّلها، وصرفت هنا أيضاً أموال المودعين التي كانت مستثمرة في هذه الدولة، من دون أي شفافية أو حوكمة رشيدة.

نسمع البعض يتحدث وينتظر ويأمل من المبادرة الفرنسية، أو من مؤتمر “سيدر” أو حتى من تمويل صندوق النقد الدولي، لكن علينا أن نكون واقعيين وشفافين، ونقول بصوت عال: إن أي تمويل في حال حلمنا به، أو وصلنا من هذه المنظمات الدولية، لم ولن يكون لتمويل العجز، أو لتمويل شركات عامة وفاسدة، لكن سيكون لتمويل مشاريع إنمائية بنّاءة، مع دفاتر شروط مدروسة، ومع تدقيق داخلي وخارجي وتقني. ليعلم الجميع أن لا أحد سيُموّل شركات مهترئة، وطبقة سياسية فاسدة مسؤولة عن هذا الإنهيار.

إن الوعود التي نسمعها اليوم هي فقط للهروب إلى الأمام، وهدر الوقت وكسبه، لأنه واقعياً لا أحد سيغامر ويساعد لبنان اذا كان أركان سلطة الفساد والانهيار أنفسهم يُريدون أن يقودوا الإصلاح وإدارة الأزمة التي تسبّبوا بها.

في النهاية، كنا نعيش في اقتصاد وناتج محلي حجمه نحو 55 مليار دولار سنوياً، لكن بات في الوقت الراهن، لسوء الحظ، بحسب مرصد البنك الدولي، لا يتعدى الـ 20 مليار دولار، يعني أقل من النصف، جرّاء تراجع الإستثمارات والنمو، ما سيؤدّي إلى بطالة مخيفة وتراجع في نسبة العيش.

من الضروري أن نبدأ في اعادة هيكلة شركاتنا وأعمالنا وحتى حياتنا اليومية وطريقة عيشنا، ونتعايش مع هذه الوقائع الجديدة حتى تعبر العاصفة وننمو من جديد.

إنّ العالم ككل يعبر أزمة اقتصادية واجتماعية تاريخية وغير مسبوقة جراء جائحة “كوفيد – 19″، لكنّ اللقاح بات قريباً، وستكون 2021 سنة إعادة النهوض والنمو العالمي، لكن في لبنان حين سنستيقظ في نهاية هذا الوباء، ستكون مشكلتنا الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية، وباء أصعب بكثير، وسيعوزه لقاحات كثيرة على المدى القصير والمتوسط والطويل.​

د. فؤاد زمكحل