2021: هبوط قياسي للدولار إحتفاء ببايدن ولقاح كورونا

في العام 2021، قد ينهار الدولار بنسبة 20 في المئة على خلفية ظهور لقاحات ضد فيروس كورونا. تم التوصّل إلى هذا الاستنتاج غير المتوقع من قبل الاقتصاديين في “سيتي غروب”، أحد أكبر المصارف الاستثمارية الأميركية.

خفضت المصارف الكبرى، التي لديها آراء سلبية بالفعل بشأن الدولار خلال العام 2021، توقعاتها أكثر فأكثر تجاه قيمة العملة الأميركية بعدما عززت التجارب السريرية الآمال في أن اللقاحات ضد فيروس “كورونا” يمكن أن تصبح متاحة على نطاق واسع، ما من شأنه أن يقود إلى انتعاش اقتصادي يشجع المستثمرين على البحث عن رهانات أكثر خطورة.

وفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز” فإنّ الطلب على الدولار غالباً ما يكون أعلى في أوقات التوتر، ما يعكس دوره التقليدي كملاذ للمستثمرين والمدخرين، على النحو الذي كان واضحاً في ذروة تفشي الفيروس التاجي في آذار/مارس الماضي.

اليوم يعتقد بعض مراقبي العملات أن اللقاح ضد فيروس “كورونا” قد يغير كل شيء.

في مذكرة بحثية، قال كالفن تسي، الخبير الاستراتيجي في “سيتي غروب”، وهو واحد من أكبر المصارف الاستثمارية الأميركية: “نعتقد أن توزيع اللقاحات سيحدد كل مؤشرات السوق الهابطة، ما يسمح للدولار باتباع مسار مشابه لذاك الذي مر به بين أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”.

هل يمكن أن ينخفض ​​الدولار بنسبة 20 في المئة العام المقبل وحده؟ الإجابة عند خبير “سيتي غروب” كانت: “نعم، نعتقد ذلك”.

التفسير بسيط، وفقاً لخبراء “سيتي غروب” سيؤدي انتشار اللقاحات إلى تنشيط التجارة العالمية بشكل كبير. قارن الخبراء الوضع بما حدث في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين أدى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية إلى تسريع العولمة، وبدأ الدولار في الانخفاض، واستمر على هذا المسار لعدة سنوات.

وفقاً لتوقعات جمعتها وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية، ينتظر المستثمرون أن ينخفض ​​مؤشر الدولار بنسبة ثلاثة في المئة تقريباً عن مستواه الحالي بحلول نهاية العام المقبل. متوسط ​​التوقعات هو أن يرتفع سعر صرف اليورو من 1.18 إلى 1.21 دولار خلال تلك الفترة الزمنية.

على هذا الأساس، سيكون انخفاض الدولار بنسبة 20 في المئة، على أساس العامل التجاري، وهو الأكبر منذ الهبوط الذي بدأ في عام 2001.

في الأزمة السابقة التي استغرقت عدة سنوات واستمرت حتى الأزمة المالية العالمية في العام 2008، قاربت نسبة الانخفاض 33 في المئة، حيث ارتفعت العملات الأخرى، ولا سيما في الأسواق الناشئة، بعدما توجه المستثمرون في بلدان ذات معدلات فائدة أعلى ونمو سريع.

في الواقع، انخفض مؤشر الدولار – وهو مقياس للعملة مقابل ستة أقران – بأكثر من 4 في المئة منذ بداية عام 2020، بعدما تخلى الاحتياطي الفدرالي عن بعض مزايا العائدات التي كانت تتمتع بها الأصول الأميركية مقارنة بنظرائها. في المقابل، ارتفع اليورو بنسبة 6 في المئة تقريباً في مقابل الدولار منذ كانون الثاني/يناير الماضي.

صحيح أن انخفاض مؤشر الدولار خلال العام الحالي يبقى طفيفاً مقارنةً بمكاسبه في السنوات السابقة، إذ ارتفع بنسبة 13 في المئة خلال العام 2014 وبنسبة 9 في المئة خلال عام 2015، إلا أن توقعات المحللين ترجح هبوطاً كبيراً خلال العام المقبل.

يقول زاك باندل، الرئيس المشارك لأبحاث الصرف الأجنبي العالمية في “غولدمان ساكس” لصحيفة “فايننشال تايمز” أن الدولار سيضعف حتى لو استجمع الاقتصاد الأميركي قواه، فالدولار يبقى “مقياساً” لصحة الاقتصاد العالمي، حيث ينخفض ​​عندما يكون النمو منتعشاً ويتصاعد في أوقات التباطؤ.

ويوضح باندل “حتى لو كان أداء الاقتصاد الأميركي جيداً، نعتقد أن الدولار يمكن أن يضعف بشكل كبير ذلك أن المستثمرين سيبحثون عن عوائد أعلى خارج الولايات المتحدة ويخرجون من الملاذات التي كانوا فيها طوال فترة كورونا”.

ويشدد باندل على أن “التجارب الإيجابية للقاحات تقلل بشكل كبير من جوع المستثمرين إلى الأمان”.

من جهته، يرى جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث العملات في “دويتشه بنك”: “نحن في بيئة مثالية لارتفاع الأصول الخطرة وضعف الدولار والعملات الأكثر حساسية للنمو حتى نهاية العام”.

لكن بعض الخبراء يبدون أكثر حذراً في تبني هذه التوقعات، لا سيما في ضوء الزيادة في حالات الإصابة بفيروس “كورونا” في جميع أنحاء العالم، والأضرار الاقتصادية لإجراءات الإغلاق المتجددة.

علاوة على ما سبق، يذكر ميخائيل بوروليك، الخبير في شركة “أي أف سي سوليد”، في مقابلة مع صحيفة “ايزفستيا” الروسية، بأنه “في العام 2001، والسنوات اللاحقة، لم يكن تطور التجارة العالمية العامل الوحيد في إضعاف الدولار. في ذلك الوقت كان اليورو يتطور بنشاط، وقد توقع العديد من الخبراء أن العملة الأوروبية ستكون عملة احتياطي. وهذا ما حدث بالفعل. وفي ذلك الوقت، ارتبط ضعف الدولار بتطور اليورو”.

يوافق رئيس مجلس إدارة شركة “كوستوديان” الاستثمارية اندريه بلوتنيكوف هذا الرأي، إذ يقول لـ”إيزفستيا” إن “نمو التجارة والاقتصاد سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك وتداول الدولار حول العالم. وانطلاقا من ذلك، فإن العملة الأميركية لن تسقط بالقدر المتوقع في سيتي غروب”.

لكن ثمة من يطرح أسباباً أخرى لاحتمال هبوط الدولار، وهي أسباب داخلية أميركية، بعضها مالي بحت ومردّه إلى الإجراءات الناعمة للاحتياطي الفدرالي الأميركي، وبعضها سياسي ويتصل بالتداعيات الاقتصادية لفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.

أحد أهم العوامل هو التدهور الحاد في ميزان مدفوعات الولايات المتحدة. بلغ العجز في الحساب الجاري 170 مليار دولار، وحدث انخفاض حاد في الصادرات. كل هذا يشير إلى ضعف كبير في الدولار أمام سلة العملات العالمية.

يشير فيكتور كاسيانوف، نائب الرئيس ومدير قسم الاستثمار في “رينيسانس كريديت” إلى أن “مثل هذا التدهور في ميزان المدفوعات في 2001-2004 أدى إلى ضعف العملة الأميركية بنسبة 30 في المئة”.

كذلك، فإنّ السياسة النقدية الناعمة للغاية التي يتبعها نظام الاحتياطي الفدرالي تدفع  الدولار إلى الضعف، فقد وعدت الهيئة التنظيمية بالحفاظ على أسعار الفائدة بالقرب من الصفر للسنوات الخمس المقبلة، ومن الواضح أنه في مثل هذه الظروف سيبحث المستثمرون عن بدائل أكثر ربحية.

يتوقع خبراء “سيتي غروب” أن يواصل الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة توفير حوافز للاقتصاد، لكنه سيبقى حذراً قبل النظر في زيادة أسعار الفائدة، حتى مع انتعاش الاقتصاد العالمي، وهو أمر قد يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات أكثر ربحية لأموالهم في بلدان أخرى، حيث تقود توقعات التضخم المتزايدة في الولايات المتحدة إلى تقليل جاذبية الدولار، وبالتالي فإنّ المستثمرين سيستهدفون مجدداً البلدان سريعة النمو.

العامل السلبي الآخر هو تزايد عجز الميزانية الأمريكية بوتيرة قياسية، ففي عام 2020، نما هذا العجز بأكثر من ثلاثة أضعاف، وهو يشكل حوالي 16 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وفقاً لتقديرات خبراء “غولدمان ساكس” فإن “الموجة الزرقاء” (انتصار بايدن واستحواذ الديمقراطيين على الغالبية في مجلس النواب الأميركي) ستعيد مؤشر الدولار إلى أدنى مستوياته في عامين، مشيرين إلى أنه بصرف النظر عن ديناميات الاقتصاد العالمي، فإنّ الدولار قد ينخفض بنسبة 15 في المئة بحلول نهاية العام 2023.

مرونة نماذج الأعمال

يقول الفيلسوف (بيتر دركر)، «إن خطر الاضطراب ليس في الاضطراب نفسه، ولكن في التصرف بمنطق الأمس». والمتأمل في عالم الأعمال اليوم، يجد أن التصرف بمنهجية ما قبل كورونا ليس من المنطق في شيء، بل إنه يعد ضرباً من الجنون في بعض الأحيان. والأمر اليوم تجاوز الحديث عن التغيرات التي «سوف» تحدثها الجائحة، فالجائحة أحدثت التغيرات بشكل فعلي وواقعي، والاقتصاد الذي يتعافى اليوم لن يعود بالشكل ذاته الذي كان عليه قبل الجائحة. ويمكن القول إن من استطاع الصمود حتى الآن فقد تجاوز عنق الزجاجة، ولكن ما لا يمكن تجاوزه هو التغيرات التي يجب حدوثها لتلافي الصدمات المستقبلية المشابهة.
أول التغييرات التي أحدثتها الجائحة هي دخول التقنية في كثير من المؤسسات، تلك المؤسسات التي رفضت التعامل مع التقنية على أنها حل خلال العقد الماضي. فأصبحت الاجتماعات الافتراضية أمراً مقبولاً في غالبية المؤسسات، وزاد استخدام الخدمات السحابية مع ازدياد عمل الموظفين من منازلهم، وتحولت التعاملات الورقية إلى تعاملات إلكترونية، وغيرها من التغيرات التي كانت في السابق خياراً متاحاً، وأصبحت اليوم أمراً مفروضاً لا يمكن إتمام العمل دونه.
ويطلق البعض على هذه التغيرات لفظ «رقمنة» نموذج الأعمال، والواقع أن نماذج الأعمال لم تتغير كثيراً، فمجرى العمل لم يتغير، والأفكار لم تتغير، وما تغير فحسب هو إرسال المعلومات عن طريق البريد الإلكتروني بدلاً من إرسالها ورقياً. ونماذج الأعمال لا تزال تتبنى التفكير السابق دون أي تغيير، ولو انعدمت التقنية لسبب أو لآخر، لجرى العمل كما هو عليه دون أن يتأثر جوهره، وهو أمر تجب دراسته بشكل دقيق لخطورته وتأثيره على التنافسية. وقد أجرى منتدى الاقتصاد العالمي دراسة على 250 مبادرة رقمية حول العالم، خلص فيها على أن الكثير من هذه المبادرات ركزت على زيادة الفعالية وأتمتة العمليات وتحويل العمليات الحالية من شكل ورقي ويدوي إلى عمليات رقمية. هذه المبادرات رغم صحتها، فإنها لا ترقى لكونها تغييراً إلى نماذج الأعمال الرقمية. بل إن هذه العمليات كانت واجبة قبل الجائحة، وهي أيضاً من العمليات التي كانت في وقت سابق خياراً لدى الشركات، وفرضتها الجائحة لتقليل التكاليف وزيادة قابلية الصمود أمام الصعاب المالية.
وما يجب التفكير فيه من الشركات خلال هذه الفترة، هي دراسة العوامل التي ساعدت في الصمود أمام الجائحة. فعلى سبيل المثال، كانت مرونة الأعمال سبباً كبيراً لصمود الكثير من المؤسسات، وتحولت الكثير من الشركات إلى الأعمال الرقمية بسبب ما فرضه التباعد الاجتماعي. وزادت الصعوبات في بعض القطاعات على بعضها الآخر، كقطاع التجزئة والمطاعم اللذين ساعدتهما التقنية بشكل كبير في الصمود ولو بشكل جزئي أمام هذه الجائحة. كما أن مرونة التغيير في النشاطات كانت عاملاً حاسماً ليس للصمود فحسب، بل للتوسع أيضاً. وتحولت العديد من مصانع المواد الكيميائية والعطورات إلى تصنيع المعقمات، كما تحولت مصانع الملابس إلى تصنيع الكمامات، ونشطت شركات النقل في العمل في تطبيقات التوصيل للمنازل بدلاً من العمل بين الشركات. هذه الديناميكية مع سرعة التصرف كانتا الفصل بين الانهيار والصمود أثناء الجائحة.
لقد أثرت الجائحة على قطاعات بأكملها دون أي اعتبار لمدى مرونة نماذج أعمالها كالطيران والسياحة، كما أنها خدمت شركات بسبب طبيعة قطاعاتها لا أكثر. إلا أن إعادة النظر في نماذج الأعمال الحالية أمر ضروري، والشركات الناجحة قامت بهذا التقييم حتى قبل الجائحة نفسها. فعلى سبيل المثال، لم تكن المصانع في حاجة للجائحة لمعرفة أهمية أتمتة العمليات وتقليل الاعتماد على الأعمال اليدوية التي تضررت بسبب التباعد الاجتماعي. بل كان من الواجب عليها تحسين عملياتها بشكل مستمر لضمان استدامتها. والأمر اليوم ينطبق على كثير من المصانع التي عادت اليوم للعمل بنفس منهجية ما قبل الجائحة، دون أي استفادة من هذا الدرس. إن الأزمات القادمة قد تختلف مع هذه الأزمة بطبيعتها، إلا أن المرونة في نماذج الأعمال وتحسين فعاليتها المستمر يساعد في تجاوز الأزمات القادمة. وقد يكون دور الحكومات في هذا الجانب هو إطلاق مبادرات تساهم في زيادة استدامة ومرونة الشركات والمصانع الضخمة التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة مع اختبار الضغط السنوي التي يُفرض على البنوك والمؤسسات المالية بشكل سنوي منذ الأزمة المالية.

د. عبدالله الردادي

قمة العشرين… دور السعودية الفاعل في عالمنا المعاصر

ينتظر العالم انعقاد قمة العشرين يومي 20 و21 من الشهر الحالي في الرياض. وللأسف، لن تكون القمة بحضور رؤساء الدول والحكومات إلى العاصمة السعودية بسبب استمرار تفشي وباء الكورونا واشتداد «موجته الثانية» التي تضرب العالم أجمع. بيد أن هذا الأمر لن ينتقص من أهمية لقاء قادة أهم اقتصاديات العالم في لحظة حرجة ذات عنوانين رئيسيين: من جهة، يتعين أن تنصب كل الطاقات من أجل تسريع الخروج من هذه الأزمة الصحية التي تصيب الجميع. ومن جهة ثانية، يتعين إعادة إطلاق عجلة الدورة الاقتصادية على أسس جديدة تحترم، أكثر من أي وقت مضى، المعايير البيئية. لذا، فإن المناقشات والمحادثات التي ستحصل في إطار القمة المنتظرة ستوفر فرصة للتداول الضروري على المستوى الدولي من أجل التفاهم بشأن الأسس التي يجب أن تقوم عليها عملية إعادة إطلاق الاقتصاد المستدام.

إن قمة الرياض مهمة بحد ذاتها للعالم أجمع. إلا أن أهميتها ترتدي طابعا خاصا بالنسبة للملكة السعودية والعالم العربي بشكل عام. ذلك أنها ستشكل أول حدث من هذا النوع وبهذه الأهمية يجري برئاسة عربية. وفي نظري، فإنه يعكس الموقع الذي تحتله المملكة السعودية في عالم اليوم إضافة لكونها أصبحت، بمعنى ما، الناطقة باسم العالم العربي.

وفي زمن تتفاعل فيه التوترات على المستوى الدولي وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط، فإن قمة الرياض ستوفر المناسبة لقادة المملكة السعودية لكي يعبروا عن مواقفهم ومخاوفهم وتوقعاتهم ومقترحاتهم من أجل إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للعالم أجمع.

وتتعين الإشارة إلى أن وصول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في الأسابيع القادمة يمكن أن يشكل عاملا يفتح آفاقا جديدة قد تساعد على دفع التعاون الدولي. ولا شك أن القادة المجتمعين سيتداولون بهذه المسألة خلال محادثاتهم على هامش أعمال القمة.

بيد أن هذا اللقاء الدولي الافتراضي على أعلى مستوى سيوفر فرصة استثنائية لإبراز التغيرات والتحولات المهمة التي تشهدها المملكة السعودية أكان ذلك على المستويين الثقافي والاجتماعي أو تحديث المؤسسات أو إطلاق المشاريع الإنمائية الأساسية قيد التنفيذ. وفي نظري، فإن مجمل هذه العناصر من شأنها أن توفر فرصا مهمة ومفيدة للتعاون بين المملكة السعودية وشركائها ويفترض أن تكون حافزا لجذب الاستثمارات الدولية في الاقتصاد السعودي.

من هنا، وبشكل عام، فإن القمة المرتقبة ستكون مفيدة جدا للمملكة السعودية لأنها ستعكس صورتها كدولة مهمة ذات إمكانيات تنموية واستثمارية واسعة ومتنوعة وتشمل جميع القطاعات. والأهم أنها ستبين أن المملكة تلعب بشكل كامل دورها كدولة رئيسية بين الأمم في عالمنا المعاصر.

– سفير فرنسا السابق في الرياض

برتراند بيزانسيو

الإدارة الأميركية الجديدة والسياسة التجارية

إذا انتهى الأمر بمواجهة عدائية مع مجلس الشيوخ، فإن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجد صعوبات كبيرة في عمل تغييرات شاملة في سياسة البلاد.

وسواء كانت للأفضل أو للأسوأ، فقد توسعت السلطة التنفيذية بالدرجة التي تجعل بايدن قادراً على إحراز تقدم على عدد من الجبهات من دون معارضة «الحزب الجمهوري» لذلك. أحد مجالات تلك الفرص هي التجارة، حيث سيكون لبايدن القدرة على تغيير العديد من السياسات لإدارة دونالد ترمب لتعزيز التجارة مع الحلفاء والحلفاء الجدد، مع الحفاظ على المنافسة التكنولوجية مع الصين.

سيكون أول مطلب تجاري هو إزالة كل التعريفات الجمركية على البلدان المتقدمة مثل كندا واليابان، وكذلك في أوروبا. ففي الوقت الحالي، تثير الرسوم الجمركية التي يفرضها ترمب على هذه الدول شرارة انتقامية خطيرة وعكسية تماماً.

هذا درب من الجنون، لأن التجارة مع كيانات مثل الاتحاد الأوروبي ودول مثل اليابان وكندا لا تشكل تهديداً للعمال الأميركيين، وذلك لأنَّ لديهم أيضاً أجوراً عالية وحماية قوية للعمالة والبيئة. كما أنَّه لا يمثل تهديداً للتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، لأنَّ هذه الدول جميعها تحترم حقوق الملكية الفكرية.

أخيراً، فهذه الدول حليفة للولايات المتحدة وستكون أساسية في المنافسة الجيوسياسية مع الصين، ولا يوجد سبب على الإطلاق للاحتفاظ بأي من تلك التعريفات، ويتعيَّن على بايدن إلغاء ما يسمح به القانون على الفور.

ستكون الخطوة الأكثر إثارة للجدل هي إعادة الانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادي. كان إلغاء هذه الاتفاقية التجارية متعددة الأطراف، التي عارضها السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز أيضاً، من أولى خطوات ترمب عند توليه منصبه في عام 2017. ولكن بفضل جهود القادة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، فقد جرى الإبقاء على «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي» وتحسينها منذ ذلك الحين، وهي جاهزة وتنتظر عودة الولايات المتحدة. ولا يمكن لبايدن المصادقة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي من دون الكونغرس، لكن يمكنه العودة إلى المفاوضات.

إلى جانب رد الفعل العام ضد فكرة التجارة الحرة، واجهت الشراكة عبر المحيط الهادي معارضة من الحزبين لسببين. أولاً، احتوت على أحكام مرهقة للملكية الفكرية، وقد تم إلغاؤها الآن. ثانياً، تشمل المعاهدة فيتنام، وهي دولة فقيرة، لكنها تتميز بالتصنيع السريع وتحاول جذب استثمارات صناعية بتكاليف عمالة منخفضة. وقد جعلت تجربة الولايات المتحدة مع الصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الكثيرين ينتابهم الخوف من فتح التجارة مع هذه البلدان. في الواقع، من الممكن أن يؤدي تحرير التجارة مع فيتنام إلى ممارسة بعض الضغوط المحدودة للأسفل على الأجور الأميركية.

لا يتعدى حجم فيتنام عُشر حجم الصين، ولا تملك الطاقة الرخيصة والدعم الحكومي السخي الذي جعل الصين قادرة على المنافسة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها ستكون قادرة على استيعاب قدر ضئيل من الاستثمار المتدفق الآن من الصين، ومن المرجح أن يأتي ذلك على حساب شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة مثل المكسيك وليس على حساب العمال الأميركيين.

في الوقت نفسه، ستكون فيتنام شريكاً مهماً للولايات المتحدة ضد الصين. فقد كانت فيتنام منافساً إقليمياً للجمهورية الشعبية منذ السبعينات، وعندما خاض البلدان الحرب كانت فيتنام بالطبع هي المنتصرة، ويوجد بينهما حالياً نزاع إقليمي نشط في بحر الصين الجنوبي. إن مساعدة فيتنام في تنمية اقتصادها بسرعة من خلال تصدير البضائع إلى الولايات المتحدة والدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، من شأنها أن تعزز قدرتها على مقاومة التعدي من قبل أكبر منافس لأميركا. وإذا قررت إندونيسيا الانضمام إلى «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي»، فستكون الحسابات متشابهة.

حتى خارج فيتنام وإندونيسيا، تعد الجغرافيا السياسية سبباً لم يتم تقديره بجدية لإعادة الدخول إلى «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي»، فهو يخلق كتلة تجارية من الدول الآسيوية تتمحور حول الولايات المتحدة بدلاً من الصين، مستفيدة من دور آسيا الناشئ كمركز الثقل الاقتصادي في العالم بطريقة تساعد أيضاً في تحقيق التوازن في المنطقة.

ويقودنا ذلك إلى الجانب الأخير من سياسة بايدن التجارية – الصين. وهناك كل الدلائل التي تشير إلى أن سياسة بايدن في الصين سوف تكون شبيهة لصقور ترمب، إن لم تكن أكثر من ذلك. إن المنافسة الجيوسياسية العامة أمر حتمي لا مفر منه.

يعتزم بايدن، على النقيض من ترمب، أن يتحدى الصين باستعادة القيادة التكنولوجية والقوة الاقتصادية إلى الولايات المتحدة، وبجمع الحلفاء من حوله. ولا بد أن تكون الشراكة عبر المحيط الهادي جزءاً من هذا. ولكن الأمر سوف يتطلب أيضاً مقاومة هيمنة التكنولوجيا الصينية. ولا بد أن يستمر هذا الجانب من حرب ترمب التجارية المتمثلة في النضال من أجل تفوق التكنولوجيا الفائقة بشكل أو آخر.

لذا يتعيَّن على بايدن أن يستمر في مقاومة هيمنة شركة «هواوي» للتكنولوجيا على البنية الأساسية العالمية للاتصالات. ويتعيَّن عليه أن يستمر في التدقيق في الاستثمارات الصينية عن طريق «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، وأن يضغط على الصين للحد من التجسس الصناعي.

ولأنه في حالة التعريفات تصبح الحسابات أكثر تعقيداً، سيتعين على بايدن العمل على إزالة التعريفات المفروضة على المدخلات الوسيطة التي تستوردها شركات التصنيع الأميركية من الصين، وذلك لأنَّ هذه التعريفات ببساطة تزيد من تكاليف المنتجين الأميركيين وتضر بالقدرة التنافسية في نهاية المطاف. ولكن التعريفات الجمركية على السلع الصينية تامة الصنع (خصوصاً السلع عالية القيمة) لا بأس بها، ومن الممكن استخدامها وسيلة ضغط لدفع الصين إلى رفع قيمة عملتها. وبشكل عام، يمكن لبايدن استخدام السلطة التنفيذية لتحديد توجه جديد للسياسة التجارية الأميركية.

إن مفهوم التجارة الجمعية الحرة (إنتاج عدة دول للسلعة نفسها في الوقت نفسه) بمفهومها القديم قد ولَّى، ولذلك فإن حرب ترمب التجارية الهدَّامة ليست الطريق إلى الأمام. ولذلك لا بد من إعادة تنظيم السياسة التجارية حول خطوط استراتيجية تعتمد على تحرير التجارة مع الحلفاء، وفي الوقت نفسه مواصلة الضغط في مواجهة محاولات الصين انتزاع الدور التقليدي للولايات المتحدة باعتبارها مركز الاقتصاد العالمي.

نوح سميث

لماذا انحسرت الهجمة على شراء الشقق؟

إنحسرت «الهجمة» العقارية بعد ارتفاع قيمة المبيعات 112 في المئة منذ بداية العام الحالي، وذلك نتيجة تصريف معظم مخزون المطورين العقاريين من الشقق السكنية مقابل شيكات مصرفية، في حين يستمرّ تحويل الودائع العالقة في المصارف الى أراضٍ، ولكن بصعوبة أكبر وبأسعار أعلى.

من أصل 11 مؤشراً للقطاع الحقيقي، مؤشر واحد فقط سجّل ارتفاعاً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، هو مؤشر المبيعات العقارية الذي سجّل نمواً بنسبة 112.7%، حيث أصبح منذ اندلاع الأزمة في العام الماضي، الملاذ الآمن الوحيد لأصحاب رؤوس الاموال العالقة في المصارف.

في التفاصيل، ارتفع عدد المبيعات العقارية من 36,952 عملية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 إلى 55,108 عمليات في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، وفق آخر الإحصاءات الصادرة عن دائرة السجل العقاري. كذلك، ارتفعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 112,7% على أساس سنوي لتبلغ 10,077 ملايين دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بحيث ارتفع متوسط قيمة الصفقة العقارية من 128,228 دولاراً الى 182,860 دولاراً بين الفترتين.

وقد ظلّت بيروت تستأثر بالحصة الأكبر من إجمالي قيمة المبيعات العقارية (34,1%)، تلتها بعبدا (17,3%)، ثم المتن (17,0%)، فكسروان (12,0%)، فلبنان الجنوبي (8,3%)، فلبنان الشمالي (4,1%)، فالبقاع (3,1%)، فالنبطية (2,8%). يضاف الى ذلك، أنّ معظم المناطق سجّلت زيادة في قيمة المبيعات العقارية، غير أنّ الزيادات الأبرز جاءت كالآتي، كسروان (+168%)، بيروت (+127%) وبعبدا (+112%). في موازاة ذلك، ارتفعت قيمة الرسوم العقارية بنسبة 105,7% لتصل الى 448 مليون دولار. أما عدد المبيعات العقارية للأجانب فقد ارتفع بنسبة 2,4% على أساس سنوي ليبلغ 776 عملية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020.

أفول «الهجمة» العقارية

في هذا الاطار، أوضح الخبير العقاري رجا مكارم لـ»الجمهورية»، انّ وتيرة عمليات البيع العقارية تراجعت بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، بعد ان هرّب من هرّب ودائعه العالقة في المصارف وحوّلها الى عقارات، من خلال الدفع عبر الشيكات المصرفية. مشيراً الى انّ تراجع وتيرة المبيعات مردّه الى انقضاء مخزون الشقق السكنية المعروضة للبيع من قِبل المطورين العقاريين، حيث تمّ بيع كافة الشقق السكنية الجديدة تقريباً، «وما يتمّ بيعه حالياً يقتصر على الشقق السكنية التابعة لأفراد، والتي يهدف اصحابها الى بيعها مقابل الحصول على السيولة النقدية cash money وليس من خلال الشيكات المصرفية، وهو امر بالغ الصعوبة حالياً».

ولفت مكارم الى انّ «المطور العقاري الذي ما زال يحتفظ بمخزون ضئيل من الشقق السكنية الجديدة، يكون قد سبق وسدّد ديونه المصرفية، ولم يعد في حاجة الى بيع عقاراته مقابل شيكات مصرفية، بل يسعى للحصول على السيولة النقدية». مؤكّداً انّ معظم المطورين العقاريين سدّدوا قروضهم للمصارف.

في المقابل، ما زالت عمليات بيع العقارات (الاراضي) تتمّ عبر الشيكات المصرفية، ولكن ليس بالسهولة المعهودة خلال بدء الأزمة، «لأنّ الشاري يحاول تخفيض الاسعار، في حين انّ البائع يرفض ذلك». وذكر مكارم، انّ الاراضي المعروضة للبيع في بيروت اصبحت نادرة جدّاً «وما هو معروض حالياً للبيع مقابل شيكات مصرفية يقع خارج نطاق العاصمة». لافتاً الى انّ من يسعى لبيع الاراضي حالياً مقابل شيك مصرفي يهدف الى تسديد ديون مصرفية او تغيير استثماراته جغرافياً، أي بيع عقار في منطقة ما وشراء آخر في منطقة أخرى، أو نتيجة تصفية عقارات تابعة لعدّة شركاء.

ووفقاً لتقرير بنك عودة، فإنّ المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكّل مؤشّراً الى حركة البناء المستقبلية، استمرّت في الانحسار. فإحصاءات نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس تُبيّن أنّ المساحة الإجمالية لرخص البناء الممنوحة حديثاً بلغت 3,350,129 متراً مربّعاً في الاشهر التسعة الأولى من العام 2020، مقابل 5,079,173 متراً مربّعاً في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019، أي بانخفاض نسبته 34% على أساس سنوي (بعد تراجعها بنسبة 27,3% في الفترة ذاتها من العام 2019). ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أنّ الانخفاض أصاب معظم المناطق، إلاّ أنّ بيروت والبقاع سجّلتا أعلى نسب من التراجع (-80,8% و-39,5% على التوالي). ولا يزال جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الممنوحة حديثاً في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 (33,2%)، يليه لبنان الجنوبي (23,5%)، ثم لبنان الشمالي (19,6%)، فالنبطيّة (12,8%)، فالبقاع (8,9%) وبيروت (2,0%).

وقد اوضح مكارم في هذا السياق، انّ عمليات البناء الجديدة غير واردة حالياً بسبب ارتفاع الاسعار، حيث بات متر البناء يكلّف 3 أضعاف ما كان عليه قبل الأزمة، بالاضافة الى أنّ الدفع محصور فقط بالسيولة النقدية.

وبالنسبة للاسعار، اكّد انّها عادت الى طبيعتها ما قبل الأزمة، حيث انّ اسعار الشقق او الاراضي برسم البيع حالياً هي اسعار مرتفعة بنسبة تتراوح بين 20 الى 30% بالنسبة للشقق السكنية، وبين 10 الى 20% بالنسبة للاراضي.

وختم مكارم مشدّداً على انّ العقار ما زال يُعتبر ملاذاً آمناً محليّاً بالنسبة لاصحاب الودائع المصرفية.

رنى سعرتي