إجراءات ترقيعية للدولار المتفلّت مقابل الليرة…والقرار غامض

إجتمعت عوامل عدة، بالإضافة الى العامل الاساسي المرتبط بالوضع المالي والاقتصادي الكارثي، لتساهم في تسريع انطلاقة سعر صرف الدولار وصولاً الى 28 الف ليرة، قبل ان يعاود الانخفاض قليلاً. هل ما جرى بريء، ام انّه، في جانب منه على الأقل، مفتعل؟

بعد اعلان مصرف لبنان عن قرار رفع سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية من 3900 الى 8000 ليرة، واصل الدولار الارتفاع الذي كان بدأه قبل ايام من اعلان تعديل التعميم 151، متخطياً الـ28 الف ليرة، ومرتفعاً في غضون 4 ايام من 24 الفاً الى 28 الف ليرة، مما جعل الامور تخرج عن السيطرة، وأجّج احتجاجات شعبية، ولو بسيطة، وحفّز عمليات السرقة والنهب في وضح النهار. مع التأكيد انّ انهيار الليرة بشكل أكبر كان منتظراً ومتوقعاً مع ومن دون رفع سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية، نتيجة عوامل عديدة، منها التأزّم السياسي وعمل الحكومة المعطّل بسبب تعذّر انعقاد جلسات مجلس الوزراء، بالإضافة الى عدم بروز أي بصيص أمل جدّي في ما يتعلق بتسوية العلاقات مع دول الخليج، وتحرير استيراد البنزين تدريجياً على غرار المازوت، مع زيادة نسبة الدولارات التي يتوجب على مستوردي البنزين تأمينها من السوق السوداء، من 10 الى 15 في المئة حالياً، مما زاد الطلب على العملة الصعبة في السوق في مقابل تراجع العرض.

وبما انّ لجم انهيار الليرة أمر غير وارد من دون البدء في تطبيق الاصلاحات واعلان خطة الحكومة للنهوض من الأزمة والشروع في تنفيذ برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، إلّا انّ سياسة القرارات العشوائية والترقيعية والمجتزأة ما زالت متّبعة من قِبل المسؤولين، حيث خلص اجتماع رئيس مجلس الوزراء مع وزير المالية وحاكم مصرف لبنان امس الاول، الى اتخاذ تدبيرين للجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وهما:

– سيقوم مصرف لبنان بتزويد المصارف العاملة بحصتها النقدية لما تبقّى من هذا الشهر بالدولار الأميركي النقدي بدلاً من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المشتراة على سعر صيرفة كاملة الى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة اللبنانية.

– سوف يقوم مصرف لبنان بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الاجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدّد في التعميم 151 أي 8000 ل.ل. حالياً، ما يساعد في خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق.

في التفاصيل، اشارت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»، انّه لا يمكن فهم كيفية تطبيق التدبيرين قبل إصدار مصرف لبنان تعميماً حول آلية تنفيذهما، وانّ المصارف بدورها لا تملك تفسيراً واضحاً لهما لغاية الآن، معتبرة انّ التدبيرين متضاربان، وانّ واحداً يمكن ان يساهم في لجم انهيار الليرة، إلّا انّ الثاني انعكاساته مختلفة. واوضحت، انّ التدبير الاول متعلّق بالتعميم 158 الذي تسدّد بموجبه المصارف 400 دولار نقداً و400 بالليرة على سعر صرف صيرفة، حيث انّه يمكن ان يعطي المصارف الأموال المخصصة للجزء الذي يتمّ تسديده بالليرة الى العملاء المستفيدين من التعميم، بالدولار بدلاً من الليرة، على ان تقوم المصارف ببيع تلك الدولارات لمن يرغب من عملائها، إلّا انّ مدّة تطبيق هذا الإجراء تمتد لغاية أواخر العام الحالي اي لفترة 15 يوماً فقط.

اما في ما يتعلّق بالتدبير الثاني، أوضحت المصادر، انّه يستهدف قروض الشركات فقط، وليس القروض الاخرى، لا السكنية ولا الشخصية… مشيرة الى انّ المصارف تشترط تسديد القروض التجارية بعملة القرض نفسه. وبما انّ معظمها بالدولار، فإنّ تسديدها يتمّ، منذ بدء انهيار سعر الليرة، من خلال الشيكات المصرفية بالدولار، والتي باتت تباع اليوم (سعر الصرف بين 26 و27 الف ليرة) بسعر يبلغ حوالى 20 في المئة من قيمة الشيك في حال يتمّ شراؤها بالدولار الـfresh، او على سعر صرف الـ5500 ليرة تقريباً، في حال يتمّ شراؤها بالليرة. أي انّ القرض الذي تبلغ قيمته على سبيل المثال 100الف دولار، يمكن تسديده بكلفة 20 الف دولار fresh أو 550 مليون ليرة نقداً (شيكات مصرفية بالدولار). وشرحت انّ قرار مصرف لبنان سداد القروض التجارية بالعملات الاجنبية بالليرة نقداً، سيرفع كلفة تسديدها حوالى 30 في المئة تقريباً، حيث انّ الـ100 الف دولار التي كانت تُسدّد بكلفة 550 مليون ليرة (شراء شيك مصرفي بالدولار) ستُسدّد اليوم بكلفة 800 مليون ليرة نقداً (على سعر صرف الـ8000 ليرة). علماً انّ الـ800 مليون ليرة تعادل حوالي 30 الف دولار fresh على سعر صرف الـ26 الف ليرة، في حين انّ الشيك المصرفي يمكن شراؤه بـ20 الف دولار fresh. ولفتت المصادر الى انّه لا يمكن فرض تسديد القروض التجارية بالليرة نقداً فقط ورفض تسديدها من خلال الشيكات المصرفية بالدولار، لانّ هذا الامر مخالف للقانون لأنّ العقود تنص على تسديد القرض بالعملة نفسه ولا تمنع تسديدها من خلال الشيكات. مستغربة كيف سيقوم مصرف لبنان بتنظيم تلك العملية وحث المقترضين على سدادها بالليرة نقداً رغم انّ الكلفة ستكون أكبر من كلفة شراء الشيكات.

وشدّدت المصادر على انّ التدابير والتعاميم والإجراءات يمكن ان تساهم في امتصاص السيولة النقدية بالليرة من السوق لمنع المضاربة، إلّا انّ أحداً لا يتدارك انّ الدولارات التي يتمّ شراؤها محلياً، مصيرها التحويل الى الخارج، حيث انّها تُستعمل إما للتخزين او الإيداع في الخارج او للاستيراد. في المقابل، فإنّ الليرة لا يمكن استخدامها سوى محلياً، وبالتالي مهما حاول البنك المركزي امتصاصها من السوق، ستعود اليه وسيعيد ضخها من جديد لاحقاً عبر الرواتب والاجور وغيرها.

رنى سعرتي