أيمتى ضاع لبنان؟

 

لبنان النموّ، لبنان تنوّع الكفاءات، لبنان بلد الإنتاج، هذا الوطن المميّز بخصائصه الطبيعية، ارتهن للمصالح الانتخابية الضيّقة منذ أن أصبح دور الدولة اقتصادياً هو الشطر الأكبر من الدخل القومي.

خلال السنوات التراجعية على صعيد الخدمات ومعدلات النمو وحسابات ميزان المدفوعات، أي منذ 2014 حتى 2021، خسر لبنان التميّز على أي صعيد، وبالتالي أصبحنا نفتقد الإنجاز على صعيد الخدمات الرئيسية للمواطنين، ومن هذه توافر الكهرباء المستقر لقاء أكلاف معقولة، تحسّن الطرقات لزيادة اطمئنان المتنقلين لسلامة السير، الحفاظ على البيئة، ممارسة الحكم بسلطات غير متداخلة أي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. ومنذ اتفاقات الدوحة، التي نتجت عن سيطرة السلاح على القرارات المصيرية وحتى تاريخه تسارعت التحوّلات التي أسهمت في تكريس القوة غير قوة الدولة على تصرّفات اللبنانيين. والأمر الذي أسهم في تكريس هذه الوضعية إقبال اللبنانيين على الهجرة الى بلدان الخليج، والقارة الافريقية وأوروبا الغربية، وألمانيا، وكندا والولايات المتحدة، حتى هنالك نزر بسيط من اللبنانيين هاجروا الى نيوزيلاندا أرقى الدول في ممارسة السلطة من أصغر رئيسة لبلد حضاري متطوّر.

مقابل كل ذلك تابعنا في لبنان توظيف المطواعين للأحزاب وحتى للدول. فسوريا الأسد (الأب) سيطرت على مجرى السياسة منذ عام 1976 وتكليفها من قبل الولايات المتحدة بالإشراف على الشؤون اللبنانية، وبعد الفوج الاول من ممثلي القيادة السورية وخطأ العراق في مهاجمة الكويت وخيار الأسد (الأب) مناصرة القوات الاميركية لدحر القوات العراقية التي احتلت الكويت وهدّدت القسم الشرقي من المملكة العربية السعودية ومناصرة سوريا لهذا القرار الاميركي، أصبح لبنان ولاية سورية بالفعل وما زالت آثار ومعالم هذا التحول ترسم معالم الحياة السياسية في لبنان.

الهجرة كانت ولا زالت باب تنشّق الحرية ومحاولة اكتساب النجاح، وأصبح عدد اللبنانيين العاملين وعائلاتهم في بلدان الهجرة الحديثة يفوق نسبة 25-30 في المئة من مجمل عدد السكان، واللبنانيون المهاجرون سعياً للارتزاق أصبحوا المرتكز الاول لاكتساب العملات الصعبة، وبلغت تحويلات اللبنانيين 10 مليارات دولار في السنة، ومن التحويلات 24 مليار دولار، من حسابات اللبنانيين في أوروبا عام 2009 حينما كانت الازمة المالية العالمية متوسّعة وكبيرة التأثير على السياسات النقدية والمالية في البلدان المعنية، وأقبلت البلدان المتطورة على تأمين الموارد المالية عبر الاقتراض والاستثمار في استمرارية المؤسسات، وهكذا أنقذت بنوك مثل الكريدي سويس، واتحاد البنوك السويسرية، حتى إن بنك الكريدي سويس واجه عام 2021 خسارة بلغت 10 مليارات دولار من عمل شركتين للمضاربة تعملان انطلاقاً من لندن. للتذكير فقط، هذا المبلغ الذي نسعى للحصول عليه من صندوق النقد الدولي.

رغم مآسينا وخياراتنا السيّئة منذ عام 2013 سواء بالسماح لتردّي خدمات الاتصالات ورفع أكلافها، أو تقبّل العجز في نطاق إنتاج الكهرباء وتوزيعها دون إضافة طاقة ميغاوات واحد لطاقة الإنتاج، وتقبّل تحويلات لمصلحة الكهرباء 1999 وسيطرة التيار الوطني على شؤون الكهرباء حتى تاريخه، وإهمال قيد أي محاسبة منذ عام 2013، تاريخ رُفضت فيه مساهمة كويتية في زيادة طاقة الإنتاج بـ3000 ميغاوات خلال سنتين، منذ ذلك التاريخ وعجز إدارة شؤون الكهرباء والتحكم بأذونات إنشاء مراكز إنتاج بطاقة 10 كيلووات أو أكثر إلا بموافقة السلطات ونحن ندفع جزية الانحدار نحو الإفلاس.

برنامج إصلاح الهدر وتطوير شبكة إنتاج وتوزيع الكهرباء معروف، وقد تقدّم به مهندس كهربائي واقتصادي لبناني هو نزار يونس منذ 2013 ولم يؤخذ بنصائحه، ومن ثم تولّى عبر شركته وبالمشاركة مع شركة مصرية شؤون إصلاح الشبكة الكهربائية من شمال بيروت حتى طرابلس، وحقق وفورات وتجهيزات إلكترونية لقياس استهلاك الكهرباء أسهمت في ضبط الهدر وخفضه من نسبة 50% الى نسبة 25%، وكان بإمكانه مع تحسينات إضافية، خفض العجز الى معدل 15% فقط.

إمكانات تأمين الكهرباء، وبالتالي الاتصالات الإلكترونية الضرورية للشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا المتطورة ومن هذه البنوك، أهدرت ولم تخضع للمحاسبة وهي سبب تعريض لبنان للإفلاس بقرار من حكومة حسّان دياب.

رغم ميل الحكم الى تضخيم عدد الموظفين بحيث أصبح يبلغ 320 ألف موظف إضافة الى 120 ألف متقاعد، الأمر الذي يعني تبديد 50% من موارد الميزانية على اللاإنتاج، لم نشهد أي تطور يدفع أي شركة معروفة للعمل في لبنان، وأصبح شبابنا المعطاء من أركان الشركات العالمية في كندا وفرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، وحتى في أوكرانيا، والحكم غافل عن موجبات النجاح والانضباط.

الوزارة الجديدة التي لا تنعقد ولا يبدو أن لديها برنامجاً مدروساً، كما لا يبدو أنها ملتزمة الإصلاحات المطلوبة رغم تكرار رئيسها وتأكيده أنها ستقرّ برنامجاً إصلاحياً واحداً، هي اليوم عاجزة عن العمل لولا قدرة عدد من وزرائها على ابتكار ترتيبات تتناسب مع شروط الدول المانحة. وزيران تمكنا من تأمين تقديمات بالغة الأهمية، لوزارة التربية من جهة ولوزارة الصحة من جهة أخرى.

وزير التربية المعروف بأخلاقه وعلمه، استطاع استقطاب عشرات ملايين الدولارات لتأمين زيادة معاشات الاساتذة وأكلاف انتقالهم، ولم يتمكن من ذلك سوى بسبب أخلاقه واندفاعه رغم الصعاب، وهو بالتالي حقق مبادرة ربما بالإمكان تحقيق ما يماثلها في قطاع الكهرباء، السبب الرئيسي للهدر.

الوزير الثاني الذي حقق الحصول على معونات تشتدّ الحاجة إليها هو وزير الصحة، وهو معروف بأياديه البيضاء على اسمه منذ تولّى الإشراف على مستشفى رفيق الحريري الذي أصبح مركز العلاج الأساسي لمرضى الوباء الذي استحكم باللبنانيين، وبسبب استعداده لإيلاء الجهات المتبرّعة بالمعونة وإخضاعه وسائل التحقق لممثلي هذه الجهات، استطاع تأمين 500 ألف لقاح فايزر لمعالجة الوباء وخصّص الأسبوع المنصرم وقبله لما سُمّي يوم ماراتون التلقيح.

إضافة إلى ذلك، استطاع تأمين أدوية للأمراض المزمنة ولعلاج السرطان، وشرّع الأبواب لجميع المحتاجين للقاحات أو الأدوية المزمنة.

بالفعل، وزيرا الصحة والتربية يوفران المثال على إمكانات الإنجاز بسبب ثقافتهما من جهة وانتظام أخلاقهما، وهما دون شك يتكاملان مع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي هو اقتصادي متمرّس عمل في لبنان ممثلاً لصندوق النقد الدولي لسنوات وهو يؤدّي عمله بهدوء ومن دون ضجة، وإن كان لنا أمل في الحصول على تسهيلات إضافية (بعد حصولنا على 1.2 مليار دولار من صندوق حقوق السحب الخاصة التابع لصندوق النقد الدولي)، فسوف يكون الفضل في التوعية والالتزام لنائب رئيس مجلس الوزراء.

مروان اسكندر