توقعات مخيفة للأسواق العالمية في حال

أصدر بنك جولدمان ساكس (NYSE:GS) الاستثماري توقعات مخيفة للأسواق العالمية في حال استمر الهبوط القياسي لعملة الروبل الروسي والبورصة الروسية. وتوقع جولدمان ساكس أنه في حال استمر السيناريو الهبوطي للروبل الروسي سينعكس على الأسهم الأمريكية وستنخفض المؤشرات الرئيسية الأمريكي بـ 6%، كما توقع أن تهبط كذلك البورصة الأوروبية بـ 9%. ولم تفتح البورصة الأمريكية اليوم بمناسبة عطلة عيد الرئيس إلا أنها ستعود غدًا للافتتاح والتداول. وفقد الروبل الروسي أكثر من 3% من قيمته اليوم إثر تصاعد التوترات بين الجانب الروسي والأوكراني، كما انخفضت البورصة الروسية بأكثر من 12.5%.

المعادن المؤثرة في تحول الطاقة

 

 

يعتمد التحول من طاقة الهيدروكربون إلى الطاقات المستدامة على «معادن مؤثرة» في منتجات الطاقات المستدامة.
وتشير دراسة صادرة عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن» (مركز الدراسات) إلى أن توقعات «وكالة الطاقة الدولية» تشير إلى ازدياد استهلاك «المعادن المؤثرة» ستة أضعاف بحلول عام 2050.
وتشير دراسة «مركز الدراسات» إلى أن «المعادن المؤثرة» تضم أسواقاً متعددة منفصلة ومختلفة الواحدة عن الأخرى، خلافاً لأسواق النفط والغاز. فهناك مشكلة هيمنة الصراع الأميركي – الصيني على جيوسياسة «المعادن المؤثرة»، بالذات انعكاساته على دور شركات التعدين والسكان والمناطق حيث تتواجد هذه المعادن. من ثم، تقترح الدراسة أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية شاملة للتعامل مع ظاهرة «المعادن المؤثرة» التي ستزداد أهميتها مستقبلاً.
تتوقع الدراسة حدوث اختلال في ميزان العرض والطلب لهذه المعادن بنهاية هذا العقد (2030)، وبالأخص لمعدني الكوبالت والليثيوم. فالولايات المتحدة مثلاً تستطيع أن تنتج في أراضيها كميات أكبر مما يجري إنتاجه حالياً هناك من هذين المعدنين.
تطرح الدراسة السؤال الآتي: ما الذي تستطيع الولايات المتحدة عمله إضافة بهذا الشأن أكثر مما تقوم به حالياً لإنتاج «المعادن المؤثرة»؟
على سبيل المثال، شملت موازنة الرئيس الأميركي جو بايدن مخصصات لدعم رسم خرائط، طال انتظارها، لإعطاء صورة أدق عن مناجم هذه المعادن للمساعدة في معرفة أماكن تواجدها وحجم احتياطياتها أميركياً. لكن تبقى هناك مشاكل في استخراج هذه المعادن في مناطق معينة في الولايات المتحدة، حيث أراضي قبائل السكان الأصليين (الهنود الحمر) التي تحكمها قوانين خاصة بها، ما يتطلب موافقة هذه القبائل لعمليات استخراج الثروات الطبيعية من أراضيها.
إلا أن تجارب شركات التعدين في أراضي السكان الأصليين حتى الآن غير مشجعة، وتكتنفها الكثير من الخلافات ما بين الشركات والسكان الأصليين.
من ثم، سيتطلب من الحكومة الفيدرالية التدخل من خلال وسطاء تختارهم لحل المشاكل، كما أنه من الممكن تشريع قوانين الإنتاج ذات مستويات عالية من الجودة لتقليص التلوث في عمل شركات التعدين للمشاريع التي تمولها الحكومة الفيدرالية.
لكن الأمر لا يتوقف على الولايات المتحدة فقط، فهو ذو أبعاد دولية حيث من المتوقع حصول خلافات عديدة في دول متعددة ما بين الحكومات وشركات التعدين، بالذات مدى التزام الشركات بالأنظمة الصارمة بتصفير الانبعاثات (الحياد الكربوني).
عالمياً، ستتطلب الزيادة في استهلاك الطاقات المستدامة في القطاع الكهربائي: السيارات الكهربائية والبطاريات ذات التخزين العالي، ارتفاعاً ليس فقط في الطلب على «المعادن المؤثرة»، بل أيضاً إعارة اهتمام أوسع بوسائل تعدين حديثة وذات مستويات عالية من الجودة في القطاع الكهربائي، تتناسب مع تصفير الانبعاثات.
كما سيتوجب الأمر تنظيم سلسلة عمليات التصدير لضمان تدفق هذه المعادن بسلاسة دون انقطاعات. وبما أن إطلاق نظام طاقة جديد سيترتب عليه آلاف العقود الجديدة بين المنتجين والمستهلكين، سيكون من الضروري المحافظة على أنظمة حوكمة دقيقة لتجنب الفساد المستشري بالإضافة إلى الالتزام بتصفير الانبعاثات. ومن المتوقع أن تشكل هذه الخطوات لنظام الطاقة الجديد أولويات السياسة الخارجية للدول.
تتشكل المعادن المؤثرة من: الكوبالت، الليثيوم، النيكل، المنغنيز والنحاس. ومناطق إنتاجها المهمة حالياً ونسب الإنتاج هي كالآتي: النحاس (تشيلي 40 في المائة من الإنتاج العالمي)، بيرو (11 في المائة في المرتبة الثانية)، الصين (9 في المائة في المرتبة الثالثة).
الليثيوم (أنتجت أستراليا نصف الإنتاج العالمي في عام 2020)، تشيلي (22 في المائة).
النيكل (إندونيسيا في المرتبة الأولى مع إنتاج 30 في المائة)، الفلبين (13 في المائة في المرتبة الثانية)، روسيا (11 في المائة).
وتحصل جمهورية كونغو الديمقراطية حالياً ريعاً أكثر من مبيعاتها للنحاس من الكوبالت. وتنتج كوبا الكوبالت والأرجنتين والبرازيل الليثيوم. ومن الجدير بالذكر، أن هذه الأرقام والنسب تعكس صورة الوقت الحاضر، إذ إنه من المتوقع مع ازدياد الطلب على هذه المعادن، أن تزداد معها الاكتشافات في دول عدة.

 

وليد خدوري

الاقتصاد وتفاؤل حذر

 

تطورات الاقتصاد والمال لا يختلف عليها المحررون لاختيار الخبر الأول لنشرة الأخبار، ليحظى بأكبر وقت من التحليل أو حالة الصحافة المطبوعة، كمانشيت الصفحة الأولى. موضوع المانشيت يعرف بـsplash في شارع الصحافة الإنجليزي. و«سبلاش» تعني الطلاء (الدهان) الذي يغطي الواجهة بلون واحد، أصلاً من اندفاع الماء (طرطشة بالمصرية) ليغطي مساحة كبيرة. الاقتصاد والمال هما الاهتمام الأول (عند أي تغير في مسارهما) لمستهلك سوق الصحافة والأخبار، أي القارئ والمستمع والمتفرج، لما في ذلك من تأثير بالغ على حياته اليومية.
لم يكن الخبر الأول أزمة أوكرانيا وروسيا (كان وزير دفاع بريطانيا في موسكو، ورئيس حكومتها في شرق أوروبا وكذا قواتها)؛ ولم يكن الألعاب الشتوية في الصين؛ أو بدء ولي العهد الأمير تشارلز، أيام عزلة لإصابته بفيروس «كورونا» للمرة الثانية؛ أو التهديد للعالم بامتلاك إيران سلاحاً نووياً، ومصير مواطنين بريطانيين تحتجزهم طهران، أو حتى مصير بوريس جونسون كرئيس، وهل يستقيل كما تطالب الصحافة والمعارضة، أم ينجو بجلده ومنصبه؟
الخبر الأول والأكبر، كان نمو اقتصاد البلاد بمعدل سبعة ونصف في المائة في عام 2021؛ الأكبر والأسرع منذ 1941. أسباب عديدة وراء الاهتمام البالغ، فالاقتصاد البريطاني هو الأكبر والأسرع نمواً في الفترة نفسها في كل البلدان الصناعية المتقدمة، لكن التوقيت نفسه بالغ الأهمية، ويحتاج المزيد من التحليل والفحص.
تحليلات الاقتصاديين تمزج التفاؤل الحذر، بالتساؤلات، وبداية خلافات وربما صراعات أطرافها الحكومة وأصحاب الأعمال والمؤسسات والمستثمرون والاتحادات العمالية والنقابات المهنية.
توقيت نشر المكتب القومي للإحصاءات للأرقام جاء اليوم الأول لإجازة البرلمان كالمعتاد في هذا الوقت سنوياً (يعود للانعقاد في 21 من الشهر الحالي)، في ختام أسبوع عصفت فيه رياح غير مواتية بسفينة الحكومة. فبنك إنجلترا (المركزي) رفع أسعار الفائدة قبل أيام بسبب التضخم، متوقعاً تجاوزه معدلاته بنسبة 7 في المائة، وأهم الأسباب تضاعف أثمان البترول والغاز المستورد بضع مرات، وتأثيرها على أثمان السلع الأساسية والضروريات، أي انخفاض عام في مستوى المعيشة. كما أن وزير المالية والمعاملات التجارية، ريشي سوناك، مصرّ على زيادة في رسوم الضرائب ورسوم التأمينات الاجتماعية لمواجهة عجز هائل في الميزانية بسبب الإنفاق غير المتوقع لمساعدة العاملين والأعمال على مواجهة إغلاق «كوفيد» (وإن اتهمته المعارضة بزيادة الضرائب هذا العام ليخفضها بعد عامين استمالة للأصوات عشية الانتخابات البرلمانية في 2024).
خبراء بنك إنجلترا كانوا قد وجهوا نداءات وتحذيرات إلى مسؤولي الاتحادات العمالية قبل أسبوع، بعدم المطالبة بزيادة الأجور والمرتبات لمواجهة ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم المتوقعة، لأن ارتفاع الدخول يؤدي لزيادة القدرة الشرائية، فالإنفاق، وبالتالي يساهم في زيادة معدلات التضخم في دائرة مستمرة، فتحاول البنوك المركزية إبطاء دورانها برفع سعر الفائدة.
أكبر الاتحادات العمالية والمهنية (يونيسون)، الذي يمثل العاملين في القطاع العام والخدمات، اغتبط زعماؤه بالنبأ، ولأنهم سيطالبون بزيادة الأجورـ فمعدلات النمو، قد تزيد على معدلات التضخم. وبالنسبة للأخيرة، فإن جدل المطالبين بزيادة الأجور، أن ارتفاع التضخم سببه الرئيسي سلعة واحدة فقط من مجموعة سلع وخدمات كقياس للمقارنة بين فترتين. السلعة المقصودة ليست من الكماليات، ولا يمكن الاستغناء عنها وتؤثر على مستوى معيشة الجميع أغنياء وفقراء، وهي بالطبع أسعار الوقود – والتي يبدو ارتفاعها مؤقتاً. لكن كلمة «مؤقت» قد تعني شهوراً ستتجاوز السنة المالية التي خططت وزارة المالية لميزانيتها في الخريف الماضي. التطورات جددت جدلاً آخر بشأن أسعار الوقود، وضرورة تدخل الخزانة لتقديم المزيد من الدعم لمجابهة الزيادة في أسعار فواتير الطاقة المنزلية.
حزب العمال المعارض، يريد تمويل الدعم بفرض ضرائب استثنائية على شركات البترول والغاز، خاصة بعد أن حققت شركة البترول البريطانية أرباحاً في الفترة نفسها (2021) تقارب 13 مليار دولار، بينما تجاوزت أرباح منافستها، شل للبترول، 19 مليار دولار. العمال، والصحافة اليسارية، جددت المطالبة بالضريبة الاستثنائية الطارئة، بينما يحاول الاقتصاديون التقليديون، شرح معلومات (تتجاهلها أكثرية وسائل الصحافة)، أن حملة الأسهم في شركات الطاقة التي تزداد قيمتها من الأرباح ليسوا، بالتعبير الساخر «القطط السمان» (الذي يطلقه الاشتراكيون على «الرسمالي الجشع»)، وإنما هم صناديق استثمار مدخرات أصحاب المعاشات، والمؤسسات الخيرية، ومدخرات الاتحادات العمالية والمهنية (وبينهم الصحافيون المطالبون بالضرائب الاستثنائية)
سوناك، المسؤول عن اقتصاد بريطانيا، رفض، في مقابلاته يوم الجمعة، تعديل لائحة علاوات موظفي الحكومة والقطاع العام، لمواجهة زيادة الأسعار ومعدلات التضخم المتوقعة، والإبقاء على نسبتها في الميزانية، علاوة ما بين اثنين وثلاثة في المائة، وتعني نقصاً حقيقياً في القدرة على الإنفاق على الضروريات.
العامل الآخر الذي يعقّد من تحليل تأثير أفضل تطورات في أرقام الاقتصاد بالنسبة للحكومة البريطانية، وللشعب، أن معدلات النمو الاقتصادي الأفضل – سبعة ونصف في المائة ليس واقعياً تقدماً مطرداً، بل تعود فقط بالمستوى الاقتصادي إلى ما كانت عليه البلاد قبل عامين، في هذا الوقت بالتحديد من عام 2020، عشية الوباء الذي أغلق اقتصاد البلاد وعطل الإنتاج، وانخفض معدل النمو الاقتصادي بقرابة تسعة ونصف في المائة مع نهاية العام نفسه. وكان الرقم الأسوأ منذ 1919، والذي صادف أيضاً ارتفاعاً هائلاً في البطالة بعد تسريح الجنود في نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ ارتفعت البطالة خمسة أضعاف من أقل من اثنين ونصف في المائة في 1919 إلى عشرة ونصف في المائة منتصف 1921.
الفارق اليوم، أن نسبة البطالة انخفضت إلى أربعة في المائة في نهاية العام الماضي (رغم إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية بسبب الوباء) وهي مثل ألمانيا، وأفضل من فرنسا (ثمانية في المائة) ومعظم أوروبا، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع في الأجور، لأن الغالبية العظمي (84 في المائة) يعملون في قطاع خاص، أو لأنفسهم، مقارنة بـ16 في المائة في القطاع العام هم فقط من تستطيع الحكومة تحديد أجورهم.
فقط الأسابيع والأشهر المقبلة، وتطورات مواجهة الوباء، وتحريك حركة التجارة التي تعطلت بسبب الإغلاق العالمي، ومدى التغيير في أسعار المحروقات، ستحدد ما إذا كان التفاؤل الكبير بأخبار الاقتصاد يوم الجمعة مبكراً عن الأزمة أم سيترجم إلى واقع إيجابي؟

 

عادل درويش

من منكم يعــرف قصة نجيب مع الـ (MDB1)؟

رغم انّ أخبار الموازنة، طغت على ما عداها من تطورات في الأيام القليلة الماضية، نظراً الى تداعياتها المتوقعة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، إلّا أنّ ما تسرّب من خطة توزيع الخسائر، ورفض صندوق النقد الدولي للخطة، لا يزال يحظى بالاهتمام، انطلاقاً من انّه يكشف الواقع المعقّد للأزمة، ويضع حداً للآمال وحالات الإنكار التي كانت سائدة، وبعضها لا يزال قائماً.

لم تكشف خطة توزيع الخسائر وطريقة «إعادة» الودائع عمق الأزمة المالية فحسب، بل سلّطت الضوء بوضوح على عقم محاولات تجميل الواقع عبر الإيحاء بأنّ اصلاح الوضع بالتي هي أحسن، لا يزال مُتاحاً. صحيح انّ الافكار التي طُرحت توحي بأنّ توزيع الخسائر شمل الأطراف الاربعة المعنية، الدولة، مصرف لبنان، المصارف والمودعين، لكن الصحيح أيضاً انّ التوزيع لم يكن عادلاً اولاً، ولم يكن واقعياً ثانياً. والأهم، انّ الخطط طويلة الأمد (15 سنة)، والتي تتضمّن تعقيدات تنفيذية تحتاج شفافية ونزاهة وقدرة على التحكّم وثقة، لا يمكن أن «تقطع» في بلد فيه هذا القدر من الفساد واللاثقة بمن يعِد بتنفيذ الخطط.

وهنا، لا بدّ من تسليط الضوء على الشطر المتعلق بطريقة «إعادة» الودائع الكبيرة، ما فوق الـ150 الف دولار. وإذا استثنينا الشق المتعلق بالـBail in (55% من الودائع التي تفوق قيمتها الـ 500 الف دولار)، يتبيّن انّ مشروع الصندوق السيادي المنوي تأسيسه ليكون أداة استثمارية تحقق إيرادات سنوية تستخدم في دفع الودائع، ينطلق من واقع سلبي، إذ ستكون المطلوبات (Liabilities) لديه حوالى 40 مليار دولار. فيما موجوداته التي ستضمن قدرته على العمل غير واضحة المصادر. ويبدو التمويل الإفتراضي المطروح وكأنّه مشروع وهمي يقضي بتنشيف مصرف لبنان من كل الدولارات الاحتياطية الموجودة لديه، وتحميل الخزينة استحقاقات دين سنوية على مدة 15 سنة، وإضافة الذهب الى هذه الدولارات، ومحاولة «الإقلاع». وحتى مع احتساب الذهب، لا يكفي المبلغ لتحقيق توازن أولي في انطلاقة الصندوق. فهل يمكن الوثوق بأنّ مشروعاً من هذا النوع، يمكن ان يحقق الهدف منه في تمويل إعادة الودائع؟

في العادة، تستند الصناديق السيادية للثروة (SWF)، على مخزون مالي ناتج من إيرادات الدولة. وتستند الصناديق السيادية لجذب الاستثمارات الى شفافية مطلقة في الإدارة وإلى اقتصاد ينمو بمعدلات جيدة، وإلى عوامل جذب قائمة على الثقة بمستقبل الدولة وقوانينها. فهل تتوفر أي من هذه المعطيات، لكي يقتنع صندوق النقد بأنّ مشروعاً من هذا النوع يمكن أن ينجح؟

هناك تجارب عديدة في العالم تتعلق بالصناديق السيادية، منها الناجح ومنها الفاشل. لكن الأكيد، أن لا إمكانية لنجاح هذا النوع من الصناديق في دولة فاسدة، مهما توفّر من إمكانات وقدرات. فكم بالحري اذا كانت الدولة فاسدة، وتريد ان تُنجح تجربة صندوق سيادي عليه «دين» مسبق يقدّر بـ40 مليار دولار، في اقتصاد أصبح حجمه اقل من 20 مليار دولار، وموازنته هبطت من 17 مليار دولار الى اقل من 3 مليارات دولار؟

في ماليزيا، تجربة تستحق ان تُذكر، تتعلق بالصندوق السيادي الذي أنشأه رئيس الحكومة السابق نجيب رزاق (Najib Razak) تحت مسمّى (MDB1)، في العام 2009. ورغم انّ ضخ الأموال في هذا الصندوق كان سخياً، ولم ينطلق المشروع من تحت الصفر، كما هي حال الصندوق المقترح في لبنان، انتهى الأمر بفشل ذريع، بحيث انّ ديون الصندوق اقتربت من 6 مليارات دولار في العام 2015، حين اندلعت الفضيحة. ولم يكن الفشل نتيجة سوء اختيار طرق الاستثمار، بل بسبب الفساد، وقد تبين انّ حوالى 4,5 مليارات دولار سُرقت الى جيوب المستنفعين، وعلى رأسهم نجيب رزاق.

اليوم، لا تزال محاكمة نجيب في ماليزيا قائمة، وبعد حكم صدر في حقه بالسجن لمدة 12 سنة، لا تزال القضية عالقة في محاكم الاستئناف، ولو من الواضح انّها لن تنتهي سوى بإدانة نجيب ومن عاونه في سرقة المال العام. والمفارقة التي ينبغي ذكرها، انّ ماليزيا دولة تتمتع بقدر وافر من الشفافية والحوكمة، وهو الامر الذي أتاح إسقاط نجيب في الانتخابات، ومن ثم تقديمه الى المحاكمة. والمفارقة الثانية، انّ صندوق الـMDB1 كان يعمل بتغطية محاسبية من شركات عريقة، ومنها شركة KPMG التي تتولّى التدقيق حالياً بحسابات مصرف لبنان. وقد وافقت الشركة على دفع عطل وضرر للحكومة الماليزية قدره 80 مليون دولار بعد اعترافها بمسؤوليتها في عملية التمويه المحاسبي في الفضيحة.

المخاطر الحقيقية في الصناديق السيادية تكمن في الحوكمة والفساد. وإذا كانت الصناديق المليئة تنتهي على شاكلة الصندوق الماليزي، فكيف يمكن ان يكون مصير صندوق مُثقل بالديون قبل الإقلاع، في بلد مثل لبنان؟

أنطوان فرح