متابعة قراءة الذهب يستقر قرب أعلى مستوى في أسبوعين مع زيادة الطلب بفعل مخاطر التضخم
الأرشيف الشهري: فبراير 2022
رغم استمرار التضخم بمساره التصاعدي.. المركزي الأوروبي يؤكد انحسار ضغوط الأسعار في أوروبا
المؤشران S&P500 وNasdaq يفتتحان على انخفاض بعد نتائج متباينة للشركات
بورصة وول ستريت تغلق منخفضة بضغط من خسائر أسهم ميتا
المؤشرات الأوروربية تغلق تعاملات جلسة الاثنين على مكاسب
هل يستمر رالي صعود أسعار النفط؟
إلى متى من الممكن استمرار رالي صعود أسعار النفط؟ السؤال الأبرز حاليا، بعد أن ارتفعت الأسعار للأسبوع السابع على التوالي مما جعل سيناريو الـ100 دولار للبرميل قريب جدا.
يطغى على المشهد عدة عوامل ذات تأثير متباين على السوق، أبرزها، استمرار المخاوف بشأن اضطراب الإمدادات بين كبار المنتجين في العالم إثر التوترات الجيوسياسية بين أوكرانيا وروسيا وكذلك في الشرق الأوسط والتي أدت إلى زيادة أسعار الـWTI حوالي 20% منذ بداية العام.
في المقابل، ظهرت عمليات جني الأرباح بعد توقعات قرب انتهاء المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن إحياء الإتفاق النووي… حيث أعادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الإعفاءات من العقوبات الممنوحة لطهران و المتعلقة بالمشاريع النووية. هذا القرار وبحسب رويترز يمكن أن يعزز إنتاج طهران من النفط، الأمر الذي قد يزيد من الإمدادات العالمية ويخفض الأسعار.
العامل الثالث هو احتمال رفع الصين مخزوناتها من النفط بعد عطلة رأس السنة القمرية بحسب مجموعة Vitol التي بينت أن أكبر مستورد للنفط في العالم يعتبر الأسعار الحالية مقبولة.
بالمقابل، صرح بنك جولدمان ساكس أن سعر برميل خام برنت قد يتخطى مستويات الـ100 دولار هذا العام، مؤكدا أن سوق النفط لا يزال يعاني من عجز كبير خاصة وأن الطلب تضرر بشكل أقل من التوقعات بسبب المتحور أوميكرون.
بينما تتوقع سيتي غروب تحول سوق النفط لتسجيل فوائض خلال الربع الثاني من العام الجاري.
تراجع الإنتاج الصناعي الألماني في ديسمبر
مؤشر داكس : استراتيجية اليوم
أجواء السوق يسودها القلق ولكن لعملة OCTO الرقمية أجواؤها الخاصة..!
هل تؤدي بيانات التضخم الجديدة في أميركا لزيادة في تقلبات الأسواق هذا الأسبوع
بعد تقرير الوظائف القوي المفاجئ لشهر يناير في أميركا، يتأرجح التركيز على تضخم المستهلك هذا الأسبوع وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لخطة الاحتياطي الفدرالي لرفع أسعار الفائدة.
ووفقًا لتقرير الجمعة أضاف الاقتصاد الأميركي 467 ألف وظيفة في يناير وهو ما أربك الاقتصاديين في وول ستريت، حيث توقع بعضهم رقمًا سلبيًا بسبب تأثير متغير أوميكرون على القوة العاملة.
وكان التقرير مذهلاً أيضًا من نواحٍ أخرى، كما تم تعديل قوائم الرواتب صعودًا بمقدار 709 ألف وظيفة في نوفمبر وديسمبر، ونمت الأجور بمعدل حار قدره 5.7% على أساس سنوي في يناير.وبدأ المتداولون في سوق العقود الآجلة في تسعير ست زيادات في أسعار الفائدة لهذا العام، بينما يتوقع العديد من الاقتصاديين أربعة أو خمسة ارتفاعات.
وتم الإعلان عن مؤشر أسعار المستهلك يوم الخميس، وصدر مسح ثقة المستهلك في جامعة ميشيغان يوم الجمعة. وهناك أيضًا العشرات من الأرباح في الأسبوع المقبل، بما في ذلك Pfizer و Amgen. وتقارير والت ديزني و Coca-Cola و PepsiCo و Kellogg. وقد نحصل على بعض التحسن المتسلسل في قراءات التضخم.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الرئيسي بنسبة 0.4% انخفاضًا من 0.5% في ديسمبر. لكن هذه القراءة ستكون حادة بنسبة 7.2% على أساس سنوي. وعلى الرغم من القفزة الحادة في عائدات السندات ، أغلقت الأسهم يوم الجمعة مع مكاسب هذا الأسبوع.
وتخللت التقلبات الكبيرة التداولات الأسبوع الماضي، وكانت بعض الأسماء الفردية شديدة التقلب. وتراجعت Meta Platforms بأكثر من 26% في يوم واحد وسط خيبة أمل في الأرباح ، كما خسر PayPal أيضًا ما يقرب من 25% في جلسة واحدة بعد إصدار توجيه ضعيف.و قفز سهم أمازون 13.5% يوم الجمعة بعد أرباحه.
يُذكر أيضًا أن هذا النوع من التقلبات في الأسماء الفردية يسلط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون في أسهم النمو التكنولوجي الكبرى التي تعد من بين أكبر الأسماء في S&P 500.
وقال محللون، إنه من الصعب للغاية على المستثمرين الذين لم يعرفوا سوى كيفية جني الأموال لمدة 15 عامًا متتالية من خلال امتلاك أسهم النمو أن يغيروا نظرتهم إلى العالم، بالإضافة إلى أن التقلبات التي شهدناها حول الأرباح في بعض هذه الأسماء ليست مفاجأة ، لكنها تفاقمت في اقتصاد من المرجح أن ينمو إلى الشمال بنسبة 4%.
إلى جانب توقعات بأن يكون أداء الأسهم الدورية والقيمة أفضل من أداء أسماء النمو في بيئة تضخمية يقوم فيها البنك المركزي برفع أسعار الفائدة.
وارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 1.5% في الأسبوع الماضي، ليغلق عند 4500، وهو مستوى فني رئيسيي. وارتفع مؤشر داو جونز بنسبة 1%، وارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 2.4% خلال الأسبوع. ومؤشر ناسداك الآن أدنى بنسبة 13% عن أعلى مستوى له على الإطلاق.
وكان قطاع الطاقة هو الأفضل لهذا الأسبوع ، بارتفاع ما يقرب من 5% ، تليها الأسهم التقديرية للمستهلكين، بارتفاع أقل بقليل من 4%. وارتفعت المالية بنسبة 3.5%، وارتفعت التكنولوجيا بنحو 1%.
ماذ عن توقع المزيد من التقلب لهذا الأسبوع؟
ويمكن أن تظل الأسواق متقلبة هذا الأسبوع. وشهدت العائدات تحركًا كبيرًا على خلفية التعليقات المتشددة من البنوك المركزية الأوروبية والبريطانية الأسبوع الماضي.
وتم تمديد هذه الخطوة أكثر، بعد تقرير الوظائف يوم الجمعة.
ويتوقع المحللون استمرار التقلبات، والتي رأيناها جميعًا في الأسهم الفردية في الأسبوع الماضي ، يمكن أن تكون في الاتجاه الصعودي والهبوط ، كل ذلك في الفترة التي تسبق اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في 15 مارس.
وقفزت عوائد السندات لـ10 سنوات في الولايات المتحدة، والذي يؤثر على الرهون العقارية والقروض الأخرى ، إلى 1.93% يوم الجمعة.
الاقتصاد اللبنانيّ بين مهبّ العواصف وانتظار الطوفان الأخير
يعيش لبنان على إيقاع العواصف، فعاصفة “هِبَه” تأخذه يمينًا، وعاصفة “ياسمين” تأتي به يسارًا، ولكنّ اللبنانيّ لا تؤرقه كثيرًا هذه الأنواع من العواصف الموسميّة، إذ تبقى “طبيعيّة” وهو اعتاد التأقلم معها والتغلّب عليها بحنكته، وصموده، وإن كان وقعها المفاجئ يُربك مخطّطاته القصيرة المدى نوعًا ما. لكن ما يهابه هذا المواطن العتيد فعلًا، ما يقع عليه وقع الصاعقة، أي المراتب، والإحصائيّات، وتشعّب أسعار الصرف، وضياعه في تيّار من الأرقام. وعلى رغم من كثرتها، نجده قد سلّم أمره لها، وأخذ يُراقبها من بعيد، لا بل يتحاشى حتّى النظر والتمعّن فيها، لعلّ التجاهل يخفّف جزءًا من قساوتها.
آخر تلك “الأعاصير” الرقميّة الّتي ضربت لبنان، ولم تتسابق وسائل الإعلام على تغطيتها، أو تتفنّن وسائط التواصل الاجتماعيّ في نسج النكات عنها، هي الأرقام الصادرة عن آخر تقارير البنك الدوليّ عن الاقتصاد اللبنانيّ. فقد سجّل لبنان نسبًا قياسيّة عالميّة في تراجع اقتصاده وانكماشه. لكنّ التقرير لم يبدّل من نمط الشارع المائل إلى الاستسلام، ولو إلى حين، وكذلك لم يستطِع أن يرفّ حتّى رمشٍ عند اللاعبين الحكوميّين. فما نسمعه اليوم من شائعات حول رفع رسوم الدولار الجمركيّ، والسياسات الّتي تقلّل من حجم الانفاق المحلّيّ، وغيرها من الصواعق القاتلة، تؤكّد أنّ الحكومة ماضية في تقديمها إلى المواطن اللبنانيّ جميع ما يدفعه إلى تمنّي طوفان كطوفان نوح، لينتهي هذا المشهد إلى غير رجعة.
اليوم، تُصنّف الأزمة الاقتصاديّة الماليّة في لبنان في المراكز الثلاثة الأولى (الأخيرة) من بين أشدّ الأزمات حدّةً على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ففي الواقع، انخفض الناتج المحليّ الإجماليّ اللبنانيّ من حوالى ٥٥ مليار دولار أميركيّ في العام ٢٠١٨ إلى ٣٣ مليارًا في العام ٢٠٢٠، وتابع انحداره ليقدّر بنحو ٢٠,٥ مليار دولار أميركيّ في العام ٢٠٢١، مع تراجع دخل الفرد بنسبة ٤٠٪. علمًا أنّ معدّل نموّ الناتج المحليّ الإجماليّ، وخصوصًا في الحالة اللبنانيّة يصحّ القول “انكماشه”، يُقارن معدّله بالتغيير السنويّ الحاصل في الناتج الاقتصاديّ للبلد، من أجل قياس مدى سرعة نموّ اقتصاده.
هكذا، وبحسب التقرير الذي نشره البنك الدوليّ في كانون الثاني العام ٢٠٢١، أصبح لبنان صاحب الرقم القياسيّ العالميّ الجديد بالوصول إلى أعلى معدّل انكماش للناتج المحليّ الإجماليّ للعام نفسه، وقد بلغ معدّل ٥٨٪. وللتذكير، فإنّ الانكماش الاقتصاديّ هو بالتعريف انخفاض في الناتج القوميّ مقاسًا بإجمالي الناتج المحلّيّ. يتضمّن ذلك انخفاضًا في الدخل الشخصيّ الحقيقيّ، والإنتاج الصناعيّ، ومبيعات التجزئة. وبالطبع، يرافقه انخفاض في الدخل، وارتفاع في معدّلات البطالة.
عادةً ما يرتبط هذا الانكماش القاسي بالنزاعات أو الحروب. إذ يستمرّ الاضطراب النقديّ والماليّ في تعزيز ظروف الأزمة. وفي المسرح اللبنانيّ، الذي يشهد “حربًا باردة”، عرف سعر الصرف تدهورًا أشدّ تسارعًا في الأشهر الماضية مع انخفاض سعر العملة المحلّيّة بمقارنتها بالدولار الأميركيّ بنسبة ٧٦٪، أي ٢٢,٠٠٠ ليرة لبنانيّة مقابل الدولار الأميركيّ الواحد. في هذه الأثناء، وصل معدّل التضخّم إلى أعلى مستوياته، فوضع لبنان في المرتبة الثالثة عالميًّا بمعدّل تضخّم بلغ ١٤٥٪ في العام ٢٠٢١.
إنّ نتيجة هذا التضخّم هي زيادة الفقر الذي يتصاعد مع ازدياد عدد السكان في لبنان الّذين يرزحون تحت خطّ الفقر بحسب المعايير الدوليّة، والذي يبلغ ٥,٥٠ دولار أميركيّ للفرد في اليوم الواحد. كما أنّ نسبة الأُسر التي تواجه تحدّيات في الحصول على الغذاء، والرعاية الصحيّة، والوقود كمصدر للتدفئة في هذه الأيّام الشتويّة العاصفة، وغيرها من الخدمات الأساسيّة، آخذة في الارتفاع.
كذلك، نجد أنّ التبعات التضخميّة هي من العوامل الارتداديّة القويّة، إذ تؤثّر بوجه غير متناسب على الفقراء والطبقة الوسطى الّتي تواجه خطر الإنقراض، مع وجود مجموعة صغيرة تستطيع الاستفادة من متغيّرات سوق الصرف وغيرها. وقد شهد لبنان انهيارًا كبيرًا في الخدمات الأساسيّة، بسبب شحّ احتياطيات النقد الأجنبيّ، وارتفاع تكلفة دعم استيراد العملات الأجنبيّة على المواد الغذائيّة، والوقود والأدوية.
لكن، السؤال الذي يُطرَح هنا: ما أسباب ارتفاع معدّل الانكماش، وهل ثمّة طرق لإيقافه؟ يحدث الإنكماش بسبب فقدان الثقة عمومًا، الذي يؤدّي إلى إبطاء الطلب، وغالبًا ما ينجم عن حدث ما. قد يكون الدافع وراءه زيادة في أسعار الفائدة، ممّا يقلّل الإنفاق في رؤوس الأموال. لكن في الواقع، يكمن السبب الحقيقيّ بحدثٍ مقنَّع وراء الحدث الذي تضجّ فيه وسائل الإعلام. ففي لبنان، جاءت فكرة زيادة الرسوم على تطبيق “الواتساب”، وكأنّها الزناد الّذي أطلق ثورة 17 تشرين، وتلاه انتشار وباء كوفيد-١٩، وانفجار مرفأ بيروت، إلخ… فأدّى ذلك إلى خفض الشركات من معدّلات إنفاقها، ثم تسريح عمّالها وموظّفيها. وهذا بدوره يؤدّي إلى تجفيف الإنفاق الاستهلاكيّ، ويقود السوق إلى مزيد من الخسائر في الأعمال والاستغناء عن كثير من الوظائف. وعادةً ما ينتهي الإنكماش عندما تنخفض الأسعار بدرجة كافية لجذب الطلب المتجدّد، وهذا بالطبع ما لا يعمل المسؤولون عليه، إذا لم نَقُل إنّهم يقومون بالعكس.
فمن ناحية أُخرى، يمكن للسياسة النقديّة لمصرف لبنان المركزيّ، والسياسة الماليّة الحكوميّة إنهاء الانكماش بسرعة أكبر، عندما تميل إلى إتخاذ خطوات عدة يمكننا تعدادها باختصار هنا:
1- خفض معدّلات الفائدة، كما طُبّقت على المدّخرات “المحتجزة” في المصارف اللبنانيّة، وإن لم يكن الدافع المباشر تحريك السوق، بل حماية أرباح المصارف، إذ تمّ خفض الفائدة على الودائع المذكورة وحسب.
2 – خفض الضرائب، وهذه ليست إحدى الإجراءات الّتي تقوم بها الحكومة اللبنانيّة اليوم، بل إنّها تتحدّث عن رفع باقة متنوّعة من الضرائب، من بينها قيمة الدولار الجمركيّ بحسب أسعار صرف مرتفعة، أي أنّها تقوم بالعكس تمامًا، فترفع الضرائب الّتي ستؤثّر على إنفاق المستهلك في نهاية المطاف.
3- زيادة في العرض النقديّ، وهذا ما تمّ القيام به لأشهر عدّة، أمّا اليوم يُطبّق التعميم الرقم 161 الصادر عن مصرف لبنان أخّيرًا، ممّا يدفع اللبنانيّين إلى التخلّص من الليرة اللبنانيّة المكدّسة مقابل بعض “الدولارات الطازجة”.
4 – زيادة الإنفاق، بالطبع ليست هذه هي الحالة في السوق اللبنانيّة اليوم، إذ أنّ كمّيّات البضائع الّتي يتمّ شراؤها أقلّ، على الرغم ما تُظهره الأرقام الأخيرة من زيادة في مبالغ الإنفاق، لكن هذه الزيادة تعود لارتفاع الأسعار الهائل بالليرة اللبنانيّة، وليس الإقبال على كمّيّاتٍ أكبر مستهلكة.
لذلك، يجب أن تكون هذه السياسات السابقة جزءًا لا يتجزّأ من استراتيجيّات الحكومة لتوفير أفضل الحلول للبطالة، ووقف نزيف هجرة اليد العاملة، والعقول المفكّرة، والمواهب المبدعة في لبنان.
كي يزيد الواقع اللبنانيّ في مأسويّته، ولتشتدّ العواصف الّتي تضربه حدّةً، احتلّ لبنان كذلك المرتبة الأولى بين أدنى نسبة إيرادات إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ في العام ٢٠٢١، حيث بلغت ٦,٦٪، ممّا يعني أنّ لبنان غير قادر على الإنفاق من أجل تحسين البنية التحتيّة، والصحّة، والتعليم، وهي عادةً عوامل أساسيّة طويلة المدى لازدهار اقتصاد أيّ بلد وكذلك شعبه.
إذ يمكننا أن نلاحظ بوضوح تدهور هذه البنى التحتيّة في البلد يومًا بعد يوم، حيث لا تزال الكهرباء مشكلة مستمرّة، وأصبحت أشبه بالمرض العضال الذي لا يمكن التعافي منه، والقمامة لا تزال منتشرة على الطرق، وهذه الطرق نفسها تحتاج إلى إعادة تأهيل، ولكن للأسف، لم يتبقّ أيّ أموال في صناديق البلديّات، أو المؤسّسات الأخرى للقيام بهذه المهمات التنمويّة، وتشتدّ هذه المصيبة في مواسم الطوفانات. وينسحب تطبيق هذه المعايير نفسها على الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، وما إلى ذلك من صواعق تأتي على أُسس الدولة اللبنانيّة الواحدة تلو الأُخرى.
أمّا من ناحية الخطط الماليّة الحكوميّة، فهي تؤسَّس على علاقة بين النشاط الاقتصاديّ وعائدات الضرائب. لذلك عندما يرتفع النشاط الاقتصاديّ بسرعة أكبر، ترتفع الإيرادات الضريبيّة أيضًا بنحو مضطّرِد. فضرائب الشركات تقلّل الاستثمار، وتقلّص نموّ الإنتاجيّة. وعادةً في البلدان النامية مثل لبنان، تعتمد بمقدار أكبر على ضرائب الاستهلاك، وضرائب الدخل الفرديّ من اعتمادها على ضرائب دخل الشركات وضرائب الممتلكات، مما يمكّن المستثمرين، والشركات من أن تزيد إنتاجيّتها، فتدفعها الى توظيف مزيد من اليد العاملة الوطنيّة والأجنبيّة، الّتي بدورها تسدّد الضرائب المباشرة، وغير المباشرة، وتساهم في تحريك الدورة الاقتصاديّة-الماليّة للبلد.
ولأنّ كثيرين من المسؤولين يعيشون على التغنّي بالماضي، فرؤيتهم الاقتصاديّة هي أيضًا قائمة على الحنين الى أمجاد “أيّام العزّ”. إذ كان لبنان يُعتبر ملاذًا ضريبيًّا، وكان بيئة مستقرّة سياسيًّا واقتصاديًّا، توفّر للأفراد والشركات التزامات ضريبيّة مخفوضة أو معدومة. لكن، لا يمكننا التظاهر بأنّ هذه الشروط لا تزال قائمة في الوقت الحاضر أو حتّى على المدى القريب والمتوسّط.
لذلك، تُعتبر الجمارك، ورسوم الاستيراد، محرّكًا كبيرًا للإيرادات الحكوميّة، حيث تُفرض رسوم على البضائع المستوردة بمعدّلات عالية، كما قد يؤول إليه تفكير الحكومة اللبنانية في زيادة الدولار الجمركيّ على البضائع المستوردة. لكن يبقى السؤال: هل لدى المواطن اللبنانيّ بدائل لهذه المنتجات ليتمّ إنتاجها محلّيًّا؟ فإن أخذنا حليب الأطفال على سبيل المثال لا الحصر، هل سيستطيع ربّ الأُسرة اللبنانيّة من التضحية بمدخوله الشهريّ لشراء علبة حليب مستورد واحدة؟ بالطبع لا، فكيف يمكن للفقراء دفع ثمن هذه السلع الضروريّة وسدّ فجوات موازنة مصاريفهم الشهريّة؟؟؟
في الختام، سجّل لبنان رقمًا تاريخيًّا آخر للعام ٢٠٢١، حيث احتل المرتبة الرابعة في الدين الحكوميّ بالنسبة إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ، بنسبة قُدِّرت بِـ ١٨٣٪. لذلك، لن يكون لدى المستثمرين الدافع للاستثمار في بلد محفوف بالمخاطر غير قادر على سداد ديونه في المستقبل، ولا يوفِّر بنية تحتيّة استثماريّة مناسبة، علاوة على ذلك، سيؤثّر هذا الرقم على تكاليف الدين على الحكومة، التي ستكون أعلى في حال تمّ الاقتراض من صندوق النقد الدوليّ، أو من مفوّضيّة الاتّحاد الأوروبّيّ.
إنّ البلد الّذي كان يتغنّى بكونه منارة الشرق، التي تهتدي إلى مرافئه السفن من البلاد قاطبة، يعرف اليوم تسونامي من الأرقام الاقتصاديّة-الماليّة السلبيّة، قد تمحي سويسرا الشرق من الوجود، وهذا ما يرسمه السيناريو الأسود للبنك الدوليّ في تقريره الأخير، فانهيار السلَّم الاجتماعيّ وتحميل الطبقة الفقيرة والمتوسّطة العبء الأكبر لإغلاق الفجوة الاقتصاديّة، قد يرتدّ بهزّات داخليّة تقود البلاد إلى ضياع الأمل في التغيير، أقلّه في المستقبل القريب. فهل نقول هنيئًا لمن أعدّ هذه العاصفة الّتي تظهر وكأنّها طبيعيّة؟ أم أنّ الشعب سينقلب بطوفان أكبر يأتي على هذه الطبقة الحاكمة ويقلعها من جذورها إلى غير رجعة، وتظهر حمامة حاملة غصن زيتون مبشّرة بعهدٍ جديد…
البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ
بروفيسور في جامعة القديس يوسف
مليارا دولار لدعم الليرة لـ”تقطيع” الانتخابات
في أكثر من مناسبة، حرص مسؤولون في صندوق النقد الدولي، ومن خلال توصيف الأزمة اللبنانية، على استخدام عبارات «عميقة، معقّدة، تحتاج الى وقت». وفي هذا النوع من التوصيف، إشارات واضحة الى انّ الخروج من الأزمة لن يكون سهلاً أو سريعاً، وبما يعني ايضاً، انّ الاتفاق على برنامج تمويل مع الصندوق، يحتاج الى وقت وإجراءات توازي هذا التوصيف.
لا شيء يعلو على صوت معركة الانتخابات النيابية المقبلة، ولا اهتمامات حقيقية للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية قبل ان يندثر غبار هذه المواجهة في ايار، وتتظهّر الخريطة الجديدة لتوزّع القوى السياسية في البرلمان. ومن اللافت في هذا السياق، انّ صندوق النقد نفسه، وفي اطار التعليق الاولي على بدء جولة المفاوضات الرسمية تحدّث باختصار، وعلى شكل عناوين، عن الملفات التي ينبغي التوافق عليها مع السلطات اللبنانية للوصول الى اتفاق لتمويل برنامجٍ للتعافي الاقتصادي.
من الملفت في هذه العناوين، ما يتعلق بضرورة التأكّد من انّ أي اتفاق سيتمّ التوصّل اليه مع صندوق النقد الدولي، سيحظى لاحقاً بموافقة الحكومة المقبلة، للاستمرار في تنفيذه. وينبغي أن نذكّر هنا، انّ الاتفاقات التي يعقدها الصندوق مع الدول تتفاوت مدة تنفيذها، وهي كناية عن برامج محدّدة، عندما ينتهي تنفيذ برنامج، يجري التفاوض مجدداً على برنامج آخر. وفي الحالة اللبنانية، وانطلاقاً من توصيفات الصندوق المُسبقة، يمكن التأكيد أنّ البرنامج الاول لن يكون قصير المدى، وسيتراوح بين 3 و5 سنوات. وبالتالي، وعندما يقول المسؤولون انّهم يريدون التأكّد من توجّهات الحكومة المقبلة، فهذا يعني بوضوح انّهم يريدون انتظار نتائج الانتخابات النيابية لكي ينجزوا أي اتفاق تمويل مع السلطات اللبنانية. وبالتالي، كل الكلام المتفائل الذي نسمعه من مسؤولين رسميين لا يعدو كونه، تمنيات أو أوهاماً أو تضليلاً، لإشاعة أجواء ايجابية، علّها تساعد في تلطيف المناخ السلبي الضاغط على الوضع النقدي.
في كل الأحوال، واذا استندنا الى لائحة الملفات التي ذكرها رئيس الوفد اللبناني المفاوض، سعادة الشامي، والتي قال انّها ضمن برنامج المفاوضات في جولتها الاولى التي بدأت الاثنين الماضي، (24 كانون الثاني الجاري) سنلاحظ عمق التعقيدات القائمة، والتي لا توحي بأنّ الاتفاق على الابواب.
انطلاقاً من هذا الواقع، والذي يدرك حقيقته بلا شك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قرّر الرجل تغيير نهج الانتظار على الساخن، واعتماد نهج المماطلة على البارد، وقرّر دعم الليرة مجدداً، وهو دعم سيستمر مبدئياً حتى انتهاء الانتخابات النيابية. وليس واضحاً بعد، الكلفة الإجمالية لهذا الدعم الذي توحي أرقام منصّة «صيرفة» بأنّ معدّله اليومي قد يتراوح بين 15 و20 مليون دولار يومياً، مع احتساب الفرق بين حركة المنصّة قبل القرار وبعده. وبالتالي، ليس مستبعداً ان يصل إجمالي دعم الليرة في الاشهر الاربعة المقبلة الى اكثر من ملياري دولار. وهذه كلفة كبيرة تعني عملياً، وفي حال استمرارها فإنّ رئيس الحكومة يراهن على أمرين:
اولاً- شراء الوقت على طريقة ما كان يجري سابقاً، على امل ان يكون المشهد ما بعد الانتخابات مختلفاً، ويسمح بالانتقال الى الإنقاذ بدلاً من إجراءات تقطيع المرحلة بما تيسّر.
ثانياً- التخلّي عن فكرة حقوق المودعين في المستقبل، والتعاطي مع ما تبقّى من ودائع على أساس انّها ثروة مُصادرة لمصلحة الدولة، يمكن التصرّف بها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، والتي يحدّدها من يتولّى القيادة السياسية في البلاد.
وهناك من يقول، ولِمَ لا، ما دام المواطن وصل الى مرحلة الجوع، والتصرّف بالأموال المودعة في المركزي هو بمثابة «عدالة» اجتماعية، واسترداد حقوقٍ للناس الذين لطالما عانوا من سوء توزيع الثروة، بسبب عقم النظام الضرائبي، وتلاشي الجباية العادلة للضرائب، وتجميع الثروات التي استفاد أصحابها من مناخ الفساد القائم منذ سنوات طويلة في البلد. وعندما تسأل عن حقوق الشرفاء، الذين جمعوا أموالهم بعرق الجبين، والعمل الدؤوب، والاغتراب وبيع الممتلكات وتسييلها لإيداعها في المصارف، وبعض هؤلاء صار بائساً، وكان يعتقد انّه يعمل لتأمين المستقبل والآخرة، فجاءه من يسطو على امواله واحلامه، يأتيك الجواب، بأنّها الحرب، وفي الحروب هناك دائماً ضحايا بريئة تدفع الثمن، وهناك دائماً خسائر جانبية، (collateral damages)، لا بدّ من تحمّلها لكسب الحرب، أو على الأقل، للفوز في صراع البقاء.
انطوان فرح
صنبور الغاز الروسي
مع احتدام الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا، وحشد القوات من الطرفين على الحدود، بدا من الواضح أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا أقرب من أي وقت مضى، لا سيما مع تحذير الولايات المتحدة أن الاجتياح الروسي قد يكون الشهر المقبل. وهدد الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا في حال الاجتياح. وقد لا تتضرر الولايات المتحدة كثيراً من أي قرارات انتقامية روسية، إلا أن الاتحاد الأوروبي منكشف وبشكل واضح بسبب احتياجه للغاز الروسي والذي يشكل 40% من استهلاك الغاز الأوروبي، فهل يستطيع الاتحاد الأوروبي فعلاً مواجهة روسيا بفرض عقوبات عليها مع ما تملكه الأخيرة من سلطة عليها؟
لمعرفة طبيعة الشراكة الأوروبية – الروسية في الغاز، تنبغي العودة لبداية الستينات الميلادية، ويمكن النظر إلى هذه العلاقة على أنها مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى حين اتفق الطرفان على نقل الغاز من حقول سيبيريا السوفياتية إلى أوروبا مع ظهور تقنيات نقل الغاز لمسافات طويلة، بدعم من خبراء أميركيين، وكانت أوروبا قبلها تملك شبكات غاز محلية صغيرة خاصة في بريطانيا وهولندا، واستغرق الأمر ما يقارب العقد مع التعقيدات الشيوعية في الاتحاد السوفياتي حتى بدأ الغاز السوفياتي في التدفق لأوروبا. في هذه المرحلة لم تمانع أوروبا الاجتياح السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 أي بعد بدء تدفق الغاز بفترة قصيرة لمحطة غاز النمسا.
المرحلة الثانية بدأت في السبعينات الميلادية، حين ذاقت أوروبا حلاوة الغاز الروسي؛ فكمياته كبيرة، وتكلفته منخفضة خصوصاً مع انتهاء الأعمال الإنشائية لخط الأنابيب، وهو كذلك صديق للبيئة بعكس الفحم. في هذه المرحلة بدأت أوروبا بالاعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي دون أي محاولة منها لإيجاد بدائل. ولم تمانع أوروبا مواقف الاتحاد السوفياتي السياسية، فحين فرض الرئيس الأميركي (رونالد ريغن) عقوبات اقتصادية على الاتحاد السوفياتي عام 1981 بسبب تدخلها في بولندا، لم تفرض أوروبا عقوبات مثيلة، وطوّر الروس تقنيات لنقل الغاز بديلة عن تلك الأميركية وبدعم من دول أوروبية باعت لهم تقنيات أسهمت في هذا التطوير.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990 حتى وقتنا الحاضر، وهذه المرحلة شهدت تقلبات سياسية كبيرة، منها سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك دول مثل يوغوسلافيا وما صاحبه من أحداث، وضعف الموقف الروسي حتى تولي الرئيس بوتين الحكم عام 2000 وعودة هيبة الروس، خلال هذه المرحلة تدخلت روسيا سياسياً في جورجيا وسوريا واجتاحت شبه جزيرة القرم، ومع هذا كله استمر الغاز الروسي في التدفق إلى أوروبا، حتى حين فرضت أوروبا عقوبات على روسيا وردّت روسيا بعقوبات مثيلة، لم يكن الغاز ضمن هذه العقوبات، واقتصرت العقوبات على السلع العسكرية وبعض التقنيات المدنية والمنتجات الزراعية. صحيح أن التبادل التجاري بين روسيا ودول مثل ألمانيا تأثر كثيراً وانتقلت روسيا من كونها أحد أهم شركاء ألمانيا إلى المركز الرابع عشر، إلا أن الغاز لم يُمسّ حينها.
هذه ثلاث مراحل تاريخية، كان للاتحاد السوفياتي أو روسيا سلوك عسكري لا يتوافق مع التوجه الأوروبي، ولكن مع ذلك لم تتأثر الشراكة بين الطرفين في قطاع الغاز، كأن الغاز مسألة لا تناقَش ومصلحة فوق النزاعات السياسية. ولكن التهديدات الأخيرة من الطرفين لمحت إلى أن الغاز قد يُستخدم كسلاح في هذه النزاعات، لا سيما مع تقليل كمية الغاز المنقول إلى أوروبا خلال الأشهر الأخيرة بقرار من بوتين.
وأوروبا تستورد الغاز من دول مثل الجزائر (8% من استهلاكها) وقطر (5% من استهلاكها)، إلا أن الغاز الروسي يمثل استهلاك دول بأكملها مثل دول البلطيق وبلغاريا. وبدائلها لا تبدو في ازدياد، فالإنتاج الآسيوي للغاز يرتبط بعقود طويلة الأجل مع دول آسيوية، وآسيا نفسها تشكل نحو ثلاثة أرباع الطلب العالمي في الغاز، أي إن الغاز فيها لا يكاد يكفيها. أما الشرق الأوسط فاستهلاك الغاز يزيد فيه بنسبة 4.6% سنوياً، مما يعني أن الغاز المتاح للتصدير يقل بشكل تدريجي. وفي حقبة الرئيس الأميركي ترمب حاولت الولايات المتحدة عرض نفسها كبديل متاح للغاز الروسي، ووافق ترمب في 2019 على زيادة صادرات الغاز لأوروبا. وفي الأسبوع الماضي تعهدت كل من أوروبا والولايات المتحدة بإيجاد بدائل للغاز في أوروبا، وسوّقت فرنسا للطاقة النووية كبديل متاح للطاقة.
إن لروسيا اليد العليا في العلاقة بينها وبين أوروبا، فحاجة أوروبا إليها أكبر، وخلال سنوات طوال حاول الخبراء تحذير أوروبا من الاعتماد الكلي على الغاز الروسي، إلا أن محاولات التنويع لم تكن ذات جدوى اقتصادية بسبب انخفاض تكلفة الغاز الروسي، وكانت الحلول السياسية بتعزيز العلاقة مع الروس أكثر نفعاً. والآن ومع وضوح احتياج أوروبا إلى روسيا، لا يبدو أن للأولى القدرة على مواجهة روسيا سياسياً، لا سيما مع إعلان أوروبا عن زيادة الاعتماد على الغاز للعقد القادم على الأقل وتقليل الاعتماد على الفحم. ومع أن قطع تدفق الغاز من روسيا لا يبدو محتملاً، إلا أن خفض الكمية قد يسبب صدمة في الطاقة في أوروبا، أكبر بكثير مما حدث فيها خلال الأشهر الماضية.