اليورو : الرهان على الوقت

لا أعرف حقيقةً سبباً منطقياً لهذا الهوس عند البعض حول التراجع الحالي في عملة اليورو مقابل الدولار الأميركي، والتي وصلت حد التساوي يوم 12 يوليو تموز(1 يورو يساوي واحد $، كان سعر الصرف 1.13$ في بداية العام)، وهو أدنى مستوى لليورو منذ عشرين عاماً تماماً. ولكن من أجل جعل النقاش علمياً أكثر، فإن هذا التراجع القاسي لليورو هو نتيجة و رد فعل لعوامل سياسية واقتصادية داخل وخارج منطقة اليورو، علماً أن التوقعات كانت تشير إلى ارتفاع اليورو قبل عدة أشهر عندما كان البنك المركزي الأوروبي على وشك رفع الفائدة ثم عاد مجدداً ليمارس اللعبة التي يجيدها: شراء الوقت.

أولاً: الفرق في العائد على الدولار الأميركي واليورو يتسع لصالح الدولار، وهذا يجعل منه عملةً أكثر جدوى اقتصادياً واستثمارياً.

 

ثانياً: الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) يواصل رفع الفائدة، ووصلت حالياً 1.75% بينما لاتزال 0% في منطقة اليورو، ببساطة: لماذا أشتري عملة لا تعطيني عائداً بينما إذا وضعت أموالي في البنك دون عناء ستعطيني عوائد جيدة إذا كانت بالدولار الأميركي؟ وهذا تفكير منطقي وصحيح رغم بساطته.

 

ثالثاً: الكارثة الحقيقية التي دفعت اليورو للتراجع بدأت مع الحرب المجنونة في أوكرانيا، والضرر الذي جلبته وستجلبه لاحقاً للاقتصاد الأوروبي عموماً والألماني خصوصاً، هذا الاقتصاد الذي يعاني من نقص إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها لمستويات قياسية تاريخية، وخاصة الغاز، والتهديد الحقيقي بقطعها (ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي 78% في عام كامل، و ارتفع وقود التدفئة 73% بينما ارتفع الفحم 200% لنفس الفترة، وهذا سيجعل من العودة للفحم الحجري مشكلة أكبر.

ماذا يعني كل ذلك؟ يعني ببساطة أن الانكماش قد يصيب الاقتصاد الأكبر في أوروبا، وعندها لا يمكن رفع الفائدة بقوة على اليورو لأن الشركات بحاجة إلى تمويل عملياتها وتحقيق نمو للقضاء على الركود، و هذا بالضبط يلزمه عملة لا تكون قوية وأسعار فائدة متدنية رغم أخطارها وتأثيراتها الجانبية السلبية، وهنا سؤال بديهي: لماذا أراهن على عملة في طريقها نحو الركود أو حتى الانكماش المؤقت؟ منطقة اليورو بين مطرقة التضخم السيئ (8.6% حالياً) وبين مخاطر الإبقاء على سياسة نقدية تسهيلية تجعل من شبه المستحيل تخفيض التضخم .

 

رابعاً: العملة الضعيفة تفيد صادرات القارة الأوروبية مقارنةً بالأميركية واليابانية. اليورو خاسر 15% مقابل الدولار الأميركي في عام، ومتراجع بـ11% مقابل اليوان الصيني لنفس الفترة، وهذا يعطيه أفضلية في الصادرات وخاصة الصناعات الكبيرة كالسيارات والطائرات والتكنولوجيا، بمعنى أنه هنالك فرق بين انهيار سياسي اقتصادي، وبين تراجع عملة يحدث بسبب ديناميكيات أسواق العملات، مايحصل لليورو لن يجعله يختفي ولن يجعل من ألمانيا أو فرنسا مثلاً دولاً نامية، ولهذا السبب لم نرَ تدخلاً حتى شفهياً من البنك المركزي الأوروبي. قد لا تكون العملة الضعيفة هدفاً مباشراً ولكن البنك المركزي قد لا يمانع هذا التراجع إذا بقي ضمن مستويات مقبولة وليست كارثية.

 

خامساً: التباين في السياسات النقدية بين أميركا ومنطقة اليورو يجعل اليورو ضعيفاً، حيث ترفع أميركا الفائدة بينما لاتزال منطقة اليورو تصارع من أجل رفعها. عائد السندات يميل لجهة أميركا، حيث العائد في أميركا أعلى من ألمانيا وفرنسا على السندات الحكومية لعشر سنوات.

سادساً: تكلفة الحرب القاسية ومستويات التضخم القياسية والأهم هو العجز الأوروبي حالياً عن إيجاد حل سريع لمشكلة الطاقة وإمداداتها، جعلت الرهان على تعافي منطقة اليورو بعد الجائحة خياراً قاسياً غير قابل للتحقيق.

 

سابعاً: الديموغرافية تساعد أميركا أكثر من أوروبا العجوز، وهذا يمكن رؤية تأثيره في الإنفاق والاستهلاك ونمو السكان، كما أن سوق العمل الأميركي عوّض كل خسائره تقريباً بعد كورونا (البطالة في أمريكا لا تتجاوز 3.6%، مقابل 6.6% في منطقة اليورو)، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي أكثر من 20 مليون وظيفة بعد التراجع القاسي بسبب أزمة كوورنا مع بداية 2020.

 

نقط إضافية هامة :

 

أولاً:

سيتعافى اليورو تدريجياً لكنه سيأخذ وقتاً أطول من التوقعات السابقة، والرهان على انهيار اليورو هو رهان فاشل.

 

ثانياً :

لن يتراجع التضخم بسرعة (للأسف)، وسيبقى الناس في ألمانيا وفرنسا وغيرها يعانون من ارتفاع تكاليف الحياة والنفقات اليومية وكذلك تكاليف الإنتاج على الشركات والخدمات (مطاعم، فنادق، صيانة وغيرها)، على الأقل لما تبقى من العام الجاري 2022.

 

ثالثاً :

استغرق اليورو عشرين عاماً حتى عاد للتساوي مع الدولار الأميركي رغم كل المصاعب والأزمات الطاحنة في أوروبا خلال عشرين عاماً، المعيار الأساسي هو الثقة في اقتصاد القارة، لكن المشكلة حالياً سياسية أكثر من كونها اقتصادية. للأسف لا أرى حالياً قيادات أوروبية تاريخية كما كان عليه الوضع في الثمانينات والتسعينات.

 

رابعاً :

من المنطقي أن تكون أسعار السيارات الأوروبية حالياً أقل مما كانت عليه قبل عام، وهذا ينطبق على دول الخليج التي تبقى عملاتها مستقرة بسبب ربطها بالدولار وبالتالي تحسنت قدرتها الشرائية بفعل ارتفاع الدولار الأميركي 17% في عام كامل.
خامساً :

السائح الأجنبي من أميركا والخليج العربي مستفيد، لأن منطقة اليورو أصبحت أقل تكلفة للإجازات عموماً. التحدي الأكبر هو ارتفاع أسعار الوقود وخدمات النقل، وبالتالي قد لا يشعر الكثيرون بهذا الفرق.

عموماً، فإن دولا مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان، حيث تشكل السياحة مصدراً مهماً للدخل القومي، تفضل عملةً أرخص ليستفيد منها القادمون من أميركا والخليج العربي.

 

سادساً :

باعتقادي إن تراجع اليورو لهذه المستويات سيدفع المستثمر الأجنبي وصناديق التحوط من اليابان والصين وأميركا للشراء في الأصول الأوروبية الرخيصة المقومة باليورو، مستفيدين من ارتفاع القوة الشرائية للدولار الأميركي، وهذا يعني ارتفاعاً تدريجياً على اليورو.

 

سابعاً :

لطالما كانت السياسة في قلب صناعة القرار الاقتصادي والمالي، والسؤال الآن: هل ستتدخل أميركا لخفض سعر صرف الدولار مقابل اليورو؟ يكفيها أن الدولار مرتفع 25% مقابل الين الياباني في عام كامل، والآن اليورو على الطرف الآخر، وباعتقادنا أنه إذا بدأ الدولار القوي يشكل تحدياً في ارتفاع العجز وزيادة إفلاس الشركات وتراجع أرباحها، فعندها قد يحدث تدخل من الفدرالي الأميركي ويتراجع الدولار الأميركي تباعاً وتدريجياً.

 

ثامناً :

قد لا تكون دورة قوة الدولار الأميركي قد انتهت (تقريباً كل عشر سنوات)، لكنها باتت أكثر قرباً ليتغير مسارها تدريجياً. لن يكون تراجع الدولار الأمريكي سريعاً بسبب غياب البديل، كما أن الدولار الأميركي يشكل التحوط الأفضل في حالات الأزمات كنوع من الملاذ الآمن.

مازن سلهب

مديرة صندوق النقد الدولي لـ CNBC: جميع المؤشرات تشير إلى أن التضخم لم يتم كبح جماحه بعد

 

من المرجح أن تستمر أسعار الفائدة العالمية في الارتفاع حتى عام 2023 عندما تبدأ الأسعار التراجع استجابةً لإجراءات البنوك المركزية، وفقًا لكريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي.

ربما تكون أسعار السلع الأساسية، مثل النفط، قد استقرت وبدأت في الانخفاض في الأشهر الأخيرة، لكن جورجيفا قالت إنها ستفعل ذلك استجابة لمخاطر الركود وليس بالضرورة لأن التضخم قد تم ترويضه.

وقالت جورجيفا لشبكة CNBC في اجتماع مجموعة العشرين في بالي يوم الجمعة، “البنوك المركزية تتقدم للسيطرة على التضخم، إنها أولوية.. يتعين عليهم الاستمرار حتى يتضح أن توقعات التضخم لم تزال راسخة”.

أضافت جورجيفا “في الوقت الحالي، ما زلنا نرى التضخم يرتفع؛ علينا رمي بعض الماء البارد عليها”.

 

أزمات عالمية

أدت الاضطرابات الناجمة عن الوباء في سلاسل التوريد إلى اختناقات بينما أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم هذه الصدمات، وكانت النتيجة ارتفاع أسعار السلع بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية مثل الغذاء والأسمدة والطاقة.

في حين كان تضخم أسعار المواد الغذائية قد بدأ بالفعل قبل الوباء والحرب، إلا أن الحدثين قد أضافا إلى المشكلة فقط.

وفقًا للبنك الدولي، وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بين مارس وأبريل من هذا العام، كما ارتفع مؤشر أسعار السلع الغذائية للبنك الدولي للفترة من مارس إلى أبريل بنسبة 15% خلال الشهرين الماضيين وكان أعلى بنسبة 80% عما كان عليه قبل عامين.

أبلغت منظمة الأغذية والزراعة مجموعة العشرين يوم الجمعة أن عدد المصابين بسوء التغذية في العالم سيزداد بمقدار 7.6 مليون هذا العام، وسيرتفع مرة أخرى بمقدار 19 مليونًا في عام 2023.

 

هل بدأت أسعار السلع في التراجع؟

استقرت أسعار النفط وبدأت في الانزلاق، حيث انخفضت من 120 دولارًا للبرميل في أوائل يونيو إلى أقل من 100 دولار للبرميل هذا الأسبوع.

ومع ذلك، سجل مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة أعلى مستوى له في 40 عامًا عند 9.1% الشهر الماضي، وهي حالة وصفتها وزيرة الخزانة جانيت يلين في مجموعة العشرين بأنها “مرتفعة بشكل غير مقبول”.

في حين أن الكثير من البيانات المستخدمة لتحديد التضخم متأخرة، وقالت جورجيفا لشبكة CNBC إن جميع المؤشرات تشير إلى أن التضخم لم يتم كبح جماحه بعد.

وأضافت إلى أنه من المهم السيطرة على التضخم وإلا ستتآكل الأجور.

وعلى صعيد متصل، قالت جانيت يلين لمجموعة العشرين يوم الجمعة إنه من المهم بالنسبة للحكومات أن تضع وتحافظ على دليل للاستجابات السياسية التي من شأنها تقليل مدة وشدة حالات الركود والتخفيف من العواقب الاقتصادية السلبية على الشركات والأفراد.