هل تدوي صافرات الإنذار من الحجم الكبير، مع تباهي المؤيدين بقدرة العملات المشفرة على التهرب من عقوبات الحكومة الأميركية؟
في مارس (آذار) الماضي، أبلغ أحد مؤسسي شركة «تورنادو كاش» – ما يُسمى خدمة «ميكسر» المعنية بإخفاء معاملات العملات المشفرة، عن طريق مزجها مع غيرها – وكالة «بلومبرغ» أنه سيكون من «المُحال تقنياً» فرض عقوبات ضد البروتوكولات غير المركزية. والمفاجأة؛ فرض العقوبات على شركة «تورنادو» من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، ويرجع ذلك جزئياً إلى استخدام الشركة من قبل قراصنة، يُقال إنهم على صلة بغسل الأموال في كوريا الشمالية.
مع انخفاض أسهم «تورنادو» بنسبة 95 في المائة عن أعلى مستوى لها على الإطلاق، وإزالة «كود المصدر» الخاص بها من على «غيت هَب» (الشركة التابعة لمايكروسوفت والمعنية بتوفير الاستضافة لتطوير البرامج والتحكم في الإصدارات)، فإنها تعتبر آخر الضربات الموجهة لنظرية «عدم خضوع العملات المشفرة للعقوبات». وهي الكلمات التي استخدمها فيرغيل غريفيث، العالم الأسبق لدى مؤسسة «إيثريوم» عام 2019 عندما أخبر مؤتمراً لسلاسل الكتل في كوريا الشمالية حول كيفية تفادي العقوبات عبر تحويل الأموال النقدية إلى عملات مشفرة، تلك النصائح المُكلفة التي أسفرت عن إقراره بالذنب وصدور حكم بالسجن الفيدرالي لمدة 63 شهراً.
من الزاوية التقنية، تبين أن أكثر الخدمات غير المركزية لا يمكنها تجنب تطبيق القانون. وتتعرض البورصات لضغوط لمراقبة الروابط بالعملات العادية، شأنها في ذلك شأن مقدمي الخدمات الآخرين، ويمكن فحص سلاسل الكتل ذات المسميات المستعارة لرصد المعاملات المشبوهة، مثل مكاسب مجرمي الإنترنت من كوريا الشمالية الذين مروا عبر شركة «تورنادو». كما لاحظت الزميلة إيميلي نيكول من «بلومبرغ» أنه لم تتمكن صناعة العملات المشفرة من بناء كافة أصول بنيتها التحتية بعد.
ومن الزاوية الجيوسياسية، تعاني العملات المشفرة أيضاً – إذ لا تشهد ارتفاعاً – في خضم الحرب الاقتصادية الباردة. بعد جائحة «كوفيد 19» والاجتياح الروسي لأوكرانيا، كانت واشنطن تستعرض عضلاتها المالية، حتى وسط القلق الناشئ عن نوع من الارتداد السلبي الذي قد يجلبه التضخم أو العملات البديلة. إن إبقاء العملات المشفرة قيد الرصد والسيطرة يتلاءم مع تاريخ التنظيم الأميركي للتكنولوجيا المشفرة، مثل «مازجات» البريد الإلكتروني في تسعينات القرن العشرين، ولكنه أمر أساسي بالنسبة إلى مفاتيح القوة الناعمة للولايات المتحدة في زمن الحرب.
ومن المفارقات العجيبة هنا أن معارضي الاقتصاد العالمي القائم على الدولار كانوا متناقضين في أفضل تقدير حول العملات المشفرة. أما بالنسبة إلى الدول التي تشبه إيران مثلاً، وهي دول تعد منبوذة عالمياً، فإن تهديدات العملات المشفرة تقوض إمكاناتها، بينما من الناحية النظرية، تكون قادرة على الاستعانة بالعملات المشفرة في تسهيل التجارة وتجاوز الرصد الأميركي، وذلك يفوق توقعات هروب رؤوس الأموال وعدم الاستقرار وتقلب الأسعار. أيضاً تأرجحت روسيا مهتزة بين حظر الأصول الرقمية وتشجيعها، وأدركت بلا أدنى شك أنها قادرة على مساعدة النخب الخاضعة للعقوبات عند مستوى ما. لكن الروبل لا يزال صامداً، كما أظهرت السجالات الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي بشأن مدفوعات الغاز.
وفي حين أعلنت طهران هذا الأسبوع عن أول طلب استيراد رسمي لها باستخدام عملة مشفرة لم تسمِها، بحسب «رويترز»، فإنها ليست سوى تجربة واحدة في سلسلة طويلة من اختبارات العملات المشفرة التي فشلت في اكتساب الثقل. كما كانت القيود الرقابية غير منتظمة، وهو ما اكتشفه المشتغلون بالعملات المشفرة في إيران مؤخراً.
لذا، يبدو الآن أن العالم الذي تهيمن عليه العقوبات، والصراعات، والتضخم غير المسبوق، لن يعطي دفعة كبيرة للعملات المشفرة. وكما كتب الخبير الاقتصادي إيسوار براساد مؤخراً فإن هيمنة الدولار الأميركي قد تدوم لفترة أطول كثيراً من المتوقع.
لكن هناك احتمالاً واحداً للتحول في الأمر؛ العملات الرقمية للبنوك المركزية، ولا سيما اليوان الإلكتروني الصيني. هذه الأنماط من النقود الرقمية قد تلعب دوراً جيوسياسياً كبيراً اعتماداً على كيفية تطبيقها ومن يتعامل بها أولاً.
يتصور كتاب جديد من تأليف خبيري العقوبات، أستريد فيو، وبول آرثر لوزو، عالماً جديداً، تكتسب فيه الصين ميزة المحرك الأول بعملة رقمية قابلة للتشغيل البيني مع غيرها من العملات، مع فرض معايير على بلدان أخرى تسعى إلى تجنب ممارسات التجارة بالدولار الأميركي.
يتلخص أحد السيناريوهات التي خاض مسؤولو الولايات المتحدة في مناقشتها – وفقاً لموقع «كوين ديسك» المعني بأخبار العملات المشفرة – في إنشاء يوان رقمي «قابل للانتقال بصورة كاملة»، ويعتبر البلدان الأخرى التي تستخدم البنوك ومزودي خدمات المدفوعات كنقاط تقاطع موصولة بشكل فعال مع البنية التحتية للصين. قد يؤدي ذلك إلى قيام كوريا الشمالية أو روسيا بشراء المواد بلا انتقام. وتسعى إيران كذلك إلى الحصول على عملة رقمية رسمية خاصة بها.
هذا مستقبل واحد فقط بين كثير من البلدان، ربما يمثل انطلاق العملات الرقمية للولايات المتحدة ومنطقة اليورو أولاً، أو أن مثل هذه المشروعات تنتهي إلى تفتيت الأنظمة القائمة بدلاً من تعزيزها. وفي كلتا الحالتين، كل ذلك بعيد المنال، غير أنه يشير إلى أنه على الرغم من أن مدفوعات الحرب الاقتصادية الباردة لا يزال الطريق أمامها طويلاً قبل ظهور التهديدات التي يتعرض لها الدولار الأميركي، فإنها تفتح مجالاً جديداً من الصراع يضمن عدم بقاء عبارة «عدم الخضوع للعقوبات» أكثر من مجرد شعار.
ليونيل لورانت