تصريحات عديدة للبنوك المركزية الكبرى في ندوة جاكسون هول.. وجميعها متشابهة: خفض الأسعار هي الأولوية

تصريحات عديدة شهدناها خلال نهاية الأسبوع الماضي من قبل مسؤولي في البنوك المركزية الكبرى في ندوة جاكسون هول وسط وصول التضخم عالمياً إلى مستويات تاريخية.

ومن أبرز التصريحات كانت تلك التابعة لرئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول والذي قدم التزامًا صارمًا بوقف ارتفاع التضخم عبر استخدام جميع الأدوات المتاحة، محذرًا من أن رفع الفائدة قد تتسبب “ببعض الألم” للاقتصاد الأميركي بحسب قوله… موضحاً أن لارتفاع معدلات الاقتراض تداعيات مؤسفة للاقتصاد وأبرزها نمو بطيء للناتج المحلي الإجمالي وأيضا تراجع في سوق العمل.

ومع وصول التضخم في أميركا لأعلى مستوى في 4 عقود، أكدت لوريتا مستر رئيسة الاحتياطي الفدرالي في كليفلاند على تصريحات باول ولكنها قالت إن قرارها سيكون بناءً على بيانات التضخم الأميركية، وليس على تقرير الوظائف.

وانتقالاً إلى أوروبا، قال رئيس المركزي الفرنسي فرانسوا فيليروي دي جالو إن على المركزي الأوروبي رفع الفائدة بوتيرة سريعة في سبتمبر.

وأضاف أن إعادة التضخم والذي سجل أعلى مستويات تاريخياً إلى مستويات 2% هي مسؤولية المركزي مؤكداً أن أوروبا ستشهد ارتفاعات بمعدلات الاقتراض.

اللافت هي تصريحات عضو مجلس إدارة المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل والتي كانت مشابهة لتصريحات باول حيث قالت إن على البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم التدخل لمكافحة التضخم، حتى لو أدى ذلك إلى دخول الاقتصاد في ركود.

أمل في آسيا، فقال محافظ بنك كوريا الجنوبية ري تشانغ يونغ في ندوة جاكسون هول إنه يتعين على البنك الاستمرار في رفع الفائدة حتى ينخفض التضخم، وتوقع أنه لن يوقف عملية تشديد السياسة النقدية قبل الفدرالي.

وقال ري أن كوريا الجنوبية تعتبر دولة مستقلة ولكنها ليست مستقلة عن الاحتياطي الفدرالي مشيراً إلى احتمالية تأثر العملة المحلية بحال استمر باول بزيادة الفائدة.

“عالم ما بعد الدولار قادم”؟

مع ارتفاع أسعار الدولار هذا الشهر إلى مستويات هي الأكبر منذ ما يقرب من 20 عاماً، استند محللون إلى حجة “تينا القديمة” بأنه لا يوجد بديل عن التنبؤ بمزيد من المكاسب المقبلة للدولار القوي.

وبحسب تحليل لفاينانشيال تايمز، فإن ما حدث قبل عقدين من الزمن يشير إلى أن الدولار أقرب إلى الذروة قبل مرحلة الهبوط، حيث هبط الدولار في عام 2002 مع انخفاض الأسهم الأميركية، وظل على هذا الحال لستة سنوات، في ظروف مماثلة لما يجري الآن، لكن هذه المرة قد يستمر انخفاض العملة الأميركية لفترة أطول.

وأضاف التحليل أنه سواء تم تعديل تلك الظروف لمراعاة التضخم أم لا، فإن قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأُخرى تزيد الآن بنسبة 20% عن اتجاهها طويل الأجل، وتتجاوز الذروة التي وصلت إليها في عام 2001.

ومنذ السبعينيات، استمر الارتفاع المعتاد في دورة الدولار لنحو سبعة سنوات؛ لكن الارتفاع الحالي يدخل عامه الحادي عشر، علاوة على ذلك، فإن الاختلالات الأساسية تبشّر بالخير للدولار. عندما يتجاوز عجز الحساب الجاري باستمرار 5% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ذلك يُعدُّ إشارة موثوقة على حدوث مشكلة مالية. ويقترب عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة الآن من عتبة الـ5%، التي تم اختراقها مرة واحدة فقط منذ عام 1960، وكان ذلك أثناء تراجع الدولار بعد عام 2001.

وترى الدول أن عملاتها تضعف عندما لا يثق بقية العالم في قدرتها على دفع فواتيرها. وتدين الولايات المتحدة للعالم حالياً بمبلغ صاف قدره 18 تريليون دولار، أو 73% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو ما يتجاوز بكثير عتبة 50% التي تنبأت غالباً بأزمات العملة السابقة.

ويميل المستثمرون إلى الابتعاد عن الدولار عندما يتباطأ الاقتصاد الأميركي مقارنة ببقية العالم. وفي السنوات الأخيرة، كانت الولايات المتحدة تنمو بشكل أسرع من المعدل المتوسط ​​للاقتصادات المتقدمة الأُخرى، لكنها تستعد للنمو بشكل أبطأ من نظيراتها في السنوات القادمة.

وتساءلت الصحيفة: إذا كان الدولار على وشك الدخول في اتجاه هبوطي، فهل تستمر تلك الفتر طويلاً، وتتعمق بما يكفي لتهديد مكانة الدولار باعتباره العملة الأكثر ثقة في العالم؟

ومنذ القرن الخامس عشر، أصدرت الإمبراطوريات العالمية الخمس الأخيرة العملة الاحتياطية العالمية – وهي العملة الأكثر استخداماً من قبل البلدان الأُخرى – لمدة 94 عاماً في المتوسط. واحتفظ الدولار بوضع الاحتياطي لأكثر من 100 عام، لذا فإن عهده أقدم بالفعل من معظم الدول. وتعزز الدولار بسبب ضعف منافسيه، وتعرض اليورو للتقويض مراراً وتكراراً بسبب الأزمات المالية.

وإلى جانب العملات الأربع الكُبرى – للولايات المتحدة وأوروبا واليابان والمملكة المتحدة – تكمن فئة «العملات الأُخرى» التي تشمل الدولار الكندي والأسترالي والفرنك السويسري والرنمينبي. وهي تمثل الآن 10% من الاحتياطيات العالمية، بعد أن كانت 2% في عام 2001.

وجاءت مكاسب تلك العملات، التي تسارعت خلال الوباء، بشكل أساسي على حساب الدولار الأميركي. وتبلغ حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي حالياً 59%، وهي أدنى مستوى له منذ عام 1995، وقد تبدو العملات الرقمية متضررة الآن، لكنها تظل أيضاً بديلاً طويل المدى.

وفي غضون ذلك، يُظهر تأثير العقوبات الأميركية على روسيا مدى تأثير الولايات المتحدة على عالم يحركه الدولار، ما يلهم العديد من البلدان للإسراع في البحث عن خيارات. ومن الممكن ألا تكون الخطوة التالية نحو عملة احتياطية واحدة، ولكن لتكتلات العملات.

وتعمل أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا على تسوية المدفوعات لبعضها البعض بشكل مباشر، متجنبة الدولار. وتُعدُّ ماليزيا وسنغافورة من بين الدول التي تقوم بترتيبات مماثلة مع الصين، التي تقدم أيضاً عروض دعم الرنمينبي للدول التي تعاني من ضائقة مالية. وتقوم البنوك المركزية من آسيا إلى الشرق الأوسط بإنشاء خطوط ثنائية لمبادلة العملات، أيضاً بهدف تقليل الاعتماد على الدولار.

واختتم تحليل فاينانشيال تايمز بالتأكيد على أنه اليوم، كما في عصر الدوت كوم، يبدو أن الدولار يستفيد من وضعه كملاذ آمن، مع بيع معظم أسواق العالم. لكن المستثمرين لا يسارعون إلى شراء الأصول الأميركية، حيث يقللون من مخاطرهم في كل مكان ويحتفظون بالنقد الناتج بالدولار، مؤكداً أنه “يحب ألّا ننخدع بالدولار القوي، فعالم ما بعد الدولار قادم”.