انتهى الحداد الرسمي على وفاة الملكة إليزابيث الثانية (1926 – 2022)، وعدنا لنمط الحياة اللاهث السرعة في وستمنستر. الصحافيون يستكشفون التغيرات في سياسة فريق إليزابيث تراس، وما إذا كانت ستضع المصلحة القومية ومساعدة المواطنين عملياً، فوق الآيديولوجيا والشعارات، خاصة الاتهامات التي وجهت إلى حكومة المحافظين في السنوات الأخيرة (المحافظون في الحكم وحدهم منذ 2015 وقبلها في ائتلاف مع الديمقراطيين الليبراليين منذ 2010)، فيما يتعلق بالتزامهم بشعارات التيارات اليسارية والخضر وحركة البيئة، والتي كانت من أهم أسباب أزمة الطاقة في بريطانيا وزيادة فواتيرها، وأيضاً تنفيذ وعد المحافظين بإنهاء تقييدات الاتحاد الأوروبي للقوانين البريطانية، التي تعرقل محاولات وزارة الداخلية التعامل مع الهجرة غير الشرعية بقوارب مهربي البشر عبر فرنسا.
جاء التأكيد على السياسات الجديدة يوم الخميس عندما واجه جيكوب ريس – موغ، وزير الأعمال والطاقة والصناعات، مجلس العموم، متحدياً مزاجاً عاماً (يقارب هستيريا الهوس العقائدي) يسعى لهدف مثالي بتحويل البلاد إلى الطاقة الخضراء. وزير الطاقة ألغى الحظر على التنقيب عن الغاز الصخري الذي كانت حكومة جونسون فرضته بسبب احتجاجات جماعات الخضر والبيئة، الذين أثاروا مشاكل كانت تعرقل عمليات التنقيب وتجمد المشروع برمته. والحكومة أيضاً تبحث عن إصلاح وتعديل القوانين المتوارثة منذ معاهدة ماستريخت في الاتحاد الأوروبي، التي تعرقل إصدار تصريحات التنقيب عن حقول غاز وبترول في بحر الشمال.
ريس – موغ جادل بأن معارضة اليسار والخضر آيديولوجية الدوافع تتجاهل الواقع الاقتصادي، بل وتزيد من معدلات التلوث، فاستيراد بريطانيا الطاقة من الخارج، يعني شحن الغاز المسيل (باستهلاك طاقة) بناقلات تحرق محركاتها الوقود الكربوني بجانب تكلفة النقل، والخطر الاستراتيجي من الاعتماد على مصادر أجنبية ليس للبلاد قدرة على تأمينها.
قبل عرض وزير المالية الجديد، كوازي كوارتينغ، مشروع ميزانية الخريف على البرلمان أول من أمس، الجمعة، كانت الخزانة بدأت في تزويد الصحافة البرلمانية بقطرات من معلومات عن سياسة جديدة للنمو الاقتصادي، على المستويات المحلية، في 38 من المقاطعات والبلديات المحلية، وتسريب بعض المقترحات، مثل إلغاء الزيادة المتوقعة في الضريبة على الأعمال والشركات وإبقائها 19 في المائة؛ وإلغاء عدة رسوم وضرائب كان وزير المالية السابق، ريشي سوناك يعدها لدعم الرعايتين الصحية والاجتماعية.
الهدف من التسريبات كان أعداد المراقبين والمعلقين الاقتصاديين لتجنب مفاجأة الأسواق المالية والبورصات، بمشروع ميزانية راديكالي حتى لا تتذبذب الأسعار، خاصة أن بنك إنجلترا المركزي رفع سعر الفائدة مرة أخرى يوماً قبل الميزانية لتصل إلى أعلى مستوى لها لقرابة عقدين.
رغم ذلك، فور إعلان كوارتينغ الميزانية (كان لا يزال يقدمها لمجلس العموم) انخفض الجنيه أمام الدولار لأدنى مستوى له منذ قرابة أربعة عقود، والسبب أن كثيراً من الإجراءات المتخذة، خاصة تجميد أسعار فواتير الطاقة للمنازل والأعمال الصغيرة ستؤدي إلى اقتراض الخزانة ستين مليار جنيه (قرابة ثمانين مليار دولار قبل انخفاض الجنيه)، ويقدر خبراء المال والاقتصاد أنه إذا لم تنخفض أسعار الغاز بمعجزة في منتصف العام المقبل، لن يكون هناك مفر أمام حكومة تراس إلا الاستمرار في دعم أسعار الطاقة مما قد يرفع المديونية إلى مائة بليون جنيه إسترليني، وهو سبب تذبذب الأسعار، وانخفاض سعر الجنيه (الدولار هو الذي يرتفع أمام كل العملات الأخرى بسبب رفع البنك الفيدرالي سعر الفائدة).
ورغم أن الحكومة قدمت المشروع على أنه «تعديلات إصلاحية» فإنه أكبر ثورة في السياسات المالية والضرائبية لدعم الاستثمار منذ ميزانية 1972 لوزير مالية حكومة المحافظين وقتها، أنتوني باربر (1920 – 2005) ـ ولا يزال المؤرخون الاقتصاديون يختلفون حول ميزانيته (اشتملت على تسهيلات بنكية وتخفيض ضرائب وتبسيط القيود على المؤسسات المالية) وأدت إلى رواج اقتصادي سريع، فالاشتراكيون والكينزيون (أتباع نظرية الاقتصادي الإنجليزي جون كينز 1833 – 1946) على السواء يرون باربر مسؤولاً عن تضخم السبعينات والثمانينات، بعكس اقتصاديين حرية السوق وجذب رؤوس الأموال.
الاتهامات الموجهة اليوم لكوارتينغ من اليسار والعمال والاشتراكيين تكاد تكون نسخة كربونية للانتقادات التي وجهت إلى باربر منذ نصف قرن.
ميزانية كوارتينغ أدخلت تعديلات ضخمة لتخفيض تمغة شراء العقار – لتحرك سوقه، وأيضاً تبسيط تعقيدات الضرائب وتخفيضها. لكنها سياسة تثير الجدل، فالتخفيض في نظام الضرائب التصاعدية على الدخل المتبع في بريطانيا يجعل شرائح الدخول العليا أكثر استفادة من التخفيض من أصحاب الدخل المحدود ولا يفيد 43 في المائة لا يدفعون ضرائب أصلاً، إما لتلقيهم إعانات أو لانخفاض دخلهم الشهري عن الحد الأدنى (1250 دولاراً). حكومة تراس ألغت قيوداً وضعها الاتحاد الأوروبي على حوافز ومكافآت العاملين في البنوك، لجذب الاستثمارات وإبقاء لندن المركز المالي العالمي الأول.
الترحيب بالميزانية الجديدة من المستثمرين وأصحاب الصناعات الصغيرة وغرفة اتحاد الصناعات البريطانية لترويج الاقتصاد كان حذراً، ووصفها كثيرون بأنها «مراهنة»؛ لكن اقتصاديين آخرين يرون أن المضي في التقشف، رغم ارتفاع الديون سيكون «مقامرة» أكثر خطورة. تراس وكوارتينغ يجادلان بأن تخفيض الضرائب لجذب الاستثمارات، يؤدي لترويج الاقتصاد وزيادة الوظائف، وبالتالي مزيد من دخل الضرائب للخزانة لدفع الديون التي اقترضت لتمويل السياسة الجديدة.
النظرية بالطبع ثبتت صحتها عبر عقود، لكنها مراهنة تعتبر مجازفة سياسية، لأن فوائد هذه السياسة يجني المجتمع ثمارها على المدى الطويل، لا القصير، والمحافظون سيواجهون انتخابات عامة في خلال عامين، فقط، بينما تتزايد إضرابات الاتحادات المهنية المختلفة (عمال النقل، والبريد، والمواصلات، والمحامين، وعمال الموانئ)؛ أيضاً أغلبية الصحافة ومؤسسات تشكيل الرأي العام اليسارية الاتجاه تتربص بالمحافظين، واستقالة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون مجبراً لم تكن بسبب الاقتصاد، أو إخفاق الخدمات، بل لحملة الصحافة التي اتهمته بتضليل البرلمان في تبرير إقامة الحفلات بين موظفي مكتبه أثناء إغلاق وباء «كوفيد»، رغم نجاحه في الإسراع بتوفير أمصال التطعيم.
ميزانية باربر، وزير مالية حكومة المحافظين (1970 – 1974) منذ نصف قرن أدت إلى رواج اقتصادي لم يدم طويلاً؛ فقد اندلعت حرب الشرق الأوسط في خريف 1973. وتضاعفت أسعار الوقود، وصاحبها إضرابات عمال النقل والمناجم، وخسرت حكومة المحافظين بزعامة إدوارد هيث (1916 – 2005) الانتخابات عامين بعد ميزانية باربر.
الأرشيف اليومي: 02/10/2022
تأثير البيتكوين على المناخ أسوأ من تأثير تعدين الذهب
دول أوبك+ تبحث خفض إنتاج النفط أكثر من مليون برميل يومياً
الديون الأجنبية غير المسددة للصين تسجل 2.63 تريليون دولار حتى يونيو 2022
سعر رسمي 15 ألف ليرة… انعكاسه على الودائع وسعر الصرف والأسعار والقروض
بعد 3 سنوات على الأزمة، قرّرت الدولة تغيير #سعر الصرف الرسمي واعتماد سعر صرف 15000 ليرة لبنانية مقابل كل دولار أميركي، أواخر الشهر المقبل، بدلاً من 1507 ليرات كـ”إجراءٍ تصحيحيٍ لا بدّ منه… بعدما بات من المُلحّ تصحيح تداعيات التدهور الحاد في سعر الصرف وتعدّديته على المالية العامة، وذلك تقليصاً للعجز وتأميناً للاستقرار المالي”.
تساؤلات عديدة تُطرح إزاء خطوة المالية غير الواضحة، على مستويات عديدة أوّلها التوقيت، أي بعد 3 أعوام على الأزمة، وما سيحلّ بمنصّة “#صيرفة” ومصير الودائع والقروض وسعر صرف الدولار في #السوق الموازية واتجاه التضخّم وما إلى ذلك من أسئلة، مهما أُجيبَ عنها، تبقى النتيجة العملية واحدة على المواطن: ارتفاع في الأسعار وخسارات إضافية.
لا يمكن فهم الاعتبارات النقدية الاقتصادية والقانونية التي أُخذت لتغيير السعر الرسمي، إذ ليس هناك أيّ اعتبار يوصي بأن يكون السعر الرسمي 15 ألف ليرة ولا الدولار الجمركي كذلك، هذا ما يؤكّده الخبير الاقتصادي، البروفسور بيار الخوري لـ”النهار”. ولا إجابة واضحة وتقنية عن الأسئلة التالية: لماذا اعتماد 15 وليس 20 ألف ليرة أو 12 ألفاً؟ ولماذا لا يُعتمد سعر المنصّة أو سعر الدولار الحرّ؟ “فهنا يكمن الخطر”، وفق الخوري، إذ لا جواب لدى السلطة ولا مبرّرات اقتصادية على الإجراءت التي تطلقها، فهي تقوم بإجراءت ولا تضع سياسات.
إضافةً إلى أنّه ليس في قانون النقد والتسليف ما يُسمّى “الدولار الرسمي” بل هناك “الدفاع عن سعر الصرف” فالدور الأساسي لأيّ مصرف مركزي في العالم هو ضبط الأسعار ولجم التضخّم. ففكرة سعر الصرف الرسمي مأخوذة من الأنظمة ذات سعر الصرف المُدار، فيما لبنان لا يتبنّى هذه الأنظمة، لا بطبيعة نظامه الاقتصادي ولا بانفتاحه على التجارة الخارجية والرساميل، وفق الخوري. حتى إنّ تعدّد الأسعار هو اجتهاد حصل بعد أزمة 2019 وهو غير موفَّق قانونياً ولا اقتصادياً.
علمياً، يبرّر حكّام البنوك المركزية والفيديرالية سلوكهم المتعلّق بالقرارات الاقتصادية المفصلية، ولا يمكن للتبرير أن يكون لتلبية حاجات الدولة عامةً، بل لتلبية حاجات الاقتصاد ومصلحة الإقتصاد الوطني.
وفيما أكّدت وزارة المالية أنّ إجرائها هو “خطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف تدريجاً”، بحسب الخوري، فإنّ “توحيد سعر الصرف ضرورة ملِحّة، للإسهام في استقرار العملة، لكن التوحيد لا يكون عبر فرضه بإجراءٍ خارج نطاق العرض والطلب، ولا يمكن الجزم إن كان هذا الإجراء فعلاً هو خطوة تجاه توحيد سعر الصرف إذ إنّه سلوك غير مضمون لكونه غير متوقَّع”.
كذلك، منصّة “صيرفة” تعكس روح السوق وتواكب حركة الدولار في السوق السوداء ارتفاعاً وتراجعاً. واعتماد سعر متحرِّك للمنصّة يلتمس أقلّه روح العرض والطلب، وهو أفضل بكثير من الأسعار الجبرية المفروضة كالـ1500 والـ3900 والـ8000 والـ15000، فهي أسعار لا علاقة لها بمشروع النموّ الاقتصادي.
وعن اتّجاه سعر الدولار في السوق السوداء، يؤكّد الخوري أنّه على سعر 15 ألف ليرة، سنكون بحاجة إلى سيولة أكبر في الاقتصاد. وهنا يجب البحث في حجم الليرات التي ستلمّها الدولة مقابل مدى حاجة الناس إلى الليرة لتسديد نفقاتها، وإلى أي مدى تدفع الحكومة للخدمات التي تُسدّد بالدولار على 15 ألف ليرة، ومدى حاجة المصارف إلى سيولة لتسعير الودائع على 15 ألف ليرة بدلاً من 8000 ليرة بموجب التعميم 151، وكم ستلمّ المصارف من السوق القروض بالدولار على سعر 15 ألف ليرة. فمجموع كل هذه العناصر، يحدّد اتجاه سعر الصرف، وفق الخوري.
من شروط تثبيت سعر الدولار على 15 ألف، حلّ مشكلة الودائع
تغيير السعر الرسمي يحمل 3 سيناريوهات، وإجراء المالية غير واضح المعالم، وفق الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة ليال منصور. نظرياً، إعلان سعر صرف رسمي جديد يعني أنّ الدولة تنوي تثبيت سعر الصرف، أي إنّ الودائع “نظرياً” تُسحب على سعر 15 ألف وكذلك القروض، وتُلغى منصّة “صيرفة” ومعها السوق الموازية وتعدّدية الأسعار، ويعيش اللبناني كما كان على أيام الـ1500 ليرة لكن على سعر 15 ألف ليرة. وهذا السيناريو الأول.
وترجّح منصور أن يكون هذا السعر فُرض لتحسين إيرادات الدولة وللتبرير أمام صندوق النقد الدولي زيادة الرواتب وزيادة الضرائب، وقد يُطبَّق هذا السعر على الودائع والقروض وهنا “سنشهد صرخة”، وهذا هو السيناريو الثاني. فإن لم يُطبَّق بشكله النظري، “فعملياً “صيرفة” باقية ومعها السوق الموازية والدولار سيرتفع تدريجاً وليس تحليقاً”.
لذلك، وتطبيقياً، تستبعد منصور كلّياً، أن يكون مسار تغيير سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألفاً، في إطار السيناريو الأول. فلكي يُطبّق هذا السيناريو، يجب أن تكون الودائع – التي قُدّرت بحوالي 80 مليار دولار، مغطاة بالليرة على سعر 15 ألف ليرة، و”هو أمر غير موجود”، إضافة إلى شروط عديدة منها المساعدات الخارجية للبنان ورضى صندوق النقد الدولي، وإبرام اتّفاقيات دولية مع الخارج، وتطبيق الإصلاحات، إلى جانب حلّ مشكلة الودائع، إلى جانب أنّ تطبيق هذا الإجراء بهيئته النظرية، لا يُطبَّق بقرار من وزير المالية.
فاعتماد قرار تغيير سعر صرف رسمي دون إرفاقه بأيّ من الخطوات المذكورة، يعني أنّه يهدف فقط إلى تحسين إيرادات الدولة، و”قد يشمل معه الودائع والقروض، وهنا نتحدّث عن السيناريو الثالث”، بحسب منصور، بحيث يبقى الوضع النقدي الراهن على حاله، مع “صيرفة” والسوداء، وتُسدَّد القروض وتُسحَب الودائع على سعر 15 ألف ليرة.
فلتثبيت سعر الصرف، يجب حلّ ملفّ الودائع، ومن هنا حتى أواخر الشهر المقبل، أي موعد العمل بسعر 15 ألف ليرة للدولار رسمياً، لن تُحلّ هذه القضيّة. إذن، تسأل منصور، “هل ستلجأ المصارف إلى إلغاء الودائع نهائياً؟ هل الشعب سيقبل؟”. وتوضح أنّ الكتلة النقدية لا تغطي الودائع على سعر 15 ألف ليرة. ففي شهر كانون الأول من العام الماضي، وبعد دراسة أجرتها منصور، خلصت إلى أنّه إذا ما أُلغيت الودائع نهائياً وأصبحت 0، يمكن تثبيت الدولار على سعر 20 ألف ليرة. لذلك لا يمكن تثبيت سعر الصرف على 15 ألف ليرة.
وعن توقيت هذا الإجراء بعد 3 سنوات على الأزمة، برأي منصور، فهو لتمرير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لن يرضى بأن يرتفع التضخم باستمرار.
الدولار إلى ارتفاع
كل السلع والخدمات سيرتفع سعرها على دولار 15 ألفاً الرسمي و”الدولار سيرتفع في جميع السيناريوهات”، وفق منصور، لكن “لا جنون أسعار”، باستثناء السيناريو الأول “النظري”، الذي يخفض سعر الصرف ويثبّته.
وكلمة “خطوة أولى نحو توحيد سعر الصرف”، كما جاء في بيان المالية، تعني، وفق منصور، العزم على التفاوض على الودائع لكي يتمكّنوا من تثبيت السعر الرسمي على 15 ألف ليرة.
فرح نصور