“الأسوأ لم يأت بعد”

خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7% العام المقبل، أي أقل بمقدار 0.2 نقطة مئوية عن توقعاته في شهر يوليو.

وقال صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر الثلاثاء 11 أكتوبر عن آفاق الاقتصاد العالمي، أن هذا هو “أضعف معدل نمو منذ عام 2001”.

وظلت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام ثابتة عند 3.2%، بانخفاض عن 6% في عام 2021.

وقال التقرير “الأسوأ لم يأت بعد، وبالنسبة لكثير من الناس سيشعرون في 2023 بالركود” مرددًا تحذيرات من الأمم المتحدة والبنك الدولي والعديد من الرؤساء التنفيذيين العالميين.

وقال التقرير إن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سيشهد ربعين متتاليين من النمو السلبي، في حين أن الاقتصادات الثلاثة الأكبر – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين – ستستمر في التباطؤ.

 

ظروف متقلبة

 

وضع صندوق النقد الدولي في تقريره ثلاثة أحداث رئيسية تعوق النمو حاليًا: الحرب الروسية على أوكرانيا، وأزمة تكلفة المعيشة والتباطؤ الاقتصادي في الصين.  وقال: “معًا، يخلقون فترة متقلبة اقتصاديًا وجيوسياسيًا وبيئيًا”.

وفقًا للتقرير، تستمر الحرب في أوكرانيا في “زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي بقوة” إذ تسببت آثارها في أزمة طاقة “حادة” في أوروبا، إلى جانب الدمار في أوكرانيا نفسها.

وتضاعف سعر الغاز الطبيعي أكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2021، حيث تقدم روسيا الآن أقل من 20% من مستويات عام 2021 كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية نتيجة للصراع.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل التضخم العالمي إلى ذروته في أواخر عام 2022، حيث أن يرتفع من 4.7% في عام 2021 إلى 8.8%، وأن “يظل مرتفعًا لفترة أطول مما كان متوقعًا في السابق”.

ورجح الصندوق أن ينخفض التضخم العالمي إلى 6.5% في عام 2023 وإلى 4.1% بحلول عام 2024.

وتواصل الصين سياسة “صفر كوفيد” – وما ينتج عنها من عمليات إغلاق – وهو ما يؤدي لإعاقة اقتصادها. وتشكل العقارات حوالي خُمس اقتصاد الصين، ومع معاناة السوق يستمر الشعور بالعواقب على مستوى العالم.

وقال التقرير إنه بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فإن صدمات 2022 “ستعيد فتح الجروح الاقتصادية التي شُفيت جزئيًا فقط في أعقاب الوباء”.

 

الاقتصاد العالمي هش

 

وأبرز صندوق النقد الدولي أن مخاطر “سوء التقدير” في السياسة النقدية أو المالية قد “ارتفعت بشكل حاد”، في حين أن الاقتصاد العالمي “لا يزال هشًا تاريخيًا” والأسواق المالية “تظهر علامات الإجهاد”.

ويأتي التقرير في الوقت الذي يناقش فيه المحللون ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد تصرف بسرعة كافية بشأن التضخم في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، دخل البنك المركزي الأوروبي مؤخرًا منطقة معدل الفائدة الإيجابي للمرة الأولى منذ عام 2014 وكان على بنك إنجلترا أعلن عن تدابير إضافية هذا الأسبوع لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد البريطاني والارتفاع غير المرغوب فيه في عوائد السندات.

وأشار تقرير الصندوق إلى أن هناك حاجة إلى “تشديد نقدي قوي وجريء”، لكن الانكماش “الكبير” ليس “حتميًا”.

وسلط الصندوق الضوء أيضًا على أن “السياسة المالية لا ينبغي أن تتعارض مع أغراض جهود السلطات النقدية لقمع التضخم”.

 

شتاء التحدي

 

وأوضح الصندوق أن شتاء 2022 سيكون مليئًا بالتحديات، لكن 2023 سيكون أسوأ على الأرجح. كما أن أزمة الطاقة تلقي بثقلها على اقتصادات العالم، ولا سيما في أوروبا وهي “ليست صدمة عابرة”، وفقًا للتقرير.

وأضاف التقرير: “إعادة التنظيم الجيوسياسي لإمدادات الطاقة في أعقاب الحرب الروسية ضد أوكرانيا واسعة ودائمة”.

قال صندوق النقد الدولي: “سيكون شتاء 2022 تحديًا لأوروبا ، لكن شتاء 2023 سيكون أسوأ على الأرجح”. كان لنهج أوروبا في التعامل مع أزمة الطاقة ردود فعل متباينة.

هل تتحدى أوبك+ مستوردي النفط؟

انشغل العالم في الأيام الأخيرة بقرار منظمة الدول المنتجة للنفط وحلفائها (OPEC+) تخفيض إنتاجها بمقدار مليوني برميل يوميا، حيث صوَّر الكثير من الساسة الأمريكيين والمحللين الغربيين الأمر وكأنه عمل عدائي تجاه أمريكا، أمريكا التي تسعى إدارتها الرئاسية الديمقراطية لتخفيض سعر المحروقات قبيل الإنتخابات النصفية في الشهر القادم، مما يعزز فرص نجاح الحزب في إستمرارية سيطرته على مجلسي النواب والشيوخ.

ذلك يبين أن رد الفعل الأمريكي ليس مدفوعا بمصلحة المستهلكين أساسا كما يُروج له، إنما هو قائم على مصلحة حزب لا تأخذ في الإعتبار ما هو أبعد من الأفق الزمني لانتخابات الشهر القادم، لذا لا نسمع أصواتا بنفس الحدة من الساسة الجمهوريين، أو من المتضرر الأكبر : الأوروبيون.. بإستثناء بريطانيا التي من المعلوم للمطلعين أنها لا تخرج عموما عن الخط الأمريكي الحاكم.

بالعودة لقرار خفض الإنتاج فأثره سيكون أقل من المعلن، إذ تسبب عزوف المؤسسات المالية والمستثمرين في السنوات الأخيرة عن توفير التمويل اللازم لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري بدعوى محاربة التغيير المناخي في عدم قدرة الدول والشركات المنتجة المحافظة على مستويات إنتاجها، يضاف إلى ذلك العمليات التخريبية التي طالت بعض الدول المنتجة كالعراق وليبيا، مما نتج عنه تعطيل إنتاج OPEC+ بمقدار مليون برميل يوميا تقريبا، بمعنى أنه وإن جاء القرار بخفض مليوني برميل إلا أن مليون برميل كانت غير متاحة أصلا، وعليه فالقرار لن يخفض الإنتاج سوى بأقل من مليون برميل يوميا فعليا.

كما أن OPEC هي منظمة غير سياسية معنية بشؤون النفط، ففي حين أنه قد ينظر الآخرون إلى النفط كسلاح فهي تنظر إليه كسلعة عالمية أساسية تشكل جزءًا كبيرا من الموارد المالية للدول المنتجة له، وهدفها الأول هو إستقرار أسواق النفط في مستويات سعرية مريحة للمنتجين والمستهلكين، وتجنب التقلبات التي قد تنتج عن أحداث طبيعية أو إقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو غيرها، ذلك عبر السعي لإحداث التوازن بين الطلب والعرض من خلال زيادة أو تخفيض الإنتاج الكلي كيفما تطلب الأمر.

وإن نظرنا للمناخ الاقتصادي العالمي فهو متجه نحو مرحلة ركود، إذ مع خروج معدلات التضخم عن السيطرة ووصولها لنسب مكونة من رقمين لم تجد المصارف المركزية بقيادة الفيدرالي الأمريكي بدًا من رفع مستوى الفوائد بشراسة غير مسبوقة، وهذا نتاجه إستقرار معدل التضخم قبل أن يبدأ بالنزول، إلا أن أثره المؤكد أيضا هو إدخال الاقتصاد في الركود وهذا ما بدأ فعلا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية، ومع الركود والإغلاقات الكبرى الذي يشهدها الإقتصاد الصيني يأتي التراجع في الطلب على كل شيء.. ومن ضمن ذلك الطلب على النفط.

ويتجلى استشعار OPEC+ بمسؤوليتها تجاه الإقتصاد العالمي في رفعها للإنتاج بعد أن صعدت أسعار سلة خامها لتبلغ 128$ للبرميل في مارس 2022 بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما ساهم في إنخفاض سعر البرميل ليصل إلى 84$ للبرميل في سبتمبر 2022، وهو ما يقل عن سعر البرميل قبل اندلاع الحرب الذي كان عند مستوى 90$ في أواخر يناير 2022، لكن ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي حاليا والتنبؤ بركود يجمع معظم الدول الصناعية الكبرى يحتمان على المجموعة القيام بإجراءات وقائية إستباقية لإبقاء الأسعار في مستويات مقبولة، خصوصا عندما نعلم أنه بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فدولة كالسعودية التي مثلت 37٪ من إجمالي إنتاج OPEC في يوليو 2022 بحاجة لأن يكون سعر البرميل 79$ من أجل ألا تدخل موازنتها العامة في عجز مالي.

وهنا نخلص لأن سعر البرميل المريح لمنتجي النفط هو في بحور من 80$ إلى 90$، فهذا مستوى يجنب الدول المنتجة العجز المالي ويمنحها السيولة اللازمة لتنفيذ خططها التنموية الوطنية التي تتوقعها منها شعوبها، كما أنه يمكنها من إجراء الصيانة اللازمة لمنشآتها النفطية التي تضمن استدامة إنتاجها بنفس القدرة والكفاءة مستقبلا.

أما عن إلقاء البعض بمسؤولية إرتفاع إسعار الوقود للمستهلكين في الدول الكبرى على OPEC+ فذلك لا يتعدى كونه ضربا من ضروب الخيال، إذ بيّن مسح أجرته OPEC في هذا العام أن كل دولار يدفعه المستهلك لليتر في محطة البنزين كمتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يتوزع كالتالي: 30٪ للمنتج و21٪ للناقل والمكرر والموزع و49٪ للحكومة المحلية في شكل ضرائب، مما مفاده أن تلك الحكومات لها هامش 49٪ من سعر الليتر يمكنها أن تخفضه بكل يسر من دون أن تستجدي معونة أي طرف آخر، قرارها بيدها وحدها!

الصورة بسيطة وواضحة وليس بها التعقيد الذي يحاول أن يسبغه عليها البعض، الدول المنتجة للنفط تراعي مصالحها وهي بهذا تراعي مصالح العالم الأجمع، أي مصاعب تواجهها ستترجم في نقص مستقبلي في الإنتاج مما سيشكل مصاعب للعالم أجمع، حصافتها في قراراتها يجب أن تكون مشكورة.. لا مذمومة لأسباب خاصة بدولة بعينها أو حزب في أرض ما، هي لا تتدخل لتمكين حزب على آخر، فعل كذلك مخالف لعقيدتها غير السياسية.. بل إنه تدخل مؤثم قانونا في شأن محلي بحت.

ناصر بن حسن الشيخ، إقتصادي إماراتي