أهمية المنافسة

هل سبق لك التذمر من وجود شركة واحدة فقط تقدم خدمة معينة أو منتجا معينا؟ قد يخطر ببالك عدد من الأمثلة على الشركات المحلية التي تستفرد بالسوق دون وجود منافس حقيقي لها، فتصبح لها السيطرة الكاملة على السوق دون وجود تهديد حقيقي على حصتها السوقية. تبعات هذه السيطرة سلوكيات تضر بالمستهلك والاقتصاد المحلي، بل وحتى بالشركات المسيطرة نفسها التي تميل إلى الكسل في حال غياب المنافسة، وهي نتيجة حتمية في حال غياب قانون المنافسة عن السوق المحلية، وهو ما فيه ضرر مباشر على الاقتصاد، ويمكن تلخيص أهمية المنافسة في السوق في خمس نقاط.
النقطة الأولى: هي الأوضح بالنسبة للمستهلك وهي أسعار المنتجات، فوجود عدد من الشركات تقدم نفس المنتج أو الخدمة يزيد المنافسة على الأسعار، وهو ما يتسبب بشكل كبير في انخفاضها، لكون السعر أحد أهم عوامل المقارنة بين المنتجات. ولذلك فإن ارتفاع أسعار المنتجات هو من أوضح نتائج الاحتكار، وفي زمن يشكل فيه التضخم مشكلة كبرى، يمكن فهم دور الاحتكار في تأجيج نار التضخم.
النقطة الثانية: هي جودة المنتجات، فمن دون المنافسة، لا تملك الشركات محفزا لتحسين جودة منتجاتها أو خدماتها. وقد يكون المثال الأوضح على ذلك هو خدمات ما بعد البيع، فقد تجد الشركات مبررا للتعامل الحسن مع العملاء قبل البيع لرفع أرقام المبيعات، ولكن المحفز الأكبر لخدمات ما بعد البيع هو ضمان عودة هذا العميل للشراء مرة أخرى، وفي حال عدم وجود منافس حقيقي للشركة، فإنها لا تحتاج إلى تحفيز العميل لإعادة الشراء لأنها وبكل بساطة خياره الوحيد.
النقطة الثالثة التي تضيفها المنافسة، هي زيادة الخيارات في المنتجات والخدمات. ففي السوق التنافسية، تحاول كل شركة جعل منتجاتها مختلفة عن الشركات الأخرى في محاولة لإيجاد سوق جديدة لمنتجاتها أو للابتعاد عن مساحة المنافسة في المنتجات شديدة التنافسية. وتعطي هذه النقطة تنوعا وخيارات أكثر للمستهلك للاختيار بين الخدمات والمنتجات.
النقطة الرابعة تتضمن الابتكار، فمن دون المنافسة في السوق تغيب أهمية الابتكار بشكل كبير، بالمقابل فإن المنافسة تدفع الشركات للابتكار في منتجاتها وخدماتها ومحاولة خلق فرص جديدة من خلال ابتكار منتجات وخدمات كثيرة. والابتكار تحديدا هو أهم نقاط الالتقاء بين المنافسة والنمو الاقتصادي، فالابتكار هو أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، والمنافسة هي الدافع الأكبر للابتكار. ويمكن للقارئ التفكر في السوق المحلية والنظر في القطاعات التي تشهد تنافسا عاليا، وكيف لجأت شركات هذا القطاع للابتكار للمنافسة والبقاء في السوق.
النقطة الخامسة هي أن المنافسة العالمية تبدأ من المنافسة المحلية، وإن لم تجد الشركة منافسا محليا لها فهي في الأغلب لن تتطور لتصبح لاعبا عالميا في صناعتها. ولذلك فإن العديد من الحكومات تصمم أنظمة منافستها لتكون سببا في منافسة شركاتها على النطاق العالمي، وإحدى أدوات زيادة المنافسة العالمية هي أداة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، حيث تحصر الحكومات مشترياتها على الشركات المحلية، وذلك لخلق سوق محلية تنافسية تتمكن في المستقبل من منافسة الشركات العالمية.
يقابل هذا التنافس، موجة من الاستحواذات والاندماجات، تقلل من عدد الشركات في السوق، وتجعلها شركات أكبر حجما وسيطرة على السوق. ورغم وجود مبرر في كثير من حالات الاستحواذات والاندماجات، فإن أثرها على المنافسة لا يمكن إغفاله. فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع أن الاندماجات تتسبب في زيادة الأسعار بمتوسط 7.2 في المائة، وتختلف هذه الزيادة بحسب القطاع، فأظهرت دراسة أن الأسعار تزيد في قطاع المستشفيات بنسبة 20 في المائة، بينما تزيد في قطاع الطيران بنسبة تتراوح بين 7 و29 في المائة.
إن المنافسة عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في الأسواق، وهي سبب رئيسي للانتعاش الاقتصادي، ووجود منافسة قوية في السوق يحمي الشركات المحلية كذلك من سيطرة الشركات الأجنبية في حال دخولها، وكم من شركة أجنبية حاولت اختراق أسواق محلية ولم تستطع تحمل المنافسة، وهذا دليل على قوة هذه القطاعات. في المقابل فإن النظرة التفضيلية إلى الشركات العملاقة والتي تملك حصصا كبرى في السوق المحلية هي نظرة قاصرة، فهذه الشركات تنمو على حساب الشركات الصغيرة، ونموها يزيد من أرباحها وأرباح مستثمريها، بينما تزيد التكلفة على المستهلك والاقتصاد، وتقلل من خلق الفرص الوظيفية لارتفاع كفاءتها التشغيلية.

 

د. عبد الله الردادي