لعلّ التوصيف الأدقّ لعالم ال#كريبتو خلال العام 2022 هو الهستيريا متعدّدة الأبعاد، حيث شهد سوق العملات المشفّرة تأرجحًا واسعًا في الأسعار وخسرت العملة الأبرز “#بيتكوين” ما يقارب 70 في المئة من سعرها منذ أواخر العام الماضي حتى اليوم. هذا التراجع يعمّم على كلّ العملات تقريبًا، من بينها “#إيثيريوم” رغم طرحها لنظام الدمج الثوريّ. ولم تغب بصمة الملياردير المثير الجدلَ إيلون ماسك عن عالم الكريبتو طبعاً عبر عملته المدلّلة “دوجكوين”. والختام هذا العام لم يكن “مسكًا” بالطبع، فالانهيارات بدأت تتوالى منذ أن انهارت منصّة FTX. نستعرض في ما يلي أبرز ما شهدته السوق خلال هذا العام!
إيثيريوم تطلق نظام الدمج
تمكّنت “إيثيريوم” في أيلول من العام الجاري من ترقية نظام عملها الى ما يعرف باسم نظام الدمج (merge)، لتتحوّل بذلك من نظام “إثبات العمل” إلى نظام “إثبات الحصّة”، الذي لا يحتاج إلى استهلاك كميّات هائلة من الطاقة، على عكس النظام القديم.
وقبل هذا التحديث، كان تعدين “إيثيريوم” يتطلّب وجود أجهزة كمبيوتر قويّة للغاية لحلّ مشاكل الرياضيات الصعبة، الأمر الذي يستهلك كميّات هائلة من الطاقة، كما أن تكلفة إجراء المعاملات كانت كبيرة.
وبموجب النظام الجديد، كلّما زادت حصّة المدقّقين (الذين سيتولّون أمر إجراء المعاملات بدلاً عن المعدّنين) ارتفعت حظوظ فوزهم بالمكافآت.
ويأتي اسم merge- الدمج انطلاقًا من أنّ التحديث الجديد قائم على الجمع بين شبكة “إيثيريوم” وشبكة أخرى موازية تعمل، كان يتمّ اختبار نظام إثبات الحصّة من خلالها على مدى العامين الماضيين، لكنّها مجرّد خطوة واحدة في مسار التحوّل الذي تستهدفه “إيثيريوم”.
وحول مدى فاعلية هذا النظام، تعهّدت الشركة بأنّها ستكون قادرة على معالجة ما يصل إلى 100،000 معاملة في الثانية.
وللمقارنة، كان من الممكن في السابق معالجة ما يصل إلى 30 معاملة فقط في الثانية في المتوسّط على شبكتها، ويتلاءم هذا مع خطط الشركة للتوسّع والنموّ بشكل أكبر مستقبلاً.
وفيما لا تتمتّع الشبكات التي تعتمد نظام الحصص بدرجة عالية من الأمان بسبب عدد المدقّقين المنخفض نسبيًا، يختلف الأمر بالنسبة إلى نظام “إيثيريوم الجديد، الذي يضمّ عددًا ضخمًا من المدقّقين يصل إلى نحو 16,384 مدقّقاً، الأمر الذي يجعله أقلّ مركزية وعرضةً للتلاعب من جهة، وأكثر أمانًا من جهة أخرى.
إيلون ماسك و”دوج كوين”
لم تغب بصمة الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك عن عالم الكريبتو، إذ أبدى مرارًا وتكرارًا رأيه في سوق العملات المشفّرة وأثّر فيه الى حدّ كبير، أحد فصول هذا التأثير كانت منذ نحو الأسبوعين، عندما ارتفعت العملة الرقميّة المشفّرة “دوج كوين” بنسبة 27 في المئة خلال الأسبوع الماضي مدفوعة بشائعات تقول أنّ ماسك ومعه رجل آخر “سوف يعملان على ترقية هذه العملة”.
وكتب ديفيد جوكشتاين، الذي يدير منصّة إخبارية متخصّصة، في تغريدة الأسبوع الماضي، أنّ ماسك ومعه فيتالك باترين، وهو أحد عمالقة “إيثيريوم”، سوف يعملان سويّاً على ترقية العملة الرقمية “دوج كوين”.
ولم يتمّ تأكيد أو نفي هذه الأخبار بشكل رسمي، إلّا أنّ العملة المشفرة “دوج كوين” ارتفعت منذ تلك التغريدة بصورة حادة، ورغم أنّها انخفضت خلال تداولات اليوم الاثنين بنسبة تزيد عن 5 في المئة إلّا أنّها لا تزال عند مستويات مرتفعة مقارنة بما كانت عليه قبل التغريدة التي أثارت التكهّنات في سوق العملات الرقمية.
الإفلاسات بالجملة
تأثّر عالم #العملات المشفرة الى حدّ كبير بزلزال إفلاس منصّة FTX، فكيف حصل ذلك؟ تمتلك منصّة FTX عملتها المشفرة الخاصة بها والتي تُدعى FTT، يستخدمها العملاء في دفع رسوم المعاملات على المنصّة. بنكمان لا يملك منصّة FTX فقط، لكنه يملك شركة Alameda Research، وهو واحد من صناديق التحوّط وشركة كبيرة في تداول العملات الرقمية.
في الثاني من تشرين الثاني الجاري، أبلغ موقع Coindesk عن وثيقة مُسرّبة تُظهر أنّ شركة Alameda Research تملك كمية كبيرة بصورة غير طبيعية من رموز FTT، الخاصة بمنصّة FTX، بما يعادل مليارات الدولارات، وتستخدمها كضمان للقروض. المشكلة أنّه من المفترض أنّ شركة FTX وشركة Alameda شركتان منفصلتان، لكنّ التقرير أوضح أنّ علاقتهما المالية وثيقة جدًّا.
وبعد تقرير coindesk المثير للشبهات، قرّرت منصّة “بايننس”، والتي تمتلك عملات FTT بقيمة 500 مليون دولار أن تبيع هذه العملات، وبسبب هذا القرار انخفض سعر العملة وانطلق من يملكها لبيعها خوفًا من السقوط الوشيك للشركة.
وبالفعل، تدافعت طلبات السحب على منصّة FTX، وبلغت ما يعادل نحو 6 مليارات دولار على مدار ثلاثة أيام، في حين أنّه في الوضع الطبيعيّ تصل قيمة عمليات السحب اليومية إلى عشرات الملايين من الدولارات، وبهذا دخلت المنصّة في أزمة سيولة، ما يعني أنّها لا تملك الأموال الكافية لتلبية كلّ هذه الطلبات.
بعد يومين، وفي محاولة لإنقاذ الموقف، لجأت FTX إلى “بايننس” التي أعلنت أنّها ستستحوذ على FTX، وقال بنكمان إنّ صفقة الاستحواذ ستحمي عملاء FTX وستسمح للمنصّة بإنهاء معالجة عمليات سحب الأموال من المنصّة، محاولًا نفي الشائعات حول الصراع بين شركته FTX وشرك “بايننس”.
في وقت لاحق، أعلنت شركة “بايننس” أنّ عملية الاستحواذ لن تتمّ، وذكرت أنّها توصّلت إلى هذا القرار بعد النظر إلى أوراق الشركة، وإجراء الفحوصات القانونية اللازمة، وبسبب التحقيقات الجارية حول سوء تنظيم واستخدام الأموال من شركة FTX، ومن هنا انهار الوضع أكثر، وتوالى سقوط أحجار الدومينو، وفجأة وصلت قيمة الشركة إلى 8 مليارات دولار بعد أن كانت تبلغ 32 مليار دولار.
هذا الحدث وصفه خبير العملات المشفرة رودي شوشاني في حديث لـ”النهار” بأنه “صندوق باندورا نظرًا لعدد المستثمرين الكبير في المنصّة، ومن بينها شركات كبرى استُخدمت أموالها بطريقة غير أخلاقية ستتأثر حكمًا بهذه الأزمة.
وبالفعل جاء هذا التوصيف صائبًا، في أحدث حلقات الأزمة التي يعاني منها القطاع، حيث توالت فصول هذا الانهيار وكان أحدثها إعلان منصة (BlockFi) الإفلاس، وهي منصة للاقتراض بالعملات المشفرة، حيث طلبت الحماية في الولايات المتحدة بموجب الفصل 11 صباح الاثنين، لتصبح أحدث شركة تشفير تخضع للانهيار السريع بعد إفلاس بورصة (FTX)، وهو ما سيُفاقم من المتاعب التي تعاني منها العُملات المشفرة على مستوى العالم.
و”بلوك فاي هي منصة بدأت في العام 2017، وكانت واحدة من بين العديد من شركات التشفير التي تتيح الإقراض والاقتراض، حيث يمكن للعملاء استخدام العملات المشفرة كضمان.
إلى ذلك، باتت منصّة “كريبتو.كوم” هي الأخرى في عين العاصفة بعد انهيار FTX، إذ شهدت انخفاضاً بلغت قيمته مليار دولار من العملة المشفّرة التابعة لها، والتي يُطلق عليها اسم “كرونوس”.
وبذل الرئيس التنفيذيّ للمنصّة كريس مارساليك، جهداً كبيراً لطمأنة العملاء، قائلاً في إيجاز مباشر إن مركزها المالي “قويّ جداً”، وإن الاحتياطيّات تغطّي جميع أصول العملاء.
أضاف: “الناس يُودِعون، الناس يَسحبُون، الناس يتداولون، هناك نشاط طبيعيّ إلى حدّ كبير، لكنه على مستوى عالٍ”.
وكرّر مارساليك أن “كريبتو.كوم” لديها 70 مليون مستخدم وأقلّ من 10 ملايين دولار تعرض لـ”إف تي إكس”، مضيفاً أن العملة المشفّرة “كرونوس” لا تُستخدم أبداً كضمان للقروض.
كذلك برز في هذا المجال تصريح الرئيس التنفيذي لمنصّة العملات المشفرة “بايننس” شانغبينغ زاو الذي اعتبر أن على الحكومات العمل على تنظيم قطاع العملات المشفّرة بدل محاربته، خاصة أنه بات رائجًا وواسع الانتشار.
أضاف خلال فعاليات مؤتمر نظمته “بايننس” في أثينا: “أعتقد أن معظم الحكومات الآن تدرك أنّ تبنّي العملات المشفرة سيحدث بغضّ النظر عمّا يحصل، ومن الأفضل تنظيم الصناعة بدلاً من محاولة محاربتها”.
وحذر لشانغبينغ زاو عقب انهيار FTX من أن المزيد من الشركات قد ينهار في الأسابيع المقبلة، مؤكّداً أن التأثير الكامل للانهيار في بورصة العملات الرقميّة المنافسة FTX لم يتمّ الشعور به بعد، وأن الأزمة المالية العالميّة في العام 2008، “هي التشبيه الأدق” لأحداث هذا الأسبوع.
وأشار إلى أنه مع سقوط FTX سنرى تأثيرات متتابعة على السوق، خاصّة بالنسبة إلى أولئك القريبين من نظام FTX، فهم سيتأثرون سلباً.
تضييق الخناق على السوق يتفاقم
حثّت سلسلة من تقارير البيت الأبيض المنظمين بما في ذلك لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) ولجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC) على إصدار قواعد للعملات المشفّرة، فيما اعتبرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ “الأصول الرقمية تشكّل مخاطر كبيرة للمستهلكين والمستثمرين والشركات” ، مضيفة أنّ هناك “حالات متكرّرة من الإخفاقات التشغيلية والتلاعب بالسوق والاحتيال والسرقة”.
وأشارت تقارير إلى فقدان ما لا يقلّ عن مليار دولار بسبب عمليات الاحتيال في سوق العملات المشفّرة منذ بداية عام 2021، وفقًا للجنة التجارة الفيدرالية، مع انهيار العملة المشفّرة الرئيسية وعملة terraUSD المستقرّة المرتبطة بها، مما زاد المخاوف من أن يفقد الأشخاص استثماراتهم.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في تصريح أن التقارير تحدّد بوضوح التحديات والمخاطر الحقيقية الناتجة عن الأصول الرقمية المستخدمة في الخدمات المالية. أضافت: “إذا تمّ تخفيف هذه المخاطر، يمكن أن توفّر الأصول الرقمية وغيرها من التقنيات الناشئة فرصًا كبيرة.”
إلى ذلك، حذّرت يلين من أنّ الافتقار إلى التنظيم يهدّد بتكرار “الدروس المؤلمة”، في إشارة إلى مخاطر فقدان الاستثمارات.
وفي هذا الإطار، وقّعت حاكمة ولاية نيويورك الأميركيّة كاثي هوشول تشريعات تقيّد تعدين العملات المشفّرة في البلاد، في خطوة تجعلها أوّل ولاية تتشدّد تجاه عالم “الكريبتو”.
ويحدّد القانون الذي يركّز على البيئة تجميدًا لمدّة عامين لتصاريح الهواء الجديدة والمتجدّدة الخاصّة بمحطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، والمستخدمة في التعدين، والتي تستخدم مصادقة “إثبات العمل”.
وسيتعيّن على إدارة الحفاظ على البيئة أيضًا دراسة ما إذا كان تعدين العملات الرقميّة يضرّ بجهود الحكومة للتخفيف من تغيّر المناخ وكيفيّة حدوث ذلك.
وكان المجلس التشريعي للولاية أقرّ مشروع القانون في حزيران الماضي، لكنّه لم يصل إلى مكتب هوشول حتى يوم الثلثاء، كما لم يكن من المضمون أنّه سيُصبح قانونًا.
رئيس “جي بي مورغان” يصف العملات المشفّرة بـ”مخطط البونزي”
في تصريح صادم، قال الرئيس التنفيذي لبنك “جي بي مورغان” جيمي دايمون في شهادة أمام الكونغرس: “إنني من المشكّكين الرئيسيين بالعمّلات المشفّرة، وما يسمّيه البعض عملة، مثل “بيتكوين”، أرى أنها مخطّطات بونزي لامركزية ليس إلّا”.
ويعدّ هذا التصريح أحدث انتقاد لدايمون للعملات المشفّرة، بعد أن كان وصفها ذات مرّة بأنها “احتيال”، ليعود لاحقًا ويعتذر معربًا عن “ندمه” إزاء هذا التصريح.
وسبق لدايمون أن أثار جدلاً بعد تصريحٍ حول نظام التمويل اللامركزي (decentralized finance) الذي يستبدل البنوك بالخوارزميات، قائلاً إنّ الأمر بات “حقيقياً”.
وفيما يعدّ دايمون من أبرز منتقدي العملات المشفّرة، يستخدم “جي بي مورغان” نظام ال#بلوكتشاين الخاصّ به، وقد كان أيضاً أول بنك في وول ستريت يحقّق حضورًا في “ميتافيرس” في شباط.
كاثي وود تتوقّع… تفاؤل مفرط؟
توقعت كاثي وود، مؤسِّسة شركة الاستثمارات “آرك إنفست”، ارتفاع سعر عملة “بيتكوين” المشفّرة إلى 1.3 مليون دولار بحلول العام 2030 حسبما نقلت CNBC.
وفي مقابلة لها، أوضحت وود بأنّ “بيتكوين” تستفيد من الأزمة التي ضربت FTX وعددًا من شركات تداول العملات المشفّرة.
وأضافت أن سام فرايد مؤسّس FTX لم يحبّ بتكوين، لأنه لا يمكن السيطرة عليها، مشيرة إلى أنّها “غير مركزيّة وشفّافة على نقيض ما كانت عليه FTX”.
وتابعت: “لقد نجحت عملتا “بيتكوين” و”إيثريوم” خلال هذه الفترة في تمييز نفسيهما في فترة شهدت إفلاس وانهيار بعض النظم الإيكولوجية المركّزة والمبهمة”.
وتعتقد وود أنّ عملة “بيتكوين” قد ترتفع إذا واصلت الشركات تنويع أموالها، وواصل المستثمرون المؤسّسون تخصيص 5 في المئة من محافظهم في قطاع العملات المشفّرة، إذ تبلغ تلك النسبة حالياً 2.5 في المئة، وقد شدّدت على أنّ العملات المشفّرة هي فئة الأصول الجديدة.
ختامًا، ممّا لا شكّ فيه أنّ العام 2022 كان مفصليًّا بالنسبة إلى سوق العملات المشفّرة، حيث شهد الكثير من التقلّبات، ومن المؤكّد أيضًا أنّ ما شهدته السوق من أحداث مفصلية سيؤثّر فيها لأشهر وسنين مقبلة، ولكنّ الأمر الذي لا شكّ فيه أنّ هذا السوق هو سوق المفاجآت والتحرّكات غير المتوقّعة، فماذا يمكن أن يحمل العام المقبل له؟
ميرنا سرور