موازنة رفع عتب لـ IMF وتدميرية للشعب والاقتصاد

صُدّقت ونُشرت موازنة 2022 وبدأ تنفيذها. هذه الموازنة عينها التي هوجِمت على المنابر، ورُفعت الشعارات الشعبوية من أكثرية نواب الأمة، ومن ثم صوّتوا عليها حينما جاءتهم كلمة السر.

هذه الموازنة “العجائبية” هي في الحقيقة موازنة ضريبية بامتياز، ستُطبّق على شعب منهوب، واقتصاد مهترئ. فالموازنات في البلدان عادةً تُمثّل رؤية واضحة للسنوات المقبلة، بالتوازي مع خطة استراتيجية تُواكبها.

 

الموازنة تبدأ بنية مزدوجة مع الرؤية، ومن ثم استراتيجية على المدى القريب، المتوسط والبعيد، وخطة تنفيذ وخصوصاً ملاحقة.

 

وإذا نظرنا اليوم حولنا، من الواضح أن لا نيات صافية، ولا شبه رؤية، ولا استراتيجية إلاّ الإستراتيجية التخريبية، ولا خطة إلاّ الخطط الشعبوية لمتابعة الإنهيار، ولا ملاحقة إلاّ ملاحقة الأبرياء.

 

هذه الموازنة الضريبية ستطعن القلوب والأيادي البيضاء، وستُحفّز التهريب وتبييض الأموال.

 

إذا ركّزنا على التنفيذ، نتساءل مَن سيُنفذ هذه الموازنة؟ أهي الدولة العاجزة عن دفع أجور ورواتب ونقل موظفيها؟ وقرطاسية وحبر وأقلام وزاراتها؟ وهل المراقبون على تنفيذ هذه الموازنة هم الذين يقبضون الرشى بالدولار الفريش، والذين سيُلاحقون بشفافية هذا المشروع الوهمي؟ علماً أن التنفيذ والملاحقة هما كلمتان لن توجدا في قاموس الدولة والسياسة في بلدنا المنهار.

 

من جهة أخرى، نتساءل كيف يُمكن تسديد العجز بالضرائب، وهذا أخطر وأسوأ هدف مستحيل. فالضرائب ستُعمّق الفجوة، وتزيد الإنهيار، والتدمير الذاتي.

 

إن تخفيض العجز لم ولن يكون إلاّ بإعادة الحركة الإقتصادية، والنمو المستدام وجذب الإستثمارات والمستثمرين، خلافاً لهذه الموازنة الضريبية والتي ستُهرّب ما تبقّى من الإستثمارات، وتزيد الإنكماش والإنهيار.

 

نتفهّم مطالبة صندوق النقد الدولي، وعملية حساباته التي تنص على زيادة الضرائب التي ستزيد مداخيل الدولة، لكن هؤلاء يغفلون أن كتب اقتصاد لبنان والمنطق المالي والضرائبي يختلف تماماً عن المحاسبة والإقتصاد الدولي. ففي لبنان عندما ترتفع الضرائب، تنخفض مداخيل الدولة ويتضاعف التهريب وينمو الإقتصاد الأسود على حساب الإقتصاد الأبيض.

 

إضافة إلى ذلك، نتساءل على مَن ستُفرض هذه الضرائب، على شعب منهوب؟ والذي سُرقت ودائعه، وهُدرت مداخيله بأكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ العالم؟ وهل ستُنفذ على شعب دُمّرت منازله وشركاته بثالث أكبر انفجار في تاريخ العالم؟ وعلى شركات لن يؤمّن لها أقلّ حاجاتها وحاجات الشعب، من البنى التحتية والخدماتية مثل الكهرباء والمياه والإتصالات؟

 

إن هذه الموازنة الضريبية ورفع العتب على الصندوق، هي موازنة لن تُطبّق، ولن تُبصر النور عملياً، لكن مرّة أخرى نشهد مشاريع عشوائية، ووعوداً كاذبة، في ظل غياب أي نية صافية واستراتيجية واضحة، وخطة تطبيقية، وملاحقة دقيقة.

د. فؤاد زمكحل.