تزداد التساؤلات حول إمكانية تنفيذ مرحلة تحول الطاقة بنجاح للوصول إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. وقد تصاعدت الشكوك مع النهج الذي اتبعته الدول الصناعية بتبنّي خريطة الطريق لعام 2050، دون مشاركة فعالة لشركائها من دول العالم الثالث، بالأخذ في الاعتبار مصالح وأولويات الدول النامية الكبرى، والدول المنتِجة النفطية، والدول ذات الاقتصادات الضعيفة في القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية).
من نافلة القول إن سياسات مكافحة التغير المناخي يجب أن تضم شركاء من جميع دول العالم؛ لأن القرار كونيّ يشمل جميع أرجاء الكرة الأرضية. وهذا أمر صعب، لكنه ضروري في الوقت نفسه. ورغم هذا التشاؤم الذي بدأت تتوسع رقعته في تحقيق قرارات مؤتمر باريس لمكافحة تغير المناخ 2015، هناك أيضاً تفاؤل في الوقت نفسه للإجماع العالمي على ضرورة مكافحة تغير المناخ بحلول عام 2050، قبل فوات الأوان، لكي يستطيع البشر التعامل مع هذه الظاهرة في الوقت المناسب لمعالجة آثار تغير المناخ السلبية من ذوبان جبال الجليد العملاقة في القطبين الشمالي والجنوبي، ووضع حدّ لحرائق الغابات وكهربة المركبات وتحسين طرق المواصلات لتحييد الانبعاثات الكربونية.
لقد تراكمت العقبات أمام إمكانية تحقيق هذه الإنجازات جمعاء بحلول منتصف القرن؛ نظراً للفترة القصيرة المحدَّدة للتغيير. عكفت خريطة الطريق التي رسمتها «وكالة الطاقة الدولية»، خلال صيف 2021، على الدور الذي يجب أن تلعبه الدول الصناعية من تشريع للقوانين والأنظمة لتخفيض الانبعاثات، خلال أقل من نصف قرن، بينما تحولات الطاقة السابقة تطلبت فترات أطول بكثير امتدت في بعض الأحيان إلى قرن من الزمن.
وهمش، في الوقت نفسه، دور دول العالم الثالث، ذات الأغلبية السكانية العالمية. فعلى سبيل المثال، كانت الدول الصناعية، خلال مؤتمرات «كوب» السابقة قد وعدت بتوفير القروض والمساعدات لبعض دول العالم الثالث، لكن لم يجرِ الإيفاء بدفع هذه القروض والمساعدات، مما يعني عدم قدرة عدد من دول العالم الثالث على المضيّ قدماً في مكافحة تغير المناخ بطريقة جِدّية وواسعة. وقد تكررت القرارات في مؤتمرات «كوب» المتوالية لحثّ الدول الصناعية على تنفيذ تعهداتها المالية، لكن دون جدوى تُذكَر.
المشكلة أيضاً أنه مطلوب من بعض دول العالم الثالث إنفاق الملايين، بل المليارات من الدولارات على مشروعات الطاقات المستدامة وترشيد الاستهلاك، حتى قبل أن تتوفر الكهرباء لأعداد كبيرة من السكان في هذه الدول.
كما أن خريطة طريق «الوكالة الدولية للطاقة» غضّت النظر عن مصالح وأولويات دول مجموعة «أوبك بلس»، هذه الدول التي لديها مصلحة كبرى قد تتضرر نتيجة تحول الطاقة. ورغم ذلك بادرت بعض هذه الدول المنتِجة للنفط والغاز، مثل روسيا ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، بتبنّي مشروعات باهظة الثمن تُقدَّر بمليارات الدولارات لالتقاط وتخزين الكربون من البترول لتحييد الانبعاثات، لكن رغم هذا تستمر المعارضة لأي استعمال مستقبلي للنفط والغاز، إذ إن حركات الخضر في الدول الصناعية تمانع في طرح إمكانية استعمال الوقود الهيدروكربوني مستقبلاً، ولو كان محايداً للانبعاثات. وقد استطاعت حركات الخضر «أدلجة» موضوع الوقود الهيدروكربوني، حتى بعد «تخضيره». ولا نجد حتى الآن محاولات من قِبل الدول الصناعية لمناقشة الأمر مع حركات الخضر، رغم سياسات الدول هذه في تبنّي سياسات ومشروعات لعقود مقبلة في اكتشاف حقول بترولية جديدة، ناهيك عن الاعتماد الواسع على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء. وكلما طال تأجيل مناقشة الاستعمال المستقبلي للوقود الهيدروكربوني المحايد في الدول الصناعية نفسها (في المجالس البرلمانية ووسائل الإعلام)، ستتعقد أكثر الصعوبات للتوصل إلى تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن.
في الوقت نفسه يزداد عدد سكان العالم بسرعة إلى 10 مليارات نسمة، ويرتفع مستوى المعيشة في الدول السكانية الكبرى، خصوصاً الصين والهند، مما يعني أن العالم سيحتاج في المستقبل المنظور إلى أكبر عدد من أنواع الطاقة المحايدة لانبعاثات الكربون، ومن ثم يتوجب ضم جميع الطاقات التي تستوفي الشروط الحيادية للانبعاثات في سلة الطاقة المستقبلية نظراً للحاجة الماسّة لهم جميعاً لازدياد الطلب على الطاقة، وهذا يعني خصوصاً النفط والغاز المحايدين للانبعاثات.
ومما زاد الطين بلة منذ العام الماضي نشوب حرب أوكرانيا. لقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى وهن نظام العولمة الذي برز بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي فتح المجال للتبادلين التجاري والعلمي الواسعين بين أقطار العالم، ولا سيما الدول الكبرى نفسها. فالحاصل الآن، انسحاب وتصفية أعمال شركات الدول الكبرى من غريماتها من الدول الكبرى الأخرى. كما بدأت التشريعات والقوانين تزداد بمنع تبادل صادرات وواردات السلع الإلكترونية التي تشكل عصب الصناعات الحديثة.
ومما يزيد من مطبّات الطريق لمرحلة تحول الطاقة إقبال النظام العالمي الجديد «المتعدد الأقطاب» بفتح ملفات قديمة/ جديدة، منها تكثيف النزاعات مع الصين، والاحتجاجات لسياسات مجموعة «أوبك بلس».