شريحة “معيّنة” تشتري الذهب في لبنان… فهل استثمار هذا المعدن آمن؟

برز في الفترة الأخيرة اهتمامٌ كبير محلياً وعالمياً بالـ”#المعدن الأصفر”، الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة عدم الاستقرار العالمي، فتخطّت “#الأونصة” الألفي دولار أميركي، مع توقعاتٍ بمواصلة #الذهب تحقيق المكاسب.
ويلحظ هذا القطاع في #لبنان حركة نشطة، بحسب الجواهرجية، الذين يؤكدون بمعظمهم أن الأسواق تشهد طلباً واسعاً على الذهب، خصوصاً “الأونصة”، بعد جمود طويل نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد. فما سبب هذا التهافت؟
نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان، بوغوص كورديان، أكد أن “المعدن الأصفر” له أهمية بالغة ليس فقط الآن إنّما عبر التاريخ، لكونه “الملاذ الآمن” والعنصر الأساسي لحماية الاقتصاد ومواكبة عملية التضخم المالي.
وأضاف لـ”النهار” أن الوضع الاقتصادي العالمي يضغط باتجاه ارتفاع سعر الذهب، فتهافُت الناس جاء نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية والخوف من حروب إقليمية وعدم استقرار الاقتصاد العالمي بعد إفلاس عدد من المصارف، ممّا يُنشّط البورصة، ويرفع الطلب على الذهب، فترتفع حينها الأسعار لتصل إلى ما هي عليه اليوم.
اللبنانيون يستبدلون “الكاش” بالذهب
على الصّعيد المحلي، اعتبر كورديان أن شراء اللبناني للذهب جاء نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، فعمد كثيرون، خصوصاً الفرد “المتموّل”، إلى استبدال العملة الورقية بـ”العملة الصفراء” الأكثر ضماناً، ومن لديه “الكاش” في داخل منزله أقدم على “تحجيم” جزء منه واستبداله بالأونصة، أما من استطاع تهريب أمواله إلى خارج البنوك فحمى نفسه بشراء الذهب.
ولفت إلى أن استمرار صعود الذهب مرتبط بعاملين: العرض والطلب من جهة، والاستقرار العالمي من جهة أخرى، مشيراً إلى أن الذهب اليوم يتأثر كثيراً بسرعة انتشار الخبر، في حين استقرّت “الأونصة” قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، أي بحدود 32 عاماً، على سعر 18 دولاراً أميركياً بسبب غياب سرعة الخبر.
احتياطي مصرف لبنان
ومع الحديث عن المساس باحتياطي المركزي من الذهب الذي هو عبارة عن كمية من السبائك الذهبية التي يحتفظ بها المركزي، عاد كورديان إلى عام 1996، وأعطى مثالاً عمّا كان يجري حينها عبر اقتراح عدد من النواب بيع المخزون للخروج من الأزمة، فكانت “الأونصة” حينها بـ250 دولاراً فيما وصلت اليوم إلى أكثر من ألفين.
واعتبر أن بيع الاحتياطيّ يعني أننا “أصبحنا في الهواء”، واقترح حينها تأجير قسم منه للصناعات المحلية التي تحتاج إلى تمويل، فتلجأ بهذا العرض إلى استدانة الذهب عوض المال، ولكن “بحماية ورهن” كي تحافظ الخزينة على حالها، ويُعاد شراء الذهب بفوائد الدين لزيادة المخزون.
وتوقّع كورديان أن تستبدل مستقبلاً الأوراق النقدية بالعملات الرقمية، فيما سيبقى الذهب هو الضمان الوحيد.
لا ثقة بالعملات الرقمية
 من وجهة نظر اقتصادية، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي أن العملات الرقمية برهنت عن عدم استقرار لأنها “مجهولة المرجعية”، ولا يمكن للمستثمر أن يثق بها، فكان لا بدّ له من العودة إلى العملة الورقية.
وأضاف لـ”النهار” أن تأثّر العملة الورقية بعوامل عديدة منها الحروب، عدم الاستقرار، الكوارث الطبيعية وغيرها، دفعت بالأشخاص إلى اللجوء لملاذ آمنٍ، وهو بطبيعية الحال الذهب الذي يحافظ على قيمته.
ولفت إلى أن الفرد لم يعد يهتمّ بقيمة الفوائد لأنها تتآكل بفعل التضخم، وبات التفكير فقط في كيفية الحفاظ على رأس المال، خصوصاً مع توقّع تراجع النمو العالمي 3 في المئة عام 2023.
وأكّد يشوعي أنه “كلما زادت الصراعات، تطلّع الناس إلى الذهب”.
مَن يشتري الذهب؟
وعن الشريحة التي تشتري الذهب، أكد صاحب أحد متاجر الذهب في زحلة – البقاع أن اللبناني الذي يلجأ إلى تحويل مدّخراته إلى ذهب هو صاحب المصالح الذي يجني الأموال، كأصحاب الأفران والصيدليات وقطاع المحروقات، بالإضافة إلى التجّار ومن تأتيهم الأموال من الخارج كالسوري الذي يعتمد كثيراً على تحويل أمواله إلى ذهب، وذلك ليس الآن فقط إنما منذ عشرات السنين.
وأكّد لـ”النهار” أن سوق الذهب يشهد أحياناً شحّاً في السبائك والأونصة والليرات كلما ارتفع سعرها، بسبب احتكارها من قبل التجار الكبار في بيروت، فيما تراجع الإقبال على شراء الذهب المشغول بشكل لافت جداً.
واعتبر أن سعر الذهب اليوم منخفض مقارنة بسعره المستقبليّ، في إشارة إلى أن سعر صرف الدولار اليوم ليس كما كان عليه في عام 1990، حين بات يساوي “10 سنتات” مقارنة بالتسعينيات.
الاستثمار بالذهب وتحقيق العوائد
وجاء في تقرير لمجلة “فوربس” الأميركية أن أسعار الذهب شهدت ارتفاعاً عالمياً ملحوظاً في آذار 2023 بعد إعلان المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة للمرة التاسعة على التوالي.
وتوقّع محلّلون أن يستمر الذهب في هذا الأداء، بل سيتفوّق على فئات الأصول الأخرى عام 2023 في ضوء مشكلات التضخم المستمرة، في حين يُتوقع أن ترتفع أسعار الذهب على المدى المتوسط والطويل إلى نطاق يتراوح ما بين 2040 و2080 دولاراً للأونصة.
ووفقاً للتقرير، رأى محلّلون آخرون أن أسعار الذهب ستنخفض، وأن نسبة المخاطرة ليست مواتية بالنسبة إلى الذهب في الوقت الحالي، ويعتقدون كذلك أن هذا الارتفاع جاء بدعم من حدثين قصيري الأمد، وهما انهيار بنك وادي السيليكون، والبيع غير المتوقّع لبنك “كريدي سويس” لبنك “يو بي إس”.
باختصار، من الصعب التنبّؤ بما إذا كان يتعيّن على المستثمرين شراء الذهب الآن لتحقيق العوائد، إلّا أن الإقدام على شراء هذا “المعدن الأصفر” لحماية تبخّر الأموال بفعل التضخّم، قد لا يوقع أي ضرر بالفرد أو بالمصلحة الشخصية.
كارلا سماحة

أميركا والصين وصناعة الرقائق

عندما أقام كبار المسؤولين الصينيين حفلات استقبال لعشرات من رجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين في المنتديات الاقتصادية السنوية المتتالية الأسبوع الماضي، كانت الرسالة الواضحة هي أن الصين منفتحة على الأعمال التجارية والمشروعات.
لكن بحلول نهاية الأسبوع الماضي، أرسل المنظمون الصينيون بإشارة مختلفة تماماً، إذ أعلنت بكين الجمعة عن تحقيق في الأمن السيبراني في شركة «ميكرون تكنولوجي»، وهي شركة تصنيع رقائق أميركية من الطراز الأول. ويمثل هذا الإجراء، الذي توقعه كثير من محللي الصناعة، أكبر ضربة انتقامية للصين تجاه واشنطن بسبب حملتها لمنع وصول الصين إلى تصنيع الرقائق رفيعة المستوى.
وقالت هيئة مراقبة الإنترنت الصينية إنها تجري مراجعة لمنتجات «ميكرون» التي بيعت في البلاد لحماية أمن سلسلة توريد البنية التحتية للمعلومات. ووصف ماو نينغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، المراجعة بأنها «إجراء تنظيمي عادي» يركز على المنتجات التي قد تؤثر على الأمن القومي.
تنتج شركة «ميكرون تكنولوجي»، ومقرها مدينة بويسي، عاصمة ولاية آيداهو الأميركية، رقائق الذاكرة المستخدمة في الهواتف وأجهزة الكومبيوتر ومراكز البيانات والسيارات وغيرها من الإلكترونيات. وتتمتع الشركة بعلاقات طويلة الأمد في الصين، وتعتبر أيقونة أميركية رائدة في صناعة أشباه الموصلات العالمية. لكنها الآن وقعت في شراك الحملة الصينية التي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا المتقدمة.
في هذا السياق، انتقد جيمس ريش، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية آيداهو، التحقيقات الصينية في شركة «ميكرون»، قائلاً إنها محاولة لتقويض وضع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات.
وفي بيان، قال العضو الجمهوري ريش إن هذه الخطوة «تساعد الشعب الأميركي على رؤية الصين كما هي؛ عدوانية متنمرة لم تكن يوماً مهتمة بإبرام شراكة اقتصادية حقيقية».
تراجعت أسهم «ميكرون» ما يقرب من 6 في المائة منذ ذيوع الأخبار، وقالت «ميكرون»، في بيان، إن أعمالها في الصين تعمل كالمعتاد، وإنها «تتعاون بشكل كامل» مع السلطات.
تعكس الرسائل الرسمية المختلطة من الصين الحبل المشدود الذي يسير عليه قادة البلاد؛ حيث يحاولون دعم اقتصاد يكافح بعد إعادة فتحه مؤخراً بعد 3 سنوات من القيود الصارمة جراء الوباء، بينما يحاولون رسم صورة عدائية بشكل متزايد لواشنطن. في أحد احتفالات الأسبوع الماضي لرجال الأعمال الأجانب، منهم السيد تيم كوك من شركة «أبل»، تعهد رئيس الوزراء الصيني الجديد، لي تشيانغ، بأن «تواصل الصين فتح أبوابها على نطاق أوسع وأوسع».
وقال دان وانغ، الباحث الزائر في كلية الحقوق بجامعة ييل والمحلل التكنولوجي في شركة الأبحاث «غافيكال دراغونوميكس»، إن «الصين لا تخجل من استخدام تكتيكات متنوعة للتعامل مع الشركات الأجنبية»، مضيفاً: «أحياناً تبدو كمن تقول حسناً، إذا كنت لا تحب هذه الجزرة، فلدينا عصا كبيرة أيضاً».
جاء قرار الصين بوضع شركة «ميكرون» قيد المراجعة في أعقاب القيود الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات في الصين. استهدفت هذه الإجراءات، التي تم الكشف عنها في أكتوبر (تشرين الأول)، بعض المنافسين الصينيين لـ«ميكرون».
افتتحت «ميكرون» أول مصنع لها في الصين في عام 2007 بمدينة «شيان» حيث يعمل لديها ما يقارب 3000 موظف في جميع أنحاء البلاد في قطاعات خدمة العملاء والمبيعات والهندسة. وللشركة مركز في شنغهاي حيث يجري تصميم الرقائق، وكذلك مكاتب فرعية في بكين و«شنتشن».
في هذا الصدد، قال ستيف أبليتون، رئيس مجلس إدارة «ميكرون» السابق، في بيان، عام 2007: «يسعدنا أن نكون جزءاً متنامياً من صناعة التكنولوجيا في الصين».
لكن مع تكثيف خطة الصين الطموحة لأن تصبح منافساً عالمياً في التكنولوجيا، كانت «ميكرون» في بؤرة المنافسة التكنولوجية للبلاد مع الولايات المتحدة. في عام 2018، بدأت وزارة العدل الأميركية التحقيق مع شركات تصنيع الرقائق في الصين وتايوان بزعم سرقة أسرار تجارية من «ميكرون»، أقرت إحدى الشركات بالذنب، فيما لا تزال قضية أخرى قيد التحقيق.
خلال العامين الماضيين، أعطت ميكرون «إشارات واضحة للغاية» عن نيتها الحد من تعاملها مع الصين، بحسب السيدة هوي هي، مديرة وحدة أبحاث أشباه الموصلات الصينية بشركة «أومديا» لأبحاث التكنولوجيا.
قالت هوي: «كانت (ميكرون) واحدة من أكثر الشركات استجابة لسياسة الحكومة الأميركية»، لكنها أضافت أن الشركة لا تعتمد كثيراً على الصين؛ حيث شرعت «ميكرون» في تقليص أعداد الموظفين الصينيين وعمليات الإغلاق في مركز شنغهاي لتصميم الرقائق في يناير (كانون الثاني) 2022. وشأن كثير من صانعي الرقائق الغربيين، تتمتع «ميكرون» بحضور قوي في التصنيع في آسيا، بما في ذلك سنغافورة وتايوان، لكنها أعلنت مؤخراً عن خطط لبناء مصنع للرقائق بقيمة 100 مليار دولار في نيويورك، وهو ما وصفه الرئيس جو بايدن بأنه «أحد أهم الاستثمارات في التاريخ الأميركي».
استحوذت الصين الأم على ما يقرب من 11 في المائة من مبيعات الشركة في عام 2022، بتراجع قارب نصف مبيعاتها تقريباً قبل 5 سنوات، وفقاً لتقارير الشركة.
في أحدث تقرير للأرباح في مارس (آذار)، حذرت «ميكرون» المستثمرين من الحكومة الصينية قائلة: «قد تمنعنا من المشاركة في السوق الصينية أو تمنعنا من المنافسة بفاعلية مع الشركات الصينية». كما أكدت المخاطر التنافسية التي تواجهها من المنافسين الصينيين لأشباه الموصلات الممولين من الدولة.
وقال محللون في هذا القطاع إن الإجراء ضد «ميكرون» يهدف على ما يبدو إلى إرسال رسالة إلى صناع السياسة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة، مع مراعاة حماية الصناعة المحلية أيضاً. رحب المستثمرون في الصين بالأخبار، ما دفع أسهم شركات أشباه الموصلات المحلية إلى الارتفاع. وقال المحللون إن عملاء «ميكرون» الصينيين من المرجح أن ينقلوا طلبات التوريد من «ميكرون» إلى الموردين الصينيين في محاولة للتحوط من رهاناتهم.
لكن قضية «ميكرون» جاءت كتحذير للشركات الأجنبية، وتركت مستقبل «ميكرون» مهدداً، بحسب سام ساكس، زميل كلية الحقوق بـ«جامعة ييل»، الذي وصف مراجعة الأمن السيبراني بـ«الصندوق الأسود».
واستطرد قائلاً: «لا توجد معايير محددة يمكن الالتزام بها فحسب، بل ليست هناك نهاية محددة للعبة حال تم التقيد بمعاييرها، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير خطير».
اختتم ساكس قائلاً إن «كثيراً من الشركات تواجه الآن لحظة الحسم؛ هل يستحق عناء الوجود في هذه السوق الصعبة كل تلك التكلفة؟»