من إيلون ماسك إلى بيل غيتس.. أثرياء حاولوا بناء المدينة الفاضلة!

يخطط إيلون ماسك لبناء مدينته الخاصة لعمال SpaceX و The Boring Company خارج أوستن في تكساس الأميركية، وفقًا لتقرير حديث من Wall Street Journal.

وقال التقرير إن الملياردير ورفاقه اشتروا ما لا يقل عن 3500 فدان من الأراضي في باستروب بولاية تكساس، على بعد حوالي 35 ميلاً خارج أوستن، وقيل إن لافتات لمدينة تسمى “Snailbrook” بدأت بالفعل في الظهور في المنطقة.

ذكرت الصحيفة أن ماسك وموظفيه وصفوا رؤية المدينة بأنها “نوع من المدينة الفاضلة في تكساس على طول نهر كولورادو”، مشيرة إلى أن المدينة سيتم تجهيزها بمنازل جاهزة وحوض سباحة ومنطقة رياضية خارجية وصالة ألعاب رياضية، بالإضافة إلى مدرسة خاصة.

يخطط الرئيس التنفيذي لشركة Tesla أيضًا لبناء مجمع خاص خارج المدينة مباشرةً حيث يمكنه العيش، وفقًا للتقرير.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ماسك عن بناء مدينة، حيث قال ماسك إنه يخطط لتشكيل مدينة بالقرب من منشآت إطلاق SpaceX أيضًا في عام 2021 تسمى “Starbase” في بوكا تشيكا في تكساس، على بعد 350 ميلاً من Snailbrook.

يأتي هذا بالطبع إلى جانب خطط ماسك لبناء مدينة مكتفية ذاتيًا على سطح المريخ أعلن عنها لأول مرة في عام 2014.

في العام الماضي، قال ماسك إنه يتوقع أن يكون استعمار المريخ “عملًا شاقًا وصعبًا”. وقال إنه يأمل في أن يغتنم الأشخاص الذين سيستعمرون المريخ الفرصة “لإعادة التفكير في المجتمع”.

مارك لور

في عام 2021، أعلن مارك لور الرئيس التنفيذي السابق لشركة Walmart عن خطط لبناء مدينة فاضلة مستقبلية تسمى “Telosa” وهي كلمة يونانية قديمة تعني “الهدف الأسمى”.

في ذلك الوقت، قال لور إنه يريد بناء مدينة فاضلة يمكن أن يسكنها حوالي 50 ألف شخص بحلول عام 2030، وأشار إلى أن المدينة سيحكمها مزيج من المساواة والرأسمالية.

وقال إن Telosa ستبنى في الصحراء، لكنه لم يحدد الموقع بالضبط، وستوفر المدينة لمواطنيها وصولاً متساوياً إلى التعليم والرعاية الصحية والمواصلات، وسيتجول السكان بمركبات ذاتية القيادة، وستعمل المدينة على الطاقة المتجددة.

تشير التقديرات إلى أنه المدينة ستكلف حوالي 400 مليار دولار ويقول إنه من المحتمل أن يتم اختيار المواطنين من خلال عملية التقديم.

الملياردير بيتر ثييل

في عام 2008، أطلق ثييل مهمة لتطوير مدينة عائمة تسمى seastead، تعمل بشكل مستقل عن الدول الموجودة كجزيرة صغيرة مكتفية ذاتيًا.

قال المستثمر الملياردير إن المدينة ستكون ليبرالية هربًا من السياسة بجميع أشكالها، وخطت المجموعة خطوات مبكرة في التخطيط لبناء سلسلة جزر قابلة للفصل قبالة بولينيزيا الفرنسية وكان لديها اتفاق مبدئي مع البلاد ، لكن الحكومة قالت في عام 2018 أن عقدها مع معهد Seasteading “عفا عليه الزمن” و”لا يُلزم الدولة بأي شكل من الأشكال”.

غادر ثييل مجلس إدارة معهد Seasteading في عام 2011، ولكن حتى يومنا هذا، يواصل المعهد الترويج للفكرة على موقعه على الإنترنت.

الملياردير بيل غيتس

في عام 2017 ، استثمر بيل جيتس حوالي 80 مليون دولار في خطط لمدينة ذكية خارج فينيكس في أريزونا الأميركية.
اشترت إحدى الشركات التابعة لشركة استثمار غيتس أرضًا في جنوب غرب ولاية أريزونا لبناء مشروع مساحته 24800 فدان يتكون من مساكن ومدارس عامة ومكاتب وتجارية ومساحات بيع بالتجزئة، حسبما أفاد موقع AZ Central.
في ذلك الوقت، كانت الخطة تقضي ببناء 80 ألف منزل، منها 3800 فدان مخصصة للمساحات الصناعية والمكتبية والتجزئة، و3400 فدانًا من المساحات المفتوحة، و470 فدانًا مخصصة للمدارس العامة، وقيل أن المدينة ستعرف باسم Belmont.

قالت الوكالة التي تمتلك العقار Belmont Partners في ذلك الوقت إنه سيتم تصميمه ليشمل شبكات عالية السرعة، ومراكز بيانات ، وسيارات ذاتية القيادة، وتقنيات تصنيع جديدة، ومراكز لوجستية مؤتمتة.

من غير الواضح ما الذي حدث مع خطط التطوير منذ عام 2017.

لاري إليسون

في عام 2012، اشترى الشريك المؤسس لشركة Oracle حوالي 98% من جزيرة لاناي في هاواي مقابل حوالي 300 مليون دولار.

بعد الحصول على الأرض، قام بتسمية المدينة Nobu، وأنشأ منتجعًا به مركز صحي، وجدد الفنادق الموجودة في الجزيرة.

منذ ذلك الحين، أصبحت الجزيرة التي يقطنها حوالي 3000 شخص وجهة للأثرياء، من أمثال توم كروز وسيندي كروفورد وويل سميث. انتقل إليسون بنفسه إلى الجزيرة في عام 2020.

الملياردير مارك كوبان

اشترى المستثمر الملياردير مارك كوبان منذ فترة طويلة موستانغ في تكساس الأميركية مقابل حوالي 2 مليون دولار كخدمة لصديقه مارتي برايس.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت أن برايس كان يمتلك البلدة مع اثنين آخرين ولم يرغب في أن ترث زوجته مدينة أشباح.

تم إنشاء المدينة في عام 1973 عندما كان بها شركتان فقط، حسبما ذكرت التايمز. عندما تم تأسيسها في البداية ، كانت المدينة موطنًا لحوالي 21 شخصًا ، ولكن بعد إغلاق الشركتين في النهاية، انتقل السكان بعيدًا عنها.

قال كوبان لصحيفة دالاس مورنينج نيوز في عام 2021: “لا أعرف ماذا أفعل بها”.

استراتيجية روسية ـ صينية لدعم مواجهة أميركا اقتصادياً وعسكرياً!

تقول بعض المصادر المطلعة في أوروبا إن القمة الروسية الصينية التي انعقدت في موسكو في العشرين من هذا الشهر، كان مخططاً لها أن تعقد في بكين بزيارة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رأس وفد من الوزراء والفعاليات الاقتصادية، إلا أنه تم تغيير البرنامج وحصلت القمة بزيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو لأسباب قيل إنها تعود إلى ضرورة بقاء الوزراء والمسؤولين الروس قريباً من مراكزهم لدقة الأوضاع الراهنة بسبب حرب أوكرانيا.
إلا أن المصادر نفسها قالت إن التغيير الذي حصل كان بطلب خاص من الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي اتصل ببوتين وأخبره أن زيارته إلى روسيا ستكون رسالة واضحة لحلف الناتو عن مدى دعم بلاده لروسيا ووقعها سيكون أقوى بكثير من زيارة يقوم بها الرئيس الروسي لبكين التي من المؤكد سيتم تفسيرها على أنها لطلب المعونة.
وقد ترأس جينبينغ وفداً من 250 عضواً يمثلون كل أنشطة الدولة من تجارية وصناعية إلى مالية ودفاعية وطاقة وبناء ونقل… وقد فاق عدد مرافقي الرئيس الصيني الألف شخص مع الدبلوماسيين والمترجمين والإعلاميين ورجال الأمن. ودامت الزيارة خمسة أيام حرص خلالها المضيف على إبراز عمق العلاقة بين البلدين وإظهار فائق المودة الشخصية بين الرئيسين. وبعيداً عن المظاهر الاحتفالية عمل الوفد الصيني على توقيع العقود في شتى المجالات، ولعل أهمها عقود تجارية بقيمة 190 مليار دولار وإعلان وزير المال الروسي أنطون سوليانوف أن جميع العقود ستتم باليوان الصيني الذي أصبح يشكل 48% من سلة العملات الأجنبية لروسيا. كما تم الاتفاق على تسريع إنشاء خط سيبيريا 2، الذي ينتظر أن يمر فيه 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً نحو الصين، وبهذا يتم التعويض عن توقف تصدير الغاز إلى أوروبا.
ولافتاً كان الانتقاد الصيني للناتو وتدخله في شؤون الدول.
الواضح أن روسيا اليوم تعتمد بشكلٍ رئيسي على الصين اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً ولو بشكل غير معلن. فالصين هي الملاذ الآمن للدب الروسي الذي تطوله العقوبات من كل حدب وصوب، وهي المستورد الأكبر لكي لا نقول الأوحد للغاز والنفط والمعادن والمواد الزراعية، حيث لا يجرؤ الآخرون على استيراد الإنتاج الروسي لكي لا تطولهم العقوبات. ولكن من ناحية أخرى ما يعني الصين في نهاية المطاف ليس دعم روسيا التي حجم اقتصادها يقل عن حجم اقتصاد إيطاليا بقدر ما هو وراثة روسيا الاتحاد السوفياتي. فمن خلال مقدرتها على التأثير على القرار الروسي أصبح العملاق الآسيوي قوة لا بد من الاعتراف بها أوروبياً ودولياً.
في مداخلة لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق ومهندس العلاقة الصينية – الأميركية في يوليو (تموز) الماضي ضمن المؤتمر السنوي لمعهد ويلسون في نيويورك، يقول، وهو الخبير الأهم في شؤون الصين، إن ما تريده الصين هو اعتراف دولي وبالأخص أميركي بأنها دولة عظمى في عالم بقطبين، ويكمل كيسنجر بأن مسار الصين التوسعي لا يمكن إيقافه وأن تعامل بلاده معها هو خاطئ وغير مجد، وتمنى لو استشارته الإدارات المتعاقبة، لأنه كان سينصحها بعدم المواجهة بل بالتعاون كما حصل عندما فتح جدار الصين في سبعينات القرن الماضي وبنى جسوراً مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ووزير خارجيته شو إن لاي، وبهذا أنهى صراعاً مكلفاً للولايات المتحدة في فيتنام وجنوب شرق آسيا.
بعد ترحيب حار على مدرج المطار، ركزت كاميرات التلفزيون الحكومية الروسية ليُسمع شي جينبينغ يقول لبوتين إنه يتوقع إعادة انتخابه العام المقبل.
قبل رحلته، وقّع شي «مقال رأي» في شكل رسالة مفتوحة في وسائل الإعلام الحكومية الروسية وصف علاقة البلدين بأنها علاقة «الصداقة والتعاون والسلام». دعت الرسالة إلى زيادة التبادلات الاقتصادية والتبادلات الشعبية بين الصين وروسيا، ولكنها تضمنت أيضا فقرتين عن الحرب. أكد شي على أهمية احترام «المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان»، مع تكرار التصريحات الواسعة الأخرى التي أدلت بها بكين من قبل.
يأتي حذر الغرب جزئيا من قرب بكين الواضح من موسكو. على الرغم من ادعاءاتها بالحياد، حافظت الصين على دعمها لروسيا في شكل مشتريات من الطاقة والحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة. كانت هناك تقارير تفيد بأن الصين تزود روسيا بمعدات عسكرية غير فتاكة، وحذرت الولايات المتحدة الصين من المضي قدما من خلال توريد الأسلحة. منذ اندلاع الحرب، زادت التجارة الثنائية بنسبة 36 في المائة. وواصلت الدولتان تدريباتهما العسكرية المشتركة في أماكن مثل المحيط الهندي وبحر العرب.
لكل هذه الأسباب، لا تعتبر الصين في نظر الغرب وسيطا موضوعيا عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه لا يمكن تصورها تلعب دورا أساسيا في أي مفاوضات في نهاية المطاف.
كانت كييف، على الرغم من تشككها، أكثر تقبلا لخطة الصين المكونة من 12 نقطة من الولايات المتحدة، قائلة إنها كانت مفتوحة الصدر لأجزاء منها. قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يريد مناقشة الخطة مع شي.
بعد كل شيء، يحتاج بوتين إلى شي أكثر مما يحتاج شي إلى بوتين. منذ بدء الحرب، أصبحت روسيا معزولة بشكل متزايد سياسيا واقتصاديا، وتأتي الصين باستمرار لإنقاذها. في هذه العملية، جعلت روسيا الشريك الصغير والطالب المساعدة في علاقتهما.
علاوة على ذلك، لا تدعم بكين موسكو انطلاقا من العلاقات التاريخية العميقة أو القيم المشتركة، بل على العكس من ذلك، فإن الصداقة الحميمة على «مستوى السطح» بين الزعيمين تحجب التنافس التاريخي بين البلدين. علاقتهما هي علاقة تقوم على مشاركة عدو مشترك – الولايات المتحدة.
أظهر اجتياح أوكرانيا أن هناك في الواقع حدودا «لصداقة الصين وروسيا البدون حدود»، كما وصفا علاقتهما قبل أسابيع فقط من الاجتياح الروسي. وجدت بكين نفسها مدفوعة إلى زاوية دبلوماسية، مع عواقب سياسية واقتصادية محتملة بغض النظر عن المسار الذي تختاره.
إن الوقوف مع موسكو للنهوض بهدفهما المتبادل طويل الأجل المتمثل في إضعاف الغرب سيكون في نهاية المطاف غير متوافق مع تعميق العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، إنها أولوية للصين وهي تخرج من سياستها «صفر كوفيد».
يأمل البعض في أوروبا أن تأثير الحرب على مكانة الصين يمكن أن يفوق في نهاية المطاف فوائد شراكة شي مع بوتين. معظمهم أكثر حذرا ويشككون في أن هذه الصداقة غير المتكافئة ستترجم إلى سلام لأوكرانيا. من وجهة النظر هذه، قد تستخدم الصين نفوذها، ولكن ليس في السعي لتحقيق السلام. بدلا من ذلك، ستكون المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للصين أولوية بكين.
مرة أخرى، هذا لا يعني أنه لا يوجد مكان لبكين في محادثات السلام. وقد يكون هناك وقت يتماشى فيه السلام في أوكرانيا مع مصالح بكين العاجلة. ولكن في الوقت الحالي، تتمثل النتيجة الملموسة لزيارة شي في علاقات اقتصادية أقوى بين الصين وروسيا الخاضعة للعقوبات وإضفاء الشرعية على متهم رسمياً من محكمة لم تعترف روسيا بها أصلاً.

 

هدى الحسيني

ما هو الرقم المناسب لدولار رواتب القطاع العام؟

ما جرى في موضوع دفع رواتب موظفي القطاع العام على سعر 60 ألف ليرة للدولار، عبر منصة «صيرفة»، هو نوع من أنواع ربط الرواتب بالدولار وتثبيتها. فكيف سينعكس هذا الواقع على الوضع العام؟ وما هي إيجابيته وسلبياته؟

لا شك في انّ الاقتصاد الوطني يحتاج الى القطاع العام لكي يستمر بالحد الأدنى القائم حالياً، لا سيما أننا في دولة مركزية ترتبط كل المعاملات التي يحتاجها القطاع الخاص والافراد بمؤسسات القطاع العام. وبالتالي، إن المعادلة بسيطة: من دون قطاع عام سيسقط القطاع الخاص، ولو بعد حين، وسينتقل الوضع الى مشهد أشدّ تعقيداً.

هذا الواقع يعني انّ حماية موظفي القطاع العام، وتأمين القدرة على صمودهم واستمراريتهم للابقاء على المرفق العام شغّالاً، من المسلمات التي لا نقاش فيها. بالاضافة طبعاً، الى القسم المتعلق بالقوى العسكرية والامنية، حيث تصبح الحاجة الى ضمان الحد الأدنى للعناصر والضباط والمؤسسات العسكرية والامنية واجب الوجوب.

وبالتالي، فإن ربط رواتب القطاع العام بتسعيرة ثابتة للدولار، هو إجراء مطلوب في هذه المرحلة، طالما اننا لا نزال بعيدين من الحل الشامل الذي سيعالج اساس الأزمة وينفي الحاجة الى كل الاجراءات الاستثنائية، وبعضها شاذ، التي يتمّ اتخاذها مؤقتاً.

لكن مثل هذا الاجراء يحتاج الى عناية خاصة لئلّا يتحوّل الى عبء اضافي على البلد، من خلال دراسة هادئة للكلفة اولاً، ولكيفية تأمين الاموال. اذ انّ ما قيل قبَيل صدور قرار الدفع على سعر 60 الف ليرة للدولار، هو انّ وزارة المال ستتحمّل الفرق من خلال الدولارات التي تدخل الى الخزينة من ايرادات دولارية. (الموظفون لم يوافقوا على الرقم بعد، ويطالبون بدولار على سعر 45 الف ليرة). هذه الايرادات الدولارية ضئيلة طبعاً، والدولة تحتاج كل دولار منها لتسيير الضروريات القصوى. وبالتالي، لا بد من احتساب هذه الايرادات الدولارية بعناية، وضمان عدم تكبير فجوة العجز في الموازنة، لأنّ ذلك سيزيد الضغط على الاقتصاد الوطني المهترئ اصلاً، وسيتسبّب بتكبير فجوة الديون التي لا يبدو حتى الان انّ الحكومة تخطّط لتسديدها يوماً ما. وبالتالي، سيدفع المجتمع مجدداً ثمن هذا الانحدار.

في حسبة مبدئية لا ترتكز على ارقام دقيقة بسبب غياب الارقام في البلد، بما فيها ارقام اعداد موظفي القطاع العام، واستناداً الى بند الرواتب، يتبيّن انّ مجموع ما تدفعه الدولة من رواتب حالياً يصل الى 36 الف مليار ليرة. وهذا يساوي حوالى 350 مليون دولار وفق السعر الحقيقي للعملة الخضراء في السوق الحرة. هذا الرقم زهيد جدا قياسا بحجم الرواتب قبل الانهيار. وهو يساوي حوالى 490 مليون دولار اذا احتسبناه على «صيرفة» الـ60 الف ليرة. في المقابل، فإنّ حجم الايرادات المقدّرة في موازنة 2022 تبلغ 39 الف مليار ليرة، أي حوالى 380 مليون دولار. وتصل النفقات المقدرة الى حوالى 47 الف مليار ليرة، اي حوالى 460 مليون دولار. واذا أخذنا في الاعتبار ان الانفاق في موازنة 22 كان محتسباً وفق الرواتب السابقة، اي قبل زيادة اساس الراتب ثلاثة اضعاف، وزيادة بدل النقل والتوابع، فهذا يعني ان الانفاق في العام 2023 سيصل الى 60 الف مليار من دون احتساب الزيادات التي ستطرأ جرّاء الخطأ في تقدير الواردات وكذلك في تقدير الانفاق.

هذه الارقام، تقود الى حقيقة واحدة، وهي انّ استمرار الامور كما هي اليوم سترفع نسبة العجز في الموازنة الى مستويات قياسية لم تشهدها الموازنات قبل الانهيار، وهي موازنات كانت تدفع خلالها الدولة فوائد على الدين العام بما يُقارب الـ5 مليارات دولار، اي ما يوازي 10 موازنات من الحجم الحالي!

في الاستنتاج، لا بد من ربط رواتب القطاع العام بسعر ثابت للدولار للحفاظ على حد أدنى يضمن استمرارية العمل في القطاع، ولكن لا بد من إجراءات مواكبة تضمن ألا يتحول هذا الاجراء الى فجوة تتم ترجمتها من خلال الاستعانة مجدداً بالدولارات الاحتياطية العائدة الى المودعين، والتي لا تزال موجودة في مصرف لبنان. وبالمناسبة، هذه الدولارات، والتي تعتبر ملكية خاصة للمودعين، تصرّفت بها الحكومات منذ الانهيار وكأنها ملكٌ عام، وهي بذلك أمّمت اموال الناس وأنفقتها بلا حسيب او رقيب، بحيث فقد المودعون حوالى 20 مليار دولار من الاموال العائدة لهم، والمودعة قسراً في بنك الدولة المركزي.

تثبيت دولار رواتب القطاع العام سيرتّب خسائر لا تقل عن 20 الف مليار ليرة، وعلى الحكومة ان تتخذ اجراءات مواكبة تؤمّن مثل هذا المبلغ، لا ان تَستسهِل مدّ يدها مجدداً على اموال الناس، وبقوة الأمر الواقع. وهذا هو المطلوب اليوم لضمان الحد الادنى من حقوق الموظفين، والمحافظة على الحد الأدنى من حقوق المودعين.

أنطوان فرح

تفكيك الشركات التقنية

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أطلقت الحكومة الصينية حملة شرسة حاربت فيها الميول الاحتكارية للشركات التقنية. على رأس هذه الشركات كانت «علي بابا»، التي أُوقف الطرح الأولي لذراعها المالية (آنت غروب)، وغرمت بمبلغ فلكي قارب 2.8 مليار دولار بسبب الاحتكار. وأعلنت الحكومة الصينية في مارس (آذار) 2021، أنها ستشدد القوانين بمكافحة الاحتكار، لتستحدث بعدها بأشهر قوانين جديدة تستهدف مكافحة المنافسة غير العادلة. بعد سنتين ونصف من بداية الحملة، جاءت نتائج هذه الإجراءات، وكانت بإعلان «علي بابا» الأسبوع الماضي تقسيم الشركة إلى ست شركات منفصلة حسب الأنشطة التجارية، لكل شركة منها رئيس تنفيذي، ومجلس إدارة خاص بها، لتكون بذلك نهاية دوامة عانت منها «علي بابا»، وخسرت خلالها أكثر من ثلثي قيمتها السوقية. ردة فعل السوق كانت إيجابية من إعلان «علي بابا»، فارتفعت أسعار الأسهم، وساد التفاؤل بين أوساط المساهمين، لا سيما أن الشركة أوضحت في إعلانها أن هذا التقسيم سيكون مفيداً للمساهمين الذي ستعظم ثروتهم بعد انطلاق الشركات الست، وطرحها للاكتتاب في المستقبل.
حالة «علي بابا» أعادت طرح موضوع تفكيك الشركات التقنية العملاقة مرة أخرى، وهو موضوع كان في أوجه إبان الانتخابات الأميركية السابقة عام 2019؛ حيث تمحورت حملة المرشحة الديمقراطية (إليزابيث وارن) حول تفكيك الشركات التقنية إلى شركات أصغر. ولدى (وارن) المعرفة العميقة حتى تقترح هذا الإجراء الذي يبدو للبعض كأنه اقتراح شعبوي لا يراد منه إلا جذب الشعبية، وكسب الأصوات. فقد كانت قائدة الفريق الذي أنشأ مكتب الحماية المالية للمستهلك بعد أزمة عام 2008، ولديها الخبرة الكافية في المواجهات والصدامات مع شركات «وول ستريت».
ويجادل الذين يريدون تقسيم الشركات التقنية، أن هذه الشركات لديها من البيانات ما يجعلها أقوى من أن تُنافس من الشركات الصغرى، وهذه البيانات تأتي من فروع الشركة الكثيرة، وميزة الاطلاع على بيانات المستخدمين، وإعادة استخدام هذه البيانات لتطوير الشركة بشكل لا يتأتّى للشركات الصغيرة. السبب الآخر – وهو أحد دوافع الحكومة الصينية لتفكيك «علي بابا» – أن هذه الشركات أصبحت تملك قُوى لا تمتلكها حتى الدول، وتحولت هذه القوّة من قوة سوقية إلى قوة سياسية، فأصبح للشركات نفوذ سياسي لا يستهان به، كما غدت أحد أهم اللاعبين في جماعات الضغط (اللوبيات)، وهو على الأرجح ما عطّل القرار الأميركي في تفكيك هذه الشركات. أحد الأسباب كذلك أن هذه الشركات، ومع ادعائها بدعم الابتكار، إلا أنها وبهيمنتها على السوق، وقمعها للمنافسين لا تدعم إلا الابتكار القائم داخل أسوارها والموجّه بتوجهها الخاص، والأمثلة كثيرة على شركات تقنية استحوذت على أخرى ناشئة، وأنهت جميع أنشطتها بهدف قمع منافستها، ولو كانت هذه الشركات العملاقة أقل حجماً لما كانت لها القدرة على هذه الاستحواذات.
أما الذين لا يرون صحّة تفكيك الشركات العملاقة فهم يرون أن أول تأثير لهذا الإجراء هو زيادة التكاليف على المستهلك؛ فكفاءة الشركات الكبيرة تقلل من تكاليف تشغيلها، وتفكيكها إلى شركات أصغر يزيد التكاليف. كما أن الشركات الكبرى لديها الإمكانية والملاءة المالية المناسبة للاستثمار في البحث والتطوير على المدى الطويل (أكثر من عشر سنوات)، بينما تحد القدرة المالية الشركات الصغرى من الدخول في هذه الاستثمارات.
إن ما فعلته الصين بتفكيك «علي بابا» خلال سنتين ونصف، يناقشه العالم الغربي – وهو مقتنع بجدواه – منذ أكثر من 7 سنوات. ومع أن الولايات المتحدة تحديداً لها خبرة سابقة في تفكيك الشركات العملاقة بهدف منع الاحتكار مثل ما حدث مع شركة «AT&T» فإنها لم تتخذ أي إجراء تجاه شركاتها التقنية الحالية. وقد سبق للاتحاد الأوروبي أن هدد بتفكيك هذه الشركات في حال لم تلتزم بالأنظمة الأوروبية، إلا أن ذلك لا يتعدى كونه تهديداً. ويبدو أن الشركات التقنية كانت أذكى كثيراً من الحكومات الغربية خلال السنوات الماضية، فهي قد دمجت عملياتها وأنشطتها، بل حتى ملكياتها الفكرية ليكون من الصعب على الحكومات تفكيكها في المستقبل، ولكن يبدو أن الحكومة الصينية، بما لديها من قوة تنفيذية، تمكنت من هذا الفصل للشركات التقنية. وتبقى السوق تنتظر القوانين التي تفصل في تبادل البيانات بين شركات «علي بابا» الست، والذي يعد أهم نتيجة لهذا التفكيك، فلو كان تبادل البيانات بين هذه الشركات كما هو الآن، لما كان لهذا التفكيك أي داعٍ.

د. عبد الله الردادي

إنحلال الدول وتوقيتها… النموذج اللبناني

يقع لبنان في قبضة أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث، لا سيّما أنّها متجذّرة في عقود من الفساد وسوء الادارة من قِبل الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية. هذا وما زالت الطبقة السياسية تقاوم تنفيذ الاصلاحات كما يطالب بها المجتمع الدولي.

منذ بدء الانهيار الاقتصادي، يعيش ثلاثة أرباع سكان لبنان، بما في ذلك مليون لاجئ سوري، في فقر مع تضخّم آخذ بالارتفاع. وأخيراً، حدّد البنك المركزي سعر الصرف الرسمي عند 15000 ليرة للدولار، بينما سعر السوق السوداء يُستخدم الآن في جميع المعاملات تقريباً. ومع التعاميم المتتالية لمصرف لبنان، والتي أقل ما يُقال عنها إنّها تخالف الأعراف الاقتصادية والمالية، وتضرب بعرض الحائط كل الأسس الاقتصادية والمالية، في أكبر عملية رشوة يتعرّض لها شعب بكامله، ألا وهي الصيرفة. أي انّها سياسة ملتوية لإلهاء النّاس عن الأساس ودفعهم إلى المغامرة من أجل مبلغ من المال سيدفعونه حتماً في المحلات التجارية، وهذا ما يُعرف بالاقتصاد بـ «Money Illusion».

حسب البنك الدولي، يعيش لبنان واحدة من أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر (البنك الدولي- 1 حزيران 2021). والسؤال يبقى، ما مدى سوء الوضع، وكيف تتعامل معه الطغمة الحاكمة، والتي على ما يبدو فقدت شروط ومقوّمات الحسّ الوطني منذ زمن بعيد؟

 

وذكر البنك الدولي، أنّ الناتج المحلّي الاجمالي إنخفض إلى ما يقدّر بنحو 20.5 مليار دولار في العام 2021 من حوالى 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع الانكماش المرتبط عادة بالحروب. وفقدت الليرة اللبنانية حوالى % 95 بالمائة من قيمتها، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وهدم القوة الشرائية في بلد معتمد في إجماله على الاستيراد.

وقالت وكالة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، إنّ معدّلات الفقر قفزت بشكل كبير بين السكان، مع تصنيف 80% من السكان على أنّهم فقراء. هذا بالإضافة إلى الخسائر التي عانى منها النظام المالي، حيث تُقدّر الخسائر الاجمالية بحوالى 70 مليار دولار، وقد يرتفع هذا الرقم إذا لم تتمّ معالجة الأمور بشكل جدّي وجذري.

 

يبقى الأهم، أنّ مصرف لبنان يتلاعب بالدولار ويحاول إعادة هيكلة أمواله، علماً أنّ كل هذا يتمّ ضمن خطة تلاعب اسمها «صيرفة»، وإغلاق المصارف أبوابها وتوقف الخدمات العامة. وتتحدّث المؤسسات الدولية عن أنّ لبنان أصبح «دولة فاشلة»، كما انّ حالة الأمن الغذائي مقلقة مع انخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة التي تمنع الأسر من الحصول على ما يكفي من الغذاء والاحتياجات الأساسية اليومية.

يقول عبدالله الوردات، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في لبنان: «أصبح عدد الأشخاص الذين يعتمدون الآن على المساعدة في لبنان أكثر من أي وقت مضى». ولبنان اليوم يعتمد معظم شعبه على المساعدات العائلية الخارجية، والتي بلغت في السنوات الأخيرة مبالغ جديرة بالذكر.

 

كلّ الذي ذكرناه غيض من فيض. ويبقى الأهم السؤال الذي يجب أن نطرحه: لماذا كل الدول تتعاون مع صندوق النقد الدولي إلّا لبنان؟ وهل شروطه مستعصية علينا، أم أنّها لا تناسب بعض فئات تعيش على التهريب والسرقة والفساد؟ وهل أنّ ضبط الحدود البريّة والبحريّة أمر غريب في أي دولة؟ أو انّ تطهير الادارة من فائضها ليس بالوارد لجماعات عاشت على هذه الاستنسابية، ضاربة بعرض الحائط مؤسّسات نفتخر بها، لا سيما أنّها تعطي فكرة واضحة عن بلدٍ بات محلولاً، وتضرب بعرض الحائط كل ما سعى رجالات لبنان لبنيانه، لا سيما المجلس التأديبي ومجلس الخدمة المدنية وغيرها من المؤسّسات التي أصبحت بحكم المنسيّة؟ وهل نحن على خصام مع المجتمع الدولي والمؤسّسات الدولية، ونرفض معونتها الّا بشروطنا؟ وما هي هذه الشروط سوى الإبقاء على الفساد والسرقة والتهريب، لطبقة حكمت البلد منذ سنين ولا تزال؟

يبقى القول، إنّ التزامنا مع صندوق النقد الدولي يبقى المخرج الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم، ويضع لبنان على سكة الخلاص، الّا إذا كان المسؤولون فيه يطبّقون أجندة عمل أجنبية تسعى بلبنان إلى الخراب والزوال. ويبقى السؤال: هل نحن ندق أبواب التقسيم والكانتونات المذهبية، وهذا وللأسف ليس بالغريب في ظلّ ما يحدث من تجاذبات تأخذ منحى طائفياً، وتجيّش عامل الفرقة والتفاوت في التفكير بين مختلف فئات المجتمع اللبناني؟

 

أما الوقت والتوقيت فهو عالمي، والجدل والاستنسابية لا ينفعان في مثل هذه الحالة.

 

بروفسور غريتا صعب